الاثنين، 25 يناير 2010

Sphere: Related Content

ادارة ساركوزي تصوّب الصورة النمطية التي رُسمت عن العلاقة الفرنسية - اللبنانية

الحريري في باريس: تصليب الدرع الواقية

دمشق بوابة العبور الفرنسي الى الشرق الأوسط لكن بيروت لا تزال مفتاحا مهما

باريس تجدد التحذير من حرب اسرائيلية مدمرة

ينشر في "الاسبوع العربي" في 1/2/2010

الاطلالة الرسمية الدولية الاولى لسعد الحريري من باريس حملت الكثير من المضامين السياسية والشكلية، وأكسبت الزيارة بُعدا واسعا، وأتت في سياق ما بدأه رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان لجهة ترميم مظلة الحماية الدولية بعد اعوام صدّت هذه المظلة وجعلت لبنان عرضة لشتى الخروق والتدخلات والحروب.

عاد رئيس الحكومة سعد الحريري من باريس محملا بالتزام فرنسي لدعم حكومته وإصلاحاتها الاقتصادية والجيش اللبناني واحتياجاته العسكرية، أما الترجمة فتبقى رهن معطيات لبنانية وفرنسية، على رغم ان المتداول من معطيات افاد ان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أبلغ الحريري موافقة بلاده على تزويد الجيش بالصواريخ والمعدات العسكرية المطلوبة لبنانيا، اذ انه "لا يمكن مساندة استقلال لبنان والدفاع عنه من دون تزويد جيشه بوسائل الدفاع". وقال ساركوزي: "إذا كان إعطاء معدات للجيش اللبناني كالصواريخ يمثل مشكلة بالنسبة الى الولايات المتحدة الاميركية واسرائيل، ففرنسا لا تطلب إذن أحد لمساعدة استقلال لبنان. وإذا نشأت أي مشكلة بالنسبة لهذا الموضوع مع إسرائيل، فسنتفاهم مع الإسرائيليين ولكننا مستعدون لتقديم التجهيزات المطلوبة للجيش اللبناني". وهذه الخطوة في حال تحققت، تعتبر اختراقا كبيرا على مستوى الحظر الاميركي – الدولي المفروض على تسليح الجيش بذريعة امكان ان تصل معدات عسكرية حديثة الى ترسانة "حزب الله".

ولا يخفي المتابعون من الديبلوماسيين العاملين في بيروت، الاهمية التي توليها باريس، وادارة ساركوزي، للزيارة التي قام بها الى العاصمة الفرنسية رئيس الحكومة، وهي الاطلالة الاولى له دوليا وعلى مستوى عواصم القرار، اذا استثنيَتْ مشاركته في قمة المناخ في كوبنهاغن.

الصورة النمطية

مردّ هذا الاهتمام الرسمي الفرنسي جملة امور، في مقدمها رغبة جادة في انجاح سعد الحريري، ابن رفيق الحريري، رئيسا للحكومة، ومن ثم في تصويب الصورة النمطية التي رسمها البعض للعلاقة الفرنسية مع عائلة الحريري منذ ان ترجّل الرئيس السابق جاك شيراك عن عرش الاثني عشر عاما.

منذ ذلك الحين، والقصص تُحاك عن رغبة ساركوزي في اخراج العلاقة مع لبنان من الشخصانية الى المؤسسية، وفي تنظيم هذه العلاقة رسميا والابتعاد قدر الامكان عما ساد سابقا بين العامين 1995 و2007، واذ بالصورة النمطية تختصر بلدين بصداقة مسؤولَيْن، وبات شيراك يرسم سياسة فرنسا، احد الدول الخمس العظمى، على قياس صداقاته او حتى مصالحه.

في الشكل، أرادت باريس ان تبدد ما علق في الاذهان من هذه الصورة النمطية، فأعدّت لضيفها استقبال رؤساء دول، بحفاوة بروتوكولية استثنائية وغير معهودة في مثل هذا النوع من الزيارات، وبرمجت له اجندة حافلة باللقاءات الرئاسية من الاليزيه الى ماتينيون، فالجمعية الوطنية ثم مجلس الشيوخ، مع تشريفات وحفلات تكريم تخصص عادة لزيارة دولة. وربما زادت في حفاوتها، لإدراكها انها الاطلالة الدولية الاولى لسعد الحريري، والذي بدوره وعى ذلك فحضّر وفدا وزاريا وحكوميا رفيعا قادرا على مقاربة كل العناوين المشتركة اللبنانية – الفرنسية (اتفاقات ومشاريع تعاون وتنسيق) بموضوعية واقتدار، من مسائل الأمن الداخلي والتعاون القضائي والبحوث العلمية والشؤون الاجتماعية الى الادارة والاقتصاد.

تأسيسا على ذلك، من المرتقب ان تؤدي الزيارة الاستثنائية الى بعث الحرارة في العلاقة الشخصية والسياسية بين ساركوزي والحريري، لكن من غير الافراط في توقّع استئناف ما كانت عليه العلاقة بين شيراك والرئيس الراحل رفيق الحريري، وهما اللذان نجحا في تأسيس ومن ثم استثمار علاقة ود وصداقة وتعاون.

الزيارة والتحوّلات

في التوقيت، تبرز في الزيارة اهمية استثنائية، كونها تأتي في خضم تحولات على مستوى اقليم المتوسط تدير باريس جزءا غير يسير منها بتكليف اميركي، في طليعة هذه الملفات ادارة سياسة الانخراط مع دمشق والتي تمرّ راهنا بهمود سياسي وديبلوماسي لافت، علما ان بعض اجزاء هذا الهمود لبنانية، من دون ان يخفي هذا التذبذب ارتياحا فرنسيا لايفاء دمشق بالتزاماتها وما وعدت به حيال لبنان، من المصالحة السعودية- السورية الى زيارة الحريري الى دمشق، وهو امر كرره ساركوزي على مسمع من الحريري في اشارة الى ارتياحه الى علاقته الشخصية والسياسية مع الرئيس السوري بشار الاسد. ونتجت من هذا التقويم التفاتة فرنسية ايجابية للوضع اللبناني وللمحطات والمراحل التي قطعها في الأشهر الأخيرة.

