الثلاثاء، 27 يناير 2009

Sphere: Related Content
بين قمتي الدوحة والكويت انفصال فعناق ومصالحة عزّزت موقع لبنان
تبصّر الرئاسة ينتصر على رهان الساسة

العرب يدفنون الاحقاد على رائحة الدم الفلسطيني واللبنانيون يلهثون وراء آمال تتبدّد
الصلح العربي يعزز وفاقية رئيس الجمهورية .. ودوره

ينشر في "الاسبوع العربي" في 2/2/2009
غيّرت قمة الكويت مسار الرياح العربية، وكانت قمة المفاجآت للرؤساء قبل الشعوب. فبعد خلاف سياسي حادّ ثبّت الاصطفاف العربي بين "اعتدال" و"ممانعة"، شرّعت قمة الكويت ابواب المصالحات بعيد انتهاء حرب غزة وعودة التهدئة الى جبهات الصراع. وفي توقيت لافت في السياسة اشتعلت المنطقة قبل التنصيب الرسمي لباراك اوباما رئيسا للولايات المتحدة الاميركية وهدأت قبل يوم واحد من الحدث الاميركي، كأن كل المشهد أُعد على عجل لاستقبال الضيف الجديد في البيت الابيض، فإشتد الصراع لرفع السقوف السياسية، الى ان هدأت الجبهة الفلسطينية لتخلّف دمارا وبؤسا وفقرا وانّما ايضا مصالحات على دماء الضحايا، في ميلوديا شرقية مألوفة منذ غابر الازمان.
لبنان الحاضر الدائم في اجتماعات العرب، ان في الدوحة او في الكويت، حضر بخطاب واحد وبلغة واحدة مطالبا بدعم الفلسطينيين وبوحدة الموقف العربي كما بالتمسك بالمبادرة العربية للسلام سبيلا لحل الصراع العربي- الاسرائيلي. لم ينزلق لبنان بشخص رئيسه العماد ميشال سليمان الى لعبة المحاور العربية، في حين ان الاصطفافات السياسية الداخلية ترتدي ثوب هذا الانقسام العربي.
لقد نجح لبنان، في نظر الكثير من المراقبين، في اداء دور توافقي بين العرب الذين عادوا في النهاية الى تبني خطابه وموقف رئيسه الداعي الى المصالحة والوحدة لمواجهة المشروع الاسرائيلي في المنطقة. ولكن في ظل كل المفاجآت التي احاطت بقمة الكويت، بقي مبهما سؤال وحيد: ما الذي بدّل الاحوال كي يندفع العرب الى التلاقي بعد طول خصام وتشظٍ؟
سؤال قد لا يلقى جوابا في المدى المنظور، الا انّ مفاعيل المصالحة العربية، وان جاءت هشة، اكدت بنظر الكثير من المراقبين فرادة موقع لبنان في العالم العربي، وانّ هذا البلد بدأ يستعيد دوره على الساحتين العربية والدولية منذ انتخاب الرئيس سليمان في الخامس والعشرين من ايار العام 2008.
"توافقي" لبناني وعربي
في نظر مصدر وزاري محايد، انّ "رئيس الجمهورية التوافقي في الداخل اللبناني، استطاع ان يلعب من خلال ممارسته على الساحة العربية، دورا توافقيا ايضا بين العرب، الامر الذي تجلى بوضوح من خلال مشاركته في اجتماع الدوحة التشاوري كما في قمة الكويت، وايضا من خلال فرادة موقفه ووقوفه على مسافة واحدة من الافرقاء العرب، مع تمسّكه بموقف لبناني حازم غير تبعي تجلى بالتمسك بالمبادرة العربية للسلام في حين اعتبرتها سوريا مبادرة ميتة".
ويشير هذا المصدر الى انّ الرئيس سليمان بدأ عهده بالانفتاح على الساحتين العربية والدولية في سياسة ذكية لاعادة لبنان الى المسرح السياسي الفاعل، لافتا الى انّ الاحداث المتوالية على الساحة الاقليمية اكدت صوابية نظرة الرئيس الذي طالما اعتبر انّ التوافق العربي سينعكس ارتياحا على الداخل اللبناني، ممّا يمكّنه من لعب دوره كرئيس حكم بين الافرقاء اللبنانيين ويعطيه مدى اوسع لاستخدام صلاحياته كرئيس للجمهورية في مناخ من الوفاق والتفاهم والهدوء. ويقول المصدر: انّ الصراع العربي فيما لو استمر على حدته كان ليكبّل رئيس الجمهورية، نتيجة ان جزءا من الصراع الداخلي هو انعكاس للانشقاق العربي بين نهج اعتدال ونمط ممانعة.
ويرى من انعكاسات المصالحة العربية في الكويت انها ستسهم، فيما لو ارسيت فعليا، في تنفيس الاحتقان الداخلي والتخفيف من حدة الصراع لا سيما قبيل الانتخابات النيابية، ما يفسح المجال امام رئيس الجمهورية للعب دوره التوافقي على اتمّ وجه، وهو الدور الاساسي المنوط بالرئاسة الاولى بعد وثيقة الوفاق الوطني في الطائف والمرتبط اصلا بدور المسيحيين في لبنان خصوصا وفي المنطقة العربية عموما.
ويعتبر المصدر الوزاري انّ الرئيس سليمان يبحث دائما عما يبقي شعرة معاوية قائمة بين فريقي الصراع في لبنان، ويحرص على ابقائه خارج دائرة الصراعات العربية، بحيث يمنع الاسترسال في الاصطاف القائم والذي اظهر بوضوح وجود محورين يتصارعان، واحد يتبنى المقاومة ونهجها ويعتبر سوريا وايران وقطر وتركيا الامتداد الطبيعي له ولنهجه، وثان يرى الاعتدال العربي الحضن الدافئ والساند الرئيس في معركة وجود وبقاء.
قمة اربكت الموالاة
وفيما اجمعت المواقف على دور الرئيس سليمان في ابرازه فرادة لبنان في قمتي الدوحة والكويت، وبعدما كان الحديث قبل المصالحة عن انّ الساحة اللبنانية لن تبقى في منأى عن الانقسام العربي، على الرغم من الدور الوسطي الذي لعبه رئيس الجمهورية للحؤول دون انعكاس الانقسام لبنانيا، يرى مصدر مطلع في صفوف المعارضة انّ "رياح المصالحة العربية التي شهدتها قمة الكويت كانت مريحة بالنسبة الى لبنان، وهي لا تروق لبعض الافرقاء الذين لا يرون دورا لهم الا على انقاض الخلافات بين العواصم العربية".
ويلاحظ ان "افرقاء في قوى الموالاة سارعوا الى تشاور وبحث مستفيض وعاجل للوقوف عند هذا التحوّل المفاجئ في المناخ العربي ومدى انعكاسه على وضعهم المقبل على انتخابات تشريعية عامة في السابع من حزيران (يوليو)، ستكون حاسمة في تحديد الخيارات السياسية للبنانيين وآليات الحكم وسبله التنفيذية في السنوات الاربع المقبلة، علما ان المجلس النيابي الجديد لن ينتخب رئيس الجمهورية المقبل، لكن التوازنات التي ستنتج منه ستحدد شكل حكومة ما بعد الانتخابات التشريعية، وتاليا الجهة او التحالف الذي سيحكم لبنان على امتداد هذه السنوات الاربعة، والذي سيتكون مهمته الاولى تصحيح الخلل السياسي في الحكم الذي انتجته الانتخابات التشريعية في ربيع العام 2005".
ويشير الى ان هذه المسألة لم تغب عن الاجتماع الذي ضم رئيس تيار "المستقبل" النائب سعد الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، علما ان مقربين من الحريري افصحوا ان الاجتماع "عرض مفاعيل قرارات قمة الكويت، المنطلقة من المصالحة العربية وارتداداتها على الوضع اللبناني".
ويقول: انّ قوى المعارضة بمختلف تلاوينها السياسية ابدت ارتياحا كبيرا لقمة الكويت، في حين حلت هذه الايجابيات ارباكا لدى الموالاة التي فشل كثير من اقطابها وقياداتها في تفسير المصالحة وفي صوغ خطاب متماسك حيالها، خصوصا انها لم تكن اطلاقا في صورة هذا المناخ التصالحي وظلت تراهن حتى اللحظة الاخيرة التي سبقت افتتاح القمة العربية على تفجر خلاف واسع في الجلسة بين محوري الممانعة والاعتدال.
ويعتبر انّ الموالاة تعيش هاجس تراجع دور المحور الاعتدالي التي راهنت وتراهن عليه، بعد اعادة خلط اوراق عدة وانبثاق توازنات جديدة في الاقليم، ولن يكون في مستطاع الموالاة تجاهل هذه التوازنات.
مصالحة محرجة للمعارضة
في الموازاة، يرى مصدر عليم في قوى 14 آذار (مارس) انّ "قمة الكويت احرجت صفوف المعارضة التي دأب افرقاؤها في الفترة الاخيرة على ممارسة كل انواع الضغوط على المسؤولين ولا سيما على رئيس الجمهورية للمشاركة في قمة الدوحة، التي تحوّلت اجتماعا تشاوريا، وذلك لدعم فريق عربي ممانع على آخر معتدل"، ويقول: جاءت قمة الكويت لتؤكد الدور العربي الاساسي لكل من مصر والمملكة العربية السعودية، اضافة الى الخطوة التاريخية للعاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي برز بدور الاب الحكيم والحاضن للافرقاء العرب المتشرذمين في لعبة المحاور، في مشهد استعاد من خلاله زخم الدور السعودي وفاعليته على الساحة العربية ولا سيما الاقليمية في وجه القوة الفارسية المتصاعدة الوهج ايران".
ويشير الى ان "المعارضة تعيش حالا جدية من الارباك، خصوصا في ظل التباعد الواضح بين "حزب الله" وسوريا، لان نتائج الحرب على غزة ‏ستكون لها انعكاسات كبيرة على مجمل الواقع العربي، ولن يكون لبنان في منأى عن ‏هذه الانعكاسات، خصوصا في ضوء ما نتج عن العدوان الاسرائيلي على غزة من اعادة خلط اوراق على المستوى العربي والدولي".
ويبدي خشيته من "ان يهرب بعض المعارضة الى الامام من خلال العودة الى توتير الخطاب السياسي في مسعى الى التأثير على هذه التوازنات وانعكاساتها اللبنانية، واولى تجلياتها ستظهر في الانتخابات النيابية المقررة في السابع من حزيران(يوليو) المقبل". ويعتقد ان المعارضة حيال امكان خسارتها المتوقعة في هذه الانتخابات مع بروز معضلة الكتلة الوسطية بالنسبة اليها، والتي دأب افرقاؤها في الفترة الاخيرة على مهاجمتها في دليل على ضعف موقعهم الانتخابي بالمقارنة مع انتخابات العام 2005، لن تألو جهدا لتعطيلها او لارجائها حتى تتحسّن او تتغيّر ظروفها السياسية على المستويين العربي والداخلي.
ماذا بعد...
الى ذلك، وفيما تعود الحركة السياسية الى سابق عهدها في الداخل اللبناني، مع انحسار الحرب الاسرائيلية وعودة المياه الى مجاريها نسبيا بين العواصم العربية، تعتبر اوساط سياسية متابعة ان لبنان الذي تجاوز قطوع حرب غزة، سيكون أمامه تكريس مناخ التهدئة في ضوء الانفراج الحاصل في العلاقات العربية، على أن تحظى الاستراتيجيا الدفاعية بالمعالجة اللازمة بعيداً من الاحتقان والخلاف والانقسام.
وتلفت الى ان مناخات التهدئة هذه ستتيح لرئيس الجمهورية تكريس موقعه الوفاقي، بحيث يعزز دوره كبيضة راجحة للقبان السياسي، بين فريقي الصراع، ويكرس للرئاسة دورها الميثاقي والمحوري، وهو ما دأب يجهد في تحقيقه منذ انتخابه مع ادراكه ان المصالحة العربية هي الطريق الاسلم والانجع لهذا الامر.



الأحد، 18 يناير 2009

Sphere: Related Content
مأساة غزة أجّجت قيظ الصراع الداخلي على وقع الانشقاق العربي
لبنان "الممزّق" بين دعم فلسطين وعدم سلوك المحاور

اول اصطدام مباشر بين رئيس الجمهورية والمعارضة ترك تشققات ودُملاً
اعتدال الرئيس نجح في ابراز فرادة لبنان وحافظ على شعرة معاوية

ينشر في "الاسبوع العربي" في 26/1/2009
كثرت في الاسبوع الفائت التحركات العربية على مختلف المحاور لدعم الفلسطينيين في غزة، فتداخلت الدعوات الى قمم عربية والاجتماعات على مستوى وزراء الخارجية من اجل كسر الصمت العربي، اقلّه من حيث الشكل. وبدل ان توحي التحركات على الجبهات العربية بوحدة الموقف تجاه فلسطين، قضية العرب المركزية، ابرزت خلافات كانت واضحة وانشقاقات كانت ظاهرة في المواقف كما في الاصطفافات ضمن محاور متعارضة، لكل منها مصالحه واهتماماته والولاء.
لم تنحصر تداعيات الانقسام العربي حيال ما يحصل في غزة على الدول العربية المعنية به، بل اثّرت على الدول الصغيرة كلبنان اكثر منه على الدول الكبرى المحيطة به والمتمركزة في محورين اساسيين: محور الاعتدال العربي المتفاهم مع الغرب، في مقابل محور المقاومة الذي يقود ما يقول انها مواجهة لهزيمة المشروع الاميركي- الاسرائيلي في الشرق الاوسط.
في ظل كل ما يحصل، باتت الساحة اللبنانية مرآة تعكس شرذمة المواقف العربية فاصطفت قوى الموالاة وقوة المعارضة كلُّ في محور، إما مطالبة بمشاركة لبنان في قمة عربية حتى لو لم يكتمل نصابها القانوني، وإما الضغط من اجل عدم المشاركة في قمة "ترسّخ الانقسام العربي بغياب دول اساسية وفاعلة كمصر والسعودية".
وفيما تعالت الاصوات والآراء حول مشاركة لبنان اوعدمها في القمة العربية التي دعت اليها الدوحة والتي تحوّلت اجتماعا تشاوريا لعدم اكتمال النصاب القانوني المطلوب والمحدد بـ خمس عشرة دولة، كثرت الضغوط على رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان قبيل انعقاد اللقاء، وشهد القصر الجمهوري لقاءات ومشاورات بارزة تركزت على موضوع المشاركة في اجتماع قطر. وفي وقت صدرت مواقف من قوى الرابع عشر من آذار (مارس) تدعو الى "تجنّب المشاركة في قمة تكرّس الانقسام العربي بغياب دول عربية ابرزها مصر والمملكة العربية السعودية"، شددت قوى المعارضة على "ضرورة المشاركة في اي لقاء قد يعقد من اجل دعم الشعب الفلسطيني عموما وابناء غزة خصوصا، بالاستناد الى انّ لبنان ليس بلدا محايدا وهو معني بشكل مباشر باحداث غزة لانه في قلب المواجهة مع اسرائيل ولوجود تشابك بين الوضعين اللبناني والفلسطيني جغرافيا من جهة وبفعل وجود واقع فلسطيني سياسي وعسكري وديموغرافي نتيجة وجود المخيمات الفلسطينية في لبنان من جهة اخرى".
انقسام عربي تجلّى لبنانيا
اضاف الواقع العربي المنقسم على خلفية التعاطي مع ملف غزة والغارق في خلافاته التقليلدية على الزعامة والتسيّد، تعقيدا جديدا على الوضع الداخلي اللبناني.
في هذا السياق يعتبر مصدر وزاري رفيع انّ التعقيد الاساسي "تجلى في الهجوم غير المسبوق الذي شنه افرقاء في قوى الثامن من آذار (مارس) استهدف رئيس الجمهورية على خلفية موقفه من مشاركة لبنان في القمة العربية الطارئة التي دعت اليها الدوحة، في اول اصطدام مباشر بهذه الحدة بين الطرفين".
ويقول المصدر انّ "لبنان ورئيس الجمهورية تحديدا، وكانت التوافقية السمة العربية - الدولية الرئيسة في انتخابه، محرج في التعامل مع توسّع الشرخ العربي. فهو من جهة لا يريد ان يكون خارج أي تضامن عربي مع غزة، ومن جهة اخرى لا يمكن ان يكون الا جزءا من الاجماع العربي لا سببا او اضافة غير محمودة وسط هذه الشرذمة. ذلك ان الانقسام العربي لا يسهم في حل القضية في غزة وليس من مصلحة لبنان ان يكون مع فريق عربي ضد آخر بل يفترض دوره الطبيعي ان يقفز عن اي انقسام".
ويشير الى ان "الموقف اللبناني الرسمي صاغه الرئيس سليمان منذ اليوم الاول للحرب على غزة وهو ابلغه بوضوح الى امير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني في الاتصال الهاتفي الذي جرى بينهما، وفيه اخبره امير قطر برغبة الدوحة في التئام قمة عربية غير عادية لمناقشة الوضع في غزة واتخاذ الموقف اللازم منها. وفي حينه، قال الرئيس سليمان ان لبنان يرحّب بالجهد القطري وبأي جهد يبذل لنصرة غزة. وهو ملتزم الدستور اللبناني وعضويته في الجامعة العربية ومواثيق هذه الجامعة".
ويضيف انّه "في ذهن الرئيس ان احترام المواثيق يعني حكما احترام الآليات القانونية والادارية لانعقاد أي قمة، بما فيها النصاب القانوني وهو الثلثان اي تأمين مشاركة 15 دولة في الحد الادنى. وهذا الموقف المبدئي اتى على ذكره الرئيس سليمان في جلسة لمجلس الوزراء، فحظي الموقف الرئاسي اجماعا لم يعترض احد عليه، وخصوصا وزراء المعارضة".
ويبدي المصدراستغرابا شديدا لما يسميه انقلابا في موقف المعارضة، والذي تجلى بالتظاهرة التي شارك فيها "حزب الله" في عوكر وتخللها تطاول على رئيس الجمهورية، او من خلال اتهام الرئيس بتهديد الموقف الداخلي وبالانحياز الى قوى الرابع عشر من آذار (مارس) في موقفها المتحفظ عن القمة الطارئة، وتارة اخرى عبر القول بأنه يعيش اسير الارتباك بسبب الخلاف العربي.
ويرى ان لا مبرر لكل هذا "التحامل" على رئيس الجمهورية. ويقول: "كان على أي معترض ان يسجل اعتراضه في مجلس الوزراء ويعلل اعتراضه بالاسباب الموجبه له، لا ان يشهر سيف "التخوين" على رئيس صاغ كل مواقفه منذ الخامس والعشرين من ايار (مايو) 2008 بميزان الذهب وامسك العصا من وسطها حفاظا على العنوان التوافقي الذي ظلل انتخابه ولا يزال يظلل رئاسته. وهو تعرّض اكثر من مرة لسهام فريق الاكثرية النيابية، وخصوصا عند مقاربته ملف تطبيع العلاقات مع سوريا، ولا سيما في مسألة التنسيق الامني مع دمشق. وعلى الرغم من ذلك، لم يتراجع قيد انملة ومضى في قناعته، فلماذا التخوين واتهامه بالانحياز والانحناء امام الضغوظ؟".
ويلفت الى ان "الموقف الرئاسي من الاحداث الاليمة في غزة ومن التشظي العربي الحاصل يتّسم بالاعتدال والصواب، وهو نوعي اذا ما قورن بالسياسات الرئاسية في العهود السابقة، وتحديدا منذ العام 1989، حيث كانت السياسة الخارجية تصاغ في دمشق، لا بل كانت مصهورة كليا بالديبلوماسية السورية، وأدت فيما ادت الى خسارة أي مظلة عربية بإستثناء المظلة السورية. وتاليا لا يجوز الانفلاش غير المنطقي في الموقف وزج لبنان في صراع المحوريْن، فهو لا طاقة له ولا طائل ولا مصلحة ان يرتضي ان يكون وقودا في هذا الصراع".
ويشدد على انه لا يجوز لاحد ان يزايد على رئيس الجمهورية في حسن العلاقة مع قطر مع اميرها وقيادتها، كما لا يجوز لأحد ان يشكك في ان قرار الرئيس استظلال الشرعية العربية والاصول والقواعد والثوابت ليس موجها ضد احد او يراعي احدا آخر. ويقول: بما ان فريقي الازمة في لبنان ارتضيا التوافق على شخص ميشال سليمان، من غير المنطقي ان يدأب أي فريق منهما في مطالبته بالشيئ وبنقيضه، والا ما معنى ان ايا من الفريقين يتهم الرئيس بالتحيز في حال لم يرتض ان يكون طرفا.
ويوضح ان رئاسة الجمهورية لم تصب بالإحراج مع الرياض او القاهرة -واستطرادا قوى 14 آذار (مارس)- نتيجة تلبيتها دعوة قطر. ذلك ان العواصم، ممانعة كانت ام معتدلة- من المفترض انها تعي جيدا الوضع اللبناني الهش والتحديات الكثيرة التي تواجه لبنان في الداخل كما عند الحدود، ومن المفترض ايضا انها تدرك بالدرجة نفسها ان موقف رئيس الجمهورية جزء من التوازن الداخلي لا بل ركن اساس في استمرار هذا التوازن.
ويرى ضرورة ان يعي فريقا الازمة حراجة الموقف ودقة المرحلة وحجم التحديات التي تنتظر لبنان، ويخلص الى ان هذا الوعي يفترض ممارسة سياسية اكثر نضوجا وأقل هوًى!
غمامة صيف عابرة
في الموازاة، ترى اصوات من الوسط ان حرص رئيس الجمهورية على موقعه الوفاقي وعلى الحد الادنى من الوحدة الوطنية دفعاه الى التفكير مليا قبل اتخاذ قراره المشاركة في القمة التشاورية. وتقول "ان الرئيس سليمان استوحى موقفه الحيادي في التعاطي العربي من تجربة الرئيس الراحل فؤاد شهاب في مرحلة الستينيات من القرن الفائت، حيث حرص على ابقاء لبنان خارج دائرة الخلافات العربية، وعدم الانسياق في محاور واحلاف".
في المقابل، تنتقد اوساط قريبة من المعارضة محاولة فريق الموالاة التسرّب من شقّ التمايز بين الرئيس وقوى المعارضة، لايقاع الخلاف بينهما واللعب على حبل توسيع هذا الشقّ وجعله شرخا. وتلفت الى ان ما حصل غمامة صيف عابرة ستمضي لان ما تجمعه الاستراتيجيا لا يفرقه التكتيك والظروف الموضعية، وكل من رئيس الجمهورية والمعارضة لا بد ان يتفهما موقف الآخر والمعطيات التي بني عليها هذا الموقف. وترى ان لا تباين لبنانيا – سوريا حصل في الدوحة، على خلفية تمسك الرئيس سليمان بالمبادرة العربية، في حين دعا الرئيس السوري بشار الاسد الى دفنها. وتعتبر ان دمشق تدرك جيدا مغزى الموقف اللبناني في الشكل وفي المضمون، وتدرك ايضا ان للبنان اسبابه الموضوعية للتمسّك بالمبادرة، في مقدمها مسألة رفض التوطين وتكريس حق عودة الفلسطينيين.
وتشير الى أن اسبابا أملت تحفظ رئيس الجمهورية عن تعليق مبادرة السلام العربية في قمة الدوحة، هي اولا من حيث الشكل حيث أن المبادرة صدرت عن قمة عربية عقدت في العاصمة اللبنانية، وثانيها في المضمون، أن تبنّي تعليق المبادرة العربية، يتعارض ومضمون البيان الوزاري وخطاب القسم الرئاسي، علما أن خطوة كهذه في السياسة لا يبادر إلى تقريرها رئيس الجمهورية وحده، بل عليه أن يعود إلى السلطة السياسية ممثلة بمجلس الوزراء كما نص على ذلك اتفاق الطائف.

الاثنين، 12 يناير 2009

Sphere: Related Content
ساركوزي حذّر المسؤولين في بيروت من مخاطر ولوج الصراع
لبنان تجاوز قطوع "الكاتيوشا" والتحقيق يقود الى اصوليين!

موالون قرأوا في الصواريخ رسالة سورية لاستعادة دور كان مفقودا
الاستراتيجيا الدفاعية للبنان قد ترتسم من خيوط الاضطرابات والحروب

ينشر في "الاسبوع العربي" في 19/1/2009
كثرت المبادرات لمعالجة الوضع المتدهور والمأسوي في قطاع غزة. وشكلت زيارة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي للمنطقة الاسبوع الفائت محطة مهمة في اطار المساعي والمفاوضات الرامية الى وقف اطلاق النار ووضع حد للحرب بين الجيش الاسرائيلي و"حماس" كما الاحتياط لعدم توسّع رقعة المواجهات لتطال الجنوب اللبناني. الا ان اطلاق صواريخ الكاتيوشا الاربعة من الجنوب زاد في المخاوف مع شكوك في ان ثمة من يسعى الى زج لبنان في رقعة المواجهة مع اسرائيل، في وقت تستمر الهدنة السياسية الداخلية هشّة ومحكومة بالامر الواقع في انتظار الاستحقاق الانتخابي.
زيارة خاطفة قام بها الرئيس الفرنسي لبيروت، جدد في خلالها وقوف فرنسا الى جانب لبنان وتعلقها به كبلد مستقل، مبديا ارتياحه الى ما تحقق منذ اتفاق الدوحة لافتا الى ان تبادل السفارات بين لبنان وسوريا هو خطوة اولى يجب ان تليها خطوات تتناول الملفات العالقة بين بيروت ودمشق، مشيرا الى الاستعداد الكامل لدعم الجيش اللبناني استنادا الى الاتفاق الذي تم توقيعه مع رئيس وزراء فرنسا فرنسوا فيون في زيارته الاخيرة لبيروت.
حرص على مكانة لبنان
وفي خلفيات الزيارة بالتزامن مع احداث غزة الدامية، تشير اوساط سياسية الى انّ زيارتي كل من الرئيس ساركوزي والمنسق الأعلى للعلاقات السياسية والأمنية في الاتحاد الاوروبي خافيير سولانا حملتا الى المسؤولين اللبنانيين تنبيهات مشددة من مغبة اي تورط لبناني في الحرب على غزة ونصائح بضرورة الاستمرار في الحفاظ على التهدئة على الحدود اللبنانية ـ الاسرائيلية لمنع اسرائيل من اي ذريعة لاستدراج لبنان الى حرب لا يحتمل التورط فيها. الا ان عملية اطلاق الصواريخ من جنوب لبنان غيّرت بعض المعادلات من دون لجوء اسرائيل الى اشعال الجبهة لعلمها ودرايتها انّ "حزب الله" ليس الجهة التي اطلقتها، وهي اقرت بذلك على لسان اكثر من مسؤول سياسي وعسكري. وتضيف الاوساط نفسها انّ محادثات الرئيس الفرنسي والمسؤول الاوروبي مع المسؤولين اللبنانيين تناولت افق الوضع اللبناني في ضوء تداعيات الحرب على غزة وما قد يتأتى عنه من تأثيرات على لبنان في ظل التحضيرات الجارية للاستحقاق الانتخابي الذي حدّد موعده في 7 حزيران المقبل.
وتتحدث عن بروز عامل مهم جدا في ما سمعه ساركوزي وسولانا وتمثل في اشادة المسؤولين لا سيما من هم في صفوف قوى 14 آذار (مارس) بالحكمة العالية التي يظهرها "حزب الله" في التعامل مع تداعيات الحرب والموقف الرسمي اللبناني بانّ لبنان سيقف صفا واحدا في حال تعرّض لاي اعتداء من جانب اسرائيل، ما يعني اسقاط اي وهم او رهان اسرائيلي على التلاعب بالانقسامات الداخلية اللبنانية لتبرير اي نية محتملة لديها في توسيع الحرب على لبنان.
وتنقل الاوساط حرص ساركوزي على موقع لبنان ومكانته في اطار العلاقة الفرنسية- السورية المستجدة والمتطورة وتشديده على الاستمرار بمراقبة السياسة السورية في بلاد الارز مع اشارته الى انّه من غير الممكن حل مشاكل لبنان من دون التحدّث مع سوريا. كما انّه تطرّق الى موضوع المحكمة الدولية للنظر في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، موضحاً انها بالنسبة الى فرنسا مسألة مبدأ ويجب على المجرمين أن يدفعوا ثمن جريمتهم، مشيرا الى انّه أوضح ذلك الى القيادة السورية وقال لها انها مسألة لن تتنازل فرنسا عنها.
اضطراب وخوف على اليونيفيل
وفي وقت انشغل اللبنانيون كما المجتمع الدولي بالمأساة الانسانية في غزة، اثارت عملية اطلاق الصواريخ من الجنوب في اتجاه شمال اسرائيل اهتماما وترقّبا لما قد ينجم عنها من دخول الجنوب مجددا اتون العنف. وفي معلومات لـ "الاسبوع العربي" ان عدداً من البعثات الدبلوماسية الأجنبية، تابعت عن قرب تطورات اطلاق الصواريخ، وأجرى سفراء عدة اتصالات بمراجع رسمية للوقوف على الموقف اللبناني.
وتكشف مصادر ديبلوماسية غربية رفيعة في بيروت ان اكثر من جهاز استخباري تداول في الأيام الأخيرة بمعلومات عن وجود نوايا جدية لتحريك الجنوب من بعض التنظيمات غير المنضبطة، وغير اللبنانية. وتلفت إلى ان أحد التقارير الاستخبارية الذي اطلعت عليه جهات لبنانية معنية، اشار بوضوح إلى هذه المسألة.
وتشير الى ان ثمة خيوطا عدة ستؤدي الى معرفة الجهة المسؤولة عن اطلاق الصواريخ، وكذلك الامر بالنسبة الى الصواريخ التي اكتشفت وفككت في الخامس والعشرين من كانون الاول (ديسمبر) 2008 (7 صواريخ من عيار 107 ميلليمترا) وتلك التي اكتشفت وفككت في التاسع من كانون الثاني (يناير) الجاري في خراج بلدة كفرحمام الواقعة في القطاع الشرقي، (تشمل راجمة من عشر فوهات مذخرة بصواريخ من عيار ميلليمترا مغطاة بشادر داخل غرفة من الباطون، إضافة إلى مستوعب آخر مجاور فيها 24 صاروخاً من العيار نفسه وجميعها قديمة العهد وغير صالحة للإستخدام).
وثمة معلومات ان اصابع الاتهام تتجه نحو احد التنظيمات الاصولية السلفية، ويملك امتدادا لوجستيا بين منطقتين في الشمال وفي الجنوب، ويتحرك في بيئة ملائمة له جغرافيا ومذهبيا وايديولوجيا، لكن قدراته العسكرية محدودة نسبيا وتشمل ترسانة من الصواريخ القديمة.
وتوصّلت التحقيقات الجارية الى معطيات دقيقة في هذا الخصوص، تأمنت من خلال اعتراض عدد من المكالمات الهاتفية بين قياديين في هذا التنظيم الذي يحاول ان يكون له ارتباط مع تنظيم "القاعدة".
ويأخذ التحقيق في الاعتبار ان اطلاق الصواريخ الاربعة جاء بعد اقل من 48 ساعة على النداء الذي وجّهه الرجل الثاني في "القاعدة" أيمن الظواهري في السادس من كانون الثاني، يدعو فيه المسلمين إلى "مهاجمة أهداف إسرائيلية وغربية في أي مكان ردّاً على حرب غزة".وتتشارك الاجهزة الاستخبارية والامنية اللبنانية منذ فترة مع قيادة القوة الدولية المعززة "اليونيفيل" تقارير جدية عن وجود نوايا لدى اصوليين ومتشددين معروفي الانتماء والمذهب ومرتبطين عقائديا بتنظيم "القاعدة"، لاستهداف كتائب "اليونيفيل" ولارباك الوضع الامني في الجنوب.
بالتقاطع، تراقب الاجهزة اللبنانية محيط عدد من القواعد الفلسطينية في البقاع، بعد تسجيل تحرّك مريب في معسكر قوسايا التابع لـ "الجبهة الشعبية - القيادة العامة". وسجّل تقرير امني دخول نحو 15 آلية إلى الموقع قبل ايام من اطلاق الصواريخ على اسرائيل، مترافقاً مع تحريك منصات صواريخ وإعادة تموضع بعضها. وطلبت "القيادة العامة" من المزارعين هجر اراضيهم والامتناع عن حراثتها او العمل فيها.
وكان الرئيس الفرنسي قد حمّل، بعد يوم من زيارته للمنطقة، مسؤولية اطلاق الصواريخ الى مجموعات صغيرة متطرفة تسعى الى اشعال جبهة الجنوب وتوسيع دائرة الاشتباكات في غزة، معتبرا ان ذلك يستدعي الاسراع في استصدار قرار بوقف اطلاق النار في غزة، وهذا ما تجسّد في القرارا 1860 الصادر عن مجلس الامن والذي لم يحترمه اي من طرفي النزاع.
في الموازاة، تستبعد اوساط ديبلوماسية عربية مطلعة ان يكون لـ "حزب الله" اي يد في اطلاق الصواريخ، باعتبار ان الحزب في حال قرّر خوض المواجهة مع اسرائيل فلن يبدأ حتما بهذه الطريقة الهزيلة، كما ان لا وجود فاعلا له في المنطقة التي اطلقت منها الصواريخ.
وتلفت الى ان فرنسا مهتمة جدا بوضع القوة الدولية المعززة عموما والكتيبة الفرنسية خصوصا، وهي قلقة من امكان تفاقم الامور. وترجّح ان تكون الجهة التي تقف وراء العمل من ضمن مجموعات عسكرية صغيرة وغير معروفة بالنظر الى ان السلاح المستعمل قديم الطراز.
صواريخ تحمل رسالة سورية
وفيما تعددت التحليلات حول مصدر الصواريخ والجهة التي اطلقتها مع غياب اي تبنّ لهذه العملية، يجمع عدد من القريبين من قوى الموالاة على ان الصواريخ حملت رسالة سورية واضحة بضرورة عدم التغاضي عن الدور السوري على الساحتين الاقليمية والدولية لا سيما في ظل التحرك المصري - الفرنسي الذي اضطلعت به الدولتان في اطار طرح المبادرات واقتراحات الحلول لوضع حدّ لحرب غزة.
ويعزّز هؤلاء هذا التحليل بالاستناد الى انّ سوريا هي في الوقت الراهن الداعم الاساسي لحركة "حماس" وتؤوي زعمائها الاساسيين، مشيرين في هذا الاطار الى عملية اطلاق الصواريخ واستبعاد كون "حزب الله" الجهة المسؤولة "ممّا يفسّر بشكل واضح التباين السوري- الايراني، وتاليا التباين على خط "حزب الله"- سوريا التي تلجأ الى استخدام بعض المجموعات، التي قد تكون فلسطينية، لتمرير الرسائل الى المجتمع الدولي".
ويلفت القريبون من الموالاة الى دعوة ايران بشخص المرشد الاعلى الامام علي الخامنئي الى منع ذهاب "الجهاديين" لمساندة "حماس" في قطاع غزة، كدليل آخر على ارجحية هذا التحليل.
استراتيجية من رحم الصراع
الى ذلك، يرى مصدر مطلع قريب من المعارضة ان "عملية اطلاق صواريخ الكاتيوشا من الجنوب قد يكون من مصلحة تل ابيب لانه يشكّل محاولة لالهاء الرأي العام العالمي عمّا يجري في غزة خصوصا بعد احتضانه وتعاطفه مع الفلسطينيين، نتيجة المأساة الانسانية الرهيبة التي يتعرضون لها على يد آلة الحرب الاسرائيلية".
ويعتبر انّ "ما يحصل في غزة يؤثّر على مضمون بحث الاستراتيجيا الدفاعية للبنان والتي تجري بشكل متقطع في قصر بعبدا، بحيث اننا نشهد انموذجا لحال دفاعية لقلّة تواجه آلة عسكرية ضخمة وهي في موقع دفاعي، وهذا ما يرسم معالم استراتيجيا دفاعية حول كيفية ان قلّة تحارب اكثرية، ما قد يبرر منطق التمسك بسلاح المقاومة الذي يشكل في حال الصراع والحرب مع اسرائيل عنصر قوة وصمود وقدرة على الدفاع والمواجهة".
في المقابل، يشير مصدر عليم في قوى الرابع عشر من آذار (مارس) الى انّ ما يحصل في غزة يرمي الى تعبيد الطريق امام العودة الى مفاوضات السلام، لافتا الى ان اسرائيل تريد القول انها تمكنت من الوصول الى واقع على الارض يتمثل بتقسيم غزة، وهو امر لا رجوع عنه اطلاقا ممّا يجبر حميع الافرقاء على الذهاب الى طاولة المفاوضات لايجاد مخرج قد يشكل جزءا من حل نهائي للقضية الفلسطينية. ويشير المصدر الى امكان اطالة الحرب على غزة حتى تسلّم الرئيس المنتخب باراك اوباما مقاليد الحكم رسميا، كي لا يتم التفاوض مع ادارة اميركية راحلة وانما مع الادارة الجديدة.







السبت، 3 يناير 2009

Sphere: Related Content
ضُرب القطاع بديلا من طهران بعد تراجع في البرنامج النووي واستفحال الازمة الاقتصادية
يُروى في واشنطن عن غزة و"حماس" .. ولاحقا "حزب الله"!
تل ابيب تريد قطع الاذرع الايرانية الثلاث قبل الانقضاض على طهران

ينشر في "الاسبوع العربي" في 12/1/2009
كأنه قدر لا مفرّ منه، قدر شعب ان يعيش تحت رحمة الظلم والمعاناة والمأساة الى ما لا نهاية! فلسطين هي المشكلة .. وهي الحل لنزاع عربي- اسرائيلي، في جوف منطقة طالما عانت اهتزازات وحروبا، شكل هو لبّها الاساسي. ربما لم يجد الكثيرون العبارات المناسبة لوصف ما يجري في غزة، غير انهم اجمعوا على انها مجزرة في حق الانسانية قبل ان تكون ضد الشعب الفلسطيني او ضد حركة "حماس". انها الحرب بكل بربريتها، حرب تعددت التحليلات في قراءة اسبابها واهدافها .. والنتائج، الا ان حربا ضد الفلسطينيين في غزة تعني الكثير لمستقبل الاقليم كما للدول العربية المحيطة ولا سيما للبنان الذي شكل طوال عقود بلد المواجهة الوحيد مع اسرائيل، والذي دفع اكثر مما يُطيق من اثمان في ميادين خارج ميدانه!
شكلت الضربة الاسرائيلية لقطاع غزة، في وقت اعتبر الكثير من المراقبين ان الشرق الاوسط يعيش فترة هادئة من الترقب والتحضير لمرحلة مقبلة ترتسم معالمها مع اكتمال الصورة العالمية من الولايات المتحدة الاميركية الى اسرائيل مرورا بايران، مفصلا اعاد خلط الاوراق وغيّر اتجاه الريح التي نذرت في الفترة الاخيرة بإمكان بدء مفاوضات سلام قد ترسي تهدئة طويلة الامد في اضعف الايمان، خصوصا بعد الكلام الاخير للرئيس السوري بشار الاسد على ضرورة الانتقال في المرحلة المقبلة الى مفاوضات سلام مباشرة مع اسرائيل.
ضرب "حماس" بديلا من ايران
حرّكت مأساة غزة الشارع العربي مبرزة الخلافات والتباينات العربية- العربية، وجسّدت مواقف الاطراف الاصطفاف السياسي بين محورين، محور المقاومة في مقابل محور الاعتدال.
في هذا السياق، يقول مصدر ديبلوماسي في العاصمة الاميركية واشنطن لـ"الاسبوع العربي" ان القرار بتنفيذ العملية العسكرية الاسرائيلية في غزة اتخذ قبل فترة غير قصيرة، لافتا الى انه منذ مؤتمر انابوليس ظهر جليا للادارة الاميركية ان الحل الفلسطيني مع السلطة الفلسطينية متاح وقريب، انما العائق دون تحقيقه هو حركة "حماس" التي ربطت الحل بملف التفاوض الاميركي مع ايران، مما اثار حفيظة الفريق العربي وخصوصاً مصر، على حماس.
ويضيف "ان القاهرة حاولت استيعاب رفض "حماس" الحل، فأشرفت على هدنة الاشهر الستة، وهي هدنة اصرت عليها مصر لارجاء الانفجار ومحاولة عقلنة "حماس" ودفعها الى القبول بالتسوية وفصل اي رابط تريده بين عدم الانفجار والتفاوض مع ايران، لكن المحاولة المصرية فشلت في الشهر الاخير وتبيّن للقاهرة ان ثمة ارتباطات وثيقة بين ايران و"حماس"، وان إمكان الفصل بينهما متعذر، خصوصاً ان المحور الايراني-السوري و"حماس"، اعتبرا ان خروج الرئيس الاميركي جورج بوش وانتصار الرئيس المنتخب باراك اوباما يساعدهما على تحسين شروط التفاوض".
ويكشف المصدر ان "اسرائيل استحصلت من خلال استخباراتها على معلومات بأن ايران في خلال فترة سنة ستصبح جاهزة لامتلاك قنبلة نووية، وسبق ان ابلغت الى واشنطن ان هذا الامر خط احمر لا يمكن ان تقبل به وانها ستلجأ الى الخيار العسكري ضد ايران".
غير ان حدثا ما طرأ، لم يكن في الحسبان الاسرائيلي والاميركي.
يروي الديبلوماسي اياه: "اسفرت زيارة وزير الدفاع ايهود باراك الى واشنطن قبيل الانتخابات الرئاسية الاميركية اسفرت عن تفاهم مع الحزبين الجمهوري والديمقراطي على الا تتم اي خطوة عسكرية ضد ايران قبل الانتخابات الرئاسية مخافة ان توظف لمصلحة احد الحزبين. وتم التفاهم على ان تجري العملية ضد ايران في الفترة الانتقالية بين تسليم السلطة وتسلمها (تشرين الثاني / نوفمبر حتى 20 كانون الثاني / يناير)، لكن تطوراً هاماً طرأ تمثّل بالازمة المالية العالمية وانهيار اسعار النفط، ادى الى تحفظ اوروبي واميركي عن اي عملية اسرائيلية ضد ايران، نظراً الى كلفتها الباهظة وانعكاساتها على الاقتصاد العالمي في ظل الازمة المالية".
ويشير الى ان "التقارير الاستخبارية افادت بتراجع هائل في الوضع الاقتصادي في طهران، خصوصاً بعدما تبين ان الرئيس الاميركي صرف من صندوق الاحتياط اكثر من 140 مليار دولار في العامين الاخيرين، وهذه المبالغ نتجت من الفورة النفطية. وادى هذا التراجع المالي الى تأخّر في البرنامج النووي الايراني لثلاث سنوات على الاقل، ففرض هذا التطور تغييراً في الخطة الاسرائيلية، خصوصاً بعد بدء المحادثات غير المباشرة مع سوريا، وبعدما لمست تل ابيب جدية دمشق في ابرام صفقة على حساب علاقتها الاستراتيجية مع طهران. وقضى التغيير في الخطة في ان تُستَهدف "حماس" كمرحلة اولى، تليها مفاوضات جدية بين السلطة الوطنية واسرائيل في موازاة التفاوض مع سوريا والذي سيتحول مباشرا"ً.
تفاهم على حساب "حزب الله"
ويقول الديبلوماسي: "اما المرحلة الثانية من الخطة فتقضي بتفاهم اسرائيلي- سوري على حساب "حزب الله"، وهكذا يتم لاسرائيل والولايات المتحدة الاميركية ضرب الذراع الايراني المكوّن من ثلاثة عناصر: حماس، حزب الله، والتحالف مع سوريا. في هذا الوقت يتم فتح حوار اميركي - ايراني يُمنح مهلة سنة كاملة، فإذا تم التفاهم على موضوع السلاح النووي يصرف النظر عن أي خيار عسكري، وإلا تكون ايران قد جُرِّدت من اذرعها الخارجية، ويصبح آنذاك عزلها وضربها امراً اقل كلفة".
وتتقاطع المعطيات، وخصوصاً الشق المتعلق بالمرحلة الثانية من الخطة الاسرائيلية التي ارسى قواعدها ايهود باراك في اثناء زيارته الاخيرة لواشنطن والتي تستهدف او تسعى الى استكمال ما بدأته اسرائيل في حرب تموز (يوليو) 2006، مع التحذير الذي اطلقه الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله في اطلالته في الليلة الاولى في عاشوراء، إذْ نبّه من إمكان توسعة العملية العسكرية الاسرائيلية لتطال لبنان.
وعُلم في هذا الاطار ان قيادة المقاومة عمّمت على عناصرها وكادراتها الحذر والبقاء على استعداد لمواجهة اي مفاجئة اسرائيلية، في حين اتخذت قيادة الجيش اللبناني اجراءات عسكرية ميدانية ولوجستية واستنفرت عناصرها، تحسباً لأي "تطور" اسرائيلي ومنعاً لأي ذريعة قد توفرها احدى المجموعات غير المنضبطة، تماماً كما حصل في قضية اكتشاف صواريخ الكاتيوشا الثمانية في احد البساتين الجنوبية نهاية كانون الاول (ديسمبر) الفائت".
انعكاسات غزة لبنانيا
الى ذلك، بات من الواضح ان دراماتيكية التطورات في غزة والمخاوف من توسّعها، فرضت نفسها على الشأن اللبناني، حيث يشير وزير بارز الى ان هذه الاحداث ستغيّر في الكثير من المعطيات اللبنانية، في مقدمها ملف الانتخابات التشريعية المتوقعة في الربيع المقبل. ويقول هذا الوزير إن "روحية اتفاق الدوحة ارتكزت على التهدئة لادارة المرحلة الفاصلة عن هذه الانتخابات، وجعلتها عماد المرحلة، لكن هذه التهدئة الداخلية لن تكون في منأى عن التطورات في غزة، خصوصاً اذا ظهر لقوى المعارضة وخصوصاً لـ"حزب الله" ان ثمة استهدافاً لاحقاً للمقاومة في لبنان، واذ ذاك يتغير الكثير من المعطيات، ويعاد خلط الاوراق على مستوى الخيارات السياسية كما على مستوى العملية الانتخابية".
ويُعقّب وزير موالٍ ان "المطلوب ليست قمة عربية عاجلة بقدر الحاجة الى موقف عربي حاسم، يحمّل المسؤولية للطرف المسؤول، فإذا كان التصعيد الحاصل الآن هو استهداف من "حماسي" إيراني للمفاوضات المتوقعة بين سوريا وإسرائيل او لاجل تعزيز الموقف السوري، فلتُسمى الأشياء بأسمائها".
ويرى انّ "خيوط التنسيق بين اقطاب المقاومة الاقليميين واضحة، فـ "حزب الله" هيّأ الرأي العام بدعوته الى التظاهر من أجل غزة، وخرجت مظاهرات استعراض للقوة في البحرين. واليوم يخرج "حزب الله" ببيان يقول فيه "لغة الادانة من قبل الدول العربية وجامعتها لم تعد قادرة على تغطية موقفها السياسي المخزي، لأن السماح بحصار الشعب الفلسطيني هو شراكة في الحصار بدلا من أن تقف هذه الدول داعمة لهذا الشعب في جميع الميادين المدنية والعسكرية بما يجعله قادرا على صد العدوان". ويلفت الى انّ
هذا البيان لا يختلف كثيرا عن بيان "حماس" الذي يقول "على الأطراف الاقليمية تحمل مسؤوليتها تجاه ما يجري لوقف العداون الاسرائيلي، وهناك بعض الأطراف ليست بريئة من دماء شعبنا".
ويعتبر انّ ما تفعله "حماس" في غزة، وافشال جهود التهدئة التي قام بها المصريون ما هو إلا تصويت لزعيم حزب "ليكود" بنيمين نتنياهو في الانتخابات الإسرائيلية، "فالمتطرف دائما ما يبحث عن متطرف يبرر وجوده، ووصول نتنياهو لرئاسة الحكومة الاسرائيلية يبرر ما تفعله إيران أو "حماس"، كما استمرار امتلاك "حزب الله" سلاحه أمام الرأي العام العربي".
طمأنة... ولكن؟
وفيما تطمئن جهات دولية وعربية فاعلة ومؤثرة الى ان اسرائيل لن تفتح جبهة مع لبنان في هذا الظرف بالذات، الا اذا استهدفت بصواريخ من اراضيه الجنوبية، تلفت اوساط متابعة الى ان تلك التطمينات لا تمنع القوات المسلحة اللبنانية والقوة الدولية المعززة (اليونيفيل) اتخاذ التدابير الاحترازية والبقاء على يقظة، في مواجهة اي طارئ، اضافة الى التنسيق الوثيق مع الفصائل الفلسطينية ومراقبتها العناصر غير المنضبطة لمنعها من القيام بمحاولات اطلاق صواريخ من الجنوب.
وترى هذه الاوساط انه "في ظل كل التطورات المتسارعة في المحيط العربي، يبقى القلق عنصرا ثابتا على الرغم من كل التطمينات. ففي منطقة تعجّ بالتناقضات والاضداد وتفوح من اراضيها رائحة الدم والموت، لا يمكن التفاؤل بالتوصل الى حلّ مستدام يقي، اقله الابرياء، قساوة العنف واستبداد القوة".