هل تُقْدم دمشق قبل تكشّف مآل الغزل الايراني – الاميركي؟
ورشة قانونية على مستوى المعاهدة والمجلس الاعلى لا بد ان تسبق تبادل السفيرين
اتفاق فيينا يرعى المسار الديبلوماسي لكنه لا يأتي على ذكر اجراءات التمهيد
طلال عساف
ينشر في الاسبوع العربي في 4/8/2008
http://www.arabweek.com.lb/2547/liban2.pdf
شكلت زيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم الى بيروت الحجر الاساس في عملية ترميم العلاقات اللبنانية - السورية التي شهدت في خلال الفترة الفائتة اسوأ مرحلة من التعاطي بين البلدين.
وحلّت هذه الزيارة، في الشكل وفي المضمون، بداية لصفحة جديدة يفترض ان تبنى على اسس من الاحترام المتبادل لسيادة كلا البلدين واستقلالهما، طاوية بذلك صفحة من الشوائب التي اعترت العلاقات الثنائية خصوصا بعد اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري وانطلاق "ثورة الارز" وما تلاها من انسحاب للقوات السورية من لبنان في نيسان (ابريل) العام 2005 بعد وصاية لامست الثلاثين عاما.
كانت زيارة المعلم الثمرة الاولى لاعلان باريس عن ارساء علاقات ديبلوماسية بين لبنان وسوريا، على هامش قمة "الاتحاد من اجل المتوسط" منتصف تموز (يوليو)، حيث شكل موضوع العلاقات الطبق الرئيس في المحادثات الثنائية فجاءت زيارة المعلم للقصر الجمهوري، حيث سلم الرئيس العماد ميشال سليمان دعوة رسمية الى زيارة دمشق في أقرب فرصة، اول ترجمة عملية للمباحثات الرئاسية، وأول انعطافة في مسار العلاقات الثنائية، يؤمل ان يكون نحو الافضل.
وفيما ترى مصادر سياسية مطلعة في مجريات الاوضاع وتسارع الاحداث، أملا كبيرا في اعادة الامور الى صوابها نتيجة للمتغيرات الدولية والتطورات الاقليمية التي رافقت وترافق هذه العملية، يبرز شك لدى بعض من المراقبين في "النية السليمة لسوريا للسير في هذا الموضوع حتى خواتيمه من دون اللجوء الى المناورة والمماطلة كما جرت العادة في تعاطيها مع الملف اللبناني اثناء عهد الوصاية او بعد خروجها من لبنان في نيسان (ابريل) 2005، حيث عمدت الى عرقلة بناء الدولة واستكمال انتفاضة الاستقلال من خلال حلفائها في الداخل وما ادى اليه هذا الامر من تعطيل للحياة السياسية والاقتصادية في البلاد". ويبرر هؤلاء شكهم "بالوقت الذي صرف لناحية انجاز البيان الوزاري والتعنت الذي ابداه ممثلو فريقي الموالاة والمعارضة، وتمسك الاخيرة بروحية البيان الوزاري السابق لجهة ما ورد فيه من اقرار في حق المقاومة في الاستمرار في ظل وجود الاحتلال، والشق المتعلق منه بالعلاقات اللبنانية - السورية"، معتبرين ان المماطلة في البيان عبرت عن "رغبة النظام السوري بالقول للرئيس سليمان ان التوافق في لبنان غير متوافر حول البيان الوزاري فكيف بالاحرى حول اقامة العلاقات الديبلوماسية مع سوريا"، علما انّ الرئيس الاسد في باريس طالب الرئيس سليمان بهذا الاجماع قبل الالتفات الى الامور الاخرى العالقة بين البلدين.
ويرى مراقبون آخرون انّ "الفترة المقبلة كفيلة بايضاح مسار الامور في ما يتعلق بمسألة العلاقات الديبلوماسية لا سيما بعد الزيارات المتبادلة بين الرئيسين سليمان والاسد وانعقاد القمة اللبنانية - السورية". وتعتبر ان هذا "الملف في انتظار مسار التطورات الاقليمية وخصوصا على صعيد العلاقات الايرانية- الاميركية وسط معطيات عن تغيير واضح في موقف طهران وفي مقاربتها التحول الدولي حيال ملفها النووي، والذي انسحب جزئيا على كل من دمشق و"حزب الله"، فالقيادة السورية تقارب بتأن "الغزل" الاميركي - الايراني الرسمي، ولسان حالها "اننا وصلنا الى باريس من البوابة الاسرائيلية، في حين ان طهران سبقتنا الى واشنطن في خط جوي مباشر عبر سلوك الطريق السريع". وتاليا، ليس من المتوقع ان تقر دمشق سريعا مبدأ اقامة علاقة ديبلوماسية مع بيروت قبل انقشاع هذا المسار الايراني".
المعلم في الميزان
ولاقى الاعلان عن اقامة علاقات ديبلوماسية بين لبنان وسوريا ترحيب قوى المعارضة التي رأت في الخطوة "انعكاسا للمناخات الايجابية بعد زيارة وزير الخارجية السوري لبيروت والشروع في مسار تصحيح العلاقات اللبنانية - السورية، وفق ما يضمن تحقيق المصالح الاخوية المشتركة للبلدين".
من جهتها ابدت أوساط نيابية موالية ملاحظات على ما قاله الوزير السوري، أولها أن "إعلان المعلم عن عزم سوريا إقامة تمثيل ديبلوماسي مع لبنان، هو بحد ذاته نصر للبنان ولقوى الرابع عشر من اذار (مارس) التي سبق لها أن شددت منذ انطلاقة "ثورة الارز" على تحقيق هذا المطلب، لأنّه يؤكد استقلال البلدين واحترام احدهما لسيادة الآخر"·
وتصر هذه الاوساط على ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا، على أن يتضمن هذا الترسيم مزارع شبعا حتى تتمكن الدولة اللبنانية من المطالبة بها رسميا بطريقة شرعية تمهيدا لاستعادتها الى السيادة اللبنانية، وترى انّ ما "أثار الاستغراب هو كلام الوزير المعلم من أن وضع هذه المزارع تحت الوصاية الدولية لا يعني أنها تحررت، فهذا تدخل سوري واضح في الشؤون اللبنانية، لأن عملية إحلال قوات دولية مكان الجيش الاسرائيلي أمر يتقرر بين لبنان والامم المتحدة، وتاليا هو موضوع سيادي، يخص الدولة اللبنانية وحدها".
وتلفت الى أن "الموقف السوري بات على المحك، ولا بد أن تظهر النيات على حقيقتها من خلال ما ستتمخض عنه القمة اللبنانية- السورية، لجهة ما اذا كان الرئيس الاسد مستعداً فعلاً للمباشرة في إجراءات التبادل الديبلوماسي مع لبنان، وإعطاء جواب واضح عن مصير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية، خصوصا في ظل كلام المعلم في بيروت عن أن من صبر ثلاثين سنة في إمكانه ان ينتظر بضعة أسابيع، وهذا بحد ذاته، اعتراف سوري بوجود معتقلين لبنانيين في سوريا".
وتربط أي عملية تمثيل ديبلوماسي أو ترسيم للحدود "بجهود حثيثة من أجل وقف إرسال السلاح الى فئات محددة في لبنان، وعدم التدخل في شؤونه الداخلية، والسعي الى توفير الدعم للمؤسسات الدستورية، والكف عن سياسة التحريض وتأليب بعض القوى اللبنانية التي تدين بالولاء للنظام السوري على الحكومة، كما حصل في الاعوام الفائتة".
في القانون الدولي
وفي وقت برز فيه قول الامين العام للمجلس الاعلى اللبناني- السوري نصري خوري ان "إلغاء المجلس الأعلى والاتفاقات المرتبطة به يعني عودة العلاقات بين البلدين إلى الصفر، وان ثمة اعتبارات كثيرة يجب أن تؤخذ في الاعتبار عند الحديث عن إطلاق العلاقات الديبلوماسية، اساسها الواقع القانوني والإداري والتعاقدي"، يجمع خبراء في القانون الدولي على ان "تنظيم العلاقات بين لبنان وسوريا لا يلغي الاتفاقات التعاقدية بينهما وانما يلغي الآليات فتنتفي عندها ضرورة وجود المجلس الاعلى اللبناني- السوري الذي تصبح اعماله من مهام القنوات الديبلوماسية بين البلدين". ويقولون انّ "العلاقات التعاقدية بين الدول لا يجوز الغاؤها من جانب واحد الا اذا اعترتها شوائب قانونية، وفي ما عدا ذلك يمكن تعليق هذه الاتفاقات الى حين، حتى يصار الى تعديلها او تحديثها او الغائها ولكن بالاتفاق بين الدولتين المعنيتين".
ويلفت الخبراء الى انّ "معاهدة الاخوة والتنسيق والتعاون" وملحقاتها ( تضم122 اتفاقاً في مختلف المجالات) تشمل عناوين لتعزيز العلاقات بين لبنان وسوريا "وهذا ما لا يتناقض مع هدف الدولتين ومع الاعلانات التي صدرت عن رئيسي الدولتين. ويقولون انه "بالنسبة الى الآليات يمكن للتمثيل الديبلوماسي ان يؤكد مضمون الاتفاق ولكن الآليات لا تعود ضرورية في هذه الحال، اي المجلس الاعلى اللبناني- السوري الذي لم يجتمع في الاصل الا نادرا". ويشددون على "ضرورة اعادة النظر، بعد اقامة العلاقات الديبلوماسية، في الاتفاقات التي بنيت على اساس "معاهدة التنسيق والتعاون" بشكل يؤمن المصلحة المشتركة لكلا البلدين، بمعنى انّه يجب تحديثها بالنظر الى انها وضعت منذ 17 عاما ومن الضروري اعادة النظر فيها لتصويب ما امكن".
ويشير الخبراء في القانون الدولي الى ثلاث مراحل تمثل الآلية القانونية الواجب اتباعها في اطار تنظيم العلاقات الديبلوماسية، وهي: اعلان رئيسي البلدين المعنيين انشاء هذه العلاقات رسميا وليس الاكتفاء فقط باعلان نيات، ثم بدء حكومتي البلدين التحضير الى ارساء العلاقات، إن على مستوى البناء او التسهيلات اللوجستية، وتقديم الملفات بمواصفات المرشح الى منصب وزير والمرشحين الآخرين المؤهلين لتولي مناصب في السفارة. اما المرحلة الثانية فتقضي بتقديم السفير اوراق اعتماده الى رئيس الدولة المضيفة، يليها في المرحلة الثالثة مباشرة السفير بمهامه.
ويلفتون الى انّ توقيع المعاملات الرسمية لتنظيم العلاقات الديبلوماسية هو من مهام مجلسي الوزراء في كلا البلدين.
ليست كباقي العلاقات!
ويعتبر ديبلوماسي لبناني مخضرم عايش الازمات اللبنانية – السورية منذ منتصف القرن الفائت ان مبدأ القبول بالتبادل الديبلوماسي بين البلدين قائم ومتخذ من قبل، لكن الجديد الذي طرأ عليه هو انطلاق الحوار الرسمي بين البلدين حولهما. ويلفت الى ان الاجراءات السياسية لاقرار التبادل تنطلق مع انطلاق عمل الحكومة، اما الآلية اللوجستية فسيكون لها اطار خاص متمايز عن باقي الدول نظرا الى الحساسية الكبيرة التي تطبع هذا الملف.
