الأحد، 24 أغسطس 2008

وثيقة وأْد الاحتقان .. وأدها الاحتقان نفسه!

Sphere: Related Content
"حزب الله" سعى من تفاهمه المجمّد مع السلفيين الى تسجيل خرق في مجالين حيوين
وثيقة وأْد الاحتقان .. وأدها الاحتقان نفسه!

حزب الله: لا يريدون اي تفاهم يسبق لقاء نصر الله – الحريري
المستقبل: الخلاف عمودي ولا حل في انتظار طاولة الحوار


تنشر في "الاسبوع العربي" في 1/9/2008
تنامى الحديث في الآونة الاخيرة عن الصراع السني- الشيعي في المنطقة على خلفية بروز ايران قوة سياسية لها دورها واهميتها في الشرق الاوسط، وهي دولة فارسية مسلمة غير عربية اتت لتنازع الدول السنية العربية على زعامة الشرق وقيادته لتحقيق مشروعها المعلن بدعم المقاومة لهزيمة "الشيطان الاكبر". وترجم هذا الصراع في لبنان، البلد الجامع لكل التناقضات، اشتباكا مسلّحا في شوارع بيروت والجبل عكس حدة المواجهة الاقليمية من جهة كذلك حدة الصراع على السلطة في لبنان من خلال صراع مشروعين بقيادة كل من الطائفتين السنية والشيعية.
بات التباعد بين السنة والشيعة مترسخا في عقول الزعماء كما المواطنين لا سيما بعد الاحتكاك المباشر في الشارع وسقوط ضحايا من قتلى وجرحى لمختلف الاطراف المتنازعين. وقد خرقته وثيقة تفاهم بين "حزب الله" وبعض التيارات السلفية وقّعت مطلع الاسبوع الفائت ولم تعش سوى اربع وعشرين ساعة ليجمّدها الطرف السلفي الموقع بعد ضغوط شتى قال انه تعرض لها.
وفور تعميم خبر توقيع الوثيقة، كثرت التساؤلات والتحليلات عن الخلفيات والدوافع والاهداف من ورائها، واستمرت تداعيات المسألة ومواقف الاطراف المعنية مدعاة شكّ وغموض لدى المتابعين للوضع السياسي خصوصا والرأي العام اللبناني عموما، حتى بعد القرار بتجميد الوثيقة.
سياسة المواجهة ثم الانفتاح
وفي وقت اعتبر بعض المحللين، في الفترة التي تلت احداث ايار (مايو)، انّ "حزب الله" بعد ما وجد انّه يخسر اوراقه الرابحة محليا بتراجع الاجماع حوله وحول سلاحه الذي كان مرفوعا في وجه اسرائيل وليس الى الداخل اللبناني، واقليميا مع المسار التي تسلكه المنطقة نحو الهدنة وليس نحو الحرب خصوصا في ظل التفاوض غير المباشر بين سوريا واسرائيل، عمد من خلال الاحتكاك مع الجزء الاكبر من الطائفة السنية الى ايقاظ الحركة السلفية والاصولية في محاولة لاجتراح ذريعة جديدة لبقائه واستمراره بالقول انّه في مواجهة داخلية مع هذه الحركات السلفية التي ظهرت الى العلن بعد احداث ايار (مايو) الفائت وخصوصا بعد احداث الشمال الاخيرة والتفجير الارهابي الذي وقع واستهدف عناصر من الجيش اللبناني ومواطنين ابرياء".
وفيما تعالت اصوات قوى الموالاة عن ضلوع الحزب في احداث طرابلس وفي المواجهات الاخيرة التي شهدتها عاصمة الشمال التي عاشت فترات قليلة من الهدوء في ظل الاختراقات الامنية المتقطعة والعنيفة احيانا كثيرة بين منطقتي بعل محسن وباب التبانة الى ان دوّى التفجير الارهابي الاخير عشية زيارة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان لسوريا، وفيما رأى بعض الاطراف في توقيع "حزب الله" وثيقة التفاهم مع قوى سلفية في طرابلس خير دليل على تورطه في الاحداث التي شهدتها، ترى اوساط المعارضة ان "حزب الله" اثبت مرة جديدة من خلال وثيقة التفاهم مع الحركات السلفية "حرصاً حقيقياً على الوحدة الوطنية ووعياً سياسياً مميزاً يحصن الوطن ضد الفتنة المحتملة والتفجيرات التي تعمل عليها بعض الأطراف المرتهنة للمشاريع الخارجية، واضعة التفاهم في خانة رأب الصدع واعادة رصّ الصفوف الاسلامية".
انفتاح .. ولكن
ويقول بعض المتابعين لمسار تطور الاحداث ان "حزب الله" اراد من خلال الوثيقة "ممارسة سياسة انفتاحية هادئة في اتجاه القوى السنية السياسية والدينية بمختلف مشاربها، وخصوصا بعد الحوادث التي شهدتها بيروت ومناطق لبنانية اخرى في أيار (مايو) الفائت، لان قيادته تدرك جيدا أهمية حضور صورة "المقاومة الاسلامية" في وجدان أبناء الطائفة السنية سواء في لبنان او في العالمين العربي والاسلامي".
ويعتبر هؤلاء أن هذه "الخطوة لم تأت من فراغ، فبعد حوادث بيروت وعدد من المناطق عقدت سلسلة لقاءات بعيدة من الاعلام جمعت ممثلين لعدد من التيارات الاسلامية السلفية مع مسؤولين عن الحزب، من أمثال رئيس مجلسه السياسي السيد ابرهيم أمين السيد ونائبه محمود قماطي والشيخ عبد المجيد عمار، وتولى ترتيب هذه الاجتماعات في العاصمة المسؤول عن الحزب في الشمال محمد صالح. ويلفتون الى ان "الجهات السلفية التي وقّعت الوثيقة ثم جمّدتها لا تمثل كل مشارب التيارات السلفية في لبنان لان بعضها يكفّر علنا "حزب الله" والطائفة الشيعية في الاساس، وقد رفعت حوادث أيار (مايو) منسوب التباعد بين الطرفين".
ويربطون حركة "حزب الله" في اتجاه بعض السلفيين بالانفتاح المماثل على النائب وليد جنبلاط الذي أبدى تراجعا نوعيا عن مواقفه في الفترة الاخيرة، لافتين الى انّ الحزب يكون قد حقق من خلال هذه الحركة قبل بدء مؤتمر الحوار الوطني المزمع عقده قريبا في قصر بعبدا وفي رأس جدول أعماله الإستراتيجيا الدفاعية، اختراقين مهمين في مجالين حيويين:
-الأول، هو مجال العلاقة مع جنبلاط التي تتحرك بوتيرة تصاعدية في اتجاه الانفراج وأفق سياسي جديد، بعدما كانت وصلت إلى أسوأ وضع لها في أيار (مايو) عندما انفجرت الأزمة المتراكمة بين الطرفين مواجهات مسلحة في الجبل. ومن مؤشرات الانفراج:
أ-التحية التي وجهها الامين العام للحزب السيد حسن نصر الله إلى بيروت والجبل وأهله في خطابه في الذكرى الثانية لحرب تموز (يوليو)،
ب-انتقاد جنبلاط للخطابات والكلمات التي ألقيت في مجلس النواب ووصفه لها بأنها «مواقف ومزايدات انتخابية بما فيها تلك التي طاولت سلاح المقاومة،
ج-إشادته بخطاب رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد في جلسات مناقشة البيان الوزاري، وتمايز نواب اللقاء الديموقراطي عن زملائهم في المولاة، بأن نأوا عن منصة إطلاق الهجوم على الحزب وسلاحه،
د-مطالبة جنبلاط الصريحة بسحب موضوع السلاح من التداول السياسي، لأنّه "أكبر منا ويتصل بمعادلة إقليمية"، في وقت يبرز هذا الموضوع بندا أول على الأجندة السياسية لقوى الموالاة ومرشحاً الى أن يكون مادة أساسية في الحملات الانتخابية.
-والثاني، هو مجال محاولة اختراق الساحة السنية من خلال التفاهم مع بعض القوى السلفية. ويقول المتابعون ان "العلاقة مع جنبلاط تتحرك بوتيرة تصاعدية في اتجاه الانفراج وأفق سياسي جديد".
لماذا جمّدت الوثيقة؟
وفي حين كادت سياسة "حزب الله" الانفتاحية تنجح، في محاولة وصفها بعض اعضاء الموالاة بـ "التجربة الفاشلة لاختراق الساحة السنية في طرابلس بهدف قسمة صفوفها تحضيرا للانتخابات النيابية المقبلة في ربيع السنة 2009 ضد تيار "المستقبل"، الذي سبق للطرف السلفي الموقّع ان اعلن موافقته على الوثيقة "والا لما كان اقدم على توقيعها"، جاءت خطوة تجميد وثيقة التفاهم دليلا على صعوبة اختراق الصف السني، حتى من باب الاتفاق على مبادئ عامة تحرّم الاقتتال واللجوء الى العنف والى السلاح لحل النزاعات.
وبعد الغموض الذي احاط بمواقف نواب "تيار المستقبل" حيال الوثيقة، وخصوصا نواب طرابلس الذين حرصوا على ابراز على ان التيار ليس طرفا في الوثيقة، ولكنهم يدعمون اي توجه يمكن ان يؤدي الى تخفيف الاحتقان المذهبي في لبنان، يلفت احد نواب تيار "المستقبل" الى ان "لا علاقة للوثيقة بسحب فتيل التشنج من طرابلس خصوصا ان "حزب الله" يرفض مقولة انه طرف في ما يحصل في عاصمة الشمال". ويقول انّ المشكلة في البلاد هي سياسية في الاساس، لذلك يجب ان يكون حل الامور في السياسة اولا. ويضيف: "على الرغم من انّه قد يعاد العمل بهذه الوثيقة فانّ الخلافات الموجودة بين المجموعات السلفية الموقّّعة و"حزب الله" لا تزال هي هي، وتاليا الخلاف السياسي العمودي الموجود في البلاد لم يتغير ونحن في انتظار جلسات الحوار حتى نصل الى نتائج".
ويشير الى "ان الحركة السلفية ليست حركة واحدة، بل انها مجموعات من حاملي الفكر السلفي، اما من الناحية السياسية العملية فلكل منها توجهها الخاص. ويقول: احيانا قد يغالي طرف ما برفضه لما يقوم به الطرف الآخر، لذلك تخص هذه الوثيقة مجموعة سلفية وليست بين "حزب الله" وجميع السلفيين، وهي محاولة لتخفيف الاحتقان المذهبي ولكنها لا تغني عن القول بأن المشكلة هي في الاصل سياسية.
وفي ظل التساؤلات عن الاسباب التي ادت الى تجميد الوثيقة التي لم تبصر النور الا ليوم واحد،
يبدي "حزب الله" تفهما لقرار الدكتور حسن الشهال وحجم الضغوط التي تعرّض لها، معتبرا أن ما حصل لم يلغ حقيقة أن إنجازا كبيرا قد تحقق على الرغم من قرار التجميد، ومؤكدا أن الخلاف الذي جرى لم يكن حول مقاطعة "حزب الله" وإنما على طريقة الحوار معه، بمعنى أنّ هناك من يرفض أن يقتصر الحوار على طرف دون سواه ويريده أن يشمل كل الأطراف. ويشير الى "انهم لا يريدون لمثل هذا التفاهم أن يسبق اللقاء الذي سيجمع السيد نصرالله ورئيس كتلة "المستقبل" النائب سعد الحريري.
تداعيات التفرد
وتكشف مصادر مطلعة على مجريات الاحداث المتتالية أنّ "توقيع الوثيقة أثار بلبلة في الساحة السنية وهذا أمر لا يمكن تحمل تداعياته في ظل وجود أطراف تعمل على زرع الفتنة". وتعتبر أنّ "المجتمعين المعترضين على وثيقة التفاهم إنتقدوا مبدأ التفرد في موضوع كان يحتاج بتّه إلى تواصل مع المرجعيات الدينية حتى يؤتي ثماره فيكون عبارة عن حوار جدي وليس مجرد اتفاق على نقاط ليس حولها اختلاف وإنما هي مسائل متفق عليها شرعا، في حين أنه لم يتمّ التعرض في الوثيقة الموقّعة إلى النقاط الخلافية الموجودة مع الطرف الاخر اي "حزب الله" لا سيما بعدما أقدم على التعرّض الى الطائفة السنية".
وتضيف ان "هذا التفاهم جاء بمثابة خطوة ناقصة إذ إنه لم يقدم شيئًا للطائفة السنية"، لافتة إلى أن الدكتور حسن الشهال اتخذ قراره بتجميد العمل بالتفاهم بعدما لمس البلبلة التي أثارها عند اهل السنة وأبدى تجاوبا مع مطلب السلفيين لا سيما مع الموقف الذي اتخذه مؤسس السلفية داعي الإسلام الشهال والذي كان له وقعه على السلفيين عموما".
وتعتبر المصادر انّ "قرار الدكتور حسن الشهال أتى في سياق طبيعي للأمور لأن التوقيع لم ينل غطاء سنيا داخليا وإقليميا، مشيرة إلى أن "ثمة من فسّر ما حصل على أنه محاولة من "حزب الله" للالتفاف على النائب الحريري والاسهام في شق الصف السني في وقت تبذل فيه محاوات جدية لتوحيده".

ليست هناك تعليقات: