الأحد، 26 أبريل 2009

Sphere: Related Content
3 اشارات خَطَب فيها ود الثنائية الشيعية سبقتْ الفيلم الخليوي
جنبلاط الى الوسط بعد الانتخابات .. وبري الى جانبه؟
ديْريون امطروا سنترال المختارة بالاتصالات المستنكرة

ينشر في "الاسبوع العربي" في 4/5/2009
يظهر بإطراد، في الافق السياسي المحلي كما الاقليمي والدولي، مدى اهمية الانتخابات النيابية العامة في السابع من حزيران (يوليو) المقبل. فبالاضافة الى "مصيريتها" بالنسبة الى البعض واعتبار البعض الآخر انها استحقاق عادي، تبقى مفصلا اساسيا في الحياة السياسية اللبنانية لا سيما انها الاستحقاق الديموقراطي الاول لتجديد الطقم السياسي بعد الازمة التي عصفت بالبلاد قرابة الاعوام الثلاثة وتعثر انتخاب رئيس للجمهورية لنحو عام. وفي ظل كل التوقعات والخطب الانتخابية الملوحة بالحصول على الاكثرية النيابية على ضفتي المعارضة والموالاة، الا انّ المرتقب والمرتجى بالنسبة الى الكثيرين هو ان تفرز الانتخابات كتلة "وازنة" من النواب من خارج الاصطفافات السياسية، قد تكون الحل لتوازن النظام السياسي خصوصا في وقت الازمات.
في زمن الروتين السياسي، يبقى رئيس "اللقاء الديموقراطي" النائب وليد جنبلاط نجم الساحة المحلية وخارق جدران الرتابة، فكيف بالاحرى في زمن انتخابات انتزعت منه الكثير ارضاء لحلف 14 آذار (مارس) و"على مضض" كما اعتاد ان يصف، في خطبه الاخيرة، الوضع الذي "اجبر على تقبله". وفي خضم التقلبات الجنبلاطية التي اعتاد عليها الرأي العام اللبناني، يظهر لغالبية المراقبين انها ليست المرة الاولى التي يغرّد فيها النائب جنبلاط خارج سرب قوى 14 آذار (مارس) في بعض المواقف المهمة التي تنسحب بشكل مباشر على النان واهله. فبعيدا من آخر توصيف له في حق الموارنة، حلفاء كانوا ام خصوما في السياسة، وبصرف النظر عن التبرير الذي اعطي لاحقا، يستعيد هؤلاء المراقبين رسالة التهنئة التي بعث بها جنبلاط الى الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد عشية ذكرى 14 شباط (فبراير) الفائت، والتي كانت بارزة في التوقيت، لانها تزامنت مع وضع اللمسات الاخيرة على التحضيرات الجارية لحشد اكبر عدد ممكن من اللبنانيين في ساحة الشهداء في الذكرى الرابعة لاغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
خلّفت هذه الرسالة، التي لم يأت جنبلاط فيها على ذكر الامام الخميني على رغم ان العنوان الذي اوجب ارسالها هو التهنئة بالذكرى الثلاثين لقيام الثورة الاسلامية على ايدي الامام الخميني بالذات، تساؤلات لم يستطع الاجابة عنها الكثير من المحللين، كونها لا تصب في مصلحة زعيم المختارة ولا في مصلحة قوى 14 آذار (مارس)، وخصوصاً لناحية التوقيت، اذ ان جنبلاط كان يمطر بإنتقاداته المحور السوري- الايراني وخصوصا ايران، الداعم الاول لـ"حزب الله"، في سياق مناداته بحصرية السلاح بيد الدولة وانتهاء دور المقاومة العسكري.
ويلفت المراقبون الى انّ الاشارة الثانية التي اطلقها، كانت قوله ان لا حاجة الى التهدئة بينه وبين "حزب الله" لان التهدئة تكون عادة بين الاعداء، وليس هناك من عداوة بين الطرفين، معتبرين ان هذا الموقف يمكن فهمه، نظراً الى التقارب الحاصل بين الطرفين، والذي بدأ بلقاء جنبلاط- محمد رعد ولا يستبعد ان يتوّج بلقاء جنبلاط- السيد حسن نصرالله.
اما الاشارة الثالثة فتضمنها الخطاب الذي القي في ذكرى 14 شباط (فبراير)، حيث ركّز على ان التهدئة ليست هي المطلوبة في البلد، بل اعتماد سياسة الحوار. وقال ايضاً: لا تسوية على استكمال ملف المهجرين وحق الجنوبيين وتسليح الجيش واعمار البارد.
هذه الاشارات الثلاث في غضون فترة قصيرة، تظهر بما لا يقبل الشك التودد الجنبلاطي للطائفة الشيعية المتمثلة بثنائية "حزب الله" و "حركة امل". اما التقرب من "حزب الله" فكان في الاشارتين الاوليتين، فيما برز التقرب من حركة "امل" في القسم الاخير من الاشارة الثالثة لجهة حق الجنوبيين اي موازنة مجلس الجنوب ووجوب تأمينها، اضافة الى تأمين موازنة ملف المهجرين. وهذا ان دل على شيء، فعلى الاهمية الكبيرة التي يعلّقها جنبلاط على الثنائية الشيعية في الانتخابات المقبلة، وعلى دورها الفاعل ورغبته الحقيقية في التحالف معها في اكثر من منطقة، وخصوصاً في الجبل.
ظهور التشققات
من الواضح ان الانعطافة التي يظهر عليها زعيم المختارة تترك هواجس كثيرة عند تحالف قوى الرابع عشر من آذار(مارس). فهي برزت اول ما برزت بعد انتخاب الرئيس الاميركي باراك اوباما في شباط (فبراير) الفائت، وكرسها جنبلاط في حديث الى صحيفة معارضة ما لبث ان تراجع عنه بذريعة ان المجالس كانت في الامانات وان ما نقل عنه لم يكن معدا للنشر وللعلن. في حينه، تناول جنبلاط كل حلفائه من سعد الحريري الى امين الجميل وسمير جعجع ودوري شمعون. والكلام اياه ورد في صيغة اكثر قساوة في الفيلم الخليوي الذي صوّر قبل نحو شهر، وتعددت الروايات عن مصوّريه ومسربيه.
في هذا السياق، يرى قطب بارز في المعارضة انّ جنبلاط يسير عكس تيار 14 آذار (مارس) رويدا رويدا من دون ان يكسر الجرة فجأة، "في سياسة جنبلاطية معتادة لحماية الموحدين الدروز من انعكاسات السياسة الدولية الجديدة تجاه المنطقة والتي يتوقعها جنبلاط سلبية فيما لو بقي في موقعه السياسي الراهن او كما كان في الفترة السابقة "رأس الحربة الاساسي والقائد الحقيقي لحلف قوى الرابع عشر من آذار (مارس)".
ويقول القطب المعارض: في وقت ينادي العديد من اركان قوى 14 آذار (مارس) بالوقوف في وجه نفوذ "حزب الله"، والتعبئة ضد هذا الحزب وحركة "امل" كي لا يحصلا على نسبة كبيرة من الاصوات في الانتخابات، يغرّد جنبلاط خارج هذا السرب وهذا ما يظهر اقله في تودده الاخير تجاه "حزب الله" والعلاقة المتميزة مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري والغزل المتبادل الذي لم ينقطع بينهما، حتى في احلك ظروف الاصطفافات والتشجنات بين فريقي 8 و 14 آذار (مارس) في فترة الازمة الطويلة بين العامين 2006 و2008، والتي انتهت باتفاق الدوحة وانتخاب رئيس للجمهورية. ويسأل القطب: هل هذا يعني ان التشقق ظهر الى العلن لدى قوى الموالاة، كما حصل العام الفائت حين اعلن الحريري انه لا يوافق على ما قاله جنبلاط وجعجع في مهرجان 14 شباط (فبراير)؟
قارئ بارع
في الضفة المقابلة، يشدد مصدر محايد وذو خبرة في العمل السياسي على انّ الواقع مغاير لذلك تماما، "اذ ليس بالضرورة ان تكون مواقف جنبلاط الاخيرة منطلقا لاعادة تموضع كاملة في صفوف 8 آذار (مارس) لا سيما بعد الانتخابات النيابية المقبلة كما يتوقّع الكثيرون". ويقول: ان ما يمكن الوثوق به هو ان جنبلاط لن يتردد في ابعاد نفسه عن اي تيار يشدّه الى ما يشكل خطراً على وجوده ونفوذه، لو لفترة قصيرة، ليعود بعدها عندما تصطلح الاوضاع الى المكان الذي انطلق منه. فالزعيم الدرزي قارىء بارع لتطور الاوضاع، وبدأ يرى ان المحور الايراني لم يعد منبوذاً، وهو سيكتب مرحلة جديدة بفضل الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في حزيران (يونيو) المقبل. من هنا، يمكن تفسير التقرب الجنبلاطي من ايران، من دون كسر القواعد.
اعادة تموضع في الوسط؟
وفي ظل استبعاد بقاء زعيم المختارة حيث هو راهنا كما استبعاد انقلابه على موقعه الراهن بالانتقال جذريا الى ضفة 8 آذار (مارس) بعد الانتخابات النيابية المرتقبة، يبرز تحليل يستحق التوقف عنده مفاده انّ جنبلاط يسعى بعد الانتخابات الى ايجاد موقع له في "الوسط" الذي يرتقب ان ينبع من "الكتلة الوازنة" التي يعوّل عليها لدعم وتبني توجهات رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان والسياسة التوفيقية التي ينتهجها. ويقارب هذا التحليل علاقة جنبلاط- بري في هذا السياق، معتبرا انّ الغزل بين المختارة وعين التينة يعود الى تنسيق ضمني في موضوع "الكتلة الوازنة" كما في موضوع "الصناديق"، واخيرا في تلقف بري لكلام جنبلاط الاخير في حق الموارنة ومحاولة تبريد السخونة السياسية التي نتجت منه.
الا ان العامل المتعارض مع هذا التحليل هو شريط الفيديو الاخير الذي ابرز "كلاما مسيئا" لجنبلاط في حق الموارنة وهو ما يتعارض مع محاولته التمركز في الوسط بعد الانتخابات. فكلامه اثار انزعاج الشارع المسيحي، بحيث بلغ هذا الانزعاج مستويين لا بد من معالجتهما سريعا وبلا تحفظ، بشكل يُعيد خلط النبيذ الحاد ببعض الماء لإستقامة ما يمكن اصلاحه، حتى السابع من حزيران (يونيو):
-اولهما البطريرك الماروني الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير الذي سمع زواره امتعاضا عالي اللهجة، وهو الكلام اياه الذي سمعه الوزير وائل ابو فاعور في زيارته لبكركي.
-وثانيهما بالنسبة الى الموارنة عموما وموارنة الشوف تحديدا، وفي احدى الروايات ان اهالي دير القمر امطروا سنترال المختارة بالاتصالات الهاتفية المحتجة والمطالبة بموقف واضح من "الاساءة"، مع تذكير السامعين بالعلاقة التي طالبما ربطت آل جنبلاط الدروز بآل البستاني الموارنة، وخصوصا زمن الست نظيرة والمطران اوغسطينوس البستاني!
في ظل كثرة المتغيرات والتبدلات في مواقف جنبلاط، هل تصدق قراءته السياسية وتوقعاته بحصول تحولات في المنطقة، ام واجب الانتظار حتى حزيران (يونيو)؟

الأحد، 19 أبريل 2009

Sphere: Related Content
"الاقتراع للمستقلين يعزز الاستقلال والقرار الحر ومشروع الدولة القوية"
تقرير غربي: 5 عناصر تحمي لبنان من نتنياهو
اوروبا تنشط على خط لبنان... والسلام "أسير" الحكومة الاسرائيلية المتشددة
جهد اوروبي يقابل مسعى ميتشل.. وضمور في مؤشر النجاح تحت وطأة التعقيدات

ينشر في "الاسبوع العربي" في 27/4/2009
ازدحمت المساحة اللبنانية، اخيرا، بحركة اوروبية كثيفة. فتوالت زيارات مسؤولين اوروبيين بعناوين سياسية واقتصادية مختلفة. الا انّ العامل الجامع بين هذه الزيارات يبقى السعي الاوروبي الحثيث الى استعادة دور اكثر من فاعل في المنطقة من خلال اعادة التواصل مع بلدان عدة عبر البوابة اللبنانية. فاستطلاع الاوضاع المحلية، لا سيما عشية الانتخابات النيابية في السابع من حزيران (يوليو) المقبل، كما استكشاف امكان تعزيز التعاون مع لبنان، يندرج في اطار محاولة المضي قدما في تنفيذ الخطة المرسومة للشرق الاوسط مع التغيرات السياسية الطارئة على المسرح الدولي، والتي تبرز اندفاعا غير مسبوق الى تحقيق تقدم ملموس في عملية السلام في المنطقة.
فتح الرقاد الاميركي الذي نجم من المواقف التي كان اتخذها الرئيس الاميركي السابق جورج بوش، قابلية الدول الاوروبية على التنافس لنيل دور اساسي وفاعل في المنطقة في ما خص عملية السلام وامكان التوصل الى تفاهم معيّن على اي مسار مع اسرائيل اكان من البوابة السورية او اللبنانية او الفلسطينية او حتى على مستوى المبادرة العربية التي باتت في ذاتها مدار تباين عربي. ويظهر ان السباق الاوروبي ينحصر بشكل رئيسي بين فرنسا، التي لا تفوّت فرصة للتدخل بقوة في اي مسألة في المنطقة، وايطاليا التي تسعى بدورها الى القيام بكل ما يلزم لتثبيت موقع لها في المنطقة. من هنا، تبرز الزيارة الاخيرة التي قام بها وزير الخارجية الايطالي فرانكو فراتيني، والتي بدت كأنها استكمال للسياسة التي اطلقها رئيس الوزراء الايطالي السابق رومانو برودي في لبنان من خلال النشاط الفاعل له في خلال الازمة اللبنانية، فيما وسّعت الحكومة الايطالية بقيادة سيلفيو برلوسكوني عملها لتشمل سوريا وغيرها من الدول في مسعى للتذكير برغبة ايطاليا في البقاء ضمن اللعبة الدولية وعدم ترك المجال واسعا امام اللاعبين الآخرين للتفرد.
نشاط اوروبي لتقويض ميتشل؟
وبنظر الكثير من المراقبين لاتجاه الرياح السياسية على الساحتين الاقليمية والدولية، فانه من نافل القول ان الكلام الذي اطلقه الوزير الايطالي عن معاودة المفاوضات الاسرائيلية-السورية يشير بشكل مباشر الى رغبة الجميع في تحقيق مكسب ما في المنطقة من خلال الرياح التي تنشط على صعيد السلام، في مواجهة الحكومة الاسرائيلية الاكثر تشدداً والتي يجاهر فيها وزير الخارجية افيغدور ليبرمان بعدم رغبته في السلام، وسط كلام اسرائيلي بأن هذا الموقف قد يلقي ببعض الضبابية على العلاقات بين تل ابيب وواشنطن، وتاليا بينها وبين الدول الاوروبية التي ترغب في التوصل الى صيغة مقبولة لحل في المنطقة.
من جهة اخرى، يعتقد المراقبون ان التسابق الاوروبي على المنطقة، من شأنه ان يقوّض جهود المبعوث الاميركي لعملية السلام جورج ميتشيل الذي يبدو أفقه ملبدا، والا لما كانت هذه الهجمة الاوروبية الشرسة، في وقت يظهر فيه المسؤولون الاميركيون كأنهم باتوا خارج اللعبة بعدما قاموا بواجبهم وفوّضوا ميتشيل "اختراع" حل للازمة الطويلة، على غرار ما فعل في ايرلندا. انما ما تحقق ونجح في ايرلندا قد لا يتحقق في الشرق الاوسط نتيجة التعقيدات التي يحفل بها الاقليم ودخول اكثر من بلد على خط الصراع. فالجميع متورطون في اللعبة، وليس من السهل تذليل العقد واحدة تلو الاخرى، خصوصاً ان احجامها متفاوتة وهي ترتبط بالتطورات الاقليمية والدولية المتسارعة.
اسقاط التنافس لبنانيا؟
وفي وقت يؤكد الكثيرون انّ المنطقة متجهة نحو مسار السلام مع عودة مناخ التفاهم والمصالحات على الساحة العربية المنقسمة بشدة في السابق بين محوري الاعتدال والممانعة، يخرق هذا المناخ التفاؤلي الواقعُ السياسي الاسرائيلي الجديد مع حكومة بنيامين نتنياهو التي جاهرت في اكثر من مناسبة بعدم رغبتها بالسلام وتصميمها على استعادة هيبة القوة الاسرائيلية تجاه الشعوب والانظمة العربية، لا سيما بعد حربي تموز وغزة.
وفي هذا الاطار يحذر مسؤول غربي قيادات عربية عدة من ان الحكومة الاسرائيلية الجديدة المتشددة برئاسة نتنياهو قادرة على تفجير الحروب والنزاعات المسلحة مع الفلسطينيين والعرب اكثر من قدرتها على تحقيق السلام معهم، معلنا ان هذه الحكومة لن تستطيع الاتفاق على موقف موحد بشأن طريقة حل النزاعات مع الفلسطينيين والعرب لكنها تستطيع الاتفاق بسرعة على تنفيذ هجمات كبرى ضد اهداف ومواقع لبنانية وفلسطينية وسورية وايرانية، خصوصا اذا ما اعطتها جهات كـ"حزب الله" و"حماس" وغيرهما من "قوى الممانعة" الذرائع والمبررات لاستخدام القوة المسلحة، واذا ما فشلت ادارة الرئيس باراك اوباما في التوصل الى تفاهم مع الجمهورية الاسلامية الايرانية في زمن قريب يقضي بوقف نشاطاتها ومساعيها لانتاج السلاح النووي.
واسقاطا لهذا الوضع على الواقع اللبناني، فانه يتأرجح بين الانفراج والتصلب في انتظار بلورة الصورة الاقليمية ونتائج المساعي الاميركية والاوروبية مع اسرائيل بشكل اساس، لا سيما انّ الساحة اللبنانية تبقى المتأثر الاول بنتائج الديبلوماسية الدولية على ضفافها الجغرافية:
1-فاما تشكل الانتخابات، اذا ما حصلت مفصلا عاديا، يفرض على الافرقاء بعدها واقع العودة الى لعبة التوافق السياسي نتيجة استمرار التوافق العربي والدولي على التهدئة، فلا تعود نتائج الربح او الخسارة تعني شيئا سوى انها مجرد ارقام،
2-واما تستعر الازمات من جديد في ظل "اكثرية" لا تستطيع الحكم و"اقلية" تطالب بالشراكة لاستتباب الوضع، مع امكان تبادل الادوار والمواقع بين الافرقاء.
نصيحة بضبط الحدود
في الموازاة يبرز تباين واضح بين السياستين الاميركية والاسرائيلية وخلافات كبيرة في وجهتي النظر حيال الفلسطينيين، لا سيما بعدما لمس جورج ميتشل في لقاءاته مع القيادة الاسرائيلية الجديدة عمق الفجوة بين الجانبين. ففي مقابل تأكيد ميتشل ان واشنطن تؤيد حل الدولتين، اشترط نتنياهو ان يعترف الفلسطينيون اولا باسرائيل "دولة يهودية".
الى ذلك تفيد مصادر ديبلوماسية غربية ان الولايات المتحدة ودول الاتحاد الاوروبي تتجه الى عدم التهاون مع اسرائيل اذا استمرت حكومتها في رفض تسوية نزاعها مع العرب على قاعدة إنشاء دولتين فلسطينية واسرائيلية، عاصمة الاولى الجزء الشرقي من القدس وفقاً لما رسمته اللجنة الرباعية الدولية في "خريطة الطريق"، وفي تفاهمات انابوليس. وهذا ما اعترف به الرئيس الروماني ترايان باسيسكو خلال محادثاته مع نظيره اللبناني ميشال سليمان، فهو قال ان للاتحاد الاوروبي دوره المهم في تسوية النزاع العربي – الاسرائيلي، لكن دعمه يستوجب ضماناً من الولايات المتحدة، مع الاخذ في الاعتبار حقوق الفلسطينيين والاسرائيليين.
وتلفت الى ان الرئيس الاميركي باراك أوباما "منزعج من تصلب الحكومة الاسرائيلية في رفض المفاوضات مع الدول العربية المعنية وفقاً لاقتراحه الذي يؤيده الاتحاد الاوروبي ودول أخرى فاعلة، وان ذلك سيؤدي في حال استمراره الى احد الامرين: إما ضرب خطة أوباما في الشرق الأوسط، الهادفة الى اعتماد الحوار بدلاً من العنف، واما الافساح في المجال امام حروب جديدة تستعد لها اسرائيل ضد لبنان بضرب المؤسسات الرسمية والمراكز الحيوية وأهداف عسكرية للمقاومة أينما وجدت، وبمعاودة الحرب على فلسطينيي غزة بحجة تعطيل مواقع عسكرية تستعمل ضد جيشهم".
وتنصح المسؤولين اللبنانيين بضبط الجبهة الحدودية مع اسرائيل لقطع الطريق على اي ردة فعل ضد لبنان في حال تنفيذ اي عملية من قبلها، مشددة على ضرورة السهر لان اسرائيل تستخدم شبكاتها في الجنوب اللبناني لاعطاء الذريعة لجيشها للرد بشن حرب كبيرة على لبنان يتجاوز الجنوب الى الداخل.
خطة حماية لبنان
الى ذلك، يبرز تقرير اعده مركز ديبلوماسي اوروبي يتضمن مجموعة اقتراحات، تشكل نوعا من خطة لحماية لبنان من استراتيجية الحكومة الاسرائيلية المتشددة، وابرز ما يتضمنه من نقاط:
-تأمين حماية لبنانية وطنية وداخلية والنأي بلبنان عن اي من المحاور ورفضه ان يتحول جزءا من استراتيجية التعاطي المباشر مع اسرائيل او اي من الدول الكبرى. فمصلحة لبنان تقضي بان يكون جزءا من المجموعة العربية ككل، ومن الخيار العربي العام المتمسك بمبادرة السلام العربية.
-امتناع اي من الاطراف اللبنانيين عن اعطاء اي ذرائع او مبررات لاسرائيل لفتح معركة مع لبنان، كما حدث في السابق. فما تريده حكومة نتنياهو هو العمل على اضعاف ايران وحلفائها ومن ضمنهم "حزب الله"، مما يعني ان اي عملية ينفذها هذا الحزب ضد الاسرائيليين ستخدم استراتيجية المواجهة مع الجمهورية الاسلامية وحلفائها. وسيدفع اللبنانيون حينذاك ثمنا باهظا لذلك.-العمل على انهاء دور لبنان ساحة مواجهة مفتوحة مع اسرائيل. ذلك انه ليست لديه القدرات والامكانات لان يبقى ساحة مواجهة خصوصا انه في نظر المجتمع الدولي لم يعد محتلا من جانب اسرائيل.
-تطبيق القرار 1701 الذي ينهي دور لبنان ساحة مواجهة ويدفع الى تسوية النزاع مع اسرائيل بالوسائل الديبلوماسية. كما يجب تبني استراتيجية دفاعية حقيقية يتم في اطارها "اقناع" حزب الله بوضع سلاحه في تصرف الجيش وبالتخلي عن قرار الحرب للدولة وحدها.
-تطوير علاقات لبنان مع المجموعة العربية وتعزيزها، وخصوصا مع الدول العربية المعتدلة، وكذلك مع المجتمع الدولي، من اجل تأمين حماية عربية – دولية تمنع تحوّله ساحة لحروب اقليمية مدمرة.ويتطرق التقرير اياه الى الانتخابات النيابية المقبلة، فشير الى انّ الاقتراع لمصلحة المستقلين في هذه الانتخابات سيعزز استقلال لبنان وقراره السيادي الحر ومشروع الدولة القوية بمؤسساتها الشرعية الفاعلة، كما يعزز السلم الاهلي والوحدة الوطنية ويؤمن شرعية داخلية قوية للحماية العربية – الدولية للبنان.

السبت، 11 أبريل 2009

Sphere: Related Content
المتن وجبيل تختصران سياسيا وروحيا صورة الواقعة الانتخابية في الدوائر المسيحية
نجاح توافقية سليمان رهن توفير آليات حكمه
عون – المر: واحد لا يستسيغ الجدل وآخر قيل فيه انه "لو لم يكن ارثوذكسيا لكان مكانه في بعبدا"

ينشر في "الاسبوع العربي" في 20/4/2009
تستعد كل الدوائر ذات الغالبية المسيحية الناخبة الى مواقع قاسية، متكئة على الانقسام السياسي – الحزبي – السوسيولجي الحاصل بين الجماعات المسيحية الروحية. وكل من القيّمين او المتصرفين على الدوائر ذات الحضور المسيحي يخال نفسه انه يختصر المعركة بشخصه او حزبه او مجموعاته. ويقدم المتن الشمالي وجبيل نموذجين عن هذا الصراع يختصران مشهدية التنافس الحاد، فالاول يعطي نموذجا مصغرا عن التنافس بين الجماعات المسيحية الروحية، والثاني يختصر عقودا من علاقة "التنافر" احيانا كثيرة بين الرئيس المسيحي والزعيم المسيحي!
يستعد المتن الشمالي الى واقعة طاحنة بين فريقين اشهرا العداء الانتخابي لبعضهما، واختصرا كل المعركة بهذة الدائرة المؤلفة من 8 نواب (4 موارنة، 2 روم أرثوذكس، 1 روم كاثوليك، 1 أرمن أرثوذكس)، والموزعة على 101 بلدة و348 قلما، وعلى نحو 22000 وحدة سكنية. فيما يقدّر الناخبون في العام 2009 بـ 168279، يقترع منهم، وفق التقديرات المتداولة، نحو 88763 بما نسبته 52.7% من مجمل عدد الناخبية.
اختصار المعركة على مستوى الدوائر المسيحية، بالمتن الشمالي ناتج من ان بعض التقديرات تنحو الى ان من يفوز بهذه الدائرة يفوز بالاكثرية على مستوى البرلمان، وكذلك بالشرعية الشعبية على المستوى المسيحي نظرا الى ان هذه الدائرة توازي اهمية دائرة كسروان -الفتوح وتفوق بالتأكيد دائرة زحلة، المتعارف انها عاصمة الكثلة في الشرق، لان المتن الشمالي خليط ارثوذكسي - ماروني – كاثوليكي – ارمني يشبه كل الدوائر المسيحية مجتمعة، حيث لكل من هذه المجموعات قيمة انتخابية قائمة بذاتها، وكل منها يشكل فارقا على مستوى الاقتراع.
يتوزع المقترعون المحتملون طائفيا، وفق الآتي: 46883 من المسيحيين (94%)، 1611 من السنّة (1.8%)، 1248 من الدروز (1.4%)، 77 من العلويين (0.1%)، في حين تبلغ نسبة الناخبين من الشيعة 2.6%.
الانتقال - الفارق
يأتي انتقال ميشال المر من ضفة الى اخرى، ليعطي الواقعة الانتخابية وقعا مغايرا للعام 2005، نظرا الى خبرته في ادارة هذا النوع من المعارك الحادة والشاقة والمقرِّرة.
يروي احد المقربين من المر انه حين عاد إلى مكتبه في مبنى العمارة قادماً من لقائه الأول مع العماد ميشال عون في منتصف أيّار 2005، ، لم يخفِ ارتياحه.
قبل لقاء الرابية الذي وُصف بالبروتوكولي من حيث الشكل، كان إمكان التحالف مع العماد عون مطروحاً في مجالس المر الخاصة، وكان يلقى استحساناً حتى لدى أولئك الذين كانوا على علم بحركة الوساطات القائمة بين المر وامين الجميّل والتي ظل الاخير ينفيها بإستمرار.
بعد نحو الشهر من هذا الاجتماع، انطلقت وتيرة الاتصالات بين الرجلين. وتولّى فؤاد الأشقر (احد مساعدي عون ورفاقه في حرب التحرير، والضابط الذي تدخّل "دولة ابو الياس" شخصيا من اجل اخراجه من السجون السورية في العام 1990) مسؤولية الاتصال بالمر والاتفاق على كثير من التفاصيل لكي لا يبقى الشيطان ساكن هذا الاتفاق، وثالثهما!
لكن على رغم كل الاتصالات والوساطات، ظل هذا التحالف موضعيا اقرب الى الإلتقاء الانتخابي. وعلى رغم ان المر ظل يجاهر بأنه يكن للعماد عون الودّ، فإن عون ظل حتى الامس يُمنن أبا الياس بأنه هو من انقذ نجله ووحيده من انتفاضة سمير جعجع وكريم بقرادوني على الياس حبيقة في مبنى الكرنتينا الشهير، فأخرجه من هناك بدبابة وأمّن وصوله الى اليرزة سالما سليما، على رغم التصاقه في حينه بحبيقة. كما ان قاعدة "التيار الوطني الحر" ظلت على وجَلٍ اقرب الى الخجل من هذا الالتقاء، نظرا الى التاريخ الشخصي المتأزم بينهما، والسهام المصوبة بإستمرار الى المر متهمة اياه بـ "العمالة" لسوريا وبالفساد السياسي وشخصنة المتن وجمع الحاشية على اساس المنفعة الشخصية، هذه الاتهامات التذي عُلّقت قبل اقل من شهر من تحالف العام 2005، وما لبثت ان استئنفت حتى قبل الانفصال في العام 2008.
دأب حزب الطاشناق مرارا في محاولة رأب الصدع بين المتصادِمَين. فلكيهما الفضل في ابقاء الحزب الارمني الاكثر انتشارا على قيد الحياة: المر مع بدء الجمهورية الثانية في العام 1990 وهو قدّم كل الحماية والعدة اللوجستية ليظل الطاشناق حيا ومن ثمّ طاغيا على القرار الارمني، وعون مع بدء جمهوريته في العام 2005 وهو احتضن هذا الحزب وجعله يعود سريعا الى تراثه في الالتفاف حول الزعامة المسيحية. لكن كل محاولات الطاشنق كانت تقود في النهاية الى الطريق المقطوع عينه: الصدام والافتراق. فلا عون يستسيغ الجدل واهله وانسباءه، ولا المر يرضى أن يكون الرقم 2، وهو الذي كُتِب فيه مرة في عزّ سطوته الانتخابية والسياسية ملِكا على عرش بلا تاج او صولجان: "لو لم يكن ارثوذكسيا لكان مكانه في بعبدا"(!)، وهو الذي اتخذ شعاره الشهير "ميشال المر لبنان".
اذن، هو الطبع الذي يغلب بإستمرار التطبّع. وهو نفسه الذي قاد الرجلين الى القطيعة الراهنة. وهو نفسه الذي سيفصل بينهما منتصف ليل السابع من حزيران (يونيو).
يجزم الاثنان بالفوز.
يجزم المقربون من عون ان المر اسرّ لدائرته المغلقة انه قد يكون تسرّع في اعلان الانفصال وان عون "ما طوّل بالو"، في حين يقول المقربون من المر ان لا كلام خارج صندوقة الاقتراع حيث الفصل و"عودة المتن الى العمارة".
جبيل: رمزية الرئيس والزعيم
تظهر انتخابات جبيل وقضائها هذه السنة قليلة الشبه بانتخابات العام 2005، انطلاقا من ان عوامل عدة جديدة حلّت من شأنها تغيير معطيات وركائز في الصورة النيابية الراهنة، ابرزها انفصالها عن كسروان وفق قانون الدوحة وانتخاب رئيس للجمهورية من بين اهلها.
في السيناريوات المتداولة ان بلاد جبيل قد تشهد منافسة بين اربع لوائح مكتملة (مارونيان وشيعي) من شأنها ان تربك التكهنات واستطلاعات الرأي الوفيرة في هذا القضاء، ذلك ان كثرة المرشحين تخلط مجمل الاوراق، وتجعل من الصعب استباق نتائج صناديق الاقتراع.
لا يسقط فريقا الصراع الانتخابي في القضاء من حساباتهما، عاملا مستجدا لم يكن حاضرا في العام 2005، وهو انتخاب الرئيس ميشال سليمان الذي جاهر تكرارا ان لا مرشح لديه في القضاء وانه لن يكون طرفا في المنازلة المتوقعة. لكن عامل تأثيره يبقى حاضرا، خصوصا ان احد المقربين منه النائب السابق ناظم الخوري اطلق ماكينته الانتخابية، وهو وان ينفي انه مرشح الرئيس سليمان، لكنه يعبّر صراحة عن انه سيكون الى جانبه في حال الفوز. وهذا الامر لا يزعج اطلاقا رئيس الجمهورية.
سُكب الكثير من الحبر عما اسمي تفاهم م.م. نسبة الى الميشالين، وكان لأمين سر تكتل "الاصلاح والتغيير" النائب ابراهيم كنعان ولرجل الاعمال نعمت افرام تحرك على مستوى الرجلين، لم يأت بنتيجة، فأخرج افرام نفسه من السباق راضيا بالحياد وبنسيبه وليد خوري في جبيل، في حين اغلق عون لائحتيه في كسروان وجبيل، فاتحا الباب واسعا امام معركة شبه محسومة في الاولى وشرسة ذات دلالة ورمزية زعماتية في الثانية.
عودة الى العشرات الثلاث؟
ليس خافيا ان اكثر من عاصمة ترتاح الى ان يكون لرئيس الجمهورية كتلة نيابية وازنة –لو غير معلنة- تحدّ من الاصطفاف الحاصل بين فريقين، وتتيح له الدور الذي يبغيه توافقيا وقادرا على حسم اي نزاع عندما يصل الى حدّ الطلاق كما تكرر مرارا ابان ازمة الاعوام الثلاثة الفائتة.
وثمة في عواصم القرار او بعضها رغبة واضحة بالدفع نحو توازن انتخابي بين فريقي الازمة بما يضمن دوراً أكبر لرئس الجمهورية ويسهّل وصول الكتلة الوازنة.
ومثّلت الزيارة الاخيرة للرئيس سليمان لباريس مؤشرا واضحا لوجهة النظر الداعية الى ان يكون له الدور المرجح في "جمهورية" ما بعد السابع من حزيران (يونيو)، وخصوصا في حكومتها الاولى، وباريس لم تخف –حسب اكثر من زائر لها – ارتياحها الى حكومة العشرات الثلاث التي شاع الحديث عنها كثيرا بين ايار (مايو) وتموز (يونيو) 2008، وكان عرابها في حينه رئيس مجلس النواب نبيه بري. ذلك ان هذه الحكومة تكرّس توافقية رئيس الجمهورية وقدرته على الحسم بحزم عند افتراق وجهات النظر، وتفوّت العطل السياسي والانتاجي الذي اعطب الحكومة الراهنة نتيجة توازنات الثلث المعطّل.
من الواضح ان رئيس الجمهورية – انى اتت صورة الانتخابات ومن ثم ثاني حكومات عهده – لن يألو جهدا لتحقيق ما يتيح له حدا ادنى من الحكم السليم. فتراه عند كل مفصل يشير الى ان انطلاقة الاصلاح هي حتما وحكما بعد الانتخابات، وهو الداري بمكّة وشعابها يدرك قطعا ان آليات الحكم تفترض ايضا حدا ادنى من الادوات والعناصر، بدءا بالحكومة وليس انتهاء بها. وخياره في حصته الوزارية الثلاثية الراهنة اثبت نجاعة مقبولة، يمكن ان يؤدي تطويرها وتكذلك تطوير مفهوم حصة الرئيس، الى تجربة حكم ناجحة. والرئيس في كل خطوة ووثبة له، يستعيد في الذاكرة عهد الاصلاح والتطوير زمن فؤاد شهاب. وهي تجربة لا يُخفى توقه اليها.



السبت، 4 أبريل 2009

Sphere: Related Content
رئيس الجمهورية تحدث عنه في مناسبتين بفارق اشهر .. وعناصره متاحة عربيا ودوليا
باريس فاتحت سليمان بتعديل الطائف واستعادة 4 صلاحيات رئاسية
تفهم خارجي لتعزيز موقع رئاسة الجمهورية بدأ التبلور منذ مداولات الدوحة 2008


ينشر في "الاسبوع العربي" في 13/4/2009
يختلف المفهوم والرؤية كما الدور بين "الرئيس القوي" و"الرئيس الحكم". فالاول هو الشخصية القوية والقاهرة، صاحبة الصلاحيات والنفوذ، الممسكة بزمام الحكم، اما الثاني فهو رئيس ذو شخصية وتاريخ قادر على ادارة الازمات بأفضل السبل ولعب الدور التوفيقي بين الاطراف للنأي بالبلاد عن اي مخاطر او شرور. بعد اتفاق الطائف والتعديلات التي ادرجت في الدستور اللبناني بات رئيس جمهورية لبنان، المنتزع الصلاحيات، "رئيسا حكَما" لادارة الازمات السياسية التي لم تكفّ عن لبنان منذ اعوام طوال، زمن الوصاية وزمن ما اصطلح على تسميته الاستقلال الثاني.
منذ انتخابه رئيسا في الخامس والعشرين من ايار (مايو) 2008 بعد ازمة سياسية حادة عصفت طيلة ما يقارب العامين، يستمرّ العماد ميشال سليمان محطّ انظار، محليا واقليميا ودوليا، ويشكّل محورا للحركة السياسية في الداخل اللبناني الذي يتحضر بكلّ قواه المتاحة والمباحة الى الاستحقاق الانتخابي في السابع من حزيران (يوليو) المقبل. وكما انّ الاقطاب والافرقاء تنازعوا على ترشيحه لرئاسة الجمهورية، فهم يحاولون راهنا، عشية الانتخابات، استمالته كل الى صفه السياسي، معارضين او موالين او وسطيين.
ويشكل عنوان "تقوية موقع الرئاسة الاولى وتعزيزه" احد الشعارات التي يتبناها مرشحون الى الانتخابات النيابية المقبلة لا سيما ممن يرفعون راية الوسطية. وبصرف النظر عن مضمونه، شكّل هذا الشعار ويشكّل محور اهتمام محلي وخارجي ومحطّ بحث جدي، سبق ان طرح في كواليس الدوحة في ايار (مايو) 2008، ويستمر راهنا في اروقة المجتمع الدولي وفي العواصم الفاعلة اوسطيا او تلك المعنية مباشرة بالوضع اللبناني.
تعديل الطائف؟
في هذا السياق، تابعت الاوساط الديبلوماسية بكثير من الاهتمام المواقف التي اطلقها رئيس الجمهورية امام الجالية في خلال زيارة الدولة التي قام بها اخيرا لفرنسا، وتحديدا قوله ان "الاصلاحات الدستورية يجب ان تحصل، فهي تمنع كل الاشكالات التي ظهرت في الفترة الفائتة"، مضيفا: "وبعد تطبيق الطائف علينا ان نهتم مجمعين بالخلل الموجود فيه ونعمل على تصحيحه، ليس لتقاسم الصلاحيات وتوزيع المسؤوليات على المؤسسات (مجلسي النواب والوزراء) والاشخاص فمسؤولية رئيس الدولة هي حماية الدستور والحرص على فصل السلطات وهو الامر المعتمد في كل الدول".
واذ توقفت الاوساط عند الوضوح والجرأة لدى الرئيس سليمان في دعوته الى تعديل الطائف، أشارت الى ان هذا الكلام لم يكن ليصدر عن رئيس البلاد وهو المؤتمن على الدستور والحريص على المصلحة العامة، لو ان الارضية اللازمة غير متوافرة وغير مهيأة له محليا وعربيا ودوليا.
وكشفت الاوساط الديبلوماسية ان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يدرك جيدا، من خلال الدور الذي لعبه في تسوية الازمة اللبنانية التي كانت قائمة قبيل التوصل الى اتفاق الدوحة، مكامن الخلل في النظام اللبناني وتطبيقاته.
ولفتت الى ان الجانب الفرنسي هو الذي طرح امام رئيس الجمهورية وجوب العمل لانتظام المؤسسات في لبنان، وان المدخل الى ذلك يكمن في تعديل دستور الطائف لجهة اعادة بعض الصلاحيات الى رئيس الجمهورية لتمكينه من تصحيح مسار الامور، ومن هذه الصلاحيات حق حل المجلس واقالة الحكومة، اضافة الى تحقيق بعض الخطوات الاصلاحية الاخرى كانشاء مجلس شيوخ والغاء الطائفية السياسية وغيرهما من الخطوات الضرورية الاخرى التي من شأنها طمأنة الجميع في لبنان والخارج.
وبحسب الاوساط، فقد أبلغت فرنسا الى الرئيس سليمان ان لا عقبة امام الوصول الى ذلك خصوصا انها لمست تأييدا مسيحيا ودرزيا وشيعيا على الصعيد اللبناني، كما انها وجدت لدى دمشق والعواصم الخليجية تأييدا لمثل هذه الخطوة الاصلاحية بإستثناء بعض التحفظات التي وعدت باريس بحلها. واشارت الى ان المباحثات التي اجراها وزير خارجية فرنسا برنار كوشنير مع المسؤولين السعوديين في خلال زيارته الاخيرة للرياض، تناولت فيما تناولت هذا الطرح الفرنسي، خصوصا ان السعودية هي الراعية لاتفاق الطائفة والحريصة اكثر من سواها على مصلحة لبنان ونهوض الدولة فيه بكامل اجهزتها ومؤسساتها.
تفهّم عربي لتعزيز الموقع
قبل اشهر قليلة، اطلق رئيس الجمهورية موقفا مشابها للذي اطلقه في فرنسا، ولكن من الداخل اللبناني. واستحوذ كلامه آنذاك اهتمام السياسيين والمراقبين على حد سواء، لما يحتويه من دعوة رسمية اولى الى تعديل اتفاق الطائف لتجنب ادخال البلاد مرة اخرى في ازمة مشابهة الى التي عاشتها طيلة العامين الفائتين، وادت الى نزاع في الشارع ومن ثم الى تدخل خارجي لانتفاء امكان الحل الداخلي والدوران في شبه حلقة مفرغة حيث كل طرف يلقي بالمسؤولية على الآخر.
في هذا الاطار، يلفت ديبلوماسي عربي رفيع في بيروت في اتصال مع "الاسبوع العربي" الى ان "اعادة النظر بالصلاحيات تستحوذ تفهما عربيا ودوليا واسعا، وهي طُرحت في كواليس مداولات الدوحة في ايار (مايو) 2008، وعلم في حينه، نتيجة المداولات بين مسؤولين عرب كبار وبين وزير خارجية سوريا وليد المعلم، ان الرئيس السوري بشار الاسد لا يمانع طرح الموضوع على بساط البحث الجدي".
الى ذلك، يعتقد مراقب سياسي انّ طرح رئيس الجمهورية البحث في تعديلات دستورية تتناول 4 بنود مرتبطة بصلاحياته، "يأتي من اهمية تطوير اتفاق الطائف في ضوء الممارسة التي اظهرت وجوب تصويب او توضيح بعض بنوده، لكن على قاعدة عدم المس بالثوابت والتوازنات الاساسية او الاخلال بكل ما من شأنه انتظام عمل المؤسسات الدستورية".
ولم يخف المراقب ان "يكون فتح النقاش رسميا على تطوير اتفاق الطائف خطوة اولى للتأسيس في مرحلة لاحقة الى ورشة سياسية دستورية قانونية، تنطلق من ضرورة اخذ العبرة من التداعيات السياسية للازمة الاخيرة التي اصابت البلد في بنيانه الكياني وفي امنه وجعلت مؤسساته الدستورية، رئاسة وحكومة وبرلمانا، مشرعة على ازمات عاصفة وشلت عملها".
ويلفت الى ان النقاش الهادئ والرصين في شأن التعديلات الدستورية يحتاج الى انضاج الظروف المناسبة ويأخذ في الاعتبار احترام البنيان الدستوري، لكنه في الوقت عينه اضحى واجبا لتدارك كل ما شارك او اسهم في تسعير الازمة السياسية الاخيرة، بهدف اسمى وهو استدراك تكرار اي من مسبباتها واستخلاص دروس العامين الفائتين وعِبرهما لتلافي وضع لبنان امام مشهد مماثل يضع المؤسسات والدستور في مهب التعطيل والشلل".
بين معارض وموال
في الموازاة، يرى مصدر نيابي رفيع في الموالاة ان "كلام الرئيس سليمان ودعوته الى مناقشة صلاحيات رئاسة الجمهورية لجهة ادخال تعديلات على اتفاق الطائف، ورد في اطار عام وفي سياق رؤية الرئيس لتطوير العمل السياسي لكي يتمكن من ممارسة الصلاحيات المحددة له في الدستور ولا سيما انه يقسم اليمين على حماية هذا الدستور وعلى صون البلاد ومؤسساتها". ويلفت الى انّ "هذه التوجهات هي نوع من الطموح لاجراء بعض التعديلات التي تسمح للعمل الدستوري ان يستقيم في لبنان"، ويقول: سبق ان كان مطلب اعادة صلاحيات تنفيذية ضرورية الى رئيس الجمهورية محط نقاش مستفيض رسمي وغير رسمي، بحيث تعود الى الرئيس القدرة على لعب دور الحكم بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وعلى الحسم عند وقوع خلاف كبير والعودة الى استفتاء المواطنين من خلال حل المجلس والدعوة الى انتخابات نيابية مبكرة.
ويضيف: يشكو الجميع من القيود التي وضعت على الرئيس في هذا الموضوع فيما لم توضع على غيره من المسؤولين، لا على رئيس الوزراء ولا على الوزراء، وهذا خطأ إلا في حال وضعت القيود ايضا على باقي اطراف السلطة.
لكن المصدر النيابي الرفيع يتخوف من "ان يفتح طرح تعديل صلاحيات رئيس الجمهورية الباب امام اسقاط اتفاق الطائف بكامله، واتاحة المجال امام تعالي الاصوات المطالِبة بالمثالثة علانية وبوضوح ما يعني قلب الامور رأسا على عقب وارساء نظام سياسي جديد يعيد افراز واقع مستجد تنال من خلاله الطائفة الشيعية التي تعتبر نفسها مغبونة ومن ورائها "حزب الله"، الحق في المشاركة الفعلية في الحكم".
في الضفة المقابلة، يرى قيادي في قوى المعارضة ان لبنان في حاجة الى ورشة دستورية لتوضيح كثير من الامور حول ضرورة تفعيل المؤسسات واعادة النظر بالصلاحيات الرئاسية وفي تشابكها، خصوصا صلاحيات رئيس الجمهورية بعد الطائف، لافتا الى ان هذا الموضوع في حاجة الى طرح جدي والى بحث داخل المؤسسات الدستورية اي في مجلسي النواب والوزراء، ويجب ان يكون هناك مناخ مناسب يهيء لطرحه، وقد لا يكون التوقيت المناسب الآن عشية اقتراب موعد الانتخابات ومع دخول الساحة السياسية الداخلية حلقة المنافسة الانتخابية".