واشنطن بوست
جاريث إيفانز
دفعت الحكومة الروسية، بأن عملياتها العسكرية الأخيرة في جورجيا مبررة بموجب المبدأ المعروف بمبدأ "المسؤولية عن الحماية" المتعلق بطريقة التعامل مع الجرائم والفظاعات الجماعية، والذي تم تبنيه من قبل 150 دولة عام 2005. انطلاقاً من هذا المفهوم، وصف الرئيس الروسي"ديمتري ميدفيديف"، ورئيس وزرائه "فلاديمير بوتين"، وسفير موسكو لدى الأمم المتحدة "فيتالي شركين" الأعمال الأولية التي قامت بها جورجيا ضد السكان المدنيين في جمهورية "أوسيتيا الجنوبية" المنشقة بأنها "إبادة جماعية" كما ذهب وزير خارجية روسيا "سيرجي لافروف" إلى أن استخدام بلاده للقوة كان ممارسة لمبدأ "المسؤولية عن الحماية".
بالنسبة لنا نحن الذين عملنا طويلاً، من أجل التوصل لإجماع على أن العالم يجب ألا يدير ظهره مرة ثانية إلى مأساة أخرى كتلك التي وقعت في كمبوديا وراوندا، وعلى أن أي إساءة تطبيق لمبدأ"المسؤولية عن الحماية" – سواء كانت طبيعية أو مفتعلة- تشكل في حد ذاتها سبباً يدعونا إلى دق أجراس الإنذار. فالسبب الأساسي الذي قدمه القادة العسكريون الروس لتبرير تدخل قواتهم في جورجيا هو" حماية المواطنين الروس" في أوسيتيا الجنوبية، لكن عندما نمعن النظر فيما يقولونه فسوف نتوصل إلى أنه ليس له أي علاقة منطقية بمبدأ "المسؤولية عن التدخل" الذي يتعلق بمسؤولية الدول ذات السيادة عن حماية سكانها داخل حدودها الوطنية، ولا يعني مطلقاً إقدام دولة ما على اتخاذ إجراء مباشر من أجل حماية مواطنيها المقيمين خارج حدودها.
أما السبب الرئيسي الثاني، الذي يدعونا إلى رفض توصيف روسيا لما قامت به في جورجيا بأنه يندرج تحت هذا المبدأ، هو أنها لم تقدم حججاً دامغة على أن التهديد الذي تشكله جورجيا على سكان "أوسيتيا الجنوبية" كان ذا طبيعة، وحجم يبرران استخدام القوة العسكرية لمواجهته. وهناك خمسة معايير تتعلق بهذا المبدأ وليس من الواضح أن أياً منها ينطبق على الحالة الجورجية: أولاً:خطورة التهديد، فليس من الواضح على الإطلاق ما إذا كانت أي جريمة من الجرائم المصنفة من قبل الأمم المتحدة تحت بند الإبادة الجماعية، أو جرائم الحرب، أو التطهير العرقي، قد ارتكبت، أو على وشك أن ترتكب، من قبل جورجيا ضد سكان أوسيتيا الجنوبية.
ثانياً: الهدف المبدئي من الرد، فعلى رغم أن حماية المدنيين الأوسيتيين الجنوبيين، الذين كانوا يتعرضون للهجوم الروسي، قد يكون هدفاً من الأهداف التي سعت روسيا إلى تحقيقها من وراء التدخل، ليس هناك من الدلائل ما يقطع بأنه كان الهدف المبدئي حيث يعتقد أن هناك أهدافاً أخرى أكثر أهمية للروس، منها مثلاً إحكام سيطرتهم تماماً على "أوسيتيا الجنوبية" و"أبخازيا" وتفكيك القدرات العسكرية لجورجيا، وإحباط طموحها للالتحاق بـ"الناتو"، وإرسال رسالة واضحة لباقي أجزاء الاتحاد السوفييتي السابق، بشأن ما يمكن احتماله من قبل موسكو وما لا يمكن احتماله.
ثالثاً:اللجوء إلى العمل العسكري كخيار أخير فقط، لا يبدو أن الحل السلمي لما كان يدور في القوقاز كان بعيداً عن المتناول، إذا كان صدور نداء من مجلس الأمن الدولي إلى جورجيا بإيقاف عمليتها العسكرية كفيلاً بوضع "تبليسي" تحت ضغط شديد، يدفعها للامتثال لنداء مجلس الأمن. وعلى رغم أن روسيا حثت مجلس الأمن في السابع من أغسطس، على الدعوة لوقف إطلاق النار فإن الخلاف حول ما إذا كان البيان الذي كان سيصدر من المجلس سيشير إلى التكامل الترابي لجورجيا أم لا، أدى في النهاية إلى عجز المجلس عن اتخاذ إجراء، ولو كانت الأطراف ذات العلاقة قد لجأت إلى استخدام بعض المرونة، لكان من الممكن إيجاد حل للموضوع. وموقف روسيا بشأن اللجوء للعنف" كخيار أخير" تعرض للمزيد من الضعف، بسبب الهجوم الذي شنته لاحقا على الأراضي الجورجية، الواقعة خارج حدود أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا.
رابعاً: تناسب حجم رد الفعل مع الفعل ذاته، إن إدخال 20 ألف جندي روسي، و100 دبابة إلى "أوسيتيا الجنوبية" و"أبخازيا" وأراضي جورجيا الأصلية يبدو كرد فعل مبالغ في عنفه. ثم جاء الحصار الروسي البحري في البحر الأسود، والقصف الجوي لـ"جوري" و"بوتي" و"زيوجديدي"، ولمصنع طائرات في "تبليسي" ليقطع بأن ذلك الهجوم قد تجاوز إلى حد كبير "الحد الأدنى الضروري" من العنف.
خامساً: أن تكون المنفعة التي ستترتب على التدخل أكبر من الضرر الذي يمكن أن ينجم عنه: هذه حجة يصعب للغاية الحكم عليها بالاستناد إلى الأدلة الحالية بشأن تدفق اللاجئين، والأعمال الانتقامية المنفلتة التي قام بها الانفصاليون الأوسيتيون الجنوبيون ضد الجورجيين، ناهيك عن القلق بشأن التداعيات الأوسع نطاقاً التي يمكن أن تترتب على الاستقرار الإقليمي والعالمي.
الرد النهائي على اعتماد روسيا على القرار الخاص بـ"المسؤولية عن الحماية" لتبرير ما قامت به في جورجيا، هو أنه لم يكن هناك أي قرار من مجلس الأمن يمنح سلطة قانونية للتدخل العسكري، وهو شرط اشتكت موسكو كثيراً من عدم توافره في كوسوفو عام 1999(ثم في العراق عام 2003). ففي 2005، كان موقف الجمعية العامة للأمم المتحدة واضحاً للغاية بخصوص أنه عندما تسعى أي دولة للجوء لخيار القوة لمعالجة موقف تنطبق عليه شروط "المسؤولية عن الحماية"، فإنها يجب أن تفعل ذلك من خلال مجلس الأمن الدولي.
حالة روسيا- جورجيا تسلط الضوء على الأخطار التي قد تترتب على قيام الدول سواء بشكل فردي، أو جماعي، بتفسير القوانين والأعراف العالمية حسب هواها. مشاعر الغضب العارم التي نحس بها بسبب ما يرد إلينا من تقارير خبرية من القوقاز عن مصرع مدنيين، وحالات للتطهير العرقي يمكن أن يكون لها تأثير غير مقصود يتمثل في وضع غشاوة على عقولنا يمكن أن تؤثر على حكمنا بشأن أفضل استجابة ممكنة يمكن أن نقوم بها تجاه روسيا. إن هذا السبب تحديداً هو الذي يدعونا إلى تمرير أي إجراء بهذا الشأن بشكل جماعي، ومن خلال الأمم المتحدة. وكون الدول الكبرى الأخرى لم تكن مبالية بهذا الشرط المُقيِّد في الماضي، لا يجب أن يبرر بأي حال من الأحوال الأعمال الروسية في جورجيا، لأن قرارات الاقتصاص من الآخرين خارج نطاق القانون غالباً ما تكون خطرة.
دفعت الحكومة الروسية، بأن عملياتها العسكرية الأخيرة في جورجيا مبررة بموجب المبدأ المعروف بمبدأ "المسؤولية عن الحماية" المتعلق بطريقة التعامل مع الجرائم والفظاعات الجماعية، والذي تم تبنيه من قبل 150 دولة عام 2005. انطلاقاً من هذا المفهوم، وصف الرئيس الروسي"ديمتري ميدفيديف"، ورئيس وزرائه "فلاديمير بوتين"، وسفير موسكو لدى الأمم المتحدة "فيتالي شركين" الأعمال الأولية التي قامت بها جورجيا ضد السكان المدنيين في جمهورية "أوسيتيا الجنوبية" المنشقة بأنها "إبادة جماعية" كما ذهب وزير خارجية روسيا "سيرجي لافروف" إلى أن استخدام بلاده للقوة كان ممارسة لمبدأ "المسؤولية عن الحماية".
بالنسبة لنا نحن الذين عملنا طويلاً، من أجل التوصل لإجماع على أن العالم يجب ألا يدير ظهره مرة ثانية إلى مأساة أخرى كتلك التي وقعت في كمبوديا وراوندا، وعلى أن أي إساءة تطبيق لمبدأ"المسؤولية عن الحماية" – سواء كانت طبيعية أو مفتعلة- تشكل في حد ذاتها سبباً يدعونا إلى دق أجراس الإنذار. فالسبب الأساسي الذي قدمه القادة العسكريون الروس لتبرير تدخل قواتهم في جورجيا هو" حماية المواطنين الروس" في أوسيتيا الجنوبية، لكن عندما نمعن النظر فيما يقولونه فسوف نتوصل إلى أنه ليس له أي علاقة منطقية بمبدأ "المسؤولية عن التدخل" الذي يتعلق بمسؤولية الدول ذات السيادة عن حماية سكانها داخل حدودها الوطنية، ولا يعني مطلقاً إقدام دولة ما على اتخاذ إجراء مباشر من أجل حماية مواطنيها المقيمين خارج حدودها.
أما السبب الرئيسي الثاني، الذي يدعونا إلى رفض توصيف روسيا لما قامت به في جورجيا بأنه يندرج تحت هذا المبدأ، هو أنها لم تقدم حججاً دامغة على أن التهديد الذي تشكله جورجيا على سكان "أوسيتيا الجنوبية" كان ذا طبيعة، وحجم يبرران استخدام القوة العسكرية لمواجهته. وهناك خمسة معايير تتعلق بهذا المبدأ وليس من الواضح أن أياً منها ينطبق على الحالة الجورجية: أولاً:خطورة التهديد، فليس من الواضح على الإطلاق ما إذا كانت أي جريمة من الجرائم المصنفة من قبل الأمم المتحدة تحت بند الإبادة الجماعية، أو جرائم الحرب، أو التطهير العرقي، قد ارتكبت، أو على وشك أن ترتكب، من قبل جورجيا ضد سكان أوسيتيا الجنوبية.
ثانياً: الهدف المبدئي من الرد، فعلى رغم أن حماية المدنيين الأوسيتيين الجنوبيين، الذين كانوا يتعرضون للهجوم الروسي، قد يكون هدفاً من الأهداف التي سعت روسيا إلى تحقيقها من وراء التدخل، ليس هناك من الدلائل ما يقطع بأنه كان الهدف المبدئي حيث يعتقد أن هناك أهدافاً أخرى أكثر أهمية للروس، منها مثلاً إحكام سيطرتهم تماماً على "أوسيتيا الجنوبية" و"أبخازيا" وتفكيك القدرات العسكرية لجورجيا، وإحباط طموحها للالتحاق بـ"الناتو"، وإرسال رسالة واضحة لباقي أجزاء الاتحاد السوفييتي السابق، بشأن ما يمكن احتماله من قبل موسكو وما لا يمكن احتماله.
ثالثاً:اللجوء إلى العمل العسكري كخيار أخير فقط، لا يبدو أن الحل السلمي لما كان يدور في القوقاز كان بعيداً عن المتناول، إذا كان صدور نداء من مجلس الأمن الدولي إلى جورجيا بإيقاف عمليتها العسكرية كفيلاً بوضع "تبليسي" تحت ضغط شديد، يدفعها للامتثال لنداء مجلس الأمن. وعلى رغم أن روسيا حثت مجلس الأمن في السابع من أغسطس، على الدعوة لوقف إطلاق النار فإن الخلاف حول ما إذا كان البيان الذي كان سيصدر من المجلس سيشير إلى التكامل الترابي لجورجيا أم لا، أدى في النهاية إلى عجز المجلس عن اتخاذ إجراء، ولو كانت الأطراف ذات العلاقة قد لجأت إلى استخدام بعض المرونة، لكان من الممكن إيجاد حل للموضوع. وموقف روسيا بشأن اللجوء للعنف" كخيار أخير" تعرض للمزيد من الضعف، بسبب الهجوم الذي شنته لاحقا على الأراضي الجورجية، الواقعة خارج حدود أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا.
رابعاً: تناسب حجم رد الفعل مع الفعل ذاته، إن إدخال 20 ألف جندي روسي، و100 دبابة إلى "أوسيتيا الجنوبية" و"أبخازيا" وأراضي جورجيا الأصلية يبدو كرد فعل مبالغ في عنفه. ثم جاء الحصار الروسي البحري في البحر الأسود، والقصف الجوي لـ"جوري" و"بوتي" و"زيوجديدي"، ولمصنع طائرات في "تبليسي" ليقطع بأن ذلك الهجوم قد تجاوز إلى حد كبير "الحد الأدنى الضروري" من العنف.
خامساً: أن تكون المنفعة التي ستترتب على التدخل أكبر من الضرر الذي يمكن أن ينجم عنه: هذه حجة يصعب للغاية الحكم عليها بالاستناد إلى الأدلة الحالية بشأن تدفق اللاجئين، والأعمال الانتقامية المنفلتة التي قام بها الانفصاليون الأوسيتيون الجنوبيون ضد الجورجيين، ناهيك عن القلق بشأن التداعيات الأوسع نطاقاً التي يمكن أن تترتب على الاستقرار الإقليمي والعالمي.
الرد النهائي على اعتماد روسيا على القرار الخاص بـ"المسؤولية عن الحماية" لتبرير ما قامت به في جورجيا، هو أنه لم يكن هناك أي قرار من مجلس الأمن يمنح سلطة قانونية للتدخل العسكري، وهو شرط اشتكت موسكو كثيراً من عدم توافره في كوسوفو عام 1999(ثم في العراق عام 2003). ففي 2005، كان موقف الجمعية العامة للأمم المتحدة واضحاً للغاية بخصوص أنه عندما تسعى أي دولة للجوء لخيار القوة لمعالجة موقف تنطبق عليه شروط "المسؤولية عن الحماية"، فإنها يجب أن تفعل ذلك من خلال مجلس الأمن الدولي.
حالة روسيا- جورجيا تسلط الضوء على الأخطار التي قد تترتب على قيام الدول سواء بشكل فردي، أو جماعي، بتفسير القوانين والأعراف العالمية حسب هواها. مشاعر الغضب العارم التي نحس بها بسبب ما يرد إلينا من تقارير خبرية من القوقاز عن مصرع مدنيين، وحالات للتطهير العرقي يمكن أن يكون لها تأثير غير مقصود يتمثل في وضع غشاوة على عقولنا يمكن أن تؤثر على حكمنا بشأن أفضل استجابة ممكنة يمكن أن نقوم بها تجاه روسيا. إن هذا السبب تحديداً هو الذي يدعونا إلى تمرير أي إجراء بهذا الشأن بشكل جماعي، ومن خلال الأمم المتحدة. وكون الدول الكبرى الأخرى لم تكن مبالية بهذا الشرط المُقيِّد في الماضي، لا يجب أن يبرر بأي حال من الأحوال الأعمال الروسية في جورجيا، لأن قرارات الاقتصاص من الآخرين خارج نطاق القانون غالباً ما تكون خطرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق