الأحد، 28 ديسمبر 2008

Sphere: Related Content
صفيح شرق اوسطي ساخن يُنذر بمتغيرات وفوضى .. ودمشق تتحيّن فرصة اوباما
حين يصبح لبنان "السُكَّر الذي يرش فوق الكعكة السورية"!

ديبلوماسي: اسرائيل لا تكترث بلبنان
بقدر حرصها على أن "يُعادي" السوري "حزب الله"

ينشر في الاسبوع العربي في 5/1/2009
هل تشهد السنة 2009 انتقالا الى المفاوضات المباشرة بين سوريا واسرائيل بعدما شكّل العام 2008 نقطة تحول في مسار السلام في الشرق الاوسط عبر تفاوض غير مباشر بين الدولتين بوساطة الدولة التركية المتصاعدة الوهج والدور على المستوى الاقليمي؟ سؤال يشغل بال كثر من المتابعين والمعنيين في بيروت لما له من معان وابعاد وتبعات على عملية السلام ومستقبل المنطقة العربية ولبنان في ظل المتغيرات والاستحقاقات المنتظرة اقليميا ودوليا.

قبل فترة، اعلن الرئيس السوري بشار الاسد، في خلال مؤتمر صحافي مع الرئيس الكرواتي ستيبان ميسيتش، ان "من الطبيعي ان تنتقل سوريا واسرائيل في مرحلة لاحقة الى المفاوضات المباشرة" لانه "لا يمكن ان نحقق السلام من خلال المفاوضات غير المباشرة فقط". وشبه هذه الخطوة بعملية بناء، وقال: نبني الأساسات المتينة ثم نبني البناء وليس العكس. ما نقوم به في المفاوضات غير المباشرة هو وضع أساس لهذا البناء الكبير. اذا كان هذا الأساس ناجحاً، المفاوضات المباشرة ستكون هي مرحلة ناجحة ومن ثم بشكل طبيعي يتحقق السلام". وحاول الاسد تغليف هذا الاعلان بالتمسك بالزام اسرائيل قرارات مجلس الامن شرطا للانتقال الى التفاوض المباشر، مشددا على "اهمية تفعيل الدور الاوروبي في عملية السلام في الشرق الاوسط، ودعم تنفيذ قرارات مجلس الامن ذات الصلة وضرورة الربط بين استجابة اسرائيل لهذه القرارات والعلاقات الاوروبية".
وفي خطوة قرأ فيها المراقبون رسالة حسن نية سورية في الاطار الذي تعتمده منذ فترة لفك عزلتها الدولية وتثبيت انفتاحها مجددا على الخارج لا سيما منه العالم الاوروبي، يبقى هذا الاعلان في نظر الكثيرين مجرد كلام لا يحتمل التعويل عليه في انتظار نتائج الانتخابات في اسرائيل وتبلور سياسة الادارة الاميركية الجديدة وخطتها ونهجها لمقاربة عملية السلام في الشرق الاوسط وارتباط ذلك بالمسار الاسرائيلي- الفلسطيني اولا وبحل قضية السلاح النووي الايراني، وتاليا مشكلة ايران مع الولايات المتحدة الاميركية والمجتمع الدولي في ظل اعلان الرئيس المنتخب باراك اوباما اعتماده سياسة "العصا والجزرة" مع طهران.
وفي انتظار تبلور هذه التطورات يبقى تمّني الرئيس السوري في "الا يشهد العالم والشرق الاوسط على الخصوص حروباً جديدة في ظل الادارة الاميركية المقبلة، وان تعمل هذه الادارة بشكل جدي وواقعي من اجل تحقيق السلام في الشرق الاوسط"، مجرد امل يرتجى.
ويبدو الانتظار عنوان المرحلة في ضوء السعي الى ان يشهد الشرق الاوسط ولادة جديدة قد تنبثق عن امكان تحقيق السلام في العام المقبل.
وفيما صدر موقف الاسد في توقيت لافت، قبيل زيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت الى تركيا لشكر الزعماء الاتراك على جهودهم من اجل السلام بين اسرائيل وسوريا، على الرغم من ان اسرائيل لم ترد الى الآن على وثيقة سورية عن الانسحاب من الجولان على اساس ست نقاط جغرافية سلمت اليها عبر الوسيط التركي، الا ان البعض داخل اسرائيل يرون انه لا يحق لاولمرت التفاوض مع سوريا لانه يرئس حكومة تصريف اعمال في انتظار الانتخابات المقبلة، مما يعني انتفاء دوره وفاعلية قراره وعدم امكانيته بت موضوع التفاوض المباشر مع سوريا في انتظار السلطة الجديدة في اسرائيل.
عزل سوريا عن محور الشر
وفي وقت يقرأ الكثيرون في لبنان الخطوات السورية المتتالية منذ السير في التفاوض غير المباشر مع اسرائيل، من ضمن سياسة ذكية لفك العزلة واستعادة الدور من جديد على الرغم من التحالف الوثيق الذي ربطها في الفترة السابقة مع ايران ونهج المقاومة لاسقاط المشروع الاميركي والاسرائيلي التقسيمي في المنطقة العربية، الا ان العديد من المراقبين باتوا يرون في هذه الخطوات السورية سياسة متمايزة عن الدولة الفارسية وانخراطا اكبر في العمل لاجل السلام وليس المواجهة التي قد تعدل عنها ايران ايضا اذا افرزت انتخاباتها المقبلة واقعا سياسيا مغايرا.
وفي هذا السياق، يرى مصدر قيادي في الموالاة ان "انعكاس السياسة السورية الجديدة برز على الساحة اللبنانية الداخلية، وامتداداته تعود الى شباط (فبراير) 2008 تاريخ اغتيال القائد العسكري لـ"حزب الله" الحاج عماد مغنية في دمشق وعدم تبلور اي خيط في التحقيق الى الآن او بالاحرى تكتم النظام السوري عن ايضاح اي معلومات عن ملابسات العملية، مما اشاع حالا من التباعد بين سوريا و"حزب الله".
ويربط المصدر بين هذا التحليل وبين السياسة السورية تجاه لبنان التي برزت ملامح تبدلها مع زيارة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان الى دمشق في الرابع عشر من آب (اغسطس) 2008 حيث اقرت سوريا مبدأ اقامة العلاقات الديبلوماسية مع لبنان التي دخلت حيز التنفيذ العملاني في السادس والعشرين من كانون الاول (ديسمبر) مع رفع العلم السوري على مبنى اول سفارة سورية في محلّة الحمرا، وكذلك موافقة سوريا على البحث في الامور الاخرى العالقة بين البلدين كترسيم الحدود وقضية المعتقلين والمفقودين اللبنانيين على اراضيها.
وانطلاقا من هذه المعطيات، يرى القيادي في الموالاة ان كلام الاسد على ضرورة الانتقال الى التفاوض المباشر مع اسرائيل خير دليل على الفتور في العلاقة مع "حزب الله"، وتخلي سوريا شيئا فشيئا عن دعم المقاومة لتحرير الارض المحتلة وتبنيها مبدأ التفاوض والديبلوماسية طريقا الى السلام. ويعتبر ان المسار السوري الراهن كان متوقعا لان دمشق لطالما دعمت المقاومة المسلحة من خارج اراضيها ولم تنطلق يوما اي رصاصة ضد الاحتلال الاسرائيلي من اراضي الجولان المحتل، ولطالما كان لبنان بلد المواجهة الوحيد مع اسرائيل فيما الدول العربية الاخرى اما عقدت السلام علنا او كانت تسعى اليه من تحت الطاولة.
مرحلة انتقالية مقلقة
وفيما تسعى سوريا من خلال كل خطواتها الى كسر عزلتها واستعادة موقعها على الخريطة العالمية وعلى الرغم من التقرب الفرنسي المعلن منها، يرى القيادي في الموالاة ان "علاقة دمشق بباريس تبقى مشروطة اولا بالملف اللبناني ومن ثم بوقف دعم الحركات المقاومة وعناوين اخرى باتت معروفة، ما يؤشر بنظر الى انعدام ثقة فرنسي حيال دمشق.
ويلفت مصدر ديبلوماسي رفيع عامل في بيروت الى ان قلق دمشق الاكبر يتأتى من قرب موعد انطلاق المحكمة الدولية المكلفة محاكمة قتلة الرئيس رفيق الحريري وهذا ما سيدفعها، بنظره، الى الاعلان في وقت غير بعيد عن مسؤولية منظمة "فتح الاسلام" عن عملية الاغتيال وذلك نتيجة التحقيقات التي قام بها القضاء السوري مع افراد المنظمة الموقوفين داخل الاراضي السورية، في سيناريو لافت لابعاد الشبهات والاتهامات التي لاحقت القيادة السورية بعيد اغتيال الحريري. واذ يعتبر ان همّ دمشق الاكبر يتركز على فك عزلتها العربية والدولية، يشير الى انها قلقة من أن تبدأ فترة إدارة باراك أوباما الجديدة بخطأ قاتل، وهذا يعني سنوات أخرى من العداء مع واشنطن، وهذا ما لا تريده سوريا.
ويذكّر في هذا الاطار بكلام الرئيس الأميركي المنتخب الذي وعد بالتعامل مع إيران على طريقة العصا والجزرة. ويقول الديبلوماسي: اذا استخدمت العصا فسوريا ستجد أنها الحلقة الأضعف في حال ضربت طهران. وإن ذهبت الأمور بين واشنطن وطهران من خلال الجزرة، أي التفاوض من دون استخدام قوة، فبالتأكيد ستكون دمشق بندا تفاوضيا بين واشنطن وطهران، مثلها مثل "حزب الله" و"حماس" والعراق، الامر الذي يدفعها الى التمايز عن ايران وخلق دور فاعل في المنطقة من خلال الذهاب الى التفاوض المباشر مع اسرائيل، الامر الذي سيشكل، فيما لو حصل، الخط السريع للسوريين من أجل كسر عزلتهم وتفادي عقبات تنتظرهم، والوصول إلى العلاقات التي يريدونها مع واشنطن.
وفيما يعتبر هذا الديبلوماسي ان السلام السوري- الاسرائيلي قد يكون المسار الاكثر واقعية من اجل تحقيق مشروع السلام الشامل في المنطقة، يرى ان انهاءه امر قابل للتنفيذ وسيكون في مثابة انقلاب حقيقي في المنطقة، وسيمهّد لإتمام عملية السلام الاسرائيلية - الفلسطينية.
ويشير الى ان الفرصة مؤاتية للسوريين لضرب عصفورين بحجر: الأول استعادة الجولان، والثاني كسر العزلة العربية والدولية، وحينها سيكون لبنان السُكر الذي يوضع فوق الكعكة. ويضيف: اسرائيل لا تكترث بلبنان بقدر حرصها على أن يكون السوري عدوا لـ "حزب الله"، من أجل تفكيك تحالفات إيران على مستوى الاقليم. والسلام السوري - الاسرائيلي لا يمكن ان يتحقق مع علاقات ايرانية ـ سورية طبيعية.
تفاوض مباشر بشروط
واذ شكل اعلان الاسد ضرورة الانتقال الى التفاوض المباشر مع اسرائيل في المرحلة المقبلة حدثا سياسيا واعلاميا افاض اسئلة كثيرة، الا ان هذا الاعلان اقترن بشرطين:
-الاول انسحاب اسرائيل الصهيوني من كامل مرتفعات الجولان واعادتها الى سوريا، وهو قد ارسل لهذه الغاية، كما اعلن في مقابلة مع صحيفة "واشنطن بوست"، وثيقة عن الحدود تحددها قبل العام 1967،
-والثاني رعاية الادارة الاميركية الجديدة بقيادة الرئيس المنتخب التفاوض المباشر.
وفي سياق كل التبدلات واعادة التموضعات التي تحصل على الساحة الاقليمية والدولية، في المواقع كما المواقف، ترى مصادر مراقبة ان المتغيّرات هي التي تحكم الصفيح الشرق اوسطي، وخير دليل ما شهدته العلاقات اللبنانية- السورية من خطوة تاريخية جسدت الاعتراف العلني المباشر بسيادة لبنان وتمثلت بمباشرة الاعمال في السفارتين.
اما الدليل الآخر الاكثر مأسوية عن الدينامية غير المتّسقة في الاقليم، فالتطورات الدموية في قطاع غزة، التي قد تعيد خلط كل هذه المقاربات، بما فيها المقاربة السورية للتفاوض مع اسرائيل. واذ ذاك تبدو المنطقة مرشحة الى جولة جديدة من التصعيد والفوضى.



الأحد، 21 ديسمبر 2008

Sphere: Related Content
تساؤلات في الداخل وصمت اقليمي ودولي .. وخشية اسرائيلية من سباق اميركي - روسي في بيروت!
من روسيا الى فضاء لبنان .. رحلة عسيرة للـ "ميغ-29"

المعارضة ترحّب بمصدر الهبة والموالاة تستغرب التشكيك
خبراء: خطوة تعيد رسم استراتيجيا لبنانية في الشرق اوسط

ينشر في "الاسبوع العربي" في 29/12/2008
سُرّ اللبنانيون بهدير طائرات الـ "هوكر هنتر" تحلق في اجوائهم قبيل عيد الاستقلال وفي خلاله. لكنّ المفاجأة ذا الرداء الابيض الروسي القارس كانت اكبر، مع اعلان وزير الدفاع الوطني الياس المر عن تقديم موسكو عشرة مقاتلات "ميغ- 29" هبة الى سلاح الجو اللبناني، في خطوة ادهشت الكثيرين الى حدّ رفض البعض تصديقها مشككا بادئ الامر في صدقيتها.
تأكيد روسيا رسميا نبأ الهبة المميزة بدّد كل الشكوك وسرعان ما تحولت المفاجأة حقيقة. فتحول الخبر الذي زفّه وزير الدفاع من روسيا قبيل فترة الاعياد عيدية تحمل رسالة سياسية ليس فقط بدعم لبنان عسكريا ومساعدته على بناء الدولة القادرة، وانما رسالة الى المحيط الاقليمي، ولا سيما الى اسرائيل التي بادرت الى التعبير عن انزعاجها من خلال خرق طيرانها الاجواء اللبنانية وصولا الى عكار شمالا.
في المحصلة، وعلى الرغم تفاوت ردود الفعل والتعليقات والتحليلات، احدث اعلان الوزير المر من موسكو، صدمة ايجابية في الاوساط السياسية والشعبية، ومحط تساؤلات كثيرة لدى الاوساط الديبلوماسية الاميركية والاوروبية والعربية.
ومن غير المستبعد ان تنتقد اسرائيل بعنف هذه الصفقة من الطائرات الحربية، زاعمة انها تشكل خطرا مباشرا على امنها وسلامتها، مع ادراكها ان عددها، قياساً باسطولها الجوي، لا يحسب له اي حساب في اي مواجهة عسكرية جوية. وهي ستعبّر عن تخوفها الحقيقي من استعمال تلك المقاتلات في دوريات تقوم بها في الاجواء اللبنانية في طلعات شبه يومية تستمر في القيام بها، بذريعة مراقبة تهريب الاسلحة.
سلاح جيد ولكن...
وفيما تعالت مواقف الاشادة "بقرار روسيا تزويد لبنان عشر طائرات "ميغ 29" في نقلة نوعية على صعيد السيادة اللبنانية الى جانب تسليح الجيش، وفي تعبير عن عمق الصداقة التي تربطها بلبنان وعن ارادة حقيقية لدعمه ومؤسساته الشرعية، لاسيما المؤسسات الامنية والعسكرية اللبنانية"، يشير خبراء في الطيران العسكري الى ان هذا التحول، في اقتناء الجيش السلاح الروسي، يعني بدء تغيير لبنان استراتيجيته على مستوى الشرق الاوسط. ويلفتون الى انه على الرغم من ان الـ "ميغ - 29" ليست بالمقاتلة الحديثة الصنع، فهي تعود الى الاعوام العشرين الاخيرة وتوازي بمواصفاتها الميراج الفرنسية والتي كان يقودها طيارون عسكريون لبنانيون بمهارة قبل ان تتوقف عن التحليق خلال الحرب، وخصوصا في اثناء الوجود العسكري السوري.
ويعتبرون ان هذا النوع ليس مقاتلة عادية، بل من المقاتلات "المتفوقة" التي يمكن اعتبارها متطورة، شرط توافر التجهيزات التي ستزود بها. وكي تصنف متطورة يجب ان يلحق بها صواريخ جو – جو ورادارات متطورة لتوجيهها، وجهاز "انتليجانسيا" لحمايتها من التشويش.
ويبدون خشيتهم من عدم توافر الامكانات لتشغيل الطائرات في المستقبل القريب، لان الطيارين اللبنانيين لم يتدربوا على قيادتها وذلك يحتاج الى دورات بين 8 اشهر وسنة للتمكن من استخدامها كما ينبغي، بطاقاتها الفنية والتقنية والقتالية الفصوى.
اسئلة في الاسباب
ولانّ هذا الحدث الاعلامي اثار اسئلة كثيرة حول توقيته والاثمان المتصلة بالمعنى السياسي والعسكري الاستراتيجي، يضيئ بعض المراقبين على النقاط الآتية:
-أولا: ما هي حقيقة الهبة الروسية؟ وهل يمكن موسكو ان تمنح طائرات الـ "ميغ - 29" للبنان من دون ان تحصل على ضمانات لعدم استخدامها ضد اسرائيل؟ وهل يمكن ان تكون لهذه الطائرات وجهة غير محاربة الارهاب؟
-ثانيا: هل هناك جهوزية لبنانية لتلقف الهبة الروسية؟ بمعنى هل يمكن ارسال بعثة متخصصة من ضباط سلاح الجو للتدرب على هذه المقاتلات، اضافة الى بعثة فنية من عسكريين للتدرب في روسيا على صيانة للطائرات؟
-ثالثا: هل يمكن لبنان ان يعمل على صيانة القواعد الجوية وتقديم كل التجهيزات المطلوبة من صيانة ضرورية للطائرات بعد كل ساعة طيران؟
-رابعا، ما هي قيمة الطائرات عمليا اذا لم تقترن بشبكة رادار واجهزة انذار وبمنظومة دفاع جوي لا بل باستراتيجيا دفاعية شاملة؟ فشبكة الرادار تتطلب الجهاز البشري من فنيين وخبراء ومهندسين، فضلا عن منظومة حماية ومنها صواريخ ارض- جو ومنظومة دفاع بَري من خلال نشر المشاة.
-خامسا، هل هذه الطائرات هي ضد اسرائيل ام لمكافحة الارهاب؟ وهذا الامر منوط بما اذا كانت ستزود بنظام صاروخي جو- جو او جو- ارض.
-سادسا: ما الرابط بين زيارة وزير الدفاع لابرام صفقة التسلح وزيارة النائب سعد الحريري قبل فترة وجيزة الى موسكو واعلانه من هناك ان البحث تناول تسليح الجيش، في أعقاب استنكاف الأميركيين عن تسليحه بسبب التعقيدات الإدارية في الكونغرس، كما أبلغ اخيرا قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال ديفيد بيتراوس قيادة الجيش اللبناني؟
في التقويم
وفي وقت بزرت التساؤلات عن توقيت هذه الخطوة الروسية قبيل انعقاد الجولة الثالثة من طاولة الحوار بين الافرقاء في القصر الجمهوري في بعبدا لاستئناف مناقشة الاستراتيجية الدفاعية وتقديم تصورات جديدة في المنظومة الدفاعية الوطنية، تؤكد الاوساط السياسية ان الهبة الروسية ستشكل منعطفا في هذا الاطار وسترفع النقاش الى مستوى ارفع مع تجهيز الجيش بسلاح جو متطور، بالمقارنة مع ما يقتنيه من اسلحة وبالوعود المتراكمة بتسليحه، ما يشكل عاملا اساسيا في استراتيجيا الدفاع عن لبنان وآلياتها.
وفي تقويم معارض للخطوة الروسية، يشير مصدر مطلع في قوى المعارضة الى ان لبنان يرحب بأي مساعدات عسكرية لتجهيز الجيش اللبناني، "فكيف اذا كانت الجهة المساعدة هي روسيا المعروفة بمواقفها الداعمة للقضايا العربية وللمقاومة اللبنانية في وجه اسرائيل". ويلفت الى ان هذه "المساعدات تعتبر اضافة نوعية جدا على تجهيزات المؤسسة العسكرية، ومن شأنها ان تشكل تطورا استراتيجيا وتكتيا في بنية الجيش اللبناني، هذه المؤسسة التي استثنيت من التطوير والتحديث والتجهيز وتقنين المال عنها، على حساب مؤسسات امنية اخرى اعتبرت في فترة من الفترات الجيش البديل".
في المقابل، يلفت مصدر قريب من الموالاة الى ان قوى المعارضة بدت في موقع المرتبك من الخبر الذي أطل به الوزير المر من موسكو. ويعتبر ان "حزب الله" وحلفاءه أوحوا في ردات فعلهم أنهم غير راضين او متحمسين لاستكمال انجاز التفاهم المبدئي اللبناني- الروسي في شأن تزويد الجيش ما يحتاج اليه من اسلحة نوعية تمكنه من تحمل مسؤولياته وحيدا في الدفاع عن لبنان، وتعفي القوى الرديفة من مسؤولية مقاومة اسرائيل والاستعداد لمواجهتها.
ويستند في مقاربته لردة فعل "حزب الله" وحلفائه، الى علامات الاستفهام بشأن مصادر التمويل، خصوصا ان مقربين من الحزب تحدثوا عن الاثمان السياسية التي سيكون على لبنان تسديدها لموسكو وإثارة مخاوف من ربط لبنان بمحاور دولية، وكذلك تحدثوا عن الأسباب التي تدفع بإسرائيل الى عدم الاعتراض لدى روسيا على تزويد لبنان بمقاتلات متطورة، علما ان تل ابيب كانت ولا تزال تتدخل لمنع موسكو من تزويد أي دولة عربية بسلاح روسي يمكن أن يهدد تفوق اسرائيل العسكري، أو يمكن أن يقع في أيدي "حزب الله". وفي ذلك برأي المصدر، محاولة للإيحاء أن وراء الحصول على الأسلحة الروسية للجيش اللبناني صفقة سياسية من تحت الطاولة مع إسرائيل كغطاء للمطالبة من جديد بنزع سلاح "حزب الله".
الى المياه الدافئة
وفي ظل المفاجأة اللبنانية وعدم صدور اي تعليق رسمي اسرائيلي على الهبة الروسية، يعتبر ديبلوماسي غربي ان الصفقة ينبغي أن تُناقش مع حلفاء لبنان. ويقول: "إن العرض الروسي يبدو غير محتمل ويتخطى قدرة الجيش اللبناني"، لافتا الى "انها خطوة كبيرة غير طبيعية بالنسبة إلى الجيش اللبناني"، ومضيفاً أن لبنان لا يملك لا البنية التحتية الملائمة ولا الأفراد المدربين لاستخدام هذه الطائرات المقاتلة. ويشير إلى أن "لبنان لم يكن يتوقع أبداً قيام الروس بتقديم مثل هذا العرض. فالجيش اللبناني طلب صواريخ مضادة للطائرات وناقلات جند وبعض الدبابات ولكن ليس طائرات".
ويعتبر أن الأنباء عن الطائرات الروسية تُشكّل صعقة إعلامية مع قيام موسكو بتوجيه رسالة إلى الولايات المتحدة مفادها أنها تُخطّط لتوسيع نفوذها في الشرق الأوسط.
ويلفت الديبلوماسي الى قلق في اسرائيل مرده الى من ان تعمد واشنطن الى تزويد لبنان بأسلحة أميركية أكثر، كجزء من عرض العضلات الاميركي – الروسي في الشرق الاوسط، ومع اتخاذ القيادة الروسية قرارا استراتيجيا بعودة الى المياه الدافئة التي خرجت منها بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، ان في اميركا اللاتينية عند الشواطئ الكوبية، او في الشرق الاوسط مع الزيارات المتواصلة للاسطول البحري الى سوريا وصولا الى التقارير الاستخبارية عن تأهيل روسي لموانئها البحرية، وخصوصا قاعدة طرطوس التي تراها موسكو استراتيجية في الصراع على العودة الى المتوسط.

Sphere: Related Content
مراكز الابحاث التي سخر منها جنبلاط تدعو الى انعطافة حادة في سياسة واشنطن
الاستراتيجيا الاميركية الجديدة: سلام اسرائيلي – سوري – لبناني؟
هل يقطع اوباما كليا مع ادارة بوش فـ "يبدأ بسوريا"؟
صفقة اسرئيلية – سورية ستعيد تصفيف المنطقة وفق المصالح الاميركية

ينشر في "الاسبوع العربي" في 22/12/2008
بينما تغرق مراكز الابحاث الاميركية Think Tanks الرأي العام الاميركي، وخصوصا صنّاع القرار في العاصمة واشنطن ومجموعات المستشارين او الطامحين بمنصب تنفيذي في الادارة الاميركية الجديدة، بعشرات الابحاث والتقارير عن الآليات المفترض ان يتبعها الرئيس باراك اوباما الذي رسم جزءا غير يسير من خريطة حكمه الآتي، يغرق مسؤولون لبنانيون واستشاريون في قراءة هذه الابحاث والتقارير وخصوصا تلك المتعلقة بالسياسة المفترضة في الشرق الاوسط، وخصوصا في لبنان وسوريا وايران. ومنطلق هذا الاهتمام اللبناني ليس فكريا فحسب، بل لادراك عام بمدى تأثير مراكز الابحاث هذه على صناع القرار الاميركي، والحجم الذي بلغه الباحثون في هذه المراكز في عهد الادارة الآفلة حيث كان معظم السياسات يطبخ سرا في كواليسها قبل ان يتنبناه فريق عمل الرئيس جورج بوش.
تُبرز مراكز الابحاث الاميركية في غالبية دراساتها وتقاريرها، وفي شكل رئيسي، الميل البحثي العام الى انعطافة حادة في السياسة الاميركية تجاه سوريا تحديدا، والانتقال من العزل الى الاحتواء، ومن اسقاط النظام ومن ثم تغيير سلوكه الى تشجيعه على الانخراط في السياسات الدولية تارة عبر الجزرة الفرنسية وطورا عبر الدينامكية التركية على خط التفاوض السوري – الاسرائيلي.
وهذان الاحتواء والانخراط هما تحديدا ما اشتكا منهما في الثامن من كانون الاول (ديسمبر) رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في خطابه في الجمعية العامة للحزب وفي الذكرى السنوية لاغتيال كمال جنبلاط، وهو عبّر صراحة عن ضيق من هذه المراكز البحثية ومن النظريات التي اختبر معظمها على امتداد الاعوام الثلاثة الفائتة وثبت له عقمها، او غربتها عن الواقع في احسن الاحوال، على الرغم من انه زار عددا منها، وألقى على منابرها خطبا استشرافية للشرق الأوسط، وله مع باحثين كثر فيها صداقات.
قال جنبلاط في تلك المناسبة: "لم يتغير شيئ عن ظروف العام 1977 ابدا ولن يتغير شيئ، الوحش هو نفسه والابن سر ابيه، والنظام هو ذاته لأن الانظمة الكلية لا يمكن ان تتغير ان تتحول لكي تصبح ما يسمى بالديموقراطية والتحررية، وكل الامال وبالاحرى الاوهام لمراكز الدراسات الغربية اميركية كانت غير اميركية في نظرية الاستقطاب او التداخل ونظريات تحسين الامور من الداخل كلها اوهام سخيفة، فقط هي مصالح الغرب مع هذا النظام السوري ولنعترف باننا لم نفلح في ان يضغط الغرب ولو جزئيا عبر تغيير تدريجي، ولذلك بقي النظام ويبقى هذا النظام وهو الخطر الاول والاخير على الحركة الاستقلالية اللبنانية والحركة الاستقلالية الفلسطينية".
اللافت ان ضيق الصدر هذا برز بعد اسابيع من زيارة جنبلاط لواشنطن، ما يدل بوضوح الى شيئ ما يطبخ في كواليس المراكز البحثية لم يستطيبه لا ذوق زعيم المختارة، ولا استشعاراته.
وثمة من يزعم ان جنبلاط عاد من الولايات المتحدة الاميركية حاملا تحذيرا الى قوى الرابع عشر من آذار (مارس) فيه ان "باراك اوباما يريد الانفتاح على دمشق والقطيعة مع سياسة جورج بوش".
"لنبدأ بسوريا"
الباحث آرون ديفيد ميللر هو مدير "بذور السلام" وزميل في السياسة العامة في "مركز وودرو ويلسون العالمي للعلماء"، وشغل مستشارا حول الشرق الأوسط لوزراء خارجية جمهوريين وديمقراطيين، وعمل في وزارة الخارجية 25 عاما كمفاوض في الشرق الأوسط ومستشار في الشؤون العربية الإسرائيليّة، وآخر كتاب له هو "الأرض الموعودة بشكل زائد". وهو معروف بقربه من اللوبي اليهودي وبإلتصاقه بالمصالح الاسرائيلية، ومن ابرز المؤثرين في مراكز القرار ومقرب من مسؤولين اميركيين في الادارة الجديدة. وهو يقول عن نفسه انه عمِل مع ستة وزراء خارجية أميركيين على المفاوضات العربية الإسرائيلية، وانه أصبح يؤمن بأهمية علاقات أميركية إسرائيلية متينة.
احدث دراسات مييلر وضعها في السادس والعشرين من تشرين الثاني (نوفمبر) بعنوان "لنبدأ بسوريا: صفقة في الشرق الأوسط يستطيع أوباما البناء عليها"، وفيها مجموعة من النصائح الى الرئيس الاميركي الجديد حول الشرق الاوسط.
يقول ميللر: "سوف يغرق الرئيس المنتخب باراك أوباما بتوصيات عديدة حول كيفية التوجه نحو صنع السلام العربي الإسرائيلي. إحدى النصائح التي يتوجب عليه عدم تبنيها هي جعل السلام الإسرائيلي الفلسطيني على رأس قائمة أولوياته. ليست هناك صفقة في ذلك. ولكن هناك فرصة حقيقية لاتفاقية إسرائيلية - سورية، ويتوجب على أوباما أن يتبناها. هناك بالطبع نقاشات قوية لصالح جعل صنع السلام الإسرائيلي - الفلسطيني أولوية. يستحق الفلسطينيون دولة لهم، ولا تعتبر اتفاقية إسرائيلية فلسطينية مجرد مفتاح لسلام عربي إسرائيلي، وإنما لبقاء إسرائيل على المدى البعيد كدولة يهودية ديمقراطية.
قد يغري رئيس جديد يتوق إلى إصلاح صورة أميركا في الخارج تجربة محاولة التوصل إلى اتفاقية، إلا أنه يتوجب عليه تجاهل نداء هذا الإغراء. ليست هناك اتفاقية تنهي النزاع ممكنة الآن، وليس من المحتمل وجود واحدة في المستقبل القريب. المخاطرة عالية جداً إذا قامت أميركا بتقبّل أوهام سوف تؤدي بالتأكيد إلى فشل آخر. ما زالت الفجوات التي تفصل الطرفين حول القضايا الجوهرية (القدس والحدود واللاجئين والأمن) واسعة جداً. الزعماء الحاليون أضعف من أن يتمكنوا من جسر هذه الفجوات، والبيئة على الأرض أكثر تعقيداً من أن تسمح بمفاوضات مستدامة.
وفي فلسطين، تسود الفوضى والاختلال، وتعاني الحركة الوطنية الفلسطينية من خلافات جغرافية وسياسية بين "حماس" (وهي نفسها منقسمة) و"فتح" (وهي نفسها منقسمة بصورة أسوأ). ليس هناك سوى فرصة ضئيلة لإيجاد بيت فلسطيني موحّد يستطيع السيطرة على البنادق ويقدم موقفاً تفاوضياً متحداً قادراً على البقاء بحيث يمكن لأي حكومة إسرائيلية قبوله. تسود القيادات الضعيفة وسياسات تحالف غير مستقرة في إسرائيل كذلك. ويشكل نشاط استيطاني إسرائيلي يستمر دون توقف صورة كابوسية تستطيع إبعاد أي وسيط ذكي وتجعله يولّي الادبار.
سوف يكون من الخطأ إتباع هذا السبيل، إذا أخذنا في الاعتبار هذه الحالات والشروط. قد يكون مفهوم "من الأفضل أن يحاول المرء ويفشل بدلاً من ألا يحاول بالمرة"، صرخة تجمع اللاعبين يطلقها مدرب كرة القدم. إلا أنها غير مناسبة كمبدأ في السياسة الخارجية لأعظم قوة في العالم. أثبتت المحاولة ذات النية الحسنة، والتي شكلت شعار بيل كلينتون في كامب ديفيد في تموز (يوليو) 2000، معززة من قبل مستشاريه، وأنا واحد منهم، أنها مكلفة. وقد كانت الظروف أفضل بكثير في العام 2000 (على الرغم من أنها لم تكن الظروف الصحيحة) مقارنة بتلك التي تواجهها الإدارة الجديدة.
دولتان وطاولة واحدة
النقاش الذي يفرض نفسه بصورة أقوى هو في مصلحة دفعة كبيرة في مفاوضات أخرى: بين إسرائيل وسوريا. هنا توجد دولتان على الطاولة، بدلاً من دولة واحدة وحركة وطنية غير فاعلة. وتسود حدود هادئة هنا، بفضل ديبلوماسية الفصل التي وضعها هنري كيسنجر في العام 1974. كما أن هناك عدد أقل من المستوطنين في مرتفعات الجولان، ولا توجد قضايا ضخمة متعددة مثل وضع القدس لتفجير المحادثات. القضايا بالتأكيد مباشرة - الانسحاب والسلام والأمن والمياه - والفجوات واضحة كذلك وجاهزة ليتم جسرها.
بالنسبة الى رئيس يبحث عن سبيل لإعطاء دفعة لمصداقية أميركا، توفر اتفاقية إسرائيلية - سورية قيمة مضافة محتملة. تبدأ صفقة كهذه بإعادة تصفيف تركيبة المنطقة بطريقة تخدم مصالح الولايات المتحدة الأوسع. سوف يتوجب على البيت الأبيض أن يكون صبوراً. لن تبتعد سوريا ببساطة عن علاقة استمرت ثلاثين عاما مع إيران. سوف يتوجب أن تتم عملية إبعاد سوريا من إيران ببطء تدريجي، وتتطلب جهداً دولياً رئيسياً لتنظيم الدعم السياسي والاقتصادي لدمشق. على الرغم من ذلك سوف تعطي معاهدة سلام إسرائيلية - سورية خيارات صعبة وبدائل قليلة لـ "حماس" و"حزب الله" وإيران.
لن يكون أي من هذا سهلاً. سوف يتوجب على إدارة الرئيس أوباما، والرئيس الجديد بالذات أن يكون في خضم الأمور. سوف يكون تحقيق احتياجات إسرائيل وسوريا الاقتصادية والأمنية صعباً إلى درجة مؤلمة جداً ومكلفاً ويستغرق وقتاً طويلاً، كما سوف تُشرك الاتفاقية النهائية على الأرجح صانعي سلام من الولايات المتحدة. الأهم من ذلك أنه سيتوجب على الولايات المتحدة أن تدفع الطرفين إلى أبعد مما هم على استعداد للذهاب الآن، إلى درجة الانسحاب من الجولان بالنسبة الى اسرائيل، والتطبيع والأمن في حالة سوريا. ولكن بوجود زعماء إسرائيليين وسوريين جادين، وبإدارة جديدة مستعدة لأن تكون صارمة وذكية وعادلة في دبلوماسيتها، يمكن تحقيق صفقة.
لذا، يا سيدي الرئيس المنتخب، اذهب وحاول تحقيق وقف إسرائيلي - فلسطيني لإطلاق النار، واعمل على تدريب قوات الأمن الفلسطينية وضخ المعونة الاقتصادية في غزة والضفة الغربية ورعاية المفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية بهدوء. ولكن لا تتوجه نحو نهاية اللعبة، فلن تصل إلى هناك. بدلاً من ذلك قم بالاستثمار في السلام الإسرائيلي - السوري وقد تجد بعد ذلك، وبعد تحقيق نجاح تاريخي، وبعد أن يتم الإعجاب بأميركا مرة أخرى لكفاءتها، وستكون في موضع أفضل لتحقيق النجاح الذي تريده في المفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية أيضاً".
ثلاثي السلام؟!
ويتزامن هذا التقرير البحثي مع كلام لافت لمساعد وزيرة الخارجية السفير دايفيد ولش الذي قال: "من الجيّد أنْ يتمّ تحقيق السّلام بين إسرائيل ولبنان وسوريا وأنّ هدف الإدارة الأميركيّة ضمّ الأفرقاء جميعاً إلى الحوار"، في حين كان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يصرح من باريس لمناسبة الاحتفال بالذّكرى الستّين لإعلان حقوق الإنسان أنّه يثق بسوريا وأنّه ليس نادماً على الحوار معها، وينوّه في الوقت عينه بـ "دور سوريا الإيجابيّ في لبنان الّذي أدى إلى انتخاب الرّئيس ميشال سليمان وقيام حكومة الوحدة الوطنيّة والتّحضير للانتخابات النّيابيّة"، من دون ان تفوته الاشارة الى "انعقاد محادثات السّلام غير المباشرة بين سوريا وإسرائيل بوساطة تركيّة لتحقيق السّلام الشّامل في المنطقة".
يقول ديبلوماسي غربي بارز عامل في بيروت لـ "الاسبوع العربي"، ان ثمة كلمة سر تتداول في عواصم القرار وخصوصا بين باريس وواشنطن، ملخصها وجوب العمل على تحريك التفاوض على المسار الاسرائيلي – السوري – اللبناني بشكل متزامن ومتقاطع والتخلي مرحليا عن اي جهد زائد على المسار الاسرائيلي – الفلسطيني، انطلاق من معطيين:
-الاول ان لا جدوى من استئناف العمل على المستوى الاسرائيلي – الفلسطيني في ظل غياب القادة القادرين على تحقيق اختراق جديد على هذا المسار: فلا الرئيس الفلسطيني محمود عباس في وضع المتمكّن والممسك بالقرار الفلسطيني وهو بات اقرب الى الخروج من السلطة شرعيا وشعبيا وسط كل التداعيات التي تحيط به والتي تجعل الانتخابات الفلسطينية – في حال حصولها – في متناول فصائل الرفض،
-والثاني ان لا جدوى في البحث عن اي انخراط سوري في السياسات الدولية، من دون اقتناع عواصم القرار بإعطاء القيادة السورية الثمن الملائم لابتعادها عن الجمهورية الاسلامية في ايران، وهو ثمن سيكون باهظا بلا شك (اقتصادي – عسكري وصولا الى مسألة المحكمة الدولية الخاصة للبنان)، لكن لا بد من تقديمه.





السبت، 6 ديسمبر 2008

Sphere: Related Content
صفحة القطيعة والخصومة والعداء هل يطويها زيارة وحوار وحجّ؟
عون في سوريا: إنقلاب للتأريخ أم عليه!

المؤيدون: خطوة جريئة.. وصواب يؤكد قدرة الاستشراف
المعارضون: الزيارة تعزل المسيحيين وتنقلهم الى المحور السوري-الايراني


ينشر في "الاسبوع العربي" في 15/12/2008
بعد فترة من القطيعة والخصومة وصلت حد العداء، استعادت العلاقة بين لبنان وسوريا بعضا من الحميمية بعد تاريخ من الوصاية والسيطرة والعلاقة غير المتكافئة. ومع انطلاقة عهد رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، امتدت اطر التسوية السياسية التي ارساها اتفاق الدوحة، الى خارج الحدود اللبنانية لتصل الى دمشق من خلال مقاربة العلاقة مع سوريا بشكل متجدد انطلاقا من الواقع الجغرافي والسياسي للبلدين. وفيما حظيت الزيارات الرسمية الى بلاد الشام نصيبها من الانتقاد على الرغم من ورودها تحت عنوان "التنسيق الرسمي بين البلدين"، فإن الزيارة الحدث لرئيس تكتل "التغيير والاصلاح" النائب العماد ميشال عون اسدلت الستارة على باقي المشاهد السياسية وتصدرت صفحات الاعلام واهتمام الرأي العام، حليفا كان ام خصما ام منتقدا.
ينقسم اللبنانيون، كما زعمائهم، بين مؤيد ومعارض للانفتاح على سوريا فيما السياسة الواضحة التي ينتهجها رئيس الجمهورية تتركز على الحوار والانفتاح واستعادة مكانة لبنان اقليميا ودوليا، من خلال نسج ما يسميه مظلة امان دولية فوق لبنان. وفي وقت تبرز الحاجة الى انتهاج سياسة معتدلة وعقلانية، في خضم كل المتغيرات على الصعيدين الاقليمي والدولي، تطفو من جديد الخلافات السياسية مع كل استحقاق او حدث سياسي لا سيما ان الفترة الفاصلة عن موعد الانتخابات النيابية المقبلة لا تتعدى نص سنة.
تغيّر اتجاه الريح السياسية مع العواصف التي فتكت بالمسرحين الاقليمي والدولي، واطاحت هذه الريح بكل ما كان يسمى "الثوابت"، مبرهنة ان لا شيء ثابتا في السياسة. فما كان "محرّما قد يصبح حلالا واكثر من حلال"، بهذه العبارة وصف العماد عون زيارته الى سوريا "مهد المسيحية"، وتحت عناوين اخرى ادرج باقي المسؤولين في الدولة زياراتهم الى دمشق.
ولكن مهما تكن المبررات او العناوين، يقول احد غلاة المعارضين، تظل الحقيقة- كما النتيجة- واحدة: انفتاح وحوار يؤكدان حتمية تنسيق يفرضه الى الواقع السياسي، الواقعان الجغرافي والتاريخي.
خطيئة اصلية
من نافل القول، بنظر الكثير من المراقبين، ان السياسة السورية في لبنان كانت خطيئة اصلية وليس خطأ، وهذا ما اثبته التاريخ الحديث مع ما رافق الخروج السوري من لبنان من مظاهر وشعارات جسدت "النقمة" على زمن الوصاية وما ارساه من تعديات وسياسات شاذة عن مفاهيم الديموقراطية والحرية. فصار السوريون على قناعة انه لم يكن من الصواب انتهاج سياسة السيطرة، كما لم يكن مقبولا انتهاج سياسة الرضوخ والاستزلام اللبنانية.
ولم يعد المطلوب بالنسبة الى كثر من اللبنانيين الانفتاح الاعمى او "حوار الطرشان" بل سياسة عاقلة تأخذ في الاعتبار الجيرة كما المصالح المشتركة، وهذا ما يتبناه رئيس الجمهورية نهجا صالحا وحكيما وشجاعا.
من العداء الى الانفتاح
اتبع الرئيس سليمان منذ انتخابه سياسة اعادة بناء الدولة والمؤسسات وابراز وجه لبنان الحضاري والمنفتح في المحافل العربية كما الاوروبية والاميركية. وارسى منذ زيارته الى سوريا ركائز استعادة العلاقة الطبيعية معها عبر احياء التنسيق والتعاون بين "الدولتين"، على ما دأب الرئيس سليمان في التشديد عليه باستمرار، "فالعلاقة هي بين بلدين جارين حرين سيدين مستقلين".
وفي وقت ترى اوساط المعارضة الخطوات والزيارات اللبنانية الرسمية والمعلنة الى سوريا انها "النهج الاسلم لاستعادة العلاقة الطبيعة والندية معها عبر القنوات والاطر الرسمية لتجنب العودة الى التجربة الماضية والاخطاء التي شابت مرحلة وجودها في لبنان، خصوصا في ظل المتغيرات في السياسة الدولية والاوروبية خصوصا تجاه سوريا واعتماد سياسة الانفتاح والحوار معها لا سيما من الجانب الفرنسي والاتحاد الاوروبي عموما"، تعتبر اوساط الموالاة ان "اللبنانيين يجب الا يكونوا معنيين لا بالانفتاح الاوروبي على سوريا، ولا بأيٍّ من انواع الهدايا المجانية تقدم الى النظام السوري من دون حصول لبنان على مكاسب في الملفات العالقة بين البلدين، وابرزها مسائل ترسيم الحدود وتحديدها، تثبيت لبنانية مزارع شبعا، حل قضية المفقودين والمعتقلين في السجون السورية، السلاح الفلسطيني خارج المخيمات والمرتبط مباشرة بالنظام السوري، اضافة الى المسألة التي ابتدعها هذا النظام اخيرا باتهام جهة لبنانية بتمويل الارهاب ودعمه في وقت يصدّر هو هذا الارهاب".
وتلفت الاوساط الموالية الى ان كل هذه الاشكاليات تفترض ان "تفرمل بعض الشيء هذا التسارع اللبناني لتطبيع العلاقات مع النظام السوري، فحتى اتفاق الطائف الذي ينظم العلاقة بين البلدين حذر من تهديد سوريا أمن لبنان، الامر الذي يطرح علامات استفهام كبيرة ويشير الى ان سوريا تحاول افراغ العلاقات الديبلوماسية مع لبنان من مضمونها وكذلك تجريدها من اهميتها التاريخية".
وتشير الى ان الاصرار على بقاء المجلس الاعلى اللبناني- السوري يؤكد عدم التغيير في الذهنية السورية القائمة تجاه لبنان، على امل الا يشكل نوعا من الوصاية على السفارتين.
وتسأل "كيف يسارع الوزراء والسياسيون اللبنانيون الى زيارة دمشق في وقت هي تتهم تيارا سياسيا لبنانيا بتمويل الارهاب، ونائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد يطالب القضاء اللبناني بالتحقيق مع النائب سعد الحريري؟". وتعتبر ان "الطابة اليوم في الملعب السوري وحتى الان لا تغيير في السلوك حيال لبنان ودمشق تتعمد تمرير الرسائل الى الداخل اللبناني عبر كلام بعض حلفائها عن تفجيرات واغتيالات ستحصل قد تكون بحجم عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري".
زيارة الجنرال بين الخطأ والصواب
منذ الاعلان عنها عبر الاعلام جاءت زيارة العماد عون لسوريا مثيرة للجدل بل للدهشة في بادئ الامر، ومما زاد في عوامل الاثارة والترقب طريقة الاستقبال والترحيب والتكريم الي حظي بها الجنرال "الخصم الشريف" والضيف العزيز، في خطوة لم تخص بها سوريا اياً من حلفائها السياسيين الكبار في لبنان، سابقاً وحاضراً، سواء في عهد الرئيس الراحل حافظ الاسد ام في عهد الرئيس الحالي، فهي حرصت على ان تسبغ طابعاً استثنائياً على الزيارة الاولى التي يقوم بها العماد عون اليها منذ منتصف الثمانينات من القرن الفائت.وفيما رسم عون عنواناً لزيارته على انها "لفتح صفحة جديدة مرتكزها الانفتاح" بعدما شكّل في مساره بين العامين 1989 و2006 احد اعتى خصوم سوريا في لبنان، قابلت دمشق ما سماه عون "عملية القلب المفتوح" بإستثنائية غيبة حتى عن اهل البلد، فاستقبلته استقبال الرؤساء والشخصيات الرسمية، وربما الفاتحين.
وفي وقت كان من المتوقع ان تثير الزيارة جدلا كبيرا في الوسط السياسي اللبناني لا سيما محاولة توظيفها من الخصوم والحلفاء على حد سواء، عشية الانتخابات النيابية في الربيع المقبل، فانها شكلت مصدرا ضخما لسيل من الانتقادات التي تفاوتت بين النقد المرتكز على حجج والنقد السياسي والنقد لمجرد النقد.
في هذا السياق تعتبر مصادر سياسية في قوى الرباع عشر من آذار (مارس) ان سوريا وظّفت زيارة العماد عون اعلامياً بمجرد حصولها، وأوصلت أكثر من رسالة إلى المجتمع الدولي، وخصوصا إلى أوروبا وفرنسا تحديداً، حول مدى حرصها على الانفتاح على مسيحيي لبنان، والتزامها الكامل الوعود التي قطعتها على نفسها بالاسهام في استقرار هذا البلد ودعم كل الجهود التي يبذلها المجتمع الدولي لضمان استقلاله وسيادته والمحافظة على الوجود المسيحي ودوره فيه.
واذ ترى ان من حق اي طرف سياسي ان يزور البلد الذي يريد، تلفت الى ان زيارة العماد عون الى سوريا تخالف كل مبادئه ومسيرته السابقة، "خصوصا ان هذا النظام لم يغير السياسات التي كان يشكو منها العماد ميشال عون تجاه لبنان".
وتوضح ان "العماد عون ذهب إلى دمشق واضعاً في حسابه انه سيحصل من الرئيس السوري على مبادرات تجاه لبنان تعزز مكانته عند المسيحيين التي تقلّصت بسبب ميله الى المحور السوري - الإيراني، ومحاولته استخدام مسيحيي لبنان - بإسم الدفاع عن حقوقهم - ورقة في يد هذا المحور، لكن الرئيس السوري اكتفى بالحفاوة التي أحاطه بها، ولم يقدّم ما يدعم حجته في الشارع المسيحي كتسليمه المعتقلين في السجون السورية او بعضهم، او حتى الاعتذار عن الأخطاء الجسيمة التي ارتكبت في حق المسيحيين في العقود الثلاثة الفائتة".
في المقابل، ترى مصادر معارضة في زيارة العماد عون "جرأة كبيرة لا يتصف بها الا الرجال الوطنيون الكبار الذين يستشرفون المستقبل ويدركون الحد الفاصل بين الخصومة والعداء ويجمعون بين المبادئ الوطنية والقيم الاخلاقية والمصالح السياسية". وتعتبر ان "الكثير من السياسيين اللبنانيين افادوا من العلاقة مع سوريا وضربوا بعض القوى المسيحية في خلال فترة الوصاية". وتسأل: "كيف يتهمون العماد عون بالتفريط بالوجود المسيحي ودوره في الشرق سعيا وراء مكاسب سياسية وهو الذي يسير عكس التيار ولا يدركه منتقدوه الا بعد مرور فترة من الزمن يوم يبرهن التاريخ صحة رؤيته السياسية؟".
وتشير الى أن "الخصومة تجاه سوريا نتجت من سوء إدارة الحكم في كل من بيروت ودمشق، لذلك فان معظم المسيحيين بعد الانسحاب السوري انتخبوا العماد عون وتبنوا مواقفه ورؤياه السياسية بان فترة الوصاية "مرحلة انتهت ويجب أن نتطلّع بأمل الى بناء علاقة فضلى مع سوريا".




