السبت، 28 نوفمبر 2009

Sphere: Related Content

سيرة رجلين توافقا على الخلاف واختلفا على الالتقاء

عون وجنبلاط: حوار الذاكرة والواقع وأشياء اخرى

لقاء بعبدا الاخير في ترتيب التحول السياسي لزعيم المختارة قبل بلوغ اسوار الشام

ينشر في "الاسبوع العربي" في 7/12/2009

كان ذلك في باريس، في الخامس عشر من نيسان 2005. زار وليد جنبلاط ميشال عون في منفاه الباريسي. يومها، كان جنبلاط القلب النابض لـ "ثورة الارز"، والباحث في كل الاصقاع عن روافد للثورة، سياسية وبشرية وحزبية. كان يلهج في سبيل توحيد المعارضة، وتسهيل تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، لأنها المعبر الى انتخابات نيابية كانت قوى الرابع عشر من آذار (مارس) تراهن عليها لقلب التوازنات وإطلاق حلم (وهْم؟) الثورة. يومها ايضا، رفض جنبلاط أخذ صورة تذكارية مع عون، ربما لكي لا يبقي أي اثر لهذا اللقاء اليتيم بين رجلين تواعدا على الافتراق، وفارق بينهما جيش وجبل وسوق غرب وادارة مدنية واجراس كنائس وانعزال مسيحي، والكثير مما يعتمل زعيم المختارة من هواجس تجاه المؤسسة المرقّطة.

في الخامس والعشرين من تشرين الثاني (نوفمبر) 2009، بعد 1684 يوماً بالتمام والكمال من اللقاء الباريسي، كان المشهد مغايرا. جنبلاط عاد الى حيث كان قبل خطابه التموضعي الشهير في البرلمان في العام 2000 حين لاقاه عاصم قانصوه بتهديد ووعيد، في حين انتقل عون خطوة خطوة الى جانب آخر سبق ان مكث فيه جنبلاط عقدين.

الصورة تاريخية في القصر الجمهوري. رجلان لم يلتقيا وجها لوجه الا مرتين:

-واحدة في العام 1985 يوم صار عون قائدا للجيش. وجاء هذا اللقاء بعد نحو عام وقليل من نجاح (من كان حينها) قائداً للواء الثامن المُدافِع عن القصر الجمهوري في بعبدا، في صدّ هجوم الحزب التقدمي الاشتراكي على المنطقة عند حدود بلدة سوق الغرب، بعدما نصح قائد الجيش آنذاك العماد إبراهيم طنوس الرئيس امين الجميل بنقل مقرّ رئاسة الجمهورية من بعبدا إلى بكفيا لخشيته من احتلال القصر.

-وثانية في منزل عون في الدائرة السابعة عشرة في العاصمة الفرنسية. زيارة خاطفة -متوترة إقتصرت على 20 دقيقة، في حضور سيمون أبي رميا ووائل ابو فاعور، وأفضت الى تكريس إفتراقهما المؤرخ منذ بدء الحرب اللبنانية.

قيل الكثير في ذلك اللقاء وخلفياته، وأُسس عليه لتبرير ما حصل بعدها، بدءا من الحلف الرباعي انتهاء بوثيقة التفاهم.

أ-انصار جنبلاط قالوا انه وقعوا منذ حينه، على تحوّل في موقف العماد عون، تبيّن لهم لاحقا انه نتج من بدء اتصالات بينه وبين نظاميّ الحكم في بيروت ودمشق عبر وسطاء محددي الاسماء (اميل اميل لحود ويوسف سلامة وكريم بقرادوني وكمال يازجي وانطون الخوري حرب...).

ب-وأنصار عون قالوا انهم تنبهوا منذ حينه، أن ثمة ما يحاك لإفشال عودة الجنرال من منفاه ومنعه من خوض الانتخابات النيابية، بعدما بانَ لهم ان عودته قد تنسف تركيبات حصصية عملت عليها باريس وواشنطن لإقتسام النظام الناشئ من الانسحاب السوري.

حليفان؟

اذاً، الرجلان باتا بعد كل هذه الذاكرة الطافحة، حليفين بالقوة وبالفعل –وفق المنطق الفلسفي الذائع- حتى لو لم يعترفا بعد، او يحبّان.

تصالحا برعاية رئاسية، لكن الرئيس ميشال سليمان يفضّل ان توصّف ديناميته الجديدة، بـ "حوار".

هو حوار بشوارع متفرعة يؤمل ان تجمع "جبلين" لم يلتقيا بعد، هما سمير جعجع وسليمان فرنجية، وعندها تكتمل الصورة وتجهز آليات دعوة هيئة الحوار الوطني الى اجتماعات تتخطى الطابع الفولكلوري التي تحوّلت عليه قبل اسابيع من توقفها في حزيران (يونيو) 2009.

واقع الحال ان الأهمية التي يكتسبها "حوار" عون - جنبلاط هي رمزية بنكهة سياسية. فاللقاء هو الأول بينهما -ما خلا المصافحات في الحوار الوطني- منذ عودة عون من منفاه الباريسي الذي شارك جنبلاط في ترتيبه بداية التسعينات.

العلاقة بينهما منذ الثمانينات، تصادمية وصراعية: تواجها عسكريا في سوق الغرب في العام ١٩٨٣. وتصادما سياسيا عندما ترأس عون الحكومة الانتقالية في العام ١٩٨٨. يومها، ضغط جنبلاط على اللواء محمود طي أبو ضرغم (الوزير الدرزي) فإنحسب، ليتقدّم زعيم المختارة المتصدين والساعين الى اسقاط الجنرال بثمن اتفاق الطائف، وبأي ثمن آخر.

ظلا على افتراق، في مقاربة الطائف والسياسة والاقتصاد، حتى لقائهما اليتيم في باريس في ربيع العام 2005. تواصلا من غير اتفاق، وعاد جنبلاط يبشّر في بيروت بـ "تسونامي" هائج.

تبيّن لاحقا ان ايا من الاثنين لم يرد الاتفاق: جنبلاط كان يخيّط التحالف الرباعي مع نبيه بري، وعون كان ينسج خفية ترتيبات عودته، ليبدأ تحوله رسميا الى الجانب الآخر من السياسة اللبنانية الشيّقة في السادس في شباط (فبراير) 2006، مع توقيع وثيقة التفاهم مع "حزب الله".

جنّ جنون جنبلاط، فإنقلب على التحالف الرباعي ونعاه لا بل انكر وجوده، وكرّس عداءه مع عون والذي استمر حتى دراما السابع من ايار (مايو) 2008، حين بدأ جنبلاط استدارته ناحية دمشق عبر حلفائها في بيروت. فكان عليه ان يمشي درب الجلجلة مع من عاداهم او استهزأ بحيثياتهم ونعتهم بأشد الاوصاف قبحا، من حزب الله و"جمهوره الشمولي المغلق" الى وئام وهاب وطلال ارسلان والحزب السوري القومي الاجتماعي وصولا الى سليمان فرنجية.

اما آخر العنقود في سلسلة التحوّل السياسي الجنبلاطي فكان مع ميشال عون، في انتظار ابواب الشام المتحفظة، على رغم كل الرسائل والود المغلف بالحذر.

اللقاء المؤجل

صحيح ان لقاء جنبلاط – عون استؤخر اشهرا، لكنه كاد ان يحصل مرتين: واحدة في منزل طبيب صديق هو نبيل الطويل، واخرى على عشاء في كليمنصو بعدما تخلف عون في اللحظات الاخيرة. اما الثالثة الثابتة فكان مقدّرا ان تحصل، لا فارق في بعبدا او خارجها. ذلك ان ظرف الالتقاء نضج ولم يبق سوى الاخراج والصورة، فإتصل رئيس الجمهورية بالرجلين شارحا مسعاه الحواري ومتمنيا عليهما ان يبدآ الحوار من عنده خصوصا انه يدرك ان هذه الحوارات التصالحية تكرس الدور الوطني المرجعي لرئاسة الجمهورية وتصلّب الاستقرار السياسي وترسي المناخات لاستئناف الحوار برعايته المباشرة. وكان له ما اراد.

لم يلتق الرجلان سابقا على رغم كل الوساطات، لاسباب عدة منها:

-لم يرد عون ان يكون اللقاء مجرد صورة تخدم جنبلاط في تحوّله. وهو سبق ان صارح الوسطاء مرارا قبل السابع من ايار (مايو) ان لا لقاء مع البيك الا في ضوء تغيير لغته واسلوبه ونهجه مع حزب الله. كما لم يرد ان يأتي الاجتماع بلا اجندة سياسية، لو مختصرة، تفتح باب نقاش جدي علمي بينهما، محوره عودة المهجرين، وتطبيع الجبل بين مسيحييه ومسلميه ودروزه، وهو امر لم يكتمل على رغم الزيارة التاريخية للبطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير في آب (اغسطس) 2001 وما لحقها من تنسيق بين الحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية.

-جمّد جنبلاط، اثر الضجة التي لحقت خطاب البوريفاج في الثاني من آب (اغسطس)، خطواته التموضعية الى ما بعد تشكيل الحكومة لاحتواء ردة فعل المحيطين بسعد بالحريري. فتفادى في فترة تشكيل الحكومة ان يلتقي عون حتى لا يتسبب بإحراج اضافي للحريري، وحتى لا يتيح لزعيم الرابية الاستقواء بهذا اللقاء لتعزيز موقعه التفاوضي. لكنه ايضا لم يجد للقاء بعون سبيلا مؤثرا من سبل مصالحة دمشق. كما انه، انطلاقا من امساكه بورقة الجبل الجنوبي، يحاذر ان يشاركه عون في معادلة الجبل وزعامته. غير انه في المقابل لم يرغب في استبدال فك ارتباطه مع ثنائية امين الجميل – سمير جعجع، بحلف مع عون، بل لا يزال يفضل اعتماد بكركي والبطريرك صفير الذي أرسى معه مصالحة الجبل، عنوانا لعلاقته مع المسيحيين، في موازاة تحسّن علاقته مع رئاسة الجمهورية، في علاقة ود وثقة لم يسبق ان تطورت بين جنبلاط وأي رئيس.

لجنتان للمتابعة

تمخض عن اللقاء في قصر بعبدا تشكيل لجنة متابعة ميدانية تمثل عون وجنبلاط وايضا رئاسة الجمهورية، وفي الوقت الذي لم يُكشف اسم ممثل الرئاسة في اللجنة على رغم الحديث عن اتجاه الى تسمية العميد بسام يحيى، سمى الزعيم الدرزي عضو قيادة الحزب التقدمي الاشتراكي ناصر زيدان فيما سمى زعيم الرابية المسؤول عن الاعلام ناصيف القزي، على ان تولى اللجنة متابعة الملفات والقضايا الميدانية المشتركة في الدوائر الرسمية وغير الرسمية.

في الموازاة، تم الاتفاق على تشكيل لجنة تنسيق تضم وزير المهجرين اكرم شهيب والنائب آلان عون، مهمتها التنسيق في كل ما يرتبط بعنوان المهجرين، ومن ضمنها تلك المتعلقة بإستكمال المصالحات خصوصا في قرية عبية في الشحار الغربي، وكفر سلوان في المتن وبريح في الشوف، اضافة الى الامور ذات الصلة بإعادة الاعمار المنازل وترميمها.

الاثنين، 23 نوفمبر 2009

Sphere: Related Content

كتب رسالة الاستقلال بخط يده حرصا على ان يمرّ ما في ذهنه عبر لسانه لا عبر المستشارين

الميثاق والوفاق عنوان ثلثا عهد ميشال سليمان

رئيس الجمهورية يحضّر ورشة اصلاحات دستورية وسياسية وإقتصادية

ينشر في "الاسبوع العربي" في 30/11/2009

وسطيّة كرسي ميشال سليمان بين كرسيّي وليد جنبلاط وسليمان فرنجية في بعبدا، ظهر الاربعاء في الثامن عشر من تشرين الثاني (نوفمبر)، هي الوسطية الايجابية الوفاقية التي يريد (ويأمل) رئيس الجمهورية ان تطبع الثلثين الباقيين من عهده، وان تكون ايذانا ببدء فعلي لعهده المؤجل في عامَيه الاولين بقوة احداث السابع من ايار (مايو) 2008 وما لحقها من اتفاق في الدوحة نظّم الخلاف وانتج حكومة توازنات مضطربة حكمت (من غير ان تحكم) من الحادي عشر من تموز (يوليو) 2008، الى التاسع من تشرين الثاني (نوفمبر) 2009.

أدرك ميشال سليمان منذ لحظة انتخابه في الخامس والعشرين من ايار (مايو) 2008 ان عهده الفعلي لن يبدأ الا بعد سنة، اي في ضوء الانتخابات النيابية، لذا ركز في النصف الاول من عامه الاول على اعادة ترميم المظلة الاقليمية والدولية الحامية للبنان، فكثّف زياراته العربية والاوروبية والاميركية، مكتفيا في سياسته المحلية بمحاولة ادارة الخلاف عبر حمل العصا من وسطها بين فريقين تناتشا السياسة والامن والاقتصاد والمال والاجتماع في سبيل توظيفها عوامل مساعدة في نتائج الانتخابات التشريعية.

أدرك ميشال سليمان كل هذه التراكمات، فإنصرف الى الاعداد لعامه الثاني من خلال رؤى اصلاحية في السياسة والاقتصاد والمال، كما في الدستور والصلاحيات والسلاح، لكن ازمة الحكومة عكّرت عليه، فمضى نصف عامه الثاني في ظل إعاقة سياسية أَدارَتْها، بما امكن، حكومة تصريف الاعمال. ومن المتوقع ان يمضي قسما من نصف عامه الثاني في ترتيب اوراق حكمه عبر معبر إلزامي يتمثّل بتحقيق عدد من المصالحات السياسية وتصحيح الشوائب وجمع الاضداد، بدءا من قيادات الصف الاول، علما ان الرئيس سليمان لا يحبّذ كلمة "مصالحات"، ويستبدلها بـ "الحوار".

حياد لكن إيجابي!

لعل أهم ما يشير إليه مسار الحوار برعاية رئيس الجمهورية، هو التغيير المُراد ان يحصل في أدائه ودوره، فهو يريد ان يعلن من خلال خطوات ومبادرات عدة اتخذها اخيرا، مغادرته الموقع السياسي الذي قيّده في عاميه الاولين تحت مسمى "الرئيس التوافقي" و"الحياد السلبي". فالرئيس سليمان غادر الانتقالية ويعطي الإشارة تلو الأخرى إلى أن عهده بدأ فعلاً بعد اكتمال مؤسستيّ مجلس النواب والحكومة. وهو، الذي حصر إطلالاته في نطاق مواقف الوطنية والخطابات الرسمية مدروسة ومتزنة ولكنها غير كافية، قرر تغيير نمط تعاطيه وتحركه في اتجاه الانتقال إلى موقع المبادر وخلق دينامية سياسية جديدة والتفاعل بشكل أقوى وأسرع مع الأوضاع والأحداث والتأثير في مجراها.

باشر رئيس الجمهورية هذا الدور الجديد في فترة المفاوضات لتأليف الحكومة، لكن من دون ضجة، للإسهام في تفكيك العقد، وكان له دور أساسي في جَسْر الهوّة بين رئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس تكتل "التغيير والإصلاح" النائب ميشال عون، وفي تحقيق أول اختراق في الأزمة عندما قدّم المخرج لما سميّ ازمة توزير الراسبين، بعدما كان قد فتح خطا مباشرا مع عون في مسعى لتصفية رواسب الانتخابات النيابية. وبعد النجاح في استيلاد الوليد الحكومي، باشر سليمان دوراً تهدويا بدأ بجمع الأضداد وإتمام المصالحات، التي تصبّ في خانة تعزيز الدور الرئاسي التوافقي، إضافة الى إعطاء قوة دفع لحكومة التي تحتاج الى زخم المصالحات الثنائية لتفعيل انطلاقتها وتعويض رئيسها ما أصابه من نزف على مدى خمسة اشهر من مفاوضات الكرّ والفرّ. كما انه يعمل على ترتيب سلسلة متماسكة من الحوارات تسبق دعوته إلى إنعقاد طاولة الحوار من أجل أن تتكرس المصالحات الشاملة في هيئة الحوار، انطلاقا من ان اولوية ترتيب الوضع السياسي وتهيئة المناخات والظروف الملائمة لاستئناف الحوار أولا، وللخوض في موضوع التعديلات الدستورية ثانيا، تبدأ من هذه المصالحات.

طريق التعديلات الدستورية

ورئيس الجمهورية العازم على التغيير وتصحيح الشوائب التي أصابت لبنان طوال اعوام الأزمة بما يؤشر الى مرحلة من التغييرات والإصلاحات النوعية، يستشعر الصعوبات والألغام المزروعة في طريق التعديلات الدستورية. ويبدو انه قرر خوض هذه الغمار على رغم إدراكه طبيعة العقد - الهواجس التي تعترض سبيل التعديلات في صلاحيات المؤسسات الدستورية الثلاث (رئاسة الجمهورية ورئاستا المجلس النيابي والحكومة).

وغير خفيّ ان التحفظات الدستورية والقانونية كثيرة، عن آليات العمل الدستوري: المهل في توقيع الرئيس والمدة المفتوحة التي لا تحدد سقفا للرئيس المكلف تشكيل الحكومة كي ينجز مهمته، وولاية الاربع سنوات لرئيس المجلس النيابي التي أصرّ عليها الرئيس حسين الحسيني في اتفاق الطائف، بدلا من ولاية السنة الواحدة. وثمة من يطرح في هذا الاطار تحديد ولاية رئيس البرلمان بسنتين قابلتين للتجديد، وبذلك يُعاد بعض من التوازن في مسألة المهل الزمنية بين رئاسة البرلمان ورئاسة مجلس الوزراء.

ماذا يقول الرئيس؟

مساء السبت في الواحد والعشرين من تشرين الثاني (نوفمبر)، القى رئيس الجمهورية رسالة الاستقلال مباشرة على الهواء، في احتفالية دعت اليها دوائر القصر ما يزيد عن مئة من الاعلاميين. تمركز على الطاولة الحجرية البنية التي تتوسط المكتب الرئاسي الفسيح، وباشر تلاوة الكلمة التي ظهر للمدعوين انه كتبها بخط يده. وهو غالبا ما يحذو هذا الحذو حرصا على ان يترجم افكاره بنفسه، فيمرّ ما في ذهنه الى اللبنانيين عبر لسانه لا عبر لسان المستشارين.

وفي سابقة بروتوكولية، وعلى اثر انتهاء الاحتفالية التي شملت سماع الرسالة ومن ثم حوارا متلفزا اقتصر على عدد من الاسئلة، خصص رئيس الجمهورية نحو 10 دقائق في بهو القصر للاستماع الى عدد من الاعلاميين تحلقوا حوله وقوفا. فأوضح، في الدردشة التي شاركت فيها "الاسبوع العربي"، ان التحضير جار لطاولة الحوار الوطني "وقد تتوسع لتشمل نواباً وغير نواب"، معتبراً ان "النيابة ليست شرطاً لمعيار التمثيل في هذه الهيئة ولكن سنحاول ألا تصبح فضفاضة".

وعن إمكان بحث هيئة الحوار مواضيع أخرى غير الاستراتيجية الدفاعية كإلغاء الطائفية السياسية، لفت الرئيس سليمان الى أن "الطاولة السابقة ناقشت مسائل غير الاستراتيجية الدفاعية على جدول أعمالها".

وسئل عما اذا كان دوره التوافقي يقيد هامش تحركه فأجاب بحزم: "دوري التوافقي أعرف جيداً كيف أمارسه، وما قمت به خلال سنة ونصف سنة يشكل دليلاً على فعالية هذا الدور التوافقي". وعقّب: "ألمْ تكن هذه السنة ونصف السنة افضل حالا من الاعوام السابقة؟".

وفي شأن اتخاذ القرارات في الحكومة وما اذا كانت ستخضع للتوافق المسبق أم للتصويت أوضح الرئيس سليمان "اننا في ذلك يجب أن نعود الى الدستور الذي يقول ان القرارات تؤخذ بالتوافق واذا تعذر التوافق تخضع للتصويت". واضاف "نحن علينا أن نبدأ من فوق وليس من أسفل، أي أن نبدأ بالبحث عن التوافق ثم التوافق ثم التوافق، واذا تعذر التوافق عندها نلجأ الى التصويت".

الميثاق

يقع "الميثاق" في صلب حديث رئيس الجمهورية، وهو اوردها اربع مرات في رسالة الاستقلال.

يبدو كالكلمة السحرية التي يراها المفتاح لكل ما سيقْدم عليه في الثلثين الباقيين في عهده من اصلاحات سياسية وإقتصادية وإجتماعية، بدءا من مسألة الصلاحيات في المؤسسات الدستورية الثلاث.

وهو شدد في هذا المجال على معادلة "تحقيق التوازن المطلوب بين الصلاحيات والمسؤوليات تمكيناً للمؤسسات، بما فيها رئاسة الجمهورية من تأدية دورها الوطني طبقا لنص الدستور وروحه بعيداً عن المحاصصة". وشدد على ان هذا "التوجه لا يستقيم من دون معالجة الثغر التي ظهرت في عمل السلطات الدستورية بعد مضي عقدين على اعتماد اتفاق الطائف"، الذي استدرك مشدداً على انه "لا بد من المضي في السعي الى تطبيق بنوده كاملة". واذ اعرب عن تطلعه الى دور للحكومة في تحقيق ورشة الاصلاح، لفت الى انه "يمكن هيئة الحوار الوطني التي ستلتئم قريباً والتي لن تكون سلطة جديدة منافسة أو موازية للسلطة التنفيذية ولا تنوب عنها (...) ايجاد المناخات المناسبة للمضي قدماً في هذا التوجه".

حتى في مسألة الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، يرى رئيس الجمهورية ان "الميثاق" هو الوازن والطريق الإلزامي لها، يضيف الرئيس: "لا خطوة في هذا الاتجاه لا تراعي الفقرة "ياء" من مقدمة الدستور، انطلاقا من ان "لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك".


الأحد، 15 نوفمبر 2009

Sphere: Related Content


المسافة بين قشلة السلطان وقصر المهاجرين موزونة على سرعة البيان الوزاري

سعد الحريري في السرايا: استثناءُ الشخص والإرث والاستمرار

حكومة ثلثيّ العهد وكل الولاية .. جهد لا يريد احد تكراره

لبنان محكوم بملاقاة نسق الرباعية الاقليمية الجديدة

ينشر في "الاسبوع العربي" في 23/11/2009

سعد رفيق الحريري، في السرايا الكبيرة، التي كرّسها السلطان عبد العزيز مركزا لحكم لبنان في نهاية القرن التاسع عشر، ورممها الرجل ذو الحذاء الذهبي، على ما سماه عمر اميرلاي في وثائقي أرّخه رفيق الحريري نفسه بصوته وديناميته. سعد الاول في السراي حدث قائم بذاته، فالرجل استثنائي في دخوله (اقحامه؟) السلطة، واستثنائي لكونه اول نجل رئيس الحكومة "يرث" مقعده او سراياه، واستثنائي لكونه منع مفاعيل شطب والده جسديا، لا بل أمّن استمرار الشخص والارث والعائلة.

بين سرايا السلطان (او القشلة وفق التسمية البيروتية اوائل القرن التاسع عشر) الرابضة على تلة تتوسط بيروت، وبين قصر المهاجرين الرابض على الجبل المطل على عاصمة الامويين، مسافة تقطع بسرعة إقرار البيان الوزاري لأولى حكومات سعد الحريري (الاول).

يبدو الاستحقاق قريبا جدا: سعد بن رفيق الحريري في دمشق يقطع مسافة، خُيِّل لكثر انها كانت تقاس بالسنوات الضوئية! لكن للضرورات احكامها وآليات عمل تبدو، في احيان ظاهرة، شاذة، لكنها في واقع الحال خليط من التاريخ والجيو سياسة والحقائق المُرة التي قبِل الحريري ان يتجرعها منذ ان قرُبت منه رئاسة الحكومة، ومنذ ان قرر العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز فتح صفحة جديدة من الوئام العربي تمحي 4 اعوام عجاف، والاهم تمحي خصوصا لقاء الدقيقتين والكلمتين، بين الزعيمين في احد المطارات السعودية، ربيع العام 2005!

اذن، شُكلت الحكومة وسلك لبنان طريقا مستقيما بغطاء عربي ومظلة دولية، و... برعاية سورية تنبئ بعودة من الباب الواسع.

ازمة بحجم تاريخ!

لم يشهد لبنان أزمة حكومية على غرار الأزمة الاخيرة، باستثناء تلك التي حصلت في العام 1969 في أعقاب الصراع الذي اندلع في لبنان عشية دخول الجماعات المسلحة الفلسطينية إلى أراضيه وإقتطاعها إمارات لمصلحة "العمل المقاوم"، وتسببها في أحداث دموية بعد تظاهرات جرت في الثالث والعشرين من نيسان (أبريل)، ولم تنته إلاّ بعد توقيع اتفاق القاهرة في تشرين الثاني (نوفمبر) بإشراف الرئيس المصري جمال عبد الناصر، وهو اتفاق أعطى الجماعات الفلسطينية آنذاك الحق بالعمل المسلح ضد إسرائيل انطلاقا من الأرض اللبنانية.

لم يكن تشكيل حكومات لبنان منذ استقلاله معزولا عن التدخلات الخارجية، الإقليمية والدولية. لكن التدخل تفاوت وفق طبيعة المعضلات ومدى علاقتها بالأزمات والتطورات المحيطة.

الازمة الاخيرة وجه من وجوه تناسل الازمات على امتداد الجمهوريتين، بدأت منذ لحظة اغتيال الرئيس رفيق الحريري قبل أربعة اعوام، وما أعقبها من انسحاب للجيش السوري، مرورا بالحرب الإسرائيلية في تموز (يوليو) 2006، وصولا الى احداث الخامس والسابع أيار (مايو) 2008، وكلها أحداث وصلت الواقع اللبناني بحبال غليظة مع ما يحيط به، وجعل الحياة السياسية اللبنانية اسيرة المدار الخارجي، وصنيعته في احيان كثيرة.

حكومة ثلثا العهد

تبدأ حكومة سعد الحريري عملها الفعلي بعد عيد الاستقلال الذي حُدد مهلة حث لانجاز البيان الوزاري ومثولها امام البرلمان لنيل الثقة، على ان يدشّن الحريري مهامه بجولة خارجية تشمل (وربما تبدأ) من سوريا، المحطة الاكثر اثارة في تظهير المشهد الآتي.

ثمة انطباع واسع بأن حكومة الحريري ستكون حكومة ثلثا عهد ميشال سليمان، وحكومة كامل ولاية المجلس النيابي. شُكلت على هذا الاساس، ودُعّمت لتتحمّل مشاق اربع سنوات آتية.

اصلا، لا يتحمّل لبنان مخاض يشبه مخاض الاشهر الخمسة الفائتة، ولا تحتمل الرعايات القريبة والبعيدة مشقّة كالتي قبلت -صاغِرة- ان تتحملها في سبيل تظهير اولى حكومات الحريري الابن. فلا الاولويات الغربية في المنطقة تلحظ مشاكل لبنان وجزئيات صراع السلطة فيه، ولا الاولويات العربية راغبة في ان تكون مساحة لا تتعدى مساحة مدينة او صحراء، سببا متجددا لخلافات وانقسامات وتشوّهات.

وثمة انطباع واسع ايضا ان دمشق كان لها البارع الاطول في تشكيل الحكومة، تسهيلا وربما ضغطا على حلفاء لوقف استنزاف سعد الحريري الذي من شأنه، في حال استمراره، ان ينسحب ترهلا في الحكومة الوليدة وضعفا غير مبرر في السلطة الاجرائية التي تنتظرها استحقاقات كثيرة، ترغب دمشق في ان تتصدى لها حكومة لبنانية قوية وصلبة!

الصحيح الاكثر اصحاحا ان تطورات لبنان تسير وفق الساعة الإقليمية ولا وقت لحسابات صغيرة او شخصية.

بعد زيارة الرئيس العماد ميشال سليمان الى دمشق، بفارق ساعاتٍ عن تشكيل الحكومة الجديدة، وبعد زيارة الرئيس السوري بشار الأسد الى باريس، بفارق أيام عن مغادرة بنيامين نتنياهو عاصمة الاضواء، بات واضحا أن التطورات اللبنانية تندرج ضمن التوقيت الإقليمي، وتتمُّ وفق ساعة الخارج، حصرا.

فالاقليم كله من ادناه الى اقصاه، على فوّهة استحقاقات جذرية، من الرغبة الجادة في إنجاح مساعي التسوية وإعادة إطلاق مسارات التفاوض (وعواقب فشلها؟)، الى معالجة النقاط المتوترة في العراق وافغانستان وباكستان واليمن وايران.

القمة والنسق الاقليمي الجديد

ويرى ديبلوماسيون أن القمة اللبنانية - السورية الخاطفة جاءت لمواكبة التطورات المرتقبة على المساحة الاقليمية، وخصوصا وسط تأزم في اكثر من اقليم ومحور، وفي ظل اصرار اوروبي – اميركي على تحريك مياه التسوية السلمية. لذا من المتوقع ان تفعّل بيروت ودمشق تشاورهما وخصوصا على مستوى التنسيق في التعامل مع التطورات في كل ما يتعلق بمساعي السلام الجارية او المزمع اجراؤها، بحيث تكون العاصمتان على تماس مباشر مع مقتضيات النسق الاقليمي الجديد على مستوى رباعية دمشق والرياض وانقرة وطهران، المحور الجديد الفاعل الذي سيعيد رسم الكثير من الخرائط السياسية.

وعلى هذا الأساس، تتطلع الرباعية الاقليمية الجديدة الى أوراقها الممكنةِ والمرجِّحة. فالمملكة العربية السعودية تحضِّر لتحريك مبادرة السلام العربية، وسوريا تتموضع على خط الانطلاق مجدداً بالتفاوض غير المباشر مع اسرائيل، وتركيا تستعد لوثبات عملاقة، وايران تراقب وتترقّب، فيما إدارة باراك حسين أوباما تجسُّ النبضَ في المسارات غير الفلسطينية، وتحديد المساران اللبناني والسوري.

ويعتبر الديبلوماسيون ان لا مفر للبنان، حيال هذه التطورات المرتقبة والقفزات النوعية المتوقعة، من اعادة التأسيس في مشروع الدولة، بمؤسساتٌ وإدارة صالحة، بحيث تكون قادرةً لحظة الاستحقاق الإقليمي، على مواجهة التحديات المطلوبة منها، سياسياً وأمنياً وعسكرياً واقتصادياً، وفي شتى المجالات.

ويلفت الديبلوماسيون الى ان القمة اللبنانية – السورية التأمت في ظل ظروف جديدة مساعدة مختلفة تماما عن أجواء قمة آب (أغسطس) 2008 التي أرست قواعد جديدة للعلاقة اللبنانية - السورية. وتختصر هذه المتغيرات في ثلاث مصالحات:

-المصالحة الدولية مع سوريا بعد مراجعة ايجابية للدور السوري في لبنان، بعد اتفاق الدوحة.

-المصالحة السورية - السعودية التي انعكست انفراجا لبنانيا، وشكلت عاملا مساعدا في تسريع وتيرة العلاقة السورية -اللبنانية، كما اتاحت للبنان الدخول مباشرة على خط تفاهمات عربية واقليمية تمثل سوريا شريكا أساسيا فيها.

- المصالحة اللبنانية مع القيادة السورية، وهي تُختصر بمصالحة سعد الحريري ووليد جنبلاط، في مؤشر حاسم الى طبيعة المرحلة المقبلة وتحولاتها، ان على صعيد دور سوريا في لبنان وعلاقتها بأطرافه، أو على صعيد التوازن السياسي الداخلي الذي سيغادر تدريجيا مرحلة الانقسام الحاد بين معسكرَيْن يقْربان ان يقتصرا على عسكر بلا ضباط!

الأحد، 8 نوفمبر 2009

Sphere: Related Content

في عشرينية الطائف اسئلة بحجم الازمات المتناسلة

التأزم الحكومي يُقفَل بحلّ موقت لا يعالج باعث العقد

3 مقاربات على هامش زيارة جان كلود كوسران و"التفكّر حول لبنان"

تكريس "لويا جيرغا" لبنانية حيث الحكم للقبائل والعشائر المذهبية؟!

ينشر في "الاسبوع العربي" في 16/11/2009

قد تكون اكثر من صدفة تزامن عشرينية اتفاق الطائف (4 تشرين الثاني/ نوفمبر 1989) مع ثاني اشد ازمات متفرعات نصوصه وثغره، بعد الازمة الرئاسية (تشرين الاول /اكتوبر 2007 – ايار /مايو 2008) التي كشفت عورات دستور الجمهورية الثانية، وافترضت في حينه انه سيصار في اول فرصة سانحة الى النظر فيها للحد من تأثيراتها، مقدمة لايجاد النصوص الجديدة المناسبة التي تحقق الغاية من التعديلات الدستورية من غير ان تمس لا جوهر الاتفاق ولا الهاجس السني الدائم من اي تغيير يعيد الالق الى المارونية السياسية الغابرة.

في عشرينية الطائف، الاتفاق والوثيقة والمداولات المكتومة والمحاضر المحظورة، تبدو الاسئلة بحجم اتفاق الضرورة، وربما اكبر، ذلك ان الاتفاق وُضع بعناية الصائغ العربي، فوضع حدا لوزر الحرب العبثية، لكنه اتاح حصرا ادارة خارجية للجمهورية الثانية الناشئة، وجرى تقاسم السياسة والامن من جهة والاقتصادر من جهة ثانية. لكن ما غاب عن هذا الصائغ سؤال جوهري: ماذا لو غابت الادارة الخارجية او اختلفت؟ ماذا يحل بهذا الرضيع الناشئ؟ وهل السبيل سالكٌ بيسر لاستبدال ادارة (هي وصاية) بأخرى؟

ربما كان اتفاق الطائف أفضل ما أمكن التوصل إليه، إطارا لإنهاء الحرب. ويميل البعض إلى تحميل دمشق مسؤولية حرف الاتفاق - الوثيقة عن سبيله، في حين يعتبر البعض الآخر أن الاتفاق وضع صيغة جديدة للسلطة تقوم على التساوي بين مسلميه ومسيحييه، لكن فاته (او تقصّد الرعاة) ان يرسم أسسا مبتكرة للمواءمة بين هاجس التوازن وضرورات الحكم وآلياته، مكتفيا بوضع أطر إجرائية لتنظيم التعايش، ليتبين مع الوقت أن زعيم كل طائفة انصرف الى تطويع هذه الأطر بما يخدم سلطته على حساب المصلحة العامة. وتاليا، تبيّن بعد انفضاض الرعاية، ان الطائف الذي عُوِّل عليه ليكون الفيصل في حسم الخلافات، صار جزءا من الازمات وومكبلا وغير قادر على حلها في الاحد الاقصى، وعلى ادارتها في الحد الادنى!

بعد الازمتين

اذن، بان مرجُ ما بعد الازمتين الرئاسية والحكومية: اضرار كبيرة وتشققات خطرة وسيل من التصدعات التي لم يعد يصلح او ينفع ترقيعها وترميمها بالاسمنت التقليدي اياه. وانجلت الازمة الحكومية تاركة جراح مثخّنة يصعب اندمالها ما لم يبادر اهل النظام الى ورشة اصلاحية – دستورية – سياسية غير كلاسيكية تستكمل فعليا ما تم تداوله في كواليس دوحة ايار – مايو 2008. يومها كان واضحا ان الاتجاه العربي والاقليمي والدولي يؤول الى احتضان ورشة مماثلة تبدأ مع انتهاء العام الاول من سداسية ميشال سليمان الذي من المفترض ان يكوت قد توّجه بترميم المظلة الدولية التي تقي لبنان مخاطر الارهاب واسرائيل وتتيح له بدء الورشة الموعودة بالتوازي والتكافل: دستورية ومالية – اقتصادية.

كان من المفترض ان تنطلق هذه الورشة مباشرة بعد الانتخابات النيابية التي تنهي مفاعيل حكومة الدوحة، حكومة ما بعد السابع من ايار (مايو) 2008، حكومة وفاق الحد الادنى. لكن حساب الحقل لم يوافق حساب البيدر، فتعقّدت من جديد ازمة حكومية هي في حقيقتها جولة جديدة للانتخابات النيابية التي لم تضع اوزارها في السابع من حزيران (يونيو) الا على ورق وزارة الداخلية!

إلغاء ام انقلاب؟

كتب البير منصور، زمن الجفاء مع دمشق، "الانقلاب على الطائف"، كشهادة واحد من السياسيين الذين عايشوا ولادة اتفاق الطائف وشهدوا تطبيقه. وهو يقول ان اتفاق الطائف أصبح اثنين: الاتفاق المكتوب والاتفاق المطبق. في الاتفاق المكتوب فصول وفي الاتفاق المطبق فصول، وشتان ما بين الاثنين، فتلك تقسيمات للفهم ملؤها صدق النوايا، وهذه حبائل احتيال ومسرحيات تآمر. حلل واقع الطائف واظهر مكامن الخلل في التطبيق وأهمية الأخطار الناجمة عنه والمعالجة الممكنة، جيبا على سؤال مركزي: كيف تحول الحل إلى مأساة أدهى من الأولى وأشد مرارة؟

وثمة من يعتقد ان جهات لا تزال تعمل على إلغاء هذا الاتفاق تدريجا، وصولا الى تحقيق توازن من نوع آخر، ينسف المناصفة.

كانت الغاية المرتجاة من الطائف، انهاء الحرب وبدء مسيرة اعادة الدولة. اما اتفاق الدوحة فمختلف تماما، هو يشبه الى حد بعيد اتفاقات وقف اطلاق النار خلال مراحل الحرب اللبنانية، فيُظن للوهلة الاولى انها كتبت النهاية. لكن سرعان ما يلمسون انها مجرد هدنات واستراحات.

ويعتقد اصحاب وجهة النظر هذه ان اتفاق الدوحة الذي رعته سوريا وقطر رمى الى شرعنة ما حصل في السابع من ايار (مايو) 2008، واستطراردا فتح الباب لمن قام به لقطف ثماره السياسية من خلال دخول السلطة من الباب العريض والتحكم بها بواسطة الثلث المعطل، ومن ثم الركون الى الصبر في انتظار ظروف استكمال القوة ونضج المناخ الاقليمي لإلغاء اتفاق الطائف وتنصيب اتفاق جديد ينسف المناصفة ويؤسس للمثالثة!

ويذهب البعض الى ان اتفاق الطائف تعرض الى الإلغاء قبل أن يجف حبره. ويقول إن مرحلة ما بعد الطائف حتى العام 2005 شهدت في الواقع تطبيق "الاتفاق الثلاثي" الذي وقّعه في دمشق في العام 1987، قادة الميليشيات، وكرس المحاصصة، حيث كل طائفة صنعت مملكتها، فصار قصر لرئيس مجلس النواب وآخر لرئيس الحكومة. بعد العام 2005، آلَ الحكم الى الاتفاق الرباعي، فحلّ مكان الدستور ليكون المرجعية التنظيمية لتقاسم السلطة. وبعد السابع من ايار (مايو) 2008 حل اتفاق الدوحة، وظّل الدستور مستباحا لمصلحة المنطق الميليشيوي لتقاسم الجبنة، فيما الطائف يتنافى وهذا المنطق ولا يتلاقى مع شرعيات الامر الواقع. واستطرادا، يكفل التطبيق السليم لاتفاق الطائف انتظام السياسة والاستقرار، لأنه يكفل سيادة سلطة الشرعية الدستورية. لكن الظرف الإقليمي لم ينضج بعد لفرض تطبيق الدستور، وتاليا لا يزال استقرار لبنان بندا مؤجلا على الأجندة الإقليمية.

اذن، هل اتفاق الطائف لم يكن ناجعا في معالجة الازمة؟

يجيب هذا البعض: «فلنطبق اولا كل الاتفاق قبل القول بثغرات فيه. لا بل ان تطبيقه ينفي لاحقا ما يبرز راهنا من ثغرات ولا سيما على مستوى صلاحيات رئيس الجمهورية.

كوسران والاسئلة

في الاسبوع الاول من تشرين الثاني (نوفمبر)، حضر الى بيروت رئيس الأكاديمية الدبلوماسية الدولية ADI السفير جان كلود كوسران، مهندس حوارات لا سيل سان كلو، الضاحية الراقية المجاورة لباريس، مستكملا حوارات حزيران (يونيو) الفائت عن "التفكر حول لبنان". التقى مع عدد من المسؤولين والشخصيات والاعلاميين على سبر الازمة الحكومية وسبل انهائها. وكان انطباعان: إما ان يسهّل تشكيلها على وجه العجلة، وإما ترحيلها الى حين قد يكون بعيدا.

اما الفكرتان اللتان طرحتا للنقاش المعمّق، فهما:

1-هل الازمة مقصودة لإظهار وإبراز عدم صلاحية اتفاق الطائف، واستطراا عجز نظام الجمهورية الثانية على الاستمرار في ادراة البلد، خصوصا ان الجهتين اللتين تتهمها قوى الرابع عشر من آذار (مارس) بالتعطيل، هما "حزب الله" و"التيار الوطني الحر"، والاثنان سبق ان التقيا -عفوا - قبل 20 عاما على رفض اتفاق الطائف، كل من موقعه الايديولجي والسياسي، وعادا ليلتقيا في السادس من شباط (فبراير) 2006؟

2-هل الازمة مولود النظام اللبناني الديمقراطي التوافقي، الهجين والفريد من نوعه على مستوى الديمقراطيات؟ واستطرادا، هل الحل في حكومة الاكثريات الطائفية والمذهبية في مقابل معارضة الاقلويات؟ واذا ذاك فليُطلق العنان لمنطق "اللويا جيرغا" (عبارة بشتونية نسبة الى قبائل البشتون التي تمثل غالبية الأفغانيين، يعني الشطر الأول "الكبير أو الموسع" والثاني "اجتماع الصلح أو مجلس المصالحة"، أي مجلس المصالحة الموسع)، ولتكن اجتماعات موسمية لمجلس عشائري أو قبلي، حيث الوحدة السياسية الفاعلة هي العشيرة والقبيلة، بذراع عسكرية تؤمنها الميليشيات القبلية!

3-هل الازمة تناسل لتأزمات الاقليم؟ واستطرادا، هل الحل النهائي متعذر راهنا، ولا بد من الركون الى "لا منطق" الحلول الموقتة في انتظار زمن التسويات الكبرى، على غرار تسويات منتصف السبعينات وبداية التسعينات؟

لا شك ان مقاربات حلقات النقاش لامست هذه الاسئلة الثلاث وغاصت في متنه تشريحا. ومن نافل القول ان كل من هذه المقاربات لاقت من تبناها ومن استرسل في الدفاع عن وجهة نظره، لكن من دون التوصل الى الاجابة السهلة الممتنعة على السؤال الدراماتيكي المحيّر: هل كتب على لبنان ان يبقى اسير تناسل الازمات، فلا يرتاح الا بإنفراط مسببات الازمات المحيطة والتي تزداد حدة وتشعبا؟

الاثنين، 2 نوفمبر 2009

Sphere: Related Content

بعد "الانخراط" والانشغال بأولويات اخرى من العراق الى "الارهاب في باكستان النووية"

ايّ ذكْر للبنان في واشنطن؟

جنبلاط كان اول المنسلخين عن اصدقائه في واشنطن قاطعاً عنهم نبيذه الفاخر

فيلتمان في واجهة المقاربة الاميركية للبنان ويتواصل يوميا مع اصدقائه

ينشر في "الاسبوع العربي" في 9/11/2009

من يبحث في واشنطن هذه الأيام عن موقع لبنان، لا بد له ان يقع على حقيقة ان الهمّ الأميركي في مكان آخر تماما، بعيدا كل البعد عما لا يزال يخاله اللبنانيون عن "هال كم ارزة العاجقين الدني"! فواشنطن توزّع اهتماماتها بين الازمة المالية العالمية التي كادت ان تخنق اقصادها لا بل اعادته من ليبرالية مطلقة الى دور موّجه للدولة، اقرب الى نظريات كارل ماركس (!)، وبين افغانستان والعراق واليمن والصومال وارمينيا وتركيا، ومنابع النفط ومصادره وخطوط نقله. لكن هل يعني تشتت الاولويات هذا، تغييرا جذريا في سياسة الولايات المتحدة تجاه لبنان؟

في اسبوع واحد، نهاية تشرين الاول (اكتوبر) الفائت، زار ثلاث ممن يصطلح على تسميتهم مسؤولي الصف الثاني من فريقيّ الموالاة والمعارضة، العاصمة الاميركية. الاطباء وليد خوري وغطاس خوري ومصطفى علوش، جمعهم هدف واحد وهو المشاركة في مؤتمر طبي في شيكاغو، فيما النائبان السابقان اضافا الى جدول زيارتيهما تعريج مختصر على واشنطن، للسؤال عن بنت وابن يتابعان دراساتهما العليا.

وبما ان الرحلة الى واشنطن تستحق عناء بعض اللقاءات السياسية، تولى مكتب "التيار الوطني الحر" هناك تنظيم اجتماعات لوليد خوري مع مسؤولين في البيت الابيض ووزارة الخارجية، في موازاة زيارة تقوم بها المسؤولة الاعلامية في التيار مي عقل للعاصمة حيث شاركت في حلقات ابحاث استراتيجية. اما غطاس خوري فله علاقات مباشرة داخل الادارة، وله من بينها اصدقاء قدامى، من زمن "النضال" المشترك في بيروت في الاعوام الاربعة الفائتة، وقبل الفتور الذي يشوب علاقته بتيار "المستقبل" منذ ان قرر عدم الاطاعة والخروج عن قرار التيار سحب ترشيحه في الشوف لمصلحة جورج عدوان ودوري شمعون. وتتيح هذه الصادقات للمستشار السياسي السابق لسعد الحريري، اجراء لقاءات غير رسمية لاستكشاف بعض ما يطبخ اميركيا في الملف اللبناني، واستطرادا في الملف السوري. اما علوش فبقيت لقاءاته في اطار الدائرة الحزبية لقوى الرابع عشر من آذار (مارس) في واشنطن.

تلمّس عوني

اذن، يبدو استنادا الى اهداف الزيارات انها شخصية بالدرجة الاولى من دون تكليف رسمي من اي من الافرقاء التي ينتمي اليها الثلاثة، ما خلا وليد خوري الذي سبق ان اعلم العماد ميشال عون بأمر الزيارة مستفسرا امكان اجراء لقاءات سياسية على هامشها، فلم يمانع عون وطلب من مكتب التيار في واشنطن تنسيق هذه المواعيد، علما ان الفتور في العلاقة بين الجنرال والمسؤولين الاميركيين حدّ كثيرا من فاعلية تحرك مسؤوليه في واشنطن، بعد انتهاء شهر العسل المشترك مع عودته الى بيروت في السابع من ايار 2005، علما انه اتكأ على مجموعات ضغط (لوبي) لبنانية – اميركية ليعطي شهادته المثيرة في الكونغرس في ايلول (سبتمبر) 2003 اثناء مناقشة المشرعين الاميركيين استصدار قانون محاسبة سوريا وتحرير لبنان Syria Accountability Act، ثم القرار 1559 بعد عام بالتمام والكمال، علما ان تلك الشهادة جلبت عليه في حينه ملاحقة قضائية بذريعة إنتحال "صفة رئيس حكومة" ومئات الاتهامات بالعمالة، في حين بادر ناصر قنديل الى اتهامه بالتعامل مع الموساد الاسرائيلي مبرزا مداخلة هاتفية قال ان عون اجراها مع اعضاء في الكنسيت. لكن هذا اللوبي صار منذ تأزم العلاقات والجدالات الحادة بين عون والسفير جيفري فيلتمان، غير ذي فاعلية في حين انتقل كثر من اعضائه الى الضفة السياسية الاخرى، الى جانب قوى الرابع عشر من آذار (مارس).

وشرح وليد خوري في مداخلة تلفزيونية، جانبا من كواليس زيارته الأميركية، موضحا أن سبب الزيارة في شقها السياسي كان للاتصال بالإدارة الأميركية لشرح مواقف تكتل "التغيير والإصلاح" و"التيار الوطني الحر" والاستفهام عن التعاطي الجديد الذي يدل الى تغيير جذري في السياسة الأميركية في المنطقة. وقال خوري انه خرج بإنطباع بأن الأميركيين مهتمون باستقرار لبنان وحرصاء على ألا يكون عنصر شغب في المنطقة، لكن همهم الأكبر يبقى عملية السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين، ملاحظا عدم تأدية واشنطن دورا سلبيا في تشكيل الحكومة اللبنانية. وتوقّع طورا جديدا في السياسة الأميركية، بدأ من خلال الانفتاح على كل الأفرقاء، وإن لم يظهر جيدا في لبنان لكنه سيظهر قريبا، مشيرا في هذا الإطار إلى "تفهم الجهة التشريعية الأميركية (الكونغرس) موضوع سلاح "حزب الله" والمخاوف من توطين الفلسطينيين في لبنان".

اين لبنان في واشنطن؟

وصادف ان الزيارات الثلاث تزامنت مع ادلاء مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الادنى جيفري فيلتمان الاربعاء في الثامن والعشرين من تشرين (الاول - اكتوبر) بشهادة امام اللجنة الفرعية لشؤون الشرق الادنى وجنوب آسيا، برئاسة عضو الكونغرس عن ولاية نيويورك الديموقراطي غاري اكرمان، وصف فيها التقدم في العلاقة بين بلاده وسورية بـ "المتواضع"، مشيرا الى "اننا نعتقد انه هناك مجال لعلاقة اميركية - سورية ايجابية وبناءة، لكن لتحقيق ذلك، نريد ان نرى سورية تعالج مصادر القلق لدينا من سياساتها الاقليمية، مثل دعم المنظمات الارهابية مثل حزب الله وحماس". واعاد فيلتمان سلاح "حزب الله" الى الواجهة الاميركية من باب القرارين 1559 و1701.

يستشف من زوار واشنطن تراجع اولويتي لبنان وسوريا في المنتديات كما في مراكز القرار، باستثناء موضوع "حزب الله" الذي توصّفه واشنطن راهنا بأنه مجموعة ارهابية تأتمر بإيران فقط، من دون اي نفوذ سوري يذكر.

وتحرص واشنطن على طمأنة سائليها عن مبرر تراجع اولوية لبنان الى هذا الدرك، بإشارتها الى انها لا تبحث مقايضات لا على حساب لبنان ولا على حساب سوريا، بل انها ادركت هامشيتهما بالنسبة الى سلم اولويات الادارة الاميركية في منطقة الشرق الادنى وجنوب آسيا، حيث الاولويات تبدأ من منع ايران حيازة سلاح نووي، مرورا بتثبيت الوضع في العراق، حليفا استراتيجيا مهما ينتمي الى محور الدول العربية التي تصنفها معتدلة، انتهاء بإقفال ملف حرب افغانستان للتفرغ لمواجهة الارهاب في باكستان النووية. اما باقي الاهتمامات فتتفرع من هذه الاولويات الثلاث، ومن هذه المتفرعات "حزب الله" وحركة "حماس" لارتباطهما بطهران، ولقدرتهما "التخريبية" كردة فعل في حال اندلاع مواجهة مع ايران.

وتعتقد واشنطن ان سوريا لم تذُب كليا بإيران وحسب، بل ان قدرتها "التخريبية" المحتملة وقراراتها صارت في طهران، فيما يحاول السوريون الايحاء انهم قادرون على اجراء مقايضة في العراق او في لبنان. وتاليا تبدد "وهم" السعي الاميركي الى الفصل بين سوريا وايران، لان دمشق "غير قادرة على التغيير في مجرى الامور لا في لبنان ولا في العراق، وحتى لو كانت قادرة على ذلك، فإن الوقت المطلوب لمحاولة استقطابها بعيدا من طهران هو اطول من الوقت المطلوب لـ "معالجة" خطر التسلح النووي الايراني".

وترى واشنطن ان لبنان وسوريا هما على خريطة الشرق الاوسط بمقدار "تورطهما" في اي رد فعل ضد حرب محتملة على ايران، مع ان الترجيحات تشير الى بقاء دمشق خارج اي حرب اقليمية محتملة، ودخول «حزب الله» وتاليا لبنان فيها، على رغم الدمار الهائل الذي ستتسبب به هكذا حرب.

وتؤكد واشنطن ان ما عدا ذلك، "لا تغيير في موقفها الثبات دعم سيادة لبنان وحقه في العدالة الدولية".

تقلص لكن لا مقايضات

وسط هذا التغيّر في الاولويات الاميركية، من خطابات جورج دابليو بوش التي كانت تحيّي يوميا "شجاعة لبنان ورئيس وزرائه السنيورة"، الى التقلّص الكبير في الهامش المعطى له راهنا، ماذا بقي منه في الاجندة الاميركية حيث لا كلام سوى عن المشروع الصحي لباراك اوباما وتأثيرات الازمة العالمية، وعن افغانستان والعراق وايران والخلاف الأميركي- الإسرائيلي والصومال واليمن؟

ثمة في واشنطن من يرمي باللائمة على "بعض الحلفاء" في اشارة الى الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي كان السبب الرئيس في تشقق موقف المجتمع الدولي الذي كان في العام 2005 موحدا تجاه رفض التدخل الإيراني والسوري في لبنان. ذلك ان ساركوزي انفتح باكرا على القيادة السورية لأسباب بات معظمها معروفا، تتراوح بين الرغبة في قلب سياسة فرنسا – جاك شيراك رأسا على عقب، والحاجة الى آفاق استثمارية – نفوذية جديدة تتيحها سوريا اكثر من غيرها.

اذن، "موقع لبنان في واشنطن باق على رغم انحساره في سلم الاولويات. لكن على اللبنانيين النظر بإيجابية الى هذا التراجع، ذلك ان كل الانشغالات في الاقليم الذي يغلي على صفيح التطورات الامنية، لم يحل دون تجديد الموقف الاميركي: لا مقايضات ولا عودة الى منطق البيع والشراء والتلزيم الذي اضطرت اليه الادارة الاميركية اضطرارا منتصف السبعينات ثم مطلع التسعينات"!

لكن هل، في بيروت، من لا يزال يصدّق هذا الكلام؟

وحده جيفري فيلتمان يظهر في الصورة الاميركية – اللبنانية. يتابع الديبلوماسي النشيط والمثير للجدل، اتصالاته مع اصدقائه اللبنانيين، مباشرة او عبر الرسائل القصيرة SMS. لا ينسى اي تفصيل، بما فيه المناسبات الخاصة. يمازح ويصارح ويكاشف. ثقة رئيسته هيلاري كلينتون تعززت به، خصوصا اثر المقاربات الجديدة التي وضعها في ملفي لبنان وسوريا. كما ان مسؤولي البيت الابيض يبدون ارتياحا لقدرته على ترجمة "سياسة الانخراط" Engagement التي اعتنقها باراك اوباما.

نبيذ جنبلاط!

هل يكفي هذا وحده؟

بالتأكيد لا.

وليد جنبلاط كان اول المدركين: قطع ارسال نبيذه الفاخر (كفريا) الى متذوقيه في واشنطن ما اضطرهم الى "الشكوى"، حتى ان احدهم ذكر الامر في مقال نشر في احدى الصحف. وقرر الانسلاخ عن صداقاته هناك، لا بل كاد ان يجبر بعض المقربين منه على هذا الانسلاخ، وأعاد تموضعه. كل ذلك مباشرة بعد السابع من ايار (مايو) 2008، يوم لم يتلمّس دعما اميركيا، لو شكليا، سوى استعراضات المدمرة "كول"، كما فعلت قبلها "نيوجيرسي" بداية الثمانينات.

وتبقى الخشية الا يُستدرك هذا التغيّر الاميركي، فيُدفّع لبنان الثمن مكررا، وليلدغ المؤمن من الجحر، ربما، للمرة المئة!