السبت، 28 مارس 2009

Sphere: Related Content
احداث مشبوهة في التوقيت واختراقات امنية تعيد هاجس التفجيرات ومصير الانتخابات
من المية ومية الى بكفيا .. شبَهٌ يستعيد اغتيال حبيقة وتويني!
جهات استخبارية تلعب على الوتر الفلسطيني "الممزّق" لتعميم الارباك لبنانيا

ينشر في "الاسبوع العربي" في 6/4/2009
تصدّرت الواجهة الامنية، الاسبوع الفائت لائحة الاهتمام في الداخل اللبناني على خلفية عودة هاجس الاغتيالات التي طاولت هذه المرة شخصية فلسطينية هي نائب سفير فلسطين في لبنان اللواء كمال مدحت في انفجار عبوة ناسفة على تخوم مخيم المية ومية. كذلك عاد هاجس امن الشخصيات السياسية مع العثور على قنبلة يدوية في سيارة قرب منزل رئيس حزب الكتائب امين الجميل في بكفيا. فأعادت هذه الاحداث الى الاذهان شريط الوقائع الامنية المرة التي عاشها اللبنانيون في فترة قاتمة من تاريخهم الحديث.
لم يطمئن المراقبون اللبنانيون كما الرأي العام، يوما، الى الاستقرار التام لبنانيا، اذ طالما رافق هاجس العودة الى مسلسل الاغتيالات والتهديدات، التي عاناها اللبنانيون طيلة عامين ونيف، السياسيين والمراقبين لا سيما انّ لبنان لم يعش في الآونة الاخيرة فترة طويلة من الاستقرار السياسي كما الامني. ولأن الآتي القريب حافل ايضا بالمواعيد السياسية المهمة المرتبط حصولها بشكل وثيق بالاوضاع الامنية، فانّ اي حدث امني وسياسي بارز يعيد الى الاذهان سؤال قديم - جديد عن مصير الانتخابات التشريعية العامة التي من المقرر ان تجري في السابع من حزيران (يوليو) المقبل.
اخترق التفجير الامني الذي ذهب ضحيته المسؤول عن حركة "فتح" في لبنان ونائب السفير الفلسطيني وممثل منظمة التحرير الفلسطينية اللواء كمال مدحت، الهدوء النسبي الذي طبع فترة ما بعد اتفاق الدوحة، ذاك الاتفاق الذي انهى مسلسل الازمة السياسية المولودة في الرابع عشر من شباط 2005 (فبراير) اثر اغتيال رئيس الوزراء الاسبق رفيق الحريري ورفاقه.
فبعد اقل من 48 ساعة (السبت في الواحد والعشرين من آذار / مارس) على الاشتباكات في مخيم المية ومية في شرق صيدا جنوب لبنان والتي ادت الى مقتل المسؤول عن اللجان الشعبية الرائد رائف محمد حسن، إهتز الامن بمقتل مدحت، المعروف بكمال ناجي، مع اربعة من مرافقيه في الانفجار الذي وقع قبل ظهر الاثنين في الثالث والعشرين من آذار (مارس) على طريق المية ومية، حيث احد مخيمات اللجوء الفلسطيني، وهو قريب من مخيم عين الحلوة.
تعميم الارباك لبنانيا
وفيما صرّح بعض مسؤولي حركة "فتح" في لبنان انّ الحادث لم يكن متوقعا وجاء بمثابة "الفاجعة"، واضعين كل امكاناتهم بتصرّف الاجهزة الامنية اللبنانية والجيش لكشف الحقيقة، نُقل عن مصادر حركة "فتح" تأكيدها ان الانفجار كان يستهدف السفير الفلسطيني عباس زكي الذي كان قد غادر المكان المستهدف قبل نحو عشر دقائق، مضيفة ان زكي كان يقود سيارة مشابهة لسيارة مدحت، مما يؤشر الى ان الغاية كانت اغتيال السفير لا نائبه.
غير ان مصادر ديبلوماسية ابدت تخوفها من أن يكون اغتيال مدحت "مؤشرا الى سلسلة اغتيالات وتفجيرات في لبنان مرتبطة بالرغبة في استغلال الأوضاع داخل المخيمات الفلسطينية في عملية زعزعة الاستقرار الداخلي في البلد". ولاحظت أن طريقة اغتيال المسؤول الفلسطيني "تشبه الى حد كبير طريقة اغتيال النائب جبران تويني".
الى ذلك، اكدت مصادر مراقبة لـ "الاسبوع العربي" ان ثمة جهات استخبارية معادية للبنان تحضّر منذ مدة لخربطة سير الاحداث والتهدئة في المخيمات الفلسطينية بغية توظيف الارباك المتوقع عنها على مستوى كل لبنان وليس فقط على المستوى الفلسطيني. واشارت الى ان الحادث خطر جدا سواء كان يستهدف مدحت ام السفير عباس زكي، لأنه يؤشر الى ان المخطط المشبوه بدأ يأخذه طريقه، وان المؤامرة على الفلسطينيين مستمرة لضربهم ببعضهم ولأذية الوحدة الفلسطينية، وكذلك لزج العامل الفلسطيني في اتون الصراع السياسي على لبنان.
وكما بعد كل عملية اغتيال، تابع المستوى السياسي اللبناني اي تداعيات محتملة على الوضع في المخيمات الفلسطينية، وسط تأكيد من الجميع على محاصرة اي توتر، في وقت يحتاج لبنان الى تهيئة المناخ الملائم للانتخابات التشريعية العامة.
كذلك تابع المستوى السياسي الفلسطيني تداعيات الاغتيال في ظل توجيه أصابع الإتهام الى إسرائيل "الساعية الى تعميق هوة الخلافات الفلسطينية – الفلسطينية، والمستفيد الاول من تعثر المصالحات الفلسطينية والحوار القائم في القاهرة، من دون اغفال الخلافات الفلسطينية الداخلية واحتمال كونها من مسببات عملية الاغتيال".
رسالة تحظّر المصالحة
في هذا الاطار، نقل عن مصادر فلسطينية ان كمال مدحت شخصية فلسطينية معتدلة محاورة ومتفهمة وكان يقود تيار الاصلاح داخل حركة "فتح" ومنظمة التحرير الفلسطينية، وهو عراب المصالحات بين حركة "حماس" وحركة "فتح"، ويعتبر صديقا للقوى الوطنية الفلسطينية التي ما زالت تقاتل اسرائيل ومن بينها "حماس" والفصائل المرتبطة.
ووصفت المصادر الاغتيال بانه رسالة تعني ان المصالحات الفلسطينية - الفلسطينية ممنوعة والتقارب الفلسطيني - الفلسطيني خط احمر من القاهرة الى دمشق وصولا الى لبنان. كما ان رسالة الاغتيال تشير ايضا الى ان المخيمات او الساحة الفلسطينية في لبنان قد تكون على ابواب عمليات اغتيال اخرى وان اغتيال مدحت هو البداية.
ولفتت الى ان الساحة الفلسطينية استوعبت الضربة، فبدلاً من ان تُفرقها جمعَتها، وكذلك الساحة اللبنانية اجتمعت على ادانة الجريمة وعلى ضرورة الحد من تأثيراتها.
اوجه شبه
في الموازاة، تبيّن لجهات معنية ان "ثمة أوجه شبه بين هذه الجريمة والاغتيالات التي شهدها لبنان وطاولت نواباً وشخصيات سياسية وإعلامية وأمنية، وخصوصا لجهة نوع المتفجرات وتفجير العبوة من بعد، واخضاع الشخصية المستهدفة لرقابة مسبقة".
كما تبيّن من مقارنة نوعية المتفجرات المستعملة في الجريمة وتفجيرات اخرى حدثت في عدد من المخيمات، ان هذه النوعية واحدة وتتشابه في خصائصها التقنية، وهي مصنعة محليا وعلى الارجح داخل مخيم عين الحلوة القريب من مخيم المية ومية للاجئين الفلسطينيين حيث وقع الانفجار الذي اودى باللواء مدحت. كذلك تبيّن ان ثمة اوجه شبه بين هذا الاغتيال وبين مقتل رئيس حزب "وعد" الوزير السابق الياس حبيقة الذي قضى في العام 2002 بإنفجار في الضاحية الشرقية لبيروت، والتشابه خصوصا في نوعية المتفجرات وفي طريقة التفجير من بعد بواسطة جهاز تحكم لاسلكي.
في المقابل، ربطت مصادر فلسطينية بين اغتيال كمال مدحت ومحاولات تستهدف تمكين "حماس" من السيطرة على المخيمات الفلسطينية في لبنان. وكشفت ان مدحت "كان الشخص الأهمّ بالنسبة الى السلطة الوطنية الفلسطينية والى فتح في لبنان لأسباب عدة، ابرزها امتلاكه معرفة دقيقة في الأوضاع السائدة داخل كل مخيّم من المخيمات الفلسطينية عن طريق شبكة واسعة من المخبرين. كما يمتاز بخبرة طويلة في لبنان الذي عاش فيه منذ السبعينات حين كان من مرافقي الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات. وأشارت الى أن "من بين الأسباب التي قد تكون دفعت الى التخلص من مدحت علاقاته الممتازة مع الفصائل ما مكنه من تفادي صدامات بين الفلسطينيين واستيعاب أي مشاكل بين المسلحين، خصوصا في مخيم عين الحلوة. وفي أثناء حرب مخيم نهر البارد، كان لمدحت دور بارز في توفير دعم ومعلومات للجيش اللبناني ساعدت في القضاء على تنظيم "فتح الاسلام".
قنبلة بكفيا... والرسائل السياسية
الى ذلك، وفي اطار الوقائع الامنية المتنقلة والتي قد تكون مترابطة، اثارت القنبلة التي وجدت في سيارة مركونة قرب منزل الرئيس امين الجميل في بكفيا هلعا سياسيا من عودة التهديدات لقوى وافرقاء الرابع عشر من آذار (مارس) في توقيت استثنائي عشية الانتخابات النيابية.
ورأى بعض المراقبين انّ هذا الحادث مؤشر خطير يحمل رسائل باتجاه مسار الاستحقاق الانتخابي وما اذا كان سيحصل او سيؤجل لارتباطه بشكل وثيق بالاوضاع الامنية على الساحة الداخلية.
وفي اطار التحقيقات، افاد مصدر قريب من حزب الكتائب ان السيارة كانت مفخخة بواسطة قنبلة ولوحين من الـ "تي ان تي". واشار الى ان الجناة المفترضين وضعوا القنبلة بالقرب من دولاب الاحتياط في صندوق السيارة مباشرة فوق خزّان البنزين، وجرى نزع صاعق القنبلة ووصله بفتيل بطيئ يؤخر تفجير السيارة من 6 الى 7 دقائق، تتيح الوقت الكافي لهروب الجاني. واوضح ان قوة العصف التي تنتج من هذا الخليط (القنبلة ولوحا الـ "تي ان تي" ومادة البنزين) توازي نحو 40 كيلوغراما من المتفجرات شديدة الانفجار، وهي كمية كافية لإحداث اضرار كبيرة ولمقتل المستهدَف.
ولفت الى انه بمراجعة نقاط العبور تبيّن ان الموقوف مرّ على احداها، قبل 8 ايام، وجرى التأكد انه قصد بكفيا ومحيط دارة الجميل 5 الى 6 مرات في غضون اسبوع وبالسيارة نفسها والتي تبيّن انها مسجّلة بإسمه، مشيرا الى انه اراد من هذا السلوك ان يرتاح اليه من يشاهده وخصوصا فريق الحرّاس المولج حماية المنزل.
واوضح المصدر ان هذه الزيارات المتكررة والمتفاوتة في التوقيت تؤشر في التحليل المعلوماتي - الاستخباري الى ان الموقوف كان في مهمة استطلاع ومراقبة دقيقة رمت الى استكشاف الموقع والبحث عما يسمى في العلم الجنائي "وقتا ميتا" Temps mort للوقوع على التوقيت المناسب للتنفيذ، حيث يكون بالعادة عند عملية تبديل الحراسة او في اوقات معينة يكون فيها الحراس في حال من الاسترخاء (تناول الطعام...).
وعلم ان حوادث اخرى سبقت هذه الحادثة، اذ اشتبه الحراس بأشخاص عدة جرى التحقيق معهم. كما ان الرئيس الجميل اسر الى قريبين في اجتماعات حزبية وآخرها في اجتماع المكتب السياسي الاثنين في الثالث والعشرين من آذار (مارس) ان ثمة معلومات امنية تحذّر من مخطط لاستهدافه.
وذكرت معطيات ان سامي الجميل اعتاد ان يقصد بكفيا في مثل اليوم الذي اوقفت فيه السيارة المشتبه بها، من دون والده.
وكان الجميّل الابن قد قال اخيرا انه يمتنع منذ عامين (اغتيال شقيقه بيار) عن مرافقة والده في السيارة نفسها، في اشارة الى الهواجس التي تنتاب العائلة.

الأحد، 22 مارس 2009

Sphere: Related Content
خليط تناغم وتباين فرنسي- اميركي يضعه في قلب التغييرات في الاقليم
لبنان يسعى الى ما ينفي تكرار صفقتي كيسنجر وبيكر
آلية دولية جديدة مع سوريا لتكريس استقلال لبنان

ينشر في الاسبوع العربي في 30/3/2009
تتعدد الرؤى الدولية الى لبنان في مرحلة سياسية شبه انتقالية يعيشها العالم عموما ومنطقة الشرق الاوسط خصوصا. وفي ظل كل المتغيرات الايجابية والسلبية التي عصفت بـ"بلاد الارز" في الفترة الاخيرة، تبقى بيروت محطة عربية مهمة لكل المبعوثين والموفدين الى الحوض الشرقي للمتوسط للبحث في سبل دفع عملية السلام وتفعيل العمل على الصعد الديبلوماسية تحقيقا لهذا الهدف. وتزامنا مع هذه الحركة السياسية، اميركية او فرنسية او روسية، يتحرك لبنان، بشخص الرئيس العماد ميشال سليمان، على المسرح الدولي مستعيدا ايضا دورا افتقده اعواما، وربما عقودا.
تُعتبر، راهنا، الولايات المتحدة الاميركية- باراك اوباما وفرنسا- نيكولا ساركوزي، الدولتين المحركتين لتطور الاوضاع في العالم العربي. فبعد المغامرة الفرنسية بفكّ الحصار والعزلة الدولية عن سوريا واستئناف الحوار واعادة تطبيع العلاقات معها، بابا اراده الرئيس الفرنسي للولوج الى الحلول المرجوة لمشاكل المنطقة العربية وفي اولويتها الملف اللبناني حيث لسوريا يد طولى في الحلحلة او العرقلة، باتت الحركة الدولية في اتجاه سوريا في منحى تصاعدي بحيث تشجعت الادارة الاميركية الجديدة على خوض تجربة الحوار بدل العزلة والعقوبات. وبما انّ لبنان محور اساس في اي حوار غربي مع سوريا، اقله حسب ما يقال ويتردد في العلن، فهو يبقى المتأثر الاول بحال "الجار" مع المجتمع الدولي.
في خطوات متتالية ومتناسقة، يعكف الرئيس سليمان على استرجاع لبنان مكانته على المسرح الدولي بالتوازي مع المتغيرات السياسية التي تشهدها المنطقة العربية، وهذا الامر برأي الكثير من المراقبين يصلّب كيانية لبنان ونهائيته وطنا سيدا مستقلا ويقويّ مركزه وموقعه في اي تسوية او صفقة منتظرة او مرتبة، ويعيش اللبنانون هاجس ان تأتي على حسابهم تكرارا لصفقتي العام 1973 (اثر الحرب العربية – الاسرائيلية - مكوكية هنري كيسنجر) والعام 1990 (مكافأة سوريا ثمنا لمشاركتها الرمزية في الائتلاف الدولي لتحرير الكويت – نظرية جيمس بيكر).
في هذا الاطار، برزت زيارة الدولة لرئيس الجمهورية الى العاصمة الفرنسية التي اكدت "دعم فرنسا القوي للرئيس التوافقي ولمواقفه ولكل ما يقوم به من اجل حماية استقرار لبنان وامنه واستقلاله وتشجيع الافرقاء على معالجة مشاكلهم عبر الحوار"، وهذا ما تشارك الولايات المتحدة فرنسا به، بحسب ديبلوماسي غربي بارز، "فهي تدعم سليمان لانه رئيس استقلالي المواقف، منفتح على العالم العربي والمجتمع الدولي، ويعمل على توجيه مسار الاوضاع في لبنان بحكمة وواقعية".
مرحلة تقاطع
الى ذلك يكشف تقرير ديبلوماسي غربي ان لبنان يعيش مرحلة التقاطع بين اربعة عوامل اساسية هي:
-اولا، وجود ميشال سليمان رئيسا وطنيا استقلاليا توافقيا منفتحا على مختلف الافرقاء اللبنانيين وعلى العالم العربي والمجتمع الدولي، وحريصا على اقامة علاقات جيدة وقوية مع سوريا على اساس المساواة والاحترام المتبادل لاستقلال وسيادة كل من البلدين، وبشكل يحفظ المصالح المشروعة لكلا البلدين بشكل متكافئ وعادل.
-ثانيا، وجود حركة سياسية استقلالية وشعبية تدعمها شريحة من اللبنانيين من مختلف الطوائف وتؤمن حماية داخلية للبنان المستقل.
-ثالثا، قيام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، مهمتها الحقيقية ملاحقة ومحاسبة المتهمين باغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه وعمليات الاغتيال التي استمرت على مدى عامين حتى اتفاق الدوحة.
-رابعا، وجود قرار اميركي – اوروبي – عربي دولي يقضي باستخدام وسائل جديدة لتكريس وتدعيم استقلال لبنان وسيادته وقراره الحر، ولمنع استخدامه ساحة مواجهة مفتوحة مع اسرائيل ودول اخرى خدمة لمصالح المحاور. وهذه الوسائل الجديدة تتركز على التحاور مع نظام الرئيس الاسد من اجل عقد "صفقة" معه لمصلحة لبنان والقوى المعتدلة في المنطقة، تتضمن دفع هذا النظام الى تغيير سياساته وتوجهاته اللبنانية والاقليمية جذريا وتقبل الواقع اللبناني الاستقلالي الشرعي فعلا والتخلي نهائيا عن اي مساع لزعزعة اوضاع هذا البلد او لمحاولة فرض الهيمنة مجددا عليه، وذلك كله في مقابل تحسين العلاقات الثنائية مع سوريا ومساعدتها على تطوير اوضاعها وتأمين مصالحها الذاتية المشروعة من دون ان يمس ذلك مصالح اللبنانيين او عمل المحكمة الدولية.
ويوضح التقرير ان هذه العوامل الاربعة هي في حال مواجهة وصدام في ظل الانقسام السياسي والاصطفافات من ضمن محاور اقليمية باتت مفروزة ومعروفة.
ويلفت التقرير الى امكان تصاعد حدة الصراع السياسي مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية العامة في السابع من حزيران (يوليو) المقبل، شيئا فشيئا، وهو ما بدأت ملامحه بالظهور، مشددا على ان الانتخابات ستكون في مثابة الاستفتاء لتحديد خيارات الشعب والرأي العام الذي تصارع كل من فريقي السياسة في لبنان على احتساب غالبية (هذا الشعب) لمصلحته.
انسحاب من الغجر؟
وعلى خطّ ما يحضّر للبنان في المستقبل القريب، في ظل الحركة الناشطة تجاه المنطقة، وبعد الجولة الاخيرة لمساعد وزيرة الخارجية الاميركية بالانابة جيفري فيلتمان (لبنان، سوريا، فلبنان) وزيارته بعد ذلك الى فرنسا، تكشف مصادر ديبلوماسية فرنسية اطلعت على محادثات فيلتمان في باريس، أن واشنطن تسعى الى إقناع إسرائيل بالانسحاب من قرية الغجر اللبنانية قبل الانتخابات التشريعية في حزيران (يوليو) بحيث تكون العملية بمثابة هدية تعزز موقع قوى الرابع عشر من آذار (مارس) ومصداقية رئيس الحكومة فؤاد السنيورة قبيل الانتخابات، نظرا الى الوضع الحساس الذي يعيشه هذا الفريق بعد فترة من اللاستقرار السياسي وتفوّق المعارضة اقله في خطواتها التكتيكية وتنظيم صفوفها وتحركاتها وما استطاعت تحقيقه منذ الازمة السياسية الشهيرة الى حين اتفاق الدوحة الذي اقرّ لها مطلب "الثلث الضامن" في الحكومة، في مقابل تنازلات تقارب "الفشل" ورفع السقف السياسي من دون تحقيق الاهداف السياسية المرجوة لدى قوى الرابع عشر من آذار (مارس). وتشير المصادر إلى رغبة فيلتمان في حضّّ الإدارة الأميركية على السير في هذا الاتجاه، لافتة الى موافقة فرنسية فـ "اذا أراد الأميركيون إقناع (بنيامين) نتنياهو بالانسحاب من الغجر فنتمنى لهم حظاً سعيداً".
واذ تلفت المصادر الفرنسية الى تصريح الرئيس السوري في شأن ضرورة التوافق بعد الانتخابات النيابية في لبنان، تؤكد أن باريس "ليست مع معسكر ضد الآخر، كما انها ليست قلقة من احتمال فوز المعارضة وحصولها على الأكثرية النيابية، فمهما كانت نتيجة الانتخابات فانّ التوافق الدولي، كما العربي البيني اي المصالحة السعودية والمصرية من جهة والسورية من جهة اخرى، سيفرض ضرورة الحفاظ على الصيغة اللبنانية القائمة على التوافق، بما معناه اعادة تشكيل حكومة وحدة وطنية تحمي الحدّ الادنى المتبقي من الاستقرار السياسي كما الاقتصادي، وتبعد شبح الاهتزازات الامنية التي سبق ان ذاق اللبنانيون مرها ولوعتها. وتقول: ليس من شأننا استباق نتائج الانتخابات ولكن عندما ننظر إلى تاريخ البلاد، ونظرا الى عدد الطوائف، نعي اهمية تعاون الطوائف مع بعضها، كما اهمية الحفاظ على الصيغة التوافقية في الحكم. فالديموقراطية اللبنانية ليست كالديموقراطية السويدية، ففي لبنان يجب ان يكون لكل طائفة كلمتها".
تناغم وتوافق
في الموازاة، تلاحظ المصادر الفرنسية تناغماً أميركياً- فرنسياً على موضوعات عدة تتعلق بلبنان، وتنقل عن اللقاء مع فيلتمان في باريس، أن الإدارة الأميركية لا ترى التأخير في تعيين سفير سوري في لبنان في مثابة "مأساة"، استنادا الى أن القرار السياسي تم اتخاذه. وتقول: إن وزير الخارجية السوري وليد المعلم أوضح لفيلتمان ما معناه أن "سوريا هي من يحدد موعد إرسال سفيرها الى لبنان"، وان "ما يثار من بعض الافرقاء اللبنانيين ليس ذي معنى على الاطلاق لانّ دمشق افتتحت سفارة في بيروت من دون ان ترسل سفيرا في وقت عيّنت الحكومة اللبنانية سفيرا لها في سوريا من دون ان تفتتح سفارة لها هناك" (كلام المعلم لفيلتمان سبق افتتاح مقر السفارة اللبنانية في دمشق الاثنين في 17 آذار (مارس).
وتعتبر أن هناك توافقاً فرنسياً- أميركياً حول الشأن اللبناني خصوصا بإزاء الرغبة في أن تجري الانتخابات المقبلة بمناخ هادئ وبشفافية. إلا أنها تشير الى انّ التباعد بين موقف باريس وواشنطن يتعلق خصوصا في مسألة ترسيم الحدود في مزارع شبعا. فباريس تتمسك بالحل الذي اقترحته الحكومة اللبنانية، أي "وضع المزارع في عهدة الأمم المتحدة ريثما يتم ترسيم الحدود، في حين تتبنى الديبلوماسية الأميركية مسألة ترسيم الحدود قبل انسحاب إسرائيل من المزارع وتركز على السعي الى إقناع حكومة إسرائيل بالانسحاب من قرية الغجر".
تباين حول 1701
وتشير المصادر نفسها إلى تباين فرنسي- أميركي حول تفسير القرار 1701، فباريس تشير إلى بنود القرار كافة بما فيها مسألة شبعا والانتهاكات الجوية الإسرائيلية، وباتت مقتنعة بأنه لا يمكن ولا ينبغي طرح مسألة "نزع" سلاح "حزب الله" إلا في إطار الحوار الوطني اللبناني وعبر تطبيق بنود القرار، في حين تبدو واشنطن "أكثر إلحاحاً" على مسألة السلاح، وإن بات الموقف الأميركي في هذا الموضوع "أقل تشدداً". وتقول: "لا نتوقع أن يطلب الأميركيون من أوروبا إدراج "حزب الله" في لائحة المنظمات الإرهابية خصوصا بعد الخطوة البريطانية الاخيرة بالفصل بين الجناح العسكري للحزب وجناحه السياسي، وقرارها اعادة فتح قنوات التواصل والحوار معه، وهو الامر الذي اكتفت الولايات المتحدة برفضه معلنة على لسان وزيرة خارجيتها هيلاري كلينتون عدم امكان الفصل بين الجناحين العسكري والسياسي للحزب".

الأحد، 15 مارس 2009

Sphere: Related Content
تفاوت بين الموالاة والمعارضة في تقويم نظرة دمشق للاستحقاق النيابي
الانتخابات في لائحة الانتظار.. وأسيرة الثلث!
قطب موالٍ: دمشق تفضّل ارجاء الانتخابات النيابية سنة
قطب معارض: لدمشق المصلحة الاولى في اتمام الانتخابات في موعدها

الاسبوع العربي 23/3/2009
غيّرت المستجدات والتطورات الاخيرة، لا سيما على الصعيد الاقليمي، مجرى الرياح السياسية التي لفحت الاقليم المتوسطي في الاعوام الاخيرة. وانسحبت المتغيرات السياسية الدولية بشكل واضح على الاوضاع في المحيط العربي. فمنذ مبادرة العاهل السعودي عبد الله بن عبد العزيز نحو المصالحة العربية في قمة الكويت قبل شهرين، الى الاجتماع الرباعي في الرياض الذي ضمّ السعودية وسوريا ومصر والكويت، تتجه المناخات العربية الى شبه انفراج يتزامن مع انفراج في علاقة سوريا مع اوروبا والولايات المتحدة الاميركية وانفتاح بريطانيا المستجد على "حزب الله" عبر اعادة قنوات التواصل معه. ويبقى لبنان، المقبل على انتخابات نيابية تتأرجح التوقعات بين اتمامها وتأجيلها، المتأثّر الاول بالمتغيرات.
لم يأت كلام الرئيس السوري بشار الاسد الى صحيفة "الخليج" الاماراتية، من خارج السياق الانتخابي الذي تتحضر له دمشق وحلفاؤها الخلص من اللبنانيين. فالعادة السورية الا تعطي مفاتيحها ولا تُسرّ بأسرارها الا لقلة من اللبنانيين، وتبقي اوراقها مضمومة حتى اللعبة الاخيرة. هذا النهج الذي اعتاده من فاوضها منذ العام 1970، لا يزال على حاله على رغم التبدلات في مواقع النفوذ والقوى، وهو يستمر ساريا بحرفيته السياسية، وإن تعدلت الآليات واختلفت الظروف وتبدّل الاشخاص.
لا حماسة للانتخابات
ويعتقد مراقبون انّ كلام الاسد ناتج من انطباع تكوّن اخيرا من مجموعة من الشخصيات الحليفة، عن ان دمشق غير متحمسة ولا متشجعة للانتخابات النيابية اللبنانية، على رغم كل الحراك الانتخابي – الاعلامي لجانب من حلفائها. ويشيرون الى ان نائبا ووزيرا بقاعيا سابقا راجع، في زيارته قبل ايام للعاصمة السورية، ضابطين كبيرين، فأتاه الجواب ان لا حديث في الانتخابات قبل القمة العربية في الدوحة.
ويقول مرشح دائم الى الانتخابات النيابية، وهو احد الحلفاء الخُلص لسوريا، انه "على رغم كل ما تشهدونه من نشاط انتخابي، فانّ احدا من حلفاء دمشق لم تصله بعد كلمة السر الانتخابية. الجميع في ترقب في انتظار ما سيكون عليه موقفها من حدثين اساسيين: القمة الرباعية في الرياض التي جمعت الرئيس السوري بخادم الحرمين الشريفين والرئيس المصري وامير الكويت، ومن ثَم القمة العربية في الدوحة.
ويضيف المراقبون: كل الاحصاءات الانتخابية التي ترد الى دمشق والى الجهات المعنية بمتابعة سير هذه العملية تدفعها الى مزيد من الفتور حيال اتمام هذه العملية، لا سيما انها لا تلمس الى الآن أي ترجيح مريح لكفة المعارضة. وهي انطلاقا من ذلك لا يمكنها ان تستكين او ترتاح الى ترجيحات بفوز المعارضة بأكثرية مقعدين او ثلاثة، فحساباتها لا تستقيم الا مع نتائج جازمة بالفوز، لم يتمكن أن يأتيها به اي من قيادات المعارضة. اضافة الى ان عددا من حلفائها الخلص لا يبدي حماسة:
-فأحد المراجع الرئاسية يبدي تحفظا كبيرا عن اجراء العملية الانتخابية، وهو يبدي بإستمرار للمسؤولين السوريين ضرورة ارجائها لأن التقارب في موازين القوى لا يطمئنه، ولا يتيح المجازفة.
-وحزب رئيس في المعارضة يبدي بإستمرار ايضا عدم ارتياحه للموقع الانتخابي لسير المعارك المرتقبة في المناطق المسيحية. وهو يرى ان أي خسارة للمعارضة في هذه المناطق من شأنها ان تقلب المعادلات وان تنقل الاكثرية من حضن المعارضة الى الموالاة.
-اضافة الى ان شخصيات عدة ترتاح اليها دمشق وتطمئن، لم تحسم بعد قرارها بالمشاركة في الانتخابات، ان في عكار او في طرابلس حيث الثقل السني الذي تطمح القيادة السورية ان تسجل خرقا فيه.
حكومة وحدة "كما تروني"
في المقابل، يشير قيادي في المعارضة الى ان الانتخابات لا يمكن ان تؤجل تحت اي ذرائع ومهما كانت الاسباب لأن تأجيلها سينسحب سلبا على الاوضاع على الساحة الداخلية اللبنانية، لافتا الى انّ للجانب السوري مصلحة اولى في انجاز الانتخابات في موعدها وهو سائر في دعمها، لأن عدم حصولها سيتيح الفرصة للغالبية الراهنة الاحتفاظ بغالبيتها. ويقول: اما مع اجراء الانتخابات فالاقلية قد تصبح اكثرية. وحتى لو خسرت المعارضة الانتخابات، ففي الحالين سيفرض التوافق العربي – الاوروبي اعادة تكشيل حكومة وحدة وطنية تعطي الاقلية الثلث الضامن، فيستمرّ الوضع على ما هو عليه، وهو ما اعلنه اقطاب المعارضة مرارا وتكرارا.
في هذا السياق، ينقل عن رئيس مجلس النواب نبيه بري تشديده على ضرورة قيام حكومة وحدة وطنية بعد الانتخابات التشريعية "سواء كان هناك اتفاق أم لم يكن، وبغض النظر عن نتائج أي انتخابات ستحصل في لبنان لأن لبنان لا يعيش الا بالتوافق. ويعتبر بري ان "كل التجارب السابقة تثبت أنه كلما نحا فريق في لبنان نحو التفرد نحت البلاد باتجاه الازمات". ويكشف أنه أبلغ الى القيادات المشاركة في طاولة الحوار في خلال الاجتماع الاخير الذي عقد في القصر الجمهوري في بعبدا برعاية رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، أن حكومة الوحدة الوطنية ستقوم بعد الانتخابات "كما تروني وكما اراكم".
نقص وتردد
لكن قطبا مواليا يعتبر انه ليس تفصيلا الا يتحرك جديا أي من حلفاء سوريا، بإستثناء "حزب الله" الذي اطلق اعلاميا ماكيناته الانتخابية، في حين لا يزال الفتور واضحا في اوساط القوميين والبعثيين والمردة، كأن الانتخابات واقعة فقط في المناطق المسيحية بين "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية" والكتائب.
ويشير الى ان ثمة معلومات دقيقة عن ان المكتب الانتخابي المركزي لقوى المعارضة الذي بدأ العمل قبل 3 اشهر يعاني راهنا ضائقة مالية، اذ لا تزال الجهات الاقليمية "المانحة" تستأخر أي صرف للاموال.
ويلفت الى ان ما يزيد في الارباك، اضافة الى نقص التمويل، الخلافات بين قوى المعارضة، وخصوصا بين رئيس مجلس النواب نبيه ورئيس "التيار الوطني الحر" النائب العماد ميشال عون اللذين لا يزالان على تناقضهما في جزين والزهراني وبعبدا وجبيل. وتأتي ردة فعل العماد عون "الحانقة" على "تحفظ" الرئيس بري عن التشكيلات القضائية الاخيرة خير دليل الى هذا الجفى بين الرجلين، في حين لم يفلح "حزب الله" بعد في ردم الهوة بينهما، وهو ما يؤخر الى الآن انعقاد الاجتماع الثلاثي على المستوى القيادي والذي من المتوقع ان يجمع اليهما الامين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصر الله، ومهمته حسم الاسماء واللوائح الموحدة.
يضاف الى هذه العوامل، بحسب القطب اياه، ان "حزب الله" ينظر بريبة الى التحوّل السوري في اتجاه المملكة العربية السعودية وفرنسا والولايات المتحدة الاميركية. ويدرك الحزب ان الملفات الثلاثة، التي اشتُرط على دمشق مقاربتها بإيجابية سبيلا الى إعادتها الى الحظيرتين العربية والدولية، شهدت دينامية لا تطمئن الحزب او تريحه:
أ-في العراق، نفّذت دمشق التزامات عدة، فأُنجزت الانتخابات ولم تشهد المناطق تحت النفوذ الاستخباري السوري أي حوادث او قلاقل. وسلّمت دمشق الى واشنطن نحو 250 عضوا في تنظيم "القاعدة".
ب-في فلسطين، "باعت" دمشق بالجملة ملف حركة "حماس"، وبات راهنا في العهدة المصرية. وهو الامر الذي كان موضع نقاش واهتمام في القمة الثلاثية. وكان لافتا ان غاب عن المشهد رئيس المكتب السياسي في الحركة خالد مشعل، لتُبرز دمشق موسى ابو مرزوق الذي يعيش فيها منذ 30 عاما، في حين تم ترئيس الأمين العام لـ "حركة الجهاد الإسلامي" رمضان شلّح الوفد الفلسطيني الى قمة طهران المخصصة لاعادة اعمار غزة، وسط روايات تتناقل اعلاميا عن "التعذيب" الذي انزلته في قطاع غزة شرطة "حماس" بعناصر من "الجهاد الاسلامي" رفضوا الانصياع الى اوامر قيادة الحركة بوقف اطلاق الصواريخ على جنوب اسرائيل.
ج-يبقى ملف لبنان، و"حزب الله" تحديدا. ولم تتأخر مقاربة الرئيس السوري، فبدا في حديثه الى صحيفة "الخليج" انه يريد ارساء مقايضة واضحة مع المجتمع الدولي وتحديدا مع واشنطن: "أُنهي ما هو مطلوب مني، تنهون ملفّي المحكمة الدولية والانتخابات النيابية"، وهما الملفان اللذان استحوذا كلام الرئيس السوري في الشأن اللبناني!
ارجاء؟
ويلفت القطب الموالي انه لم يكن مصادفة ان يهجم الاسد على الامم المتحدة التي "لا تقوم بواجباتها، هي ومجلس الأمن، فهل نتوقع من مؤسسات صغيرة تنبثق عنها أن تعمل بشكل مستقل؟"، ومن ثم قوله انه "لا توجد ضمانات (في موضوع المحكمة الدولية) ولكن إذا كان هناك تسييس فلبنان أول من يدفع الثمن".
كما لم تكن مصادفة ان يأتي كلامه بعد ساعات من انتهاء مهمة الوفد الاميركي في العاصمة السورية وما تسرّب منها. فدمشق في عقيدتها وفي سلوكها – يضيف الديبلوماسي – لا يمكن ان تقبل أن يكون لبنان حاضرا معنويا وسياسيا وجسديا على طاولة أي محادثات اميركية – سورية، وهذه الفكرة سوّق لها في دمشق مساعد وزيرة الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الادنى جيفري فيلتمان، وابلغها الى من إلتقاهم في بيروت وتشاور بها مع المسؤولين الفرنسيين في محطته المختصرة في باريس.
ويشير الى ان الرئيس السوري استعاد السابع من ايار (مايو) 2008 فور تكلمه على الانتخابات النيابية، وهذه الاشارة المبطنة وما لها وما عليها وما يستتبعها من ترجمة لبنانية متوقعة عند حلفائه، الحقها فورا بإشارة صريحة الى ان عدم اجراء الانتخابات النيابية لن يأتي على لبنان بالكارثة، بل غياب التوافق هو الذي "يذهب بالاستقرار"!. وفي ذلك استعادة لاصرار المعارضة على تكريس الثلث في حكومة ما بعد الانتخابات. فالاسد يقول بوضوح ان فوز الموالاة في الانتخابات وذهابها الى حكومة تهمل هذا الثلث، وتهمل تاليا اتفاق الدوحة - والاهم الاحداث التي قادت الى هذا الاتفاق- هو التهديد بعينه، "فالنتيجة واحدة وهي تخريب الوضع في لبنان، والعودة باتجاه اللا استقرار بعد مرحلة من الاستقرار حصلت في أعقاب اتفاق الدوحة. بهذه المنهجية ننظر إلى الانتخابات في لبنان".
ويخلص الى القول: "دمشق تفضّل ارجاء الانتخابات النيابية سنة، لان الامور من وجهة نظرها ستستقيم لها، وستحدَّد طبيعة المصالحات العربية وافرازاتها".

Sphere: Related Content
بين الولادة القيصرية وصواعق التفجير .. المحكمة ابصرت
لبنان في لاهاي... و"حلم العدالة" واقعا؟
تعديلات شكلية على مذكرة التفاهم "لصون الحريات والخصوصيات" ولا تعطيل

الاسبوع العربي 16/3/2009
دقّت ساعة الصفر في لبنان في الاول من آذار (مارس)، واتجهت الانظار شاخصة الى هولندا حيث انطلقت المحكمة الدولية من مدينة لايدشندام الواقعة في ضواحي لاهاي، في احتفال رسمي حضره نحو 50 دبلوماسياً وأكثر 130 صحافياً عربياً، واعلن فيه مدعي عام المحكمة القاضي دانيال بلمار بدء المسار القضائي في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري. اذن، منتصف ليل السبت – الاحد 28 شباط (فبراير) – 1 آذار (مارس) ، رُفعت يدّ القضاء اللبناني وسار قطار المحكمة الدولية، بعد أربعة اعوام من تحقيق لم ينته بعد. وينتظر اللبنانيون أسماء القضاة الـ11 المعينين في المحكمة الذين سيرأسونها ويتولون إصدار القرارات بالإجماع، ومن بينهم أربعة قضاة لبنانيون لا تزال اسماؤهم غير معلنة لأسباب أمنية.
اغتيال الحريري كان زلزالا غيّر مجرى الاحداث بالنسبة الى وطن كان منسيا في غياهب الصفقات والتسويات الدولية والاقليمية. وربما لم يتوقع مرتكبو الجريمة ان يتفاعل انفجار السان جورج ليصبح "قضية المجتمع الدولي"، شغلته لاربعة اعوام ولا تزال، لتحقيق "عدالة" تأرجحت المواقف بين نزاهتها وتسييسها.
ولادة المحكمة جاءت قيصرية، فمنذما لاحت في الافق بشائر قيامها، واجهت عقبات جمة داخليا وخارجيا، الا انّ الارادة الدولية امتلكت الكلمة الفصل لتسير في انشاء محكمة "لانصاف الحقيقة والعدالة"، على ما يعتبر افرقاء كثر. تعذّر قيام المحكمة في العام 2006، لتعذّر موافقة رئيس الجمهورية آنذاك ولاقفال المجلس النيابي نتيجة الازمة السياسية التي عصفت بالبلاد، فأتت المحكمة بقرار من الامم المتحدة تحت الفصل السابع وليس وفق الاصول الدستورية اللبنانية، القرار حمل الرقم 1757 وجاء ملزما الزاما تاما للبنان.
قاضية لبنانية نائبة لبلمار؟
وفي وقت عانى لبنان اقسى الفترات السياسية والامنية منذ الـ2005 الى منتصف الـ2008 بسبب قيام المحكمة على ما يعتبر البعض، باتت الرغبة حقيقة ملموسة مع انطلاق المحكمة وباتت الاوساط المعنية تترقب تعيين الحكومة اللبنانية نائبا للمدعي العام الدولي من بين ثلاثة اسماء مرشحة، وفي هذا السياق علم انّ نائب المدعي العام في المحكمة هو قاضية لبنانية، رشحها بلمار شخصيا وطلب تسميتها مساعدة له نظرا الى خبرتها في ملف التحقيق في اغتيال الحريري خصوصا انها تشغل منصب المنسق بين القضاءين الدولي واللبناني. وذكرت بعض المعلومات ان قرار التعيين سيصدر عن الحكومة اللبنانية في النصف الثاني من آذار (مارس).
الى ذلك، وتحضيرا لانتقال كل الملف الى الامم المتحدة في اجراءات روتينية ضرورية تتطلب بعض الوقت ترفع يد القضاء اللبناني كليا عن القضية بعد انقضاء شهرين من الاول من آذار (مارس) حيث تعلن المرجعيات القضائية اللبنانية عدم صلاحيتها وتحيل كل الملفات مع الموقوفين الى المحكمة الدولية ومن بينهم بالطبع، الضباط الاربعة الموقوفين منذ ثلاثة اعوام ونيف، في وقت تشكّل قضيتهم محورا اساسيا مع اقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي وما قد يؤدي اليه قرار اطلاق سراحهم او الابقاء عليهم في السجن من ردود فعل لدى الرأي العام قد تترجم في صناديق الاقتراع، بعدما باتت قضيتهم مادة سياسية دسمة للتجاذب.
سيناريو قد يكون مشابها
وفيما بعض الامور راهنا تعود بذاكرة بعض المراقبين الى الوراء، شكّلت الاعتراضات التي اثارها وزراء المعارضة خصوصا وزير العمل محمد فنيش، ممثّل "حزب الله" في الحكومة حول مذكرة التفاهم بين الحكومة اللبنانية ومكتب النائب العام لدى المحكمة الدولية عاملا لاستذكار اعتراضات الوزراء الشيعة الخمسة على مشروع قيام المحكمة الدولية مع الامم المتحدة ما شكل في ذلك الوقت بداية لازمة سياسية مستعصية واعتصامات وتحركات في الشارع تجاوز بعضها المحظور. واسقاطا على الواقع الحالي، يتخوف هولاء من ان تكون الاعتراضات على مذكرة التفاهم مع مكتب النائب العام مشابهة للاعتراضات على قرار انشاء المحكمة منذ ما يقارب الثلاثة اعوام، ما قد يؤدي الى ازمة حكم جديدة خصوصا في ظل التهدئة السياسية الهشّة، لكنهم يستدركون بالقول بانّ المحكمة في الوقت الراهن اصبحت واقعا دوليا لا يمكن التراجع عنه ويعودون الى التفاؤل بالنظر الى الهدنة السياسية التي فرضها اتفاق الدوحة وعدم السماح بتعطيل عمل الحكومة بالانسحاب او الاعتكاف عن حضور الجلسات.
البند الثالث...تعديل شكلي
وفيما اثيرت الضجة حول خبر اعتراض وزراء المعارضة على المذكرة لا سيما بعد ان وصفها وزير منهم بالصاعق التفجيري، يبقى البند الثالث منها محور التحفّظ لانه يشير الى "ان السلطات اللبنانية ذات الصلة تضمن ان يكون مكتب النائب العام في المحكمة الخاصة حراً من اي تدخلات خلال قيامه بتحقيقاته في لبنان وان يتم تقديم كل المساعدة الضرورية له من اجل تحقيق تفويضه، وذلك يشمل:
-تقديم كل الوثائق والافادات والمعلومات العادية والادلة التي هي بحوزة السلطات اللبنانية.
-الصلاحية لجمع اي معلومات وأدلة إضافية: حسية وتوثيقية.
-حرية الحركة في كل انحاء الاراضي اللبنانية.
-امكان وصول غير مقيد الى كل الاماكن والمؤسسات.
-حرية الاجتماع بممثلين للسلطات الحكومية والمحلية وحرية استجوابهم، بالاضافة الى ممثلين لاحزاب سياسية، سلطات عسكرية، زعماء الجماعات، منظمات غير حكومية ومؤسسات اخرى، واي شخص يمكن ان يسعى مكتب النائب العام في المحكمة الخاصة من اجل لبنان للحصول على افادته في التحقيق في بيئة من الامان، السرية والهدوء".
وفي هذا السياق يعتبر وزراء المعارضة ان النقاط الواردة في البند الثالث من مشروع المذكرة تحتاج الى نقاش من أجل وضع ضوابط لها، لتأتي ضمن حدود تحمي الحريات وتحفظ خصوصيات المقامات السياسية او الدينية، وتحفظ السيادة ومبادئها.
ويقول مصدر واسع الاطلاع ان وزراء المعارضة سيتقدمون بملاحظاتهم على نص المذكرة، وسيطلبون بعض التعديلات في الشكل وليس في المضمون، لضمان الحفاظ على الغرض الذي من اجله انشئ التحقيق الدولي، ولصد اي فجوة قانونية او قضائية قد يتسلل البعض عبرها لتنفيذ مخططات سياسية – عقابية في حق شريحة واسعة من اللبنانيين انتهجت نهجا مضادا وممانعا لهذه الدول.
ويضيف: انّ قوى المعارضة لا ترى أن هذه الملاحظات تؤدي إلى خلاف تنقسم معه الحكومة على نفسها على غرار الخلاف الذي اندلع عند مناقشة موضوع إنشاء المحكمة وأدى إلى المقاطعة ومن ثم الدخول في أزمة سياسية استمرت عاما ونيفا، ما دام هناك حرص من كل الأطراف على تسهيل عمل المحكمة وصولاً إلى إظهار الحقيقة.
مذكرة ملزمة
وفيما اجمعت الآراء القانونية على الزامية مذكرة التفاهم مع المحكمة لانشاء مكتب لها في بيروت يحظى بحرية الحركة، يفنّد خبير قانوني قريب من قوى الرابع عشر من آذار (مارس) اسباب الزامية المذكرة بالنسبة الى الحكومة اللبنانية، ويقول: الحكومة اللبنانية لا يمكنها رفض هذه المذكرة، لانها واردة في نص المعاهدة لانشاء المحكمة تحت الفصل السابع وهي بالتالي ملزمة للبنان، لافتا الى انه بالامكان تعديلها "بالتفاهم بين الفريقين" اي بين الحكومة والامم المتحدة. ويؤكد انه عند انقضاء مهلة الشهرين، التي ينتقل في خلالها كل الملف الى المحكمة، يصبح مكتب المحكمة في بيروت المولج بمتابعة القضية في لبنان.
ويضيف الخبير القانوني: "علينا الا ننسى انّ المحكمة الدولية انشئت بموجب الفصل السابع بمعنى انها ملزمة لكل الدول، كما علينا الا ننسى ايضا انّه عندما كانت الدولة اللبنانية في صدد التحضير للمعاهدة بين لبنان والامم المتحدة وعندما جرت المفاوضات رفض رئيس الجمهورية آنذاك العماد اميل لحود ابرام المعاهدة وفق الدستور كما اقفل المجلس النيابي ولم تبرم المعاهدة وفق الاصول الدستورية اللبنانية. لذلك صدر القرار 1757 لانشاء المحكمة الدولية تحت الفصل السابع لتجاوز العقبات اللبنانية التي حالت دون ابرام معاهدة بين الدولة اللبنانية والامم المتحدة. فبات نظام المحكمة خاضعا للفصل السابع ومندرجا في اطار القرار 1757 وليس في اطار الاصول الدستورية اللبنانية، وذلك ليكون ملزما للبنان".
ويتابع: انطلاقا من هذه الحقائق، وجب ان يكون للمحكمة مكتب في لبنان لمتابعة التحقيقات فيه. وهذا المكتب يجب ان يقام بموجب تفاهم مع الدولة اللبنانية من هنا ضرورة توقيع مذكرة التفاهم التي تهدف الى ارساء اسس التعاون بين المحكمة والسلطات اللبنانية من خلال مكتب المحكمة الذي سيقام في لبنان لمتابعة التحقيقات.
ويعيد الخبير سبب اعطاء المكتب كل الحرية والصلاحيات الى حاجة القاضي دانيال بلمار الى استكمال ملفه بشكل دقيق والتحقق من الادلة التي بحوزته ليقدّم بعد فترة من الزمن ادلة دقيقة وقاطعة ومقنعة تحقيقا للعدالة.
ويؤكد انّ هدف مذكرة التفاهم بين الحكومة ومكتب النائب العام هو للسماح بحرية الحركة وجمع المعلومات والوصول الى الاماكن والتحقيق مع اي شخص. اذ انّ التفاهم او المعاهدة تحت الفصل السابع بين الحكومة اللبنانية والامم المتحدة ينصّ على ضرورة وجود "مكتب صلة" للمحكمة في بيروت. اذا ان هذه المذكرة منصوص عليها في المعاهدة ومن هنا فهي ملزمة للدولة اللبنانية.
واذ يشدّد على انّ الحكومة لا يمكنها رفض هذه المذكرة، يلفت الى انه في الامكان تعديلها "بالتفاهم بين الفريقين" اي بين الحكومة والامم المتحدة.
ويشير، في سياق شرحه، الى مدة الشهرين لكي يعلن القضاء اللبناني عدم صلاحيته في القضية واستلام المحكمة الدولية نهائيا الملف، عندها يصبح مكتب المحكمة في لبنان مولج متابعة التحقيقات بصفته ممثلا عن المحكمة الدولية في بيروت مع كل المراجع المختصة والمعنية وفق مذكرة التفاهم مع الدولة اللبنانية. وعندها ايضا تضطلع الحكومة بدور المتابع والمواكب للقضية مع المحكمة الدولية وفق هذا التفاهم ايضا.

Sphere: Related Content
"توصيات" اكاديمية اميركية لكل من واشنطن وبيروت لتطوير المؤسسة العسكرية
الجيش بعد الانسحاب السوري: مليار دولار وتحييده عن التناحر
برنامج حافل لقائد الجيش في واشنطن: مساعدات وزيارة منشآت
الاسبوع العربي 9/3/2009
"احترام المؤسسة العسكرية" عنوان لتنمية حسّ المواطنية للفرد. ففي التاريخ والسياسة والتربية يتعرّف المواطن الى دور الجيش في حماية الوطن وصون سيادته واستقلاله وردع خطر الاحتلال او الحرب. وتستند التنشأة الوطنية الى واجب وضرورة احترام الجيش مرتكزا لبلورة حسّ الانتماء الى الوطن. والجيش القوي يعادل الدولة القوية القادرة.
"تسليح الجيش اللبناني" شعار يرفع احيانا كثيرة للمزايدة السياسية او الانتخابية في اطار الصراعات الداخلية، وعنوان للكثير من الوعود الخارجية ولا سيما الاميركية، تماهيا مع السياسة التي انتهجتها الولايات المتحدة منذ العام 2005 تجاه لبنان والمرتكزة على الدفاع عن سيادته والمساعدة على قيام دولة قادرة وعادلة فيه تبسط سيطرتها على كامل اراضيه من دون الاستمرار في وجود مناطق خارجة عن سلطة الدولة الشرعية، وهذا ما يتطلب لتحقيقه جيشا قويا يجب ان يفوق بقدراته قدرات "الميليشات المسلحة والارهابية" بحسب مقاربة اميركا- جورج بوش للمقاومة.
بيع الجيش اللبناني الكثير من الوعود والقليل من الافعال. وعلى رغم الظروف الامنية التي واجهها في الفترة التي شهد في خلالها لبنان مراحل حالكة من تاريخه، بقيت الوعود بتسليحه حبرا على ورق او مجرد كلام للاستهلاك الاعلامي، لانّ المعادلة السياسية والامنية في الاقليم، كما هو واضح للجميع، لا تستوعب او لا تسمح بتقوية الجيش اللبناني في ظل موازين القوى وخصوصا الحديث الاميركي – الاسرائيلي المستمر عن الخوف من ان تتسرب المساعدات العسكرية التي قد تخصص للمؤسسة العسكرية، الى تنظيمات مسلحة، و"حزب الله" تحديدا.
زيارة مهمة في التوقيت
في مشهد قد يبدو للكثيرين تسابقا سياسيا على حصد الدعم في اطار التنافس السياسي، كثرت في الفترة الاخيرة الرحلات اللبنانية الى عواصم القرار الدولي في مساع للحصول على الدعم والمساعدة للجيش اللبناني، الذي اكتسب اثر معركة مخيم نهر البارد صورة مضيئة مزجت القدرة والبسالة باللحم والدم، وصولا الى الانتصار على الارهاب مستخدما أبسط الامكانات المادية واللوجستية.
وفي زيارة هي الاكثر منطقية لانها تندرج في السياق العسكري – القني – المهني وليس السياسي، قصد قائد الجيش العماد جان قهوجي الولايات المتحدة الاميركية للبحث في سبل الدعم. وأعد للعماد قهوجي برنامح حافل، وكان من بين لقاءاته، اجتماع مع قائد القيادة المركزية الجنرال ديفيد بتراوس الاميرال مايكل مولين رئيس هيئة الاركان المشتركة الذي اقام عشاء على شرفه، وتمّ البحث بمنح الجيش اللبناني طائرات من دون طيار للمساعدة على مراقبة الحدود وضبطها. كما كانت له اجتماعات عدة مع مسؤولين في وزارتي الدفاع والخارجية لا طابع سياسيا لها، ابرزها مع مساعد وزيرة الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الادنى السفير جيفري فيلتمان الذي ابلغ اليه استمرار دعم واشنطن للبنان ولتطوير قدرات الجيش وتعزيزها.
وعلم ان برنامج زيارة قهوجي استغرق شهرين، وشمل زيارة المنشآت العسكرية في واشنطن وجورجيا وفلوريدا.
ولن يقف الدعم العسكري عند حدود طائرات الاستكشاف من دون طيار، ثمة بحثا في اطار هبة الـ 500 مليون دولار، في دبابات "ام 60" وانواع متعددة من الاسلحة المختلفة حاجة مختلف الوحدات العسكرية في الجيش.
وبحسب مواكبين للزيارة فانها تكتسب اهمية، اذْ لم يمض على تسلّم العماد قهوجي قيادة الجيش سوى اشهر قليلة، اضافة الى انها جاءت في وقت يبرز فيه اصرار على اثارة سجال حول عقيدة الجيش، والغمز من قناة تدريبه على رغم انه لم يوقف تعاونه مع واشنطن منذ العام 1982. ويلفت هؤلاء الى انها ليست زيارة سياسية، فلا تغيير في سياسة الجيش الذي هو تحت سلطة رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء، مشيرين الى ان وزارة الدفاع الاميركية هي الوحيدة التي لم تشهد تغييرات جذرية في الادارة الجديدة، ولا يزال برنامج عملها قائما، ومن ضمنه مساعدة الجيش اللبناني واللقاء مع قائده. وأهمية الزيارة تكمن في انها تضع الجيش في دائرة اهتمام واشنطن، وتضاعف من رصيده بعد النجاح الذي حققه في معركة مخيم نهر البارد، وما يمكن ان يواجه من تحديات.
الجيش... بعد الاستقلال الثاني
وفي تقدير ايجابي لقدرة الجيش اللبناني بنظر المجتمع الغربي، يسلّط تقرير صاغه مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن تحت عنوان "التحديات والفرص للجيش اللبناني بفترة ما بعد الانسحاب السوري" الضوء على دس التحديات التي تواجه تطويره في مرحلة ما بعد الانسحاب السوري من لبنان.
ويقول التقرير: "لقد اسهم الإنسحاب العسكري السوري من لبنان في نيسان 2005 بإعادة تحديد دور القوات المسلحة اللبنانية، كما أسهمت الأحداث المتسارعة، داخلياً وخارجياً، في ممارسة ضغوط كثيرة على مؤسسة الجيش. فشكّلت مرحلة ما بعد الانسحاب السوري "مسابقة" حول تحديد مستقبل مؤسسة الجيش وإتجاهاتها العقائدية.
لقد أثبتت مؤسسة الجيش بعد الإنسحاب السوري انها واحدة من المؤسسات القليلة في لبنان التي حازت على ثقة الشارع اللبناني كلّه. لكن تطوير هذه المؤسسة في الفترة الممتدة بين العامين 2005 و2008 لم يعكس الأهمية المتزايدة لها في تأمين الأمن اللبناني الداخلي وأمن المنطقة.
وتكشف التحليلات الأخيرة أن الجيش اللبناني أصبح اكثر تمثيلاً، وأكثر توازناً وأكثر قدرة كقوة مقاتلة. بل أكثر من ذلك، يرى الكثيرون أن لبنان لم يكن قادراً على مواجهة تداعيات وتحديات ما بعد الإنسحاب السوري لولا وجود الجيش اللبناني، وهذا ما يجعل الكثير من الجهات المحلية والإقليمية تقدّر دور الجيش كعامل إستقرار داخلي وإقليمي".
ويضيف التقرير: "الاحزاب اللبنانية والحلفاء الخارجيون للبنان وخصوصا الولايات المتحدة الاميركية، سيواجهون تحديات كبيرة في السنة 2009 وما بعدها على طريق تطوير الجيش اللبناني. وإذا كان الجيش يبحث عن فرص تعزز موقعه فعليه إذاً الإستفادة من الوقت الحالي الذي يقدم له فرصة كبيرة لا بد من متابعتها بشكل جاد.
ولتعزيز قوة الجيش اللبناني ووضعه في السنة 2009 وما بعدها، ثمة توصيات عدة يجب إتباعها:
-إيقاف محاولات الجهات اللبنانية المتناحرة إعادة توجيه مؤسسة الجيش، (وهذه المحاولات) ترمي الى تقويض فاعلية مؤسسة الجيش بصفتها مؤسسة وقوة مقاتلة.
-على الحكومة اللبنانية أن تتحرك بشكل سريع لتوفير المليار دولار التي يحتاجها الجيش لتأمين التطوير الأساسي. ولتحقيق ذلك، يجب ان يخصص 4 الى 5% من الناتج المحلي الاجمالي للإنفاق على الدفاع الوطني لمدة 3 سنوات.
-أي محاولة لتعزيز الجيش اللبناني بهدف محاربة "حزب الله" هي محاولة فاشلة، فالشيعة يشكّلون 30% من نسبة العاملين في السلك العسكري. وعلى الولايات المتحدة ان تعترف أن بناء الجيش اللبناني بشكل يجعله قوة ردع ضد جيرانه تقوّض منطق "حزب الله" بشأن ترسانة أسلحته.
-سياسية الولايات المتحدة تجاه الجيش اللبناني تبدو غير واضحة ومسيئة للجهود الأميركية المبذولة في سبيل تعزيزه بصفته مؤسسة إيجابية في لبنان والمنطقة. لذلك، يجب توضيح هذه السياسة الغامضة، وعلى الولايات المتحدة أن تحدد بوضوح ما إذا كانت تريد تزويد الجيش اللبناني بأنظمة سلاح ثقيلة تحتاجها هذه المؤسسة في إطار تطوير قوتها.
-لم تترجم زيادة المساعدات العسكرية الاميركية الاخيرة للبنان بشكل مساعدات الى وزارة الدفاع، وعلى الكونغرس الاميركي أن يجعل التمويل المخصص للمساعدات العسكرية الى الجيش اللبناني إنعكاساً للإعتراف الأميركي بإحتياجات هذه المؤسسة.
-يجب على الولايات المتحدة أن تقوم بنوع من عملية إصلاحية أو أن تعيد النظر في آليات عمل قسم المبيعات العسكرية الخارجية والتمويل العسكري الخارجي لديها، بشكل يسرّع تسليم المعدات العسكرية الى لبنان.
دعم اعتدالي
على خط مواز للحركة الاميركية لتدعيم الجيش اللبناني، يقرأ بعض المراقبين تحركا لدول الاعتدال في هذا الصدد. ويقولون انه "ازاء تحرك محور الاعتدال حيال دمشق والدعم السياسي والمالي الذي يقدَّم الى العراق والسلطة الفلسطينية، يأتي دعم المؤسسة العسكرية في لبنان في مقدم اهتمام هذا المحور الذي يسعى الى جذب سوريا الى مع اعلان حرصه الشديد على عدم عودة التدخل السوري في لبنان. لكنه في المقابل يدرك تماما أن لا بد من مواجهة أي محاولة للعبث بأمن لبنان الذي يمكن ان يكون ساحة يتسلل اليها الاصوليون او أي عابث بالامن في المرحلة التي تسبق الانتخابات. ويدرك المحور ايضا ان كلفة أي محاولة لعزل ايران والحد من تحركها في لبنان ستكون باهظة. لذا تحولت الانظار الى دعم الجيش، ليس من باب تحضيره لمواجهة انما لتمكينه من بسط سلطته وحيدا على الاراضي اللبنانية. وكذلك تدخل هذه المحاولة في اطار سعي حثيث الى ابقاء المؤسسة العسكرية خارج التجاذب الداخلي، حتى لا يدفع لبنان ثمنا مكلفا للمس بهذه المؤسسة.
ويضيف هؤلاء المراقبون انه بعد حوادث 7 ايار وحرب غزة والتهديدات التي اطلقت في اتجاه بعض العواصم العربية، ظهر انه لا بد من عزل أي حال عسكرية او أمنية مدعومة من ايران في فلسطين ولبنان وغيرهما من الدول العربية، وان ما جرى في لبنان لا يمكن منع تكراره الا من خلال تعزيز سلطة الجيش، لأن تداعيات ما حصل حينه في الجبل وبيروت، استمرت تتفاعل في الاوساط العربية وخصوصا بامتداداتها المذهبية.
ويلفتون الى انّه انطلاقا من كل هذه الاسباب بدا ان ثمة قرارا مركزيا عربيا يقضي بتحقيق خرق جوهري في تسليح الجيش وتدريبه، لذا جاء الدعم لشراء طائرات "الميغ" الروسية وتأمين تجهيزاتها وتمويل التدريب وايواء الطائرات. وشكل الجواب الروسي على العرض اللبناني بعد زيارة رئيس "كتلة المستقبل" النائب سعد الحريري ثم وزير الدفاع الياس المر لموسكو ، مفترقا مهما في عدم التزام أي ضوابط لتزويد لبنان طائرات عسكرية. في حين أعلنت مصر مساعدتها للجيش في اعداد دورات تدريب وتسليح، وحفل اكثر من تقرير أمني غربي بكلام كثير على أهمية هذه البادرة الاولى من نوعها التي يقوم بها الجيش المصري حيال أي جيش عربي، اضافة الى اعلان الامارات العربية المتحدة تزويد الجيش عشر طوافات من نوع "بوما" وإبداء الاستعداد لمساعدات عسكرية اخرى.