الأحد، 26 يوليو 2009

Sphere: Related Content
واشنطن تغيّب بيروت عن مساراتها السلمية الثلاثة
الريبة تقضّ اللبنانيين من الحكومة الى اروقة نيويورك
قصور ديبلوماسي في مواكبة الحراك الدولي والتحديات التي تواجه لبنان

ينشر في "الاسبوع العربي" في 3/8/2009
الابيض الذي يريده رئيس مجلس النواب نبيه بري على اسود الحكومة، لا يزال رماديا. وكل التركيبات الهندسية تنتظر "الصيغة الخلاقة" التي قال بها نائب الامين العام لـ "حزب الله" الشيخ نعيم قاسم والتي تريدها المعارضة نسخة طبق الاصل عن الثلث المعطل او الضامن انما بصيغة مكتومة. وبين الاخذ والرد السياسي والحكومي، يستمر الجنوب في لبّ التداول المحلي، ومشهدا مستعادا في كواليس مجلس الامن في الذكرى الثالثة لحرب تموز (يوليو) 2006.
خرقت التطورات في الجنوب جدار الجمود الحكومي بعد مضي ما يقارب الشهر على بدء الرئيس المكلف سعد الحريري مشاوراته بغية تشكيل الحكومة. واعادت الاحداث جنوبا الى الواجهة علاقة لبنان بالامم المتحدة والتزامه القرار 1701 عبر العلاقة مع قوات "اليونيفل" ومدى تطبيق هذا القرار الذي انتهت بموجبه حرب تموز (يوليو) 2006 والذي ترعى بنوده علاقة الجيش اللبناني بـ"اليونيفل" بعد انتشاره جنوب الليطاني، وتعزيز هذه القوات لحفظ الهدوء عند الحدود مع اسرائيل.
وفي ظل هذه التطورات، يعيش لبنان راهنا على وقع مجموعة من التناقضات لا تبعث على الارتياح لا لدى المراقبين ولا لدى اهل البلد. ذلك ان هذه التناقضات المحلية والدولية تثير الريبة وتخفي في الاكمة ما قد لا يحمل نسيما يسهم في تبريد المناخ المشدود سياسيا وامنيا ودوليا (على خلفية حادثة بلدة خربة السلم بين الاهالي والكتيبة الفرنسية العاملة في اطار القوة الدولية المعززة في الجنوب).
هواجس
1-في السياسة، تتقاذف الحكومة العتيدة انواء:
-فتارة، تسري الايجابية في عروق الحكومة الموعودة ان تكون للوحدة الوطنية، ويتسرّب عدد من الصيغ والتركيبات الهندسية - الرقمية، لكنها ما تلبث ان تعود الامور الى الكتمان الذي يعتصم به الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري،
-وطورا، يعود البحث الحكومي الى نقطة الانطلاق، مع جزم مسؤولين في الموالاة والمعارضة ان لا تقدم فعليا قد تحقق، وان الامر منوط لا بل مرتبط كليا بالتفاهمات العربية المعلقة راهنا، وان هذا البحث الحكومي قد يطول الى عيد الفطر في ايلول (سبتمبر) المقبل، وان حكومة تصريف الاعمال التي يرأسها فؤاد السنيورة ستبقى حاضرة لملء بعض الفراغ الحكومي الى حين اتمام التفاهمات العربية، واستطرادا التشكيلة الحكومية اللبنانية.
2- في الامن، يتوالى انتشار مسلسل السرقات في مختلف المناطق، في ما يشبه عملا مافيويا منظما يطال اللبنانيين والسياح، كأن ثمة استهدافا مقصودا ومخططا له لموسم السياحة، الواعد هذه السنة.
وكان آخر ما سُجل في الملف الامني تطور خطر تمثّل بإعادة تحريك مشبوه لـ "جبهة" باب التبانة – بعل محسن في طرابلس، اثر حوادث مفتعلة بدأت بتفجير قنابل يدوية في التبانة وانتهت برمي قنابل من نوع "اينرغا" على بعل محسن.
اختلاف في تقويم "اليونيفيل"
3-في الحراك الديبلوماسي الدولي، يبرز اختلاف نظرة اللبنانيين الى دور قوات "اليونيفيل" ومهامها، بعد تعزيز انتشارها جنوب الليطاني بعد حرب تموز (يوليو) 2006، يصف البعض هذا التفاوت بالالتباس الذي يعود –وفق ما يراه قسم من اللبنانيين- الى أن هذه القوة الدولية المعززة بما أعطيت من مهام تتكامل مع مهام الجيش اللبناني في حفظ الامن ومنع توترات قد تنتج حربا جديدة، وتاليا إنها مخولة القيام بمهام يقوم بها الجيش. ويختلف فريق آخر مع هذا الرأي، منطلقا من ان القوة الدولية في الجنوب تقوم بمهمة "فصل" و"مراقبة" بموجب القرار 1701 الذي صدر عن مجلس الأمن الدولي في آب (اغسطس) 2006 وقضى بوقف الأعمال الحربية مع دولة خارجية ومعادية ولم ينه حال الحرب التي اندلعت في حينه، ودورها هو مؤازرة الجيش اللبناني لحفظ الامن والاستقرار وليس المبادرة بمفردها الى اي عمل فردي في حق "حزب الله" او الاهالي في الجنوب.
تفاعلات خربة سلم
انطلاقا ممّا سبق، يبقى التطور الاخطر موضع المتابعة هو تفاعلات حادثة خربة سلم، التي صارت ذا بعد دولي في اروقة الامم المتحدة في نيويورك، وتحوّلت مادة دسمة، اثر السلسلة التفاعلية التي اطلقها انفجار مخزن للذخيرة في اطراف البلدة الجنوبية الواقعة جنوب الليطاني، والتي تعتبرها القوة الدولية المعززة منطقة لعملياتها وتفترض ان السلاح فيها هو حصرا بإمرة الجيش اللبناني.
ويرى المراقبون ان التعاطي الدولي مع الحادثة نحا في اتجاهين معاكسين:
-دوليا، ثمة اجماع في كواليس الامم المتحدة على تحميل "حزب الله" مسؤولية ما حصل من اشكال بين الكتيبة الفرنسية العاملة في القوة الدولية المعززة وبين اهالي بلدة خربة سلم، على خلفية محاولة مداهمة احد المنازل بعدما رصدت القوة الدولية حركة "مشبوهة" في محيطه ربطتها بإنفجار مخزن الذخيرة والاسلحة.
وذهبت المداولات الى تحميل "حزب الله" مسألة خرق القرار الدولي 1701، في حين ان الحزب يعتبر ان الامم المتحدة تنظر الى ما يحصل جنوبا بعين عوراء، بمعنى انها تثير هذه القضية في حين انها تتغاضى عن اكثر من 4000 خرق اسرائيلي للسيادة اللبنانية منذ صدور هذا القرار الدولي.
ومن المتوقع ان تستمر المداولات والمشاورات في كواليس الامم المتحدة في نيويورك حتى انتصاف آب (اغسطس) موعد بت التجديد 6 اشهر لـ "اليونيفيل"، والذي يريده لبنان من دون اي تعديل في هذا القرار، في حين تسعى اسرائيل الى توظيف ما حصل لطرح مسألة تعديل قواعد الاشتباك والعودة الى المسوّدة الاولى للقرار 1701 التي تراها تل ابيب اكثر تناسبا مع مصالحها.
ويتابع المسؤولون اللبنانيون المداولات في نيويورك، نظرا الى تأثيرها على مضمون التمديد (المفترض ان يكون روتينيا) لمهمة "اليونيفيل". كما يتابعون الموقف الفرنسي خصوصا ان باريس هي عادة من يضع نص قرار التمديد.
-اما محليا فتحاول قيادة القوة الدولية المعززة "اليونيفيل" مع الاهالي معالجة آثار ما وقع وبأقل الخسائر. وترمي المساعي الى استكمال الخطوات اللازمة لاعادة الامور الى ما كانت عليه من خلال جولات ميدانية للقوة الدولية ولقاءات توضيحية مع الاهالي.
وسبقت هذه التطورات الميدانية، زيارات قام بها مبعوث الامين العام للامم المتحدة في لبنان مايكل وليامز، وكذلك سفراء الدول المعنية بالقوة الدولية المعززة ولا سيما سفراء فرنسا وايطاليا واسبانيا. وجميع هؤلاء حرصوا على الالتقاء بمسؤولين في "حزب الله" لتوضيح الصورة ومنع تمدد سوء التفاهم.
تنافس على السلام يغيّب لبنان!
وبالتزامن مع التطورات المستجدة جنوبا والتهديدات الإسرائيلية الأخيرة للبنان، وفي ظل التداعيات التي أحدثتها لاءات رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ورفضه الطلب الأميركي بتجميد الإستيطان ومشروع الدولتين ورفضه القاطع لتقسيم القدس، بدا واضحاً أن واشنطن توجّه مساعيها في إتجاه تحريك المفاوضات على المسارات الثلاثة الإسرائيلية والفلسطينية والسورية، مع الجولة التي قام بها المبعوث الأميركي الخاص الى الشرق الأوسط جورج ميتشل لإحياء المفاوضات بدءاً بالمسار السوري الإسرائيلي.
وتزامن هذا السعي الأميركي مع زيارة رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان لسوريا، في سياق إستئناف أنقره مساعيها على خط المفاوضات السورية - الإسرائيلية التي توقفت بسبب الحرب على غزة، مع امكان تلمّس بوادر سباق أميركي - تركي على المسار السوري، لا سيما بعدما سُجل الدخول الأميركي على هذا المسار اثر ابداء تل أبيب إنزعاجها من الدور التركي.
وفي هذا السياق زخّمت واشنطن وتيرة حركة قوافلها من المسؤولين الكبار الى تل ابيب، كوزير الدفاع روبرت غيتس ومستشار الأمن القومي الجنرال جيم جونز والمبعوث الخاص لشؤون الخليج وجنوب غرب آسيا دينيس روس والمبعوث الرئاسي جورج ميتشل ومساعده فريد هوف، للبحث في موضوع السلام في المنطقة في ضوء الهواجس الإسرائيلية حيال الملف النووي الإيراني، وتحت لافتة مشروع أوباما للسلام وتحريك المفاوضات على المسارات الثلاثة.
ويتوقف المراقبون عند تغييب اميركي لافت للمسار التفاوضي اللبناني، بعدما غاب ميتشل عن بيروت على رغم تعويل المسؤولين على زيارة مماثلة لكي يُسمعوا المسؤول الاميركي الهواجس اللبنانية من مجمل التسوية وخصوصا في ما يرتبط بالقرار 194 الصادر عن مجلس الامن الدولي في 11 كانون الاول (ديسمبر) 1948، وضرورة ان يكون حل مشكلة اللاجئين في صلب التفاهمات السلمية.
ويبدي المراقبون استغرابا للقصور الديبلوماسي اللبناني حيال متابعة تطورات احياء التسوية السلمية، خصوصا ان بند اللاجئين الفلسطينيين، وللتقصير في مقاربة او مواكبة هذه الدينامية على مستوى المسارات الثلاثة، وهي دينامية جدية يريدها اوباما مدخلا الى تحقيق بعض من "التغيير" الذي كان سمة حملته الانتخابية وشعاره للوصول الى البيت الابيض.
ويرى المراقبون ان على الديبلوماسية اللبنانية نفض الغبار والابتعاد عن الترهل وبدء حملة ديبلوماسية فاعلة في عواصم القرار وخصوصا في واشنطن ونيويورك، وايضا في انقرة، لشرح وجهة النظر اللبنانية، وتجنيب لبنان ان يدفع ثمن او احد اثمان التسوية على باقي المسارات الثلاثة.

الاثنين، 20 يوليو 2009

Sphere: Related Content
تطورات ايام حافلة تبعث الهواجس والمخاوف .. وقواعد الاشتباك الى الواجهة
الجنوب مجددا: تحريك التسوية ام مخاطر حرب جديدة؟!
تل ابيب تعاود الحديث عن انسحاب من مزارع شبعا والغجر

ينشر في "الاسبوع العربي" في 27/7/2009
العين تكرارا على الجنوب، حيث التطورات المشحونة تنذر بسلبيات خصوصا في ضوء المراجعة الاسرائيلية الشاملة لعبر حرب تموز (يوليو) 2006، في الاعلام كما في السياسة، في حين بلغ الامر بوزير الدفاع الاسبق موشي ارينز في احد مقالاته الى التشكيك بقرار رئيس الوزراء في العام 2000 ايهود باراك الانسحاب من الجنوب واعتباره سببا رئيسا في "تنامي خطر حزب الله"، وفي "فشل اسرائيلي في ضرب منظومة الحزب".
في غضون اسبوع تكرر الجنوب في عناوين الصحافتين العالمية والاسرائيلية من بابي انفجار مخزن خربة سلم اولا، ثم الخرق الاسرائيلي في كفرشوبا واقتحام 12 مدنيا لبنانيا الموقع في منطقة تعدها القوة الدولية المعززة (اليونيفيل) خارج نطاق مهامها وصلاحياتها ونطاق عملها.
يقول قيادي بارز في المعارضة ان "التطورات في الجنوب تنذر بشيئ ما يتم تحضيره في بعض الكواليس الدولية وفي بعض النواحي داخل تل ابيب، ذلك ان التهديدات الاسرائيلية المتكررة تشي بأن ثمة من يخطط لحرب ما يريدها إما في المباشر وإما عبر استدراج ذريعة مشبوهة".
ويرى ان احد هذه التصريحات البيان صادر عن الجيش الاسرائيلي الذي هدد بـ "اطلاق النار في اتجاه من يحاول اجتياز الحدود نحو المنطقة الاسرائيلية، حتى وإن لم يكن مسلحا"، في اشارة الى اندفاع الاهالي نهاية الاسبوع الفائت نحو موقع في كفرشوبا الذي اقدم الجيش الاسرائيلي على اقامته داخل الاراضي اللبنانية.
وتُعدّ تل ابيب مذكرة لعرضها على اجتماع مجلس الامن الدولي المتوقع ان يعقد نهاية شهر آب (اغسطس) للبحث في نشاط القوة الدولية المعززة في الجنوب وتمديد فترة عملها. وتشمل المذكرة ما تقول اسرائيل انها "انتهاكات للقرار الدولي، بالتركيز على حادثي كفرشوبا وتفجير مخزن الاسلحة في الجنوب" (الانفجار في محلة خربة سلم)، لتخلص الى المطالبة "بزيادة عدد قوات "اليونيفيل" واجراء تعديلات على المهمات الملقاة عليه".
على ان الابرز في الحراك الاسرائيلي "السعي الى ممارسة الضغوط في اتجاه ايجاد منفذ للتعديل في بنود القرار 1701، بما يتيح للقوة الدولية صلاحيات اكبر لإطلاق النار وتنفيذ عمليات مشتركة مع الجيش اللبناني بشكل اوسع مما عليه اليوم"!
قواعد الاشتباك مجددا
ويرى القيادي البارز في المعارضة في هذا المسعى الاسرائيلي "تجاوزا للبّ القرار 1701 الذي تنتهكه اسرائيل بوتيرة يومية برا وبحرا وجوا، والذي يحدد بدقة قواعد الاشتباك للقوة الدولية المعززة". ويشير الى انه "سبق لتل ابيب ان جرّبت مرارا تعديل قواعد الاشتباك هذه، في محاولة العودة الى المسودة الاولى للقرار 1701، علما ان قواعد الاشتباك نص عليها القرار الدولي والتي تحدد، في اطار ضيّق جدا، الظروف والاحداث التي تتيح للقوة الدولية وكتائبها وعناصرها اطلاق النار او الاشتباك، مع الاشارة الى ان القوة الدولية هي قوة مؤازرة للجيش اللبناني، ولا يجوز لها، بحسب القرار 1701، التصرّف كقوة دعم للجيش، بمعنى انها غير قادرة عمليا على تنفيذ مداهمات بل مهمتها دعم الجيش في حال طلب ذلك منها".
ويطرح القيادي اياه علامات استفهام حول بعض الدور الذي تمارسه القوة الدولية المعززة في الجنوب، اذ يرى ان من المهام الاساسية لهذه القوة استدراك اي حوادث تؤدي الى توترات محلية خطرة. ويسأل، على سبيل المثال، عن تباطؤ القوة الدولية في معالجة وازالة الخرق الاسرائيلي قرب بوابة حسن في بركة كفرشوبا وإزالة أسلاك شائكة والذي كان الدافع لاهالي المنطقة الى اقتحام الموقع وزرع العلم اللبناني وراية "حزب الله" فوق الساتر الترابي الذي اقامه الجيش الاسرائيلي.
ويعتبر القيادي ان "قول القوة الدولية المعززة بأن كفرشوبا خارج نطاق عملياتها بإعتبارها مرتبطة بملف مزارع شبعا، انما هو حجة غير موضوعية، ذلك ان الخرق الاسرائيلي هو الذي تسبب بكل التوتر الذي حصل في الجنوب، وكان على القوة الدولية الاضطلاع بمسؤولياتها كاملة في استدراك اي توترات حتى لو اجتهدت قيادتها احيانا".
ويشير الى ان على قيادة القوة الدولية التحلي بمزيد من الحكمة في تعاطيها اليومي مع الخصوصيات اللبنانية، والابتعاد قدر الامكان عن اثارة الحساسية المرتبطة بهذه الخصوصيات، وذلك منعا لتكرار مشهد المواجهة التي حصلت بين افراد الكتيبة الفرنسية العاملة في "اليونيفيل" واهالي منطقة خربة سلم في قضاء بنت جبيل، والذي تخلله قيام سكان البلدة بإقفال الطريق العام في محلة بئر السلاسل- خربة سلم احتجاجا على قيام القوة الدولية بمحاولة دهم أحد المنازل في المنطقة التي انفجر فيها مخزن ذخيرة.
ويستشهد القيادي بمقال ورد في صحيفة "جيروزاليم بوست" الاسرائيلية، ليخلص الى ان نوايا اسرائيل لا يمكن الركون اليها او اغفال النظر عنها.
ومما جاء في المقال ان "انفجار مخزن السلاح في بلدة خربة سلم الجنوبية يعدّ شهادة على نجاح الجهود التي يبذلها حزب الله لإعادة بناء قوته جنوبي نهر الليطاني (...) وان الجيش اللبناني، وبدلاً من العمل ضد حزب الله، ينهمك في (مراقبة) انتهاك السيادة اللبنانية من الجيش الإسرائيلي، إذ يبدو أن النشاط الإسرائيلي أهم بكثير للسلطات اللبنانية من استمرار تعاظم قوة حزب الله، (...) وأن الجيش اللبناني يبدي يقظة أكثر من أي وقت مضى حيال تهديدات إسرائيلية كهذه، لكن في ما يتعلق بتنفيذ القرار 1701 من قبل "حزب الله"، فإن لديه معايير مختلفة".
ويعتبر القيادي المعارض ان "الايام المقبلة هي مفصلية في تحديد ما تخطط له اسرائيل على مستوى الجنوب اللبناني، خصوصا ان كل الانباء الآتية من تل ابيب مباشرة او بالتواتر عبر مسؤولين اوروبيين وغربيين، تثير الحذر واللا اطمئنان".
ويكشف القيادي ان وزير الخارجية الالمانية فرانك فالتر شتاينماير "عبّر للمسؤولين اللبنانيين الذين التقاهم في زيارته القصيرة لبيروت في السابع من تموز (يوليو) عن قلقه من تطوّر اسرائيلي غير محسوب على الجبهة الجنوبية. وحضّ رئيس الديبلوماسية الالمانية هؤلاء المسؤولين على التنبّه الى الخطر الاسرئيلي، بقوله: "فلتبقوا عيونكم مفتوحة على اسرائيل التي قد تهرب من الضغوط الاميركية والاوروبية عليها لجعلها تلتزم عنصر التسوية السلمية، بحرب على لبنان".
ويرى القيادي ان "هذا الانذار - التنبيه مؤشر خطر، وعلى المسؤولين اللبنانيين مقاربته بجدية ومسؤولية عالية ليجنبوا لبنان تداعيات أي هروب اسرائيلي الى الامام، وهو امر اعتادت تل ابيب على الركون اليه كلّما واجهت تحديات او التزامات سلمية وتهدوية تفوق قدرتها وقدرة حكومتها على الايفاء بها".
لا حرب بل خلط اوراق التسوية
في الموازاة، يقلل ديبلوماسي عامل في بيروت من مخاطر احتمال حرب اسرائيلية على لبنان، كاشفا ان ثمة بحثا جديا في تل ابيب لا يزال في نطاقه الضيق، في احتمال اتخاذ خطوات اسرائيلية جدية على مستوى مزارع شبعا، وهي خطوات ترمي في ما ترمي الى اعادة النظر في مجمل الاستراتيجيا الاسرائيلية على مستوى المزارع.
ويرى الديبلوماسي ان هذا البحث الاسرائيلي يعني ان المستويين السياسي والعسكري في تل ابيب باتا على قناعة بوجوب تسجيل خرق جدي وحقيقي قادر على خلط الاوراق على جبهة الصراع العربي - الاسرائيلي، تماشيا مع الارادة الاميركية التي تظهرها ادارة الرئيس باراك اوباما في اتجاه تحريك مياه مستنقع السلام والتسوية الراقدة منذ نحو عقد. ويعتبر ان "مجرّد التسريب الاسرائيلي عن حل لمزارع شبعا يجعلنا نستبعد تلقائيا الحديث عن مؤشرات حرب جديدة، على رغم كل ما يردنا من تقارير ويدل الى خلاف ذلك".
ويشير الى ان تل ابيب قد لا تقدم في الفترة الراهنة على خطوات عملية في مزارع شبعا، لكنها بالتأكيد تنتظر ولادة الحكومة اللبنانية العتيدة لتحديد اتجاهات سياستها الخارجية وخصوصا في ما خص استئناف مفاوضات التسوية السلمية، والاهم موقع المقاومة وسلاحها في البيان الوزاري، ذلك ان تل ابيب التي طالما رددت انها غير مستعدة لمنح "حزب الله" هدية الانسحاب من مزارع شبعا، تستشعر ان خرقا على مستوى مزارع شبعا من شأنه قلب الاولويات في الاقليم، وكذلك تسهيل تحريك المحادثات غير المباشرة على الجبهة الاسرائيلية – السورية، وبذلك تكون تل ابيب قد ضربت اكثر من عصفور بحجر واحد.
ويقول الديبلوماسي اياه: ما تسرّب من تل ابيب الى الآن ان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو يعدّ مشاريع حلول لمزارع شبعا وقرية الغجر، وهو بذلك يسعى الى إبراز، ما يسمّيه مساعدوه الجانب السلمي من ولايته وإيجاد أكثر من حلّ، إلا أنه يحاول في الوقت نفسه تجنب أي حلّ يعدّ انتصارا لـ"حزب الله"، لأنه يدرك أن المواجهات العسكرية ليست الحل، وبذك هو يطرق باب الحل السياسي، عسى يتحقق له ما عجزت حربا لبنان وغزة عن تحقيقه لايهود اولمرت".
لكن الديبلوماسي اياه ينبّه المسؤولين اللبنانيين من كل تجاوز لمنطق القرار 1701 جنوب الليطاني والذي يمنع ظهور اي سلاح الا سلاح الجيش اللبناني. ويشير الى ان اكتشاف مخزن الذخيرة والصواريخ في اطراف غير مأهولة في بلدة خربة سلم اثار استياء ايطاليا من آلية تعامل الرسمي والحزبي اللبناني مع عناصر الكتيبة الايطالية التي حاولت الاقتراب من المخزن بعد الانفجار، لافتا الى ان مرد الاستياء خصوصا يعود الى منعها من اجراء التحقيق الميداني اللازم في منطقة يفترض ان تكون تحت نطاق رقابتها تطبيقا لاحكام القرار 1701، ويفترض ان تكون آمنة لعملها ولدورياتها، وان تكون خالية من أي نشاط عسكري حزبي.
ولم يستبعد المصدر ان يضمّن الامين العام للامم المتحدة بان كي مون هذه الحادثة تقريره الدوري عن القرار 1701، نظرا الى انها تطوّر خطر في مسار مراقبة الامم المتحدة منطقة جنوب الليطاني.


الاثنين، 13 يوليو 2009

Sphere: Related Content
لقاء فرنجية- الجميل دينامية سياسية تخرق جدار الجمود الحكومي
خلط الاوراق مسيحيا: استشراف الخطر على "الكيانية"؟
"الكتائب" في الوسط... "قناة وصل" بين الاحزاب المسيحية المتناقضة؟

ينشر في الاسبوع العربي في 20/7/2009
اطلق انحسار الايجابية على مستوى الملف الحكومي في انتظار تطور مسار التفاهمات العربية، دينامية سياسية لافتة تمثّلت في خلط اوراق ولقاءات كانت متعذرة سابقا بين قياديين في تيارات متخاصمة، في طليعتها الاجتماع في بنشعي بين رئيس تيار المردة" النائب سليمان فرنجية برئيس اللجنة المركزية في حزب الكتائب النائب سامي الجميل، في حين كشف رئيس الحزب امين الجميل عن لقاءات غير معلنة بين الكتائب و"التيار الوطني الحر" (لقاء سامي الجميل بألان عون). اما قناة "القوات اللبنانية" وتيار "المردة" فما زالت على حالها في ضوء اضطلاع الرابطة المارونية بدور تقريب وجهات النظر وتمديد الهدنة، لا سيما ان الجهود لجمع فرنجية بالدكتور سمير جعجع لا تزال بعيدة المنال والتحقق.
ثمة قراءتان لهذه الدينامية المسيحية المستجدة بعد الانتخابات النيابية: واحدة تضعها في الاطار الفولكلوري، وثانية تعوّل عليها لتكون بداية وعي مسيحي للاخطار المحدقة.
1-يرى اصحاب القراءة الاولى ان لقاء بنشعي السبت في الرابع من تموز (يوليو) هو مجرّد عملية تعارف بين رجلين سعيا الى تخطي "عقَد" الماضي بين الجدّين والوالدَين والحزبَيْن. واستوجبت اللقاء ضرورات تمرير الوقت الضائع في انتظار المشاريع العربية الواردة في السياسة والحكومة والاقتصاد والامن، وربما السيادة والاستقلال.
2-ويعتبر اصحاب القراءة الثانية ان موجبات خلط الاوراق على المستوى العربي والدولي، والفراق الذي كرّسه الرئيس الاميركي باراك اوباما مع ادارة الرئيس السابق جورج بوش وخصوصا في الشرق الاوسط، تتطلب ولا بدّ، اعادة نظر في مجمل الحراك السياسي المسيحي على مساحة لبنان والمنطقة. كما تفترض ضرورة قراءة المرحلة بموضوعية وعلى مستوى عال من التبحّر وفهم المحيط في ضوء المصالحات الاسلامية الجارية يمنة ويسرى، والتي فرضتها ظروف التقارب العربي - الاسلامي قبل أي ظروف اخرى، بما فيها هواجس المجموعات الطائفية اللبنانية.
بهذا المعنى، يعمل سامي الجميل الآتي من اديولوجية "لبناننا" حيث الطرح الاقرب الى الكيانية –الفدرالية، على تثبيت وراثته رئاسة حزب الكتائب انطلاقا من مروحة اتصالات بدأها قبل اشهر مع "التيار الوطني الحر" واستكملها جزئيا بزيارة بنشعي، على ان يستمر في هذا الوتيرة في المرحلة المقبلة، بإشراف والده الرئيس الجميل والحزبيين القدامى المحيطين من المستشارين والذين رافقوا مسيرة الحزب منذ زمن الجدّ بيار الجميّل.
وثمة من يقول ان النظرية الغالبة راهنا تشير الى ان فرنجية يتزعم مسيحيي الشمال، القلعة التي من الصعب ان يلِجَها احد من الاحزاب المنافسة نظرا الى التاريخ الجامع بين زغرتا ومعظم الاقضية المسيحية الشمالية ما خلا بشري، بدليل الارقام التي جمعها تيار "المردة" مع "التيار الوطني الحر" في الكورة والبترون، والتي كانت لتؤدي الى فوز مرشحيهما لولا العوامل التي استعان بها منافسوهما (المغتربون في البترون والناخب السني في الكورة). اما في جبل لبنان فهامش التحرك الكتائبي اكثر وسعا واتساعا انطلاقا من ان شرائح مسيحية مختلفة (ما عدا حزبيي التيار الوطني الحر ومناصريه) في هذه المحافظة لا تدين بالولاء الى "القوات اللبنانية" بل هي عبارة عن مجموعة عائلات متراصة، وتاليا في استطاعة الجميل الابن بخطابه المسيحي الصرف ونظرياته عن "الكيانية المسيحية" او "الكيانية الذاتية" ان يشكل عامل استقطاب لهذه المجموعات وخصوصا الناشئة منها، من خلال التصدي لدور يرغب به المسيحيون وهو دور قناة الوصل بين الاحزاب والتيارات المسيحية المتعارضة او المتناقضة او المتمايزة، وهو دور لا يقوى عليه لا العماد ميشال عون ولا الدكتور سمير جعجع المصطفين في محورين متضادين فكرا وسياسة.
"الكتائب" في الوسط
اما الكتائب، بحسب عدد من الاوساط المطلعة، فيمكنها ان تشكل، وسط هذا الاستقطاب، حزب الوسط المسيحي القريب من رئاسة الجمهورية والمؤسسة العسكرية، وهما رمزا المسيحيين على مر عقود الاستقلال، مما يتيح للكتائب لبس ثوب متجدد برّاق سياسيا واجتماعيا وشبابيا، فتشكّل عامل استقطاب للشرائح التي اظهرت الانتخابات الاخيرة انها لا تزال خارج الاصطفاف، وان ما دفعها الى حسم الخيار الاقتراعي هو خطاب السيادة والاستقلال والدولة والمؤسسات الذي انتهجته قوى الرابع عشر من آذار (مارس)، في حين نحا "التيار الوطني الحر" نحو خطاب غير سياسي اقرب الى الخطاب الخدماتي، ولم يفلح في الرد على هواجس "ولاية الفقيه" والعلاقة مع "حزب الله"، التي اثارتها الموالاة.
انطلاقا من هذه القراءة، يعتقد الكتائبيون ان في امكانهم جذب الشرائح المسيحية المترددة في الانضمام الى الاستقطاب الحزبي القائم بين "تيار" و"قوات"، من خلال هذا الخطاب الكياني معطوفا ومعززا في الوقت عينه بالظهور بمظهر قناة التواصل بين المختلفين من القيادات المسيحية، بحيث يبني الحزب هيكله على انقاض خلافات الآخرين وعدم قدرتهم على تجاوز الذاكرة الحافلة بزهق الارواح المتبادل.
وتعزز هذه القراءة ما رشح من معطيات، معظمها كتائبية، عن "ثمار" لقاء بنشعي، هو لم يكن اللقاء الاول ولن يكون الاخير بين الرجلين او الحزبين، في سياق التنسيق ومتابعة التواصل.
بين التعارف والسياسة
وبحسب اوساط مطلعة على اجواء اللقاء، فهو شكّل محطة للتعارف اكثر بين الرجلين ومعرفة هوايات بعضهما البعض وآرائهما في السياسة ومواضيع شتى، وتناول سبل تعزيز التعاون والتفاهم على المستويات الحزبية والسياسية والنيابية كافة لملاقاة الجهود المبذولة من الرابطة المارونية بين الاطراف المسيحية ولتجميع الايجابيات التي تراكمت نتيجة اللقاءات السابقة بين "الكتائب" و"المردة" على مستوى اللجان المشتركة بين الطرفين.
وتؤكد الاوساط انّ اللقاء سيؤدي الى تزخيم عمل اللجان المشتركة بين الحزب والتيار في وقت تستعدّ الكتائب لاحياء عمل لجانها المشتركة مع العديد من الاطراف السياسية والحزبية المسيحية وغير المسيحية. وتنفي ان يكون لقاء سامي الجميل وسليمان فرنجية بمثابة رسالة الى اي طرف مسيحي او لبناني آخر، مؤكدة انّ الطرفين لم يجاهرا الا بالدعوة الى الحوار في اصعب الظروف ولم يسعيا يوما الى اي لقاء بالسر، فالتواصل بين اعضاء من قيادتي الطرفين تجري في اجواء هادئة ويشكل مستمر وان لم يكن منتظما فخطوط الاتصال مفتوحة بينهما عند اي استحقاق.
وتعدد الاوساط النتائج التي ادى اليها اللقاء، ومن ابرزها:
-الاتفاق على الاستمرار في التواصل الثنائي وعلى مستوى اللجان اذا اقتضت الضرورة، وطرحت الكتائب في هذا المجال امكان عقد لقاء ثان استكمالي في بكفيا.
-تشكيل لجنة تنسيق سياسية مشتركة.
-تطور العلاقات البينية مع احتفاظ كل منهما بموقعه وخطابه وتحالفاته.
-السعي الى تحقيق مصالحة مسيحية شاملة مع حفاظ كل حزب على خصوصيته، وترغب الكتائب في لعب دور طليعي في هذا الصدد.
-ضرورة ان يقوم الرجلان، كل من موقعه، بدور توافقي او تصالحي او تقريبي بين "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية" وبين المردة والقوات.
انطباع "القوات" سلبي
الى ذلك كان لافتا ان صدى زيارة بنشعي تركت انطباعا سلبيا في ذهن القيادة القواتية، عبّر عنه النائب فريد حبيب الذي قال: "صديقنا وحبيبنا الشيخ سامي الجميل الذي نكن له كل محبة وتقدير، كان له زيارة ولقاء في بنشعي، وبعدها صدر كلام ومديح ممن يمثل النظام الذي قتل الشيخ بيار الجميل والنائب انطوان غانم وكل رفاقنا في 14 آذار (مارس). لذلك اقول لك يا شيخ سامي انك تخطيت الكورة، لاننا نحبك ونتمنى لك كل التوفيق، فالقوات خرجت من رحم الكتائب، فهل يجوز ان نسمع بعد زيارتك ان هناك فريقا من 14 آذار (مارس) من "الاوادم" (في اشارة الى تصريح لفرنجية سبق لقاءه بالجميل الابن)؟ نحن جميعا اوادم ولسنا في شهادة من احد".
ويؤشر كلام حبيب الى عمق الفجوة بين القوات والمردة، وهي فجوة قد تعصى على جهود الشاب الآتي بإندفاع الى وراثة جده ووالده واخيه، في حزب الاقانيم الثلاثة، والتي يواجه اثنان منها (الوطن والعائلة)، اضافة الى "الكيانية" المسيحية، مخاطر التشرذم والتشظي، نتيجة ورث ثقيل من الصراعات الدموية على السلطة والمال والامتيازات والطائفة والمذهب.
وكان آخر لقاء للجنة المشتركة بين "الكتائب" و"المردة" قد عقد قبل الانتخابات النيابية وتحديدا قبل حادثة بصرما (فجر 17 ايلول/ سبتمبر 2008) بيومين حيث جرى بحث تفصيلي في سبل خوض الانتخابات النيابية في ظل اجواء هادئة وديموقراطية كل من موقعه السياسي والحزبي. وتخلل اللقاء تأكيد على التواصل بين الطرفين مع التأكيد على تمايزهما على الصعيد الوطني، الامر الذي لا يحول دون استمرار التشاور في كل المحطات السياسية والوطنية.


الاثنين، 6 يوليو 2009

Sphere: Related Content
باب المخارج الحكومية يُطرق تفاديا لأي مفاجآت
الحكومة محشورة بين التفاهمات والتركيبات الهندسية
10 عناصر قد تتحكّم في استيلاد حكومة الحريري

ينشر في "الاسبوع العربي" في 13/7/2009
الحكومة العتيدة على نار التفاهمات العربية: فإما ان تستولد قريبا، وإما ان تفقد عنصر السرعة والزخم اللازم كي تفرض صدمة ايجابية محلية وخارجية، فتفقد، تاليا، الادارة اللبنانية القدرة على توظيف التقارب العربي.
يقول ديبلوماسي عامل في بيروت ان المفاوضات حول تشكيل الحكومة العتيدة تتم خلف ابواب موصدة وعبر اتصالات ولقاءات مكوكية، في ظل دور مركزي لرئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان الذي سيجعل حصته في الحكومة ضمانة لطرفي الموالاة والمعارضة. لكن لا تفوته الاشارة الى ان "الاستشارات في بيروت، بينما غرفة القيادة المركزية بين الرياض ودمشق"، نسبة الى الاتصالات واللقاءات المتقدمة السعودية – السورية، في حين تجري المفاوضات وسط مناخ بالغ الحذر، بين معارضة ترغب في التوصل الى تسوية مع الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة سعد الحريري وفق صيغة تصفها بـ "المتوازنة" وتضمن "مشاركة حقيقية"، فيما قوى الرباع عشر من آذار (مارس) تعلن انها لن تقبل بالعودة الى الواقع الحكومي الذي كان سائداً قبل السابع من حزيران (يونيو)، في اشارة الى تمسكها بعدم العودة الى بند الثلث المعطّل الذي نص عليه اتفاق الدوحة.
بين هذه وتلك، يشير الديبلوماسي الى ان ثمة من يبحث عن صيغة توافقية وسطية، تؤمن لفريقي النزاع ما يريده من الحكومة شكلا وعديدا، لافتا الى ان احدى الصيغ – الحل تبحث جديا في ان تمنح المعارضة "ثلثا" مكتوما او غير قابل للصرف الا بمعية رئيس الجمهورية وبموافقته.
وتتراوح الآراء في الصيغة "الوازنة" بين 15 – 10 - 5، وبين 14 -10- 6، وبين 13-10 -7، علما ان قياديين في المعارضة جددوا التمسّك بالثلث المعطل، وحجتهم ان حكومة تصريف الاعمال "كانت من انجح الحكومات"، وان الثلث المعطّل هو "لتعطيل القرارات الكيدية وليس للعرقلة"، وان "الغالبية، بهدف الالتفاف على مطلب المعارضة الحصول على الثلث الضامن، عادت الى الحديث عن "الوزير الملك" الذي تسميه المعارضة ويكون من حصة رئيس الجمهورية".
ويرى المراقبون ان على على لبنان ان يلتقط اللحظة العربية المناسبة لانجاز لاستكمال نجاح الانتخابات النيابية عبر تأليف حكومة الاتحاد الوطني، خصوصا في ضوء التقارب العربي المتزايد بإطراد.
مفاوضات التقارب
ويعتبرون ان المفاوضات الحكومية لا شك انها ستكون صعبة، لكنها ستجري تحت مظلة التقارب العربي والذي يعتبر نصف الطريق للوصول الى حكومة وحدة. ويشيرون الى ان مفتاح الحل قد يكون بصيغة تعطي ثلثا ضامنا مكتوما لقوى المعارضة، بحيث يسمي رئيس الجمهورية وزيرا او وزيرين توافق عليهما المعارضة. ويتوقعون، تأسيسا على المناخ العربي التقاربي، مزيد من الانفتاح بين التيارات والقوى السياسية المختلفة، على قاعدة الحرص على أن تكون الحكومة فاعلة ومنتجة وقادرة على تجاوز رواسب وسلبيات المرحلة الفائتة، ووفق صيغة متوازنة شكلا ومضمونا ببيان وزاري واضح المعالم، يؤسس لبداية استقرار سياسي وامني واجتماعي.
حكومة اقطاب؟
الى ذلك، وخشية الوصول الى نقاش مقفل في شأن الحكومة بسبب احتمال اصرار المعارضة على الثلث المعطّل، واستكمالا للبحث الحاصل راهنا على مستوى رئيس الجمهورية والرئيس المكلف تشكيل الحكومة ومختلف القيادات، تتداول الأوساط السياسية والديبلوماسية في مجموعة من الصيغ والافكار، من بينها واحدة تقضي بالركون الى حكومة ثلاثينية مختلطة بين أقطاب وسياسيين وتكنوقراط، برئاسة الرئيس المكلف النائب سعد الحريري، تضم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط ورئيس حزب الكتائب أمين الجميل ورئيس الهيئة التنفيذية في "القوات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع ورئيس تيار "المردة" النائب سليمان فرنجية ورئيس تكتل "الاصلاح والتغيير" النائب العماد ميشال عون ورئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد ورئيس الحزب الديمقراطي النائب طلال ارسلان وغيرهم من الشخصيات والقيادات البارزة.
ويرى منظّرو هذا الطرح أن مثل هذه الصيغة تتيح أن تضع لبنان على منصة انطلاق بدينامية كبيرة تؤدي الى استعادة فاعلية ودور المؤسسات الدستورية، وتنهي حالات في ادارة البلد ابتدعت في المرحلة الفائتة وادت طورا الى بروز ترويكا وطورا آخر الى الاستعانة بطاولة حوار للبحث في مسائل يجب ان تكون في صلب عمل المؤسسات الدستورية، وفي طليعتها السلطة التنفيذية، بحيث كان واضحا ان مطبخ القرار السياسي كان في ضفة مقابلة لهذه السلطة.
ويعتبر هؤلاء ان الانتخابات التشريعية اقفلت مرحلة من الممارسات السياسية الغربية عن منطق المؤسسات، ولا بد من تكريس هذه العودة الى المؤسسات من باب مجلس الوزراء تحديدا، بعدما جرى اللجوء الى "ادارات" موازية للدولة افرغتها من مضمونها السياسي والرعائي والمؤسسي.
ويشيرون، على سبيل المثال، إلى أن طاولة الحوار برزت في مرحلة معينة حاجة، نتيجة التشكيك في نتائج الانتخابات النيابية في العام 2005، وتاليا في حكومتي الرئيس فؤاد السنيورة، والركون في حينه الى منطقي "الغالبية النيابية والغالبية الشعبية. اما في ضوء انتخابات العام 2009 والاعتراف المحلي والدولي بنتائجها، فأضحى في الإمكان حصر الحوار في طاولة مجلس الوزراء، في شأن الاستراتيجيا الدفاعية وسلاح "حزب الله" وقرار الحرب والسلم، وباقي العناوين الحساسة اضافة الى القرارات التي تحتاج الى موافقة ثلثي الوزراء، علما ان مشاركة الاقطاب تعطي الحكومة الزخم اللازم والقدرة الكاملة على اتخاذ القرارات المصيرية.
ويعتبر مراقبون سياسيون ان من شأن هذه الصيغة ان تنهي عمليا مفاعيل اتفاق الدوحة لجهة الثلث المعطّل، كما تؤمن العودة الفعلية الى منطق المؤسسات، وتعطي الضمانات السياسية التي تريدها المعارضة و"حزب الله" في خصوصا السلاح وما يسميه الحزب "التفرّد في القرار".
العناصر - المفاتيح
في الموازاة، تعتبر مصادر سياسية عليمة ان ثمة ظروفا ومعطيات وعناصر تتحكّم بولادة اولى حكومات الحريري، منها على سبيل المثال:
-يجري صوغ التفاهمات العربية بخطى واثقة وسريعة، لكن احدا من الاطراف المعنية لا يتوهم حجم التعقيدات التي قد تظهر بين الفينة والاخرى، وخصوصا ان القيادة السورية المعنية الاولى بهذه التفاهمات قد لا تكون مستعجلة صوغ تفاهمات الا في ضوء تأكدها من الحصول على الحد الاقصى من المكاسب السياسية والاقتصادية، عربيا واوربيا واميركيا. لذا لم يكن مفاجئا ان تمر مراحل صوغ التفاهمات بعثرات وبخط بياني متذبذب، يعلو ويخفت ارتباطا بالادجارة السورية للمفاوضات الحاصلة.
-قد لا تتوانى دمشق عن "شد" الحبل كلّما بانت لها القدرة على تحصيل المزيد من الاثمان والمكاسب، او كلّما لاحت له الفرصة عن تعويض ما فاتها لبنانيا منذ نيسان 2005، على مستوى نفوذها في لبنان.
-كلّما زاد الوقت الضائع كلّما توسّعت التعقيدات الحكومية، خصوصا ان تثمير قوة الدفع الاقليمية ـ الدولية الراهنة يفرض حكما الاستعجال في استيلاد الحكومة العتيدة، لإلتقاط "المومنتوم" السياسي السانح راهنا بفعل محاولات رأب الصدع العربي.
-لكن الرئيس المكلف لن يبادر الى الاعتذار او التراجع عن تشكيل الحكومة مهما بلغت درجة الصعوبات المحلية والمستوردة، وهو اصلا لم يكن ليلج هذه المغامرة لو لم يكن متيقنا من انه قادر على فرض ايقاع معيّن يقود الى نجاح اولى مهماته على المستوى الحكومي، او في الحد الادنى من توظيف الايقاع العربي لانجاح مهمته.
-الصيغة الحكومية الأكثر تداولا، هي صيغة 15-10- 5 اذا كانت الحكومة ثلاثينية، (علما ان ثمة من يتحدث عن حكومة من 24 وزيرا). وترى قوى الغالبية ان هذه التوزيعات الهندسية تنسجم كليا مع نتائج الانتخابات النيابية، بحيث تسقط المعارضة الثلث المعطل (10 + 1) وتتخلى قوى الرابع عشر من آذار (مارس) آذار عن الغالبية البسيطة (15 + 1). لكن هذه الصيغة لن تتيح لرئاسة الجمهورية الكتلة التي تريدها وازنة، ولا تترجم خصوصا الوعود التي اغدقت عليها إبان الانتخابات بحصة حكومية تعزز مرجعيتها الوفاقية.
-تعطي الترجيحات 8 وزراء لكتل "لبنان اولا"، 5 للرئاسة، 5 لتكتل "الاصلاح والتغيير"، 3 لكتلة "التحرير والتنمية"، 2 لـ "اللقاء الديمقراطي"، 2 لـ "حزب الله (او من يختارهم)، 2 لـ "القوات اللبنانية"، 2 للمستقلين (بطرس حرب...) و1 للكتائب.
-تبرز عقدة توزيع الوزارات السيادية الاربع (الدفاع والداخلية والمال والخارجية) والتي اضيفت اليها خامسة (الاتصالات) لارضاء "التيار الوطني الحر" في حكومة اتفاق الدوحة والتي نالت الثقة في آب 2008. اذ ان توزيع هذا الخماسي على الطوائف قد يشكل عقدة قائمة في حد ذاتها نظرا الى "التناتش" المنتظر سياسيا وطائفيا ومذهبيا. وقد يكون احتكار رئاسة الجمهورية اثنتان من هذه الوزارات او اكثر احد المخارج لتذليل العقبات الماتوقعة على هذا المستوى. اما وزارات الخدمات فستكون هي الاخرى موضع تجاذب حيث تسعى كل الكتل الى الحصول عليها لما تقدّم من خدمات على تماس مباشر مع اللبنايين، وهو تماس مطلوب لتعزيز الحظوة والقدرة الاستقطابية الانتخابية.
-لم تصغ قوى المعارضة بعد تصورا نهائيا لمشاركتها في الحكومة، ففي حين يصر "التيار الوطني الحر" على التمثيل النسبي (7 وزراء بينهم 5 مسيحيين ودرزي)، يتمهّل "حزب الله" في رسم مشاركته، علما ان اوساطا عدة تجزم ان الحزب لن يشارك اسميا بحزبيين ملتزمين، انما سيسمي اصدقاء له، في استعادة منقحة لتجربتي الـ 2005 والـ 2009.
-كما ان قوى الغالبية لم تصل بعد الى تصور موحد، خصوصا في ضوء فائض المرشحين المسيحيين (الكتائب و"القوات اللبنانية" اضافة الى "اللقاء الديمقراطي" وتيار "المستقبل" والمستقلين).
-اما كتلة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان او الكتلة الوازنة والمرجحة، فلا تزال خارج النقاش الفعلي، علما ان ثمة من يؤكد ان الرئيس لن يقبل بأقل من 7 وزراء يريد تأطيرهم في كتلة وازنة قادرة على لعب دور صمام الأمان، بما يتيح قدرا كبيرا من الحماية لحكومة يقدّر ان يطول عمرها بين 4 او 5 سنوات اي الى نهاية العهد الرئاسي، وبما يتيح له ايضا فرض ايقاعه على مستوى الاصلاحين السياسي والاقتصادي وعلى مستوى اعادة تفعيل العقد الاجتماعي بين الدولة والمواطن.