لوس أنجليس تايمز
بورزو داراغاهي وسيباستيان روتيلا
في الدوائر الخاصة لحزب الله، كانوا يسمونه «الرجل الذي لا ينام».
كان عماد مغنية أحد أكثر المطلوبين على مستوى العالم. وقد قضت قوات الأمن الغربية 25 عاما في تعقب ذلك القائد العسكري في حزب الله. وهو العقل المفكر للعديد من الهجمات في أواخر القرن العشرين وهو رائد التكتيكات القاسية التي أدت إلى ظهور تنظيمات مثل «القاعدة». وفي حقيقة الأمر، فربما يكون هذا الرجل قد أثبت انضباطا كبيرا وقدرة عسكرية أكثر من أسامة بن لادن. وقد كان مغنية يعيش متخفيا: فكان يغير أماكن اختبائه وينتقل من دون حرس أو سائقين وكان دائما ما يحمل مسدسا في وسطه. وفي مساء يوم 12 من فبراير (شباط) الماضي غادر منزلا آمنا في كفر سوسة وهي منطقة تابعة للعاصمة السورية دمشق، ويسكن فيها موظفو المخابرات السورية. وكان قد اجتمع مع أحد مسؤولي الاستخبارات السورية وكان يستعد لعقد اجتماع سري في مساء ذلك اليوم مع الرئيس بشار الأسد، وذلك حسبما أفاد أحد مسؤولي مكافحة الإرهاب الغربيين.
وبعد ثوان من استقلال مغنية لسيارته الرياضية، وقع انفجار أودى به. وقد أنهى ذلك الانفجار هذه الملحمة الدموية لأحد أشهر مطلوبي العصر الحديث. وقد كان ذلك الحادث الذي وقع وقد بلغ مغنية الخامسة والأربعين من العمر، غامضا مثلما كانت حياته كذلك. ولم تفلح المقابلات التي أجريت مع مسؤولي مكافحة الإرهاب والدبلوماسيين وزملائه عن أية تفاصيل جديدة عن أعمال هذه الشخصية الغامضة ـ وعن هذه الحادثة التي ربما وقعت بسبب الخيانة. لقد كان دور مغنية يدور حول عمله كحلقة وصل في التحالف بين حزب الله وسورية وإيران. وقد كان من شأن ذلك أن يكسبه موقعا قويا لكنه حساس، حسبما أفاد المسؤولون. وأرجح السيناريوهات المحتملة أن إسرائيل قد أنهت حياته. لكن ما وقع بعد الحادثة يشير إلى دلالات احتمال تورط سورية في هذه الحادثة، وإلى احتمال وجود بعض المشكلات في العلاقات بين سورية وإيران وحزب الله، حسبما أفاد المسؤولون الغربيون. ويقول أحد الدبلوماسيين الغربيين في العاصمة السورية: «ما يشكل قلقا حقيقيا هو أنه حتى إذا كانت إسرائيل تقف وراء هذه الحادثة، فإنها قد وقعت في دمشق وفي منطقة آمنة على بعد أمتار من مكتب رئيس المخابرات آصف شوكت».
وقد تعهدت إيران وكذلك تعهد حزب الله بالثأر لمقتله، مما جعل إسرائيل هدفا للهجمات التي كان يشتهر بتنفيذها مغنية في الماضي. وقد كان مغنية يبدو منكرا للذات في مقابلة صحيفة موالية لحزب الله قبل وقت قصير من مقتله، وقد نشرت هذه المقابلة في وقت لاحق. وقد جاء عنه قوله لإبراهيم الأمين من صحيفة «الأخبار» اللبنانية: «إن الأميركيين يختلقون القصص حولي ويحملونني مسؤولية العديد من الهجمات ضدهم في جميع أنحاء العالم. وربما يعتقدون أنني مفتاح هذا العالم. ومن الصعب لهم أن يفهموا أنني جزء من مؤسسة تخطط وتصمم حركاتها بتمهل».