وهذا التمايز في القراءة الفرنسية، وخصوصا بين الاليزيه ووزارة الخارجية، دفع باريس الى تقويم ايجابي لكن حذر للوضع اللبناني، وهو بحد ذاته سبب اندفاعة باريس نحو تكريس دعم الشرعية اللبنانية والآليات المؤسسية والتي تنظر اليها ادارة ساركوزي على انها ركن من اركان تعزيز الاستقرار اللبناني وسط اقليم متحوّل وينذر كل يوم بهزات نتيجة شلل التسوية السلمية وبفعل اختلالات فلسطينية او عراقية او ايرانية او يمنية، الى غيرها من مساحات التنافر والتجاذب في دول خليجية عدة. وكل ذلك يضع النظام الدولتي اللبناني تحت تأثير الانقسامات والتعقيدات الداخلية السياسية والطائفية وتحت تأثيرات اقليمية، ما يجعله غير قادر على مجاراة السياسة والمبادرات الفرنسية في الشرق الأوسط.

كما ان الزيارة تحصل على خلفية تحرك اقليمي دولي ناشط يتعلق بعملية السلام وأمن المنطقة، في ضوء توترات متزايدة بسبب الصراع العربي - الاسرائيلي والخلاف السعودي - الايراني والحرب الباردة بين طهران والغرب، اضافة الى التهديدات الاسرائيلية ضد لبنان، وما يتردد عن قرب عمل عسكري ما، من هنا تبرز اهمية المظلة الديبلوماسية التي تعمل عليها باريس انطلاقا من محورية القرار الدولي 1701.

بيروت لا تزال مفتاحا

في الخلاصة، يراهن كثر على ان زيارة الحريري الى عاصمة الاضواء ستبدد وتصحح الانطباعات الخاطئة عن السياسة الفرنسية الجديدة حيال لبنان وسوريا، والتي صُوّرت على انها انقطاع جذري وحاسم مع سياسة جاك شيراك.

وستبيّن التطورات والاتجاهات الفرنسية الآتية، ان اختيار ساركوزي دمشق بوابة العبور الفرنسي الى الشرق الأوسط، ولا يعني طرح لبنان في مهملات عهده، فبيروت لا تزال مفتاحا مهما وأساسيا، حتى لو ان باريس نجحت، في علاقتها مع دمشق، في تجاوز التعقيدات اللبنانية واعبائها واغلالها.

وتكتفي ادارة ساركوزي راهنا بأنها كسبت رهانها على سوريا وعلى نظامها، ونجحت في وضع لبنان على سكة الاستقرار السياسي والأمني بدءا من اتفاق الدوحة، انتهاء بالتفاهم السوري - السعودي الذي عزز موقف باريس وصوابية سياستها. وباريس تستعد للتأسيس على هذه التراكمات الايجابية لبدء دور اكثر نشاطا واقتدارا وزخما وطموحا، نقطة انطلاقه اعادة بناء وتعمير العلاقة الشخصية والسياسية بين ساركوزي والحريري.

الدرع والحرب الحتمية!

ويعوّل لبنان على دور فرنسا في تصليب المظلة الدولية التي امّنت له منذ انتخاب الرئيس سليمان درعا سياسية وامنية وقَتْه وتقيه الكثير من العثرات الامنية، ومرشحة ان تزداد فاعلية في المرحلة المقبلة، حيال التهديدات الاسرائيلية المستمرة، وهو ما عكسته المعلومات الباريسية من ان ساركوزي أبلغ الحريري أن فرنسا "تتعهد السعي لمنع إسرائيل من ضرب البنى التحتية الأساسية في لبنان، لكن ليس أكثر من ذلك"، مشددا على ضرورة "ضبط الوضع الداخلي اللبناني ومنع أي استفزازات".

واقترنت هذه الاشارة عن احتمالات حرب حتمية، بالتصريح شديد التعقيد الذي ساقه وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير لجهة قوله ان "المخاوف اللبنانية من التهديدات الإسرائيلية ليس لها ما يبررها، فإسرائيل صديقتنا. وإذا كان هناك من تهديد للبنان، فلن يأتي إلا من مغامرة عسكرية قد يقوم بها "حزب الله" لمصلحة إيران، التي قد تهرب الى الأمام ، وتعمل على صرف الأنظار عن أزمتها الداخلية بالإيعاز إلى حليفها اللبناني، بإحداث حرب على الجبهة الجنوبية".

وسبق لكوشنير ان اعلن سابقا ان سلاح "حزب الله" يعطّل وساطات السلام بين اسرائيل وسوريا.

ويرى المراقبون في بيروت ان على لبنان اخذ هذه التحذيرات الفرنسية على درجة كبيرة من الجدية، لا سيما ان كوشنير بتصريحه الفظ نسبيا انما يعكس بحدية الموقف الفرنسي الرسمي، حتى لو لم يكن ساركوزي بالفظاظة نفسها.

ويذكّر هؤلاء بموقف الرئيس الفرنسي من صداقته غير المحدودة مع اسرائيل، ليخلصوا الى اهمية الا يتلهى اللبنانيون بمحاولة الفصل بين موقف الرئيس الفرنسي ورئيس ديبلوماسيته، لأن لبّ المشكلة ليست هنا، بقدر ما هي في الرسالة التي ارادت باريس بعثها الى بيروت، والتي سبق ان تبلّغها رئيس الجمهورية في زيارته الاخيرة لباريس، وقبلها في زيارته الى واشنطن، والتي بادر كثر من اللبنانيين الى التخفيف من صدقيتها، تحت عنوان ان تل ابيب غير مستعدة راهنا لحرب مع "حزب الله".


الأربعاء، 20 يناير 2010

Sphere: Related Content

إلغاء الطائفية السياسية والعلمانية متلازمان ... والنقاش يجب ان يستكمِل اشكالية الصلح - شيحا

"لاءان" فقط تصنعان دولة!

العلمانية ثمن شيعي باهظ لطموح الغاء الطائفية السياسية

ينشر في"الاسبوع العربي" في 25/1/2010

أُغرِق البلد، من جديد، في نقاش بيزنطي على خلفية اشكالية الطائفية السياسية، التي من عمر الكيان. تبارى الجميع على الادلاء بدلوهم بين مؤيد ومعارض ومتحفّظ، لكن بقيت الاشكالية في خانتها الاولى: مَن يسبق مَن، النفوس ام النصوص؟

"انّها ساعة مباركة تلك الساعة التي تلغى فيها الطائفية من دستور هذا الوطن (...) إن الساعة التي يمكن فيها الغاء الطائفية هي ساعة يقظة وطنية شاملة مباركة في تاريخ لبنان وسنسعى لكي تكون هذه الساعة قريبة بإذن الله، ومن الطبيعي ان تحقيق ذلك يحتاج الى تمهيد وإعداد في مختلف النواحي حتى لا تبقى نفس إلا وتطمئن كل الاطمئنان الى تحقيق هذا الاصلاح القومي الخطير".

هذا الكلام ليس طازجا. ليس لنبيه بري، اليقظ هذه الايام في مسألة خلافية بإمتياز، ولا هو من ادبيات الحركة الوطنية زمن الثمانينات، ولا هو من احد خطابات ما بقي من شراذم الاحزاب العلمانية. انه مقتبس حرفي من البيان الوزاري للحكومة الاستقلالية الاولى تلاه الرئيس الراحل رياض الصلح في البرلمان طالبا على اساسه ثقة مجلس العام 1943.

مضى على هذا الكلام، واستطرادا على هذه الحال من التمنيات العسلية، 67 عاما حفلت بالكثير الا ببدء نقاش جدي في مسألة عمرها من عمر لبنان العام 1860، لكن لا الساعة التي استقرأها رياض الصلح ازفت، ولا الاعداد والتمهيد الذي افتى بهما، آن اوانهما.

تلازمان يفترقان

في احدى الجلسات الأولى للحكومة الاستقلالية، طرح رياض الصلح فكرة الغاء الطائفية السياسية فرد ميشال شيحا، نسيب رئيس الجمهورية بشارة الخوري، بشعار علمانية الدولة. ومنذ حينه ادرك اللبنانيون ان اتفاقهم على الاستقلال والعروبة والديموقراطية لا يخفي او يحجب اختلافهم على صوغ طبيعة الدولة ونوع التوازنات التي ستقوم بين الطوائف والتيارات السياسية. فإنبرى الفقهاء والمفكرون الى البحث عن مساحة مشتركة -مهما ضاقت- تصلح مرحليا الى التأسيس لشبه دولة ذي وجه عربي، لا شرقية ولا غربية، ما دفع جورج نقاش في العام 1949 الى "نقش" ما تحوّل شعارا كيانيا: لاءان لا تصنعان امّة Deux Negations ne font pas une nation، في اشارة الى الفكرة التي جُرّبت في حينه لبناء شبه الدولة: لا للشرق ولا للغرب.

منذ تلك الايام، ثبت أن المسيحي اللبناني غير متحمس لشطب الطائفية السياسية نصا ودستورا، وثبت ان المسلم غير مستعد للقبول بالعلمانية ثمنا باهظا لطموح الغاء الطائفية السياسية. وثبت، استطرادا، ان هاتين اللاءين Deux Negations هما مفتاح العبور الى الدولة الحديثة.

اذن، هل نبيه بري، القارئ المتأني والقادر على استنباط الحراك السياسي من قعر بئر جافة، يُقْدِم على ما قد يحرق اصابعه؟ ام هو يستقرأ، كما استقرأ مرات كثيرة في اعوامه السياسية – الزعماتية، أن اوان الاعداد والتمهيد "الصلحي" قد حان فعلا، وانه لا بد من شرب كأس بدء نقاش وحوار فعلي في مسألة وجودية وكيانية، مهما إشتدّ علقمها؟

الطائفية في الوجدان المسيحي

ليس نبيه بري هاوي معارك خاسرة، ولا هو أدمن المناقرة من اجل المناقرة، ولا هو أقدم يوما على خطوة غير مدروسة او معللة.

تأسيسا على ذلك، لا يفترض المراقبون ان رئيس البرلمان طرح مسألة تشكيل الهيئة من باب المناورة او بغرض تمويهي لردّ النقاش حول سلاح المقاومة، ذلك انه يبدي في كل جلساته الخاصة اصرارا غير سابق على السير بهذه الخطوة حتى لو لم يحصّل تأييد كل المعارضة، علما انه يكتفي راهنا بدعم صديقه اللدود وليد جنبلاط، في حين يؤثر "حزب الله" على مسك العصا من وسطها.

اما العماد ميشال عون فهو لم يخف تحفظه عن التوقيت، وجاهر بأن الخطوة ناقصة ما لم تسبقها خطوات اجرائية وقانونية وتشريعية عدة، هي الاخرى منصوص عليها في اتفاق الطائف كاللامركزية الادارية - صنو الفدرالية- التي يستذكرها الوجدان المسيحي كلّما أفاقت الذاكرة الشيعية على العددية والغاء الطائفية السياسية.

