الاثنين، 7 يوليو 2008

هكذا اسهمت 4 عواصم في تسهيل الحل الحكومي .. بعدم تدخلها

Sphere: Related Content
حكومة الوحدة ليست اولى افرازات الجمهورية الثانية ... ولا هي ترف وارتزاق
هكذا اسهمت 4 عواصم في تسهيل الحل .. بعدم تدخلها

انتهت طريق الجلجلة الحكومية فمتى يسلك لبنان درب القيامة؟

طلال عساف
ينشر في "الاسبوع العربي" في 14/7/2008

النسخة الحكومية الجديدة ليست غريبة عن اورشليم او عن الابجدية السياسية اللبنانية، كما انها ليست باكورة افرازات لبنان في حكومات الوحدة. فأولى حكومات الجمهورية الثانية وُلدت تحت هذا المسمى وجمعت بين دفتيها كل قادة الميليشيات يمينا ويسارا. غير انها اخذت من الوحدة ومن الاتحاد الاسم فقط. وثمة من اللبنانيين من يخشى ان تكون الحكومة التي هم في صددها، امتدادا فولكلوريا لاشباه حكومات الوحدة على امتداد التاريخ اللبناني الحديث، في حين انه يرتقبون حكومة تتحول منبر مناقشة وحوار وتواصل لا مناكفة، ومصدرا لابتكار الحلول لا المشاكل، كي لا تتحقق الخشية من ان هكذا حكومة هي في الاساس بدعة في النظام الديموقراطي، حتى في اصعب ايام المحن والشدائد حيث الوحدة والاتحاد خيار وممارسة وامتهان لا مهنة وارتزاق وتكسّب وترف.
كان لبنان على موعد مع الخروج من غرفة العناية الفائقة، في الخامس والعشرين من ايار الفائت مع انتخاب العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية. لكن العقد التي اخرت تشكيل حكومة الوحدة الوطنية التي نص عليها اتفاق الدوحة، معطوفة على التوترات والاشتباكات الامنية في مناطق الشمال والبقاع، اسهمت في تدهور حال الاستقرار التي وعد بها اللبنانيون بعد ازمة عامين كاملين.
جهود واتصالات مكثفة دمغَتْ المرحلة السياسية في الآونة الاخيرة بعد جمود كاد ينبئ بإستمرار الازمة الحكومية فترة لا تقل عن سابقتها الرئاسية وظهر الحراك السياسي كأنه حركة بلا بركة، ولكن مسار الامور تبدل فجأة و"انزلق" البلد الى تفاؤل، وتقدمت الايجابية عند جميع الافرقاء، فتفاءلوا معا بعدما تشاءموا معا، وتراشقوا عبارات الاتهام بالتعطيل.
الحكومة على طريق جلجلة
سلكت الحكومة طريقها الى النور بعد مخاض عسير، وطريق جلجلة جعل ولادتها طبيعية من دون استدعاء اي تدخل عربي مباشر لحلحلة العقد التي ظهرت من حيث الشكل محلية وحلت داخليا، ما خلا الحضور القطري المتاربع منذ توقيع الاتفاق. ونفذ البند الثاني من اتفاق الدوحة الذي يقضي بتشكيل حكومة وحدة وطنية بعد انتخاب رئيس الجمهورية تمهيدا للشروع في حوار وطني في قصر بعبدا للبحث في النقاط الخلافية ومناقشة الاسس المشتركة لبناء الدولة كما ورد في خطاب القسم الرئاسي.
العقد الداخلية في تشكيل الحكومة لم تجعل بعض المتابعين يغفل النظر عن الامتدادات الاقليمية والدولية للازمة الحكومية. فرُبطت الحلحلة بزيارة الرئيس السوري بشار الاسد لفرنسا في الثاني عشر من الجاري للمشاركة في القمة الاورو- متوسطية والحديث عن ارتباط نوعية الاستقبال بمدى تسهيل اسكتمال تنفيذ بنود اتفاق الدوحة وخصوصا في ما يتعلق بتشكيل الحكومة اللبنانية، اضافة الى الانتقادات التي تلقتها فرنسا من جراء الدعوة و"التسرع في تطبيع علاقتها مع سوريا" من دون الحصول على اوراق رابحة في المقابل وخصوصا في ما يتعلق بالازمة اللبنانية.
في هذا السياق يرى بعض المتابعين لمجريات تطورات الاحداث انّ "تسهيل ولادة الحكومة لم يكن ليتم مباشرة بعد انتخاب رئيس الجمهورية لاسباب عدة منها كسب الوقت على المستوى الاقليمي حتى اقتراب موعد زيارة الرئيس الاسد لباريس وظهوره بلبوس العنصر المسهل في حلحلة الازمة اللبنانية بدءا من الانتخاب الرئاسي وحتى تشكيل حكومة الوحدة وانطلاقة العهد، ما سيؤثر مباشرة على حيثيات زيارته للعاصمة الفرنسية ومباحثاته مع الرئيس نيكولا ساركوزي، اضافة الى وجوده بين رؤساء دول عدة منهم من قاطعه لفترة غير قليلة على خلفية ازمات المنطقة من العراق الى لبنان الى فلسطين واتهامه بالضلوع في دعم الارهاب".
حسابات انتخابية
ويضيف محللون آخرون الى هذا العنصر الاقليمي، عناصر داخلية لا تقل اهمية ويربطونها بحسابات سياسية وانتخابية محلية. فيرى هؤلاء ان بعض الاطراف وخصوصا القوى المسيحية المعارضة وابرزها "التيار الوطني الحر"، ارادوا تأخير الحكومة الى هذا التوقيت، نظرا الى اهمية اطلاق "اللقاء المسيحي الوطني" وما قد يشكله بالنسبة اليهم من زخم على المستويين السياسي والشعبي وما قد يراد منه من تكريس لزعامة رئيس تكتل "الاصلاح والتغيير" النائب العماد ميشال عون على المستوى المسيحي تثبت دعائمها الانتخابات النيابية المقبلة السنة 2009 التي ينظر الى التيار امتحانا يدحض الكلام على تراجع شعبية العماد عون.
ويعتبر المحللون ان الاتفاق على الحكومة بعد تذليل عقد تمثيل المعارضة وخصوصا في ما خص الحقائب العائدة الى تكتل "الاصلاح والتغيير"، مباشرة بعد ساعات قليلة من اعلان هذا اللقاء، خير دليل على صوابية هذه القراءة".
ويرى هؤلاء في خطاب الامين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصرالله في ظهوره الاخير في المؤتمر الصحافي الذي خصصه لاعلان تفاصيل صفقة تبادل الاسرى، ايجابية ملحوظة من حيث الشكل والمضمون في ما خص الشق المتعلق بالشأن السياسي الداخلي "حيث ابدى انفتاحا وترحيبا بأي لقاء سياسي واصرارا على اتمام تشكيل حكومة الوحدة الوطنية وتنفيذ اتفاق الدوحة بكل بنوده، كما ابدى مرونة في ما خص موضوع سلاح المقاومة".
ويلحظون "بقاء "حزب الله" في كواليس مطالب التشكيلة الحكومية وعدم مطالبته بوزارات اساسية او ما يوصف "سيادية" ولا حتى بوزارات خدماتية بارزة، في مقابل حصول حلفائه في المعارضة على المطالب التي ذهبوا اليها".
ويتوقف المراقبون من حيث الشكل عند الالتزام الكامل لجمهور المقاومة طلب السيد نصرالله بعدم اطلاق الرصاص اثناء القائه خطابه، رابطين هذه الظاهرة بالمناخ السياسي الايجابي السائد منذ مطلع شهر تموز، مؤشرين الى قدرة القادة على ضبط الشارع والجماهير عند توافر الارادة والمناخ السياسي المناسب."
في الموازاة، ثمة من يرى ان المسألة أبعد وأعمق من حصص وحقائب وزارية، لإعتفادهم ان القطب المخفية أهم من التعقيدات الظاهرة. وهذا ما فسّر التأخر الذي تراكم تعقيدات ومزايدات قبل الرسو في ميناء الحل، لا سيما ان استمرار من دون حكومة كان يعني حكما أن اتفاق الدوحة في مأزق وأن العهد الجديد مهدد في انطلاقته، وأن الاستقرار السياسي والأمني غير متوافر. ولأن الرئيس سليمان مدرك هذه الحقيقة، لم يتوان عن جعل تشكيل الحكومة اولويات الاولويات تسبق الحديث عن قانون الانتخاب او الحوار حول سلاح "حزب الله".
مؤشرات خارجية لحل داخلي
في قراءة بعض البعثات الديبلوماسية ان عوامل اقليمية بارزة تراكمت الى جانب العناصر الداخلية لتجاوز كل العقد التوزيرية والسياسية:
-فالتطورات الإقليمية المحيطة كالتفاوض غير المباشر بين سوريا وإسرائيل، واتفاق الهدنة في غزة، وصفقة التبادل بين "حزب الله" وإسرائيل، وتراجع حدة الاحداث في العراق، والمسهلات الاوروبية والاميركية في الملف النووي الايراني، انسحبت إيجاباً على لبنان واسهمت م في استئناف تطبيق اتفاق الدوحة، على لارغم من ان الوضع في لبنان غالبا ما يسلك اتجاهات مغايرة ويتحرك على إيقاعات خاصة به.
-وهذه التطورات الايجابية بددت الانطباع بأن اتفاق الدوحة يعاني من مشكلة، وأن قوة الدفع التي أوجدها أنتجت انتخابات رئاسية وتوقفت عند هذا الحد، وأن التقاطع الخارجي الذي حصل على انتخاب الرئيس سليمان ليس حاصلا على تشكيل الحكومة.
-كما انها بددت الاعتقاد بأن الموقف الإقليمي - الدولي لا يبدو مكترثاً بالأزمة الحكومية ولا يبدو معنياً بالبحث عن مخارج لها أو المساعدة في تذليل العقبات الموجودة، علما ان اصرار بعض العواصم على تصنيف الأزمة على أنها داخلية جعل القادة اللبنانيين يتحملون مسؤولية حلها.
وكان جليا، في التقويم الديبلوماسي المذكور، ان لا مصلحة لأي من العواصم المعنية بالملف اللبناني في التدخل لتسهيل تشكيل حكومة الوحدة، لكن لم يكن لها مصلحة للتدخل ومنع تشكيلها:
أ-فالولايات المتحدة الاميركية التي جاهرت بتفضيلها استمرار حكومة تصريف الأعمال على حكومة جديدة تعطي الثلث المعطل للمعارضة وتعطي حزب الله قدرة التأثير وموقعاً متقدماً في الحكم، عادت وتفهمت اهمية وضرورة تسجيل اختراق في الازمة اللبنانية، سجل في اتفاق الدوحة. والتقارير السياسية الصادرة عن مؤسسات استراتيجية ومراكز ابحاث اميركية مرموقة Think Tank، اثّرت في التوجه الاميركي، وجعلت واشنطن تدرك ان "استمالة" سوريا في السعي الى فصلها عن ايران، تكون اكثر ما تكون من البوابة اللبنانية وجعلها عاملا مساعدا في استيلاد الحل.
ب-ولاقت سوريا هذا الفهم الاميركي المستجد، فتقدمت اولا بإستدراج عروض، ثم انصرفت الى تسهيل انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة لما لها من دالة على حلفائها. وكان لرئيس تيار "المردة" الدور الابرز في هذا الشأن.
ج-والسعودية التي قيل انها دعمت على مضض اتفاق الدوحة لأنه جاء من خارج رعايتها المباشرة ودورها القيادي في المنطقة، حرصت على ابراز حياديتها في الاسبوع الاخير الذي سبق الحل الحكومي، وجعلت سفيرها الدكتور عبد العزيز خوجة "حبيس" الرياض الى ان يُدْبِر الفرج الحكومي، على الرغم من استمرار التوتر في علاقتها مع سوريا وإيران.
د-اما إيران التي خفتت الضغوط الدولية عليها من عقوبات وتهديدات مباشرة بعد "صلح الدوحة" اللبناني، فإبتعدت عن التدخل للتأثير في الملف الحكومي، وهي تميل الى "الانحناء" في وجه العاصفة مع استمرار التلويح العسكري الإسرائيلي - الأميركي المتزايد ضدها.

ليست هناك تعليقات: