الأحد، 31 مايو 2009

Sphere: Related Content
لبنان نحو مسيرة تعزيز الجمهورية بعد عام من الهدوء النسبي؟
سليمان في بدء سنة ثانية: واثق الخطوة يمشي رئيسا
تعديل في الصلاحيات يمكّن رئيس الجمهورية الحكم لا ادارة الازمة

ينشر في "الاسبوع العربي" في 8/6/2009
بات لبنان على مشارف الانتقال الى مرحلة سياسية جديدة مع اتمام الاستحقاق الانتخابي وتجديد السلطة بعد السابع من حزيران (يونيو). هذا الاستحقاق يشكل للكثيرين محطة امل ببثّ روح جديدة الى الحياة السياسية اللبنانية التي عانت الشلل والركود نحو عامين نتيجة ازمة وصّفها البعض بأزمة نظام. الا ان لبنان عاش بعد ذلك ما يشبه فترة الانفراج قرابة العام منذ تاريخ انتخاب العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية. ولربما كانت هذه السنة الهادئة نسبيا عصارة توافق عربي على التهدئة تظهّر في اتفاق الدوحة ونتج منه ختام ازمة استفحلت واشتدت حتى انفجرت في السابع من ايار (مايو) 2008. مرحلة جديدة يفترض ان تشهدها الساحة اللبنانية بعد الانتخابات، فهل تشكّل الرئاسة مهدها بعدما كانت محور الاهتمام المحلي والاقليمي والدولي خلال العام الفائت؟
كثر الكلام في الفترة الاخيرة على ضرورة تقوية موقع رئاسة الجمهورية وتعزيز دورها وتفعيله ليتمكن رئيس الجمهورية من لعب دور الحكم الذي اناطه به اتفاق الطائف، وانهاء مرحلة سياسية تلت اتفاق الدوحة كان فيها الرئيس محكوما بإتفاق سياسي حيث كان الهدف تمرير مرحلة الانتخابات التشريعية.
وبما انّ الازمة ابرزت ضرورة تفعيل دور الرئيس لتجنيب البلد التعطيل والشلل نتيجة قدرة اي من الاطراف السياسيين على الاستئثار والتعنت، من الواضح انّ بند صلاحيات الرئاسة سيطرح بجدية، اقله من الرئيس سليمان، في الفترة التي تلي الانتخابات، بالاستناد الى ما قاله هو نفسه في مناسبات عدة وآخرها خطابه في ذكرى مرور السنة على انتخابه رئيسا، في احتفال في مسقطه في عمشيت.
ولا يخفي ديبلوماسيون عرب واجانب عاملون في بيروت، ان ثمة تعاطفا اقليميا – دوليا مع سعي الرئاسة الى تبديل بعض النصوص الدستورية بحيث يتاح للرئيس ان يحكم فلا تقتصر ولايته على ادارة الازمة، وفي هذا التبديل رغبة جامحة لعدم تكرار رئاسة المغفور له الياس سركيس، يوم جُمّدت صلاحيات الرئاسة ليس بفعل الدستور، بل بفضل "البلطجة" الميليشيوية التي مارستها قوى الامر الواقع في حينها، معطوفا عليها التنافس الفلسطيني – السوري - الاسرائيلي على حكم لبنان، تارة من جونية وطورا من بعبدا.
ويشير هؤلاء الديبلوماسيين في جلساتهم الاسبوعية التقويمية، ان اداء الرئيس سليمان اظهر وعيا كاملا ومقاربة موضوعية للواقع السياسي، وهو امر ساعد كثير على تثبيت الاحتضان الخارجي للبنان بشخص الرئيس العارف والمدرك للتوازنات ولسبل الحكم، بعيدا من نشوة الكرسي.
ويتوقع الديبوماسيون العرب والاجانب ان يستعيد الرئيس القدرة الكاملة على الحكم بعيدا من التعطيل او التعثر الذي شاب سنته الرئاسية الاولى، والناتج بشكل رئيسي من مفاعيل خارجة عن ارادته بسبب رغبة اطراف لبنانيين كثر في عرض قواهم، كسلاح من اسلحة التنافس للفوز بالغالبية النيابية.
تعزيز الرئاسة ضرورة
في هذا السياق، يرى مصدر سياسي محايد انّ خطاب رئيس الجمهورية في عمشيت جاء مكمّلا لخطاب القسم بعد تجربة العام الأول كما جاء في مكانه عشية الانتخابات ليؤكد حيادية الرئيس، من دون أن يكون هذا الحياد في مثابة اللا مبالاة، بل حياد إيجابي يجعل منه رئيسا فعليا للجمهورية وليس مديرا للأزمة"، لافتا الى أن "هذا ما أراد الرئيس سليمان أن يذكّر به كل الأفرقاء عندما تحدث عن التوازنات وإدراتها، وكذلك بتعهده حكومة حاضنة وضامنة مهما كانت النتائج".
ويشير المصدر الى انّ الرئيس اكد الثوابت حول الطائف والدستور من دون إغلاق النوافذ على مستقبل لبنان وتطوره وإصلاحاته المفترضة، وكذلك الإشارة الى الحكومة الحاضنة والضامنة بأنها حكومة المشاركة بلا تعطيل، من دون أن تكون الضمانة من فريق واحد على حساب الآخرين.
ويؤكد انّ مطلب رئيس الجمهورية تعزيز دور الرئاسة هو مطلب اساسي وضروري لاستقامة الوضع السياسي في البلد في المرحلة المقبلة، لافتا الى انّ المشروع يجب ان ينصبّ على كيفية تأمين التوازن والشراكة في النظام اللبناني وفي الوقت ذاته تصحيح الخلل الذي كان قائما في المرحلة السابقة على صعيد موقع رئاسة الجمهورية. ويشير الى انّ الرئيس تحدث عن موضوع الصلاحيات في مطلع خطاب القسم، لذلك طرحه ليس بجديد.
ويقول: انّ دور رئيس الجمهورية بعد اتفاق الطائف وصف بالحكم، ولكن هذا الحكم في حاجة الى وسائل وامكانات ليتمكن من الاضطلاع بدروه. والورشة الاصلاحية يجب ان تأخذ في الاعتبار تفعيل موقع الرئاسة من خلال تعزيز صلاحيات الرئيس دستوريا وليس فقط سياسيا. فرئيس الجمهورية يجب الا يبقى رهن مزاجية الاطراف السياسية وولاءاتها ومصالحها. والمطلوب تعزيز الصلاحيات دستوريا وتدعيم موقع الرئاسة كواقع دستوري يستطيع الرئيس ان يمارسه في اي وقت من دون الاخذ في الاعتبار مشيئة اي من الاطراف السياسيين، او المرور عبرها لتنفيذ ما يراه مناسبا وملائما لحكمه.
ويعتبر المصدر ان البحث في ورشة الاصلاحات سيستوي، لكن من دون المس بالتوازنات الطائفية التي وردت في اتفاق الطائف، منبّها الى ضرورة التمييز بين اتفاق الطائف والدستور اللبناني ومشيرا الى انّ المطلوب ليس تعديل الطائف كوثيقة وفاق وطني ترعى التوازنات الطائفية، انما اعطاء الرئاسة الامكانات اللازمة لتلعب دور الحكم. ويلفت الى انه يبج البحث في اعطاء رئيس الجمهورية القوة الوازنة في مجلس الوزراء ممّا يعزز قدرته على فضّ النزاعات وتسهيل التوصل الى حلول.
ويشدد على ضرورة ان تكون مؤسسات الرقابة كمجلس الخدمة المدنية وديوان المحاسبة وهيئة التفتيش خاضعة الى سلطة رئيس الجمهورية وليس للسلطة التنفيذية، فالرئيس هو الحكم الذي يراقب ويشرف ويحاسب.
استعادة الدور المفقود
انطلاقا من هذه القراءة المحايدة، يشير الواقع السياسي الى انّ رئيس الجمهورية يتعاطى مع دوره في مرحلة ما بعد الانتخابات النيابية من زاوية حقوقه الدستورية وليس حجم كتلة النواب المستقلين التي ستفرزها هذه الانتخابات، وهذا ما يبرر عدم تبنيه اي من المرشحين الى الانتخابات ومنهم "الوسطيون" او "المستقلون"، اذ لا يبدي اهتماما كبيرا لدعمهم الى حدود خوض معاركهم، وهو يترك لهم حرية دخول السباق، من دون أن يربط تصوّره ومشروعه للمرحلة المقبلة بالنتائج التي يمكن أن يحققوها. وحتى لو ربط المستقلون موقفهم السياسي بسياسة رئيس الجمهورية وتوجهاته، فإن الرئيس سليمان يعتبرهم قيمة زائدة او مضافة، وليسوا ضرورة لا غنى عنها.
وسط هذا المناخ، يلفت متابعون للواقع السياسي عشية الاستحقاق الانتخابي، الى انّ الرئيس سليمان مدرك انّ موقعه وقوته ليسا مرتبطين بموازين القوى الانتخابية ونتائج الانتخابات، بل بالموقع الذي يشغله والصلاحيات التي يمنحها النظام السياسي اللبناني والدستور لهذا الموقع، والتفاهم الاقليمي – الدولي الذي زكّاه للرئاسة.
ويقولون انّ المعركة المفصلية بالنسبة إليه، ليست الانتخابات النيابية التي يخوضها السياسيون، إنما تشكيل حكومة ما بعد الانتخابات وفق تصوره هو لتركيبتها، وهو تصور عبّر عنه في أكثر من مناسبة خلال الفترة الأخيرة، رافضا حكومة اللون الواحد التي تستثني اي فريق من اللبنانيين. وبحسب تصوره للمرحلة المقبلة، فإن أحكام الدستور تمنحه صلاحيات واسعة في تشكيل الحكومة وتركيبتها، وفي اختيار وزرائها، لو كانوا من الحصص السياسية للأحزاب والتيارات السياسية اللبنانية، وهو ما يعتبر المفتاح الاساسي لإدارة البلاد.
خيارات للحكم
وفي رأي هؤلاء المراقبين ان فحوى خطاب سليمان في عمشيت، بعد انقضاء عام على انتخابه وحكمه "بالتي كانت هي الداء"، وهو المفوَّض دوليا بإدارة مرحلة ما بعد الدوحة، سلّط الضوء على المعبر الضيّق والفاصل، وفق المفهوم اللبناني، بين رئيس الجمهورية كرئيس توافقي لادارة الازمات والتوازنات الثقيلة، وبين صراع مفتوح بين فريقي الازمة والاصطفاف، حتى بات صعبا على المؤسسات الدستورية تنظيم الخلاف أو التخفيف من حدة وطأته.
ويظهر الرئيس سليمان، وفق هؤلاء المراقبين، عزما على التمسك بصلاحياته، وهو لن يتوانى عن خوض اي مواجهة مع كل من سيحاول تجاوز الدستور وفرض تركيبات لا يقتنع بها. كما انه عازم على العمل بموجب متطلبات النظام السياسي اللبناني القائم على فصل السلطات، وهو في تركيبة الحكومة المقبلة سيفتح الابواب واسعة أمام إمكان محاسبة الحكومة في مجلس النواب، وسيرفض اي محاولة لجعل الحكومة مجلسا نيابيا مصغّرا، تتعطل من خلاله قدرة الرئاسة على إدارة البلاد، وقدرة المجلس النيابي على محاسبة السلطة التنفيذية.

الاثنين، 25 مايو 2009

Sphere: Related Content
نائب الرئيس الاميركي يستطلع المناخات في توقيت دقيق
بايدن في بيروت: مواكبة لتحرك اوباما ونفي لصفقة على حساب لبنان
واشنطن مهيأة لاي احتمال في الانتخابات اللبنانية وجاهزة للتعايش مع ما لا تحبذ

ينشر في "الاسبوع العربي" في 1/6/2009
انتهت الزيارة الرسمية والسياسية لنائب الرئيس الاميركي جوزف بايدن الى لبنان، وهي الارفع منذ العام 1983 يوم زار نائب الرئيس في حينه جورج بوش بيروت لشد ازر قوات مشاة البحرية الاميركية الذين سقط نحو 300 قتيل في تفجير سيارة مفخخة في مقرهم، بشيئ من جدل في الوسط السياسي اللبناني لا سيما وانها تأتي عشية الانتخابات النيابية المرتقبة. الا انّ البارز في الشكل انها الزيارة الاولى على هذا المستوى بعدما كانت تكتفي الادارات الاميركية السابقة بإيفاد رئيس الديبلوماسية الاميركية عند الرغبة في نقل موقف او رسالة، والحال هذه ثابتة في الجمهورية الثانية منذ وارن كريستوفر وصولا الى هيلاري كلينتون وبينهما كولن باول وكوندوليسا رايس.
امتدت زيارة المسؤول الاميركي الرفيع سبع ساعات امضاها متنقلا بين القصر الجمهوري في بعبدا ومقر الرئاسة الثانية في عين التينة والسراي الحكومي والحازمية حيث التقى اقطاب قوى الرابع عشر من آذار (مارس) في منزل النائب نايلة معوض. وحمل بايدن في محطته الاولى في بعبدا دعما أميركيا رفيعا الى رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، والى مؤسسات الدولة، استكمالا للرسالة والابعاد التي حملتها زيارة وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون لبيروت قبل أسابيع.
مواكبة لتحرك اوباما
وبحسب مرجع اطلع على فحوى محادثات بايدن في لبنان فانّ نائب الرئيس الاميركي اراد من خلال حضوره الى بيروت ان يواكب تحرك الرئيس الاميركي باراك اوباما قريباً في المنطقة مصحوباً بكلام على السلام، خصوصا وان المبعوث الاميركي الخاص للشرق الاوسط جورج ميتشل سيزور بيروت في منتصف الشهر المقبل لاطلاع المسؤولين اللبنانيين على آفاق عملية السلام في المنطقة.
وبحسب المعلومات فانّ بايدن شدد على أن بلاده ستحترم النتائج التي ستسفر عنها الانتخابات التشريعية اللبنانية، وأنها ستتعامل مع الطرف الذي سيفوز فيها، سواء 8 أو 14 آذار (مارس)، مؤكدا أن المهم بالنسبة إلى بلاده أن تكون هذه الانتخابات شفافة. كما ركز بايدن على انّ الحوارات التي تقوم بها الإدارة الأميركية في المنطقة، ترمي إلى إيجاد حلول للأزمات القائمة فيها ولا يزال الانفتاح على بعض البلدان رهن الاختبار، مؤكدا أن "لا خلاص لهذه المنطقة إلا بالحل الشامل".
المحطة اللبنانية... في التوقيت
الى ذلك، اتت زيارة بايدن المفاجئة والقصيرة قبل اسبوعين من الانتخابات النيابية وعشية بدء اسرائيل مناورة عسكرية هي الأكبر والأشمل، وقبل 3 ايام من زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، التي قام بها الإثنين في الخامس والعشرين من ايار (مايو)، لتسليم الديبلوماسية اللبنانية دعوة الى حضور مؤتمر أنابوليس للسلام. كما ان الزيارة تأتي بعد فشل المحادثات التي أجراها الرئيس باراك أوباما مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو في واشنطن، خصوصاً حول حلّ الدولتين الذي تتمسك به الإدارة الأميركية وترفضه الحكومة الإسرائيلية.
من نافل القول ان زيارة بايدن ارادها الرئيس اوباما دفعة قوية وشديدة التأثير لتأكيد كل الرسائل التي سبق ان نقلها في الاشهر القليلة الفائتة مسؤولون اميركيون، ولُبّها ان واشنطن لن تدير أي صفقة على حساب لبنان وسيادته واستقلاله.
لكن الرئيس والاساس في هذه الزيارة، تماما كما زيارة الوزيرة كلينتون، هي رسالة اميركية واضحة تأكيدا على اهمية موقع رئاسة الجمهورية. وقد قرأ بعض المراقبين والمتابعين رسالة دعم مزدوجة لرئاسة الجمهورية ممثلة بالرئيس سليمان، وللمؤسسة العسكرية التي أوصلته إلى موقع الرئاسة الأولى، حيث يعول عليهما، من أجل إحداث توازن سياسي في حال فوز المعارضة في الانتخابات المقبلة.
فعلى رغم ان ّاللقاءات الرسمية لم تكن محصورة في قصر بعبدا، الا انّ موقع الرئاسة يشكل، بحسب المراقبين، مركز اهتمام للادارة الاميركية لانه سيبقى الجهة الرسمية الوحيدة القادرة على ان تبقى خارج الاصطفاف السياسي والحزبي، انى كان الفائز في الانتخابات النيابية.
ثلاثة عناوين
انطلاقا من هذه القراءة الاميركية، لا يخفي ديبلوماسيون معنيون ان مرامي الزيارات المكوكية للمسؤولين الاميركيين الى لبنان تندرج في اطارات ثلاثة:
-اولها التأكيد ان الانفتاح على سوريا وايران وامكان الوصول الى أي اتفاق، لن يكون على حساب لبنان، وهذا ما اكدته كلينتون وقبلها جيفري فيلتمان وبعدها ديفيد هيل.
-وثانيها عرض الرؤية الاميركية لحل الدولتين في فلسطين واسرائيل. وفي هذا الاطار يؤكد الرئيس سليمان ان همّ لبنان وهاجسه في كل ما يُبحث ويُطرح في هذا السياق، هو الا يكون الثمن او احد اثمان أي تسوية، توطين الفلسطينيين في لبنان.
-وثالثها التحضير لزيارة المبعوث الرئاسي الاميركي الى الشرق الاوسط جورج ميتشل، الذي ينوي ان يشمل بيروت ودمشق في جولته المقبلة الى المنطقة، وهي الثالثة على هذا المستوى.
ويشير الديبلوماسيون المعنيون الى ان بايدن شدد على اهمية وحدة اللبنانيين والالتفاف حول رئيسهم من اجل تمهيد المناخات الملائمة لما ينتظر لبنان من استحقاقات اقليمية ودولية، وخصوصا في عملية التسوية، انطلاقا من تأكيده ايضا اهمية انجاز الانتخابات النيابية بشفافية وديمقراطية بعيدا من العنف والتهويل واي تدخل خارجي.
وفي حال فازت المعارضة
في الموازاة تتزامن زيارة المسؤول الاميركي مع نقاشات في كل من لندن وباريس وواشنطن عن الآلية التي ستتبع في التعاطي مع السلطات اللبنانية في حال حصلت المعارضة على الغالبية النيابية نتيجة فوزها في الانتخابات.
في هذا السياق، ذكر تقرير ديبلوماسي ان واشنطن تعتقد بأرجحية فوز المعارضة الا في حال قلبت قوى الرابع عشر من آذار (مارس) الطاولة، وسارعت الى تحضير خريطة سياسية واقعية او مبادرة تعيد تصحيح المسار الانتخابي، (قد يكون ما قيل عن استمالة الكتلة المترددة احد هذه الخيارات الرابحة). ولفت التقرير الى ان واشنطن باتت مهيأة لاي من احتمالي فوز 14 او 8 آذار (مارس)، وجاهزة لتقبل أي واقع والتكيف مع ما لا تحبّ وتحبّذ اصلا، لكن ليس في مستطاعها تجاهله او اهماله، وهي لن تكرر ما حصل معها في الانتخابات التشريعية الفلسطينية.
واشار التقرير الى ان واقع الحال بالنسبة الى استمرار المساعدات الاميركية الى لبنان، وخصوصا للمؤسستين العسكرية والامنية، لا يعود الى الادارة بالقدر الذي يتعلق بالكونغرس تحديدا الذي لن يكون من السهل عليه تقبّل فوز "حزب الله" وحلفائه بالغالبية النيابية التي تمكنه الامساك بالسلطة. وقد يدفع هذا الواقع الكونغرس الى التريث في تنفيذ البرامج المقررة للبنان ولن يكون سهلا اقرار مزيد من المساعدات الى جيش يرى الكونغرس انه "سينتقل الى الائتمار بسلطة وحكومة يسيطر عليها حزب مصنف اميركيا في كل الادارات الخارجية والدفاعية والمالية، منظمةً ارهابية".
وعلى رغم من هذه الهواجس، اورد التقرير ان واشنطن لا تتوقع تغييرا جوهريا في اولى حكومات برلمان 2009، انطلاقا من ان "حزب الله" يملك من التعقّل ما يكفي لكي لا يقْدم على أي خلل بتقاليد توزيع الحقائب الوزارية على نحو قد يثير القلق، وان يترك حليفه المسيحي العماد ميشال عون في واجهة السلطة.
واشار التقرير الى ان اكثر ما يقلق الاميركيين احتمال انتقال وزارة الدفاع الى وزير من "حزب الله" او آخر يتأثر بالحزب، لانه يكون بذلك يبحث عن التأثير على قرار الجيش اللبناني الذي هو في صلب الاهتمام الاميركي منذ العام 2005، بدليل حجم المساعدات والبرامج المخصصة له. لكن يبقى هذا الاحتمال، بتصور واشنطن، ضئيلا، نظرا الى ادراك رئاسة الجمهورية تحديدا مفاعيل أي خيار متسرع وغير عقلاني من هذا النوع، او في وزارات سيادية اخرى.
تحليل متعارض
وكانت زيارة بايدن قد اثارت اعتراضا لدى قوى المعارضة لا سيما لدى "حزب الله" الذي وصفها، كما كل الزيارات الاميركية الى لبنان، بـ"التدخّل في الشؤون اللبنانية، وجرعة دعم لفريق الرابع عشر من آذار (مارس) عشية الانتخابات النيابية بعد تحسس الادارة الاميركية هشاشة وضعه الانتخابي والسياسي". ويقول مصدر معارض: انّ الساعات السبع التي امضاها نائب الرئيس الاميركي في بيروت، حملت الكثير من الرسائل المتناقضة، في مؤشر الى الارتباك الذي لا يزال يسود السياسة الخارجية الاميركية وخصوصا في اقليم الشرق الاوسط، وآلية مقاربة ملفاته الشائكة من فلسطين الى العراق فلبنان، انطلاقا مما تسميه واشنطن "القوة الناعمة".
ويعتبر انّ زيارة بايدن الى بيروت والتي هي على مسافة 15 يوما من الانتخابات النيابية، حيث حاول المسؤول الاميركي الايحاء لمن التقاهم من المسؤولين اللبنانيين بأن واشنطن على مسافة واحدة من كل الاطراف ولا تتدخل في مسائر هذه الانتخابات ولا في تحوير او حتى تقويم نتائجها والجهة التي ستفوز بها، على حين جاء تخصيصه لغداء مع قادة الموالاة في منزل النائبة نايلة معوض، مع استمرار المقاطعة الاميركية لقادة المعارضة، باستثناء الرئيس نبيه بري، تدخل سافر في هذه الانتخابات. ويشير الى انّ بايدن لم يكتف بإعلان موقف، بل سعى الى التأثير في المجرى الانتخابي، عبر حضّه غير المباشر، الكتلة المسيحية المترددة، للمشاركة والتصويت لفريق الموالاة، "لأن فوز المعارضة سيؤدي إلى حرمان لبنان من العطف والدعم والمساعدات الاقتصادية والعسكرية".
في المقابل يردّ مصدر في قوى 14 آذار (مارس) على تحميل زيارة بايدن دعما مستميتا لفريقه من اجل تحسين وضعه في الانتخابات، بأنّ "فريق 8 آذار (مارس) منزعج من الدعم الاميركي الثابت للبنان والمرتكز على مبادئ الحفاظ على السيادة والاستقلال والمناداة بشرعية الدولة وحقها جيشها وقواها الامنية فقط بحمل السلاح، وبالتالي هو منزعج من سياسة دعم الجيش وتقويته لبسط نفوذه وسيطرته على كامل الارض اللبنانية في سياق تحقيق سلطة الدولة ومكافحة الارهاب والمخلين بالاستقرار".


الأحد، 17 مايو 2009

Sphere: Related Content
تعدّد الحسابات لما بعد 7 حزيران - يونيو يشيع الريبة والارتباك بين الافرقاء
تنافس الحلفاء: الوجه الآخر للانتخابات
صراع عون – بري: احكام السيطرة على البرلمان تعويضا عن الرئاسة؟

ينشر في "الاسبوع العربي" في 25/5/2009
السابع من حزيران (يونيو) المقبل محطة مركزية باتت مرتقبة للانتقال من واقع سياسي الى آخر، بصرف النظر عن نتيجة الانتخابات. وفي ظل الحديث عن مصيرية الانتخابات، ترتفع الحمى السياسية مع الاقتراب من "الموعد الحدث" الذي يعوّل عليه كثيرون لفرز حقيقة سياسية قد تؤدي الى الخروج من الاصطفاف الحاد الذي، اذا استمر، قد يقيّد الجمهورية ورئيسها عند اي ازمة قد تستجدّ في المستقبل. وبين الحسابات العامة لكل من فريقي الاقلية والغالبية النيابية، تبرز بعض الحسابات الشخصية التي قد تطوي بدورها اهدافا شخصية تتعلق بمرحلة ما بعد الانتخابات لبعض من كلا الفريقين. فهل تؤشر بعض التشققات الداخلية في صفوف المعارضة كما الموالاة الى معالم المرحلة التالية للسابع من حزيران (يونيو)، لناحية صورة المجلس النيابي المقبل كما لولاء تكتلاته؟
يلفت بعض المراقبين الكلام المتنامي لرئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط عن "الوسطية"، مع الاقتراب اكثر فاكثر من موعد الانتخابات. فالاول لا يخفي عدم معارضته لها، والثاني يؤيدها انطلاقا من التزام الخطاب السياسي الهادئ عشية الانتخابات. الا انّ المراقبين يتوقفون عند مرامي هذا الكلام بعيدا من فورة المهرجانات الانتخابية الشعبية والخطابات المدغدغة لغريزة معظم مكونات الشعب اللبناني. فوليد جنبلاط بعد تعبيره بكل وضوح عن امتعاضه من تخليه عن قسم لا بأس به من نواب كتلة "اللقاء الديموقراطي" لمصلحة حلفائه المسيحيين، وبعد "غزله الحذر" لافرقاء المعارضة اي شركائه في الوطن، كما اعتاد القول في الفترة الاخيرة، ولا سيما منهم "حزب الله"، يؤشر الى انتقالية معينة في الخطاب السياسي تمهّد لاعادة تموضع سياسي بعد الانتخابات يرجّح ان تكون الكتلة الوسطية مهدها، وما كلامه وترحيبه بفكرة الوسطية، الداعمة لرئيس الجمهورية، الا مؤشرا بالغ الاهمية عن اتجاه الرياح الجنبلاطية بعد 7 حزيران (يونيو).
علاقة مرتبكة
الى ذلك تجلّت العلاقة المرتبكة بين "التيار الوطني الحر" وحركة "امل" من خلال اعلان كل منهما لائحته في جزين، وتاليا تكريس التنافس الانتخابي بين اطياف المعارضة في هذه الدائرة. ويشير البعض، في هذا الاطار، الى علاقة يسودها انحسار الثقة بين النائب العماد ميشال عون والرئيس نبيه بري، لافتين الى انّ الفتور في العلاقة يعود اولا الى العام 2005 عندما لم يقترع العماد عون لبري رئيسا للمجلس النيابي، وحضّ ثلاثة من حلفائه هم ميشال المر والياس سكاف و"حزب الطاشناق" على التصويت ضدّ انتخاب بري. اما الاشارة الثانية فتعود الى ما بعد اتفاق الدوحة، حين قال "التيار الوطني الحر" انه حرّر منطقة جزين بفضل القانون الانتخابي والتقسيم الجديد للدوائر.
اذن، الخلاف ليس سياسيا في وجهات النظر داخل المعارضة بل خلاف مبني على القلق والريبة كل من تصرف الطرف الآخر.
الا ان الكلام المتداول في الاوساط السياسية يشير الى انّ ما بين عون وبري خلاف يتعدى انتخابات جزين، التي لم تكن سوى تظهيرا لهذا الخلاف الى العلن بشكل فاضح، بمعنى انّ جزين لم تكن سبب التوتر في العلاقة بل النتيجة التي تأتت عنه. وتلفت الاوساط الى انّ علاقة عون وبري كانت تشوبها الريبة، وهما لم يعملا على الافراط في ابراز التحالف بينهما على غرار علاقة عون- "حزب الله" او حركة "امل"-حزب الله، وتاليا كان الحزب يسعى الى شدّ الطرفين اليه، فهو بحاجة الى الحليف الشيعي الآخر من أجل وحدة الطائفة والموقف السياسي، كما يحتاج إلى "التيار الوطني الحر" من أجل استمرار الغطاء المسيحي الذي يوفره له، لا سيما في المعادلة السياسية الداخلية. وقد برز دور "حزب الله الوسطي" بين الحليف و"حليف الحليف" في المفاوضات الجزينية التي لم ينجح في حلها ما يؤشر الى صعوبة المفاوضات وتشبث كل طرف بوجهة نظره ومفهومه ونظرته التاريخية الى هذه الدائرة.
من الارتباك الى عدم التوافق؟
بالعودة الى بداية المفاوضات بين الطرفين، يشير مصدر مطلع الى انّ جهودا كثيرة بذلت بهدف تحقيق التوافق على تصور سياسي مشترك لمقاربة الملف الانتخابي، في ضوء موقفين:
الأول: للرئيس بري الذي اعتبر في أكثر من مناسبة أن نتائج الانتخابات النيابية المقبلة لن تفرز سوى أكثرية قليلة لأي من الفريقين، بحيث لن يتعدى الفارق سوى عدد قليل من النواب قد لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة.
الثاني: للعماد عون الذي قال انه يطمح إلى كتلة نيابية من خمسة وثلاثين نائبا من دون حلفائه الانتخابيين.
ويلفت المصدر الى أن المشكلة تبدأ في مقاربة نتائج الانتخابات، على اعتبار أن طموح الجنرال يعني في نظر بري أنه يسعى لنفسه حجما يزيد على نصف القوى المتحالفة في مواجهة الأكثرية الحالية، وهو ما لا يمكن لبري القبول به تحت أي ظرف من الظروف باعتباره ممثل تحالف قوى 8 آذار (مارس) في السلطة، وهو قادر على أن يكون من موقع رئاسة مجلس النواب شريك رئيس الجمهورية الماروني ورئيس الحكومة السني. في حين أن التركيبة الراهنة للسلطة لا تسمح لعون بأن يكون رأس المعارضة لأن الموقع المسيحي الأول محسوم لرئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان أيا تكن النتيجة بعد الانتخابات.
ويشير المصدر الى انّ رئيس مجلس النواب يقارب الإنتخابات النيابية المقبلة وفقا لقواعد تقوم على أساس تثبيت توازنات طائفية معينة داخل تركيبة السلطة بمعزل عن نتائج الإنتخابات التي يصرّ على التأكيد أنها لن تكون مصيرية. في حين أن عون يقارب الإنتخابات بذهنية انها مصيرية لنهج السلطة في المرحلة المقبلة.
خلاف على الرئاسة الثانية؟
في الموازاة، تؤشر العلاقة المرتبكة على خط الرابية- عين التينة، الى تطورات حامية بعد السابع من حزيران (يونيو)، ابرز دلالاتها كلام العماد عون في احدى مقابلاته التلفزيونية ورفضه تأكيد انتخاب كتلته النيابية بري لرئاسة المجلس النيابي المقبل، مكتفيًا بالقول: "أعلن موقفي حول رئاسة المجلس عشية 7 حزيران (يونيو)".
في هذا السياق، يقول المصدر المطلع ذاته أن عون لم يعد يخفي علاقته المرتبكة مع بري التي قد تصل الى عدم التوافق سياسيا بعد الانتخابات النيابية لا سيما في ظل كلام بري المرحب بالوسطية، ما يؤشر الى امكان ان تشكل كتلته النيابية المرتقبة ركنا اساسيا من اركان هذا الكتلة الوازنة او الوسطية، وهو الامر المتداول بكثرة اعلاميا وسايسيا. واذ يربط المصدر بين رفض عون الخوض في مسألة انتخاب بري رئيسا للمجلس في الوقت الراهن وترك المسألة للبحث الى ما بعد 7 حزيران (يونيو)، يرجح ان يطرح زعيم "التيار الوطني الحرّ" بعض الاسماء الشيعية من صفوف تكتله لرئاسة المجلس اي النائبين عباس هاشم او حسن يعقوب، مشيرا الى انّ عدم تصريح عون علانية بهذا الامر يعود الى الواقع الانتخابي الراهن لا سيما في الدوائر الانتخابية المشتركة بينه وبري لتجنب التشطيب من الجانبين.
ريبة متبادلة
وفيما تشير بعض المعلومات الصحافية الى امتدادات خارجية لتوتر العلاقة بين عون وبري، بمعنى انّ سوريا هي التي اوصلت العلاقة بينهما الى مرحلة من المواجهة الانتخابية تطوي في داخلها مواجهة سياسية بهدف التأسيس عليها واستخدامها فيما لو قررت دمشق السير في اي تسوية اقليمية تتناقض مع اجندة "حزب الله"، يستبعد مراقبون هذا التحليل لاعتقادهم انّ الاشكالية تبقى في الاساس نتيجة للتوازنات والحسابات اللبنانية الداخلية.
ويلفت المراقبون الى ان العماد عون يعتمد على توجس "حزب الله" من التمايز الملحوظ الذي يبديه بري عن سائر قوى 8 آذار (مارس) بقيادة "حزب الله" وهو ما بدا جليا عندما نأى رئيس المجلس بنفسه عن المشاركة في المواكبة الاحتفالية التي نظمها الحزب للضباط الأربعة منذ لحظة تخلية سبيلهم، خصوصا في ظل ما يتم تداوله راهنا من أن بري سيجسد ويكرس تمايزه هذا بعد 7 حزيران (يونيو) عبر تموضعه في إطار كتلة وسطية تكون على تفاهم تام مع رئيس الجمهورية. وهو الأمر الذي يثير ريبة مكتومة لدى قيادة "حزب الله" من التوجهات المستقبلية لبري بحيث لا يستطيع الحزب المخاطرة بأي فرضية ولو ضئيلة تفقده التحكم بالرئاسة الثانية وخصوصا في ظل ظروف محلية وخارجية بالغة الدقة".
في هذا السياق، يتابع المراقبون، "يرى عون يرى تقاطعا إقليميا وداخليا يصب في خانة تحقيق تصوره بالنسبة لرئاسة المجلس النيابي المقبل، وتاليا سيسعى إلى إقناع حليفه "حزب الله" بتبني ترشيح أي من هاشم أو يعقوب للرئاسة الثانية، بما يضمن لقوى المعارضة، من خلال الرئيس الجديد للبرلمان، إحكام السيطرة على إحدى الرئاسات الثلاث وصولا إلى انتخابات رئاسة الجمهورية في السنة 2014 التي من حقّ عون ان يطمح اليها ويعمل على تحقيق طموحه، فلربما تكون تلك المرة من نصيبه".



الاثنين، 11 مايو 2009

Sphere: Related Content
التخلية بعد اعوام من السجن "شحنة ناسفة" تضاف الى التوتر الانتخابي
الاستثمار في اطلاق الضباط الاربعة نصْل بحدّين
"حزب الله" اخرج الى العلن تحفظه عن المحكمة
جنبلاط جازف بتقربه من المعارضة لكنه لن يسلم الانتخابات طوعا

ينشر في "الاسبوع العربي" في 18/5/2009
عاش لبنان منذ العام 2005 مرحلة سياسية معقدة تسارعت فيها الاحداث وتوالت الى حدّ يخال المواطن انه في كابوس او على الاقل في حلم مزعج. فمنذ مرحلة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وبدء التحقيق الدولي من ثمّ قيام المحكمة، كثر الكلام والمراهنات على "عدالة دولية" لكشف الحقيقة. فهل يصبر اللبنانيون على لحظة الحقيقة، اذا ما دقّت، وهل بوسع لبنان تحمّل المزيد من المراهنات التي قد تصيب او تخطئ، في ظل وضع سياسي داخلي هشّ، لا سيما عشية الانتخابات النيابية المرتقبة؟
بين "الاعتقال السياسي" و"السجن التعسفي" والاتهامات السياسية ومبدأ تنفيذ قانون العقوبات اللبناني (كود نابوليون)، قبع الضباط الاربعة جميل السيد وعلي الحاج وريمون عازار ومصطفى حمدان، الممسكين بالامن في البلد في فترة الوصاية السورية على لبنان، في سجن رومية طيلة 44 شهرا في سجن انفرادي وعزلة عن العالم الخارجي والتواصل الا مع الاقربين. سجن الضباط في اوّج حقبة وصفها البعض بـ "عصر التحرر من الوصاية والنظام الامني اللبناني- السوري"، فكان سجنهم بالنسبة الى الذين احتشدوا في ساحة الشهداء في الرابع عشر من آذار (مارس) 2005 في مثابة الحدث الصاعق الذي اشّر الى مرحلة جديدة تطوي صفحة انتهاء الوصاية.
توقيف الضباط كان بقرار من المحقق الدولي ديتليف ميليس، اثر اغتيال الحريري وما نتج عنها من احداث، لا بدّ ان يحفظها التاريخ، لانها ادت الى تحقيق الاستقلال الثاني بعد قرابة الثلاثين عاما من الوصاية. فرح بعض اللبنانيين ولا سيما منهم المتضررون ممّا يسمى "النظام الامني اللبناني-السوري" لكنهم لم يتوقعوا ان تتلاشى حماستهم واندفاعهم اثر كل ما تلى احداث العام 2005 من صراعات سياسية حادة كادت تودي بالبلد الى حافة الهاوية والانهيار. كذلك لم يتوقعوا، بعد كل الكلام السياسي الذي قيل في حق الضباط لجهة ضلوعهم في اغتيال الحريري، ان لم يكن تنفيذا انما مواكبة وتغطية، ان تأتي لحظة اعلان تخليتهم، من المحكمة الدولية في لاهاي التي راهن كثيرون في الداخل اللبناني كما في المحيط العربي على تسييسها وعدم حيادها.
استخدام سياسي معارض
وفي سياق الترجمة السياسية للحدث القضائي باخلاء سبيل الضباط، يلفت قطب بارز في الموالاة الى انّ "قوى الرابع عشر من آذار (مارس) لم تتوهّم ساعة ان قوى الثامن من آذار (مارس) لن تتوانى عن توظيف اطلاق الضباط الاربعة في سياق الترويج الانتخابي الحاصل، ذلك ان اولياء المعارضة استسهلوا، في سبيل معركتهم الانتخابية لتحقيق الغالبية النيابية، استعمال ضربات ما تحت الحزام في الاعلام والسياسة والامن والاقتصاد، منذ ان قرروا الاعتصام في الاول من كانون الاول 2007 في ساحتي الدباس ورياض الصلح مطالبين بإسقاط "حكومة تلاقي الساحات"، كما عنونَتْ مقدمتها السياسية في ايار (مايو) 2005.
ويقول: في الشكل، يظهر ان بعض من في المعارضة يسعى الى استغلال حدث اطلاق الضباط، بسقف اعلى الممكن بغية زيادة الارباك في صفوف جمهور الموالاة من جهة، وفي مسعى الى استقطاب شريحة واسعة من المقترعين المترددين الذين غالبا ما يحددون خياراتهم الانتخابية في الايام القليلة الفاصلة عن السابع من حزيران (يوينو)، وربما صبيحة يوم الاقتراع.
واذ يرى انه في الشكل ايضا، قد تكون المعارضة حققت من خلال الحملة الاعلامية – السياسية المكثفة، بعضا من اهدافها، وخصوصا على مستوى الجمهورين السني والمسيحي، بحيث كان الاحباط الذي تحدث عنه رئيس تيار "المستقبل" النائب سعد الحريري شبه توصيف واقعي لما حمله الامر القضائي الدولي من رياح خريفية لفحت جمهور الموالاة قبل قادتها، يؤكد انّ النائب وليد جنبلاط، بعد 24 ساعة من خطاب الحريري، أعاد تصويب اتجاه الرياح الدولية والمسار والخطاب، مستنهضا جمهور الموالاة.
ويعتبر القطب الموالي انّ "حملة استثمار الامر القضائي الدولي ذهب بها بعض المعارضة بعيدا وبمستوى لا يمكن لاركان المعارضة احتماله. فالتوتر السياسي العائد منذ اربعاء اطلاق الضباط، بذراع الحملة الضاربة على القضاء، اضاف شحنة ناسفة على التوتر الانتخابي، وبات يتهدد الهدوء الذي ارسته هدنة الدوحة والتي من المفترض ان تستمر مفاعيلها حتى السابعة مساء السابع من حزيران (يونيو)".
نصل بحدين؟
في الموازاة وعلى رغم كثرة الكلام على استثمار المعارضة لحدث اطلاق الضباط سياسيا، الا انّ ذاكرة اللبنانيين مع الضباط حافلة بما قد يجعل توظيف ورقة اطلاقهم نصلا بحدين، واي اساءة لاستخدامها قد تنسحب ضعفا على مستثمريها.
وفي هذا الاطار، يرى قياديون في المعارضة ان الضباط الاربعة، كل من موقعه وبنسب متفاوتة، شكلوا منذ العام 1991 حجر الزاوية في النظام الأمني الذي عانى منه على امتداد عقد ونيف كثر من اللبنانيين وكثر من جمهور المعارضة، في مقدمهم انصار "التيار الوطني الحر"، وهم من قيادييه في هذه المرحلة. ويعتبرون ان الانصراف الى إقناع جمهور اللبنانيين أن خروج الضباط انتصار لمبدأ "التغيير والإصلاح" ولشعارات المعارضة، انما يحمل مخاطر عدة، في مقدمها ان الذاكرة الجماعية لا تزال حية تنبض بصور السابع من آب (اغسطس) 2007 والتاسع منه، وانه من الصعب الانتقال بهذه الذاكرة من ضفة الى اخرى وفي غضون الشهر الفاصل عن يوم الاقتراع، مخافة ان تكون ردة الفعل اكثر قصورا من الفعل نفسه.
ويشير هؤلاء الى ان خطاب "التيار الوطني الحر" وشعاراته التغييرية لا يمكن ان تستقيم والحال هذه، ذلك ان الاستثمار في الامر القضائي الدولي هو في مثابة "تبليع" الجمهور ما هو ليس قادرا على بلعه او هضمه، اذ لا يمكن ان تستقيم المطالبة بمحاسبة التحقيق اللبناني عن 3 اعوام و8 اشهر (بصرف النظر عن التقويم) من دون اقرانها بالمطالبة بمحاسبة اعوام تمتد ماضيا حتى العام 1991، امضاها انصار التيار وقياديوه متنقلين بين هنغارات مديرية الاستخبارات في اليرزة واقبية قصر نورا في سن الفيل، وقاعات المحكمة العسكرية على مقربة من ذاكرة المتحف اللبناني.
واستنادا الى هذه الرؤية، يفهم تصرّف رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون الذي يبدو انه تنبّه والرئيس نبيه بري منذ اللحظة الاولى، كل من موقعه ومن زاوية الرؤية لديه، الى جملة المعطيات هذه، فكان استقبالهما للضباط بروتوكوليا وادبيا، في حين كان اعلام التيار يوظف اطلاق الضباط ليس في الانتخابات بقدر ما كان التوظيف في المعركة التي سبق ان فتحها قبل اشهر مع النيابة العامة التمييزية ومع فرع المعلومات على خلفية قانون صون سرية التخابر، المعروف بقانون التنصت.
اما بري فإكتفى ببيان تهنئة من حركة "امل" وبإيفاد نواب لحضور الاحتفالية التي نظمها "حزب الله" من دون المبادرة الى المشاركة في الحملة السياسية.
ويبرز في اطار هذا التحليل، الاتصال الهاتفي الذي سجّل بين بري والحريري، شكر فيه زعيم "المستقبل" رئيس البرلمان على موقفه، فيما نوه بري بإعلان الحريري قبوله بقرار المحكمة.
تطوّر على خطين
وفي وقت يقول البعض ان "حزب الله" ظهر متقدما في تبني اطلاق الضباط بخلاف بري وعون، في حين جاءت احتفالية التاسع والعشرين من نيسان (ابريل) لتقتصر بمجملها على جمهور الحزب، يرى مراقبون ان تطورين سجلا في سياق قضية الضباط تجب قراءتهما بتمعن:
-اولهما ان "حزب الله"، المستثمر الاكبر في الامر القضائي الدولي، خرج عن سلوكه المتحفظ والحذِر في كل ما يتعلق بالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان، لينتقل الى قيادة معركة سافرة ضد قوى الرابع عشر من آذار (مارس)، واحيانا كثيرة في معزل عن حلفائه المتحفظين في قوى 8 آذار (مارس)، ولسان حاله ان مرحلة جديدة سطّر طلائعها اطلاق الضباط، ومن الواجب ان تردم صفحة بدأت منذ 30 آب (اغسطس) 2005. فكما استثمرت 14 آذار (مارس) في قرار ادخالهم السجن، لا يعاب على 8 آذار (مارس) استثمار قرار إخراجهم. وفي ذهن الحزب ان هذه المرحلة هي ما قبل الاخيرة في مسيرة انهيار الموالاة، التي سيقفل الستار عليها في السابع من حزيران (يونيو)، واستطرادا لم يعد ضروريا اخفاء الرفض المطلق لكل المسار الدولي في اغتيال الحريري من لجنة التحقيق الى المحكمة، فالاستدعاءات والقرارات والاحكام لاحقا! وهذا ما اتى عليه الامين العام للحزب السيد حسن نصر الله في اطلالته الاخيرة.
-ثانيهما ان وليد جنبلاط، في كلامه في قريطم، جازف برمي ثمار كل التقارب مع المعارضة والحزب، والذي سعى اليه منذ الحادي عشر من ايار (مايو) 2008. وجاء كلامه هذا اقرب الى عباراته مباشرة بعد اغتيال الرئيس الحريري، وحينها اوكل وتولى شد العصب في مواجهة "رموز مرحلة الوصاية"، كما اقرب الى خطبه في ساحة الشهداء في الاعوام الاربعة الفائتة. وهو اراد من رفع السقف السياسي افهام من يلزم ان انتهاجه التهدئة مع المعارضة لتمرير الاستحقاق الانتخابي لا يعني في أي حال من الاحوال قيادة جمهوره وزعامته الى الضفة المقابلة، ولا يعني ايضا انه راغب في تسليم نتائج الانتخابات –حبورا او طوعا او قسرا - الى المعارضة، وهو مستعد الى نداء المعركة حيثما يتوجب عليه القتال في سبيل الفوز.


الأحد، 3 مايو 2009

Sphere: Related Content
واشنطن: تمايز نحو الاعتدال اللبناني.. وموقع الرئاسة المحوري
اطلاق الضباط ثمن للتطبيع الاميركي – السوري ولـ "الصداقة الجديدة"؟
زيارة كلينتون عشية اطلاق الضباط: مصادفة ام مواكبة؟


ينشر في "الاسبوع العربي" في 11/5/2009
في ظل المناخ الجديد الذي يخيّم على العلاقة المستجدة للولايات المتحدة الاميركية مع دول عربية عدة، حملت الزيارة الخاطفة لوزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون لبيروت، وهي الاولى من نوعها لمسؤول اميركي رفيع بعد انتقال السلطة الى الادارة الاميركية الجديدة بقيادة باراك اوباما، دلالات وابعاد كثيرة في الشكل كما في المضمون، فإقتصر لقاؤها الرسمي على رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، في حين انها سبقت (صدفة؟) بأيام معدودة الافراج عن الضباط الاربعة.
نقلت كلينتون، رسالة دعم وتأييد من اوباما الى سليمان ومؤسسات الدولة لا سيما الجيش، وتركزت محادثاتها "على الدعم الاميركي للبنان وضرورة اجراء الانتخابات بهدوء وبعيداً من العنف والتدخلات". وأكدت دعم اصوات الاعتدال في لبنان والمؤسسات الرسمية للدولة والقوى المسلحة اللبنانية والمحكمة الدولية، مشددة في الوقت ذاته على العمل والتعاون مع الحكومة اللبنانية الجديدة بعد الانتخابات المقبلة.وبحسب المعلومات المتداولة اثر زيارتها لبنان، نقلت كلينتون تأييد أوباما المسيرة التي يقودها الرئيس سليمان، "بحكمة وروية لإعادة لبنان الى الخريطة السياسية الشرق اوسطية"، مؤكدة استمرار برنامج دعم الجيش اللبناني، وفق روزنامة خاصة ومحددة. كذلك كانت الانتخابات النيابية محوراً اساسياً في محادثاتها، فسألت عن الترجيحات والتوقعات وهل ستكون للرئيس اللبناني كتلة نيابية في المجلس النيابي المقبل، كما سألت عن نظرة الرئيس الى الحكومة المقبلة، خصوصاً اذا فازت المعارضة بغالبية المقاعد. وتطرقت الى مسألة سلاح "حزب الله" ونظرة الرئيس سليمان اليه وكيفية تأطير السلاح ضمن الاستراتيجية الدفاعية الوطنية الجاري بحثها، لا سيما في حال تولي المعارضة السلطة في الحكومة الجديدة. وحسب المعلومات، ركزت كلينتون على العلاقات اللبنانية - السورية، وأكدت ان الادارة الاميركية تجري اتصالات مع الاطراف في المنطقة بما فيها الجانب السوري، لكن أي حل لن يكون على حساب لبنان.
تغيير نحو الاعتدال؟
يلاحظ مصدر مطلع على محطة وزيرة الخارجية الاميركية في بيروت، انّ حصر زيارتها بالرئيس سليمان، اكد أن هناك عملية اعادة تموضع أميركية في السياق اللبناني، بحيث بدا واضحا أن موقع رئاسة الجمهورية صار محوريا، في مقابل تراجع مواقع أخرى تقدم حضورها ووهجها في الاعوام الأربعة الفائتة في سلم الحسابات والاولويات الأميركية. ويقول انّ هناك محاولة تقارب اميركية ملموسة مع رئيس الجمهورية على حساب اطراف مسيحية اخرى، مع تمسك باتفاق الدوحة في انتظار نتائج الانتخابات وتحول المشهد السياسي الداخلي والاقليمي بعدها.
ويلفت الى انّ هذا الامر أبرَزَ محاولة لرسم مسافة واضحة عن طرفي المعارضة والموالاة، لمصلحة ايجاد قوة دفع لقوة ثالثة مستقلة أو وسطية تنضوي تحت جناح رئيس الجمهورية بعد الانتخابات النيابية في السابع من حزيران (يوليو) المقبل.
ويلاحظ ان تشديد كلينتون على سياسة "الاعتدال"، جاء في سياق تغيير اساسي في السياسة الاميركية في لبنان ومع القيادات السياسية على إختلاف إنتماءاتها والايحاء ان واشنطن مع بروز فئة معتدلة "وسطية" بعيدة عن الاصطفاف السياسي بين فريقي "اكثرية" و"اقلية". لكنه يستطرد قائلا ان واشنطن ستتعامل مع الحكومة الجديدة ضمن احتمال ان تكون اكثريتها من قوى الثامن من آذار (مارس) شرط عدم عرقلتها خطة اوباما للسلام في الشرق الاوسط.
ويلفت الى انّ واشنطن تعتبر ان الوضع الحكومي المستقبلي في لبنان، كما الوضع السياسي، مرتبط الى حد كبير بمدى نجاح حوارها مع طهران وعلاقة الاخيرة بـ"حزب الله"، لا سيما في المجال الاستراتيجي.
مصادفة ام مواكبة؟
ويلاحظ المصدر انّ زيارة كلينتون جاءت عشية اطلاق المحكمة الدولية الخاصة بلبنان الضباط الاربعة الذين احتجزوا ثلاثة اعوام و8 اشهر. واذ لم يجزم بوجود علاقة ما بين هذه الصدفة والقرار القضائي الدولي، يشير الى ان واشنطن ابلغت الى من يعنيه الامر انها لا تزال متمسكة بدعم المحكمة الدولية.
ولئن من المبكر القول ان واشنطن كانت على دراية بما يدور في خلد المدعي العام في المحكمة الخاصة بلبنان القاضي دانيال بلمار، لا يمكن اسقاط هذه المصادفة، وخصوصا ان تحليلا منطقيا لتوصية بلمار وقبله لتوصية الرئيس السابق للجنة التحقيق الدولية القاضي سيرج برامرتس، الى السلطات القضائية اللبنانية، يؤشر الى ان لجنة الدولية ومن ثم القضاء الدولي منذ الاول من آذار (مارس) 2009، كانا على طريق اطلاق الضباط، وهذا التحليل المنطقي – الموضوعي للسياق العام الذي كانت عليه ولايتا برامرتس وبلمار وعدم ممانعتهما اطلاق الضباط بقرار قضائي لبناني، هو بالتأكيد ما جعل اللواء جميل السيد يراهن مع وكيله المحامي اكرم عازوري، على ان القرار الدولي بالافراج عنه لن يتأخر عن نهاية نيسان (ابريل). كما ان صحفا لبنانية معروف اطلاعها على المناخ السوري العام سبق ان تحدثت بجزم عن قرب اطلاق الضباط.
افراج على خط الصداقة مع سوريا؟
في هذا الاطار، بالتزامن مع زيارة كلينتون وفي سياق السياسة الاميركية المستجدة في الشرق الاوسط لا سيما على خط العلاقات الاميركية- السورية، يطرح تقرير نشر في صحيفة "وول ستيرت جورنال" اشكالية علاقة مفترضة بين اطلاق الضباط الاربعة "ثمنا لاعادة العلاقات السورية- الاميركية الى طبيعتها"، في اطار الانفتاح الاميركي اللاحق للانفتاح الاوروبي على سوريا.
ويتحدث التقرير، الذي كتبه جاي سولومون، عن عزم الادارة الاميركية ارسال مبعوثيْن على مستوى رفيع قريبا الى سوريا هما جيفري فيلتمان مساعد وزيرة الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الادنى، ودانييل شابيرو من مجلس الامن القومي الاميركي، في زيارة هي الثانية لهما في اقل من شهرين، للقيام بجولة ثانية من المحادثات يتم التركيز فيها على مسألة تأمين الحدود العراقية، ودعم عملية السلام العربي الاسرائيلي، مشيرا الى ان زيارة الدبلوماسييْن الاميركيين هذه هي احدث مؤشر للمصالحة بين واشنطن وحكومة الرئيس بشار الاسد التي تشعر برغبة الولايات المتحدة باضعاف تحالفها مع ايران.
وكان المسؤولون السوريون قد اعربوا قبل اسبوعين عن املهم في ان يؤدي دفء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين الى تخفيف وطأة العقوبات التي فرضتها ادارة الرئيس السابق جورج بوش على سوريا بهدف كبح تأييد دمشق المجموعات المسلحة العاملة في لبنان والاراضي الفلسطينية.
ويلاحظ التقرير، في هذا الاطار، ان اليد الاميركية الممدودة في اتجاه دمشق تأتي راهنا في وقت اعلنت فيه المحكمة الدولية الاربعاء في التاسع والعشرين من نيسان (ابريل) عن اطلاق سراح الضباط الاربعة. ويسأل "هل جاء هذا الافراج الآن ثمنا لعودة العلاقات السورية - الاميركية الى طبيعتها أم انه كان مجرد مصادفة؟".
ويقول: في الحقيقة ان بعض المراقبين يرون في اطلاق سراح هؤلاء الضباط ضربة للجهود الاميركية التي كانت تستهدف مقاضاة المسؤولين عن الجريمة، وانتصارا لحلفاء سوريا السياسيين في لبنان.
واذ يستذكر التقرير ان "محققي الامم المتحدة كانوا قد اعلنوا سابقا ان الضباط اللبنانيين الاربعة تآمروا مع عملاء الاستخبارات السورية لقتل الحريري بتفجير سيارة مفخخة، بيد ان السلطات اللبنانية لم توجه اليهم اية اتهامات رسميا"، يؤكد ان الافراج عنهم "ستكون له انعكاسات قوية على الساحة السياسية في لبنان وخصوصا على الانتخابات والتنافس للفوز بأعلى نسبة من اصوات المقترعين في حزيران (يونيو) المقبل.
واذ يتطرق الى المحادثات غير المباشرة التي دخلتها سوريا مع اسرائيل العام الفائت بهدف انهاء نزاعهما حول مرتفعات الجولان السورية، ينهي تقريره بالشارة الى انّ الاميركيين يريدون من سوريا، اولا، الامتناع عن دعمها المالي والعسكري لـ"حزب الله" و"حماس"، كونها تبقى ممولا رئيسا للحزب وتستضيف في دمشق قيادة "حماس" السياسية التي تعتبرها واشنطن منظمة ارهابية".
كذلك لم يخف روبريت فيسك في "ذي اندبندنت" بعنوان "هل هذا ثمن الصداقة الاميركية الجديدة مع سوريا"، انطباعاته عن تلازم ما، بين القرار الدولي وعودة دفء العلاقة الاميركية – السورية، ويخلص سائلا: "من الذي اراد فتح باب جديد للسوريين؟ الرئيس اوباما. ومن الذي وقف الى جانب ابن الرئيس الحريري، سعد، في بيروت قبل ثلاثة ايام (من قرار اطلاق الضباط) ليؤكد له الدعم الاميركي؟ ولماذا؟ وزيرة خارجية اوباما هلاري كلينتون، بالتأكيد".
في ظل هذا الترابط في المطالب الاميركية تجاه سوريا، تعمل دمشق، التي تعتبر ان "حزب الله" وحركة "حماس" حركتا مقاومة شرعيتان تحاربان احتلالا اسرائيليا، على تقديم نفسها بدور الوسيط لرعاية حوار بينهما وبين واشنطن، وهو امر رفضت ادارة اوباما القيام به حتى الآن، على رغم آراء كثيرة تقول انّ واشنطن ستكتشف عاجلا ام آجلا الضرورة الحتمية لحوارها سواء مع "حزب الله" و"حماس"، اكان حوارا مباشرا او غير مباشر، تماما على غرار ما قامت به لندن في الفترة الاخيرة باعادة فتح قنوات التواصل مع "حزب الله".
وتعتبر دمشق ان "الحوار امر لا مفرّ منه مع الحركات المقاومة والفاعلة في منطقة الشرق الاوسط، لا سيما اذا رغبت الادارة الاميركية الجديدة او طمحت الى تحقيق ولو بضع خطوات على خط مسيرة السلام" الطويلة والمعقدة.