Sphere: Related Content
الانتظارات اللبنانية تحت الاختبار .. والدوافع الفرنسية والبريطانية مسكونة بالالتزام السوري
"استكشاف" اوروبي من زاوية التقويم الغربي الجديد لدور سوريا

عناوين الاهتمام الاوروبي: الانتخابات واليونيفيل و"محاربة الارهاب"
ثمة في اسرائيل من يطلب مكافأة الاسد في لبنان والجولان!

ينشر في "الاسبوع العربي" في 8/12/2008
نشط في الفترة الاخيرة الحراك الاوروبي في اتجاه لبنان مع الزيارتين المتتاليتين لوزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند ورئيس الوزراء الفرنسي فرنسوا فييون، في وتيرة اظهرت مدى الاهتمام القارة العجوز بـ"بلاد الارز" في اقليم يغلي على صفيح من الاحداث والازمات التي لا تنفك تتوالى. ولعل الساحة الشرق اوسطية باتت مفتوحة اكثر امام الاوروبيين للعب ادوار اساسية مع ما يمكن تسميته بـ"الفشل الاميركي" في صوغ سياسة ناجحة للمنطقة بعد كل "اخفاقات" الادارة الاميركية الآفلة برئاسة جورج ديبليو بوش وما نتج عنها من حروب لم تجد لها بعد مخرجا او نهاية.

لطالما "جُعل" لبنان مختبرا لنجاح او فشل السياسات الدولية في منطقة الشرق الاوسط، وجسر عبور لانفتاح او انغلاق الدول الغربية وخصوصا الاوروبية منها على الدول العربية. ولطالما دفع ايضا ثمن سياسات عدة غلفت المصالح السياسية للدول الكبرى والقوية على حساب الاضعف. فكان هذا البلد مركز التفاعل ونقطة التحول في خلال مسيرة تغير الاحداث في الخريطة السياسية العالمية والتي غالبا ما شكل الشرق الاوسط مسرحا لترجمتها وتفاعلها.
في التحرك الغربي، يبرز الاهتمام الاوروبي المتجدد بلبنان بصفته احد العوامل المؤثرة في استقرار المنطقة، من منطلق استحقاقيّ الانتخابات النيابية المقبلة ومحاربة الارهاب، ومن زاوية التقويم الاوروبي الجديد لدور سوريا والعلاقة معها سواء على المستوى السياسي المتمثل بكسر عزلتها، او على المستوى الاقتصادي عبر الحديث عن احياء الشراكة الاوروبية - السورية المجمدة منذ العام 2005، او على المستوى اللبناني من زاوية تشجيعها على لعب دور "اكثر ايجابية" بين قياداته.
زيارات اوروبية استكشافية
في هذا السياق، يرى ديبلوماسي غربي عامل في بيروت ان الحركة الديبلوماسية الاوروبية في اتجاه لبنان المحمّلة بالمواقف الداعمة له، ترتدي الطابع الاستكشافي عبر استطلاع المستجدات اللبنانية لا سيما لجهة ما يشهده من تفكيك الشبكات التخريبية وملاحقة العناصر الفارة من تنظيم "فتح الإسلام" ومدى ارتباط هؤلاء بالقاعدة وامكان استهدافهم القوة الدولية المعززة العاملة في جنوب لبنان. ويشير الى ان الهدف المباشر من الزيارات الاوروبية يتعلق بوضع "اليونيفيل" ومصيرها والسعي الى حمايتها من الهزات الامنية التي تعرضت وقد تتعرض لها مجددا في ظل التهديدات التي تتلقاها، وان هذه الحركة الخارجية تتابع ايضاً بالتفاصيل الدقيقة موضوعا آخر على صلة بـ "اليونيفيل"، وهو ما يجري في مخيم عين الحلوة في ما يتعلق بالجهد الاستخباري اللبناني – "الاقليمي" لتوقيف بعض المطلوبين.
وفي ذهن هذا الديبلوماسي، أن الحركة الاوروبية الناشطة تتابع ايضا الوضع الداخلي لمنع أي تجاوز لاتفاق الدوحة، مع التشديد على ضرورة تهيئة المناخات الملائمة لإجراء الانتخابات النيابية في مواعيدها، باعتبار أن هذا الاستحقاق يؤمن تطبيق اتفاق الدوحة بشكل كامل حتى بنده الاخير.
ويلفت الى ان هذه الحركة السياسية ستستمر حتى موعد الانتخابات النيابية مطلع الربيع المقبل، مشددا على ان هذا الاستحقاق سيكون تحت المجهر القطري والمجتمع الاوروبي في ظل التراجع الأميركي الواضح والناتج من انشغال الادارة الاميركية في هذه المرحلة في ترتيب بيتها الداخلي في ضوء الانتخابات الرئاسية التي اوصلت باراك اوباما الى البيت الابيض. وابرز دليل الى هذا الاهتمام اعلان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي استعداد الاتحاد الاوروبي وفرنسا اداء دور في مراقبة مسار هذه الانتخابات.
ويبدي الديبلوماسي اياه اعتقادا بأن الاوروبيين المتابعين بدقة تفاصيل المرحلة السياسية الراهنة، أقنعوا المسؤولين اللبنانيين بضرورة التنسيق مع سوريا لملاحقة البؤر الارهابية والخلايا النائمة، وان نجاح هذا الامر سيحمل الاتحاد الاوروبي على تشجيع سوريا اكثر للانخراط في عملية التهدئة والتسوية في المنطقة، خصوصا بعد رسوه على قناعة بأن لدمشق دورا فاعلا تلعبه في هذا الاطار نتيجة قدرتها على ممارسة ضغوط على بعض القوى للتخفيف من حدة المواجهة.
ويرى ان السياسة الاوروبية تتعارض راهنا مع النظرة الاميركية التي قد تتغير مع الادارة الجديدة، تلك النظرة التي تعتبر انه من المبكر التعويل على اي انخراط سوري في اي تسوية ممكنة من منطلق أن المطلوب من دمشق الكثير وهي لا تنفذ إلا القليل، في تكتيك سياسي سوري يعتمد على استخدام الملفات الساخنة والمفتوحة أوراق ضغط ومساومة لفك العزلة اولاً ولتحسين شروط التفاوض ثانيا.
مكافآت اسرائيلية للاسد!
بالنظر الى السياسة التي انتهجتها الادارة الفرنسية الجديدة بالانفتاح على دمشق والترويج للحوار معها لدى الادارة الاميركية الجديدة، كما ظهر من خلال خطاب وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير في واشنطن أمام معهد "بروكينغ" المقرب من الديمقراطيين، في الثاني عشر من تشرين الثاني (نوفمبر)، شكّل إحياء العلاقات السياسية الرفيعة المستوى مع دمشق أحد أبرز "النقاط الخلافية" بين باريس وإدارة بوش، التي ما زالت تتمسك بمنطق "المواجهة" غير المقبولة فرنسياً مع تأكيد ساركوزي في كل مناسبة انه ليس نادما على استعادة الحوار مع سوريا بناء على المصالح المتبادلة بين باريس ودمشق.
وفي ظل التطورات - خصوصا الاوروبية- على صعيد العلاقة المستجدة مع سوريا، ومع تعويل القيادة في دمشق على تغيير في السياسة الاميركية تجاهها، يترقب فريق قوى الرابع عشر من آذار (مارس) مسار تطور الاحداث دوليا وانعكاسها لبنانيا. وكان لا بد لاقطابه زيارة عواصم عربية ودولية، ابرزها موسكو وواشنطن والقاهرة، في محاولة لاستكشاف بعض الخبايا او التحوّط من مفاجآت سياسية قد تحملها الرياح الدولية والاقليمية المتسارعة في الاستراتيجيا الفرنسية الجديدة "الانفتاح والعودة الى منطق الحوار".
من المفيد في هذا الشأن ذِكْرُ ما كتبه المراسل السياسي في صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية آرييه شافيط عن "مكافآت" يجب أن تُقدّم الى الرئيس السوري بشار الأسد في لبنان، وما ينطلي عليه هذا الكلام من انعكاس على مسار "ثورة الارز". يقول شاليط: "الاخبار الجيدة تزيد الدلائل الى احتمالات التوصل الى سلام سوري – اسرائيلي. هناك تقديرات استخبارية وعسكرية كثيرة تشير الى استعداد الاسد لاجتياز الخطوط والتحالف مع الغرب. فوضع الاقتصاد السوري سيىء للغاية، والازمة العالمية اضعفت الدولتين الاساسيتين المحرّضتين على المواجهة، أي ايران وروسيا. من هنا، اذا قررت الادارة في واشنطن والحكومة الاسرائيلية الجديدة القيام بأمر ما، فمن المحتمل انهما تستطيعان ان تحدثا تغيرا في دمشق. ولكن لحدوث ذلك علينا التصرف بصورة ذكية، وان نقترح على السوريين صيغة متزنة تقوم على الترغيب والترهيب. كما يجب التأكد ان سوريا فكت تحالفها مع ايران ومع الجهاد، وعندها يجب تعويضها بصورة سخية في الجولان ولبنان. في المقابل فالاتفاق الدائم مع الاسد في متناول اليد. من هنا، المطلوب راهنا عدم تضييع الوقت والطاقة على أمر لا فائدة منه مثل انابوليس، والتركيز على المسار السوري".
يفرض هذا المنطق الاسرائيلي وتبدل مقتضيات الظروف السياسية، اجندة سياسية جديدة قد تكون شكلت للبعض دليلا على صحة رؤيته السياسية، وللبعض الآخر كابوسا يسرق الاماني والرغبات كما التطلعات. وهذه الاجندة املت وتملي زيارات لبنانية لدمشق في محاولة لترميم العلاقة ومأسستها، وربما تصحيح هذه العلاقة بين النظام في سوريا وفئات اشهرت الخصام لها.
انفتاح لا يزال مشروطا
في قراءة سياسية مغايرة للتحرك الاوروبي، ترى مصادر سياسية قريبة من الموالاة أن قوى الرابع عشر من آذار (مارس) التقطت في غضون الأسابيع القليلة الفائتة بعضا من أنفاسها مع عودتها الى المسرح الخارجي بعد فترة من انعدام الوزن السياسي على المستوى الدولي بفعل استحقاقات وتغييرات إقليمية ودولية باتت معروفة. وتشير الى ان زيارتي ميليباند وفييون لبيروت حملتا تأكيدا على ضرورة تنفيذ الجانب السوري التزاماته تجاه لبنان عبر خطوات عملية لا تنتهي باتمام خطوة التبادل الديبلوماسي، بل تتعداها الى خطوات ترسيم الحدود وايجاد الحل النهائي لملف المفقودين.
وتلفت الى ان ميليباند أبلغ الى الرئيس الاسد رسالة سياسيّة مفادها أنّ أيّ تراجع سوري عن الالتزامات التي اعلنها امام المجتمع الدولي بأسره سيعرّض دمشق الى تجربة قاسية، وأنّ الوقت الفاصل عن تسلم الرئيس الاميركي المنتخب مقاليد الحكم في البيت الأبيض هو الوقت الملائم لكي تعطي سوريا الإشارات الايجابيّة لتغيّر سلوكها، مما يشير الى ان الانفتاح الاوروبي على دمشق لا يزال مشروطا بشكل اساس بالملف اللبناني وهو يخضع للمراقبة والمتابعة، ما يبعد احتمال اي مساومة اوروبية على حساب سيادة لبنان واستقلاله.
وفيما يصنف فريق من اللبنانيين زيارة ميليباند في خانة "جس نبض" القيادة السورية، يفيد تقرير ديبلوماسي غربي ان الهدف من هذه الزيارة الرسمية الاولى لمسؤول بريطاني منذ العام 2001 هو احياء سبل التعاون على المستوى الاستخباري بين البلدين، وكذلك ايصال رسالة الى الادارة الاميركية الجديدة التي تتحضر لاستلام الحكم، مفادها ان لندن تدعم سوريا كعامل للسلام والاستقرار في المنطقة. وهذا ما يساعد سوريا راهنا على اعادة صوغ علاقاتها مع الغرب وعلى استعادة قوتها ونفوذها في جوارها العربي.