وقد كان مغنية رجلا قصيرا، وكانت له لحية رمادية اللون ويرتدي نظارة مستديرة العدسات. وكان يعيش متنقلا بين إيران وسورية ولبنان، كما كانت له زوجتان: أولاهما امرأة لبنانية في جنوب لبنان، والأخرى إيرانية في دمشق. وكان يقود سيارته بنفسه وكان يشتري حاجياته من البقالة بنفسه وكان يأخذ غفوات من النوم مع العمل المتواصل، حسبما يقول بعض زملائه. ويتذكر أحد زملائه في دمشق كيف أنه أثناء محادثات جماعية هامة، كان يستلقي على الأريكة وينام. وكان يقوم بمراقبة شبكات العمل الأجنبية التي قام ببنائها بعد حملته الإرهابية في لبنان، بما في ذلك تفجيرات عام 1983 على السفارة الأميركية وثكنات المارينز. كما يعزى إلى خلاياه القيام بعمليات في فرنسا والأرجنتين، حيث تسبب انفجار سيارتين بأهداف يهودية في مقتل أكثر من 100 شخص. كما قام في بداية التسعينيات بمقابلة أسامة بن لادن في السودان، الذي تلقت عناصره تدريبات على المتفجرات من خبراء حزب الله. وقد نجا مغنية من العديد من محاولات الاغتيال التي كانت تقوم بها القوات الإسرائيلية والأميركية. وقتل أخوه في إحدى هذه المحاولات عام 1994، كما تلقت البدلة الواقية من الرصاص الخاصة به بعض الرصاصات في محاولة أخرى.
وفي أواخر التسعينيات، قام حزب الله بتقليص عدد الهجمات التي يشنها خارج الشرق الأوسط. وكان مغنية هو مهندس التحول إلى التركيز على النشاط السياسي والعسكري في لبنان. كما كان عضوا في مجلس الشورى، وهو مجلس قيادة العناصر المسلحة، حيث تم انتخابه عام 2001 تحت اسم جواد نور الدين، حسبما أفاد أحد المسؤولين الغربيين. وقد كان هذا المنصب سريا، حسبما أفاد ذلك المسؤول، لأن حزب الله يزعم التفريق بين نشاطه السياسي وجناحه العسكري، الذي يوصف بأنه جماعة إرهابية من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل. وقد كان من بين مهام مغنية مساعدة الجماعات الفلسطينية المسلحة بالتدريب والعتاد وتولي أمن قائد حزب الله الشيخ حسن نصر الله المقرب منه، حسبما يفيد بعض الخبراء والمطلعين. وفي يوم 13 مايو (أيار) 2006 قابل حسن زرقاني في لبنان، وهو ممثل عن الرجل القوي لشيعة العراق مقتدى الصدر، حيث اتفقا على إمداد المقاتلين في العراق بصواريخ مضادة للدبابات وتدريبهم على استخدامها، حسبما يفيد مسؤولو مكافحة الإرهاب الغربيين. لكن أهم ما كان يشغل بال مغنية هو تدمير إسرائيل. ويقول بعض المطلعين في حزب الله ومسؤولون إسرائيليون إنه أثناء حرب 2006 على لبنان، شكل تكتيكات ميدانية فاجأت القوات الإسرائيلية بسبب فعاليتها وقوتها. وقد قال مغنية عن الإسرائيليين الذين أعجب بمهاراتهم في القتال، حسب الصحافي اللبناني الأمين: «لقد رأيت الموت في أعينهم».
وعلى الرغم من إنهاكه حتى شارف الموت بسبب هذه الحرب، إلا أن مغنية قد عمل جاهدا مع كل من إيران وسورية لإعادة تسليح حزب الله، حسبما يفيد بعض المطلعين والمسؤولين في مجال مكافحة الإرهاب. وقد كان مغنية يحتل مكانة مرموقة نظرا لقرب من إيران، لاسيما الحرس الثوري. لكن ربما كان خطأه يتمثل في أنه كان يعمل مع أكثر من جهة.
ويقول مسؤولون غربيون إنه رغم المزاعم الرسمية، فقد كان القادة السوريون على علم بأنه في دمشق في فبراير (شباط). وخلال زياراته إلى العاصمة السورية، كان يقيم في مبنى يمتلكه رجل الأعمال رامي مخلوف، وهو قريب للأسد، حسبما يقوله مسؤولون. ويضيف مسؤولون أن الاجتماع الذي عقد في كفر سوسة كان في منزل آمن تستخدمه الاستخبارات السورية بالقرب من مدرسة إيرانية تتمتع بحراسة جيدة، وهي منطقة يعيش ويعمل فيها جواسيس سوريون. ويقول المسؤولون إن مغنية قد اجتمع مع آصف شوكت، ومحمد ناصيف خيربك، المساعد الخاص لنائب الرئيس. وكانت المناقشات، التي تركزت على النزاع السياسي في لبنان، تمهد لموعد سري مع الأسد في القصر الرئاسي ليلا، حسبما يقول المسؤولون، مستشهدين بمعلومات استخباراتية من مصدر في سورية. ويقول مسؤول غربي في مجال مكافحة الإرهاب: «كان يوم مغنية مشغولا، وكان سيقابل الأسد عندما قتل». ورفض المسؤولون السوريون التعليق، ولكن أشارت الأحداث إلى توترات ظاهرة بين سورية وإيران وحزب الله، حيث ظهر نائب وزير الخارجية في طهران، وأعلن وزير الخارجية الإيراني عن تحقيقات مشتركة، ووصفت إحدى أرامل مغنية السوريين بأنهم «خونة»، وتحدثت عن ضلوعهم في عملية القتل، ثم تراجعت عن ذلك. وفي النهاية، قال السوريون إنهم سيجرون تحقيقا في الحادث، ولكن جاء أبريل (نيسان) من دون تعليق على التحقيق، كما تم استبعاد شوكت، الذي كان فيما سبق حليفا قويا لإيران، من التحقيقات، حسبما يقوله مسؤولون غربيون. وكان سلوك سورية متناقضا بشكل كبير مع تهديدات إيران وحزب الله لإسرائيل، حيث دخلت حكومة دمشق في مباحثات سلام غير مباشرة مع إسرائيل، وحافظت على سرية التحقيقات. ويعتقد البعض أن القادة السوريين لعبوا دورا في مقتل مغنية، ربما في إطار صفقة مع الغرب. ويقول مسؤول أمني غربي إن سيناريو الاغتيال على يد الإسرائيليين لا يستبعد تورط سورية. وأضاف المسؤول، الذي طلب عدم ذكر اسمه: «لن أفاجأ إذا كان مقتل مغنية قد أتي في إطار نزاع داخلي». ولكن لماذا يمكن أن تريد سورية التخلص من مغنية؟ تقول إحدى الفرضيات أن الولايات المتحدة وإسرائيل مارستا ضغوطا على دمشق. ولديهما القوة؛ فهناك محكمة دولية تنظر في التحقيق مع قادة سوريين في اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في عام 2005. ويقول مسؤولون وخبراء غربيون إن الدائرة الأقرب من الأسد يمكن أن تكون قد وافقت على قتل مغنية في مقابل حماية من الاتهامات وعلاقات أفضل مع الغرب. وهناك فرضية أبسط تقول إن مغنية قد أغضب رعاته السوريين ودفع مقابل ذلك. ويقول مسؤول دبلوماسي في دمشق: «سورية عملية جدا، إذا كان عليك أن تزيل شخصا ما، فلتفعل ذلك».
لكن خبراء آخرين أبدوا تشككهم في أن تكون سورية قد ضحت بحليف مهم بمثل هذه القوة. والضربة الجوية التي نفذتها إسرائيل العام الماضي ضد أحد المواقع السورية التي يعتقد أنها تضم منشآت نووية أكدت بشدة على أن إسرائيل «تعمل بمفردها داخل الأراضي السورية وبفاعلية كبيرة». ولم تؤكد إسرائيل أو تنف ضلوعها في عملية القتل هذه. ويقول الخبراء أن إيران وحزب الله يواجهان معضلة كبرى، فالعجلة في التحرك باتجاه إسرائيل قد تثير إدانات أجنبية، بل وقد تؤدي إلى عمل عسكري، كما يجب على إيران أن تفكر في العواقب المحتملة للمحادثات العالية المستوى والخاصة بشأن برنامجها النووي.
ويقول أحد المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين: «بإمكان حزب الله شن هجوم، لكنه بحاجة إلى دعم السفارة الإيرانية، فقد مضى أكثر من عشر سنوات منذ أن قاموا بشيء كهذا، وإن عليهم التفكير إذا ما كانوا يرغبون في العودة إلى تلك الفترة، وإذا ما قاموا بذلك فسنرد عليهم بكل قوة».
وفي تلك الأثناء، يجتذب الضريح المقام في الضاحية الجنوبية من بيروت المحتشدين طوال ساعات اليوم، والمكان أشبه بمطعم في الهواء الطلق مزين بمواد رخيصة أشبه ما تكون وكأنها جمعت من حديقة أو من متجر للأدوات والسلع، وتزين الورود البلاستيكية المقبرة التي أعدت وسط بقعة من الحشائش الصناعية التي تغطي قبور المقاتلين المائة والمزينة أيضًا بإطارات زجاجية تحمل صورهم والتذكارات الأخرى. وفي عصر أحد الأيام دخلت إحدى السيدات حاسرة الرأس ترتدي قميصا ورديا مثيرا وجلست على ركبتيها أمام القبر، ولمسته برفق ثم نهضت وانصرفت من المكان الذي يرقد فيه جثمان عماد مغنية.
بورزو داراغاهي وسيباستيان روتيلا
في الدوائر الخاصة لحزب الله، كانوا يسمونه «الرجل الذي لا ينام».
كان عماد مغنية أحد أكثر المطلوبين على مستوى العالم. وقد قضت قوات الأمن الغربية 25 عاما في تعقب ذلك القائد العسكري في حزب الله. وهو العقل المفكر للعديد من الهجمات في أواخر القرن العشرين وهو رائد التكتيكات القاسية التي أدت إلى ظهور تنظيمات مثل «القاعدة». وفي حقيقة الأمر، فربما يكون هذا الرجل قد أثبت انضباطا كبيرا وقدرة عسكرية أكثر من أسامة بن لادن. وقد كان مغنية يعيش متخفيا: فكان يغير أماكن اختبائه وينتقل من دون حرس أو سائقين وكان دائما ما يحمل مسدسا في وسطه. وفي مساء يوم 12 من فبراير (شباط) الماضي غادر منزلا آمنا في كفر سوسة وهي منطقة تابعة للعاصمة السورية دمشق، ويسكن فيها موظفو المخابرات السورية. وكان قد اجتمع مع أحد مسؤولي الاستخبارات السورية وكان يستعد لعقد اجتماع سري في مساء ذلك اليوم مع الرئيس بشار الأسد، وذلك حسبما أفاد أحد مسؤولي مكافحة الإرهاب الغربيين.
وبعد ثوان من استقلال مغنية لسيارته الرياضية، وقع انفجار أودى به. وقد أنهى ذلك الانفجار هذه الملحمة الدموية لأحد أشهر مطلوبي العصر الحديث. وقد كان ذلك الحادث الذي وقع وقد بلغ مغنية الخامسة والأربعين من العمر، غامضا مثلما كانت حياته كذلك. ولم تفلح المقابلات التي أجريت مع مسؤولي مكافحة الإرهاب والدبلوماسيين وزملائه عن أية تفاصيل جديدة عن أعمال هذه الشخصية الغامضة ـ وعن هذه الحادثة التي ربما وقعت بسبب الخيانة. لقد كان دور مغنية يدور حول عمله كحلقة وصل في التحالف بين حزب الله وسورية وإيران. وقد كان من شأن ذلك أن يكسبه موقعا قويا لكنه حساس، حسبما أفاد المسؤولون. وأرجح السيناريوهات المحتملة أن إسرائيل قد أنهت حياته. لكن ما وقع بعد الحادثة يشير إلى دلالات احتمال تورط سورية في هذه الحادثة، وإلى احتمال وجود بعض المشكلات في العلاقات بين سورية وإيران وحزب الله، حسبما أفاد المسؤولون الغربيون. ويقول أحد الدبلوماسيين الغربيين في العاصمة السورية: «ما يشكل قلقا حقيقيا هو أنه حتى إذا كانت إسرائيل تقف وراء هذه الحادثة، فإنها قد وقعت في دمشق وفي منطقة آمنة على بعد أمتار من مكتب رئيس المخابرات آصف شوكت».
وقد تعهدت إيران وكذلك تعهد حزب الله بالثأر لمقتله، مما جعل إسرائيل هدفا للهجمات التي كان يشتهر بتنفيذها مغنية في الماضي. وقد كان مغنية يبدو منكرا للذات في مقابلة صحيفة موالية لحزب الله قبل وقت قصير من مقتله، وقد نشرت هذه المقابلة في وقت لاحق. وقد جاء عنه قوله لإبراهيم الأمين من صحيفة «الأخبار» اللبنانية: «إن الأميركيين يختلقون القصص حولي ويحملونني مسؤولية العديد من الهجمات ضدهم في جميع أنحاء العالم. وربما يعتقدون أنني مفتاح هذا العالم. ومن الصعب لهم أن يفهموا أنني جزء من مؤسسة تخطط وتصمم حركاتها بتمهل».
وقد كان مغنية رجلا قصيرا، وكانت له لحية رمادية اللون ويرتدي نظارة مستديرة العدسات. وكان يعيش متنقلا بين إيران وسورية ولبنان، كما كانت له زوجتان: أولاهما امرأة لبنانية في جنوب لبنان، والأخرى إيرانية في دمشق. وكان يقود سيارته بنفسه وكان يشتري حاجياته من البقالة بنفسه وكان يأخذ غفوات من النوم مع العمل المتواصل، حسبما يقول بعض زملائه. ويتذكر أحد زملائه في دمشق كيف أنه أثناء محادثات جماعية هامة، كان يستلقي على الأريكة وينام. وكان يقوم بمراقبة شبكات العمل الأجنبية التي قام ببنائها بعد حملته الإرهابية في لبنان، بما في ذلك تفجيرات عام 1983 على السفارة الأميركية وثكنات المارينز. كما يعزى إلى خلاياه القيام بعمليات في فرنسا والأرجنتين، حيث تسبب انفجار سيارتين بأهداف يهودية في مقتل أكثر من 100 شخص. كما قام في بداية التسعينيات بمقابلة أسامة بن لادن في السودان، الذي تلقت عناصره تدريبات على المتفجرات من خبراء حزب الله. وقد نجا مغنية من العديد من محاولات الاغتيال التي كانت تقوم بها القوات الإسرائيلية والأميركية. وقتل أخوه في إحدى هذه المحاولات عام 1994، كما تلقت البدلة الواقية من الرصاص الخاصة به بعض الرصاصات في محاولة أخرى.
وفي أواخر التسعينيات، قام حزب الله بتقليص عدد الهجمات التي يشنها خارج الشرق الأوسط. وكان مغنية هو مهندس التحول إلى التركيز على النشاط السياسي والعسكري في لبنان. كما كان عضوا في مجلس الشورى، وهو مجلس قيادة العناصر المسلحة، حيث تم انتخابه عام 2001 تحت اسم جواد نور الدين، حسبما أفاد أحد المسؤولين الغربيين. وقد كان هذا المنصب سريا، حسبما أفاد ذلك المسؤول، لأن حزب الله يزعم التفريق بين نشاطه السياسي وجناحه العسكري، الذي يوصف بأنه جماعة إرهابية من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل. وقد كان من بين مهام مغنية مساعدة الجماعات الفلسطينية المسلحة بالتدريب والعتاد وتولي أمن قائد حزب الله الشيخ حسن نصر الله المقرب منه، حسبما يفيد بعض الخبراء والمطلعين. وفي يوم 13 مايو (أيار) 2006 قابل حسن زرقاني في لبنان، وهو ممثل عن الرجل القوي لشيعة العراق مقتدى الصدر، حيث اتفقا على إمداد المقاتلين في العراق بصواريخ مضادة للدبابات وتدريبهم على استخدامها، حسبما يفيد مسؤولو مكافحة الإرهاب الغربيين. لكن أهم ما كان يشغل بال مغنية هو تدمير إسرائيل. ويقول بعض المطلعين في حزب الله ومسؤولون إسرائيليون إنه أثناء حرب 2006 على لبنان، شكل تكتيكات ميدانية فاجأت القوات الإسرائيلية بسبب فعاليتها وقوتها. وقد قال مغنية عن الإسرائيليين الذين أعجب بمهاراتهم في القتال، حسب الصحافي اللبناني الأمين: «لقد رأيت الموت في أعينهم».
وعلى الرغم من إنهاكه حتى شارف الموت بسبب هذه الحرب، إلا أن مغنية قد عمل جاهدا مع كل من إيران وسورية لإعادة تسليح حزب الله، حسبما يفيد بعض المطلعين والمسؤولين في مجال مكافحة الإرهاب. وقد كان مغنية يحتل مكانة مرموقة نظرا لقرب من إيران، لاسيما الحرس الثوري. لكن ربما كان خطأه يتمثل في أنه كان يعمل مع أكثر من جهة.
ويقول مسؤولون غربيون إنه رغم المزاعم الرسمية، فقد كان القادة السوريون على علم بأنه في دمشق في فبراير (شباط). وخلال زياراته إلى العاصمة السورية، كان يقيم في مبنى يمتلكه رجل الأعمال رامي مخلوف، وهو قريب للأسد، حسبما يقوله مسؤولون. ويضيف مسؤولون أن الاجتماع الذي عقد في كفر سوسة كان في منزل آمن تستخدمه الاستخبارات السورية بالقرب من مدرسة إيرانية تتمتع بحراسة جيدة، وهي منطقة يعيش ويعمل فيها جواسيس سوريون. ويقول المسؤولون إن مغنية قد اجتمع مع آصف شوكت، ومحمد ناصيف خيربك، المساعد الخاص لنائب الرئيس. وكانت المناقشات، التي تركزت على النزاع السياسي في لبنان، تمهد لموعد سري مع الأسد في القصر الرئاسي ليلا، حسبما يقول المسؤولون، مستشهدين بمعلومات استخباراتية من مصدر في سورية. ويقول مسؤول غربي في مجال مكافحة الإرهاب: «كان يوم مغنية مشغولا، وكان سيقابل الأسد عندما قتل». ورفض المسؤولون السوريون التعليق، ولكن أشارت الأحداث إلى توترات ظاهرة بين سورية وإيران وحزب الله، حيث ظهر نائب وزير الخارجية في طهران، وأعلن وزير الخارجية الإيراني عن تحقيقات مشتركة، ووصفت إحدى أرامل مغنية السوريين بأنهم «خونة»، وتحدثت عن ضلوعهم في عملية القتل، ثم تراجعت عن ذلك. وفي النهاية، قال السوريون إنهم سيجرون تحقيقا في الحادث، ولكن جاء أبريل (نيسان) من دون تعليق على التحقيق، كما تم استبعاد شوكت، الذي كان فيما سبق حليفا قويا لإيران، من التحقيقات، حسبما يقوله مسؤولون غربيون. وكان سلوك سورية متناقضا بشكل كبير مع تهديدات إيران وحزب الله لإسرائيل، حيث دخلت حكومة دمشق في مباحثات سلام غير مباشرة مع إسرائيل، وحافظت على سرية التحقيقات. ويعتقد البعض أن القادة السوريين لعبوا دورا في مقتل مغنية، ربما في إطار صفقة مع الغرب. ويقول مسؤول أمني غربي إن سيناريو الاغتيال على يد الإسرائيليين لا يستبعد تورط سورية. وأضاف المسؤول، الذي طلب عدم ذكر اسمه: «لن أفاجأ إذا كان مقتل مغنية قد أتي في إطار نزاع داخلي». ولكن لماذا يمكن أن تريد سورية التخلص من مغنية؟ تقول إحدى الفرضيات أن الولايات المتحدة وإسرائيل مارستا ضغوطا على دمشق. ولديهما القوة؛ فهناك محكمة دولية تنظر في التحقيق مع قادة سوريين في اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في عام 2005. ويقول مسؤولون وخبراء غربيون إن الدائرة الأقرب من الأسد يمكن أن تكون قد وافقت على قتل مغنية في مقابل حماية من الاتهامات وعلاقات أفضل مع الغرب. وهناك فرضية أبسط تقول إن مغنية قد أغضب رعاته السوريين ودفع مقابل ذلك. ويقول مسؤول دبلوماسي في دمشق: «سورية عملية جدا، إذا كان عليك أن تزيل شخصا ما، فلتفعل ذلك».
لكن خبراء آخرين أبدوا تشككهم في أن تكون سورية قد ضحت بحليف مهم بمثل هذه القوة. والضربة الجوية التي نفذتها إسرائيل العام الماضي ضد أحد المواقع السورية التي يعتقد أنها تضم منشآت نووية أكدت بشدة على أن إسرائيل «تعمل بمفردها داخل الأراضي السورية وبفاعلية كبيرة». ولم تؤكد إسرائيل أو تنف ضلوعها في عملية القتل هذه. ويقول الخبراء أن إيران وحزب الله يواجهان معضلة كبرى، فالعجلة في التحرك باتجاه إسرائيل قد تثير إدانات أجنبية، بل وقد تؤدي إلى عمل عسكري، كما يجب على إيران أن تفكر في العواقب المحتملة للمحادثات العالية المستوى والخاصة بشأن برنامجها النووي.
ويقول أحد المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين: «بإمكان حزب الله شن هجوم، لكنه بحاجة إلى دعم السفارة الإيرانية، فقد مضى أكثر من عشر سنوات منذ أن قاموا بشيء كهذا، وإن عليهم التفكير إذا ما كانوا يرغبون في العودة إلى تلك الفترة، وإذا ما قاموا بذلك فسنرد عليهم بكل قوة».
وفي تلك الأثناء، يجتذب الضريح المقام في الضاحية الجنوبية من بيروت المحتشدين طوال ساعات اليوم، والمكان أشبه بمطعم في الهواء الطلق مزين بمواد رخيصة أشبه ما تكون وكأنها جمعت من حديقة أو من متجر للأدوات والسلع، وتزين الورود البلاستيكية المقبرة التي أعدت وسط بقعة من الحشائش الصناعية التي تغطي قبور المقاتلين المائة والمزينة أيضًا بإطارات زجاجية تحمل صورهم والتذكارات الأخرى. وفي عصر أحد الأيام دخلت إحدى السيدات حاسرة الرأس ترتدي قميصا ورديا مثيرا وجلست على ركبتيها أمام القبر، ولمسته برفق ثم نهضت وانصرفت من المكان الذي يرقد فيه جثمان عماد مغنية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق