الأحد، 28 سبتمبر 2008

لماذا يتعذّر انتقال "عدوى" المصالحة الاسلامية الى المسيحيين؟

Sphere: Related Content
رئيس الجمهورية يرى الصلح المسيحي ملحا "لاقفال ابواب الفتنة"
لماذا يتعذّر انتقال "عدوى" المصالحة الاسلامية الى المسيحيين؟

البطريرك الماروني يبارك جهود سليمان ورعايته المصالحة المسيحية
مسيحيو المعارضة يجددون المطالبة بميثاق شرف


ينشر في "الاسبوع العربي" في 6/10/2008
تعددت التسميات والتوصيفات لما تحقق من لقاءات بين افرقاء النزاع واخصام السياسة في صفوف الطائفة الاسلامية في خلال الاسابيع الفائتة. ولعل التوصيف الابرز هو ان هذه اللقاءات اتت لكسر الاحتقان السني- الشيعي في خطوة اولى على طريق تحقيق المصالحات الحقيقية، من المرتجى ان تمتد الى الضفة المسيحية وتتخطى الشكليات والصور التذكارية والتواقيع الجافة الى مكنونات النفس والنيات الصادقة البعيدة من المصالح السياسية والانتخابية، لطي صفحة سوداء من تاريخ لبنان الحديث.
بعد القطيعة وتراشق التهم والانتقادات اللاذعة التي شكلت مادة دسمة استخدمها بعض الاعلام للتحريض والتوتير والشحن لزوم "ام المعارك"(!)، تراجعت حدة التخاطب السياسي والاعلامي الى نقطة معتدلة بعدما كسرت الرقم القياسي في الفترة التي رافقت وتلت احداث السابع من ايار (مايو) الفائت لناحية التجريح والتخوين وخطاب القطيعة واستحالة التعايش.
بين "المصالحة" و"فك الاشتباك السياسي" و"المصارحة" و"اعلان النيات"، تنوعت التسميات لحقيقة واحدة وللقاءات التي جمعت في الاسابيع الفائتة "اضداد السياسة"، والتي شكلت باكورة اعادة فتح قنوات تواصل بدا قبل اسابيع قليلة مستحيلا بين الافرقاء، وتحديدا منذ السابع من ايار (مايو) والاشتباكات المسلحة في احياء بيروت، التي وسعت رقعة التباعد والشرخ بين ابناء الطائفة الاسلامية على الرغم من تداخل الاحياء البيروتية ديموغافيا وطائفيا ومذهبيا وحتى عشائريا.
شذود مسيحي!
وفي ظل الانفراج في العلاقة السنية- الشيعية وما سبق ذلك على صعيد العلاقة الدرزية- الشيعية، يظهر الجمود والتمترس على الجبهات المسيحية شاذا عن القاعدة السارية والمتنقلة من الشمال الى البقاع والجبل واخيرا بيروت. هذه المصالحة التي اعادتها حادثة بصرما في الكورة بين "القوات اللبنانية" وتيار "المردة" الى الواجهة من جديد، تبدو محبوسة ومتروكة لمصيرها في قفص حديدي، مكبّلة، كأنه من المحظر اطلاق سراحها على الرغم من ان ثمن حريتها دفع ويدفع بالدم. وكأن وعي القيادات الاسلامية على الخطر المحدق بالبلد والمناخ الاقليمي الذي ساعد ودفع نحو تحقيق اولى خطوات المصالحة الاسلامية من خلال الاسراع الى التفاهم على الرغم من التباعد والافتراق، يقابله جمود مسيحي قاتل يوحي أن القادة المسيحيين يقتاتون من الخلافات والصراعات الدموية، ويبنون زعاماتهم ونفوذهم على تحطيم صوت وصورة المسيحي الآخر المختلف معهم سياسيا.
وامام واقع شذوذ الوضع المسيحي عن قاعدة المصالحات بعد مبادرات ولدت ميتة في السابق، يبقى الافرقاء في المناطق المسيحية متفرجين او مراقبين للحراك السياسي كأن "لا حول ولا قوة" للتقدم ولو خطوة واحدة في البحث الجدي عن مصالحة باتت اكثر من ضرورة او مجرد رغبة منشودة.
تحرك سليمان على خط المصالحة
وفي وقت تصاعدت حدة الصراع بين الفرقاء- الاخصام في الواقع المسيحي على خلفية حادثة بصرما وما تلاها من تفاعلات، رصدت منذ اسابيع حركة لرئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان بعد تلقيه تقارير مقلقة عن اجواء الشحن في بعض الاحزاب والتيارات المسيحية.
وينقل مصدر مطلع عن رئيس الجمهورية، في هذا الصدد، انّ "من شأن المصالحة المسيحية التي اضحت ملحة في هذه الظروف المقلقة التي يعيشها المناخ المسيحي، ان تقفل ابواب الفتنة الداخلية وتسهّل المساعي المبذولة لتنفيذ الاتفاقيات التي رعت انطلاقة العهد الجديد ولاستكمال تطبيق اتفاق الدوحة بكل بنوده تمهيدا للانتخابات النيابية المقبلة في ربيع السنة 2009".
ويقول المصدر انّ "الرئيس سليمان اتصل قبل رحلته الاميركية بالبطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير شارحا له خلفيات مسعاه وطالبا الدعم من بكركي لانها المرجعية التي كانت على تماس مع العديد من المحاولات السابقة لتحقيق المصالحة".
ويشير الى انّ "رئيس الجمهورية كلف مستشاره للشؤون السياسية النائب السابق ناظم الخوري بهذا الملف، الى جانب اهتمامه بملف طاولة الحوار، بإعتبار انّ هذا الجهد مكملا لها، وقد قام الخوري بسلسلة من الاتصالات في الفترة الاخيرة بجميع المعنيين بالمصالحة من قادة وشخصيات، ونقل اليهم رغبة الرئيس في استئناف المساعي على خط المصالحة ووقف بعض التصرفات والمواقف التي يمكن ان تزيد من التشنج الامني مما يعيد خلط الاوراق من جديد على الساحتين اللبنانية والمسيحية".
ويلفت المصدر الى انّ "نتيجة هذه المساعي ومتابعتها ستتصدر اهتمام رئيس الجمهورية في المرحلة الآتية، ولن تحول سفراته المتوقعة في اكثر من اتجاه دون ان يتابع بحزم هذا الملف".
خصوصية الوضع المسيحي
وبين الفوضى المسيحية والتنازع على تثبيت الزعامات والهدوء الاسلامي المضطرد، يعتبر قطب مسيحي في قوى الرابع عشر من آذار (مارس) انّ "المصالحات التم تتم داخل صفوف الطائفة الاسلامية تندرج من ضمن اتفاق على فك اشتباك، وتأتي تنفيذا لما تم الإتفاق عليه في ورقة الدوحة، اي إخراج السلاح من الصراع السياسي الداخلي. اما المصالحة المسيحية فأبعادها أوسع وشروطها مختلفة، ويفترض ان تبدأ بخطوة إعتذار تفسح المجال الى اعادة التواصل مع الآخر".
ويشير الى انّه "ليس المطلوب اتفاقا بين زعماء أحزاب وعشائر على تقاسم مناطق النفوذ، بل مصالحة تبدأ أولا بالإقرار بالخطأ، وثانيا باستخلاص الدروس والعبر من الأخطاء، وثالثا بالبحث عن موضوع مشترك يجمع بين المتصالحين".
ويقول: "ان تنظيم الإختلاف وفك الاشتباك يترجم بالإحتكام الى الدولة والاجهزة الامنية من جيش وقوى امن داخلي وليس بتوزيع مناطق النفوذ بين الزعماء، بينما المصالحة المسيحية تتطلب اقرارا من مسيحيي المعارضة بالخطأ وان يعيدوا الاعتبار الى مركز اساسي هو مرجعية بكركي التي دأبوا في مهاجمتها بشخص البطريرك، فالمصالحات بالمعنى العميق للكلمة هي خطوة اخلاقية تتخطى السياسة ولديها مركز واحد هو بكركي".
في المقابل، يعتبر قطب مسيحي معارض ان "المصارحة بين المسيحيين هي الطريق الاساسي لتحقيق المصالحة الحقيقية بينهم"، لافتا الى ان "المطلوب راهنا هو العودة الى ما بدأت به بكركي وميثاق الشرف الذي يعطي حق الاختلاف من ضمن سقف الديموقراطية".
ويقول انّ "التنوع المسيحي والاختلاف في الرأي من صلب الممارسة الديموقراطية التي اعتادها اللبنانيون منذ نشأة النظام، شرط ان يبقى هذا التنوع ضمن اطار الاختلاف لا الخلاف او الاشتباك العنفي والدموي".
ويعتبر انّه "من غير الجائز القول للمسيحيين "اذا لم تكونوا في التوجه الخط والممارسة السياسية اياها، فتلزمكم مصالحة". ويشدد على انّ التفاهم يجب ان يكون على الثوابت الوطنية الواضحة، مشيرا الى ان "سقف الخلاف يجب ان يقف عند حدود صناديق الاقتراع، التي تحدد خيارات المسيحيين واي تعطيل لهذا الخيار هو تعطيل للدور المسيحي في النظام".
ويرحب القيادي اياه بكل المساعي في اتجاه تصويب العلاقة بين المسيحيين "شرط ان تلحظ تنظيم هذه العلاقة بشكل يحفظ دور المسيحيين ورسالتهم وموقعهم في لبنان والمنطقة"، لافتا الى "ان المسيحيين في لبنان ليسوا تبعيين بل هم نموذج حضاري للممارسة الديموقراطية".
مساع معلنة واخرى في الكواليس
وفيما تنشط المساعي المعلنة التي تضطلع بها الرابطة المارونية على خط استطلاع امكان تحقيق المصالحة المسيحية بعد حادثة بصرما، وفي وقت يتسابق الآخرون لالتقاط فرص الانفتاح والتفاهم والتعايش، يبرز اختلاف شديد في صفوف الافرقاء المسيحيين حول النظرة الى دور بكركي ومرجعيتها، الامر الذي يفسر في ضوئه بعض المراقبين تردد بكركي في القيام، هذه المرة، بأي مبادرة او رعاية مباشرة لاي مصالحة تجنبا للفشل والانتقاد والاحراج من جديد، وتفضيلها ومباركتها مسعى رئاسيا.
ففي وقت يعتبر مسيحيو المعارضة ان بكركي "منحازة الى مسيحيي الرابع عشر من آذار (مارس)، ومصطفة سياسيا الى جانب هذه القوى"، ترى مصادر متابعة لملف المصالحة في التيارات المسيحية المعارضة انّ "البطريرك صفير بات طرفا"، مذكّرة بأن رئيس تكتل "الاصلاح التغيير" النائب العماد ميشال عون ورئيس تيار "المردة" الوزير السابق سليمان فرنجيه كانا اول من وقع ثوابت ميثاق الشرف، وعندما دعا البطريرك صفير الى عقد اجتماع رباعي في بكركي عرقل رئيس الهيئة التنفيذية في "القوات اللبنانية" سمير جعجع الامر، ولم يبادر البطريرك الى تسمية المعرقل".
وترى ان "البطريرك الماروني عاجز عن اي دور وفاقي وتصالحي في حال ظلت مواقفه السياسية على حالها، لذلك فالكرة الآن في ملعب رئيس الجمهورية".
وعلى الرغم من انتقادها لموقف البطريرك الماروني تؤكد المصادر قدسية مرجعية بكركي مطالبة سيدها بالوقوف على مسافة واحدة من الجميع كي يستطيع القيام بأية مبادرة. وتسأل: لماذا تلكؤ البطريركية المارونية التي اضطلعت في الماضي البعيد والقريب بوقفات تاريخية مسيحيا ووطنيا؟ وما الذي يمنعها بما لها من سلطة واحترام معنويين كبيرين من فرض المصالحة، امرا واقعا والدعوة من دون فتح باب النقاش الى لقاء القيادات المسيحية في الصرح البطريركي للمصارحة اولا ولتوقيع ميثاق شرف يحمي حرية الاختلاف من دون اللجوء الى العنف ويرسم سقفا للتنافس السياسي المسيحي على ان يحتكم الى الديموقراطية ويحترم ارادة الراي العام عبر الانتخابات النيابية وصناديق الاقتراع؟.
في الضفة الاخرى، يرفض مصدر مطلع في صفوف مسيحيي الرابع عشر من آذار(مارس) تسويق أن على بكركي ان تحيّد نفسها بإزاء المساعي لتحقيق المصالحة المسيحية وان الكرة هي في ملعب رئيس الجمهورية وحده. ويؤكد انّه "مهما كانت شدة الانتقادات التي تعرضت وقد تتعرض لها بكركي نتيجة مساعيها السابقة لاتمام المصالحة، فانها تبارك وتواكب كل تحرك لاي طرف كان، لافتا الى انها "تقوم من وراء الكواليس وبمساع بعيدة من الاعلام، وتضطلع بها اللجنة الرباعية التي تضم الاساقفة بولس مطر وسمير مظلوم ويوسف بشارة ورولان ابو جودة، بالاتصالات الضرورية لتزخيم المبادرة وتجنيد القدرات المتوافرة عبر الرابطة المارونية وغيرها من الهيئات المقربة من الصرح البطريركي".

ليست هناك تعليقات: