الأحد، 28 فبراير 2010

Sphere: Related Content

رصد اعادة تنشيط "القاعدة" في المخيم الاكبر للاجئين الفلسطينيين

عين الحلوة في عين العاصفة؟

المؤسسة العسكرية تتسلّح استنادا الى مستخلاصاتها من حرب نهر البارد

ينشر في الاسبوع العربي في 8/3/2010

استنفر الوضع المتوتر في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين الاوساط السياسية كما المسؤولين، لما لهذا التوتر من انعكاسات سلبية محتملة على محيط المخيمات وعلى مجمل الوضع السياسي اللبناني، ووسط مخاوف مستمرة لدى الاجهزة الامنية من مخاطر بروز تنظيمات متطرفة قد تأخذ هذه المخيمات او احدها رهينة، كما فعل تنظيم "فتح الاسلام" الارهابي بمخيم نهر البارد قبل نحو 3 اعوام، وتطلّب وأد هذا التنظيم نحو 170 شهيدا من الجيش اللبناني فضلا عن مئات الجرحى والمقعدين واضرار مادية نتيجة هدم المخيم بالكامل ومتطلبات اعادة اعماره، اضافة الى الاضرار التي وقعت في المناطق المحيطة به.

استأثرت، على امتداد الايام الفائتة، مناخات من التوتر في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين، وسط استنفار الفصائل المسلحة وعلى وقع تعثر المفاوضات الجارية بين السلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة "حماس"، وعدم توصل هذه الفصائل الى التوافق على تأليف لجنة مشتركة تشرف الى ضبط الوضع الأمني في عين الحلوة وتشكل مرجعية لمعالجة الخلافات والصدامات المسلحة والخروق الأمنية المتكّررة.

ويبدي المتابعون لملف المخيمات مخاوف من "معاودة تركيز التقارير الغربية على الأوضاع داخل المخيمات وسط الحديث عن ظهور اسلحة جديدة بين أيدي المقاتلين الفلسطينيين في المخيمات لا سيما في مخيم عين الحلوة، إضافة الى التغييرات التي تجريها المنظمات لقيادييها المحليين خصوصا تلك المتعلقة بحركة "فتح" اثر استبدال مفوضها العام في لبنان سلطان أبو العينين بفتحي ابو العردات"، في حين فال ايو العينين انه استقال بعدما لمس عدم التجاوب مع قراءته "للإخطار على ساحة المخيمات والوجود الفلسطيني في لبنان".

الحوار؟

ويتزامن هذا التطور على مستوى الفلسطيني، مع توقع المراقبون ان تنجز رئاسة الجمهورية التحضيرات لاعادة اطلاق طاولة الحوار الوطني برعاية رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، والتي سبق ان عُلّقت اجتماعاتها ومداولاتها قبل ايام من الانتخابات التشريعية العامة التي حصلت في حزيران (يونيو) العام 2009.

ولئن خصصت طاولة الحوار لمناقشة الاستراتيجية الدفاعية للبنان في مواجهة التهديدات الاسرائيلية، فإنه تم التوافق في احدى جلساتها التي انعقدت في آذار (مارس) 2006 في المجلس النيابي (قبل انتخاب الرئيس سليمان بنحو عامين) وبمبادرة حينها من رئيس البرلمان نبيه بري، على ضرورة معالجة السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، وذلك بإجماع الذين شاركوا في طاولة الحوار.

ويرى المراقبون انه من البديهي ان تعيد طاولة الحوار التأكيد على هذا الاجماع، والانطلاق نحو وضع آليات تنفيذية لمسألة معالجة السلاح خارج المخيمات، على ان يكون السلاح الذي في داخلها محور معالجة مماثلة، بحيث يجري التوافق على مرجعية فلسطينية موحدة قادرة على الحد من تأثيرات أي خلافات مسلحة في المخيمات ومنع تمددها وتفاقمها، والاهم وأد أي محاولات فتن او مخططات ارهابية كمثل تلك التي حصلت في مخيم نهر البارد للاجئين.

تسليح ممنهج

وتوقف المراقبون بإهتمام عند المعطيات التي توافرت عن لقاءات وزير الدفاع الياس المر في واشنطن وفي اجتماعات اللجنة العسكرية اللبنانية - الاميركية المشتركة في مقر البنتاغون في ولاية فيرجينيا، والتي عكست تأثير مواجهات مخيم نهر البارد، قبل ثلاثة اعوام على المساعدات العسكرية الأميركية وعلى نظرة الجيش اللبناني إلى احتياجات عسكرية تتأقلم مع التهديدات الفعلية التي يواجهها.

وتبيّن ان هاجس تجربة نهر البارد ألقى بثقله على قيادة الجيش اللبناني، ما دفع المراقبين الى الاشارة الى ان ثمة "جهوزية استباقية لاحتمال حصول مواجهة مشابهة مع السلاح الفلسطيني داخل المخيمات، او ربما خارجه، وذلك بغية تعويض النقص في المعدات الضرورية مثل اسلحة خفيفة وطائرات ذات جناح ثابت لحسم المعركة مع مجموعة غير نظامية، وتلافي كل الثغرات التي ادت الى تأخير حسم المعركة مع تنظيم "فتح الاسلام".

ويشير المراقبون الى ان قرار رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان استبدال الهبة الروسية من طائرات "ميغ 29" بطوافات من نوع "ام اي 24" يأتي في الاطار التسليحي نفسه الذي ارتأته قيادة الجيش. ويلفتون الى ان هذه الحوامة المتوسطة تستعمل خصوصا للاسناد التعبوي ولمهاجمة السفن الحربية ، وتعتبر اكثر حوامة مسلحة في العالم، وتسيَّر بواسطة محركين توربينيين مركبّين فوق منتصف البدن، يبلغ متوسط سرعتها350 كيلومترا في الساعة، وهي مسلحة برشاش واحد ذو 4 سبطانات دوّار عيار 12.7 وقذائف من عيار 75 ميلليمتر او قنابل خفيفة، اضافة الى صواريخ موجهة بواسطة اشعة الليزر.

القاعدة مجددا؟

وسط هذه المناخات المتوترة، تروّج بين الفينة والاخرى سيناريوهات متعددة عن حرب مخيمات جديدة تعيد خلط ورقة العامل الفلسطيني في لبنان، مع تبدّل دراماتيكي في توازن القوى وتراجع حضور حركة "فتح" لمصلحة نمو صاعد للتيارت الفلسطينية الاسلامية.

في هذا الاطار، تكشف تقارير أمنية وصول المسؤول في تنظيم "القاعدة" م. م، وهو من جنسية عربية، إلى مخيم عين الحلوة، حيث إلتقى عددا من الكوادر الناشطين في إطار المجموعات الأصولية المتطرفة، وخصوصاً في تنظيم "القاعدة"، وعم لعلى مدّهم بالأموال وبأمور لوجستية. وتم التوافق على إعادة تفعيل دور خلايا "القاعدة" في لبنان، بعدما اعتبرت الساحة اللبنانية، ساحة جهاد ورباط. ولا تستبعد التقارير الامنية "أن تكون بعض الحوادث الفردية المتنقلة، عبر إطلاق النار والتعرض لبعض الأشخاص، تصب في سياق توجيه رسالة الى من يعنيهم الأمر بأن "القاعدة" جاهزة، وإن كان بعض المتوقع إنضمامهم كي يشاركوا في تنفيذ مخطّطات ارهابية، ينتمون راهنا إلى مجموعات تستخدم بين الحين والآخر أسماء وصفات متعددة، كمظلة للتمويه".

وذكرت التقارير أن الأجهزة الأمنية التي نجحت في توقيف العشرات من أعضاء الشبكات الإرهابية، وخصوصاً تنظيمي "القاعدة" و"فتح – الإسلام"، حصلوا منهم على معلومات هامة عن لائحة الأهداف المرصودة والمحتملة، والتي نفذ جزء منها، وما زال هناك الكثير مما لم ينفذ، منه: توتير الأجواء إنطلاقاً من المخيمات وخصوصاً عين الحلوة، وإستهداف وحدات من الجيش اللبناني والقوة الدولية المعززة العاملة في الجنوب، وإستهداف مصالح أجنبية.

ضوابط وممنوعات

وتشير مصادر معنية الى ان حال الحذر والترقب والتحذير من إمكان أن يكون مصير مخيم عين الحلوة كمصير مخيم نهر البارد، لا تحجب وجود قرار لبناني – فلسطيني مشترك وحازم بالتصدي الى اي محاولة لخطف عين الحلوة، وبالحد قدر الامكان من التوتر والاشكالات المفتعلة التي تستعمل فيها اسلحة متطورة. ومن هذه الموانع:

-غالبية القوى، وبما فيها الإسلامية، تعتبر مخيم عين الحلوة أبرز معاقلها، ولا بديل لها منه.

-أحد لا يحتمل الخسائر والأضرار التي يُمكن أن تقع في المخيم وفي محيطه، انطلاقا من انه جزء من مدينة صيدا التي من غير المسموح إلحاق الضرر بها لإحتضانها القضية الفلسطينية منذ العام 1948.

-المخيم محكوم بسقف التوافق، وهو عاصمة الشتات الفلسطيني، وما يعني ذلك من تمسك بحق عودة اللاجئين.

-التركيز اللبناني – الفلسطيني على المطالبة بإقرار الحقوق المدنية والإجتماعية ورفض التعاطي مع الملف الفلسطيني من الزاوية الأمنية.

-أي حادث أمني يُهدد سلامة الطريق من الجنوب واليه، عبر البولفار الذي يمر بمحاذاة الجهة الغربية للمخيم، وما يعني ذلك من خطر، وخصوا على حراك المقاومة وامنها. كما هذه الطريق مسلك متواصل لقوافل القوة الدولية، التي كثيراً ما يُطلب منها سلوك الطريق البحرية في توجهها إلى الجنوب أو في انتقالها الى بيروت.

وتلفت هذه المصادر المعنية الى ضرورة ان تترافق هذه الضوابط مع بناء حوار رسمي لبناني - فلسطيني، في موازاة التوافق على تشكيل مرجعية فلسطينية موحدة تمثل كل الأطر والتنظيمات، وتعيد التمسّك بحق العودة.

الاثنين، 22 فبراير 2010

Sphere: Related Content

7 تحديات اسرائيلية في السنة 2010 من ايران الى الحدود مع لبنان وسوريا

الحرب النفسية.. إبطالٌ للحرب ام تمهيد لها؟!

تل ابيب تخشى حزب الله و"عناصر متطرفة قد تشعل الجبهة الشمالية"

عقيدة مطار بن غوريون تلغي عقيدة الضاحية!

ينشر في الاسبوع العربي في 1/3/2010

الحرب النفسية بين "حزب الله" واسرائيل في اوجّها، في حين تنهمك مراكز الدراسات الاستراتيجية في تل ابيب في تقويم المخاطر التي تنتظرها في السنة 2010، والتي تتصدرها ايران، من ثم الجبهة الشمالية مع لبنان وسوريا.

محطات لافتة طبعت سياق الحرب النفسية المضادة التي يقودها ضد اسرائيل "حزب الله" بتميّز، تمثّلت في قدرة اذرعه التلفزيونية والاذاعية والالكترونية على مواكبة الحرب النفسية الاسرائيلية التي تشن منذ اشهر على لبنان، وبلغت ذورتها مع امينه العام السيد حسن نصر الله الذي القى في السادس عشر من شباط (فبراير) ما سمّي خطاب "توازن الردع" والذي بلغت مفاعليها الاسرائيلية المدى الاقصى، عبر طلب الجهات المعنية وخصوصا الرقابة العسكرية في تل ابيب، من المراسلين والمحللين "ضبط النفس" وعدم الخوض في أي تحليل لمضمون الخطاب والرسائل التي تضمنها، لا سيما أن جزءا أساسيا منها كان موجها الى الرأي العام الإسرائيلي. وفيما ذهب وزير الدفاع الاسرائيلي إيهود باراك إلى تجاهل كلام نصر الله والتحدث مباشرة مع دمشق، قلل متحدث باسم الخارجية من أهمية التهديدات التي أطلقها السيد نصر الله، معتبرا إياها "ناجمة عن تعرضه لضغوط داخلية".

فعلت هذه الحملة النفسية المضادة فعلها في اسرائيل على رغم ان الرقابة العسكرية منعت التطرق الى خطاب نصر الله. ذلك ان اعلام "حزب الله" إستكمل ما بدأه السيد نصر الله وتحوّل مادة دسمة في الاعلام الاسرائيلي، في وقت انشغلت مراكز الدراسات الاستراتيجية في تقويم هذه الحرب النفسية – الاعلامية وتشريحها وتفصيل نقاط القوة واضعف فيها.

اسرائيل: هذا ما يهددنا

في هذا الاطار، وضع "مركز أورشليم للأبحاث والتوثيق" في القدس دراسة استخبارية إسرائيلية أُعدّت بتعاون مشترك بين شعبة الأبحاث والتحليل في جهاز الاستخبارات ومركز الأبحاث التابع له، وصفتها بعض الدوائر بأنها تجمع بين المعلومة الاستخبارية وتحليل الخبراء والمختصين، وتتناول التحديات والتهديدات التي تواجه إسرائيل في السنة 2010.

وتشير هذه الدوائر الى ان هذه الدراسة تمت مناقشتها في جلسة للطاقم الوزاري السباعي المقلص، كما تسلمت الوزارات المعنية نسخا منها، وتتحدث عن سبعة مخاطر وتحديات ستضطر إسرائيل للتعامل معها في السنة 2010. وتقول الدراسة ان العام الجديد هو عام مواجهة المخاطر والتحديات، وتقدم توصيات للمستوى السياسي وأصحاب القرار بشأن طرق وأساليب التعامل مع هذه التحديات التي تشير الدراسة إلى إمكان تأجيل التعامل مع بعضها.

ايران في الرأس

وتضع الدراسة الاستخبارية الإسرائيلية الموضوع الإيراني على رأس قائمة التحديات السبعة، التي تواجه إسرائيل في العام الجديد، وتتوقع أن تتخذ القيادة الإسرائيلية ما وصفته بالقرار الصعب بإزاء هذا التحدي، مستبعدة أن ينجح الغرب في مساعي إقناع إيران بتغيير موقفها والتعامل بجدية مع العروض الغربية ووقف تطلعات طهران النووية العسكرية.

وتتوقع الدراسة أن تصل الإدارة الأمريكية إلى قناعة نهائية شهر شباط (فبراير) بضرورة تغيير أسلوب التعامل مع إيران وضرورة البدء في حشد التأييد الدولي لغرض المزيد من العقوبات على طهران، والعمل على السيناريوهات البديلة للسيناريوهات الديبلوماسية، وفي مقدمتها الخيار العسكري الذي أصبح حسب رأي الأجهزة الاستخبارية في إسرائيل الخيار الأكثر واقعية.

وتوصي الدراسة القيادة السياسية بضرورة مواصلة الضغط على الدول الغربية، وخصوصا على الولايات المتحدة، من أجل اتباع أساليب أكثر صرامة مع إيران وإبقاء الخيار العسكري خيارا مطروحا بجدية على الساحة. وانه في حال تجاوزت طهران السقف الزمني المحدد ولم تستجب لدعوات الغرب بوقف مشروعها النووي العسكري، فإن العمل الهجومي يبقى آخر الخيارات لإنهاء الأطماع الإيرانية التي ستهدد استقرار الشرق الأوسط والعالم.

وتوصي الدراسة أيضا بدعم خطط استعدادات الجيش الإسرائيلي بأذرعه المختلفة حتى يكون جاهزا للحظة المواجهة، إضافة إلى رفع مستوى التنسيق الاستراتيجي مع واشنطن حول هذه المسألة بالتحديد. لكن الدراسة تحذر من قيام إسرائيل بأي هجوم عسكري على إيران بشكل منفرد، وترى أن الوقت لم يفت بعد لإمكان توجيه ضربة عسكرية لإيران تؤجل مشروعها النووي لسنوات عديدة قادمة.

وتتحدث عن دعم ما أسمته "العالم الحر وبعض الدول المعتدلة في المنطقة لهذه الخيارات"، وترى فيها خيارات معقولة وأكثر واقعية، إلى جانب ضرورة حماية العمق الإسرائيلي واستمرار المناورات التي تجريها قيادة الجبهة الداخلية.

وتصف الدراسة شهر حزيران (يونيو) المقبل بالسقف الذي يجب عدم تجاوزه دون اتضاح الرؤية بشكل نهائي بالنسبة للمسألة الإيرانية، وتوصي بمواصلة الاتصالات والمشاورات والتنسيق مع ما أسماه بدول المسار المتوقع، أي خط ومسار الطيران الإسرائيلي في حال اتخذ قرار بضرب إيران.

سوريا ولبنان فـ "حماس"

وتنتقل الدراسة الاستخبارية الى التحدي الثاني المتمثّل بالوضع على حدود إسرائيل الشمالية، وهو من شقين: الحدود الشمالية.. الجبهة السورية، والجبهة اللبنانية.

وتقول ان المعطيات المتوافرة لدى الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية تشير إلى أن الجبهة السورية، وعلى رغم استقرارها الطويل وهدوئها شبه التام، إلا أن بعض الأحداث التي تقع في المنطقة السنة 2010، وبعض القرارات التي ستضطر إسرائيل الى اتخاذها قد تتسبب في تسخين هذه الجبهة، وتصبح الأمور أكثر توترا مقارنة بما كانت عليه في الاعوام الفائتة.

لكن الدراسة لا تستبعد مواصلة بعض الأطراف في المنطقة العمل على إحداث زعزعة في سوريا. وتوصي بضرورة إبقاء القوات العسكرية الإسرائيلية في هضبة الجولان في حال تأهب مستمر، مع ضرورة تفادي حدوث توتر في الأوضاع ومنع حدوث أزمات.

وترى الدراسة، في انتقالها الى مخاطر الحدود الشمالية، ان حزب الله منذ انتهاء حرب لبنان الثانية يتحرك وفق استراتيجية عسكرية وسياسية تخدم مصالحه على الساحة اللبنانية وارتباطاته الخارجية. وتخشى مما تسمّيه "قيام عناصر متطرفة دخلت لبنان بتنفيذ عمليات صعبة مدوية لن تتحملها إسرائيل، وعندها ستحمِّل تل أبيب بيروت المسؤولية، وليس مستبعدا عندئذ اشتعال الموقف على الجبهة الشمالية".

وتشير الى أن حماس أعادت بناء قوتها، بل وتجاوزت الحد الذي كانت عليه عشية حملة "الرصاص المصبوب"، وتمتلك الحركة مخزونا كبيرا من القذائف تجاوز العدد الذي كانت تمتلكه عشية الحملة العسكرية من حيث الكمية والنوعية، لكن الشيء الذي يجب الالتفات إليه وتناقشه إسرائيل في لقاءاتها مع بعض الأطراف، وهي لقاءات في غالبيتها أمنية، يتمثل في استغلال بعض العناصر الجهادية العالمية مناطق القطاع للاختباء وإدارة اتصالات لتنفيذ هجمات في ساحات مجاورة.

معادلة الوقائع

لا تبدو قيادة "حزب الله" بعيدة من هذا التحليل الاسرائيلي الاستراتيجي للتحديات السبع التي تواجه تل ابيب، لا بل تقدّم هذه القيادة قراءتها لخاصة لهذه التحديات ولما قد ينتظر لبنان منها، هي مشابهة الى حد ما للمقاربة الاسرائيلية، لكنها ترى في الاشارة الاسرائيلية الى "العناصر المتطرفة التي دخلت لبنان" نية مبيّتة في تل ابيب لإعادة انتاج الذرائع التي عادة ما تتكئ عليها لتبرر حروبها، منذ المحاولة المفتعلة لإغتيال سفيرها في لندن في العام 1982 والتي نظمتها اجهزة مخابراتها لتبرير اجتياح حزيران من ذلك العام.

وتعتبر قيادة "حزب الله" ان الحرب النفسية المضادة التي اطلقها الحزب توّجها خطاب السيد نصر الله مرسياً "معادلة جديدة تعدّ انجازا وطنيا تاريخيا، خصوصا انها اضحت واقعاً وحقائقَ ملموسة، لا بل وما اعلنه الامين العام للحزب "يرقى الى ما هو أكثر من الواقع، الى اليقين بأنّ فعل المقاومة أمر حاصل".

ومن غير ان تلج قيادة "حزب الله" في توضيح العبارة الاخيرة التي تخفي ما يخبئه الحزب من مفاجآت حكي الكثير عن بعضه، "فيما لا يزال بعض آخر منها محجوبا ومتروكا للميدان"، تعتبر القيادة ان "حزب الله وضع المعادلة – التحوّل في خدمة لبنان والعرب والمسلمين، واأضحت الأحلام حيال قهر عنجهية إسرائيل وقائع، وأبلغ دليل عليها الصمت الاسرائيلي الذي يشبه حال الاختباء من الخيبة أو التقليل من الصدمة".

وتخلص القيادة الى ان معادلة "عقيدة مطار بن غوريون" (ضرب تل أبيب ومطار بن غوريون اذا ضربت اسرائيل بيروت ومطار رفيق الحريري الدولي) ألغت او على الاقل حيّدت –بإعتراف الاسرائيليين انفسهم- "عقيدة الضاحية" (تدمير البنى التحتية اللبنانية اذا تعرضت اسرائيل لهجوم بالصواريخ) التي ظلت تل ابيب تهدد بها لبنان منذ حرب تموز (يوليو) 2006، وفي ذلك دليل لا لبس فيه عن مركزية الحرب النفسية وإتقان "حزب الله" لها.

الثلاثاء، 16 فبراير 2010

Sphere: Related Content

بيروت تستعدّ لاستحقاق النقاش حول موقفها في مجلس الامن من الملف النووي لطهران

مهمة شاقة لبيرنز: تصويت لبنان على العقوبات الايرانية!

قوى الغالبية تنتقد عودة "الخطاب التخويني" بالتزامن مع النقاش الدولي حول ايران

ينشر في "الاسبوع العربي" في 22/2/2010

تراجعت، نسبيا، حدة التصعيد الاسرائيلي ضد لبنان في موازاة بدء حملة اميركية ديبلوماسية في الشرق الاوسط، تشمل لبنان، لشرح الخطوات التي تزمع واشنطن وضعها قيد التنفيذ ضد طهران، في طليعتها تشديد العقوبات الاقتصادية.

حلّ وكيل وزيرة الخارجية الاميركية للشؤون السياسية ويليام بيرنز منتصف الاسبوع الفائت ضيفا في بيروت ودمشق، في مهمة معقدة نظرا الى انها النقطة المركزية فيها هي الملف النووي الايراني والاجراءات التي تعد لها الادارة الاميركية والتي تبغي واشنطن التمهيد لها بأوسع حركة تشاور في الشرق الاوسط، اضافة الى العلاقات الثنائية ومجموعة من القضايا الاقليمية تراوح بين التوتر بين اسرائيل وسوريا ولبنان، والانتخابات العراقية، ودور ايران في المنطقة.

وكانت دمشق وبيروت قد تبلّغتا في الاسبوع الاول من شباط (فبراير) بزيارتي بيرنز من دون ان توضح وزارة الخارجية الاميركية جدولهما ونقاط البحث، علما ان هذه الزيارة هي الارفع لمسؤول اميركي الى دمشق منذ زيارة ريتشارد ارميتاج ولقائه الرئيس السوري بشار الاسد في كانون الثاني (يناير) 2005. كما ان بيرنز هو كبير المفاوضين الاميركيين في موضوع الملف النووي الايراني، وقاد الوفد الاميركي الى جنيف في تشرين الاول (اكتوبر) 2009، والتقى نظيره الايراني سعيد جليلي، على هامش لقاء دول الخمس زائد واحد مع ايران.

مهمة مزدوجة

وقال مصدر ديبلوماسي عربي في بيروت ان مهمة المسؤول الاميركي الرفيع تأتي بعد ايام من ارسال دمشق إلى واشنطن عبر قنواتها الدبلوماسية موافقتها على اقتراح تسمية روبرت فورد سفيرا أميركيا في العاصمة السورية، بعد انقطاع استمر منذ شباط 2005، يوم قررت واشنطن سحب سفيرتها مارغريت سكوبي اثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري، مع الاشارة الى ان امر الاعلان الرسمي عن اسم السفير يعود الى البيت الابيض وفقا لأحكام البروتوكولات الدولية، تمهيدا لتقديمه الى مجلس الشيوخ للموافقة عليه بعد الاستماع الى السفير المعيّن. كما تأتي هذه التسمية بعد شهر تقريباً على تسليم المبعوث الخاص إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل الاقتراح الأميركي الى القيادة السورية. ويشغل فورد منصب نائب السفير الأميركي في بغداد، كما سبق له أن عمل سفيراً في الجزائر، ويتقن العربية ويلم بالتركية.

وكشف المصدر ان مهمة بيرنز عنونتها وزارة الخارجية "ايران لا غير"، وتهدف الى استكشاف المقاربتين اللبنانية والسورية للملفات والعناوين الحامية على مستوى الاقليم، في مقدمها الملف النووي الايراني ومسألة "حزب الله" وسلاح المقاومة.

ولفت الى ان واشنطن تسعى في هذه المرحلة حيث تهدد عواصم القرار بتشديد العقوبات على طهران، الى توظيف هذا التهديد في محاولة لتحريك ما تسميه الادارة الاميركية "إبعاد سوريا عن ايران"، و"ممارسة الضغط على سوريا لوقف تزويدها السلاح الى "حزب الله".

لبنان في مجلس الامن

واشار المصدر الديبلوماسي الرفيع الى ان لزيارة الديبلوماسي المخضرم ذي الخبرة الواسعة في شؤون المنطقة، الى لبنان دلالاتها، اذ تؤكد نمطاً ملحوظاً في تعامل ادارة الرئيس باراك اوباما مع لبنان وسوريا، ذلك ان المسؤولين الاميركيين يتوقفون، منذ العام 2004، في بيروت وهم في طريقهم الى دمشق، في مؤشر واضح الى اللبنانيين والسوريين الى ان واشنطن لن تقلص اهتمامها بلبنان والتزامها ثوابت علاقاتها معه في سعيها الى تطوير العلاقات مع سوريا، حتى لو تراجع هذا الاهتمام الى مرتبة ثالقة بعد افغانستان والعراق.

واوضح ان بيرنز يسعى في بيروت ودمشق الى احتواء التوتر مع اسرائيل، مع عدم اغفاله القضايا التي هي في صلب الخلافات بين واشنطن ودمشق، بدءاً من دور سوريا في لبنان والعراق وفلسطين، مع استمرار الاتهام الاميركي لها بتسليح "حزب الله" وحركة المقاومة الاسلامية "حماس"، وانتهاء بعلاقاتها بايران.

امر شاق

واشار المصدر الديبلوماسي الرفيع الى ان واشنطن تنظر الى مهمة بيرنز في بيروت على انها شاقة، نظرا الى انها استهدفت اقناع لبنان – من موقعه ممثلا غير دائم للمجموعة العربية في مجلس الامن الدولي- بالانضمام الى الجهود الدولية، التي لا تلاقي اعتراضا روسيا وصينيا، لتشديد العقوبات الاقتصادية على طهران ولمحاصرة البرنامج النووي الإيراني بعد التعثر في المفاوضات الدولية ومجموعة الخمسة زائدا واحدا، ورفضها قبول عرض هذه الدول والوكالة الدولية للطاقة الذرية تخصيب الاورانيوم الايراني في الخارج تحت رقابة دولية.

ولفت المصدر الى ان القرار اللبناني في شأن التصويت في مجلس الامن على اي قرار يستهدف تشديد العقوبات الاقتصادية على ايران مؤجل الى حين طرح الامر رسمي في مداولات المنظمة الدولية، علما ان هذا القرار اللبناني دون انضاجه الكثير من المشاورات الحكومية والسياسية الداخلية التي تفترض انها ستواجه اعتراضا شيعيا شديدا على انضمام لبنان الى هذا المسعى الاميركي، معطوفا على معارضة سورية مبدئية، وكلا الاعتراضان سيؤججان نقاشا سبق انتخاب لبنان الى عضوية مجلس الامن، تمحور حول ماهية الموقف اللبناني حيال ملفات حساسة ستطرح وليا في العام 2010، في مقدمها الملف النووي الايراني.

تصعيد في لبنان؟

في الموازاة، يخشى المراقبون في بيروت ان تنسحب مهمة المسؤول الديبلوماسي الاميركي توتيرا للخطاب اللبناني، وربما تصعيدا سياسيا، ربطا بمواقف قوى الرابع عشر من آذار حيال "حزب الله" وسلاح المقاومة، ومع عودة ما تسميه قوى الرابع عشر من آذار (مارس) "الاتهام التخويني" وإرتباط هذه المواقف مع ما تحضّر له واشنطن هلى مستوى الملف الايراني.

فالنائب محمد رعد تحدّث عن "مخاوف يثيرها بعض الذين لا يزالون يراهنون على كسر شوكة أهلنا المقاومين من قبل الصهاينة وأسيادهم الدوليين"، داعياً هؤلاء إلى "أن يعيدوا حساباتهم ويصحّحوا رهاناتهم"!. وسأل "الذين يريدون العبور إلى مشروع الدولة": "أين هي مواقع القوّة التي بنوها منذ حرب تمّوز (يوليو) وإنتهائها إلى اليوم؟ أين القوّة في الثقافة والإعلام وفي الإقتصاد والتربية والصناعة والتجارة "والسياحة؟".

ورأى القيادي في "حزب الله" محمود قماطي ان "هناك من يتناغم بشكل مقصود أو غير مقصود مع طروحات العدوّ الإسرائيلي الذي يحاول أن يدخل إلى الداخل اللبناني لافتعال الفتن والمشكلات". وسأل "لماذا يحاول البعض طرح الإنقسام والخلاف بين اللبنانيين؟".

ووصف قيادي بارز في قوى الرابع عشر من آذار (مارس) هذا الهجوم بأنه "تصعيد وتخوين متجدّد، قد يكون مرتبطا بنجاحنا في احياء ذكرى الرابع عشر من شباط (فبراير)، وقد يكون تهديدا صريحا لأيّ حوار أو نقاش في شأن كيفيّة التعاطي اللبنانيّ مع الأخطار الإقليميّة عشية بدء التحضير للعودة الى مؤتمر طاولة الحوار الوطني برعاية رئيس الجمهورية العماد ميسشال سليمان، وقد يكون هذا الاتهام مرتبطا بالاحتمالين معا، نظرا الى ان طهران لن تقف بالتأكيد مكتوفة اليدين حيال تشديد العقوبات الاقتصادية عليها.

توضيحات آتية

وقال القيادي ان الايام الآتية كفيلة بتوضيح الكثير من الالتباسات التي شهدتها الفترة الاخيرة، بفعل مجموعة من العوامل المربكة، بدءا من التغيير في الادارتين الاميركية والفرنسية، مرورا بإعادة التموضع في عدد من العواصم العربية والاقليمية، انتهاء بالدور السوري الجديد على مستوى الاقليم وفي العلاقة مع كل من واشنطن وباريس، والذي استوجب تعاط اميركي – فرنسي متناقض في الشكل، لكن متلاق في الجوهر على العودة الى محاولة تحييد دمشق عن طهران.

وتوقع القيادي ان يعود التركيز في خطاب قوى الثامن من آذار (مارس) على محاولة القسمة بين قوى الرابع عشر من آذار (مارس)، لجهة السعي الى عزل الفريق المسيحي فيها عن تيار "المستقبل" من جهة، ولجهة استعمال العامل الاسرائيلي للتهويل مجددا على هذه القوى ولـ "هزّ" العصا في حال اراد احد من الافرقاء اللبنانيين التأثير على الانعطافة التي يستكملها تباعا رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط.

ولفت القيادي في قوى الغالبية الى ان "استمرار رهان قوى الاقلية على انهيار ما يجمعنا هو في الحقيقة استمرار لمحاولة حثيثة، مع سابق التصميم، على تفكيك العناصر التي هي في حد ذاتها عنصر امان لقوى الغالبية، والمتمثّلة في اتفاق مسيحي – مسلم على مسلّمات لم يعد في استطاعة احد تجاوزها او ضربها او القفز فوقها او حذفها من المشهدية اللبنانية التي أسّست لها لحظة 14 شباط (فبراير) 2005، والتي لم يعد في الامكان تجاوزها او استثناؤها عندما تحين لحظة التأريخ للأعوام المؤسِّسة للاستقلال الثاني".

الأحد، 14 فبراير 2010

Sphere: Related Content

العلاقة بين ثلاثي ساحة الشهداء تحت المجهر

14 شباط .. مفترق ام إفتراق؟!

ساحة الشهداء تتآلف على زغل مع ضرورات اعادة تركيب الاقليم


هل صحيح ان الرابع عشر من شباط (فبراير) 2010 هو غير ما كان عليه في الاعوام الاربعة الفائتة؟ وهل صحيح انه سيكون مفترقا حاسما في العلاقة البينية بين الافرقاء اللبنانيين، وخصوصا بين مكونات قوى الرابع عشر من آذار (مارس)، اثر ما حل بها منذ الانقلاب الجنبلاطي المكرّس في الثاني من آب (اغسطس) 2008؟

الصورة في الرابع عشر من شباط (فبراير) 2010، مغايرة عما سبقها، في الشكل من حيث وليد جنبلاط- رأس الحربة في "الشباطات" الاربعة الفائتة- يوحي لمن حدّق به كثيرا في ساحة الشهداء الاحد الفائت انه مجبر وربما مكره لا بطل، وانه هناك لمجموعة من العوامل سعى جاهدا كي لا تبطل مفاعيل استدارته الدراماتيكية، فكان ان حضر رمزيا من دون جمهوره، ومن دون ان يضخ ما يحرك جمهور حزبه للإحتشاد في الساحة. غاب وليد جنبلاط على رغم حضوره دقائق.

والصورة اياها مغايرة عما سبقها، في المضمون، من حيث عيار الخطابات وسياقاتها المختلفة عما مضى والمتآلفة مع ضرورات اعادة تركيب الاقليم على قياس انتصارات قريبة وهزائم بعيدة.

والصورة ذاتها مغايرة، لأنها ستفتح الستارة على مشهد جديد في العلاقة بين مكونات قوى الرابع عشر من آذار (مارس)، التي تواجه تحديات مصيرية وكيانية لم تجد لها بعد هذه القوى الاجوبة الشافية، ما انسحب جمودا واضحا في قواعدها الشعبية، وارباكا على مستوى الخطاب وتراجعا على مستوى التنسيق القيادي، ترجمه البعض بتكرار عبارة ان "شعب 14 آذار (مارس) سبق قادته في محطات كثيرة".

"السيبة" المربكة

وترصد بعثات ديبلوماسية عدة مآل العلاقة الراهنة بين "سيبة" هذه القوى، رئيس الحكومة سعد الحريري وحليفيه رئيس حزب الكتائب امين الجميل ورئيس الهيئة التنفيذية في "القوات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع، في ضوء المعطيات الناتجة من العلاقة الآخذة في التوطّد بين الحريري والرئيس السوري بشار الاسد، بحيث لا يمر اسبوع من غير ان يكون الرجلان على اتصال هاتفي مباشر، في حين يستمر التنسيق السياسي شبه اليومي بين مستشار الحريري وابن عمته ومدير مكتبه نادر الحريري وبين المستشارة السياسية والاعلامية للرئيس السوري بثينة شعبان، اما التنسيق الامني فسلك طريقا معبدا بين المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء اشرف ريفي ومسؤولين امنيين سوريين، علما ان الزيارة الاخيرة لريفي حصلت قبل اسبوعين.

ولا يُخفى على المراقبين الديبلوماسيين ان هذه العلاقة الثلاثية بين الحريري وحليفيه المسيحيين تتأثر حكما بمجموعة من العوامل، في مقدمها التنسيق المطّرد بين رئيس الحكومة وفريق عمله وبين القيادة السورية، وفي متنها الموقف الاخير للحريري الذي ضغط للحد من اي سجال حاد على خلفية الكلام الذي اورده الصحافي الاميركي سيمور هيرش في مجلة نيويوركر، وهو اجزاء من مقابلة مطولة مع الرئيس السوري، عاد واوضح هيرش حدوث اختصار في مقاله، مشيرا الى ان "هذا الـ Editing (التحرير) تم بمعرفة التحرير في "نيويوركر" وبشكل أظهر المضمون خارج سياق ما كتبه. أضاف "هذا لا يعني أن الحديث عن الموضوع اللبناني وغيره لم يحدث مع الرئيس الأسد لكن Editing أخرج الموضوع بالشكل الذي نشر".

دمشق ايضا

ويشير مسؤولون في قوى الاقلية النيابية الى ان الهاجس الرئيس لكل من الجميل وجعجع هو الوتيرة التي تتطور عليها علاقة الاسد بالحريري، في ظل رغبتهما العارمة في عدم افتراق رئيس الحكومة عنهما.

ويقول هؤلاء ان المداولات الداخلية في الحزبين المسيحيين تتطرق بإسهاب الى هذه الهواجس، وتضع مخرجا - جوابا لأي من الاحتمالات المرتقبة، وخصوصا في حال فرض تقارب رئيس الحكومة ودمشق، وهو منتج من منتجات ضرورات التوافق الاقليمي، مزيدا من التمايز في العلاقة بين الحريري وحليفيه المسيحيين.

وفي اعتقاد المسؤولين في قوى الاقلية النيابية، ان المادة اللاصقة التي لا تزال تجمع قوى الرابع عشر من آذار (مارس) مصنّعة بمكونات الوفاء الحريريّ للذين وقفوا مع رئيس الحكومة في السراء والضراء، اكثر منه الى مكوّن الاستمرار بالمشروع الذي قامت عليه هذه القوى في يوم الرابع عشر من آذار (مارس) 2005. وارتكز هؤلاء القياديون الى عبارة "الموت يفرقني عنكم" التي قالها الحريري في الاجتماع الاخير لقوى الرابع عشر من آذار (مارس) في فندق البريستول، وهي في التفسير السوسيولوجي والنفسي، عبارة عاطفية ناتجة من استمرار تأثر الحريري الابن (لا رئيس الحكومة) بالمومنتوم الذي انتجه كل من الرابع عشر من شباط (فبراير) والرابع عشر من آذار (مارس) 2005، واستطرادا ان هذه اللحظة العاطفية على صدقها، قد لا تجد مكانا لها في القاموس السياسي المليئ بلغة المصالح والتقاطعات والتي قد تفرض، في يوم ما قد لا يكون بعيدا، خطابا سياسيا مختلفا.

واستعاد المسؤولون في قوى الاقلية النيابية تصريحات كثيرة لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط حضّ فيها الحريري على الاستخلاص من تجربته مع القيادة السورية، وخصوصا في اربعين كمال جنبلاط يوم قرر القفز فوق المومنتوم العاطفي ليعيد صوغ علاقته مع دمشق على قاعدة المصلحة لا العاطفة، ودعاه ايضا الى الاكتفاء بالحقيقة في اغتيال والده والاقلاع عن السعي خلف العدالة!

مصارحة قريبة

في المقابل، يقلل قيادي مسيحي في قوى الرابع عشر من آذار (مارس) من قيمة هذه التحليلات التي "تفيض بها قوى الاقلية"، ويشير الى ان احدا في قوى الغالبية النيابية لا يكابر حيال وجوب اجراء مراجعة ذاتية موضوعية لمآل هذا التحالف السياسي العريض الذي، وإن خرج منه البعض على الدرب الشائك بين العامين 2005 و2010، حقق انجازات ومكتسبات لا يمكن احدا تجاهلها مهما قيل فيه وفي العثرات التي اعترضته وتعترض راهنا تظهير خطاب يوائم متطلبات المرحلة.

ويلفت القيادي الى ان هذه المراجعة يمكن ان تأتي في سياق جلسة مصارحة بعيدة من الاعلام تعقب الاحتفال الجماهيري بذكرى الرابع عشر من شباط (فبراير)، وتؤسس الى سياق جديد في هذه العلاقة التي ترنّحت احيانا تحت وطأة ما تعرضت له من سهام وافخاخ وشِراك نصبت على درب الاعوام الخمسة، بدءا وليس انتهاء بالمداولات التي سبقت تشكيل حكومة الانماء والتطوير والتي اصابت حزبيّ الكتائب و"القوات اللبنانية" في مكتسبات بديهية ثبتتها تقديماتهما على امتداد سنيّ ثورة الارز.

ويعتبر القيادي ان جلسة المصارحة هذه ستأتي في توقيتها بلا استعجال او مماطلة، لكي يعاد صوغ العلاقة بين مكونات قوى الغالبية على قاعدة جديدة، للانطلاق بها الى تثميرها سياسيا.

إلتباسات

ويعتقد ان الايام الآتية كفيلة بتوضيح الكثير من الالتباسات التي شهدتها الاشهر الاخيرة، بفعل مجموعة من العوامل المربكة، بدءا من التغيير في الادارتين الاميركية والفرنسية، مرورا بإعادة التموضع في عدد من العواصم العربية والاقليمية، انتهاء بالدور السوري الجديد على مستوى الاقليم وفي العلاقة مع كل من واشنطن وباريس، والذي استوجب تعاط اميركي – فرنسي متناقض في الشكل، لكن متلاق في الجوهر على العودة الى محاولة تحييد دمشق عن طهران، وهو ما كان في صلب مهمة وكيل وزيرة الخارجية الاميركية ويليام بيرنز الذي زار عاصمة الامويين تحت العنوان – الهدف: "ايران... لا غير"، مقرونا بـ " ممارسة الضغط على سوريا لوقف تزويدها السلاح الى "حزب الله".

وكانت دمشق قد تبلّغت في الاسبوع الاول من شباط (فبراير) بزيارة بيرنز من دون ان توضح وزارة الخارجية الاميركية جدولها ونقاط البحث، علما ان هذه الزيارة هي الارفع لمسؤول اميركي الى دمشق منذ زيارة ريتشارد ارميتاج ولقائه الرئيس السوري بشار الاسد في كانون الثاني (يناير) 2005. كما ان بيرنز هو كبير المفاوضين الاميركيين في موضوع الملف النووي الايراني، وقاد الوفد الاميركي الى جنيف في تشرين الاول (اكتوبر) 2009، والتقى نظيره الايراني سعيد جليلي، على هامش لقاء دول الخمس زائد واحد مع ايران.

ويقول القيادي في قوى الغالبية ان "استمرار رهان قوى الاقلية على انهيار ما يجمعنا هو في الحقيقة استمرار لمحاولة حثيثة، مع سابق التصميم، على تفكيك العناصر التي هي في حد ذاتها عنصر امان لقوى الغالبية، والمتمثّلة في اتفاق مسيحي – مسلم على مسلّمات لم يعد في استطاعة احد تجاوزها او ضربها او القفز فوقها او حذفها من المشهدية اللبنانية التي أسّست لها لحظة 14 شباط (فبراير) 2005، والتي لم يعد في الامكان تجاوزها او استثناؤها عندما تحين لحظة التأريخ للأعوام المؤسِّسة للاستقلال الثاني".

السبت، 6 فبراير 2010

Sphere: Related Content

إستعادة الدور بالعودة الى الريادة وبإعطاء لبنان معنى جديد لدولة مدنية ديموقراطية

الموارنة الذين لا ينتظمون: بيت بمنازل مشتتة

صفير زار سوريا مطراناً العام 1963 في عيد مار مارون والتقى شكري القوتلي

وهن واحباط وضمور في الدور وقصورٌ في اطلاق نهضة مدنية

ينشر في الاسبوع العربي في 15/2/2010

المشهد كان مغايرا هذا العام في الاحتفال بعيد القديس مارون، شفيع المجموعة التي لا تكلّ ولا تهدأ ولا تنتظم: في التاسع من شباط (فبراير)، قداس "رسمي" في الجميزة، وقداس "شعبي" في براد السورية حيث ضريح "إكتشفه" لبناني وسوري (غسان الشامي وجمال سليمان) ولا تعترف به الكنيسة. وبين القداسين، جمهوران واسئلة بحجم جماعة قيل ان لبنان وُجد من اجلها، وقال فيها الفيلسوف شارل مالك: "لقد أُعطي الموارنة كثيرا، ولذلك يُطلب منهم الكثير".

سبق لأسقف الموارنة في سوريا مطران اللاذقية وتوابعها يوسف مسعود ان وجه دعوة رسمية، لكن بصفة شخصية، الى البطريرك الماروني الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير، لزيارة حلب والمشاركة في الاحتفالات التي تقام في بلدة براد -المنسية حتى عام خلا- لمناسبة المئوية السادسة بعد الألف للقديس مارون. المرة الأخيرة التي زار فيها البطريرك صفير سوريا كانت في العام 1963 لمناسبة عيد مار مارون وكان مطرانا، والتقى خلالها الرئيس السوري الأسبق شكري القوتلي. ولا ريب انه لا يعارض دعوة من ابناء رعيته، لكن مسألة الزيارة الى سوريا فيها الكثير من الخلفيات والنوايا، وبكركي شاهدة على مئات الرسائل وعشرات الموفدين على امتداد حبرية نصر الله صفير، والذين لم يكلّوا. لكن لا هم اقنعوه ولا هو اقتنع. فالتوقيت مهم والوقت لم يحن بد. في الثاني من شباط (فبراير)، صرح البطريرك أن لا داعٍ لزيارته سوريا في هذه الأثناء، وانه لن يذهب من دون طائفته، لكنه استدرك ان "الظروف التي كانت تضغط على لبنان سابقا ربما خفّ ضغطها الآن".

"مورونويه لو مطكسي"

قلة، بمن فيهم موارنة، تدرك ان المارونية ككنيسة وُلدت بعد مئات الاعوام من وفاة القديس مارون. والثابت ان اول تسمية اطلقت على هذه الجماعة كانت مع حبرية القديس يوحنا مارون، وهو راهب من دير مار مارون وأسقف البترون وجبل لبنان. وانتُخب أول بطريرك على الكنيسة المارونية في خلال النصف الثاني من القرن السابع بعد المسيح (حوالى العام 686 ميلادي) عندما اصبح الكرسي الأنطاكي شاغراً. وهو أول بطريرك ماروني على انطاكية والثالث والستون بعد القديس بطرس الذي أسّس الكرسي الأنطاكي في القرن الأول بعد المسيح. وبهذا العمل كانت بداية تنظيم وبناء الكنيسة المارونيّة على الصعيد الكنسي والوطني والإجتماعي.

في الذاكرة المسيحية – المارونية عبارة ترُوْج عادة في مراسم الزواج "نيال البيت يللي بيطلع منو بيت"، للدلالة على مركزية العائلة في الحياة المسيحية.

لكن في الذاكرة السريانية، مثل شائع: "مورونويه لو مطكسي"، اي "الموارنة لا ينتظمون"، لأنهم لانهم يعتبرون ذواتهم انهم بأجمعهم قادة زعماء وهذا ما ينافي مسلمات المنطق وإستخلاصات عِبر تاريخهم المديد.

للموارنة اليوم بيت بمنازل كثيرة ومشتتة تعبّر عن قدرة هذه الجماعة على رفض الانضباط وتفضيلها التشرذم والاختلاف على الانحسار في عقيدة مقيّدة. هذا شأنهم منذ ان كانوا، وهذا دأبهم منذ ان وعا البطريرك اسطفان الدويهي على لبنان الكيان في مؤتمر فرساي في العام 1919.

علة الوجود

يشكل الموارنة الجزء الأكبر من المسيحيين في لبنان، واستمدوا دورهم السياسي من قوتهم الذاتية التي تمثلت في قدرات اقتصادية وعلمية وتربوية مكنتهم على امتداد التاريخ اللبناني، لعب دور سياسي كبير وبارز وفاعل، حتى أصبحت صورة لبنان على صورتهم.

كما استمد الموارنة نفوذهم من خبرتهم الكبيرة في الترجمة والتعريب والنقل، اضافة الى كونهم جسرا للوساطة التجارية بين ضفتي المتوسط، ولما لهم من علاقات متينة بين الشرق والغرب.

وكان لدور الكنسية المارونية الاثر الكبير في تنامي نفوذ ابنائها، فهي اشتُهرت بتنظيمها وقوتها الشعبية وقدرتها على التماسك والتأثير في صفوف رعاياها وتوحيدهم عبر الرهبنات والأوقاف والمؤسسات الصحية والتربوية والاجتماعية والأبرشيات التابعة لها.

استند الموارنة الى هذا الارث ليستجمعوا نقاط قوتهم عبر مسيرتهم، فكانت لهم امتيازات عدة منها احتكار موقع رئاسة الجمهورية وصلاحياته وقدراته الواسعة والمؤثرة، لا سيما كون رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للجيش، ويحصن بالتالي نفوذ قائد الجيش الماروني، اضافة الى نفوذ القوى الأمنية والأجهزة التي كانت حكرا" على هذه الجماعة.

اذاً، استمد الموارنة سلطتهم من نفوذ الكنيسة وامتيازات رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش، في ظل تماسك القوة السياسية على رغم الخلافات والصراعات التي وقعت مرارا داخل الطائفة.

فاقة بعد عزّ

نال الموارنة امتيازاتهم عن جدارة وكمكافأة على انجازاتهم وتتويجا لدورهم وريادتهم في عصر النهضة، لكنهم خبوا وتراجعوا مع تراجع دورهم الطليعي الذي سبق ومنحهم قوتهم وزخمهم.

في مرحلة الاستقلال، تركزت الأولويات على بناء الدولة المستقلة وادارة شؤونها، وألقي جزء مهم من هذه المسؤولية على عاتق الساسة الموارنة، الذين تعثّروا – بصور متفاوتة - في ادارة شؤون البلاد. فتراكمت الاخطاء وتعاظمت نتيجة عجز المارونية السياسية عن استيعاب المتغيرات الاجتماعية، لا سيما مطالبة فئات لبنانية بحقوقها الاجتماعية واستنفار شرائح أخرى للمشاركة السياسية.

وتفاقم الوضع مع انعكاس أزمات الاقليم على لبنان، من الصراع العربي الاسرائيلي الى الوجود الفلسطيني و"إفراغ" الجنوب من السلطة وما تمخض عنه من توسّع المقاومة الفلسطينية (فتح لاند).

ولم يعِن الساسة الموارنة، حيال هذه التهديدات للهوية والكيان، استظلالهم شعار "قوة لبنان في ضعفه"، اتكاءً على تجارب كثيرة حيادية، وهي الصفة القانونية لبلد ما يمتنع عن المشاركة في أي حرب أو نزاع، ويلتزم مسافة واحدة من كل الأطراف المتحاربة مع ضرورة اعتراف الدول الأخرى بنزاهة وحيادية ذلك البلد، مثل النمسا، سويسرا، السويد، كوستاريكا، تركمانستان، فنلندا.

إنكشف لبنان، نتيجة لتعدد الرؤى وتعثّر الحوار، على حروب ونزاعات مدمرة متداخلة مع الصراع الاقليمي والدولي، تكررت خلالها سيناريوهات الفشل مع جنرالات الموارنة في ادارة الحرب (وحروبهم الخاصة ايضا)، مما أدخلهم لاحقا منهكين الى تسوية الطائف، فانتزعت منهم صلاحياتهم وامتيازاتهم.

الجمهورية الثانية: بداية الوهن

بدأ الوهن مذ انطلقت الجمهورية الثانية، بقطارها الشهير الذي جاهر قباطنته الكثر ان سيأخذ في طريقه من لا يستلحقه، فنفي من نفي وسُجن من سُجن وهمّش ومن هُمّش ورُفّع من رُفّع، والاهم زُعِّم من لم يكن يحلم يوما في ان يصير حاجبا على باب زعيم!

خفّ وهج الموارنة وضعفت سلطتهم وتراجعت، أمام دينامية الطوائف الأخرى، فلم يعودوا تحتكرون العلم والتربية الاقتصاد والثروة والمعرفة، مع انتشار التعليم في مختلف الطوائف، وتراجعت القوة المارونية مع تناقص العدد وتشتت التماسك المجموعتي وتنامي الهجرة واستشراء التناقضات والخلافات السياسية.

الدولة المدنية

غدا الموارنة بلا نصير اقليمي او دولي نتيجة تبدل موازين القوى والتحالفات، فتراجع نفوذهم وتأثيرهم. فلم تعد فرنسا امهم الحنون حصرا، وتأذوا من التحالفات التي فرضتها عليهم الحروب فرضا، من اسرائيل الى العراق مرورا بسوريا في العامين 1974 و1975. وزاد في التهميش المأسوي غياب القيادات التاريخية الجامعة والموحدة، ما انتج تناقضا وخيبة واحباطا لم تنفه خروج سمير جعجع من السجن وعودة ميشال عون من المنفى.

وفاخر الموارنة بتعددية الاتجاهات والآراء داخل صفوفهم، وهي مصدر غنى وديموقراطية بينما يحكم الاستفراد والثنائية الطوائف الأخرى، لكن هذا الاختلاف وصل الى حد التناقض والالغاء والفوضى، مولدا ضعفا في السلطة المارونية، ومؤديا الى تراجعها وربما سقوطها.

اما إستعادة الدور فبالعودة الى الريادة، بإعطاء لبنان معنى جديد لدولة مدنية ديموقراطية، دولة حرة ومستقلة ومنارة في المشرق العربي، دونها التقاعص والتخاذل في اطلاق نهضة جديدة، في اطار اعادة صوغ علاقاتهم في محيطهم المشرقي.

الاثنين، 1 فبراير 2010

Sphere: Related Content

حزب الله صاغ العلاقة بينهما ويديرها ويمنع الافتراق

بري – عون او الالتباس الخلاق

علاقة بري وعون لم تقرّ يوما على برّ

ينشر في "الاسبوع العربي" في 8/2/2010

يكاد الاستنفار السياسي لـ "حزب الله" على جبهة حليفيه غير الحليفين، يوازي استنفاره العسكري على الجبهة الجنوبية، ذلك ان أي شرارة بين نبيه بري وميشال عون تعادل، في التوازن السياسي الداخلي، "اعتداء" على الامن السياسي للحزب، واستطرادا وعلى عمقه الاستراتيجي اللبناني – المسيحي – الماروني.

لسوء طالع "حزب الله" ان علاقة نبيه بري وميشال عون لم تقرّ يوما على مستوى او برّ، لا في فترة ثمانينات القرن الفائت، ولا طيلة أعوام نفي الجنرال والذي صاغه النظام الذي كان بري احد اركانه (وكذلك حزب الله)، ولا منذ العودة من المنفى الباريسي في السابع من ايار (مايو) 2005، ولا تحديدا منذ السادس من شباط (فبراير) 2006، احد ابرز تواريخ التحولات السياسية والعسكرية في هيكليّ كلّ من "حزب الله" و"التيار الوطني الحر"، يوم تلاقى السيد حسن نصر الله والعماد عون في كنيسة مار مخايل لتوقيع وثيقة التفاهم التي غدت منذ ذلك الحين "حلفاً بالدم" بين خصمين عمّدته حرب تموز (يوليو) 2006، اختلفا في السابق على كل شيئ، ليتطابقا راهنا على كل شيئ ايضا.

انعدام التواصل

وتستقيم قراءة العلاقة الملتبسة بي بري وعون، حليفيّ الحليف على ما باتت التسمية شائعة، منذ توقيع وثيقة التفاهم، لأنها شكّلت ايضا تحوّلا في العلاقة بينهما من جهة، وفي علاقة بري بقيادة "حزب الله" من جهة ثانية، وهنا بيت القصيد، وربما كل مسببات النقزة الراهنة من احتكاكات مستمرة، ربما ارادها بري رسالة الى الحزب من باب الرابية.

في الاساس، لم تكن العلاقة بين بري وعون جيدة ومستقرة يوما: لا في زمن قيادة عون المؤسسة العسكرية منتصف الثمانينات، ولا في زمن ترؤسه الحكومة العسكرية في نهايتها، وخصوصا ليس منذ عودته الى لبنان، واستطرادا في مرحلة ما بعد تفاهمه مع "حزب الله". وانسحب هذا التردي على جمهورهما: غياب التواصل على مستوى الشرائح الطالبية والشبابية، وهي الركن لتأسيس اي علاقة صحيحة بين حزبين، ونادرا ما لا يُلحظ نفور بينهما على معظم العناوين التي تطرح للنقاش، وانعدام اي تنسيق على مستوى العلاقات النقابية وهي حجر الاساس للمعارك التي خاضتها قوى المعارضة سابقا على مستوى النقابات والتي فقدت معظمها، لقصور في ادارة هذه المعارك من جهة، وكنتيجة لغياب التنسيق على مستوى الديناميات النقابية في التنظيمات التي تتألف منها هذه القوى.

العلاقة المستحيلة

تجلّت صعوبة هذه العلاقة، حد الاستحالة، بين العامين ٢٠٠٦ و ٢٠٠٩، اذ على رغم انتماء بري وعون الى جبهة سياسية واحدة، ظلت العلاقة كمن يمشي على حبل فوق ارتفاع شاهق، تعوزها العصا التي تؤمن التوازن، وشبكة الامان والطوارئ التي تتلقف اي سقوط من علو.

زادت الصعوبة مع النفور الذي حكم مقاربة بري ترشح عون لرئاسة الجمهورية، وشكا الاخير مرارا ان رئيس المجلس "يهندم"، مع النائب ميشال المر، بذة رئاسية توافقية لا تتناسب وقياسه، لا بل هي تُرتّب بحيث لا تليق الا على قياس العماد ميشال سليمان. وكانت الدوحة بعد السابع من ايار (مايو) 2008، محطة جديدة في المواجهة الممنوعة من الصرف. صحيح ان الاثنين كتما غيظهما، لكن الكتم هذا لم يكن سوى مقدمة لانفجار مدوّ، بذل "حزب الله" ما امكنه من جهد وحنكة لتأجيله، انطلاقا من تسليمه بأن المحتوم شرّ لا بد ان يقع.

وبلغت الاستحالة في علاقتهما زمن الانتخابات التشريعية العامة في حزيران (يونيو) 2009، بدءا من المماحكة على قانون الانتخابات مع اصرار بري على الدائرة – المحافظة وتمسك عون بالدائرة – القضاء، ولم يكن رئيس المجلس في وارد التنازل لولا حرب الاحصاءات التي توقعت ان القضاء من شأنه تأمين فوز تحالف المعارضة، ومن ثمّ عصيّ جزين على توحّد هذا التحالف، على رغم كل ما سكب "حزب الله" والسيد نصر الله شخصيا من حجج لكي يتلافى الرجلان معركة كسر عظم، ستكون الوحيدة على مستوى قوى المعارضة.

فيتامينات الخصومة

وكانت لهذا الخلاف محطة جديدة مع المداولات الممهّدة لتأليف حكومة الانماء والتطوير، وسط التسابق على توزيعات الحقائب، وهو لن ينتهي حكما مع العناوين اللاهبة راهنا، نظرا الى وفرة المغذيات والفيتامينات التي تضخ الزيت في هذه العناوين.

-ففي طرح بري تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، اعترض عون سائلا عن الاسباب والدوافع في شأن يدرك رئيس المجلس انه اكثر من حساس في الشارع المسيحي الذي يعمل الجنرال على اعادة ترميم علاقة "التيار الوطني الحر" به، مع تأكيده انه ليس معارضا في المطلق، لكنه يتحفظ عن التوقيت والآلية، وربما الدوافع الراهنة. وتاليا، انتج رئيس البرلمان، من غير قصد، توافقا مسيحيا عاما للتصدي لهذا الاقتراح، عجزت عن ايجاده تكرارا الكنيسة وكل وسطاء التوافق.

-وفي سعي بري الى تعديل المادة 21 من الدستور وجعل الثامنة عشر عاما سنّا للاقتراع في الانتخابات البلدية والاختيارية، كان عون اول المعترضين للسبب نفسه: حساسية الشارع المسيحي لهذا التغيير الكبير في ديموغرافية التوزع الانتخابي في حال جرى ضخ 238,683 ناخبا مسلما في مقابل 57,995 ناخبا مسيحيا. ومرة جديدة، انتج بري اجماعا مسيحيا على رفض الاقتراح، والتوحّد على الربط بين خفض سن الاقتراع واتاحة اقتراع المغتربين واستعادة الجنسية ووضع كل آليات التطبيقية اللازمة.

-وفي اقتراح بري تعيين هيئة قضائية تحدد آليات التعيينات الادارية، وقف عون سريعا معارضا هذا الاقتراح، متكئا على ان في الدستور الآلية الشافية التي تجعل الوزير جزءا لا يتجزأ من عملية التصفية والاختيار ورفع الاسم المقترح الى مجلس الوزراء حيث القرار النهائي، وفي يقينه ان هذا الاقتراح سيسلبه القدرة على ترشيح محازبين، في ادارة طالما كانت "العونية" بالنسبة الى القيّمين عليها منذ العام 1990، تهمة!

الالتباس الخلاق

"ماذا يريد؟"، سأل الاستاذ تكرارا.

"لماذا يتعمّد دائما حشري؟"، رد الجنرال.

هذا دأبهما منذ ان أُجبرا جبراً على الاتقاء في السراء والضراء، نتيجة تزاوج "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" في السادس من شباط (فبراير) 2006.

ولم تمر محطة من دون ان تتكرس هذه العلاقة الملتبسة بين الرجلين، حدّ جعل البعض من المطلعين على "الصاعدات" و"الهابطات" السياسية بينهما، على وصف هذا لعلاقة بـ "الالتباس الخلاق" الذي صاغه "حزب الله" ويستمر في ادارته على حد الوقت والخلاف والصدام.

في كل مرة اتّسعت الهوة بين بري وعون، تحرك الحزب للرأب، من خلفية ان ما يجري من شأنه يعرض الجسم السياسي لتحالفهم الى التفسخ والتفكك ويعزز الشكوك والنقزة في الشارع المسيحي المؤيد لعون وخياراته، ويحشره مسيحيا في ملفات حساسة لمصلحة خصومه الذين وفرت لهم هذه الملفات مادة سياسية دسمة وسانحة، بعدما تراجعت كل الملفات من العلاقة مع سوريا الى سلاح حزب الله.

يتحرّك الحزب من خلفية انه يراعي وضع عون واعتباراته المسيحية، ويحضّ بري على مراعاتها. لكنه في المقابل يدعو عون الى مراعاة مصالح رئيس البرلمان.

قد يكون نقص في الكيمياء. وقد تكون ذاكرة حافلة منذ استحالة علاقة الرجلين منذ ان التقيا في منتصف الثمانينات: الاول وزيرا في حكومات امين الجميل، والثاني قائدا لجيش نظر اليه رئيس حركة المظلومين وجمهورها نظرة ملؤها الشك وكل مفردات هذا الشك، في حين لا يزال جمهور "التيار الوطني الحر" يتحسّس من كل ما له علاقة بالذاكرة الميليشوية زمن الحرب، والتي لم تعتزلها احزاب كثر على رغم انقضاء عقدين كاملين!

حقيقة الامر، ان الهواجس والشكوك كثيرة بين الرجلين، وبين كل من المحيطين بهما. الثقة غائبة غياب التواصل. وما خلا قناة جبران باسيل وعلي حسن خليل وقت الضرورة القصوى، تفتقد العلاقة بين الرجلين الحيوية اللازمة لاعادة بناء الثقة بينهما (وهو امر يظهر انه لا يرغبان فيه اصلاً) وجسْر ما تداعى منذ عقدين ويزيد. واستطرادا سيظلّ "حزب الله" صلة الحد الادنى في الشدائد والملمات الى ان يقضي الله امرا كان مفعولا!