ويضيف: لا شك ان وضع الترتيبات الخاصة لاقامة علاقات ديبلوماسية بين لبنان وسوريا مختلف عن أي وضع اخر. فالبلدان يربطهما تاريخ طويل من العلاقات المتأرجحة. وعلى الرغم من قدم الروابط الكثيرة، لم يحدث اي تبادل ديبلوماسي بذريعة ان الحاجة اليه انتفت ابان الوجود السوري في لبنان وتوقيع "معاهدة الاخوة والتنسيق والتعاون" في العام 1991 ووجود المجلس الاعلى اللبناني - السوري. كما انه تعذر اعلانها بعد خروج الجيش السوري بحكم التوتر الذي شاب العلاقة بين الجارين والذي بدأ يتلاشى مع بداية عهد الرئيس ميشال سليمان.
مراجعة شاملة
وعلى الرغم من ان اعلان التبادل الديبلوماسي تحكمه اعراف تبدأ من نيويورك على لسان المندوبين الدائمين للدولتين المعنيتين لدى الامم المتحدة، ويتبعها بيان مشترك يصدر في الوقت نفسه من وزارتي خارجية كلا البلدين، فالمسألة تختلف في الواقع اللبناني – السوري. ودون هذه الخطوة مراجعة كل الاتفاقات الموقعة في اطار المعاهدة والملحقة بها واعادة النظر في عمل المجلس الاعلى الذي لا يحق له ممارسة أي عمل ديبلوماسي. لكن اختلاف الشكليات لا يعني عدم التقيد بإتفاق فيينا للعلاقات الدبلوماسية الموقعة في العام 1961، والذي يحكم مسار العلاقات الديبلوماسية بين دولتين فضلا عن الامتيازات والحصانات الدبلوماسية التي تنص على تحسين علاقات الصداقة بين البلدان مهما تباينت نظمها الدستورية والاجتماعية، غير انها لا تأتي على ذكر اجراءات التمهيد لهكذا خطوة واكتفت في المادة الثانية منها بالنص الآتي: "تنشأ العلاقات الدبلوماسية بين الدول وتوفد البعثات الدبلوماسية الدائمة بناء على الاتفاق المتبادل بينهما".
وعن آلية تعيين السفير المعتمد لدى الدولة الاخرى يحدد الاتفاق في المادة الرابعة انه "يجب على الدولة المعتمدة أن تتأكد من الحصول على موافقة الدولة المعتمد لديها قبل أن تعتمد مرشحها رئيساً لبعثتها لدى الدولة الثانية. ليست الدولة المعتمد لديها مضطرة الى أن تذكر للدولة المعتمدة أسباب رفضها قبول الممثّل المقترح".
ويلاحظ الديبلوماسي المخضرم ان اعلان الاتفاق اللبناني - السوري عن اقامة تبادل ديبلوماسي لم يأت على لسان احد رئيسي البلدين، بل تحدث فيه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الراعي للقاء الاول بين الرجلين منذ انتخاب سليمان رئيسا، لكن الاجراء الرسمي يحتم ان يعلن الجانبان المعنيان مثل هذا الاعلان، تزامنا ووفق آلية متعارف عليها، بدءا بالموافقة المبدئية على الفكرة مرورا بتأمين الضرورات اللوجستية لتجسيده من مقر ومساكن لطاقم البعثة الديبلوماسية، وانتهاء بالموافقة الرسمية على ترشيح كلا البلدين لسفيرهما لدى البلد الاخر. ومن المفترض ان تكون الصورة قد اكتملت بإعادة النظر في الاتفاقات المعقودة والموافقة على اعتماد سفيرين.
ويعتبر ان الملف الاهم الذي يجب ان تسير مع ملف التبادل الديبلوماسي جنبا الى جنب هو تحديد الحدود بين البلدين المتداخلة بشكل كبير في مناطق عدة في البقاع والشمال، على ان تبقى مسألة ترسيم مزارع شبعا رهن الانسحاب الاسرائيلي منها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق