الاثنين، 26 أبريل 2010

Sphere: Related Content

"الغرور القاتل" يزجّ المنطقة في حرب جديدة.. وظروف الـ1976 قد تتكرر

لبنان مجددا صندوق بريد ومجال تشابك اقليمي ودولي!

"لبنان ضحية الأزمة الأميركية التي تسعى إلى ترميم العلاقات مع دمشق وابعادها عن إيران"

هل يتقصّد المجتمع الدولي تغذية الفوضى في لبنان؟

ينشر في "الاسبوع العربي" في 3/5/2010

عاد لبنان اسير التوتر على خلفية التقاصف الدولي - الاقليمي في ضوء ما سمّي ازمة صواريخ "السكود". ولم تشفع التطمينات الرسمية والديبلوماسية في تبديد الهواجس من كثرة التهديدات والانذارات.

ثمة انطباع واسع بأن لبنان يتحوّل مجدداً صندوق بريد لمختلف الرسائل العربية والدولية، على خلفية الازمات المتناسلة التي تعصف به -بعضها مفتعل وبعضها مدبر بعناية- ونتيجة تشظي بنيان مرحلة ما بعد الرابع عشر من شباط (فبراير) 2005، وما لحق بها من انتكاسات وتبلور اصطفافات جديدة.

ليست ازمة صواريخ "السكود" اولى تلك الازمات المتسلسلة ولن تكون، بالتأكيد، آخرها. فالفالق السياسي المتحرك بإستمرار يضع البلد على فوّهة من البراكين وعلى خط من الزلازل السياسية، يحعل الازمات نتيجة مباشرة لها، خلافا لطبيعة الانظمة التي غالبا ما تبحث عن الاستقرار والسكينة.

ويستقيم الكلام على عودة لبنان صندوق بريد مع الحركة الدولية والعربية الكثيفة في اتجاهه، في ظل تنامي التهديدات الاسرائيلية وغموض الموقف الاميركي حيال ما سمته واشنطن تزويد سوريا "حزب الله" بتكنولوجيا صواريخ جديدة.

في اسبوع واحد، نشط الموفدون الدوليون من وزيرة العدل الفرنسية ميشال اليو ماري، الى وزير الخارجية المصرية احمد ابو الغيط، فرئيس حكومة قطر الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني.

العودة المصرية

وأتت زيارة رئيس الديبلوماسية المصرية، المنكفئة عن لبنان منذ ايار (مايو) 2008، إثر معطيات عن تقاريراستخبارية غاية في الأهمية، تتوافر لدى واشنطن، وتتحدث عن سباق إسرائيلي - إيراني يتسارع نحو حرب إقليمية في الشرق الأوسط، في خلال هذا العام، وسط مؤشرات عن تحضيرات واستعدادات واستنفارات متبادلة تجري لدى كل طرف، تؤشر لإمكان حدوث هذه الحرب في أي وقت.

وتشير هذه التقارير الى ان أبو الغيط كان احد الذين إطّلعوا من وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون على هامش اجتماعات قمة الأمن النووي في واشنطن، على هذه المحاذير الاميركية لا سيما ان الاستخبارات الأميركية واخرى تابعة لوزارة الدفاع راكمت طيلة الفترة الاخيرة في عملها في الشرق الأوسط، معطيات مقلقة كان لا بد من مشاطرتها مع عدد من العواصم العربية بغية اخذ الحيطة والاسهام في الحد من التوتر البالغ وإبطال شرارة الحرب.

تشابك إقليمي في لبنان

في الموازاة، تتخوف بعثات ديبلوماسية من تشابك الإقليمي يتغذى من التناقضات اللبنانية يؤدي الى أذيّة الاستقرار الهش، المضطرب في الاصل على وقع نزعة لجعل لبنان مساحة لتصفية الحسابات الدولية والاقليمية في ظل انسداد إقفال افق استئناف المحادثات بين الفلسطينيين والإسرائيليين من جهة، وتوتر العلاقة بين الغرب وإيران على خلفية ملفها النووي من جهة اخرى.

وتثمّن هذه البعثات التحرك اللبناني الرسمي في عواصم القرار، "لأن من الاهمية بمكان مواصلة رفع الصوت لدرﺀ المخاطر المتوقعة والسعي لدى أصدقاﺀ لبنان لممارسة جهود إضافية تطوّق اي اتجاه اسرائيلي للهروب من الاستحقاقات السلمية المترتبة على تل ابيب وحكومتها، من خلال تكرار تجارب حربية سابقة، واتباع خطوات القفز البهلواني غير المدوزن".

تضخيم ومصلحة مشتركة

وتتحدث عواصم معنية عن وضع شديد التعقيد نتج من تشابك اقليمي في الملفات الايرانية والعراقية والفلسطينية، ومع عودة الملف الإيراني الى مسار العقوبات والتصادم ودخول العراق في مرحلة انتقالية من العنف والفراغ، وعدم تحقق أي تقدم في عملية السلام، وخصوصا على المسار الفلسطيني – الاسرائيلي.

ولا تخفي هذا العواصم ارتيابا حيال تضخيم ازمة صواريخ "سكود" والاتكاء عليها لإثارة توترات اقليمية جديدة، بخلفيات قومية - قطرية، هذه المرة، لا مذهبية كما هو حاصل في العراق.

وتشير الى ان ثمة مخاوف من تقاطع أميركي ـ إسرائيلي، بتحريض من اللوبي ايهودي في واشنطن، على ان الحرب مصلحة مشتركة للهروب من إحراجات التسوية المعطّلة والأزمة التي تعصف بعلاقاتهما، لاسباب عدة منها:

-ان واشنطن ستُشغل، في الخريف الآتي، بالانتخابات النصفية للكونغرس التي تحدد امكان الولاية الثانية للرئيس باراك اوباما فترة رئاسية ثانية أو عدمه، وبالانسحاب الأميركي المتوقع من العراق، وبالخوف من ان تسارع ايران، كما فعلت بعد اسقاط نظام صدام حسين، الى ملء الفراغ الأميركي. وبما ان الشرق الأوسط أُنهك من عدم التوازن وفقدان الاستقرار، فإن وقوع أي خطأ في التقدير والحسابات سيؤدي حتما الى كارثة إقليمية، ستكون الحرب احدى تجلياتها.

-ان إسرائيل تلجأ، في كل مرة يشتدّ الخناق عليها، أنى كان رئيس وزرائها، الى الخيار العسكري، ومساحاته اثنتان: في غزة وفي لبنان. وهكذا تلوح بيارق الحرب كلّما سُدّت آفاق التسوية او أتت المحاثات التمهيدية بما لا يتناسب ومصالحها ومقارباتها. كما تلوح هذه البيارق كلّما استشعر المستوى العسكري الاسرائيلي ان ثمة ما يتهدد ميزان القوى الاستراتيجي والتفوق الذي بنى عليه الجيش عقيدته الحديثة التي تعتبر ان من شأن امتلاك 'حزب الله' قدرات استراتيجية ان يغيّر قواعد اللعبة، إذ قد يسمح له ذلك باستهداف كامل الأراضي الإسرائيلية انطلاقاً من قواعده في أقصى الشمال.

وثمة ما يشير الى ان عامليّ إنسداد افق التسوية والخلل في ميزان القوى الاستراتيجي، يتضافران راهنا، ويحضّان تل ابيب على الحرب.

-ان اسرائيل والولايات المتحدة تعتقدان ان تحريك المياه الراكدة، يستوي حصرا بإحياء نظرية ان القيادة السورية لن تقدم على خطوات دراماتيكية في ملف السلام الا في ضوء حرب تكسبها الشرعية الشعبية الداخلية من جهة، والشرعية العربية من جهة اخرى، وان هاتين الشرعيتين ستؤمنان الغطاء لخطوات غير متوقعة ستقدم عليها القيادة السورية في مرحلة ما بعد الحرب!

كما تعتقد الولايات المتحدة واسرائيل ان سوريا قد تستفيد من ظروف الحرب كي تصحح اختلالا في التوازن سمح لإسرائيل بتجاهلها حين يحلو لها. لذلك تسعى دمشق جاهدةً منذ عقود إلى تحقيق تكافؤ استراتيجي، وهو هدف مثالي استحال تحقيقه مع انهيار الاتحاد السوفييتي.

غرور قاتل

وترى مراكز بحثية اميركية ان التقارير بشأن إرسال سوريا صواريخ "سكود" إلى 'حزب الله'، أو على الأقل استعدادها لنشرها عبر الحدود مع لبنان، ذكّرت الجميع في المنطقة بأنه وسط الغرور، قد تنشب حرب مدمرة بمجرد وقوع خطأ في الحسابات.

وتستبعد هذه المراكز كلاما في واشنطن على ان التقارير الاسرائيلية الاتهامية ربما تكون مجرد معلومات مضللة ترمي الى تحويل مسار المساعي الأميركية المترددة للتحاور مع سوريا بعد خمسة اعوام من التباعد بينهما، أو لصرف النظر عن التوتر في العلاقات بين الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

وترى المراكز البحثية انه في حال صحة التقارير بشأن نشر الصواريخ، فعندئذ سيتسع، لا شك، الصراع المقبل بين إسرائيل و"حزب الله" ليشمل سوريا، مستذكرة انه المرة الأخيرة التي اشتبكت فيها القوات السورية والإسرائيلية كانت في العام 1982 في وادي البقاع، وحينها تلقى الجيش السوري، ولا سيما قواته الجوية، ضربة موجعة، لكن إسرائيل كانت منشغلة في محاربة منظمة التحرير الفلسطينية ولم يكن في نيتها توسيع حدود الصراع. بنتيجة الأمر، رُسمت خطوط حمراء جديدة حولت لبنان منطقة نزاع ومنافسة بالوكالة. لكن هذه المرة، تضيف هذه المراكز، بدأت اللهجة بين البلدين تزداد حدّةً، فالنظام في سوريا يدعم "حزب الله" علناً، وقد أخبر الرئيس السوري بشار الأسد نظيره الفلسطيني محمود عباس بأن 'ثمن المقاومة ليس أغلى من ثمن السلام'، في حين شبّه وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، "حزب الله" بفرقة في القوات المسلحة السورية، وأفاد أن إطاحة نظام الأسد ستكون مهمة سهلة.

لبنان ضحية محتملة!

وتشير مراكز الابحاث الى ان "لأزمة الصواريخ بُعدا آخر تم تجاهله، ويكمن في مدى هامشية الدولة اللبنانية، ففي النهاية، كان من المتوقع أن يناقش القادة السياسيون بأطيافهم المختلفة استراتيجية نظام دفاعي في مؤتمر الحوار الوطني الذي شكّل محاولة فاشلة أخيراً لمعالجة مسألة سلاح "حزب الله". فالحزب لم يشاطرهم تفاصيل بشأن استعداداته العسكرية، جزئياً لدواع تتعلق بالسرية، وأيضاً لأنه يعتبر نفسه وخططه العسكرية فوق أي نقاش".

وتخلص هذه المراكز الى ان "الجولة المقبلة من الحرب قد تشهد هجمات على بنى تحتية أساسية لبنانية، ومبان حكومية ومنشآت للجيش. ومن شأن ذلك أن يجر كامل البلاد إلى الصراع، لكن مجدداً من دون إجماع وطني حول سبب القتال أو هدفه. ويكون لبنان بذلك من ضمن الضحايا الأخرى المحتملة للأزمة السياسية الأميركية التي تسعى إلى ترميم العلاقات مع دمشق والتي تقوم على فكرة أن الولايات المتحدة تستطيع جذب سوريا إلى صفها بعيداً عن إيران. وعندذاك سيكون واردا احتمال عودة القوات السورية، في حال غزّى العالم مجدداً الفوضى في لبنان... حدث ذلك في عام 1976، وقد يحدث مجدداً".

الاثنين، 19 أبريل 2010

Sphere: Related Content

خمسة تحديات تواكبها .. فهل تحاصرها

حكومة السنوات الاربع ام السنة اليتيمة؟

تنامي همس التبديل او التغيير الوزاري بعد الانتخابات البلدية

ينشر في "الاسبوع العربي" في 26/4/2010

حكومة السنوات الاربع، كما توقّع لها كثر في لبنان والخارج، قد لا تكمل عامها الاول نتيجة مجموعة من التبدلات والتغيرات قد تفضي الى تبديل حكومي محدود، او حتى الى تغيير جذري واسع.

لم تطوِ حكومة "الانماء والتطوير"، قبل اسابيع قليلة، ايام السماح المائة، حتى تزايد الهمس عن احتمال تغيير وزاري واسع، إما لضخ دماء جديدة في الشرايين الحكومية بعدما فوجئ مرجع او اكثر بضحالة وتواضع اداء من كلّفه تمثيله في الحكومة، وإما لعكس التموضعات السياسية والتحالفية الجديدة منذ انعطافة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط في الثاني من آب (اغسطس) 2009، وما تبعها من تغيرات دراماتيكية على مستوى الاصطفافات وصولا الى زيارته لدمشق واعلانه ترك الخيار الوسطي و"المنزلة ما بين المنزلتين"، للتموضع في موقعه القديم ما قبل العام 2004، وربما ما قبل خطابه البرلماني الشهير الداعي الى اعادة تموضع الجيش السوري، في العام 2000، جنبا الى جنب مع النائب الراحل البير مخيبر.

تتعدد المقاربات التقويمة لأداء الحكومة، وهي التي منيت منذ يومها الاول بالكثير من الجراح، من البيان الحكومي الى تأخر اقرار قانون الموازنة، مرورا بسقوط الاصلاحات الانتخابية والادارية والاقتصادية. لكن يبقى القاسم المشترك في هذه التقويمات، هو ان التعثّر كانت السمة الحكومية الرئيسة، بصرف النظر عن اسبابه ودوافعه الواقعية والمفتعلة، وان الواقع لم يكن على قدر الامل الذي رافق التسمية والتأليف فإلانطلاقة، ما تسبب بهزالة في الاداء وقصور في ترجمة اولويات الناس واحتياجاتهم الملحة.

ولا يخفى ايضا ان وزراء عدة لم يظهروا على المستوى المطلوب، لا سياسيا ولا اداريا، اذ كثرت زلاتهم وتعددت اخطاؤهم وتنوعت الانتقادات التي طالتهم، حتى من المراجع التي جاءت بهم.

اولى التحديات

حفلت مئة يوم ونيف من عمر حكومة الرئيس سعد الحريري بمجموعة من التحديات السياسية "الكيانية" بالنسبة اليها:

-اولها يتمثل في آليات الادارة السياسية للدولة في ضوء الاصطفافات الجديدة والتفاهمات العربية الحاضنة والمحيطة. ومثّلت زيارة الحريري الى دمشق صدارة هذه الاهتمامات الاداراتية، مع الانعطافة الايجابية على مستوى العلاقة اللبنانية – السورية، وعلى مستوى علاقة رئاسة الحكومة اللبنانية برئاسة الجمهورية العربية السورية، بعد خمسة اعوام من التجاذب والخلاف والخصام.

نجح الحريري في عبور اول استحقاقاته الزعماتية، على وقع اولى خطواته في قصر المهاجرين. وهو يستكمل راهنا التحضيرات لزيارته الثانية التي مهّدت لها في دمشق زيارة الوفد الاداري الذي ترأسه وزير الدولة جان اوغاسابيان، بعد انتكاسة نتجت من تركيبة اولى للوفد اعتبرتها دمشق هزيلة ولا تعكس ضخامة ما يطرح من ملفات وعناوين على مستوى الاتفاقات الثنائية المنوي تعديلها او اعادة النظر فيها او استحداثها.

-وثانيها، يتمثل في تثبيت آليات الادارة المالية للدولة، وهو امر لن يكون يسيرا نظرا الى التمايزات بين فريقي الحكومة في مقاربة مشروع قانون الموازنة الذي تقدمت به وزيرة المال ريا الحسن، والذي سيكون موضع اخذ ونقاش واسعين. ومن غير المتوقع ان ينتهي امر اقرار الموازنة بالسهولة التي تتمناها رئاسة الحكومة، نظرا الى الهوة في قراءة مالية الدولة وآليات اقرار الاصلاحات البنيوية والضريبية.

-وثالثها، يتمثل في صوغ آليات الادارة المؤسسية الادارية والامنية والقضائية، وهو بدوره ليس بالامر السهل، نظرا الى التمايزات بين فريقيّ الحكومة في قراءة هذه الآليات. والاخذ والرد الطويلين حول إقرار آلية تعيينات الفئة الاولى والترقيات الوظيفية قد يكون المثال الابرز على ما ينتظر الحكومة من تحاصص وتقاسم وتجاذب.

-ورابعها، امني – قضائي – سياسي مختلط، يتعلق بإستحقاق المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، بعدما صار الانطباع الطاغي ان المحكمة، واستطرادا الادعاء الدولي، صارت قاب قوسين من اطلاق آليات المحاكمات. وليس خاف ان هذا الملف يمثّل الاستحقاق الابرز والاخطر، وتتطلب ادارته لبنانيا عناية ودراية واسعتين وبدء صوغ مظلة واقية لما قد يحمل القرار الاتهامي من مفاجآت، ولما قد يعترض هذا القرار من مطبات، لتستوي عندها المعادلة الجنبلاطية: الحقيقة شيئ، اما العدالة فشيئ آخر!

-وخامسها موضعي قريب (بعد اسبوعين)، يرتبط بآلية إدارة استحقاق الانتخابات البلدية والاختيارية، وهو الاستحقاق الاول في عهد حكومة الانماء والتطوير والذي قد يشكل فرصة لانطلاق عملية اصلاحية ادارية سياسية واسعة تنظر رئاسة الجمهورية حلولها لتحريك المياه الراكدة التي طبعت العامين الاولين من العهد الرئاسي، بعدما كان الامل في ان تشكل الانتخابات النيابية جسر عبور لتحقيق الاصلاحات. ولا يبدو ان الحكومة قاصرة عن ادارة هذا الاستحقاق، لكن الاهم يبقى ماذا بعد النجاح في هذه الادارة.

تغيير ام تبديل؟

تتطلب هذه الادارات الخمس، مجتمعة ومتفرقة، جهوزية استثنائية، قد لا تتيحها كلها المناكفات المتوقّعة على شاكلة ما سبق وما تكرر في الايام المئة ونيف الفائتة. ذلك ان بعض هذه الادارات لا يحتمل تأخيرا في القرار، وبعضها الآخر لا يحتمل تلكؤا في التنفيذ.

ولعل تعدد هذه الادارات، وتناسل التحديات المرتبطة، اطلق موجة من التكهنات طالت مصير الحكومة نفسها، في ضوء رغبة البعض في التغيير او سعي البعض الآخر (المحلي والاقليمي) الى تكريس الاصطفافات الجديدة حكوميا، واستطرادا تسييلها وبدء تقاضي اثمانها!

تأسيسا على ذلك، تنامى الحديث عن التغيير او التبديل الحكومي في الصالونات السياسية من غير ان يثبّت موعدا لتحقيقه. ولعل هذا التأرجح هو الذي يترك هذا الحديث مكتوما واسير الكواليس، بعدما سبق للبعض ان ضرب له موعدا يلي مباشرة الانتخابات البلدية والاختيارية او قرار (تم التغاضي عنه في اللحظة الاخير) ارجاء هذه الانتخابات.

لا يُخفى في الوسط السياسي ان ثمة رهانا على ان استمرار سقوط الحكومة في استحقاقيّ الموازنة او التعيينات من شأنه ان يكرس التغيير او التبديل الحكومي، ويثبّت موعده على ابواب الصيف الآتي، ذلك ان كثرة الاهتزازات المتوقعة بعد الانتخابات البلدية والاختيارية، بدءا وليس انتهاء بموجة عارمة من الاضرابات العمالية ذات الطابع المطلبي والاجتماعي، قد تشكل مناسبة توظيفية كي يتحقق هذا التغيير او التبديل الحكومي.

كما ان المبادرة قد تكون سياسية من باب الرابية نفسها، وخصوصا ان رئيس تكتل "الاصلاح والتغيير" النائب العماد ميشال عون لا يخفي اطلاقا احتجاجه الشديد على آليات الادارة الحكومية في اكثر من ملف اجتماعي ومطلبي وسياسي، من الموازنة وما تشمل من خصخصة وسياسة ضريبية جديدة، الى هيئة الحوار الوطني، وقبلها التعيينات في هيئات الرقابة، وربما ردا على ما يُردِّد انه صفقة سياسية اطاحت الاصلاحات التي اقرتها الحكومة على قانون الانتخابات البلدية والاختيارية.

وكانت جهات عدة قد حاولت تفسير اعلان وزير الطاقة والمياه جبران باسيل، على اثر تثبيت موعد الانتخابات البلدية وارجاء الاصلاحات المفترضة، ان الحكومة تتآمر على الشعب. وتبيّن ان التفسير الاقرب الى الواقع خلص الى ان هذا الموقف قد يكون اعلانا مسبقا او مبكرا عن رغبة عون في سحب وزراء تكتل "التغيير والإصلاح" الخمسة من الحكومة، لا سيما ان هذا الامر قد يتكرر في حال لم يحصل الرجل على حصة كاملة يطالب بها في المجلس البلدي لمدينة بيروت، ردا على عدم الاخذ بإقتراحه تقسيم العاصمة الى دوائر ثلاثة، في استعادة لما كان عليه شكلها في الانتخابات النيابية الاخيرة.

ومن نافل القول ان هذه الرسالة السياسية الاعتراضية تشمل كل شركاء عون في الحكومة، بلا استثناء، بمن فيهم "حزب الله".

ملاقاة اقليم متغيّر

ولا يسقط الحديث عن تغيير او تبديل حكومي رغبة اقليمية في ملاقاة الاصطفافات الجديدة والتحديات المنتظرة والمتوقعة وخصوصا تلك المرتبطة بالملف النووي الايراني، وما نتج عن التفاهمات العربية من ارهاصات وتغيّرات على مستوى العواصم العربية من بغداد الى صعدة.

ولا يُخفى ان دمشق تتطلع الى حكومة اكثر التصاقا به تتيح لها من جهة حصر كل اوراق القوة، ومن جهة اخرى تسييل وتثمير حوارها مع الولايات المتحدة الاميركية وخطواتها في العراق وفلسطين واليمن. ولا يتحقق هذا التسييل او يكتمل، من دون ارساء معادلة حكومية جديدة لا تحتمل من وجهة النظر السورية المعادلات الهندسية القديمة والي فاتت بفوات مبرراتها، كالـ 15 – 10- 5 وما سبقها.

كما لا يُخفى ان هذا التطلع السوري قد يكون بابا من ابواب الضغط على رئاسة الحكومة في اتجاه احداث ما تراه دمشق مناسبا من تغييرات في الادارة السياسية والحكومية اللبنانية، عشية الزيارة المرتقبة للحريري الى العاصمة السورية.

وثمة من يعتقد ان دمشق تقرن هذه الرغبة وتترجمها لبنانيا، بمجموعة من الخطوات، لن تكون آخرها التجمعات السياسية المنوي انشاؤها وتطويرها لتواكب المرحلة المقبلة، ولتكون احد اذرعها التنفيذية، نيابيا وسياسيا، وربما حكوميا في مرحلة لاحقة!

السبت، 10 أبريل 2010

Sphere: Related Content

من طهران وتل ابيب ودمشق الى طوكيو ومدريد فواشنطن

هكذا سلكت الانتخابات البلدية السبل الوعرة!

3 اشهر من الاسترخاء ستؤسس لتفعيل العمل الحكومي

ينشر في الاسبوع العربي في 19/4/2010

سلكت الانتخابات البلدية سبيلها الطبيعي - الديمقراطي، اثر اسابيع من الاخذ والرد والضغط لإرجائها، إما ربطا بمعادلات الربح والخسارة استنادا الى الدراسات الاحصائية التي باتت في متناول كل الاحزاب والتيارات السياسية، وإما تأسيسا على معطيات اقليمية ودولية متعددة المشارب رجّحت، في اكثر من مرحلة ومفصل، مناخا عاصفا سيرتد سلبا على الاستقرار اللبناني الهش.

نادرا ما كانت الاستحقاقات اللبنانية، وخصوصا تلك المرتبطة بمبدأ تداول السلطة، حكرا على قرار محلي بحت، بل كانت غالبا ما تتأثر بتقاطع اللاعبين المحليين والاقليميين والدوليين، وهي غالبا ما كانت تؤْثر مصالح هؤلاء اللاعبين وتبدّيها على ضرورات هذا المبدأ الديمقراطي الذي لا يزال احد الاركان الاساسية في الانظمة التي تحترم الارادة الشعبية ومكونات مجتمعاتها والتوجهات.

يصلح هذا الكلام مع كل استحقاق انتخابي، نيابيا كان ام انتخابيا، وخصوصا منذ بدء جمهورية اتفاق الطائف وارهاصاتها الكثيرة على مستوى شكل نظام الجمهورية الثانية وآليات الحكم المعطّلة في احيان، والمعلّقة في معظم الاحيان على قرار اقليمي اضحى ضرورة من ضرورات استقرار هذا النظام واستدامته.

ويُستذكر في مناسبة النقاش الذي سبق تثبيت موعد الانتخابات البلدية والاختيارية في ايار (مايو) المقبل، نقاش مماثل سبق تثبيت هذه الانتخابات في نسختها الثانية في جمهورية الطائف، في العام 2004، حين ظل الرأي العام معلقا حتى الشهر الاخير قبل الاستحقاق، تارة بحجة البحث عن قانون جديد وطورا بذريعة انشغال المجلس النيابي في درس قانون الموازنة، واطوارا عدة بربط مصيرها بمجمل الوضع على مستوى المنطقة!

انفراج بعد تأزم

بين شباط (فبراير) وآذار (مارس) الفائتين، تلبّد المناخ الاقليمي الى حدود قصوى مع تصاعد التهديدات المتبادلة بين "حزب الله" وسوريا من جهة واسرائيل من جهة ثانية، بالتزامن مع اشتداد عود الوساطات والرسائل المنقولة الاوروبية والاميركية وخصوصا على خط دمشق – تل ابيب، فلم تعْدم انقرة وسيلة للحد من التشنجات، ولم يتراجع وزير الخارجية الاسبانية ميغيل انخيل موراتينوس ولا خفتت همّته على رغم التراشق السوري – الاسرائيلي الذي بلغ ذروته في الثالث من شباط (فبراير) مع تهديد وزير الخارجية وليد المعلم، على مسمع رئيس الديبلوماسية الاسبانية، تل ابيب بقصف مدنها. حينها، حذر المعلم اسرائيل من مغبة شن اي حرب على سوريا، لانها في هذه الحالة ستتحول الى "حرب شاملة" لن تسلم منها المدن الاسرائيلية، مضيفا: "لا تختبروا ايها الاسرائيليون عزم سوريا، تعلمون ان الحرب في هذا الوقت سوف تنتقل الى مدنكم. عودوا الى رشدكم وانتهجوا طريق السلام، هذا الطريق واضح والتزموا متطلبات السلام العادل والشامل". وتابع ان "اسرائيل تسرع مناخ الحرب في المنطقة واقول لهم كفى لعبا لدور الزعران في هذه المنطقة، مرة يهددون غزة وتارة جنوب لبنان ثم ايران والآن سوريا".

يومها، ذكرت تقارير استخبارية غربية ان سبب ذلك التوتر غير المشهود هو اتهام تل ابيب دمشق بتسريب صواريخ ايرانية ارض - ارض من طراز فاتح - 110 (بمجال 250 كيلومترا) عبر الحدود السورية – اللبنانية، وبتدريب عناصر من "حزب الله" على استخدام صوارخ من نوع SA-2 وSA-6 .

واوضحت التقارير انه إذا سلمت سوريا هذا الطراز من الصاريخ لـ "حزب الله"، فإن "حربا ستندلع من دون شك، وستقصف إسرائيل أهدافا في دمشق هذه المرة". واضافت: "سمح السوريون لعناصر من حزب الله بالقيام بدورات تدريبية في سورية من أجل استخدام هذه المنظومات، فهل لهذه الأسباب تتردد أنباء عن عزم سوريا نشر فرقتين من جيشها هند الحدود مع لبنان، في المنطقة التي تعرف بسلسلة الجبال الشرقية، تحسبا لتوغل إسرائيلي في الأراضي السورية في الحرب المقبلة؟".

ولفتت التقارير الى ان تل ابيب احتجت بعنف ضد دمشق "لأنها بذلك جعلت كل المدن الاسرائييلية في مرمى الترسانة الصاروخية لـ "حزب الله".

ووفق التقارير اياها، طلبت حكومة بنيامين نتانياهو من قناتيّ اتصال ديبلوماسيتين، هما مورايتنوس والمبعوث الرئاسي الاميركي جورج ميتشل، ابلاغ دمشق ان هذا الامر هو "الطريق الى حرب مماثلة لحرب إسرائيل وحزب الله في تموز 2006".

بالتوازي، انكبت الدوائر العسكرية الاسرائيلية في البحث عن رد على تسريب السلاح، وكان من بين الاقتراحات استهداف هدف داخل دمشق هو عبارة عن "شاحنات وناقلات رسمية" تعتقد تل ابيب انها تقلّ الصواريخ الايرانية، غير ان اي قرار لم يتخذ، خشية ردة فعل على اكثر من جبهة ستأتي بعكس ما تريده اسرئيل، وخصوصا بعدما تبيّن لها جدية التهديد السوري والاستعدادات الميدانية واللوجستية لـ "حزب الله" في لبنان، وحركة "حماس" في غزة والضفة الغربية.

الدور الياباني

على هذه الخلفية، تراكمت الرسائل والوساطات الى ان خفّت حدة التوتر، بالتزامن مع عودة المفاوضات الاميركية – الايرانية غير المباشرة من خلال قنوات عدة ابرزها طوكيو. اذ ذكرت التقارير الاستخبارية الغربية انه في اليوم الذي عقدت في دمشق "قمة الحرب" بين الرئيسين بشار الاسد ومحمود احمدي نجاد والامين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصر الله، كان وزير الخارجية الايرانية منوشهر متكي يزور توكيو بحثا عن مخرج للملف النووي الايراني، مع علم رئيس الديبلوماسية الايرانية ان اليابان هي من الدول الاكثر اعتراضا على عزل ايران او ضربها.

نجح اليابانيون – تضيف التقارير- في فتح كوة صغيرة بين الولايات المتحدة الاميركية والجمهورية الاسلامية، وفي ملء الوقت الضائع بحوار غير مباشر (بالتوازي مع البحث الاميركي عن اجماع دولي روسي – صيني على مبدأ العقوبات صضد ايران) اعطي مهلة ثلاثة اشهر تنتهي في حزيران (يونيو) المقبل وقابلة للتمديد في حال تلمّس الطرفان جدية في آليات البحث وعناوينه، وخصوصا بعدما تبيّن لطوكيو ان "طهران ليست مستعجلة لفتح جبهة حرب استباقية في ضوء تراجع التهديد الاميركي"، وان "واشنطن مستمرة في نهي تل ابيب عن اي ضربة ضد مواقع ايرانية سواء كانت في نووية او تكتية في طهران، او إسنادية في بيروت"، في اشارة الى "حزب الله"!

انفراج في لبنان!

واكب المسؤولون في بيروت كل هذه المناخات، من اعلى درجات التوتر الى اقصى مندرجات الهدوء. وكانت الزيارات الخارجية المتعددة التي قام بها كل من رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ورئيس الحكومة سعد الحريري، احدى الوسائل للبقاء على تماس مباشر مع التطورات الاقليمية ولايصال وجهة النظر اللبنانية الى عواصم القرار، ولتلقّف اي بادرة انفراج، وللضغط قدر الامكان في اتجاه انتزاع تطمينات لإبعاد اصداء التوترات الدولية والاقليمية عن المساحة اللبنانية.

وكان ان نجح المسؤولون في شرح الموقف اللبناني الرسمي، وفي صوغ صورة حقيقة عن الاوضاع الداخلية وعند الحدود مع اسرائيل، وفي جعل بعض العواصم تتفهّم المنطلقات اللبنانية في لجم اي تدهور، ونسج نوع من مظلة دولية تقي لبنان التقلبات.

تأسيسا على هذا الانفراج الاقليمي، يعتقد المراقبون في بيروت ان الاشهر الثلاثة المقبلة ستشكل مساحة استرخاء في لبنان، وستؤسس لانجاز عدد من الاستحقاقات من بينها قانون الموازنة والزيارة الرسمية لرئيس الحكومة الى دمشق على رأس وفد حكومي لمعالجة الملفات المشتركة في الاتفاقات السارية المفعول او الملعلقة او المنوي توقيعها.

ويشير هؤلاء الى ان هذه المساحة الايجابية قد تكون المدخل لاعادة تفعيل العمل الحكومي، اثر شلل واضح يحكم اداء حكومة الانماء والتطوير نتيجة مجموعة من التناقضات والتباينات في الرؤى والآليات التنفيذية، مما يؤدي حكما الى تراجع الضغط الاقليمي لتغيير هذه الحكومة مع مطلع تموز (يوليو) المقبل، كما رجّح وروّج اكثر من مصدر على تواصل مع عواصم معنية بالشأن اللبناني، بغية اعادة خلط الاوراق اللبنانية، في محاولة لتكريس معادلة جديدة تقوم على ما يبدو على محاصرة ما تبقى من قوى الرابع عشر من آذار (مارس) وفكّ ترابطاتها.

..وانتخابات

ويلفت المراقبون الى ان "حزب الله" كان من ابرز الداعين والمطالبين بتعليق الانتخابات البلدية والاختيارية وارجائها الى حين اتضاح الصورة الاقليمية ومآل التهديدات وتصاعد التوتر، وهو لم يتوان عن البحث في مسببات إرجائها مع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة يوم كان هذا التوتر الاقليمي في حده الاقصى، الا ان الانفراج النسبي كان سببا رئيسا في تثبيت هذا الاستحقاق في موعده، فنسج "حزب الله" وحركة "امل" تفاهما انتخابيا شاملا، وصارت الانتخابات امرا واقعا، بفعل قرار محلي – اقليمي كبير بالافراج عنها، اثر الانفراج المتوقع ان يستمر حتى الصيف المقبل، وربما الى ما بعد الصيف في حال ظلت الامور على حالها من الاسترخاء النسبي.

ويلفت المراقبون الى ان كل ذلك تقاطع مع رغبة عارمة لدى رئيس الجمهورية بالا يُطبع عهده، بأي شكل من الاشكال، بطابع ارجاء استحقاق دستوري، وهو كما حرص في حزيران (يونيو) 2009 على انجاز استحقاق الانتخابات النيابية على رغم كل مناخات التشنج التي سبقته وواكبته، يحرص راهنا على انجاز الاستحقاق البلدي والاختياري في موعده، التزاما منه بقسمه على حماية الدستور، وبتثبيت مبدأ تداول السلطة وعدم مصادرة قرار الرأي العام الذي عادة ما لا تتيح له القوى السياسية والحزبية فرصة التعبير عن رأيه وتوجهه وهواجسه تحت ذرائع ومسميات شتى، تصب كلها في خانة مصادرة قرار الرأي العام، بهدف ابعد هو الابقاء على السلطات المحلية محميات انتخابية ومالية يوظّفها اهل السياسة في خدمة مشاريعهم الانتخابية ومراكمة مكتسباتهم.