الأحد، 25 أكتوبر 2009

Sphere: Related Content

الفراغ يلج شهره الرابع .. والمسؤولية عن العرقلة تتوزّع بين الداخل والخارج

الحكومة استنفدت الصمت والمخارج الخلاقة والوقت الاضافي!

كوشنير في بيروت يستعرض ويصوّب ويتقلّب ويهادن في آن!

حرب مبكرة في البترون على النيابة من باب الوزارة

ينشر في "الاسبوع العربي" في 2/11/2009

استوى الفراغ الحكومي في شهره الرابع، وسلّمت العامة بفشل ساستها في ادارة 10 آلاف كيلومتر مربع من الترسّبات والتشرذمات والنكايات، فيما النصائح القريبة والبعيدة تهطل على شاكلة موفدين ومسؤولين، جلّهم يبحثون عن دور، وقلّة جديون قادرون على مقاربة موضوعية لهذا المعجن من التناقضات الذي اسمه لبنان.

اشارة الزائر المثير للجدل، وزير خارجية فرنسا برنار كوشنير في الثالث والعشرين من تشرين الاول (اكتوبر)، ومن قصر بعبدا بالذات، الى "وجود عقبات خارجية تحول دون تشكيل الحكومة"، وتشديده على "وجوب قيام الدول الخارجية بالتزاماتها"، وتنويهه الى ان "لقاء الاسد - عبدالله كان جيدا جدا لكننا لم نشهد حكومة في لبنان"، كلها مؤشرات تدل الى ان كوشنير جاء الى بيروت بإنطباع مسبق بأن تعطيل الحكومة امر خارجي غير مرتبط حصرا بالمناوشات الداخلية على وزارتي الاتصالات والعدل، وصولا الى حد التلميح -اتهاما - الى دمشق في معرض تحديده المسؤوليات عن تعثّر التشكيل.

لكن تشاؤم الزائر الفرنسي الاستعراضي ما لبث ان استحال تشاؤلا قبيل مغاردته بيروت، فغيّر في صوغ افكاره من غير ان يخرج عن تحفّظه، فهو سمع من رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ومن رئيس البرلمان نبيه بري ومن الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري، كلاما جعله يأمل في تعجيلٍ ما يصيب الملف الحكومي.

بالطبع، لم يرق الكلام المتقلب لرئيس الديبلوماسية الفرنسية، حلفاء دمشق التي صوّب عليها مرتين: اولى بإلغاء زيارته لها احتجاجا على اعتقال الناشط الحقوقي هيثم المالح، وثانية بوضعها تلميحا في خانة العوامل الخارجية المعرقلة للحكومة.

ليس مستساغا

اصلا، دمشق لا تستسيغ رئيس الديبلوماسية الفرنسية، وطالما اتهمه مسؤولون سوريون بتملّق اسرائيل آخذين عليه أنه لا يفوّت جهدا لعرقلة التقارب الفرنسي – السوري الذي يقوده شخصيا - بنظر هؤلاء - الرئيس نيكولا ساركوزي، عبر مساعده الاوثق كلود غيان، صديق السوريين هو الآخر. ويحمّل السوريون كوشنير مسؤولية غير مباشرة عن الاخراج السيئ لمسألة توقيع الشراكة الاورو – متوسطية مع سوريا، وعن اصرار هولندا على التحفظ عن التوقيع بسبب اعتراضها على وضع حقوق الانسان في سوريا (وهو ما يعرف بالشروط السياسية الخاصة بسوريا)، هذه الشراكة التي تعثّرت بفعل الاخراج الذي جعل دمشق كأنها في موقع المهرول، في حين ان الاتحاد الاوروبي منحها من الجمل اذنه، بحيث قرر دعمها بنحو 250 مليون يورو للتعويض على زراعتها وصناعتها اللتين ستتأثران بفتح الاسواق ورفع الحماية والدعم عن الزراعة والصناعة السورية، بينما منحت الجزائر اكثر من ضعف هذا المبلغ "لتعويض خسائرها من الرسوم الجمركية ونفقات تأهيل الصناعة"، وكذلك الاردن ومصر.

في أي حال، اتهم كوشنير دمشق، ساعاتٍ بعد اعلان الكي دورسيه ارجاء زيارته الى سوريا من ضمن جولته في اسرائيل والاراضي الفلسطينية، من دون توضيح السبب سوى ما قيل عن عدوله عن زيارة تل ابيب اثر منعه دخول غزة (لماذا ابقى على زيارة بيروت لو كان هذا السبب الفعلي؟)، وايامٍ بعد الرسالة التي بعثها وزير الخارجية السوري وليد المعلم الى الرئاسة السويدية للاتحاد الاوروبي يعلمها فيها "تردّد" دمشق في شأن توقيع اتفاق الشراكة في انتظار ان تنهي درس "تفاصيل الاتفاق وتقويم تأثيره على اقتصادها وخصوصا على القطاعات الإنتاجية التي ستتأثر مباشرة بإلغاء الرسوم الجمركية على دخول البضائع الأوروبية"، علما ان دمشق تجهد منذ العام 2004 كي توقّع هذه الشراكة، وهي هللت للاتفاق عندما نجحت ادارة ساركوزي في الضغط على هولندا كي تسحب تحفظاتها، ولا بد انها اشبعته درسا منذ جمّد جاك شيراك هذا المسار اثر قمة النورماندي والقرار 1559. ونقلت "لو موند" عن مصدر سوري رسمي رفيع المستوى قوله: "أولاً يتكبرون علينا في خلال خمس سنوات ومن بعدها يتكرمون علينا بسبعة عشر يوماً لنقرر... هذا ليس أسلوبا!".

بين العرقلة والتسهيل

لم يتّهم كوشنير دمشق حصرا عند وصوله، ولم يعد عن اتهامها عند مغادرته. لكن لائحة الاتهام جاءت مناقضة لمقاربات عدة ساقها قياديون في قوى الرابع عشر من آذار (مارس)، برّأت العاصمة السورية من التعطيل وحصرته بطهران على خلفية جملة من المؤشرات جمعها هؤلاء القادة على امتداد الاسابيع القليلة الفائتة.

في مؤشرات العرقلة والتسهيل، وما لفّ لفهما من محطات مهمة، يُقرأ الآتي:

1-حرْص رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية على تعميم رغبته في "التنازل" والاكتفاء بوزارة دولة، مباشرة بعد لقائه بالعماد ميشال عون وبعد اتصاله بالرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري. واللافت ان هذا التعميم جاء على رغم معرفة فرنجية بما سيدلي به عون بعد ظهر الاربعاء في الواحد والعشرين من تشرين الاول (اكتوبر) من مواقف اعتبرها زعيم الرابية ضرورية لـ "اصلاح" مناخ الاغراق بالتفاؤل.

ويرى القياديون في قوى الرابع عشر من آذار (مارس) ان فرنجية، صديق آل الاسد، اصر على تعميم هذا الموقف، على رغم علمه انه سيسقط من يد عون ورقة المساومة على الوزارة الخامسة المارونية، وذلك كي يستبق أي اتهام محتمل لدمشق بالمساهمة في عرقلة تشكيل الحكومة. وهو بذلك جعل القيادة السورية براء من تهمة التعطيل، لأن حليفها الاول والصديق السرمدي، قرر التنازل طوعا والى اقصى حد في سبيل التسهيل. فكيف يستوي، بعد ذلك، اتهام هذه القيادة بما هو مغاير لموقفها هذا او بمجافاتها التفاهم الذي ارسته قمتا جدة ودمشق؟

ويشير هؤلاء الى ان فرنجية استسهل، كرمى لهذا التسهيل، اغضاب انصاره ومحازبيه الذين عبّروا علنا عن امتعاضهم بوزارة الدولة ثمنا بخسا لكل ما قدمته "المردة" في تحالفها مع "التيار الوطني الحر"!

2-الاجتماع الذي جمع في دمشق، بداية الاسبوع الثالث من تشرين الاول (اكتوبر)، مختلف تلاوين المعارضة وتخلله تشاور مستفيض في مسار تأليف الحكومة، وهو الاجتماع الذي بقي بعيدا من التداول، واستتبِع بموقف هو الاول من نوعه منذ البيان السوري الرسمي اثر قمة دمشق، "اكد" فيه الرئيس بشار الاسد (حرص على استعمال صيغة التوكيد) من خارج النص او المناسبة (استقباله رئيسة فنلندا تاريا هالونين) "وجهة نظر سوريا بضرورة الإسراع بتشكيل حكومة وحدة وطنية تعيد الوضع في لبنان إلى حالته الطبيعية وإلى دوره الطبيعي بعد سنوات من الاضطراب والانقسام".

3-اللقاء الذي تردد انه جمع الامين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصر الله بالمسؤول عن الاتصالات السياسية في "التيار الوطني الحر" الوزير جبران باسيل، الاثنين في التاسع عشر من تشرين الاول (اكتوبر)، والذي شرح فيه باسيل مقاربة التيار لـ "الاغراق التفاؤلي" الذي شهدته الايام السبعة التي سبقت هذا اللقاء، وما سيعود العماد الى قوله عون بعد يومين.

حرب في البترون

4-الاجتماع المسيحي في معراب الذي اعاد تفعيل التواصل بين الاحزاب المسيحية في قوى الرابع عشر من آذار (مارس)، والذي بنتيجته "حدّد" رئيس الهيئة التنفيذية في "القوات اللبنانية" سمير جعجع ما هو مسموح وما هو محجوب عن "حزب الله" وحلفائه، أي وزارتي الاتصالات والعدل. وهذا التحديد هو ما اخرج عون عن طوره ودفعه الى قول ما قاله الاربعاء، وخصوصا ان وزارة العدل ستمنح الى بطرس حرب تحديدا، خصم صهره في البترون. واستطرادا، لن يكون سهلا ان يتربّع حرب على وزارة شبه سيادية لاربع سنوات متتالية ليخرج، في انتخابات 2013، الى معركة كسر عظم جديدة!

ويقول القياديون قوى الغالبية ان عون يحاول استبعاد حرب من الحكومة كرد مباشر على عدم اعطاء الاتصالات لباسيل أو على الأقل لقطع طريق اسناد وزارة العدل اليه ومطالبته بها كتعويض عن الاتصالات. ولم تكن مطالبته بست حقائب وزارية الا لمنع توزير حرب أو الدخول في مقايضة تؤمن له العدل بديلا من الاتصالات.

5-الصمت السياسي المطبق الذي يتّبعه "حزب الله" وحركة "امل"، وهو تجلى في اكثر من مناسبة.

6-التدقيق مجددا في صحة ما نقل عن السيد نصر الله لجهة قوله "على 14 آذار (مارس) نسيان امر الانتخابات النيابية والا فلا حكومة".

7-التمعّن تكرارا في ما سمعه في دمشق مسؤولون عرب: "ندرك ان جلالة الملك (السعودي) ارجأ القمة مرارا حتى حصل على وعد رئاسي بالتسهيل في لبنان. لكن تأثير ايران على "حزب الله" اقوى من تأثيرنا. دمشق فعلت ما عليها، فتلبحثوا الامر مع الطرف الثالث"!

8-الهجوم العنيف غير المسبوق الذي شنته على ايران صحيفة "الوطن" السعودية، شبه الرسمية في الثاني والعشرين من تشرين الاول (اكتوبر)، وحمل دعوة صريحة الى المواجهة: "النار الفارسية تحاصرنا من الشمال (العراق)، والآن من الجنوب (اليمن)، ونحن لدينا ألف عود ثقاب، ونستطيع أن نشعل ألف حريق في بلاد فارس لأنهم - كما يبدو - لا يفهمون سوى هذه اللغة"!

9-العرض المضاد الذي تقدّمت به طهران ردا على عرض مجموعة الست لتخصيب اليورانيوم في روسيا وفرنسا، ما ادى الى تأزم على هذا المستوى، قد ينسحب سلبا على لبنان. والتأزم هذا لن يجد مساحة افضل من الحكومة المعلّقة.

الاثنين، 19 أكتوبر 2009

Sphere: Related Content

تسعيان الى منع توتر جديد بين اسرائيل و"حزب الله".. والى اختراق على مستوى التسوية السلمية

باريس وواشنطن: مقاربتان مختلفتان لتهدئة تائهة

باريس لا ترى ان تل ابيب قادرة راهنا على شن حرب لكن الخطط جاهزة!

انتكاسات واشنطن اتاحت قيام محور ناشئ بين طهران وانقرة ودمشق

ينشر في "الاسبوع العربي" في 26/10/2009

بين انفجار مخزن الذخيرة في خراج بلدة خربة سلم الثلاثاء في الرابع عشر من تموز (يوليو)، وتفجير معدات التنصت في وادي الجمل الواقع بين بلدتي حولا وميس الجبل السبت في السابع عشر من تشرين الاول (اكتوبر) وبينهما والانفجار الغامض في طيرفلسيه الاثنين في الثاني عشر من تشرين الاول (اكتوبر)، 3 اشهر كاملة حفلت بالاسئلة والمقاربات الامنية – الاستخبارية، وبالتهديدات الاسرائيلية لـ "حزب الله" بـ "الاقتصاص" منه ومن لبنان، واتهامه بالسعي الى "الاخلال بالتوازن" الهش الذي نتج من القرار الدولي 1701 الصادر في آب (اغسطس) 2006. فماذا عما يشاع عن احتمال الحرب؟ وما موقف دول "اليونيفيل" مما يجري تداوله اسرائيليا؟ وما هي مقاربتا واشنطن وباريس لمشاريع التسوية ونزع الفتيل؟

حمل الأمين العام للرئاسة الفرنسية كلود غيان ومستشار الرئيس نيكولا ساركوزي جان دايفيد ليفيت ومساعده للشرق الأوسط نيكولا غالي، في زيارتهم الاخيرة لسوريا، الملف اللبناني ومسيرة السلام جزءا لا يتجزأ من المقاربة الساركوزية للعلاقة مع دمشق - قيادة ومحورا-، وأبلغ الوفد الفرنسي الى محدّثيه أن عدم استقرار لبنان ليس من مصلحة أحد إلاّ إسرائيل التي تُتاح الفرصة لها، في ظروف عدم استقرار لبنان، لأن تتدخل وأن تحوّل انتباه العالم الى مشاكل تبعدها من طريق السلام.

في هذا الوقت، سُجّل في باريس، في الخامس من تشرين الاول (اكتوبر) اجتماع استثنائي هو الاول من نوعه، جمع رئيس الأركان الإسرائيلي الجنرال غابي أشكينازي ورئيس الأركان الفرنسي الجنرال جان لوي جورجولان، واجتماع ثان استثنائي ايضا ضم أشكينازي ورئيس الأركان الأميركي الجنرال مايكل مولن الذي كان في النورماندي لزيارة المقبرة الأميركية حيث ترقد رفات عشرات الآلاف من الجنود الأميركيين الذين سقطوا في هذه المنطقة في ربيع وصيف العام 1944.

باريس والملفات اللاهبة

لم يرشح الكثير عن هذين الاجتماعين المنفصلين، اللذين ترافقا مع موجة تهديدات عسكرية اسرائيلية علنية لكل من ايران و"حزب الله"، على خلفية الملف النووي الايراني وما تشتبه تل ابيب الحزب بالاعداد له في الجنوب "لملاقاة" اي ضربة اسرائيلية للمفاعلات النووية في ايران.

وكان اشكينازي قد تحدث في خطاب عنيف في السادس عشر من تشرين الاول (اكتوبر) عن حرب حتمية ضد لبنان يتحضر لها الجيش الإسرائيلي، في سياق حملة إسرائيلية متواصلة عن قيام حزب الله بتعزيز قدراته العسكرية تصاعدت منذ فشل إسرائيل في تعديل قواعد اشتباك "اليونيفيل".

القليل مما تسرّب الى زوار باريس ان المواضيع الساخنة واللاهبة كانت محور الاجتماعين، وخصوصا الوضع في جنوب لبنان من زاوية وجود نحو ألفي عسكري في الكتيبة الفرنسية المنضوية تحت راية القوة الدولية المعززة (اليونيفيل).

من الواضح من مداولات اجتماع اشكينازي بنظيره الفرنسي، ان هاجس باريس الرئيسي يتمثّل في إمكان أن يؤدي اختلال الأمن في منطقة الجنوب، أي في منطقة عمليات القوة الدولية المعززة، إلى تهديد سلامة الكتيبة الفرنسية. فماذا عن سلامتهم في حال اندلاع حرب؟ وماذا سيكون عليه دور "اليونيفيل" في هذه الحال؟ هل تقف مع أحد من الطرفين (وهذا مستبعد) أم تقف على الحياد، وهذا لن يمنع تعرضها الى الخطر والقصف، وصولا الى اتهامها بالتهرّب وعدم القيام بواجبها؟

ومن الواضح ايضا ان باريس لا تزال تحلل الحادث الذي حصل في تموز (يوليو) الفائت حين تواجهت قوة فرنسية مع أهالي قرية خربة سلم لدى محاولتها تفتيش أحد المنازل بحثا عن أسلحة عائدة لـ "حزب الله" على اثر انفجار المخزن.

وهي، انطلاقا من كل ما تجمّع لديها من معطيات استخبارية، تتخوف من عودة احتمال التوتر بين "حزب الله" وإسرائيل، إن بسبب الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة للأجواء اللبنانية أو بسبب تأكيدات إسرائيلية على استمرار تهريب الأسلحة، وخصوصا تلك الاخيرة التي قالت ان دمشق نقلت الى الجنوب جزءا كبيرا من مخزونها الصاروخي الاستراتيجي.

كما تتخوف باريس من أن يفضي فشل مساعي الحوار والتفاوض بين طهران والمجتمع الدولي إلى انصراف إسرائيل الى توجيه ضربة عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية ما سيؤدي إلى نسف الاستقرار في الشرق الأوسط والخليج. وتجد باريس نفسها معنية من زاوية أخرى في ما سيحصل، إذ ان لها قاعدة عسكرية في أبو ظبي، ويربطها اتفاق دفاعي بالإمارات العربية المتحدة والكويت. وسبق أن عاودت النظر في اتفاقها الدفاعي مع أبوظبي، وهو يتضمن في أحد بنوده التزاما فرنسيا بأمن دولة الإمارات.

لا حرب راهنا ولكن..

وبناء على التقديرات الاستراتيجية والتكتيكية لاجهزة الامن الفرنسية، ولا سيما جهاز الاستخبارات الخارجي SDECE، لا ترى باريس ان إسرائيل جاهزة راهنا لشن حرب على "حزب الله" بسبب عدم الاستعداد الميداني والعسكري، وعدم جهوزية الداخل الإسرائيلي لحرب طويلة ومدمرة مع "حزب الله"، لكنها لا تنفي وجود خطط إسرائيلية لخوض حرب مقبلة في لبنان انطلاقا من انه "أمر بديهي ومعلوم في الأوساط العسكرية والسياسية، غير أن التخطيط للحرب أمر وشن الحرب أمر آخر". لكن هذه الحرب، في كل الاحوال، لا يمكن ان تقوم الا بتبني واشنطن لها على غرار ما حصل في حرب 2006، او اتفاق أميركي - إسرائيلي على أن تبدأ إسرائيل الحرب وتكملها اميركا. وهذان الاحتمالان، في التقدير الفرنسي، خارج الواقع والسياق الموضوعي والمنطقي بسبب الأوضاع في العراق وأفغانستان، والوضع الميداني المستجد في اليمن.

وفي تقدير الاستخبارات الفرنسية ان ثلاثة أسباب قد تؤدي إلى مواجهة وهي: اسر "حزب الله" جنودا إسرائيليين، ونجاح إسرائيل في إغتيال احد القادة الكبار في الحزب (في اشارة الى الامين العام او نائبه)، واغتيال مسؤول إسرائيلي كبير كرد على اغتيال القيادي في الحزب عماد مغنية.

لكنها ايضا ترى ان تل ابيب قادرة على توظيف اي من الحوادث الامنية في الجنوب (انفجار مجزن ذخائر او وجود سلاح حزبي جنوب الليطاني)، في اتجاه دراماتيكي.

من هنا، لا بد من مراقبة ما سيكون عليه موقف باريس من مشاركتها في القوة الدولية المعززة، لأن سيناريو الحرب سيصبح اكثر من محتمل إن هي اقدمت على سحب جنودها أو خففت حضورها، أو أعادت كتائب "اليونيفيل" تموضعها وانتشارها بصورة مفاجئة.

العوامل النافية

وسط هذه الصورة، تنكب مراكز الابحاث الغربية على مراجعة شاملة للاقليم على وقع التطورات الحاصلة، انطلاقا من قناعة بحثية بأن "أزمات الشرق الأوسط تربط أمنه بالأمن العالمي وتعزز تباعا النفوذ الإيراني".

احد هذه الابحاث، ما نشره كيهان بارجيزار (الأستاذ الزائر في جامعة هارفارد وأستاذ العلاقات الدولية في جامعة "أزاد الإسلامية" في طهران)، وفيه محاولة للإجابة عن مجموعة من التساؤلات من قبيل: كيف يرتبط أمن منطقة الشرق الأوسط بنظام الأمن العالمي؟ وما موقع إيران ضمن منظومة الأمن العالمي؟ وما الأسباب التي أدت إلى تصاعد الدور الإيراني في المنطقة؟

يقول بارجيزار في البحث الذي نشرته دورية Ortadogu Etutleri بعنوان "إيران والشرق الأوسط والأمن العالمي": (...) "في لبنان أدى صعود العامل الشيعي إلى السلطة إلى تعزيز الدور الإقليمي الإيراني، وذلك من خلال ثلاث مراحل:

-المرحلة الأولى: بدأت مع انتصار "حزب الله" على إسرائيل في حرب صيف 2006، ما عزز الدور الإيراني في الشؤون اللبنانية والفلسطينية من الناحية الاستراتيجية. فالحرب لم تكن حربا تخوضها لبنان وإسرائيل فحسب، بل هي حرب إقليمية بين الولايات المتحدة وإيران عبر وكلائهما، "حزب الله" وإسرائيل. ومن هذا المنظور مهدت الحرب الطريق لحضور إيران المباشر على سواحل البحر المتوسط وعند الحدود الإسرائيلية.

-المرحلة الثانية بدأت مع انتصار "حزب الله" في جولة جديدة من التنافس السياسي الداخلي في ربيع 2008، عندما شرعت الجماعة الشيعية اللبنانية في التصدي لحكومة فؤاد السنيورة الموالية للغرب. ويُعتقد أن الاتفاق بين الطوائف اللبنانية الذي تم التوصل إليه في مؤتمر الدوحة كان نصرا استراتيجيا آخر لـ "حزب الله وإيران" في منطقة البحر المتوسط.

-المرحلة الثالثة شهدت ازدياد الدور الإقليمي الإيراني نتيجة معارضة طهران الحرب الإسرائيلية على غزة في حرب الـ 22 يوما. وبينما لزمت كل النظم المحافظة العربية الصمت، كانت إيران إحدى الدول الإقليمية الرئيسة التي دانت العمليات العسكرية الإسرائيلية ودعت إلى رد فعل قوي من المجتمع الدولي".

واشنطن: كسر الحلقة المفرغة

تأسيسا على ذلك، تتوقّع مراكز ابحاث اوروبية ان تعمد واشنطن الى كسر هذه الحلقة المفرغة من الحروب والتوتيرات التي ادّت حصرا الى اضعاف وجود واشنطن وتعزيز الدور الايراني، ما اتاح قيام محور ناشئ بين طهران وانقرة ودمشق يميل اليه كثر من سكان الاقليم، وخصوصا في ضوء المواقف التركية الاخيرة من قمع المشاركة الاسرائيلية في مناورات "نسر الاناضول"، الى تنامي الخصام والثقافي والاجتماعي بين الاتراك والاسرائيليين.

وتدرك واشنطن، حيال هذا الواقع، ان التعويل على "القوة الناعمة" و"الاختراقات النظيفة"، هي باب من ابواب كسر هذه الحلقة المفرغة والعبثية من التوتر، وذلك لا يكون الا من طريق طرح مبادرات سلمية تمسّ جوهر قضايا الشرق الاوسط وسبب تفشي النزاعات والتطرف فيه، اي القضية الفلسطينية. من هنا كان التعويل على مبادرة الرئيس الاميركي باراك اوباما، وهي مبادرة بتشعبات عدة، بدأت من خلال صوغ مقاربة جديدة مع الرأي العام الاسلامي انطلاقا من زيارتيه المؤثرتين الى تركيا ومصر، وتستمر من خلال المسعى الى وقف الاستيطان الاسرائيلي كشرط لبدء اختراقات ملموسة على مستوى اعادة اطلاق عملية التسوية تفتح رأس جسر لحوار عربي – اسرائيلي، وإن بصيغة بدائية.

Sphere: Related Content

من عين الرمانة – الشياّح الى باب التبانة – جبل محسن

من يحرّك فوالق الحروب والتصدّعات المذهبية؟

امنيون ينبّهون الى تزاحم استخباري عربي – دولي

تزامن بريئ بين الخروق الامنية والقمة السعودية – السورية؟

ينشر في "الاسبوع العربي" في 19/10/2009

وضعت الحادثة المأسوية في محلة عين الرمانة ليل السادس من تشرين الاول (اكتوبر) والتي قضى بنتيجتها الناشط في "التيار الوطني الحر" جورج ابو ماضي، معطوفة على الخروق الامنية في مدينة طرابلس بين محلتي التبانة وجبل محسن، الامن في واجهة الاهتمامات اللبنانية، نظرا الى هشاشة الهدوء اثر موجة من الاحتقان السياسي على خلفية تعثّر تشكيل الحكومة.

تقّدم الشأن الامني في اولويات الاهتمام الديبلوماسي، وسط دفق هائل من تقارير السفارات والبعثات الديبلوماسية العربية والاجنبية، التي توسّعت في شرح مخاطر اي تفلّت امني:

-إن على خلفية مأساة عين الرمانة التي تستمر مع جارتها الشياح في ان تكونا مسرحا لاستفزازات وعراضات وتحرّشات خطرة تتهدد السلم الاهلي والامن القومي، نظرا الى ما لـ عين الرمانة في الذاكرة اللبنانية من مكانة ترمز الى مأساة الحرب، وبإعتبارها خط تماس في مساحة تصارعت على ارضها وبشبابها، القوى الحزبية والمليشيوية من امراء الحرب ورموزها.

-او على خلفية القذائف المجهولة التي تصيب الاحياء الآمنة في طرابلس وتحرّك النعرات وتؤدي الى تأزيم النفوس وزيادة النفور بين اهالي المحلّتين.

ويخشى بعض المراقبين من ان ثمة مشروعا خارجيا اشبه بمؤامرة، يرمي الى تحريك نقاط التصدّعات وفوالق الزلازل السياسية والامنية في البنيان اللبناني، وخصوصا في المناطق ذات الحساسية التاريخية كمحلة عين الرمانة التي شهدت انطلاق الحرب اللبنانية بسبب ما يوصف تاريخيا بشرارة بوسطة عين الرمانة، وكثنائية باب التبانة – جبل محسن التي تشهد نزاعات اهلية متواصلة، وكانت رمزا من رموز الحرب ايضا.

ولئن تنحو التحقيقات في مأساة عين الرمانة الى حصرها في الاطار الفردي، يُفترض بالقيادات السياسية والحزبية ان ترفع الغطاء وتنفي الحضن عن مجموعات متوترة وشباب طائش ورعاع ومنحرفون ومهمشون ويافعون أسرى الطيش والعصبيات والسلوكيات العنجهية والاستعراضية، وهم بمجملهم يقيمون أوكارهم ليلا على الأرصفة في المناطق ذات هامش فقر مرتفع، ويتحركون في مواكب دراجة أو سيارة مدججين بالسكاكين والجنازير والعصيّ، يتحرشون بالفتيات ويرابطون في أحيائهم بزعم التصدي لغزوات المتحرشين من الأحياء المجاورة، وبينهم من يتعاطى المخدرات والحبوب المنشطة على أنواعها، وهم تبرعوا دائما في ظروف الاحتقان السياسي و الطائفي والانتخابي بتنظيم عراضات استفزاز متبادلة.

ضجة على وقع مأساة

واقع الامر انه كان يمكن لحادثة عين الرمانة ولأحداث باب التبانة – جبل محسن، ان تمرّا كما مرّت مثيلاتهما سابقا، مثلهما مثل الخروق الأمنية المتنقلة في المناطق، ولكن الحادثتان اقتطعتا مساحة واسعة من الاهتمام الشعبي والسياسي والاعلامي والديبلوماسي، ونافستا حدث القمة السورية – السعودية، والمداولات اللبنانية في شأن الحكومة، نظرا الى مجموعة عوامل محلية واقليمية سياسية ونفسية، والى بعض "القراءات المقارباتية":

1- ففي عين الرمانة – الشياح، تبرز:

أ-الرمزية التاريخية - النفسية للمساحة التأزمية بين عين الرمانة والشياح كأول خط تماس في الحرب ومنطلقها وحاضن شراراتها المباشرة في نيسان (ابريل) العام ١٩٧٥. وكان لافتا ان كثرا على جانبي هذه المساحة قد غادروا منازلهم ونزحوا موقتا الى مناطق اكثر امنا في انتظار هدوء النفوس وتراجع التشنّج.

ب-الرمزية الطائفية لشارعين شرقيّ وغربيّ، اكتسباها منذ شباط (فبراير) ٢٠٠٦، يوم اجتمع زعيمين ماروني وشيعي لتوقيع وثيقة تفاهم كان لها تأثير مباشر ومستمر في الأوضاع الداخلية وواجهت تحديات واختبارات في محطات عدة.

ج-"الرمزية السياسية - الطائفية لتماس فاصل بين شيعية سياسية – حزبية يختصرها ثنائي "حزب الله – حركة "امل"، وبين "مارونيات" تحنّ لمارونية سياسية دفنتها حروب واتفاقات، وتتصارع راهنا (كتائبيا - قواتيا – عونيا)، إما لاستعادة مجد غابر او لتثبيت جدوى تفاهم يصاب بكلَمٍ كلّما سقطت ضحية او هُدرت دماء على خطوط التماس الطائفية. فقرأت "القوات اللبنانية" الحادثة رسالة سياسية موجهة الى تعاظم حضورها. وقرأ "التيار الوطني الحر" رسالة الى العماد ميشال عون، بعدما تبين ان الضحية هو من أنصاره، كي لا يذهب بعيدا في انفتاحه وحواره مع الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري.

2- في باب التبانة – جبل محسن، تُبرز:

أ-ثنائية خط تماس متواصل بين اكثرية سنية واقلية علوية.

ب-ثنائية تصارعية، تختصر (او يخيّل لها انها تختصر) صراع جماعة طائفية ثكلها اغتيال زعيمها، مع نظام تتهمّه لو سياسيا بهذا الاغتيال.

ج-مساحة تتصارع فيها عشرات اجهزة الاستخبارات في مدينة كانت ولا تزال مفتوحة على انواع شتى من التنافس الاستخباري الظاهر والمستتر.

وتاليا، أصبح اي حادث في هاتين المساحتين نذر شؤم يوقظ ذكريات وجروحا وتقيؤات!

الحادثتان والقمة

بيد ان ما منح هاتين الحادثتين بعدا اقليميا ودوليا، تزامنهما (صدفة او ميعادا) مع القمة السعودية – السورية في دمشق، نظرا الى ان تقارير كثيرة كانت تترقّب حادثا او خرقا امنيا إما يطيح بالقمة او يؤثر في مسارها او يحوّل الاهتمام عنها،؟ ونظرا ايضا الى ان مراجع امنية حذرّت تكرارا من ان ينتج التمديد للفراغ الحكومي مآس وخروقا اصولية – قاعدية او استخبارية مشبوهة.

حقيقة الامر ان ايا من الهواجس هذه لم تثبتها التحقيقات القضائية والامنية في مأساة عين الرمانة التي لا تزال تُحصر في اطار الاشكال الفردي افتعلته توتر مذهبي ضارب في جذور الذاكرة الجماعية، وشلل اعتادت الاستباحة والتسيّب.

لكن الحقيقة ايضا ان الظروف الداخلية وتلك المحيطة، تفترض وعيا اكبر لدى القيادات الحزبية المعنية بمواقع التوتر والتشنّج، حيث خطوطها تمتدّ عاصمة وشمالا وبقاعا وجبلا، بحيث تنصرف هذه القوى الى اجراءات وقائية – ردعية لبعض الجماعات المتوترة والمتهورة التي تستظل غطاء حزبيا كي تعيث فوضى بإسم من يغطيها او تدّعي ذلك.

محاذير امنية

وكان موفدون كثر قد حذّروا من مخاطر استمرار الفراغ الحكومي وانعكاساته الامنية، في حين حمل المستشار الخاص للرئيس الفرنسي هنري غينو في زيارته الاخيرة لبيروت، تنبيها سياسيا – استخباريا، من امكان ان يتسلل متضررون من الاستقرار اللبناني وبعض المجموعات الاصولية المرتبطة بـ "القاعدة"، وينْفِذوا في اتجاه تفجيرات امنية تطال شخصيات لبنانية مدنية وعسكرية وروحية، او تستهدف القوة الدولية المعززة العاملة في الجنوب من ضمن رغبة "القاعدة" في ان يكون لبنان ملاذا جديدا لها وساحة جهاد بعدما مُنيت مشروعاتها في العراق وافغانستان بضربة قاسمة، وانهارت المراحل الاولى من مشروعها فرض الولاية الاسلامية على المنطقة الممتدة من فسطين الى افغانستان.

ويحذر امنيون من تداعيات اي خروق امنية، نظرا الى أن توقيت مثل هذه الأحداث في الظرف السياسي الراهن وفي ظل الاستحقاقات الدقيقة التي يمر بها لبنان من شأنه أن يضر بأي تفاهم سياسي لمصلحة الذين لا يريدون إرساء أسس السلم الأهلي.

ويرى هؤلاء انه عندما تحصل حوادث داخلية وتسعى القوى الامنية الى القيام بما يجب عليه من اجراءات وقائية وردعية وعقابية، تهبّ تكتلات طائفية لحماية المرتكبين، مع أن السبب قد لا يتجاوز احيانا تخوف شبان ميليشيويين موجودين في كل الأطراف من استقرار الوضع الأمني وتشديد قبضة الدولة. وهذا ما لا مصلحة لهم به، لذا يعمد بعضهم إلى أعمال فردية إجرامية يستفيد منها فريق ثالث ليحقق مصالحه الخاصة سواء في السياسة أو في الأمن.

ويتحدثون عن تقارير عن دخول عناصر استخبارية اقليمية ودولية على خط التشنّج، ربما بنيّة تنفيذ بعض الاغتيالات او محاولات الاغتيال، ورغبة في تأجيج الوضع بين الطوائف، وربّما لتفويت موسم سياحي واعد في المجمّعات الشتائية ومع عيدي الميلاد ورأس السنة.

كما يتخوّف هؤلاء الامنيون من أن تعمد اسرائيل الى تنفيذ اغتيالات لتحويل النظر عن ملف عملائها. ويأتي في هذا الاطار ما حكي عن محاولة لاغتيال النائب سامي الجميل، كما عن خطة لاستهداف المرجع الشيعي السيد محمد حسين فضل الله.