ويُبرز الحوار الذي جمع سامي الجميل وسيمون ابي رميا في احد الجامعات، حقيقة تلاقي الجماعة المسيحية، على اختلافات تلويناتها، على التحفظ عن مشروع نبيه بري. فأبي رميا وصف الطرح بالمتسرع "لأن الواقع الطائفي يتحكم بمفاصل الدولة في غياب الدولة القادرة"، أن "المشكلة في لبنان هي المحسوبيات لان الارادة السياسية للبعض تشدد على ان يكون حزبها الممر الاجباري للمواطن باتجاه مؤسسات الدولة. وقال: يبدو أننا لسنا متفاهمين على الصيغة الدستورية في لبنان وهذه اشكالية النظام . اما الجميل فرأى ان الغاء الطائفية سيؤدي الى حكم الطائفة الاكبر عددا، "ونحن نطالب في حال أُلغيت، بالانتقال الى نظام الفدرالية كضمان للمسيحيين، انما المطلوب لا هذه ولا تلك بل تطوير النظام". اضاف: إن منطق التحدي الذي فرضه رئيس البرلمان "لا نمشي به".

حماس وفتور

ثمة انطباع لدى معظم البعثات الديبلوماسية في بيروت ان الغاء الطائفية السياسية مطلب شيعي – درزي بإمتياز تتفق عليه الاقلويتان –من مقاربتين وظائفيتين مختلفتين- منذ ان فرزت الحرب اللبنانيين عشائر وقبائل وجماعات متناتشة، في حين تلتقي الاقلويتان المارونية والسنية، كل من وجهة مفترِقة، على التحفظ عن الغاء الطائفية السياسية، ربما مخافة طغيان الاكثرية الاقلوية، وربما رغبة في استعادة مجد مضى.

من هذا الانطباع، ينفذ ديبلوماسي بارز الى قراءة بسيكولوجية وسوسيولوجية للاقلويات التي فشلت في صنع وطن، ولطبيعة تركيبتها ومدى قدرتها على فهم المحيط التي تتحرك فيه. ويُبرز اهتماما خاصا بأقلويتين هما راهنا مدار حراك لإستدراك ما فات كل منهما من مكاسب سياسية نتيجة طبيعة نظام الـ 1943 وذلك الذي قام على انقاضه في العام 1989:

1-فالجماعة الشيعية التي اخرجتها الحرب من حرمان سياسي وحتى ديني، استفاقت على انها اكثرية بين الاقلويات وانه لا بد له من تعويض ما فقدت من مكاسب ووظائف سياسية جراء الثنائية المارونية – السنية التي حكمت لبنان حتى بداية التسعينات تحت مسمى المارونية السياسية، والتي خلفتها السنية السياسية لاعوام اربعة بدأت مع اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005، وتكاد تلفظ انفاسها، مع كل التغيرات الدراماتيكية التي شهدها الاقليم، بدءا وليس انتهاء بالمصالحات العربية المتفرقة.

ولا تتردد الاقلوية الشيعية في ان تطرح نفسها وجماعتها، الخلف المحسَّن والمطوَّر والمعدَّل جينيا للمارونية والسنية السياستين، انطلاقا من ان من حقها ان تجرّب ما فشلت فيه تلك الاقلويتان. ولا بأس ان تكون كل الادوات المتوافرة لدى هذه الاقلوية، بما فيها السلاح، عناصر توفّر لها انضاج ظروف استقامة الشيعية السياسية.

2-اما الجماعة الدرزية، أصغر الاقلويات الحاكمة من خارج اي نص او تشريع او دستور، فهي ترى في تطبيق الغاء الطائفية السياسية، او مجرّد بدء النقاش في شأنها، البوابة للدخول الى الحكم او الى جنة "دولات الرئيس" من باب مجلس الشيوخ. وهي تدرك تمام الادراك ان بندا الطائف العالقان، متّصلان بحبل صرة. ويبقى استطرادا ان الاقلوية الدرزية لن تنال ما منّت له النفس منذ العام 1989 الا في حال بدء البحث في اشكالية الطائفية السياسية، بصرف النظر عن المدى الذي سيكون عليه البحث، سنيناً كان ام عقوداً، مع يقينها ان الطريق لن تكون معبّدة امام ترئيسها مجلس الشيوخ، انطلاقا من نقاش مذهبي سيلي تلقائيا بدء البحث الجدي في تشكيل المجلس. من تحق له الرئاسة؟ الدرزية التي طالما انتظرت هذه اللحظة، على رغم انها اقلية التسعة بالمئة؟ ام الارثوذكسية، رابع المذاهب، التي طالما نشدت رئاسة ضائعة؟

ويرى الديبلوماسي ان في هذين الحراكين الشيعي والدرزي عوامل لا بد من ان تتدراكها الزعامتان – الحاكمتان، اقتداء بخلاصات تاريخية خبرها اللبنانيون منذ زمن الثنائيات: المارونية – الدرزية، فالمارونية – السنية، الى الاحادية السنية، وصولا الى الخلط الحاصل راهنا، نتيجة التنافس على خلافة "نظام" ما بعد 14 شباط (فبراير) 2005، وختى لا تتكرر النقاشات العبثية التي عادت ما انتجت الاصطدامات والازمات ... والحروب!

الاثنين، 11 يناير 2010

Sphere: Related Content

باريس على خطى واشنطن في فرض اجراءات مشدَّدة على مستخدمي مطار بيروت

لبنان مجددا في القوائم السوداء!

وكالات حفظ الامن الدولية تستعد لتقويم "المخاطر" في المطار ومحيطه

ينشر في "الاسبوع العربي" في 18/1/2010

انشغلت الاوساط السياسية الرسمية والدبلوماسية بالاجراءات الاميركية في شأن تشديد التفتيش الآلي واليدوي على اللبنانيين الآتين الى الولايات المتحدة الاميركية عبر مرافئها الجوية، في وقت كان المؤمل ان يخف الحصار الجوي من خلال اعادة العمل بالرحلات الجوية المباشرة بين لبنان والولايات المتحدة، ورفع الحظر عن شركة طيران الشرق الاوسط "ميدل ايست".

في وقت اثار وزير الاشغال العامة والنقل غازي العريضي التطور الاميركي مع سفيرة الولايات المتحدة ميشيل سيسون كاشفاً انه سمع كلاماً بأن هذا الاجراء لن يطول، اوضح المسؤول عن الاعلام في السفارة في بيروت ريان كليهان- متوجها إلى اللبنانيين الراغبين بالسفر إلى بلاده- أن "ابواب أميركا مفتوحة لكن لدينا إجراءات جديدة ستكون أكثر تشددا". وأوضح أن بعض المسافرين يمكن أن يتوقعوا إجراءات أشدّ من السابق وتشمل التفتيش الجسدي وتفتيش الممتلكات بوسائل متقدمة للتصوير أو وسائل متقدمة للكشف عن المتفجرات. ولفت الى ان الولايات المتحدة اتخذت الإجراءات الأمنية في ما يتعلق بالرحلات التجارية لضمان سلامة وأمن كل الركاب القادمين إليها، مشيرا إلى أن هذه الإجراءات وقائية وتهدف إلى حماية الركاب من كل الجنسيات، وموضحا أن إدارة النقل الأميركية طبقت معايير جديدة على الركاب الذين يحملون جوازات سفر أصدرت من دول معينة أو يأتون إليها عبر مطارات ومرافئ هذه الدول. وأوضح أن بعض هذه البلدان موضوع في لائحة الدول الراعية للإرهاب، وهي إيران وسوريا وكوريا الشمالية والسودان، بعدما تم اعتبارها "مصادر محتملة لإرهابيين يستهدفون المواطنين الأميركيين، مشيرا إلى أن "الكثير من الدول الأخرى التي سيخضع مواطنوها للإجراءات الجديدة هي دول نعتبرها شركاء أقوياء يعملون جاهدين على تغيير الظروف الأمنية التي تتهدد المسافرين بين الولايات المتحدة ودولهم المحترمة. ونحن سوف نواصل العمل مع شركائنا على العمل على تحسين الأوضاع الأمنية، على المستويين المحلي والدولي".

وسبق للسلطات الاميركية ان فرضت، منذ بداية كانون الثاني (يناير) 2010، الاجراءات الأمنية الجديدة على المسافرين من الدول الـ ١٤ التي تعتبرها واشنطن اما داعمة للارهاب أو دولا "ذات أهمية". وسيواجه المسافر الذي يزور الولايات المتحدة من الدول الـ١٤ وبينها ٩ دول عربية (السعودية والسودان وسوريا والجزائر والعراق ولبنان وليبيا والصومال واليمن) اجراءات مشددة في الدولة التي يغادر منها، على خلفية الهجوم الفاشل الذي حاول المتهم النيجيري عمر الفاروق عبد المطلب القيام به على متن طائرة متوجهة الى الولايات المتحدة من امستردام، وتشمل هذه الاجراءات تفتيشا جسديا وتفتيشا دقيقا لحقائب اليد.

فرنسا ايضا

وكشف مصدر ديبلوماسي غربي في بيروت ان فرنسا تنوي، في مهلة اقصاها كانون الثاني (يناير) تشديد وتوسعة إجراءات التفتيش والمراقبة على الوافدين إليها من المرافق الجوية والبرية والبحرية، واعتماد طرق جديدة من بينها المسح الجسدي، وفق آلية تشبه ما اعتمدته الولايات المتحدة الاميركية بعد الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) 2001.

ولفت المصدر الى ان باريس ستعمد لاجل هذه الغاية الى توسعة لائحة الدول المصنفة خطرة على الامن الفرنسي، من سبع دول راهنا الى نحو عشرين او ثلاثين دولة، بغرض جعل المطارات الفرنسية من الأكثر أمنا في أوروبا.

واشار الى ان لائحة الدول السبعة تضم كلا من سوريا واليمن وباكستان وإيران وأفغانستان والجزائر ومالي، وهي ستتوسع لتضم دولا اخرى على غرار القائمة الاميركية السوداء التي افصحت عنها واشنطن اخيرا وتضم في عدادها لبنان، اثر محاولة التفجير الفاشلة التي قام بها شاب نيجيري على متن طائرة متجهة من امستردام الى ديترويت، وقررت واشنطن في ضوئها فرض إجراءات أمنية إضافية على رعايا 14 دولة، منها لبنان.

واذا تحفّظ المصدر عن تأكيد او نفي امكان ان تضم فرنسا لبنان الى لائحتها السوداء الجديدة، ذكرت مصادر واسعة الاطلاع ان وزارة الداخلية الفرنسية تعكف، في ضوء الاجراء الاميركي الاخير، على اعداد قائمتها الخاصة والتي من المرجح ان تضم لبنان الى جانب عدد من الدول المحيطة.

واوضح المصدر ان باريس بدأت تطبيق إجراءات تفتيش صارمة على المتجهين نحو الولايات المتحدة منذ بداية كانون الثاني (يناير)، لافتا الى ان الإجراءات الجديدة جاءت تكملة لقانون مكافحة الإرهاب الصادر في العام 2006 والذي تعذر تطبيقه في ذلك الحين نظرا الى عدم توافر بيانات كافية لدى الداخلية الفرنسية عن المسافرين القادمين إليها. وذكر انه أنه بدءا من السنة 2010 صار ذلك متاحا بعدما استطاعت باريس بموجب قانون مكافحة الإرهاب أن تكون بنكا معلوماتيا حول هوية وطبيعة الأشخاص الذين زاروها منذ 2006.

اجراءات استثنانية

ولفت المصدر الى ان باريس ستعمل على تعزيز المراقبة الأمنية على مستوى المطارات خصوصا، من خلال جمع معلومات وافية عن الأشخاص الذين يأتون من الجزائر واليمن وسوريا وباكستان وإيران وأفغانستان ومالي، اضافة الى الدول الجديدة التي ستشملها الاجراءات، على الا تقتصر المعلومات التي ستكون شركات الطيران الآتية من الدول المعنية ملزمة بتقديمها، على تلك المتعارف عليها عالميا كالاسم والسن وتاريخ ومكان الولادة، إنما ستضاف إليها معطيات أخرى تشمل كيفية اقتناء تذكرة السفر، عبر الانترنت أو وكالة سفر، إضافة إلى وسائل الدفع نقدا أو من طريق البطاقة المصرفية الممغنطة، ومعلومات عن عنوان الفاتورة، وأرقام الهاتف وعناوين البريد الإلكتروني للمسافرين. ولا يستبعد ان تشمل الاجراءات الجديدة إلزام شركات الطيران التي تخدم الدول المصنفة في اللائحة السوداء تسليم أسماء المسافرين نحو فرنسا ومعلومات مفصلة عنهم بمجرد حجز التذكرة وليس لدى صعودهم إلى الطائرة كما يجري راهنا، بهدف تحديد الخطر سلفاً بناء على المعلومات الخاصة بكل راكب.

ويفرض القانون الفرنسي على شركات النقل الجوية التي ترغب في تنظيم رحلات نحو فرنسا انطلاقا من البلدان المصنفة خطرة، دفع غرامة 50 ألف أورو، في حال مخالفة الاجراءات الامنية.

وتستعد فرنسا الى الطلب من سلطات حفظ االمن في منظومة الاتحاد الاوروبي الحذز حذوها في شأن التشدد في تطبيق اجراءات الامن.

ويظهر ان الحكومة البريطانية تتجه هي الاخرى الى مراجعة اجراءاتها الامنية عند مرافقها الجوية، على رغم انها تتبع منذ تفجيرات انفاق المترو في السابع من تموز (يوليو) 2005، نظاما شديد الصرامة في ما يتعلق بأمن الركاب والرحلات الجوية الآتية إليها والمغادرة منها يفوق المعايير التي يوصي بها الاتحاد الأوروبي.

تفشي الاصولية

واكد الديبلوماسي الغربي البارز العامل في بيروت انه بالنظر الى تفشي الظواهر الاصولية في عدد من المناطق اللبنانية وطبيعة الاجراءات الامنية المتخذة في مطار بيروت الدولي، اضافة الى البيئة الجغرافية والسياسية والحزبية التي يقع فيها حرم المطار، وضعت عدد من وكالات حفظ الامن الدولية، من بينها الاميركية والفرنسية والبريطانية والالمانية والاسبانية واليونانية والقبرصية، تقويما جديدا للوضع الامني اللبناني يرتكز تحديدا على المخاطر المتأتية من تفشي مجموعات اصولية بعضها على ارتباط –لو طفيف- بتنظيم "القاعدة" او بالافكار التي يسوقها هذا التنظيم عبر منتديات الكترونية باتت في متناول عدد من المجموعات المتطرفة التي تتخذ من مناطق نائية ومن عدد من المخيمات الفلسطينية، كعين الحلوة والبداوي، ملاذا لها تنمّي فيها قدراتها التنظيمية ولوجستيات التمدد والتخفي في بعض الاوساط الفقيرة.

وكشف المصدر ان عددا من وكالات حفظ الامن الغربية يستعد الى ارسال وفود استخبارية لتقويم الوضع ميدانيا والتواصل مع الاجهزة الامنية والاستخبارية اللبنانية بهدف التضييق على هذه المجموعات وشل مخططاتها، والاهم منع انتقالها الى خارج لبنان وتحديدا الى بعض الدول الاوروبية القريبة كقبرص واليونان، من خلال استعمال مطار بيروت الدولي ممرا لها خروجا او دخولا.

وربطت مصادر استخبارية الإجراءات الأمنية المشددة في حق اللبنانيين الخارجين من مطار بيروت، بـ "نشاطات إرهابية محتملة" في لبنان في ضوء التقارير المتوالية عن دخول عناصر من "القاعدة" إلى المخيمات الفلسطينية آتين من دول عربية، اضافة الى النفوذ الذي لـ "حزب الله" في البيئة الجغرافية والسياسية التي يقع فيها مطار بيروت، الى جانب نفوذ الحزب في المؤسسات الأمنية اللبنانية وفي داخل اجهزة المطار.

مراقبة مسار

وتجهد اجهزة امنية واستخبارية في متابعة المسار الذي سيسلكه مئات من عناصر "تنظيم القاعدة" في افغانستان واليمن ومن جماعات سلفية تتعاون معهم، بدأوا منذ منتصف كانون الاول (ديسمبر) 2009 مغادرة الدولتين، مع بداية الحملتين الدوليتين المركزتين على هذا التنظيم المتحالف مع "حركة طالبان" الافغانية على حدود باكستان وفي بعض المناطق اليمنية.

وتعتقد هذه الاجهزة ان تضييق الخناق على تنظيم "القاعدة" إضطره الى ابعاد المئات من عناصره من افغانستان واليمن الى عدد من الدول حيث هناك حاضنة ديموغرافية تمكّن هؤلاء من الذوبان في هذه البئيات الحاضنة، ومنها ما هو متوافر في الصومال والسودان ولبنان.


الأحد، 3 يناير 2010

Sphere: Related Content

الجنوب عاد الى البحث داخل تل ابيب في ضوء البيان الوزاري للحكومة

2010: حرب اسرائيلية كبيرة وحروب فلسطينية صغيرة؟!

تل ابيب تتصوّر محورا من اسلام شيعي وجهاد سني ونظام علماني

ينشر في "الاسبوع العربي" في 11/1/2010

حملت السنة الجديدة – الوليدة من سلفها العناوين اللبنانية نفسها الشائكة والمرشحة لمزيد من التفاعل السلبي في عنوان سلاح "حزب الله"، ذلك ان قوة الرعاية العربية باتت تمنع الافرقاء المحليين من المس بأي من العناوين الخلافية التوتيرية على مستوى العلاقة الشيعية – السنية، وتاليا اضحى الخلاف الحزب اللوي –القواتي – الكتائبي هو اقصى حدود اي نقاش لبناني. لكن المخاطر الاكثر الحاحا باتت تنبثق من أي مغامرة اسرائيلية جديدة ضد لبنان مرتبطة بإنتهاء المهل الدولية المعطاة لايران في ملفها النووي بين آذار (مارس) ونيسان (ابريل) المقبلين.

أعاد الخرق الخطر في قلب المربع الامني لـ "حزب الله" في الضاحية الجنوبية لبيروت، بإستهداف مقر لحركة "حماس" في السابع والعشرين من كانون الاول (ديسمبر) 2009، بالتزامن مع خروق متفرقة ولا سيما لجهة العثور على صناديق مليئة بمادة الـ "تي ان تي" جنوب بلدة الخيام والاشكالات في مخيمي عين الحلوة والجليل والنار تحت الرماد في البداوي، الامن الى صدارة الاهتمام.

وزاد في مخاطر خرق الضاحية تزامنه مع وعيد اسرائيلي بحرب شاملة او موضعية، واخرى استخبارية - امنية تشمل لبنان و"حزب الله"، في موازاة تشديد تل ابيب عبر اجهزة استخباراتها الخارجية الرقابة التقنية والرقمية على حركة الجاليات اللبنانية، وخصوصا الشيعية منها، في افريقيا، بزعم مراقبتها واعتراض مسار اي دعم لوجستي او فعلي لـ "حزب الله"، مستخدمة انظمة استخبارية – معلوماتية معقدة كالمشروع المكنّى "عوامل وضع نماذج لحسابات الخصوم" والذي طورته جامعة ميريلاند بتمويل من وزارتي الدفاع والأمن الداخلي الأميركيتين والذي يمكّن التنبؤ بتصرفات منظمات مثل "حزب الله" وحركة "حماس"، ويقدم نموذجا لتصرف المنظمات المعنية بعد تزويده قاعدة بيانات ومعلومات فورية عن هذه المنظمات.

حرب لرد العزلة

وثمة اعتقاد ديبلوماسي، اقرب الى اليقين، أن اسرائيل تبحث عن حرب جديدة تخرجها من عزلتها، وتحشد حلفاءها الغربيين خلفها، قد يكون لبنان المساحة الانسب لإطلاق شرارتها في السنة الجديدة، في حين ان الادوات جاهزة داخل مخيمات اللاجئين وخارجها، وعبر مجموعات سلفية – قاعدية مخترقة وجاهزة لتنفيذ العمليات – الذرائع في اي وقت.

وفي هذا التلميح الديبلوماسي اشارة الى التقارير الواردة عن تحرك لمجموعات فلسطينية واصولية في بعض مخيمات اللاجئين الفلسطينيين هدفها الاخلال بالامن وتنفيذ عمليات ارهابية مرتبطة بفكر "القاعدة، كنذر لتحرك اصولي جديد لإستهداف القوة الدولية المعززة العاملة في الجنوب او وحدات الجيش اللبناني او اطلاق صواريخ على شمال اسرائيل.

وكانت معطيات امنية لبنانية قد اشارت الى محاولات لعناصر من تنظيم "القاعدة" التسلل إلى لبنان، من باكستان ودول عربية عبر الحدود السورية وحتى عبر المطار، للقيام بأعمال ضد مصالح رسمية وأخرى غربية، من بينها استهداف القوة الدولية، على ان هذه العناصر تسعى الى الاختباء في مخيم عين الحلوة للتدرب ولتعلم تركيب العبوات الناسفة.

تحرشات

ولا يستبعد الديبلوماسيون، تأسيسا على هذا الانطباع اليقيني، المزيد من الاستفزازات والتحرشات الاسرائيلية لسوريا من خلال تفجيرات جديدة، ولـ "حزب الله" وحركة "حماس" عبر اغتيالات نوعية لقادة وسيارات او طرود مفخخة في قطاع غزة وبيروت، وهذا هو السلاح المفضّل لأجهزة الاستخبارات الخارجية الاسرائيلية التي طالما اجادت استخدامه منذ مطلع الخمسينات من القرن العشرين، مباشرة او عبر شبكاتها المزروعة، المنشَّطة وتلك النائمة.

ولا يناقش الديبلوماسيون في واقعة ان لبنان عاد الى البحث الاسرائيلي تحت عنوان وضع الحدود الشمالية وتحويلها جبهة حربية في ظل ما تعتبره اسرائيل ارتفاعا في المكانة السياسية لـ "حزب الله" داخل لبنان وتعاظم قدراته العسكرية، والدور الايراني الكبير في المنطقة عموما ولبنان خصوصا.

ويشير هؤلاء الى ان تل ابيب "تعتبر ان الوضع في لبنان يُبرز ازدواجية خطرة حيث يعمل جسمان عسكريان في مكان واحد لكن من دون قائد مشترك، فيما تعطي الحكومة شرعية لـ "حزب الله" لتعزيز قدراته العسكرية والتمسك بسلاحه في مقابل التعاون مع الجيش اللبناني". لذلك ترى تل ابيب قرار حكومة سعد الدين الحريري الاعتراف بشرعية الجناح العسكري لـ حزب الله" او ما يعرف بالمقاومة الاسلامية، مؤشر الى ان "لبنان ماضٍ في اتجاه "الحزبلة" لا ان الحزب ذاهب في اتجاه اللبننة". لكن تل ابيب تستدرك ان هدوء الجبهة الجنوبية ناتج من قرار ايراني واضح يدفع الحزب الى مزيد من الانخراط في الحراك اللبناني – المجتمعي، في موازاة عمل دؤوب على تعزيز قدرات جناحه العسكري في انتظار اللحظة التي قد يتوجب فيها تحريك الترسانة الكبيرة التي يمتلكها الحزب، في اشارة الى دوره في اي حرب اسرائيلية – اميركية على ايران.

الجنوب مجددا

ولا يخفي الديبلوماسون قلقا بالغا من اي تحريك للجبهة الجنوبية، انطلاقا من مجموعة مصالح اسرائيلية – ايرانية تتلاقى عليها حدثياً وتوقيتاً العاصمتان اللدودتان، في حين تنحو تل ابيب الى اعتبار دخول "حزب الله" حكومة الحريري وتبنيها سلاحه، يعني حكما "ان لبنان كدولة هي الاخرى انضمت الى محور الشر".

وكانت تقارير استراتيجية وبحثية اسرائيلية قد اعتبرت ان "وضعية حزب الله راهنا ومواصلته توثيق علاقاته بسورية وايران وحركة حماس تشكل مكمن الخطورة"، و"ان انجازات حزب الله في حرب العام 2006 وسلسلة الضربات التي تلقاها بعد ذلك كل اعضاء محور الشر، ساعدا على توثيق العلاقة بين حزب الله واطراف محور الشر الاخرى الى درجة ان التعاون بينهم اصبح مذهلا".

وتحدثت عن "شراكة حميمة في تطوير الوسائل القتالية بحيث ان التطوير يتم في ايران والانتاج في سوريا، ثم تهرّب وسائل القتال عبر مسالك مشتركة لكل الاعضاء انتهاء بلبنان او سوريا". وتخلص الى ان "الربط في تل ابيب قائم بين اسلام شيعي متطرف (حزب الله) وجهاد سني (حركة حماس والمجموعات الجهادية – السلفية) ونظام علماني (سوريا)، وهو الربط الذي يرى في كل المتبقين تقريبا عبدة اصنام".

متغيرات ثقيلة

ويقول مسؤولون لبنانيون ان المتغيرات الاقليمية، ترمي بثقلها على الحكومة من زاوية التحضيرات الجارية سلما او حربا، وثمة تصور بأن انقرة التي تتمسك دمشق بوساطتها بينها وبين اسرائيل، تسعى الى التمدد بهذه الوساطة، كي تشمل لبنان في الوقت الملائم.

ويعتبر هؤلاء ان من غير المسموح ان يتفاجأ لبنان بأي من التطورات الاقليمية، لذلك ستسعى الحكومة كي تكون حاضرة للتفاعل، قدر الامكان والمتاح، مع هذه التطورات، انطلاقا من ضرورات عدة سياسية واقتصادية، في مقدمها تصليب الوحدة الوطنية وتحييد الملفات الخلافية وحصرها ضمن جدران طاولة الحوار التي يرعاها رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، ذلك ان هذا التحييد من شأنه الحد من المشاحنات اللبنانية التي عادة ما توظفها اسرائيل في حروبها الاستخبارية والامنية او في تلك العسكرية.

لذلك، سيكون الجنوب، المساحة الاكثر حساسية، محور زيارات رسمية لمسؤولين كبار في مقدمهم رئيس الجمهورية، لتأكيد وحدة الدولة سياسيا وجغرافيا، ولمخاطبة عواصم القرار بأن الجنوب كان ولا يزال جزءا لا يتجزأ من الكيان، وما يصيب بعض الكيان يصيبه كله.

بالتقاطع، ثمة يقين دولي ان تثبيت الأمن في المنطقة الحدودية يحمي لبنان ويقطع الطريق على اسرائيل للقيام باعتداء جديد.

لذلك تواصل الديبلوماسية الأوروبية للدول المشاركة في عداد القوة الدولية المعززة في الجنوب، استفسارها عن احتمال وقوع حرب اسرائيلية جديدة ضد لبنان، سواء من خلال البعثات الاسرائيلية المعتمدة في عواصمها، او من خلال بعثاتها المعتمدة في تل ابيب والقدس التي ظهر من تقاريرها ان معظم المعلومات الواردة في هذا الشأن مبالغ فيها وغير واقعية، وان ثمة ارتياحا في تنفيذ بعض بنود القرار 1701 وما وفره من هدوء واستقرار على الحدود الشمالية مع لبنان، وذلك خلافا للتصريحات النارية التي يطلقها بعض المسؤولين السياسيين والعسكريين الاسرائيليين.

غير ان عددا من السفراء يبوحون بالقليل من معلومات توحي ان الحرب الكبيرة آتية، وستشمل أهدافا حكومية ومنشآت حيوية، ولن تقتصر على "حزب الله"، وهي تاليا ستكون نسخة متطورة عن حرب العام 2006.

ويتقاطع هذا الانطباع مع ما خرج به رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط من لقائه بالوفد الدرزي الذي جاء من اسرائيل والتقاه في قبرص نهاية كانون الاول (ديسمبر)، بعدما ابدى الوفد تخوفا من حرب اسرائيلية على لبنان.