الثلاثاء، 25 مايو 2010

Sphere: Related Content

عشرات الموفدين طمأنوا بيروت.. ما عدا واحدا

لبنان يُتخَم بالرسائل.. ولا يستريح!

3 اسباب اميركية لا تزال تحول دون الحرب الاسرائيلية

تنشر في "الاسبوع العربي" في 31/5/2010

في اسبوعين، غرق لبنان برسائل ديبلوماسية نقلها اكثر من مسؤول عربي واوروبي، تركت الكثير من التساؤلات والهواجس في اذهان اللبنانيين، فهم لم يستطيعوا عزل هذا الحراك الديبلوماسي الاستثنائي عما يحوط بهم من تحديات من المناورات الاسرائيلية المتواصلة والتهديدات المترافقة، الى التوتر الناتج من استمرار الملف النووي الايراني عنوانا خلافيا، وبينهما ما يترقبونه من تطورات على صلة بعمل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وخصوصا بعدما حدد رئيسها القاضي الايطالي انطونيو كاسيزي التشرينين الآتيين موعدا محتملا لصدور القرار الاتهامي في اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

اثارت ظاهرة التزاحم العربي والدولي في بيروت الكثير من الاسئلة والحشرية لتلقف ابعادها وخلفياتها وسبر غمار اسبابها ونتائجها، وسط اعتقاد اقرب الى اليقين بأن لها أبعادا غير منظورة مرتبطة بالمناخ الاقليمي الشديد الغموض والاضطراب وباحتمالات تعرض لبنان لحرب اسرائيلية؟

الانطباعات الكثيرة التي رافقت هذه الظاهرة، جاءت متناقضة نظراً الى صعوبة وضع مقاربة موضوعية لكل منها بعل تعدد المبعوثين وتنوع الرسائل.

نصائح بإبطال الذريعة

وتقول مصادر رسمية انه يفترض مقاربة ظاهرة التوافد الاستثنائي بموضوعية شديدة، أي من دون مبالغات مضخمة.

وتكشف ان المسؤولين اللبنانيين تلقوا ممن زاروا بيروت في الاسابيع الثلاثة الفائتة، نصائح بضرورة ايلاء الوضع في الجنوب الاهتمام الكبير وعدم اعطاء اسرائيل الذريعة لاي عمل عدواني قد يستهدف لبنان، وتاليا لا بد من تعزيز انتشاب الجيش جنوب الليطاني وتفعيل التنسيق مع القوة الدولية المعززة لضمان حفظ الامن، وتوفير مناخات الهدوء في هذه المنطقة، بما لا يعطي اسرائيل اي مبرر لمهاجمة لبنان.

وتشير المصادر الى انه على رغم التطمينات الدبلوماسية التي وصلت بيروت، فإن فتيل المواجهة قابل للاشتعال في اي لحظة لا سيما ان اسرائيل تتحين الفرصة لتنفيذ مغامرة جديد ضد لبنان او سوريا، او ضدهما معاً، على ما اشار اليه بعض المسؤولين الغربيين في اتصالات اجروها مع قيادات رسمية لبنانية، وهو ما يحتم على لبنان ان يتعامل مع هذا الموضوع بأقصى درجات المسؤولية لمنع انزلاق الوضع.

وتؤكد المصادر ان هناك حرصاً رسمياً وتأكيدات على أعلى المستويات، بتوفير كل الظروف المؤاتية التي تسمح للقوة الدولية المعززة ممارسة دورها كاملاً في حفظ الامن في نطاق عملها بالتنسيق والتعاون مع الجيش، وفق منطوق القرار 1701 الذي اكد لبنان التزامه به، واستناداً الى المهام المكلفة بها هذه القوة ضمن بنود هذا القرار، ما يعني ان لبنان رفض ويرفض كل ما يتداول اسرائيليا عن تغيير في قواعد الاشتباك التي تحكم آليات عمل "اليونيفيل".

الطبول تخفت

وتجمع عواصم القرار، وتلك المعنية مباشرة بالاستقرار اللبناني السياسي والامني، على ان خيار الحرب تراجع وجرى تأخيره الى السنة المقبلة، حدا ادنى. وهو الاستنتاج الذي سمعه المسؤولون اللبنانيون من اكثر من زائر، استنادا الى المعطيات الآتية:

1-ترغب واشنطن في التفرغ راهنا لادارة الملف النووي الايراني وتعطي الأولوية للعقوبات على استخدام القوة.

2-وهي تسعى الى استئناف مفاوضات التسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهذا خيار بأولوية مطلقة، تنسفه تماما اي حرب، كبيرة كانت ام محدودة.

3-وهي تدرك ان تل ابيب لم تقدّم (والارجح لن تستطيع) اي ضمانة بأن الحرب ستشل القدرة الدفاعية لطهران في ايران وفي خارجها، حتى لو استطاعت الضربة، كما هو المبتغى، احداث شلل موقت في البرنامج النووي وتأخيره سنوات عدة تتراوح، بحسب تقديرات الاجهزة الاستخبارية في الولايات المتحدة الاميركية واسرائيل، بين الخمس والسبع. ذلك ان القدرة الايرانية على الانتقام، حتى بعد تعرضها للضربة الكبيرة المفترضة، تتسع من مضيق هرمز الى مساحات الخليج النفطي والعراق المأزوم، حتى الحدود اللبنانية – الاسرائيلية، وتتهدد للمرة الاولى اسرائيل من شمالها الى جنوبها.

تطمينات بالجملة

وعلى وقع الرسالة التطمينية التي نقلها الى المسؤولين اللبنانيين عدد كبير من المسؤولين العرب والاوروبيين، ولا سيما وزير الخارجية الاسبانية ميغيل انخيل موراتينوس، عن عدم تلمس مناخ في تل ابيب للتصعيد، في مقابل رغبة بالانسحاب من الجزء اللبناني من قرية الغجر قبل نهاية حزيران (يونيو) المقبل واستكمال المفاوضات، اجرى الجيش الاسرائيلي على مدى خمسة ايام انتهت يوم الجمعة في الثامن والعشرين من يارا (مايو) واحدا من أكبر التدريبات التي قام بها خلال الاعوام الثلاثة الفائتة، اطلق عليها اسم "نقطة تحول - 4"، وشارك فيها مختلف المؤسسات والجهات ذات الشأن. واتت هذه التدريبات ضمن إستعدادها لإحتمالات وقوع حرب، وفي اطار سياق التهديدات الاسرائيلية المتكررة للبنان وللامن في الاقليم المتوسطي.

ويقوم السيناريو الاسرائيلي على تعرض المدن الى ضربات من "حزب الله"، يليها مباشرة اطلاق صفارات الانذار يدخل في اعقابها الاسرائيليلون إلى ملاجئ، فيما تعقد الحكومة جلسة طارئة برئاسة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ثم يعقد المجلس الوزاري الامني المصغر اجتماعاً لاتخاذ قرار الرد على صواريخ "حزب الله"، وفي خلال ذلك تتولى طواقم الانقاذ نقل مئات المصابين إلى المستشفيات، فيما يساعد جيش الدفاع المدني السكان على الهرب إلى مستوطنات الضفة الغربية.

وحرصت تل ابيب على القول لزوارها من المسؤولين الاوروبيين، ان لا تهديد حقيقياً بالحرب يلوح بالأفق على الرغم مما تسميه "تهديد حزب الله"، وعلى التمييز بين المناورات السنوية التي تنفذها والتهديد بالحرب الفورية خصوصاً في الجبهة الشمالية.

وصارحت تل ابيب اكثر من زائر بوجود ثغر حقيقية لدى جيشها لا تستطيع أي مناورة، مهما كانت ناجحة، أن تغطّيها، وانها طورت كثيرا قدراتها العسكرية منذ حرب تموز (يوليو) 2006، لكنها غير جاهزة بعد للحرب مع لبنان بسبب وجود نقاط ضعف حقيقية مثيرة للقلق تحتاج بعد الى سنوات.

اما المناورات "فلا إمكانية لعدم اجرائها في بلد يمكن أن يُستهدف في أي لحظة بعشرات الآلاف من الصواريخ التي يمكنها أن تطال معظم أرجائه".

... ما عدا واحدا

وعلى رغم وجود شبه اجماع لدى عواصم القرار بأن هذه المقاربة اللاحربية هي الاقرب الى الواقع والمنطق، فإن وزير اوروبيا زار بيروت يرى ان ان أسباب الحرب لم تنتف كليا، وخصوصا ان أي حادث غير محسوب او غير منضبط قد يشكّل الشرارة لما هو غير متوقع او منظور. وبرأي هذا الوزير ان احد اركان الحرب المحتملة، ضرب "حزب الله" بإعتباره احد الاذرع الايرانية الاقوى في سياق رد فعلها الانتقامي، وان استهداف هذا الذراع قد يدفع ايران الى تليين موقفها التفاوضي، من دون اغفال اشباع الغرور الاسرائيلي برد الاعتبار للجيش "الذي لا يقهر" بعد انتكاسة العام ٢٠٠٦، وتلقين الحكومة اللبنانية "الحاضنة البيولوجية لـ "حزب الله"، درسا من خلال استهداف البنى الرئيسة للاقتصاد على ابواب صيف يعول عليه لبنان لإدراك ما فاته من الفوائض المالية الخليجية الناتجة من ارتفاع سعر النفط على امتداد اعوام الازمة اللبنانية بين العامين 2005 و2009.

في هذا السياق، يشير مسؤولون في يروت الى ان الوفود الغربية حذرت لبنان من توفير ذرائع لإسرائيل لشن حرب على لبنان، منبهين إلى أن الحرب إن وقعت ستكون لها نتائج كارثية على الواقع اللبناني. ويلفتون إلى أن إسرائيل تسعى الى الحصول من الولايات المتحدة الاميركية على القبول بتوجيه ضربة لإيران، وفي حال حصل ذلك فإن الساحة اللبنانية ستكون في قلب الحدث.

ويكشف هؤلاء المسؤولون انهم تلقوا وعودا بممارسة ضغوط شديدة على إسرائيل، لكن بعضهم أشار إلى أن هذه الوعود صيفية فقط، ولا ضمانات باندلاع مواجهات خريفية، انطلاقا من تطورات الملف النووي الإيراني.

الضغط الذي يولّد الانفجار

ويخشى اكثر من قيادي لبناني من ان تبدَّد هذه المناخات السلمية بحادث صغير قد يشعل الشرارة. فصحيح ان التلويح بالحرب لا يعني ابدا ان الحرب ستحصل، الا ان تصاعد الضغط على ايران، قد ينتج ردة فعل تؤدي الى مواجهة عسكرية سيكون لبنان مساحتها الاولى، وهذا ربما ما استدعى القوة الدولية المعززة في الجنوب الى خفض عديدها من 15 الفا كما هو منصوص عليه في القرار 1701، الى نحو ثلاثة او اربعة آلاف كما هو الوضع الميداني، اذ عندذاك يسهل على قيادة هذه القوة وضع خطط الانسحاب العاجل من الجنوب في حال حصول طارئ عسكري لا يتجاوز انجازه الاربع والعشرين ساعة، في اتجاه الجزيرة القبرصية (بشطرها اليوناني) وجمهورية مصر العربية.

غير ان قيادة القوة الدولية لا تزال على تأكيدها ان الوضع في الجنوب لم يشهد اي تحركات غير عادية على الجانبين، ما يؤكد نجاح هذه القوات في فرض احترام الحد الادنى للقرار الدولي 1701، وذلك اشارة الى ان الا تعدجيل مرتقب مهمتها العلانية والميدانية، لا سيما ان هذه المسألة مرتبطة حصرا بمجلس الامن الدولي الذي على عاتقع تقع مسؤولية وصلاحية القرار المناسب في شأن تعديل المهام او الابقاء عليها كماهي، بالتشاور مع الدول.

وتشدد قيادة القوة الدولية المعززة على ان الاتجاه الدولي الغالب لا يزال مصرا على تعزيز الاستقرار في نطاق عملياتها جنوب الليطاني، بالتعاون مع الجيش اللبناني، حيث اثمر هذا التعاون استقراراً امنياً اثار ارتياح ابناء الجنوب طيلة الاعوام الاربعة الفائتة.

وتلفت القيادة الدولية الى ان لا معطيات حسيّة لديها بامكان توتير الاوضاع في الجنوب، وتاليا هي تستبعد حصول عمل عسكري اسرائيلي ضد لبنان، خصوصا انها لا توفر جهادا لإستدامة ضبط النفس لدى الاطراف المعنية بالقرار 1701، ولا تألو جهداً لتنفيذ مهمتها على اكمل لثبيت الهدوء في منطق عملياتها.

Sphere: Related Content

لا موقف سورياً من الزيارة والتقويم على النتائج

الحريري في واشنطن: سلام وشبكة حماية

رئيس الحكومة حصّن الزيارة بذهابه الى الرياض ودمشق

لاسبوع العربي 24/5/2010

في الثالث والعشرين من ايار (مايو) تحطّ طائرة سعد الحريري في مطار واشنطن، ليبدأ الرجل اولى زياراته الرسمية رئيسا للحكومة، وسط غبار ظلل التحضيرات لهذه الزيارة، منذ ان سُرّب خبر حصولها في منتصف ايار (مايو).

يزور رئيس الحكومة سعد الحريري واشنطن في الثالث والعشرين من ايار (مايو) حيث يلتقي الرئيس الاميركي باراك اوباما ونائبه جو بايدن ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ومستشار الامن القومي جيمس جونز. ثم ينتقل الى نيويورك في 25 منه ويرأس جلسة لمجلس الامن تناقش عنوانا اختاره لبنان هو "حوار ما بين الثقافات وعلاقته بالامن والسلام الدوليين"، ويلتقي الامين العام للامم المتحدة بان كي مون.

وتأتي زيارة الحريري بعد مرحلة من التوتر الكلامي وتبادل التحذيرات بين اسرائيل و"حزب الله", على خلفية تقارير اسرائيلية تتحدث عن تلقي "حزب الله" أسلحة وصواريخ من سوريا، وفي ظل استمرار التحركات الخارجية لخفض التوتر، وإثر ما تردد عن عدم الارتياح الأميركي لتصريحات سابقة لرئيس الحكومة حيال الاتهامات بأن "حزب الله" حصل على صواريخ "سكود"، والذي أبدى خشية فيها من ان تكون هذه الاتهامات شبيهة بتلك التي أشارت الى امتلاك النظام العراقي السابق أسلحة دمار شامل لم يعثر عليها بعد اجتياح العراق.

واستُبقت الزيارة والتحضيرات لها، بكثير من القيل والقال وبكلام منسوب الى رئيس الحكومة عن موافقته على ان "تقتني المقاومة في لبنان كل ما يمكنها من الدفاع عن حدود وسيادة لبنان بما في ذلك صواريخ "سكود" في مواجهة أي محاولة اسرائيلية للاعتداء على لبنان"، وأنه "لا يختلف مع "حزب الله" في عنوان المقاومة نهائياً، بل يختلف معه في بعض الأمور الداخلية".

تشويش وانزعاج؟

واذ نفى المكتب الاعلامي الكلام المنسوب الذي "يتعارض تعارضا كلياً مع مصلحة لبنان, لأن من شأن ذلك جره إلى تجاذبات إقليمية خطيرة يجهد الرئيس الحريري منذ أن ظهرت بوادر مخاطرها إلى حماية لبنان منها"، يقول مقربون من رئيس الحكومة ان ما يعنيه بالفعل هو مصلحة لبنان اولا واخيرا، وبالتالي فان الكلام المنسوب اليه والذي يتعلق عما تردد من مواقف اتخذها من سلاح المقاومة وخصوصا حقها في اقتناء صواريخ "سكود"، يتعارض تعارضا كليا مع مصلحة لبنان لأن ذلك من شأنه جر البلاد الى تجاذبات اقليمية خطيرة يجهد الحريري منذ ان ظهرت بوادر اخطارها لحماية لبنان منها.

ويرى المقربون من رئيس الحكومة ان التشويش الذي سبق إعلان موعد الزيارة لن يؤثر في مضمومنها ونتائجها، وأن الموعد تحدد بناء على تقاطع بين جدولي أعمال أميركي ولبناني، ولا دلالات سياسية له. وأكدوا ان أهمية هذه الزيارة تتركز على حصولها في أعقاب التهديدات الإسرائيلية وفبركات التسلح المزعوم، وتاليا لا بد من حضّ واشنطن على ممارسة المزيد من الضغط عليها لتحريك عملية السلام في المنطقة.

ويكشف هؤلاء ان الحريري سيبحث في لقاءاته الاميركية في مسألة بلدة الغجر الحدودية التي تحتل إسرائيل الجزء اللبناني منها وضرورة الانسحاب منها، اضافة إلى موضوع مزارع شبعا وأهمية قيام الولايات المتحدة الاميركية بمبادرة ما حيالها.

ويعتبر بعض المراقبين في بيروت ان ثمة اكثر من جهة محلية وعربية "منزعجة من الزيارة او ترى فيها لزوم ما لا يلزم، خصوصا ان ما سيسمعه الحريري سبق ان سمعه رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان في زيارته لوشنطن في شتاء العام 2009، فالموقف الاميركي معروف ومرسوم مسبقا ومنحاز الى اسرائيل ولن يقدّم ما من شأنه ان يخدم المصلحة اللبنانية".

ويشير المراقبون الى ان الرافضين او المتحفظين "اجتمعوا على محاولة رسم سقف سياسي لزيارة رئيس، من خلال "تلبيسه" مواقف مماثلة لمواقف هؤلاء، الأمر الذي من شأنه أن يحدّ من امكانات نجاح الزيارة قبل حصولها، وفي ذلك مواقف استباقية شبيهة بما تعرّض له رئيس الجمهورية قبل زيارته واشنطن وبعدها.

ويتحدث المراقبون عن تشابه في الحملات التي تشنّ على الحريري بتلك التي كانت تشن على والده رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري قبيل وأثناء وبعد كل زياراته إلى الولايات المتحدة الاميركية.

تحصين الزيارة

وعلى وقع التحفظات والاعتراضات، فضّل رئيس الحكومة تحصين زيارة واشنطن ومقاربة ما سبقها بموضوعية، فخطى في اتجاه الرياض ودمشق في اطار جولة عربية وتركية، ذات طابع سياسي محض، اراد منها تلمّس الاتصالات الاقليمية والدولية الحاصلة لتطويق التهديدات الاسرائيلية، ولا سيما في ضوء قمتين رئاسيتين اولى ثلاثية في اسطنبول في التاسع من ايار (مايو) ضمت الرئيس التركي عبد الله غل والرئيس السوري بشار الأسد وأمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وثانية ثنائية في دمشق في الحادي عشر من ايار (مايو) جمعت الاسد بالرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف، وثالثة ثنائية في انقرة في الثاني عشر من ايار (مايو) جمعت غل بميدفيديف.

وتبين لمسؤولبن لبنانيين ان دمشق لا يبدو قلقة فعلاً من آفاق زيارة الحريري، لاسباب موضوغية عدة، في حين يؤكد زوار العاصمة السورية انهم "لم يلتقطوا أي إشارات توحي بأنها تتحفظ عن مبدأ الزيارة، وهي لم ولن تتدخل في التأثير عليها، لا سلبا ولا إيجابا، لا عبر حلفائها ولا عبر غيرهم، ولكن ذلك ليس معناه أن سوريا تتعامل بلامبالاة مع تلك الزيارة التي ستكون تحت النظر وستخضع الى رصد دقيق، سواء على مستوى ما سيقال خلالها أو على مستوى ما سيدور في كواليسها".

ويشير زوار دمشق الى أن لا أفكار سورية مسبقة حيال الزيارة، وان الحكم النهائي عليها مرتبط بالحصيلة التي ستفضي اليها".

ويذهب بعض الزوار الى الايحاء بأن زيارة الحريري لواشنطن "قد تكون فرصة إضافية لتعزيز العلاقة بينه وبين دمشق إذا تضمن خطابه السياسي تأكيدا للثوابت المتصلة بالصراع مع إسرائيل وحق المقاومة والعلاقة المميزة مع سوريا، لان مثل هذا الخطاب يكتسب قيمة مضافة إذا تم تظهيره في واشنطن".

اما الانتقادات والاعترضات في بيروت، "فهي لبنانية صرف لا دخل لدمشق بها، وهي لن تتوانى عن ايصال كلاحظاتها مباشرة عبر القنوات المؤسسية القائمة بين البلدين من السفارتين الى المجلس االعلى اللبناني – السوري، فضلا عن قناة التواصل المتفق عليها بين الاسد والحريري، اي بثينة شعبان ونادر الحريري".

... والتحضيرات

واقع الحال ان التحضيرات لزيارة رئيس الحكومة لواشنطن بدأت منذ مطلع هذا العام، وهي ارجئت اكثر من مرة لاسباب عدة، منها:

-انشغال المسؤولين اللبنانيين بعدد من الاستحقاقات، في مقدمها التحضير للانتخابات البلدية والاختيارية، وانصراف الحكومة الى المناقشات المرتبطة بقانون هذه الانتخابات، من ثم التحضير لمشروع قانون الموازنة وغيرها من العناوين السياسية التي افترضت انتظار توقيت مناسب للزيارة.

-انتظار لبنان اتضاح الصورة الاقليمية في ضوء التطورات التي حصلت، وخصوصا في العراق وفلسطين.

- موقف لبنان من استئناف المفاوضات الاسرائيلية - الفلسطينية غير المباشرة في اطار عملية اعادة احياء وتحريك عملية السلام وعلى أساس حل الدولتين، وما يرشح عن المسؤولين اللبنانيين بوجود اتجاهين: اتجاه يدعم استئناف المفاوضات على المسار الفلسطيني انسجاما مع الموقف العربي الذي كان أعطى الضوء الأخضر لهذه المفاوضات وتشجيعا للموقف الاميركي الذي طرأ عليه تحول هام وأصبح يشدد على حل القضية الفلسطينية بابا لحل مشاكل المنطقة بما فيها التطرف والارهاب، واتجاه آخر لا يدعم ولا يشجع استئناف المسار الفلسطيني من دون المسارين السوري واللبناني وفي اطار سلام عادل وشامل، ولا يجيز للجنة العربية لمتابعة عملية السلام اعطاء الضوء الأخضر للسلطة الفلسطينية من أجل الانطلاق في مفاوضات غير مباشرة مع اسرائيل لمدة أربعة أشهر.

-انشغال الرئيس الاميركي بإستحقاقات داخلية، في مقدمها معركته مع الكونغرس في مسألة قانون الرعاية الصحية، والذي شكل خطرا مباشرا على رئاسته وتطلب منه وقتا وافرا لادارة اقراره، نظرا الى ان هذا القانون سبق ان احرق مرارا اكثر من ادارة رئاسية.

-رغبة الرئيس الاميركي بتلافي احراج لبنان ورئيس الحكومة تحديدا في مسألة تشديد العقوبات على ايران، وتاليا نضجت الزيارة منذ ان قررت واشنطن ارجاء اتخذ اي قرار الى حزيران او ما بعده.

التقويم

في التقويم السياسي، تتزامن الزيارة المرتقبة، مع احتدام وتشابك الملفات الإقليمية التي تعني لبنان وتحاصر استقراره وتؤثر عليه.

فالحريري الذي يرافقه وفد كبير وزاري واقتصادي وإعلامي (في عداد الوفد وزير الدفاع الوطني الياس المر ووزير الخارجية والمغتربين علي الشامي ووزير الشؤون الاجتماعية سليم الصايغ ووزيرة المال ريا الحفار الحسن والمستشار السياسي السفير محمد شطح)، أعد له برنامج لقاءات حافل يشمل كل مسؤولي الادارة الاميركية البيت الابيض الى وزارة الخارجية والأمن القومي والبنتاغون والكونغرس. وفي نيويورك سيترأس جلسة مجلس الأمن الذي يرأسه لبنان في دورته الشهرية عن ايار(مايو).

ويتمحور موقف الحريري وخطابه السياسي حول فكرتين - ضرورتين: ضرورة حماية لبنان الملتزم بالقرار 1701 من التهديدات والأخطار الإسرائيلية، وضرورة دفع عملية السلام الى الأمام لأنها الوسيلة الوحيدة لكبح جماح التطرف والإرهاب في المنطقة، ولأنه لا حل للأزمات العالمية السياسية والأمنية ما لم يتم حل القضية الفلسطينية حلا عادلا ومستداما.

الاثنين، 3 مايو 2010

Sphere: Related Content

واشنطن ارجأت العقوبات على طهران شهرا كاملا رفعا للاحراج عنه

لبنان رئيسا لمجلس الامن.. ويبحث عن أمانه!

بيروت بين التحفظ عن العقوبات واتباع الخطى التركية

استفاقة الديبلوماسية اللبنانية بعد عقود من الخمول تفترض حسن الادراك والتميّز!

ينشر في الاسبوع العربي في 10/5/2010

لبنان امام تحدّ جديد إضافي، خارجي هذه المرة، مرتبط برئاسته الدورية عن شهر ايار (مايو) لمجلس الامن الدولي، الذراع التنفيذية لمنظمة الامم المتحدة. والتحدي الجديد متشعّب، يبدأ من آليات الادارة اللبنانية لهذه الرئاسة، عبر رئاسة الحكومة ووزارة الخارجية وصولا الى المندوب في المبنى الزجاجي الاشهر في العالم، السفير نواف سلام، ولا ينتهي بكيفية المواءمة بين مجموعة من الرؤيات المتناقضة في المجموعة العربية التي يمثّلها لبنان في مجلس الامن على حتى نهاية كانون الاول (ديسمبر) 2011، ولا سيما في ما خصّ الملف النووي الايراني والعقوبات الدولية المرتقبة.

اثار ترشيح لبنان الى عضوية مجلس الامن، قبل عام، الكثير من الالتباسات والتحليلات دفعت بفريق لبناني الى الضغط على رئاسة الجمهورية حتى تعتذر عن هذه العضوية، وتجيّرها الى دولة عربية اخرى. فالتحديات اللبنانية ستكون كثيرة وكبيرة، ومن شأنها، كمثل موضوع الملف النووي الايراني، ان يثير مزيدا من الانقسام اللبناني، في حال نحا لبنان الى تأييد العقوبات المرتقبة اثناء ولايته الاممية، فكيف اذا كانت هذه العقوبات ستسري اثناء ترؤس لبنان مجلس الامن؟!

ردت الرئاسة اللبنانية على هذه الهواجس بتأكيد حرصها على استكمال الحضور اللبناني على المستوى الدولي، بعد ضمور واسع اثر تميد ولاية الرئيس اميل لحود في ايلول (سبتمبر) العام 2004، ولا فرصة لاستكمال هذا الحضور، افضل او ارقى من تبوؤ عضوية اهم المؤسسات الدولية والاممية المعنية بتنظيم العلاقات بين الدول والشعوب.

اما عن كيفية ايجاد المخرج في مسألة العقوبات المحتملة على ايران، فبسيطة، اذ ان لبنان يمثّل المجموعة العربية في مجلس الامن، وهو لن يتخذ اي موقف او لن يصوّت على اي قرار او اجراء دولي، من خارج الاجماع العربي ومن دون التشاور المستفيض مع العواصم العربية ومع مندوبيها في الامم المتحدة.

ويسأل مراقبون دويبلوماسيون: لماذا لم تثر هذه الاشكالية زمن عضوية كل من سوريا (2002 -2003) والجزائر (2004 – 2005) وقطر (2006 - 2007) وليبيا (2008 – 2009) في مجلس الامن الدولي، خصوصا ان دمشق نفسها سبق في العام 2002 ان صوّتت في تشرين الثاني (نوفمبر) 2002 بضغط من الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا، بالموافقة على مشروع قرار "الفرصة الأخيرة" رقم 1441، الذي تقدمت به واشنطن، ودعمته لندن، وهو القرار الذي منح العراق فرصة أخيرة للامتثال لالتزاماته المتعلقة بنزع السلاح بموجب قرارات مجلس الأمن، على رغم ان هذا الاجراء لم يحظ في حينه اجماعا عربيا، ولم توافق عليه ايران. كما صوتت في ايار (مايو) 2003 الى جانب القرار 1483 الذي يمنح قوات التحالف الاميركي - البريطاني سلطة الاشراف على الاقتصاد والعملية السياسية في العراق.

إستعادة الصورة

يقول السفير نواف سلام ان "جزءاً من رسالة لبنان وصل بدخول لبنان مجلس الأمن بأن هذا البلد يستعيد عافيته وهو موجود على الساحة الدولية ومشارك في القرارات الدولية وله رأيه المسموع في القضايا التي تخصه أو تخص المنطقة من داخل هذا المجلس". ويشير الى انه "في هذا الشهر ستتضح صورة لبنان أكثر في عودته الى السياسة الدولية وسيسلط مزيد من الضوء على دور لبنان في قضايا تمتد من نيبال الى التشاد ومن السودان الى فلسطين ومن الصومال الى كل أنحاء العالم. سيكون صوت لبنان مسموعاً في كل أنحاء العالم".

ويوضح ان لبنان سيرئس المجموعة العربية التي قدمت ثلاث أوراق عمل لمؤتمر مراجعة معاهدة حظر الإنتشار النووي: الأولى تتعلق بنزع السلاح والثانية عن الإستخدام السلمي للطاقة الذرية والثالثة عن شأن تحويل الشرق الأوسط منطقة خالية من السلاح النووي، مشيرا الى أن المناقشات لا تزال جارية في شأن الأوراق الكثيرة التي قدمتها الدول، وخصوصاً الورقة الروسية - الأميركية، ولافتا الى أن الوفد اللبناني بإسم المجموعة العربية "يتواصل مع الطرفين الأميركي والروسي وسندخل الترويكا العربية في هذه المفاوضات".

ويؤكد سلام ان "الموقف العربي ثابت ومتفق عليه بالإجماع. نريد الشرق الأوسط منطقة خالية من السلاح النووي تنفيذاً لقرار اتخذ عام 1995"، رافضاً "رفضا قاطعا ربط هذا الموضوع بأي شكل بعملية السلام في منطقة الشرق الأوسط".

ويتحدث عن "مساع جارية لايجاد تسوية مع ايران. ولبنان يؤيد أي تسوية مع ايران"، رافضاً "اطلاقاً أي ربط بين الموضوعين النوويين لكل من ايران واسرائيل".

لا عقوبات هذا الشهر

في الاسبوع الثالث من نيسان (ابريل)، اجرى السفير سلام في بيروت جولة من اللقاءات الرسمية ممهدة للمهمة اللبنانية الجديدة، في حين علم ان بيروت نقاشات رئاسية وحكومية مستفيضة جرت فيب بيروت لتحديد آليات الادارة اللبنانية في مجلس الامن وسبل التعاطي مع القضايا المطروحة للنقاش او المتوقع ان تكون عناوين رئيسية في ايار (مايو).

وفي مسألة امكان طرح قرار لتشديد العقوبات الدولية على ايران على خلفية ملفها النووي، يفضّل لبنان اعتماد الحوار بدلاً من فرض العقوبات، واذا طرح اي قرار للتصويت، فسيلتزم التحفّظ.

وعلمت "الاسبوع العربي" ان اتصالات حثيثة بين لبنان والولايات المتحدة الاميركية وبمشاركة عربية واقليمية، افضت الى قرار واشنطن تأجيل فرض العقوبات على ايران والتي كانت تعتزم طرحها للتصويت في ايار (مايو)، الى حين انتهاء الرئاسة اللبنانية، وبذلك اخذت واشنطن في الاعتبار الاحراج اللبناني من جهة، والرغبة المشتركة في الا يتأثر اي تحفظ لبناني في مجلس الامن على العلاقات الثنائية، خصوصا ان واشنطن تُعتبر راهنا اهم مصدر لمساعدة الجيش والقوات المسلحة ببرنامج تسلح وتدريبات، يفوق مجموعها الميار دولار.

وترجح التقديرات، وفق معطيات "الاسبوع العربي"، ان مجلس الامن سيصوت في خلال فترة رئاسة المكسيك للمجلس في حزيران (يونيو)، على قرار تشديد العقوبات على ايران، بموافقة صينية وروسية مما سيترك الكثير من التداعيات ان لجهة ردة الفعل الايرانية او لجهة ما المواكبة الاسرائيلية للعقوبات من خلال مواصلتها التهديد للبنان وسوريا ايران و"حزب الله".

قِدر بلا غطاء!

تأسيسا على ذلك، يعتقد ديبلوماسيون في بيروت ان لبنان امام تحد جديّ في فترة انتقالية حرجة يعيشها الاقليم، تبقى محكومة بتوازنات تجعل من مشهد التهديدات الاسرائيلية والاستعدادات المقبلة اشبه بمشهد قِدْر من المياه، بلا غطاء، فوق صفيح ساخن، ليس في استطاعة احد تقدير الاضرار متى بلغت المياه درجة الغليان.

ويشير هؤلاء الى ان هذا التحدي يفترض ادارة لبنانية متميزة، في بيروت كما في نيويورك، ذلك ان صورة لبنان الدولية التي ارادها لنفسه، بعد ضمور، تفترض تعاطيا غير تقليدي، لا سيما في ضوء التحديات الكثيرة، وتتطلب ارادة ديبلوماسية رائدة وذكية، للسير وسط حقول من الالغام والصواعق، ولقراءة مجمل المعطيات الاقليمية، بحيث يحافظ من جهة على وحدته، ويقارب من جهة اخرى الملفات المطروحة بموضوعية ومسؤولية.

ويعتبرون ان استفاقة الديبلوماسية اللبنانية بعد عقود من الاستقالة والخمول و"التبعية" وغياب المبادرة الخلاقة، فرصة كي يؤكد لبنان انه في صميم الشرعية الدولية، وانه قادر على الخروج من ضيق زواريبه ومن مستنقعات انقساماته الداخلية، الى العالم الرحب حيث الديبلوماسية باتت السلاح الامضى، فينشّط آليات التحرك مع عواصم القرار في أروقة الأمم المتحدة ويحيك معها ما يؤكد أحقية دوره المتوسطي والوجودي.

النموذج الاسطنبولي

ويرى الديبلوماسيون ان احد طرق الخلاص اللبناني من الاحراج، متى طرحت الولايات المتحدة قرار العقوبات على ايران (لأن لبنان سيكون امام استحقاق التصويت على القرار سواء كان رئيسا للمجلس او عضواغير دائم فيه)، هو ان يقتدي بالمسار التركي في التصويت او الامتناع عنه، ذلك ان الاستظلال بتركيا يقي لبنان ردات فعل سورية او ايرانية او حتى داخلية، نظرا الى الدور المتعاظم لانقرة ولديبلوماسيتها الفذّة والمتألقة، والى الحظوة والدالة التي لها في ايران وفي سوريا، والى دورها الحيوي على اكثر من صعيد متوسطي، في ظل سياسة خارجية متعددة الأبعاد، ترتكز على ان انقرة ذات عمق وموقع استراتيجيين وليست مجرد جسر، وهي لذلك تسعى الى علاقات بالإقليم خالية كليا من التوتر.

المجموعة العربية ومجلس الأمن

ومما قد يسهل مهمة لبنان، ان المجموعة العربية في الأمم المتحدة حرصت أن تنأى بنفسها عن الخلافات العربية - العربية وأن تبقى متماسكة متوحدة حول المسائل الكبرى، على رغم الانقسامات بين عدد من العواصم. فممثلو هذه المجموعة على اتم الادراك ان الانقسام العربي العلني أمام الدول الأعضاء يسيء اليها كلها ويقلل من هيبتها وحضورها، وان تماسكها يمكن أن يترجم إلى قرارات ذات أهمية تاريخية- فوحدة المجموعة وقوتها بعد حرب تشرين (أكتوبر) 1973 وثورة النفط، قاد إلى الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ودعوتها الى الجلوس كمراقب في الأمم المتحدة في العام 1974. كما فرضت اللغة العربية لغة رسمية للأمم المتحدة.

لكن هذه الوحدة تأثرت مرارا، فلم تصمد أمام الحوادث الخلافية الكبرى كاتفاقية كامب ديفيد في العام 1979، وغزو العراق للكويت في العام 1990.

الاثنين، 26 أبريل 2010

Sphere: Related Content

"الغرور القاتل" يزجّ المنطقة في حرب جديدة.. وظروف الـ1976 قد تتكرر

لبنان مجددا صندوق بريد ومجال تشابك اقليمي ودولي!

"لبنان ضحية الأزمة الأميركية التي تسعى إلى ترميم العلاقات مع دمشق وابعادها عن إيران"

هل يتقصّد المجتمع الدولي تغذية الفوضى في لبنان؟

ينشر في "الاسبوع العربي" في 3/5/2010

عاد لبنان اسير التوتر على خلفية التقاصف الدولي - الاقليمي في ضوء ما سمّي ازمة صواريخ "السكود". ولم تشفع التطمينات الرسمية والديبلوماسية في تبديد الهواجس من كثرة التهديدات والانذارات.

ثمة انطباع واسع بأن لبنان يتحوّل مجدداً صندوق بريد لمختلف الرسائل العربية والدولية، على خلفية الازمات المتناسلة التي تعصف به -بعضها مفتعل وبعضها مدبر بعناية- ونتيجة تشظي بنيان مرحلة ما بعد الرابع عشر من شباط (فبراير) 2005، وما لحق بها من انتكاسات وتبلور اصطفافات جديدة.

ليست ازمة صواريخ "السكود" اولى تلك الازمات المتسلسلة ولن تكون، بالتأكيد، آخرها. فالفالق السياسي المتحرك بإستمرار يضع البلد على فوّهة من البراكين وعلى خط من الزلازل السياسية، يحعل الازمات نتيجة مباشرة لها، خلافا لطبيعة الانظمة التي غالبا ما تبحث عن الاستقرار والسكينة.

ويستقيم الكلام على عودة لبنان صندوق بريد مع الحركة الدولية والعربية الكثيفة في اتجاهه، في ظل تنامي التهديدات الاسرائيلية وغموض الموقف الاميركي حيال ما سمته واشنطن تزويد سوريا "حزب الله" بتكنولوجيا صواريخ جديدة.

في اسبوع واحد، نشط الموفدون الدوليون من وزيرة العدل الفرنسية ميشال اليو ماري، الى وزير الخارجية المصرية احمد ابو الغيط، فرئيس حكومة قطر الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني.

العودة المصرية

وأتت زيارة رئيس الديبلوماسية المصرية، المنكفئة عن لبنان منذ ايار (مايو) 2008، إثر معطيات عن تقاريراستخبارية غاية في الأهمية، تتوافر لدى واشنطن، وتتحدث عن سباق إسرائيلي - إيراني يتسارع نحو حرب إقليمية في الشرق الأوسط، في خلال هذا العام، وسط مؤشرات عن تحضيرات واستعدادات واستنفارات متبادلة تجري لدى كل طرف، تؤشر لإمكان حدوث هذه الحرب في أي وقت.

وتشير هذه التقارير الى ان أبو الغيط كان احد الذين إطّلعوا من وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون على هامش اجتماعات قمة الأمن النووي في واشنطن، على هذه المحاذير الاميركية لا سيما ان الاستخبارات الأميركية واخرى تابعة لوزارة الدفاع راكمت طيلة الفترة الاخيرة في عملها في الشرق الأوسط، معطيات مقلقة كان لا بد من مشاطرتها مع عدد من العواصم العربية بغية اخذ الحيطة والاسهام في الحد من التوتر البالغ وإبطال شرارة الحرب.

تشابك إقليمي في لبنان

في الموازاة، تتخوف بعثات ديبلوماسية من تشابك الإقليمي يتغذى من التناقضات اللبنانية يؤدي الى أذيّة الاستقرار الهش، المضطرب في الاصل على وقع نزعة لجعل لبنان مساحة لتصفية الحسابات الدولية والاقليمية في ظل انسداد إقفال افق استئناف المحادثات بين الفلسطينيين والإسرائيليين من جهة، وتوتر العلاقة بين الغرب وإيران على خلفية ملفها النووي من جهة اخرى.

وتثمّن هذه البعثات التحرك اللبناني الرسمي في عواصم القرار، "لأن من الاهمية بمكان مواصلة رفع الصوت لدرﺀ المخاطر المتوقعة والسعي لدى أصدقاﺀ لبنان لممارسة جهود إضافية تطوّق اي اتجاه اسرائيلي للهروب من الاستحقاقات السلمية المترتبة على تل ابيب وحكومتها، من خلال تكرار تجارب حربية سابقة، واتباع خطوات القفز البهلواني غير المدوزن".

تضخيم ومصلحة مشتركة

وتتحدث عواصم معنية عن وضع شديد التعقيد نتج من تشابك اقليمي في الملفات الايرانية والعراقية والفلسطينية، ومع عودة الملف الإيراني الى مسار العقوبات والتصادم ودخول العراق في مرحلة انتقالية من العنف والفراغ، وعدم تحقق أي تقدم في عملية السلام، وخصوصا على المسار الفلسطيني – الاسرائيلي.

ولا تخفي هذا العواصم ارتيابا حيال تضخيم ازمة صواريخ "سكود" والاتكاء عليها لإثارة توترات اقليمية جديدة، بخلفيات قومية - قطرية، هذه المرة، لا مذهبية كما هو حاصل في العراق.

وتشير الى ان ثمة مخاوف من تقاطع أميركي ـ إسرائيلي، بتحريض من اللوبي ايهودي في واشنطن، على ان الحرب مصلحة مشتركة للهروب من إحراجات التسوية المعطّلة والأزمة التي تعصف بعلاقاتهما، لاسباب عدة منها:

-ان واشنطن ستُشغل، في الخريف الآتي، بالانتخابات النصفية للكونغرس التي تحدد امكان الولاية الثانية للرئيس باراك اوباما فترة رئاسية ثانية أو عدمه، وبالانسحاب الأميركي المتوقع من العراق، وبالخوف من ان تسارع ايران، كما فعلت بعد اسقاط نظام صدام حسين، الى ملء الفراغ الأميركي. وبما ان الشرق الأوسط أُنهك من عدم التوازن وفقدان الاستقرار، فإن وقوع أي خطأ في التقدير والحسابات سيؤدي حتما الى كارثة إقليمية، ستكون الحرب احدى تجلياتها.

-ان إسرائيل تلجأ، في كل مرة يشتدّ الخناق عليها، أنى كان رئيس وزرائها، الى الخيار العسكري، ومساحاته اثنتان: في غزة وفي لبنان. وهكذا تلوح بيارق الحرب كلّما سُدّت آفاق التسوية او أتت المحاثات التمهيدية بما لا يتناسب ومصالحها ومقارباتها. كما تلوح هذه البيارق كلّما استشعر المستوى العسكري الاسرائيلي ان ثمة ما يتهدد ميزان القوى الاستراتيجي والتفوق الذي بنى عليه الجيش عقيدته الحديثة التي تعتبر ان من شأن امتلاك 'حزب الله' قدرات استراتيجية ان يغيّر قواعد اللعبة، إذ قد يسمح له ذلك باستهداف كامل الأراضي الإسرائيلية انطلاقاً من قواعده في أقصى الشمال.

وثمة ما يشير الى ان عامليّ إنسداد افق التسوية والخلل في ميزان القوى الاستراتيجي، يتضافران راهنا، ويحضّان تل ابيب على الحرب.

-ان اسرائيل والولايات المتحدة تعتقدان ان تحريك المياه الراكدة، يستوي حصرا بإحياء نظرية ان القيادة السورية لن تقدم على خطوات دراماتيكية في ملف السلام الا في ضوء حرب تكسبها الشرعية الشعبية الداخلية من جهة، والشرعية العربية من جهة اخرى، وان هاتين الشرعيتين ستؤمنان الغطاء لخطوات غير متوقعة ستقدم عليها القيادة السورية في مرحلة ما بعد الحرب!

كما تعتقد الولايات المتحدة واسرائيل ان سوريا قد تستفيد من ظروف الحرب كي تصحح اختلالا في التوازن سمح لإسرائيل بتجاهلها حين يحلو لها. لذلك تسعى دمشق جاهدةً منذ عقود إلى تحقيق تكافؤ استراتيجي، وهو هدف مثالي استحال تحقيقه مع انهيار الاتحاد السوفييتي.

غرور قاتل

وترى مراكز بحثية اميركية ان التقارير بشأن إرسال سوريا صواريخ "سكود" إلى 'حزب الله'، أو على الأقل استعدادها لنشرها عبر الحدود مع لبنان، ذكّرت الجميع في المنطقة بأنه وسط الغرور، قد تنشب حرب مدمرة بمجرد وقوع خطأ في الحسابات.

وتستبعد هذه المراكز كلاما في واشنطن على ان التقارير الاسرائيلية الاتهامية ربما تكون مجرد معلومات مضللة ترمي الى تحويل مسار المساعي الأميركية المترددة للتحاور مع سوريا بعد خمسة اعوام من التباعد بينهما، أو لصرف النظر عن التوتر في العلاقات بين الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

وترى المراكز البحثية انه في حال صحة التقارير بشأن نشر الصواريخ، فعندئذ سيتسع، لا شك، الصراع المقبل بين إسرائيل و"حزب الله" ليشمل سوريا، مستذكرة انه المرة الأخيرة التي اشتبكت فيها القوات السورية والإسرائيلية كانت في العام 1982 في وادي البقاع، وحينها تلقى الجيش السوري، ولا سيما قواته الجوية، ضربة موجعة، لكن إسرائيل كانت منشغلة في محاربة منظمة التحرير الفلسطينية ولم يكن في نيتها توسيع حدود الصراع. بنتيجة الأمر، رُسمت خطوط حمراء جديدة حولت لبنان منطقة نزاع ومنافسة بالوكالة. لكن هذه المرة، تضيف هذه المراكز، بدأت اللهجة بين البلدين تزداد حدّةً، فالنظام في سوريا يدعم "حزب الله" علناً، وقد أخبر الرئيس السوري بشار الأسد نظيره الفلسطيني محمود عباس بأن 'ثمن المقاومة ليس أغلى من ثمن السلام'، في حين شبّه وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، "حزب الله" بفرقة في القوات المسلحة السورية، وأفاد أن إطاحة نظام الأسد ستكون مهمة سهلة.

لبنان ضحية محتملة!

وتشير مراكز الابحاث الى ان "لأزمة الصواريخ بُعدا آخر تم تجاهله، ويكمن في مدى هامشية الدولة اللبنانية، ففي النهاية، كان من المتوقع أن يناقش القادة السياسيون بأطيافهم المختلفة استراتيجية نظام دفاعي في مؤتمر الحوار الوطني الذي شكّل محاولة فاشلة أخيراً لمعالجة مسألة سلاح "حزب الله". فالحزب لم يشاطرهم تفاصيل بشأن استعداداته العسكرية، جزئياً لدواع تتعلق بالسرية، وأيضاً لأنه يعتبر نفسه وخططه العسكرية فوق أي نقاش".

وتخلص هذه المراكز الى ان "الجولة المقبلة من الحرب قد تشهد هجمات على بنى تحتية أساسية لبنانية، ومبان حكومية ومنشآت للجيش. ومن شأن ذلك أن يجر كامل البلاد إلى الصراع، لكن مجدداً من دون إجماع وطني حول سبب القتال أو هدفه. ويكون لبنان بذلك من ضمن الضحايا الأخرى المحتملة للأزمة السياسية الأميركية التي تسعى إلى ترميم العلاقات مع دمشق والتي تقوم على فكرة أن الولايات المتحدة تستطيع جذب سوريا إلى صفها بعيداً عن إيران. وعندذاك سيكون واردا احتمال عودة القوات السورية، في حال غزّى العالم مجدداً الفوضى في لبنان... حدث ذلك في عام 1976، وقد يحدث مجدداً".

الاثنين، 19 أبريل 2010

Sphere: Related Content

خمسة تحديات تواكبها .. فهل تحاصرها

حكومة السنوات الاربع ام السنة اليتيمة؟

تنامي همس التبديل او التغيير الوزاري بعد الانتخابات البلدية

ينشر في "الاسبوع العربي" في 26/4/2010

حكومة السنوات الاربع، كما توقّع لها كثر في لبنان والخارج، قد لا تكمل عامها الاول نتيجة مجموعة من التبدلات والتغيرات قد تفضي الى تبديل حكومي محدود، او حتى الى تغيير جذري واسع.

لم تطوِ حكومة "الانماء والتطوير"، قبل اسابيع قليلة، ايام السماح المائة، حتى تزايد الهمس عن احتمال تغيير وزاري واسع، إما لضخ دماء جديدة في الشرايين الحكومية بعدما فوجئ مرجع او اكثر بضحالة وتواضع اداء من كلّفه تمثيله في الحكومة، وإما لعكس التموضعات السياسية والتحالفية الجديدة منذ انعطافة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط في الثاني من آب (اغسطس) 2009، وما تبعها من تغيرات دراماتيكية على مستوى الاصطفافات وصولا الى زيارته لدمشق واعلانه ترك الخيار الوسطي و"المنزلة ما بين المنزلتين"، للتموضع في موقعه القديم ما قبل العام 2004، وربما ما قبل خطابه البرلماني الشهير الداعي الى اعادة تموضع الجيش السوري، في العام 2000، جنبا الى جنب مع النائب الراحل البير مخيبر.

تتعدد المقاربات التقويمة لأداء الحكومة، وهي التي منيت منذ يومها الاول بالكثير من الجراح، من البيان الحكومي الى تأخر اقرار قانون الموازنة، مرورا بسقوط الاصلاحات الانتخابية والادارية والاقتصادية. لكن يبقى القاسم المشترك في هذه التقويمات، هو ان التعثّر كانت السمة الحكومية الرئيسة، بصرف النظر عن اسبابه ودوافعه الواقعية والمفتعلة، وان الواقع لم يكن على قدر الامل الذي رافق التسمية والتأليف فإلانطلاقة، ما تسبب بهزالة في الاداء وقصور في ترجمة اولويات الناس واحتياجاتهم الملحة.

ولا يخفى ايضا ان وزراء عدة لم يظهروا على المستوى المطلوب، لا سياسيا ولا اداريا، اذ كثرت زلاتهم وتعددت اخطاؤهم وتنوعت الانتقادات التي طالتهم، حتى من المراجع التي جاءت بهم.

اولى التحديات

حفلت مئة يوم ونيف من عمر حكومة الرئيس سعد الحريري بمجموعة من التحديات السياسية "الكيانية" بالنسبة اليها:

-اولها يتمثل في آليات الادارة السياسية للدولة في ضوء الاصطفافات الجديدة والتفاهمات العربية الحاضنة والمحيطة. ومثّلت زيارة الحريري الى دمشق صدارة هذه الاهتمامات الاداراتية، مع الانعطافة الايجابية على مستوى العلاقة اللبنانية – السورية، وعلى مستوى علاقة رئاسة الحكومة اللبنانية برئاسة الجمهورية العربية السورية، بعد خمسة اعوام من التجاذب والخلاف والخصام.

نجح الحريري في عبور اول استحقاقاته الزعماتية، على وقع اولى خطواته في قصر المهاجرين. وهو يستكمل راهنا التحضيرات لزيارته الثانية التي مهّدت لها في دمشق زيارة الوفد الاداري الذي ترأسه وزير الدولة جان اوغاسابيان، بعد انتكاسة نتجت من تركيبة اولى للوفد اعتبرتها دمشق هزيلة ولا تعكس ضخامة ما يطرح من ملفات وعناوين على مستوى الاتفاقات الثنائية المنوي تعديلها او اعادة النظر فيها او استحداثها.

-وثانيها، يتمثل في تثبيت آليات الادارة المالية للدولة، وهو امر لن يكون يسيرا نظرا الى التمايزات بين فريقي الحكومة في مقاربة مشروع قانون الموازنة الذي تقدمت به وزيرة المال ريا الحسن، والذي سيكون موضع اخذ ونقاش واسعين. ومن غير المتوقع ان ينتهي امر اقرار الموازنة بالسهولة التي تتمناها رئاسة الحكومة، نظرا الى الهوة في قراءة مالية الدولة وآليات اقرار الاصلاحات البنيوية والضريبية.

-وثالثها، يتمثل في صوغ آليات الادارة المؤسسية الادارية والامنية والقضائية، وهو بدوره ليس بالامر السهل، نظرا الى التمايزات بين فريقيّ الحكومة في قراءة هذه الآليات. والاخذ والرد الطويلين حول إقرار آلية تعيينات الفئة الاولى والترقيات الوظيفية قد يكون المثال الابرز على ما ينتظر الحكومة من تحاصص وتقاسم وتجاذب.

-ورابعها، امني – قضائي – سياسي مختلط، يتعلق بإستحقاق المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، بعدما صار الانطباع الطاغي ان المحكمة، واستطرادا الادعاء الدولي، صارت قاب قوسين من اطلاق آليات المحاكمات. وليس خاف ان هذا الملف يمثّل الاستحقاق الابرز والاخطر، وتتطلب ادارته لبنانيا عناية ودراية واسعتين وبدء صوغ مظلة واقية لما قد يحمل القرار الاتهامي من مفاجآت، ولما قد يعترض هذا القرار من مطبات، لتستوي عندها المعادلة الجنبلاطية: الحقيقة شيئ، اما العدالة فشيئ آخر!

-وخامسها موضعي قريب (بعد اسبوعين)، يرتبط بآلية إدارة استحقاق الانتخابات البلدية والاختيارية، وهو الاستحقاق الاول في عهد حكومة الانماء والتطوير والذي قد يشكل فرصة لانطلاق عملية اصلاحية ادارية سياسية واسعة تنظر رئاسة الجمهورية حلولها لتحريك المياه الراكدة التي طبعت العامين الاولين من العهد الرئاسي، بعدما كان الامل في ان تشكل الانتخابات النيابية جسر عبور لتحقيق الاصلاحات. ولا يبدو ان الحكومة قاصرة عن ادارة هذا الاستحقاق، لكن الاهم يبقى ماذا بعد النجاح في هذه الادارة.

تغيير ام تبديل؟

تتطلب هذه الادارات الخمس، مجتمعة ومتفرقة، جهوزية استثنائية، قد لا تتيحها كلها المناكفات المتوقّعة على شاكلة ما سبق وما تكرر في الايام المئة ونيف الفائتة. ذلك ان بعض هذه الادارات لا يحتمل تأخيرا في القرار، وبعضها الآخر لا يحتمل تلكؤا في التنفيذ.

ولعل تعدد هذه الادارات، وتناسل التحديات المرتبطة، اطلق موجة من التكهنات طالت مصير الحكومة نفسها، في ضوء رغبة البعض في التغيير او سعي البعض الآخر (المحلي والاقليمي) الى تكريس الاصطفافات الجديدة حكوميا، واستطرادا تسييلها وبدء تقاضي اثمانها!

تأسيسا على ذلك، تنامى الحديث عن التغيير او التبديل الحكومي في الصالونات السياسية من غير ان يثبّت موعدا لتحقيقه. ولعل هذا التأرجح هو الذي يترك هذا الحديث مكتوما واسير الكواليس، بعدما سبق للبعض ان ضرب له موعدا يلي مباشرة الانتخابات البلدية والاختيارية او قرار (تم التغاضي عنه في اللحظة الاخير) ارجاء هذه الانتخابات.

لا يُخفى في الوسط السياسي ان ثمة رهانا على ان استمرار سقوط الحكومة في استحقاقيّ الموازنة او التعيينات من شأنه ان يكرس التغيير او التبديل الحكومي، ويثبّت موعده على ابواب الصيف الآتي، ذلك ان كثرة الاهتزازات المتوقعة بعد الانتخابات البلدية والاختيارية، بدءا وليس انتهاء بموجة عارمة من الاضرابات العمالية ذات الطابع المطلبي والاجتماعي، قد تشكل مناسبة توظيفية كي يتحقق هذا التغيير او التبديل الحكومي.

كما ان المبادرة قد تكون سياسية من باب الرابية نفسها، وخصوصا ان رئيس تكتل "الاصلاح والتغيير" النائب العماد ميشال عون لا يخفي اطلاقا احتجاجه الشديد على آليات الادارة الحكومية في اكثر من ملف اجتماعي ومطلبي وسياسي، من الموازنة وما تشمل من خصخصة وسياسة ضريبية جديدة، الى هيئة الحوار الوطني، وقبلها التعيينات في هيئات الرقابة، وربما ردا على ما يُردِّد انه صفقة سياسية اطاحت الاصلاحات التي اقرتها الحكومة على قانون الانتخابات البلدية والاختيارية.

وكانت جهات عدة قد حاولت تفسير اعلان وزير الطاقة والمياه جبران باسيل، على اثر تثبيت موعد الانتخابات البلدية وارجاء الاصلاحات المفترضة، ان الحكومة تتآمر على الشعب. وتبيّن ان التفسير الاقرب الى الواقع خلص الى ان هذا الموقف قد يكون اعلانا مسبقا او مبكرا عن رغبة عون في سحب وزراء تكتل "التغيير والإصلاح" الخمسة من الحكومة، لا سيما ان هذا الامر قد يتكرر في حال لم يحصل الرجل على حصة كاملة يطالب بها في المجلس البلدي لمدينة بيروت، ردا على عدم الاخذ بإقتراحه تقسيم العاصمة الى دوائر ثلاثة، في استعادة لما كان عليه شكلها في الانتخابات النيابية الاخيرة.

ومن نافل القول ان هذه الرسالة السياسية الاعتراضية تشمل كل شركاء عون في الحكومة، بلا استثناء، بمن فيهم "حزب الله".

ملاقاة اقليم متغيّر

ولا يسقط الحديث عن تغيير او تبديل حكومي رغبة اقليمية في ملاقاة الاصطفافات الجديدة والتحديات المنتظرة والمتوقعة وخصوصا تلك المرتبطة بالملف النووي الايراني، وما نتج عن التفاهمات العربية من ارهاصات وتغيّرات على مستوى العواصم العربية من بغداد الى صعدة.

ولا يُخفى ان دمشق تتطلع الى حكومة اكثر التصاقا به تتيح لها من جهة حصر كل اوراق القوة، ومن جهة اخرى تسييل وتثمير حوارها مع الولايات المتحدة الاميركية وخطواتها في العراق وفلسطين واليمن. ولا يتحقق هذا التسييل او يكتمل، من دون ارساء معادلة حكومية جديدة لا تحتمل من وجهة النظر السورية المعادلات الهندسية القديمة والي فاتت بفوات مبرراتها، كالـ 15 – 10- 5 وما سبقها.

كما لا يُخفى ان هذا التطلع السوري قد يكون بابا من ابواب الضغط على رئاسة الحكومة في اتجاه احداث ما تراه دمشق مناسبا من تغييرات في الادارة السياسية والحكومية اللبنانية، عشية الزيارة المرتقبة للحريري الى العاصمة السورية.

وثمة من يعتقد ان دمشق تقرن هذه الرغبة وتترجمها لبنانيا، بمجموعة من الخطوات، لن تكون آخرها التجمعات السياسية المنوي انشاؤها وتطويرها لتواكب المرحلة المقبلة، ولتكون احد اذرعها التنفيذية، نيابيا وسياسيا، وربما حكوميا في مرحلة لاحقة!

السبت، 10 أبريل 2010

Sphere: Related Content

من طهران وتل ابيب ودمشق الى طوكيو ومدريد فواشنطن

هكذا سلكت الانتخابات البلدية السبل الوعرة!

3 اشهر من الاسترخاء ستؤسس لتفعيل العمل الحكومي

ينشر في الاسبوع العربي في 19/4/2010

سلكت الانتخابات البلدية سبيلها الطبيعي - الديمقراطي، اثر اسابيع من الاخذ والرد والضغط لإرجائها، إما ربطا بمعادلات الربح والخسارة استنادا الى الدراسات الاحصائية التي باتت في متناول كل الاحزاب والتيارات السياسية، وإما تأسيسا على معطيات اقليمية ودولية متعددة المشارب رجّحت، في اكثر من مرحلة ومفصل، مناخا عاصفا سيرتد سلبا على الاستقرار اللبناني الهش.

نادرا ما كانت الاستحقاقات اللبنانية، وخصوصا تلك المرتبطة بمبدأ تداول السلطة، حكرا على قرار محلي بحت، بل كانت غالبا ما تتأثر بتقاطع اللاعبين المحليين والاقليميين والدوليين، وهي غالبا ما كانت تؤْثر مصالح هؤلاء اللاعبين وتبدّيها على ضرورات هذا المبدأ الديمقراطي الذي لا يزال احد الاركان الاساسية في الانظمة التي تحترم الارادة الشعبية ومكونات مجتمعاتها والتوجهات.

يصلح هذا الكلام مع كل استحقاق انتخابي، نيابيا كان ام انتخابيا، وخصوصا منذ بدء جمهورية اتفاق الطائف وارهاصاتها الكثيرة على مستوى شكل نظام الجمهورية الثانية وآليات الحكم المعطّلة في احيان، والمعلّقة في معظم الاحيان على قرار اقليمي اضحى ضرورة من ضرورات استقرار هذا النظام واستدامته.

ويُستذكر في مناسبة النقاش الذي سبق تثبيت موعد الانتخابات البلدية والاختيارية في ايار (مايو) المقبل، نقاش مماثل سبق تثبيت هذه الانتخابات في نسختها الثانية في جمهورية الطائف، في العام 2004، حين ظل الرأي العام معلقا حتى الشهر الاخير قبل الاستحقاق، تارة بحجة البحث عن قانون جديد وطورا بذريعة انشغال المجلس النيابي في درس قانون الموازنة، واطوارا عدة بربط مصيرها بمجمل الوضع على مستوى المنطقة!

انفراج بعد تأزم

بين شباط (فبراير) وآذار (مارس) الفائتين، تلبّد المناخ الاقليمي الى حدود قصوى مع تصاعد التهديدات المتبادلة بين "حزب الله" وسوريا من جهة واسرائيل من جهة ثانية، بالتزامن مع اشتداد عود الوساطات والرسائل المنقولة الاوروبية والاميركية وخصوصا على خط دمشق – تل ابيب، فلم تعْدم انقرة وسيلة للحد من التشنجات، ولم يتراجع وزير الخارجية الاسبانية ميغيل انخيل موراتينوس ولا خفتت همّته على رغم التراشق السوري – الاسرائيلي الذي بلغ ذروته في الثالث من شباط (فبراير) مع تهديد وزير الخارجية وليد المعلم، على مسمع رئيس الديبلوماسية الاسبانية، تل ابيب بقصف مدنها. حينها، حذر المعلم اسرائيل من مغبة شن اي حرب على سوريا، لانها في هذه الحالة ستتحول الى "حرب شاملة" لن تسلم منها المدن الاسرائيلية، مضيفا: "لا تختبروا ايها الاسرائيليون عزم سوريا، تعلمون ان الحرب في هذا الوقت سوف تنتقل الى مدنكم. عودوا الى رشدكم وانتهجوا طريق السلام، هذا الطريق واضح والتزموا متطلبات السلام العادل والشامل". وتابع ان "اسرائيل تسرع مناخ الحرب في المنطقة واقول لهم كفى لعبا لدور الزعران في هذه المنطقة، مرة يهددون غزة وتارة جنوب لبنان ثم ايران والآن سوريا".

يومها، ذكرت تقارير استخبارية غربية ان سبب ذلك التوتر غير المشهود هو اتهام تل ابيب دمشق بتسريب صواريخ ايرانية ارض - ارض من طراز فاتح - 110 (بمجال 250 كيلومترا) عبر الحدود السورية – اللبنانية، وبتدريب عناصر من "حزب الله" على استخدام صوارخ من نوع SA-2 وSA-6 .

واوضحت التقارير انه إذا سلمت سوريا هذا الطراز من الصاريخ لـ "حزب الله"، فإن "حربا ستندلع من دون شك، وستقصف إسرائيل أهدافا في دمشق هذه المرة". واضافت: "سمح السوريون لعناصر من حزب الله بالقيام بدورات تدريبية في سورية من أجل استخدام هذه المنظومات، فهل لهذه الأسباب تتردد أنباء عن عزم سوريا نشر فرقتين من جيشها هند الحدود مع لبنان، في المنطقة التي تعرف بسلسلة الجبال الشرقية، تحسبا لتوغل إسرائيلي في الأراضي السورية في الحرب المقبلة؟".

ولفتت التقارير الى ان تل ابيب احتجت بعنف ضد دمشق "لأنها بذلك جعلت كل المدن الاسرائييلية في مرمى الترسانة الصاروخية لـ "حزب الله".

ووفق التقارير اياها، طلبت حكومة بنيامين نتانياهو من قناتيّ اتصال ديبلوماسيتين، هما مورايتنوس والمبعوث الرئاسي الاميركي جورج ميتشل، ابلاغ دمشق ان هذا الامر هو "الطريق الى حرب مماثلة لحرب إسرائيل وحزب الله في تموز 2006".

بالتوازي، انكبت الدوائر العسكرية الاسرائيلية في البحث عن رد على تسريب السلاح، وكان من بين الاقتراحات استهداف هدف داخل دمشق هو عبارة عن "شاحنات وناقلات رسمية" تعتقد تل ابيب انها تقلّ الصواريخ الايرانية، غير ان اي قرار لم يتخذ، خشية ردة فعل على اكثر من جبهة ستأتي بعكس ما تريده اسرئيل، وخصوصا بعدما تبيّن لها جدية التهديد السوري والاستعدادات الميدانية واللوجستية لـ "حزب الله" في لبنان، وحركة "حماس" في غزة والضفة الغربية.

الدور الياباني

على هذه الخلفية، تراكمت الرسائل والوساطات الى ان خفّت حدة التوتر، بالتزامن مع عودة المفاوضات الاميركية – الايرانية غير المباشرة من خلال قنوات عدة ابرزها طوكيو. اذ ذكرت التقارير الاستخبارية الغربية انه في اليوم الذي عقدت في دمشق "قمة الحرب" بين الرئيسين بشار الاسد ومحمود احمدي نجاد والامين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصر الله، كان وزير الخارجية الايرانية منوشهر متكي يزور توكيو بحثا عن مخرج للملف النووي الايراني، مع علم رئيس الديبلوماسية الايرانية ان اليابان هي من الدول الاكثر اعتراضا على عزل ايران او ضربها.

نجح اليابانيون – تضيف التقارير- في فتح كوة صغيرة بين الولايات المتحدة الاميركية والجمهورية الاسلامية، وفي ملء الوقت الضائع بحوار غير مباشر (بالتوازي مع البحث الاميركي عن اجماع دولي روسي – صيني على مبدأ العقوبات صضد ايران) اعطي مهلة ثلاثة اشهر تنتهي في حزيران (يونيو) المقبل وقابلة للتمديد في حال تلمّس الطرفان جدية في آليات البحث وعناوينه، وخصوصا بعدما تبيّن لطوكيو ان "طهران ليست مستعجلة لفتح جبهة حرب استباقية في ضوء تراجع التهديد الاميركي"، وان "واشنطن مستمرة في نهي تل ابيب عن اي ضربة ضد مواقع ايرانية سواء كانت في نووية او تكتية في طهران، او إسنادية في بيروت"، في اشارة الى "حزب الله"!

انفراج في لبنان!

واكب المسؤولون في بيروت كل هذه المناخات، من اعلى درجات التوتر الى اقصى مندرجات الهدوء. وكانت الزيارات الخارجية المتعددة التي قام بها كل من رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ورئيس الحكومة سعد الحريري، احدى الوسائل للبقاء على تماس مباشر مع التطورات الاقليمية ولايصال وجهة النظر اللبنانية الى عواصم القرار، ولتلقّف اي بادرة انفراج، وللضغط قدر الامكان في اتجاه انتزاع تطمينات لإبعاد اصداء التوترات الدولية والاقليمية عن المساحة اللبنانية.

وكان ان نجح المسؤولون في شرح الموقف اللبناني الرسمي، وفي صوغ صورة حقيقة عن الاوضاع الداخلية وعند الحدود مع اسرائيل، وفي جعل بعض العواصم تتفهّم المنطلقات اللبنانية في لجم اي تدهور، ونسج نوع من مظلة دولية تقي لبنان التقلبات.

تأسيسا على هذا الانفراج الاقليمي، يعتقد المراقبون في بيروت ان الاشهر الثلاثة المقبلة ستشكل مساحة استرخاء في لبنان، وستؤسس لانجاز عدد من الاستحقاقات من بينها قانون الموازنة والزيارة الرسمية لرئيس الحكومة الى دمشق على رأس وفد حكومي لمعالجة الملفات المشتركة في الاتفاقات السارية المفعول او الملعلقة او المنوي توقيعها.

ويشير هؤلاء الى ان هذه المساحة الايجابية قد تكون المدخل لاعادة تفعيل العمل الحكومي، اثر شلل واضح يحكم اداء حكومة الانماء والتطوير نتيجة مجموعة من التناقضات والتباينات في الرؤى والآليات التنفيذية، مما يؤدي حكما الى تراجع الضغط الاقليمي لتغيير هذه الحكومة مع مطلع تموز (يوليو) المقبل، كما رجّح وروّج اكثر من مصدر على تواصل مع عواصم معنية بالشأن اللبناني، بغية اعادة خلط الاوراق اللبنانية، في محاولة لتكريس معادلة جديدة تقوم على ما يبدو على محاصرة ما تبقى من قوى الرابع عشر من آذار (مارس) وفكّ ترابطاتها.

..وانتخابات

ويلفت المراقبون الى ان "حزب الله" كان من ابرز الداعين والمطالبين بتعليق الانتخابات البلدية والاختيارية وارجائها الى حين اتضاح الصورة الاقليمية ومآل التهديدات وتصاعد التوتر، وهو لم يتوان عن البحث في مسببات إرجائها مع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة يوم كان هذا التوتر الاقليمي في حده الاقصى، الا ان الانفراج النسبي كان سببا رئيسا في تثبيت هذا الاستحقاق في موعده، فنسج "حزب الله" وحركة "امل" تفاهما انتخابيا شاملا، وصارت الانتخابات امرا واقعا، بفعل قرار محلي – اقليمي كبير بالافراج عنها، اثر الانفراج المتوقع ان يستمر حتى الصيف المقبل، وربما الى ما بعد الصيف في حال ظلت الامور على حالها من الاسترخاء النسبي.

ويلفت المراقبون الى ان كل ذلك تقاطع مع رغبة عارمة لدى رئيس الجمهورية بالا يُطبع عهده، بأي شكل من الاشكال، بطابع ارجاء استحقاق دستوري، وهو كما حرص في حزيران (يونيو) 2009 على انجاز استحقاق الانتخابات النيابية على رغم كل مناخات التشنج التي سبقته وواكبته، يحرص راهنا على انجاز الاستحقاق البلدي والاختياري في موعده، التزاما منه بقسمه على حماية الدستور، وبتثبيت مبدأ تداول السلطة وعدم مصادرة قرار الرأي العام الذي عادة ما لا تتيح له القوى السياسية والحزبية فرصة التعبير عن رأيه وتوجهه وهواجسه تحت ذرائع ومسميات شتى، تصب كلها في خانة مصادرة قرار الرأي العام، بهدف ابعد هو الابقاء على السلطات المحلية محميات انتخابية ومالية يوظّفها اهل السياسة في خدمة مشاريعهم الانتخابية ومراكمة مكتسباتهم.

الاثنين، 29 مارس 2010

Sphere: Related Content

صارت المعطى الاهم لبنانيا وقد تُجمّد ملفات كثيرة في طليعتها التبديل الحكومي

المحكمة الدولية الى عين الحقيقة؟!

المحكمة لم تتراخ يوما لكن طبيعة عملها فرضت احيانا الابتعاد عن الضوء

القضاء جرّم مجموعة الـ 13 بتهمة الانتساب الى القاعدة وتأليف عصابة مسلحة

ينشر في "الاسبوع العربي" في 5/4/2010

في الذكرى الاولى لبدء عملها في الاول من آذار (مارس) 2009، سجلت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان زخما في عملها تمثّل في العدد الكبير من الشهود الذين استمعت اليهم في مقرها القديم –الجديد في المونتفردي وفي مبنى مبنى "دبي إسلام" في وسط بيروت (لمن تم استدعاؤهم) وفي اماكن اخرى (منازل او مكاتب ومؤسسات، ومنها وسائل اعلامية مكتوبة).

لم تتراخ المحكمة الدولية او مكتب المدعي العام يوما في عملهما، كي يُسجَّل لهما عودة مزخّمة. فطبيعة العمل اداري والتحقيقي والقضائي والقانوني، وخصوصا على مستوى برامج حماية الشهود، كان في بعض الاحيان يفرض ابعاد المحكمة والادعاء الدولي (او ابتعادهما) عن الواجهة الاعلامية. لكن ما ان يعود عملهما الميداني حتى يُعادا الى الضوء، مع ما تُرتِّب عليهما العودة من ملابسات تأتي في معظم الاحيان على شاكلة حملات محمومة.

التصوير ثلاثي الابعاد

آخر ما سجل من العمل الميداني للمحكمة، قيام فريق جنائي تابع لها يضم 11 خبيراً بعملية تصوير ثلاثي الأبعاد لمسرح الجريمة أمام فندق السان جورج. وهذا النوع من التصوير يُجرى في لبنان للمرة الأولى، استكمالاً لعمل فريق لجنة التحقيق الدولية في إنجاز التحقيق الخاص، وتمهيداً لصدور القرار الاتهامي عن المحكمة. ومن المعلوم ان أهمية تقنية التصوير ثلاثي الأبعاد في إعادة تجسيد مسرح الجريمة بصورة حقيقية وحيّة، سعيا إلى تكوين مسرح الجريمة، وهي تشكل دعماً بصرياً للوقائع في القرار الإتهامي وستعرض على المحكمة.

وتقول الناطقة باسم مكتب المدعي العام في المحكمة الدولية راضية عاشوري ان "أحد الأعمال المهمّة للتوصّل إلى حلّ أيّ جريمة هو توثيق مسرحها، فهي تتيح تقنيّة المسح الثلاثي البُعد عن طريق الليزر التوثيق الشامل والسريع وشبه الكامل لمسرح الجريمة. كما تكمن ميزة هذه التقنيّة في الحصول على مقاييس وبيانات أكثر دقّةً لمسرح الجريمة يمكن استعمالها لتقديم الخلاصات التقنيّة والجنائيّة للادّعاء على أساس إعادة خلق مسرح الجريمة من خلال التصوير الثلاثي البُعد. وبما أنّ صورة واحدة تساوي ألف كلمة، تسهّل هذه التقنيّة على جميع المعنيّين الاطلاع بصريًّا على المعلومات وفهم ماذا جرى في مسرح الجريمة".

حزب الله والشهود

بالتزامن، عاود فريق من المحققين مسح أقوال الشهود الذين أدلوا بإفاداتهم أمام لجنة التحقيق قبل تأليف المحكمة، واستمع الى عشرات الشهود الجدد، بمواكبة عسكرية وأمنية لبنانية لافتة.

ونقلت احدى وكالات الانباء الاجنبية في الخامس والعشرين من آذار (مارس) عن مسؤولين لبنانيين أن محققين دوليين استجوبوا عناصر من "حزب الله" فيما يتعلق بقضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في العام 2005.

وقال المسؤولان، أحدهما أمني والآخر قضائي، إن فريقا من المحكمة الخاصة بلبنان، ومقرها هولندا أجرى مقابلات مع عدد من عناصر حزب الله في بيروت بين عشرات الأشخاص الآخرين.

وقال المسؤول القضائي إن المحققين كانوا يتحدثون إلى الأشخاص الذين قد تكون لديهم معلومات عن الجريمة.

وقالت الوكالة ان المسؤولين تحدثا شريطة عدم ذكر اسميهما نظراً لحساسية القضية.

من الواضح ان غرض التحقيقات والاستجوابات وجلسات الاستماع التي تكثفت في الآونة الأخيرة تعزيز القرائن والأدلة الموجودة ومقاطعتها مع الوقائع، قبل بدء إعداد القرار الاتهامي.

وفي حين اكد رئيس تيار "التوحيد" الوزير السابق وئام وهاب واقعة استدعاء المحكمة عناصر من "حزب الله"، قال النائب علي فياض إن حزب الله سيتعاطى مع ما يحكى عن تورط عناصر منه في ملف اغتيال الرئيس رفيق الحريري على أنها موضوع رواية إسرائيلية. واضاف: "في موضوع المحكمة الدولية وتسريبات المحكمة الدولية ولائحة الأسماء التي تضمنت أسماء عناصر في حزب الله فهذا الصنف من التسريبات خلال الفترة الماضية منذ رواية دير شبيغل ليس بجديد وهناك شيء من التسريبات والتداول غير الرسمي والأخبار المسيسة التي تستهدف حزب الله. وتابع: حزب الله يعتبر نفسه غير معني بموضوع المحكمة، لكنه دائما كان يبدي الخشية من التسييس، ومن التجارب الأولى للمحكمة (القاضي الالماني ديتليف ميليس) صار هناك نوع من التوافق العام على أنها لم تكن تجربة موفقة فقد جرى خلط المسار القضائي بالسياسي.

وعلى رغم هذه التوضيحات، نُسب الى مصادر معنية أنّ "حزب الله" لن يمانع من توجيه أي اسئلة إليه "شرط أن تكون ضمن آليات يضمن بموجبها عدم المس بأمنه أو أمن عناصره مهما كانت رتبهم". وذكرت هذه المصادر ان "حزب الله يرفض أن يشار اليه باصبع الإتهام وهو سيظل يعتبر أن أي غمز من قناته في هذه القضية إنما هو فعل إسرائيلي بامتياز، وأنه مستهدف بكل الوسائل وعبر كل الجهات للنيل منه كيفما اتفق".

مجموعة الـ 13

وكان لافتا، في حمأة هذه الدينامية التحقيقية الدولية، اصدار المحكمة العسكرية في الاسبوع الاخير من آذار (مارس) أحكامها في حق عناصر ما بات يُعرف بـ "مجموعة الـ 13" المنتمية الى تنظيم "القاعدة"، والتي تردد ان أحد أعضائها، المدعو فيصل أكبر، اعترف بعد توقيفه مع عناصر جهادية اخرى أوائل العام 2006، بمسؤولية ما للمجموعة عن اغتيال الحريري، قبل ان يعيد كامل الاعضاء الموقوفين نفيهم لما ما نسب اليهم في هذا الشأن.

وتراوحت احكام المحكمة العسكرية بين سنتين وعشر سنوات بتهم محاولة القيام بأعمال ارهابية والانتماء الى تنظيم "القاعدة" وتأليف عصابة مسلحة بقصد ارتكابات الجنايات ونقل الأسلحة وأجهزة لاسلكية وحقائب وغيرها، ما فسّرته مصادر حقوقية سقوطا لما نُسب الى هذه المجموعة من مسؤولية عن عملية الاغتيال، وما تراكم على هذه "المسؤولية" من تحليلات وتفسيرات وتأويلات ذهبت حد وضع سينارويات واتهام جهات، تارة بالفبركة وطورا بتلفيق الشهود.

اشياء دسمة

ومع تقدم حديث المحكمة الدولية، يسود انطباع بأنها صارت المعطى الأهم الذي دخل على خط الحسابات والمواقف السياسية أخيرا، ومن شأنها ان تجمّد الكثير من العنواين، من الخلافات في السياسة والاقتصاد والاجتماع الى همس الصالونات عن تغيير او تبديل حكومي جزئي.

ويرى مراقبون ان مردّ الاهتمام بالمحكمة الدولية امران:

-الوقائع والتطورات المتسارعة التي تركت انطباعا واسعا ان في جعبة المحكمة اشياء دسمة قد تترجم بتزخيم العمل على القرار الظني.

-التسريبات عن اوجه محددة في التحقيق الدولي واستعادة افرقاء في قوى الثامن من آذار (مارس) رواية مجلة "دير شبيغل" الألمانية لدلالة علة ان ثمة من يستهدف "حزب الله" مجددا، بعد القفز فوق الاتهام السوري.

ولا تخفي جهات في قوى الرابع عشر من آذار (مارس) الخشية من ان تتحوّل تطورات المحكمة الدولية استحقاقا بارزا واحد مصادر القلق للمرحلة الآتية، من دون ان تغفل هذه القوى الاشارة الى امكان وجود رابط بين هذه التطورات والحملة السياسية التي تصاعدت أخيرا ضد المؤسسات الأمنية والسياسية ورئاسة الجمهورية في هجوم استباقي ووقائي.

لعبة الامم

في المقابل، تحذر قوى الثامن من آذار (مارس) من "خطورة استحضار ملف المحكمة الدولية لزجه في الوضع اللبناني مع ما يحمله هذا الملف من توترات وتجاذبات وملفات خطرة، ومن عودة "لعبة الأمم" التي سبق لرئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط التنبيه منها.

وتذكّر هذه القوى بأحد خطب الامين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصر الله الذي سبق ان المح في الاول من ايار (مايو) 2009 الى وجود 3 شخصيات للمدعي العام الدولي دانيال، بحديثه عن بلمار الاول وبلمار الثاني وبلمار الثالث "الذي لا نعرف عنه شيئا، فهل يكون بلمار الاول او بلمار الثاني؟". ووجه نصر الله سيلا من الاسئلة: "كيف سيتصرف المدعي العام والمحققون الدوليون في المرحلة وأي مسارات سيسلكون في التحقيق وكيف سيتصرفون مع ما يقدم من شهود ومن شهادات ومن معطيات؟ هل سيتصرفون بشكل علمي وتقني؟ هل سترتكب نفس الأخطاء التي إرتكبت خلال الأربع سنوات من التحقيق الدولي؟ هل ستوجه من جديد اتهامات لأشخاص جدد بلا دليل وبلا حجة أو إستنادا إلى شهود زور ليطلق سراحهم بعد أربع سنوات جديدة ويضيع من عمر قضية الرئيس الشهيد والحقيقة أربع سنوات جديدة؟ أم سيتم التدقيق بالدليل والحجة والشهود بشكل علمي وموضوعي بعيدا عن الاتهامات الجاهزة والمسبقة؟ هل ستبقى آذان المحققين الدوليين والقضاة في المحكمة الدولية مفتوحة أمام الذين صنعوا محمد زهير الصديق وكتبوا السيناريوهات وقدموا شاهد الزور تلو الآخر أم ستسد أمامهم الأبواب والأذان وأنهم سيحاسبون على تضليلهم للتحقيق على مدى أربعة اعوام؟".

وتتحدث هذه القوى عن "مفاجأة تتعلق بالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان، سيعلن عنها قريبا، وستتناول أمورا جديدة وصادمة للرأي العام، ستليها إطلالات اعلامية مكثفة لمواكبة هذه المفاجأة، بعد احتجاب طوعي عنه بغية التركيز على موضوع المحكمة الدولية".

وتقول هذه القوى ان "معطيات هامة سيعلن واحد من الضباط الأربعة (او اكثر)، كانت مخفية عن لجنة التحقيق وتم تجاهلها، مما سيدفع بالمحكمة الدولية إلى إعادة تصويب مسارها نحو كشف الحقيقة".

وتربط هذه المعطيات بما ورد من تلمحيات في التقرير الاول لرئيس المحكمة الدولية الخاصة بلبنان انطونيو كاسيزي عن وجود "تقدم ملموس حول الفاعلين"، لتخلص قوى الثامن من آذار (مارس) الى ان "هناك خيوطا جديدة توصّل إليها التحقيق حول هوية الانتحاري أو المجموعات التي نفذت الجريمة، وأن هناك ملابسات شابت عملية التحقيق في السابق".