الاثنين، 29 مارس 2010

Sphere: Related Content

صارت المعطى الاهم لبنانيا وقد تُجمّد ملفات كثيرة في طليعتها التبديل الحكومي

المحكمة الدولية الى عين الحقيقة؟!

المحكمة لم تتراخ يوما لكن طبيعة عملها فرضت احيانا الابتعاد عن الضوء

القضاء جرّم مجموعة الـ 13 بتهمة الانتساب الى القاعدة وتأليف عصابة مسلحة

ينشر في "الاسبوع العربي" في 5/4/2010

في الذكرى الاولى لبدء عملها في الاول من آذار (مارس) 2009، سجلت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان زخما في عملها تمثّل في العدد الكبير من الشهود الذين استمعت اليهم في مقرها القديم –الجديد في المونتفردي وفي مبنى مبنى "دبي إسلام" في وسط بيروت (لمن تم استدعاؤهم) وفي اماكن اخرى (منازل او مكاتب ومؤسسات، ومنها وسائل اعلامية مكتوبة).

لم تتراخ المحكمة الدولية او مكتب المدعي العام يوما في عملهما، كي يُسجَّل لهما عودة مزخّمة. فطبيعة العمل اداري والتحقيقي والقضائي والقانوني، وخصوصا على مستوى برامج حماية الشهود، كان في بعض الاحيان يفرض ابعاد المحكمة والادعاء الدولي (او ابتعادهما) عن الواجهة الاعلامية. لكن ما ان يعود عملهما الميداني حتى يُعادا الى الضوء، مع ما تُرتِّب عليهما العودة من ملابسات تأتي في معظم الاحيان على شاكلة حملات محمومة.

التصوير ثلاثي الابعاد

آخر ما سجل من العمل الميداني للمحكمة، قيام فريق جنائي تابع لها يضم 11 خبيراً بعملية تصوير ثلاثي الأبعاد لمسرح الجريمة أمام فندق السان جورج. وهذا النوع من التصوير يُجرى في لبنان للمرة الأولى، استكمالاً لعمل فريق لجنة التحقيق الدولية في إنجاز التحقيق الخاص، وتمهيداً لصدور القرار الاتهامي عن المحكمة. ومن المعلوم ان أهمية تقنية التصوير ثلاثي الأبعاد في إعادة تجسيد مسرح الجريمة بصورة حقيقية وحيّة، سعيا إلى تكوين مسرح الجريمة، وهي تشكل دعماً بصرياً للوقائع في القرار الإتهامي وستعرض على المحكمة.

وتقول الناطقة باسم مكتب المدعي العام في المحكمة الدولية راضية عاشوري ان "أحد الأعمال المهمّة للتوصّل إلى حلّ أيّ جريمة هو توثيق مسرحها، فهي تتيح تقنيّة المسح الثلاثي البُعد عن طريق الليزر التوثيق الشامل والسريع وشبه الكامل لمسرح الجريمة. كما تكمن ميزة هذه التقنيّة في الحصول على مقاييس وبيانات أكثر دقّةً لمسرح الجريمة يمكن استعمالها لتقديم الخلاصات التقنيّة والجنائيّة للادّعاء على أساس إعادة خلق مسرح الجريمة من خلال التصوير الثلاثي البُعد. وبما أنّ صورة واحدة تساوي ألف كلمة، تسهّل هذه التقنيّة على جميع المعنيّين الاطلاع بصريًّا على المعلومات وفهم ماذا جرى في مسرح الجريمة".

حزب الله والشهود

بالتزامن، عاود فريق من المحققين مسح أقوال الشهود الذين أدلوا بإفاداتهم أمام لجنة التحقيق قبل تأليف المحكمة، واستمع الى عشرات الشهود الجدد، بمواكبة عسكرية وأمنية لبنانية لافتة.

ونقلت احدى وكالات الانباء الاجنبية في الخامس والعشرين من آذار (مارس) عن مسؤولين لبنانيين أن محققين دوليين استجوبوا عناصر من "حزب الله" فيما يتعلق بقضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في العام 2005.

وقال المسؤولان، أحدهما أمني والآخر قضائي، إن فريقا من المحكمة الخاصة بلبنان، ومقرها هولندا أجرى مقابلات مع عدد من عناصر حزب الله في بيروت بين عشرات الأشخاص الآخرين.

وقال المسؤول القضائي إن المحققين كانوا يتحدثون إلى الأشخاص الذين قد تكون لديهم معلومات عن الجريمة.

وقالت الوكالة ان المسؤولين تحدثا شريطة عدم ذكر اسميهما نظراً لحساسية القضية.

من الواضح ان غرض التحقيقات والاستجوابات وجلسات الاستماع التي تكثفت في الآونة الأخيرة تعزيز القرائن والأدلة الموجودة ومقاطعتها مع الوقائع، قبل بدء إعداد القرار الاتهامي.

وفي حين اكد رئيس تيار "التوحيد" الوزير السابق وئام وهاب واقعة استدعاء المحكمة عناصر من "حزب الله"، قال النائب علي فياض إن حزب الله سيتعاطى مع ما يحكى عن تورط عناصر منه في ملف اغتيال الرئيس رفيق الحريري على أنها موضوع رواية إسرائيلية. واضاف: "في موضوع المحكمة الدولية وتسريبات المحكمة الدولية ولائحة الأسماء التي تضمنت أسماء عناصر في حزب الله فهذا الصنف من التسريبات خلال الفترة الماضية منذ رواية دير شبيغل ليس بجديد وهناك شيء من التسريبات والتداول غير الرسمي والأخبار المسيسة التي تستهدف حزب الله. وتابع: حزب الله يعتبر نفسه غير معني بموضوع المحكمة، لكنه دائما كان يبدي الخشية من التسييس، ومن التجارب الأولى للمحكمة (القاضي الالماني ديتليف ميليس) صار هناك نوع من التوافق العام على أنها لم تكن تجربة موفقة فقد جرى خلط المسار القضائي بالسياسي.

وعلى رغم هذه التوضيحات، نُسب الى مصادر معنية أنّ "حزب الله" لن يمانع من توجيه أي اسئلة إليه "شرط أن تكون ضمن آليات يضمن بموجبها عدم المس بأمنه أو أمن عناصره مهما كانت رتبهم". وذكرت هذه المصادر ان "حزب الله يرفض أن يشار اليه باصبع الإتهام وهو سيظل يعتبر أن أي غمز من قناته في هذه القضية إنما هو فعل إسرائيلي بامتياز، وأنه مستهدف بكل الوسائل وعبر كل الجهات للنيل منه كيفما اتفق".

مجموعة الـ 13

وكان لافتا، في حمأة هذه الدينامية التحقيقية الدولية، اصدار المحكمة العسكرية في الاسبوع الاخير من آذار (مارس) أحكامها في حق عناصر ما بات يُعرف بـ "مجموعة الـ 13" المنتمية الى تنظيم "القاعدة"، والتي تردد ان أحد أعضائها، المدعو فيصل أكبر، اعترف بعد توقيفه مع عناصر جهادية اخرى أوائل العام 2006، بمسؤولية ما للمجموعة عن اغتيال الحريري، قبل ان يعيد كامل الاعضاء الموقوفين نفيهم لما ما نسب اليهم في هذا الشأن.

وتراوحت احكام المحكمة العسكرية بين سنتين وعشر سنوات بتهم محاولة القيام بأعمال ارهابية والانتماء الى تنظيم "القاعدة" وتأليف عصابة مسلحة بقصد ارتكابات الجنايات ونقل الأسلحة وأجهزة لاسلكية وحقائب وغيرها، ما فسّرته مصادر حقوقية سقوطا لما نُسب الى هذه المجموعة من مسؤولية عن عملية الاغتيال، وما تراكم على هذه "المسؤولية" من تحليلات وتفسيرات وتأويلات ذهبت حد وضع سينارويات واتهام جهات، تارة بالفبركة وطورا بتلفيق الشهود.

اشياء دسمة

ومع تقدم حديث المحكمة الدولية، يسود انطباع بأنها صارت المعطى الأهم الذي دخل على خط الحسابات والمواقف السياسية أخيرا، ومن شأنها ان تجمّد الكثير من العنواين، من الخلافات في السياسة والاقتصاد والاجتماع الى همس الصالونات عن تغيير او تبديل حكومي جزئي.

ويرى مراقبون ان مردّ الاهتمام بالمحكمة الدولية امران:

-الوقائع والتطورات المتسارعة التي تركت انطباعا واسعا ان في جعبة المحكمة اشياء دسمة قد تترجم بتزخيم العمل على القرار الظني.

-التسريبات عن اوجه محددة في التحقيق الدولي واستعادة افرقاء في قوى الثامن من آذار (مارس) رواية مجلة "دير شبيغل" الألمانية لدلالة علة ان ثمة من يستهدف "حزب الله" مجددا، بعد القفز فوق الاتهام السوري.

ولا تخفي جهات في قوى الرابع عشر من آذار (مارس) الخشية من ان تتحوّل تطورات المحكمة الدولية استحقاقا بارزا واحد مصادر القلق للمرحلة الآتية، من دون ان تغفل هذه القوى الاشارة الى امكان وجود رابط بين هذه التطورات والحملة السياسية التي تصاعدت أخيرا ضد المؤسسات الأمنية والسياسية ورئاسة الجمهورية في هجوم استباقي ووقائي.

لعبة الامم

في المقابل، تحذر قوى الثامن من آذار (مارس) من "خطورة استحضار ملف المحكمة الدولية لزجه في الوضع اللبناني مع ما يحمله هذا الملف من توترات وتجاذبات وملفات خطرة، ومن عودة "لعبة الأمم" التي سبق لرئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط التنبيه منها.

وتذكّر هذه القوى بأحد خطب الامين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصر الله الذي سبق ان المح في الاول من ايار (مايو) 2009 الى وجود 3 شخصيات للمدعي العام الدولي دانيال، بحديثه عن بلمار الاول وبلمار الثاني وبلمار الثالث "الذي لا نعرف عنه شيئا، فهل يكون بلمار الاول او بلمار الثاني؟". ووجه نصر الله سيلا من الاسئلة: "كيف سيتصرف المدعي العام والمحققون الدوليون في المرحلة وأي مسارات سيسلكون في التحقيق وكيف سيتصرفون مع ما يقدم من شهود ومن شهادات ومن معطيات؟ هل سيتصرفون بشكل علمي وتقني؟ هل سترتكب نفس الأخطاء التي إرتكبت خلال الأربع سنوات من التحقيق الدولي؟ هل ستوجه من جديد اتهامات لأشخاص جدد بلا دليل وبلا حجة أو إستنادا إلى شهود زور ليطلق سراحهم بعد أربع سنوات جديدة ويضيع من عمر قضية الرئيس الشهيد والحقيقة أربع سنوات جديدة؟ أم سيتم التدقيق بالدليل والحجة والشهود بشكل علمي وموضوعي بعيدا عن الاتهامات الجاهزة والمسبقة؟ هل ستبقى آذان المحققين الدوليين والقضاة في المحكمة الدولية مفتوحة أمام الذين صنعوا محمد زهير الصديق وكتبوا السيناريوهات وقدموا شاهد الزور تلو الآخر أم ستسد أمامهم الأبواب والأذان وأنهم سيحاسبون على تضليلهم للتحقيق على مدى أربعة اعوام؟".

وتتحدث هذه القوى عن "مفاجأة تتعلق بالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان، سيعلن عنها قريبا، وستتناول أمورا جديدة وصادمة للرأي العام، ستليها إطلالات اعلامية مكثفة لمواكبة هذه المفاجأة، بعد احتجاب طوعي عنه بغية التركيز على موضوع المحكمة الدولية".

وتقول هذه القوى ان "معطيات هامة سيعلن واحد من الضباط الأربعة (او اكثر)، كانت مخفية عن لجنة التحقيق وتم تجاهلها، مما سيدفع بالمحكمة الدولية إلى إعادة تصويب مسارها نحو كشف الحقيقة".

وتربط هذه المعطيات بما ورد من تلمحيات في التقرير الاول لرئيس المحكمة الدولية الخاصة بلبنان انطونيو كاسيزي عن وجود "تقدم ملموس حول الفاعلين"، لتخلص قوى الثامن من آذار (مارس) الى ان "هناك خيوطا جديدة توصّل إليها التحقيق حول هوية الانتحاري أو المجموعات التي نفذت الجريمة، وأن هناك ملابسات شابت عملية التحقيق في السابق".

الأحد، 21 مارس 2010

Sphere: Related Content

بين راغبٍ في عدم نجاح العهد ومتقاعسٍ عن تسهيل دربه

سليمان وثلثُه المعطَّل قسرا!

لِِمَ استعادة "رئاسة السنتين" تزامنا مع الحملة على رئيس الجمهورية؟

ينشر في "الاسبوع العربي" في 29/3/2010

يصعب على المراقبين ترتيب تقويم عام للثلث الاول من ولاية الرئيس ميشال سليمان، بالنظر الى الملابسات والالتباسات والاحتقانات والتناقضات التي رافقت هذا الثلث، وحوّلت الرجل "قاضي اولاد" (اقتباسا عن المثل الشعبي الذائع)، وشيخ صلح بين مختلف الافرقاء والاحزاب المتخاصمة والمتنازعة. ولا يخفى ان مجموع هذه الملابسات والالتباسات والاحتقانات والتناقضات حدّت من انطلاقة العهد كما ارادها الرئيس وصوّرها في خطاب القسم الرئاسي، ولا تزال تنتقص من قوة الدفع التي انتجها الاجماع اللبناني والعربي والدولي على رئاسته التوافقية.

ليس جديدا ان يكون ميشال سليمان في دائرة التصويب السياسي. فالرجل تعرّض للسهام منذ ان كان في قيادة الجيش. محطات عدة رُشِق بها، بدت كأنها "استعادة ثانية لـ "عمادة النار"، لكنها كانت التمهيد لرئاسته:

-فتح ساحة الشهداء في الرابع عشر من آذار (مارس) 2005.

-رفض ازالة مخيم قوى الثامن من آذار (مارس) في الساحة اياها.

-حرب مخيم نهر البارد من ايار (مايو) حتى ايلول (سبتمبر) 2007.

-هروب زعيم "فتح – الاسلام" شاكر العبسي قبل ساعات من سقوط المخيم، ومن ثم الجدال حول ظروف نشأة التنظيم وتنسيبه.

-احداث مار مخايل في كانون الثاني (يناير) 2008، بين الجيش ومحتجين من حركة "امل" على انقطاع التيار الكهربائي.

-احداث السابع من ايار (مايو) 2008 واتهامه بالوقوف على الحياد.

-خطاب القسم الرئاسي والموقف من المقاومة في الخامس والعشرين من ايار (مايو) 2008.

-محاولات تحجيم الرئاسة من خلال تكريس "وزراء الرئيس". كانوا ثلاثة في حكومة فؤاد السنيورة وصاروا خمسة في الحكومة الراهنة.

-الجدل الذي رافق الحديث عن هبة طائرات "الميغ" الروسية في كانون الاول (ديسمبر) 2008، والذي لم ينته الا مع طلب رئيس الجمهورية استبدالها بمروحيات اثناء زيارة الاخيرة لموسكو في الرابع والعشرين من شباط (فبراير) 2010.

-زيارة الولايات المتحدة الاميركية في الثاني عشر من كانون الاول (ديسمبر) 2009، وهي زيارة قال حلفاء سوريا في لبنان انها تحفظت عنها شكلا وتوقيتا ومضمونا وسببت عكرا في علاقته بدمشق.

-عدم الارتياح من اصرار الرئيس على معادلة س.س.م، في اشارة الى السعودية وسوريا ومصر، بدلا من معادلة س.س.

-الموقف مما اصطلح على تسميته "قمة الحرب" في دمشق في السادس والعشرين من شباط (فبراير) 2010، اذ ابدت رئاسة الجمهورية تحفظا مكتوما حيالها.

-الدعوة الى اجتماع هيئة الحوار الوطني في الثامن والعشرين من شباط (فبراير) 2010، بعد يومين من القمة.

همس السنتين الانتقاليتين

توّج الهمس المسرّب عن استعادة بعض الجهات فكرة ولاية السنتين الانتقالية التي فشلت الجهات اياها في تسويقها طوال الفترة التحضيرية لانتخاب سليمان رئيسا، حملة مشبوكة ومتشابكة طالت على امتداد الثلث الاول من ولايته، بدءا مما رافق الانتخابات النيابية في حزيران (يونيو) 2009 من ملابسات ومن استهداف مقصود للرئيس، وليس انتهاء بما اثير من غبار على خلفية تشكيله هيئة الحوار الوطني بالتزامن مع تسريبات ممنهجة عن سوء علاقته بدمشق نتيجة هذه الدعوة، وبسبب تراكم مجموعة من الالتباسات بينهما.

لا يعير سليمان الحملة عليه اي اهتمام، ويقول انه لا يريد الخوض في متاهات السجالات الدائرة، (...) "واللبنانيون يتابعون ما نقوم به يومياً من مهمات صعبة، ويدركون اهمية ما حققناه حتى الآن من انجازات سياسية واقتصادية وامنية، ساهمت الى تعزيز حالة الاستقرار والانتعاش التي يعيشها لبنان حالياً، وتحقيق معدل نمو قياسي وصل الى تسعة بالمئة في العام الفائت".

ويضيف: "اريد ان اطمئن الجميع، خصوصا اصحاب الحملات المعروفة، ان الاتصالات مستمرة بيني وبين الرئيس (السوري) بشار الاسد، حيث نتشاور في القضايا التي تهم البلدين الشقيقين وما يجري حولنا في المنطقة، وذلك من منطلق ايماني باستراتيجية العلاقة مع الشقيقة سوريا، ومن باب الحرص على اقامة افضل العلاقات التي تخدم مصالح الشعبين الشقيقين. وآخر اتصال مع الرئيس الاسد كان بعد عودتي من زيارة المملكة العربية السعودية ومحادثاتي مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز، وتبادلنا الرأي بالتطورات الجارية في المنطقة، كما تطرق الحديث الى تشكيل هيئة الحوار الوطني حيث اثنى الرئيس الاسد على العودة الى طاولة الحوار والذي يبقى مفيداً في كل الاحوال".

ثلث رئاسي شائك

لِمَ التذكير بقرب نهاية العامين "الانتقاليين" في الخامس والعشرين من ايار (مايو) المقبل؟ وهل هذا التذكير مرتبط بالحملة الممنهجة على رئيس الجمهورية؟

يقرأ قيادي بارز في قوى الرابع عشر من آذار (مارس) مسارا شائكا في العامين الرئاسيين الاولين، ويعيده الى الآتي:

-لم يكن الثلث الاول من الولاية الرئاسية دربا معبدة، لا بل يمكن وصفه بـ "الثلث المعطَّل" (بفتح الطه) نظرا الى كثرة الملفات المتشابكة التي اضطر رئيس الجمهورية الى التصدي لها، من ازالة احتقانات السابع من ايار (مايو) 2008، الى استعادة موقع لبنان في المجتمع الدولي ورسم ملامح المظلة الدولية الواقية، مرورا بكثرة الخلافات والخصامات اللبنانية الناتجة من اعوام خمسة عصفت بلبنان، والتي استهلكت وقتا رئاسيا ثمينا قبل اعادة ترتيب العلاقات السياسية وتصفية الذيول والقلوب.

-زاد استحقاق الانتخابات النيابية الوضع تعقيدا نظرا الى الاصطفافات الحادة التي قسّمت اللبنانيين وأمعنت في تفريقهم. ولم تكن المرحلة اللاحقة للانتخابات اخف وطأة، اذ ان الخلاف انتقل الى التحاصص الحكومي والرغبة في تكريس تفاهم الدوحة. وكلا التعقيدين لم يسهلا مهمة الرئيس الذي كان يأمل ان تكون مرحلة حزيران (يونيو) 2009 منصة يتكئ عليها لاطلاق عهده فعليا وواقعيا.

-لم يبد معظم الاطراف السياسية والحزبية، طوال العامين الرئاسيين، أي رغبة في تسهيل مهمة الرئيس، فكانت الخلافات تتنقل من عنوان الى آخر ومن ملف الى آخر، مما ادى الى استنزاف الوقت والى الحد من فاعلية رمزية الرئيس القادر الآتي بعد 4 اعوام من خلافات وتشققات وهزات تركت اثرها العميق على موقع رئاسة الجمهورية.

-لا يزال طرف او اكثر يتعاطى مع الرئيس سليمان من موقع الخصومة، فهو الرئيس – التسوية الذي قطع الطريق على اكثر من طامح ومرشح، والذي نجح بفعل وسطيته في ان يفرض نفسه، من دون ان يطلب او يسأل، حلا وسطا لإنقاذ الجمهورية وانتشالها من فراغ وشلل خطرين.

-ولا يزال طرف او اكثر ينتظر الرئيس على كوع السقطات او التعثرات، كي يقتنص فرصة او سانحة.

نظرية الشلل

-يواظب اطراف كثر على تسويق نظرية شلل عهد ميشال سليمان، كذريعة للعودة الى فكرة الولاية الانتقالية، متكئين على الثغرة الدستورية التي رافقت انتخابه في مجلس النواب، وهي ثغرة نبه اليها كثر من بينهم الرئيس حسين الحسيني، نتيجة تراضي الطبقة السياسية التي عرّبت انتخاب سليمان، على رفض تعديل المادة 49 من الدستور.

-ويواظب الاطراف انفسهم، مسوّقو نظرية الشلل، على الحد من فاعلية العهد من خلال السعي الى ارجاء الاستحقاقات السياسية (كالانتخابات البلدية والاختيارية) والادارية (كالتعيينات) والاجتماعية (كالموازنة) التي من شأنها زيادة دينامية رئاسة الجمهورية واضفاء مزيد من المصداقية.

-اصابت شظايا الحملة الاعلامية على ما سمّي الاتفاقية الامنية مع الولايات المتحدة الاميركية، رئاسة الجمهورية، من خلال تصويرها على انها ساكتة عن الحق، في حين ان الرئاسة وجهات عدة تدرك خلفيات الحملة وحقيقة الهبة الاميركية.

-تنتظر الحكومة حملة سياسية – اقتصادية يجري التحضير لها على خلفية مناقشة مشروع قانون الموازنة العامة للسنة 2010، ومن خلالها مستلزمات تمويل 3000 مليار ليرة من الاضافات الاستثمارية على موازنة العام 2009، وكذلك التزامات مؤتمر باريس 3 من خصخصة وخفض استحقاقات الدين العام، على ان تكون أي زيادة ضريبية (كرفع الضريبة على القيمة المضافة من 10 الى 12%) الذريعة المباشرة لهذه الحملة.

-وليس بعيدا ان تتحول أي تطورات على مستوى عمل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، مادة خلافية جديدة، من شأنها تعقيد الامور واطلاق شرارة ازمة جديدة، واستطرادا تعسير عمل العهد، خصوصا في ضوء ما يرشح عن تحقيقات مكتب الادعاء الدولي في بيروت والاستماع الى شهود معينين والتركيز على معطيات محددة، ووضع رسم ثلاثي لإغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري قد يوحي بوجود استنتاجات معينة يعمل المحققون والخبراء على تثبيتها وتوثيقها.

الأحد، 14 مارس 2010

Sphere: Related Content

التعثّر المبكر في علاقته بالقيادة السورية لم يمنع زيارته مطلع الشهر المقبل

الحريري – دمشق: إلتباس النديّة وأثمانها؟!

تسعة مسببات لـ "الاستياء" السوري!

ينشر في "الاسبوع العربي" في 22/3/2010

يحزم سعد الحريري حقائبه ووزراءه ليتوجّه الى دمشق مع بداية نيسان (ابريل)، وسط دفق من التحليلات عن تعثّر علاقته مع القيادة السورية، وعن عدم قدرته او رغبته على بناء علاقة مؤسسية مع دمشق، تتعدى علاقته الشخصية المرممة مع بشار الاسد.

منذ انجازه الزيارة – المفصل الى دمشق، لا يترك رئيس الحكومة سعد الحريري فرصة او مناسبة ليجدد تمسّكه بإقامة افضل العلاقات مع سوريا. ففي آخر تصاريحه في هذا الشأن، قال الحريري ان "علاقتنا مع سوريا تسير على الطريق الصحيح"، مشيراً إلى "أننا نتعاطى مع السوريين من خلال موقف إيجابي جداً ونلقى من دمشق موقفاً إيجابياً جدا", واضاف: "هذه المقاربة الإيجابية سوف تسمح للبلدين بالتطلع إلى ميادين المصالح المشتركة وهي عديدة". وتابع: "نحن جيران تجمعنا الهوية العربية، ولدينا مصالح مشتركة في الاقتصاد والتجارة والأمن والثقافة وعلى المستوى الإقليمي نواجه التحديات نفسها نتيجة غياب التقدم في عملية السلام. وسوف أزور دمشق في الأسابيع المقبلة لمباحثات معمقة حول جميع هذه المسائل". واوضح ان لا توتر بين لبنان وسوريا "بل على العكس تماما"، مؤكداً انه يبني علاقة جيدة جداً مستندة إلى الاحترام المتبادل لسيادة البلدين واستقلالهما، وكذلك هناك علاقات بين مؤسسات الدولتين.

وزيارة رئيس الحكومة لدمشق هي الثانية له منذ رئاسته للحكومة، وستكون خلاف الاولى، التي اتسمت بالطابع الشخصي والتعارفي، زيارة رسمية حكومية تضم الوزراء المعنيين بالمباحثات التي ستجريها مع الجانب السوري، والتي ستتناول الملفات العالقة بين البلدين، وفي مقدمتها الاتفاقات الثنائية المرعية الاجراء.

ويؤمل ان يضع اعلان الحريري هذا حدا للتسريبات والهمسات عن تعثر التفاهمات مع دمشق.

طبيعية وندية!

يعتبر قطب سياسي انه من من الطبيعي في ظل ندية العلاقات المتفق عليها لبنانيا ومع دمشق، ان يتم تبادل للزيارات من اجل تحسين العلاقة بين البلدين لمصلحة الشعبين، وهذا يتطلب ان يزورنا رئيس وزراء سوريا ووزراء سوريون، ثم يذهب رئيس وزراء لبنان. لكن الظروف الراهنة قد تكون فرضت ان يذهب الحريري بزيارة اخرى الى دمشق لا علاقة لها بالزيارة السابقة، لانها زيارة سياسية عملانية لحضور اجتماع لجنة مشكلة بين البلدين، وهذا امر جيد يمكن ان يزيل ما يُتداول عن من فتور". ويشير القطب الى ان الكثير من الاتفاقات الثنائية المعقودة مر عليها الزمن، ويجب ان تتم مراجعتها من الجهتين. ويلفت الى ان الوزارات اللبنانية لم تنجز بعد مراجعة لهذه الاتفاقات، في المقابل لم ترد معطيات من سوريا عن مراجعة مماثلة، على رغم ان البعض يشير الى ان لدمشق تحفظات عن عدد من الاتفاقات المعقودة تحت عنوان معاهدة الاخوة والتنسيق.

انتقادات ولكن

لم تأت بنتَ ساعتها انتقاداتُ الصحافة السورية (جريدة "الوطن" غير الرسمية وموقع "شام برس") في شأن الكلام الذي ادلى به قبل الحريري الى الصحيفة الايطالية "كوريير دي لاسيرا" الإيطالية والتي اشار فيها إلى أن "سوريا رفضت العلاقات الدبلوماسية معنا"، وأن "تصرفهم كان مشابهاً للذي كان قائماً بين العراق والكويت" (...)، وتأكيده ان زيارته دمشق اتت في اطار ما يخصه او ما يقع عليه من "التزام" و"تسهيل" في سياق المصالحات العربية. ذلك ان العاملين بنشاط على خط دمشق يكثرون منذ اسابيع في ايراد ملاحظات سورية كثيرة على اداء فريق رئيس الحكومة من وزراء وخصوصا نواب ونواب سابقين، لم يظهروا بعد- بحسب الاعتقاد السوري- "مواكبة مسؤولة للسياسة الجديدة بين لبنان وسوريا".

اذاً، جعلت القيادة السورية عبارة الحريري عن التماثل بين علاقة صدام حسين بالكويت وعلاقة سوريا (ونظام حافظ الاسد استطرادا) بلبنان قبل العام 2005 (على رغم التوصيح النفي للحريري وللصحيفة الايطالية)، الورقة التي جعلت كوب الماء يطوف بما فيه، فعكس اعلامها الخاص هذين الاستياء والتحفظ، في خطوة اولى ارادتها رسالة "خفيفة الظل"، او على ما ذكر رئيس تحرير "الوطن" وضاح عبد ربه في احدى افتتاحيته انه "استياء تم تهذيبه"، قبل ان "تضطر" الى الانتقال الى التعبير عن هذا الاستياء بطرق اخرى، وربما اكثر رسمية وحزبية .. وحدّية.

مسببات الاستياء

المطلعون على واقع "الاستياءات" السورية المنقولة في الآونة الاخيرة بواسطة القنوات المتعارف عليها، يتحدثون عن عدد من النقاط التي يرون انها لا تزال تشوب علاقة دمشق برئيس الحكومة، ويأخذون عليه انه لم يبادر بعد الى النظر فيها، وهم غالب الظن يقصدون بذلك اخذها في الاعتبار واتخاذ الاجراءات الكفيلة بتصحيحها. من هذه الاستياءات:

-الدور المعطى للرئيس فؤاد السنيورة، وهو الذي تنظر اليه سوريا بالنظرة عينها التي ترى فيها رئيس حزب الكتائب امين الجميل ورئيس الهيئة التنفيذية في "القوات اللبنانية" جعجع. ودمشق تعتبر ان هناك قرارا بتعويم السنيورة بدءا من ترشيحه في صيدا وليس انتهاء بترئيسه كتلة نواب "المستقبل"، على رغم انها لم تخف يوما غضبها الشديد من دوره زمن حكومتيه، وهي "لن تنسى له ما فعل"!

-مباركة الحريري إحياء الذكرى الخامسة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري في احتفال جماهيري خطابي اقرب الى عرض قوة، وصرف النظر عن اقامة احتفال مركزي غير جماهيري كانت تفضّله دمشق، لا يقدّم منبرا مجانيا للجميل وجعجع، ولا يعيد ضخ الروح قوى الرابع عشر من آذار واعادة تنشيطها.

-الابقاء دون أي تغيير على الفريق المحيط برئيس الحكومة والمعاون له، على رغم كل "الرسائل" والاشارات، من الاستنابات القضائية الى ما كثر من غمز ولمز.

-ابقاء اعلام "المستقبل" وسياسييه في منأى عن أي موجبات رقابية، لا في التصريح ولا في التحليل ما عدا الابتعاد عن المس بالتفاهمات العربية العريضة.

-استمرار تأمين الدعم السياسي واللوجستي للامانة العامة لقوى الرابع عشر من آذار (مارس)، وهي الاطار الفكري – العقائدي الذي يستمر في نفخ روح الحد الادنى في هذه القوى. وحتى لو عنى هذا النفخ الضئيل ضجيجا، او "بوقا لسيارة وضعت خارج الخدمة"، فهو يبقى مزعجا لدمشق.

-الحرص على تعزيز التحالف مع جعجع، وهو ما تراه دمشق حائلا دون تحييد "القوات اللبنانية" كمدخل لتكرار اقصائها عن الحياة السياسية في العام 1994.

-الحرص على ابقاء المحكمة الدولية الخاصة بلنان حية، حتى لو في وجدان اللبنانيين وذاكرتهم، الى ان يحين موعد ما يتوجب على المحكمة من اجابات عن اسئلة معلقة، في طليعة هذه الاجابات القرار لاظني. وفي الانتظار، ستبقى الموازنة مؤمنة، كما التنسيق وكل الاجراءات التي قد تطلبها المحكمة او الادعاء العام، وهو ما افصح عنه اخيرا وزير الدفاع الياس المر، وادى الى ازمة صامتة مع اكثر من جهة حزبية لبنانية ورسمية سورية، في حين تتالت المراجعات على رئاسة الجمهورية سائلة ومستفسرة ومطالبة بتوضيح او حتى بـ "محاسبة"!

-اجتماع الحريري مع تيري رود لارسن في باريس، وهو أبرز الرموز التي تعاديها سوريا في الاعوام الفائتة والمتهم الاول بالوقوف وراء القرار ١٥٥٩، ولا يزال شخصية غير مرغوب فيها ومحظّر دخولها العاصمة السورية.

-استمرار الاستعانة بالمساعدة التقنية والامنية الالمانية في مسألة ضبط الحدود اللبنانية – السورية.

معالجة هادئة

وعلم ان ثمة من ابلغ دمشق انه كان الافضل لو تمت معالجة التحفظات السورية، كما عولجت سابقا التساؤلات اللبنانية التي اعقبت المقال الذي نشره الصحافي الاميركي سيمور هيرش في صحيفة "نيويوركر" وضمّنه كلاما منسوبا الى الرئيس السوري بشار الاسد، بمعنى ان تأتي المعالجة هادئة بعيدا من الاعلام، وضمن القنوات المتفق عليها مع القيادة في دمشق.

ويرى بعض المراقبين اهمية في المبادرة السعودية الى معالجة ما حصل من تعثر مبكر ومفاجئ في العلاقة بين رئيس الحكومة والقيادة السورية، خصوصا ان هذه العلاقة هي حجر الزاوية في بنيان الاستقرار اللبناني في هذه المرحلة، وهي الترجمة العملية المباشرة للتفاهم السوري - السعودي الذي اكتمل في لبنان ولم يعرف مداه وحجمه في المنطقة. ويخشى هؤلاء من ان تتأثر الحكومة بهذا المستجَّد، بحيث يكون الجمود والمراوحة والانطلاقة الوزارية المتعثرة وغير المكتملة، احد الاثمان الباهظة المفترضة!

الأحد، 7 مارس 2010

Sphere: Related Content

استقراءات لما سيقوله في ذكرى والده ختْماً لـ "جرح كبير" مع دمشق

هل يتبرأ جنبلاط من "شهادتيّ" كمال ورفيق؟

في 16 آذار (مارس) وردة على ضريح ومحو لإفادتين ولذاكرة؟!

ينشر في "الاسبوع العربي" في 15/3/2010

السادس عشر من آذار (مارس) محطة جديدة من محطات الانتظار اللبناني. سيتوجه وليد جنبلاط الى حيث يرقد والده كمال "على رجاء القيامة" ليضع وردة على ضريحه في باحة قصر المختارة، محاطا بجمع من نوابه وقياديي حزبه، وآلاف العيون والآذان المترقبة لما سيقوله في ذلك اليوم من كلام قال انه سيكون اخيرا، في مسار اعادة تموضعه الدمشقية، عسى تفتح له بوابات الشام وقلوب اهلها ونظامها.

كثرت التحليلات والاستقراءات لما سيكون عليه آخر الكلام الجنبلاطي عن رحلته السورية المعلقة، وتعددت المصادر والروايات والكلام المنقول او المنسوب الى دمشق، بعدما صرّح جنبلاط قبل اسابيع: "سأقول في السادس عشر من اذار (مارس) كلاما اختم به جرحا كبيرا وسيكون اخر الكلام ولن يكون بعده اي كلام". فبعض زوار دمشق يزعم ان اهم شروط قبولها بالزيارة هو اعلانه الانتماء الى الخط المناهض لقوى الرابع عشر من اذار (مارس)، متوقعا ان يقدم على هذه الخطوة في ذكرى اغتيال والده كمال جنبلاط في السادس عشر من آذار (مارس). فيما يدّعي آخر ان لا مفرّ امام جنبلاط من الاعتذار علنا من سوريا، قيادة وشعبا، عما بدر منه في الاعوام الخمسة الفائتة وخصوصا لجهة اقتراحه، في احد لقاءاته في معهد واشنطن لسياسة الشرق الادنى ارسال سيارات مفخخة الى شوارع دمشق، ومن ثم "تحريضه" الولايات المتحدة الاميركية في حديث الى صحيفة "واشنطن بوست" على احتلال سوريا بعد استكمال احتلال العراق.

ختم الجراح

يعتقد بعض المراقبين ان جنبلاط لن يقول في عيد والده الثاني والتسعين، الكلام الكبير، "فلا اعتزال للسياسة في بيت لا يفرّقه عنها سوى الموت قتلا، ولا تسليم للامانة الى تيمور غير الجاهز بعد لخوض غمار الزعامة"، بل هو "سيستمر بكل بساطة في تكريس انقلابه على المرحلة الاميركية وعودته ميمونة الى الرعاية السورية".

غير ان مطلعين على كواليس الاتصالات غير المباشرة بين جنبلاط والقيادة السورية يذهبون بعيدا في تحليل الكلام الجنبلاطي المفترض في ذكرى والده.

يعتقد هؤلاء ان ذكرى السادس عشر من آذار (مارس) مناسبة سانحة للزعيم الدرزي كي يتراجع عن اتهامه دمشق ونظام الرئيس الراحل حافظ الاسد تحديدا، بإغتيال والده ومرافقيه حافظ الغصيني وفوزي شديد في بلدة ديردوريت، وتاليا اعادة رسم علاقته بالقيادة السورية من هذه المحطة الرمزية بالذات، اذ ان اتهام جنبلاط لم يكن سياسيا بقدر ما كان قضائيا، مستندا فيه الى التحقيقات التي اجراها في حينه القاضي حسن قواص وهو الملف الذي اظهره جنبلاط في برنامج تلفزيوني في عز ازمته مع دمشق، وكذلك الى الرواية التي ساقها مرارا القائد السابق للشرطة القضائية اللواء عصام ابو زكي (المقرب من جنبلاط) متهما دمشق بتورطها في اغتيال جنبلاط الاب، وهي رواية لا مفرّ لجنبلاط من محيها، او ربما انكارها، كي يسلك موكبه الطريق الدمشقية.

كمال: رواية مطلوب محيها!

يروي ابو زكي: قبيل هذه الجريمة النكراء، التي هزت الضمير اللبناني والعربي والعالمي، ضبطت الجمارك اللبنانية في مرفأ بيروت سيارة أميركية الصنع، وقد أخفيت فيها كمية من المخدرات. حضرت إلى المرفأ دورية من المباحث العامة لاستلام السيارة والمخدرات، وعند إخراج السيارة من المرفأ، أوقفها حاجز سوري على بابه، وأخذها بالقوة من رجال المباحث اللبنانية. وعندما راجعت السلطات الأمنية اللبنانية السوريين، أفاد رئيس جهاز الأمن السوري في سن الفيل، وهو برتبة رائد، أن السيارة بحوزته. وبناء على طلب قوى الأمن اللبنانية، سلمها الرائد المذكور افادة خطية بأن السيارة معه وباستعماله الشخصي. السيارة نفسها تظهر بعد فترة وجيزة في منطقة الشوف، تنتظر مرور القائد كمال جنبلاط، المتوجه من المختارة الى عاليه لحضور اجتماع حزبي. وما إن تمر سيارته، حتى تلحق به السيارة الجانية، وفيها أربعة عناصر، اثنان بلباس مدني، وآخران بلباس عسكري، ثم تعترض طريقه في آخر بلدة بعقلين.

أجبر مرافقا كمال بك على الانتقال إلى السيارة الأميركية، وصعد إلى سيارته عنصران من العناصر الأربعة، واحد قاد سيارة الزعيم الخالد، وهو إلى جانبه، والآخر جلس في المقعد الخلفي. وقطعت السيارتان مسافة تقدر بحوالي 900 متر، وهناك حصل شيء فاجأ الخاطفين، إذ كان التوقف سريعاً، كما يدل أثر استعمال المكابح في سيارة كمال جنبلاط على الطريق، مما أدى الى اصطدام السيارة الجانية بسيارته من الجهة الخلفية. وعندها ارتكبت الجريمة الرهيبة. فرّ الجناة في سيارتهم، التي وضعوا عليها لوحة عراقية. ولكنهم اصطدموا بمرتفع ترابي، فتركوها واستقلوا بالقوة سيارة كانت تمر صدفة في المكان، وأجبروا سائقها على نقلهم إلى مقر الرائد السوري إياه في سن الفيل. وخلال انتقالهم الى سن الفيل، كان الجناة يبرزون بطاقاتهم على الحواجز السورية، فيمرون بسهولة وسرعة. وقد تولّى هذا الرائد في ما بعد منصبا استخباريا رفيعا، ربما مكافأة له على نجاحه في ارتكاب الجريمة.

ويؤكد ابو زكي لدى سؤاله وعن توصل التحقيق الى معرفة هوية احد المسلحين الاربعة الذين نفذوا عملية الاغتيال، "انه الرائد السوري ابرهيم حويجي الذي كان مسؤولاً عن مكتب المخابرات السورية في مستديرة الصالومي، والذي تسلم سيارة "البونتياك" واحتفظ بها، وهو من الذين شاركوا في معركة تل الزعتر. ولدينا افادات تؤكد انه كان يقود "البونتياك" ويستخدمها في تنقلاته الشخصية. وتوصلنا فعلاً الى اكتشاف تطابق صفاته مع احد المسلحين الاربعة. كما ان الشاهد سليم حداد، الذي نقل المسلحين الى الصالومي، اكد ان شخصاً جلس بقربه وكانت لديه رتبة عسكرية عالية، اذ كان عناصر الحواجز السورية الذين ينتشرون على الطرق يؤدون له التحية العسكرية، والدليل انهم قصدوا الصالومي حيث كان مركز الرائد حويجي. ورقي حويجي بعد ذلك، وصار مدير الاستخبارات الجوية في سوريا، وكان الزعيم وليد جنبلاط اكد انه التقى بـ حويجي في ليبيا خلال احدى زياراته الماضية".

ويعتقد ابو زكي "ان قتل كمال جنبلاط بحاجة الى قرار، ومن يتخذ القرار باطلاق النار على كمال جنبلاط ليس عسكرياً بسيطاً يتلقى الاوامر، بل اهم من عسكري. ونعتقد ان المسلحين كانوا يخططون لخطف كمال جنبلاط الى منطقة مسيحية وارتكاب جريمتهم هناك حتى يندلع اقتتال طائفي بين المسيحيين والدروز، وربما كانوا ينوون قطع رأسه، واحراق جثته، نظراً الى وجود سكاكين حادة في سيارتهم وكمية من البنزين. وهذا يدعم الاعتقاد السائد، والذي لنا عليه الكثير من الادلة بأن الاعمال الدموية التي حصلت في الجبل يومذاك كانت بتحريض وتنظيم من الجهة الجانية نفسها، اذ كانت القوات السورية تنتشر وقتها في منطقة الشوف كلها".

رفيق: محو رواية اخرى!

الى هذه الرواية، سيكون جنبلاط في السادس عشر من آذار (مارس)، او ربما قبله او بعده (لا فرق)، امام استحقاق محو او التراجع عن رواية اخرى اخبرها هو بنفسه في شهادة موثقة ومكتوبة في الثامن والعشرين من حزيران (يونيو) 2005، قدّمها الى الرئيس الاسبق للجنة التحقيق الدولية القاضي الالماني ديتليف ميليس، الى جانب شهادت كل من مروان جماده وغازي العريضي وباسم السبع. قال جنبلاط في شهادته: "وفقاً للرئيس (رفيق) الحريري فإن الرئيس (بشار) الأسد قال له: (الرئيس السابق اميل) لحود هو أنا، وأنا أريد أن أجدد له، وإذا أراد (الرئيس الفرنسي السابق جاك) شيراك أن يخرجني من لبنان، فإني سأكسر لبنان، وخلال زيارته الى منزلي كان الحريري خائب الظن وكان في وضع سيئ للغاية".

وتقاطع هذا الكلام مع شهادة سعد الحريري في التاسع من (تموز) يوليو 2005، وفيها: "ناقشت مع والدي الراحل رفيق الحريري تمديد ولاية اميل لحود، وقال لي بأن الرئيس بشار الأسد هدده وقال له: "هذا ما أريده، إذا كنت تظن أن الرئيس شيراك أو أنت تستطيعون أن تحكموا لبنان فأنتم مخطئون، فذلك لن يحدث. لحود هو أنا وما أقوله له ينفذه، وهذا التمديد سيتم وإلا فإني سأحطم لبنان على رأسك وعلى رأس وليد جنبلاط، وإما أن تفعل ما نقوله لك وإلا فسنتعامل معك ومع أسرتك أينما كنت".

ويتردد على نطاق واسع في لبنان وخارجه أن أحد الشروط السورية التي وصلت الى جنبلاط، من خلال القنوات المعتمدة بينهما، هو سحب هذه الإفادة، كما أن السلطات السورية تساوي بين نسف جنبلاط إفادته وبين سحب مذكرة التوقيف الصادرة في حقه عن القضاء السوري، علما ان قياديين قريبين من جنبلاط ينفون علمهم بهذه الرسال، ويؤكدون ان احدا غيره لا يعرف ما الذي سيلدي به في ذكرى والده، في حين يقول سياسيون "ان التراجع عن الافادة في اغتيال الحريري غير ممكن عمليا والا يكون بذلك قد عرّض نفسه الى المساءلة امام لجنة التحقيق الدولية على خلفية الادلاء بشهادة كاذبة".

ويبني المراقبون على هذه المعطيات، ليتوقعوا أن "يكون اتهامه دمشق بمقتل والده وبإغتيال الحريري، او بأحد هذين الاتهامين، محوريا في إطلالته في السادس عشر من آذار، إذا أراد فعلا أن يسلك طريق دمشق، وربما بإفادتين جديدتين قد يختم بهما آخر الجراح مع دمشق".