الاثنين، 16 يونيو 2008

"الغرباء" في عين الحلوة و"مثلثات" جنوبية تقلق البعثات واجهزة الاستخبارات وعبوتا العبدة استهدفتا مرشحا لقيادة الجيش

Sphere: Related Content
الهاجس الامني – الاصولي الى الواجهة بعد التفجيرات المتنقلة والتعقيدات السياسية توسّع مخاطر التفلّت
"الغرباء" في عين الحلوة و"مثلثات" جنوبية تقلق البعثات واجهزة الاستخبارات

شريطا العبسي مزوران واصوليون يتسترون بباعة متجولين يحضّرون لعمليات انتحارية
سليمان أخّر اسبوعا زيارة بكركي بعد تحذيرات وعبوتا العبدة استهدفتا مرشحا لقيادة الجيش


طلال عساف
لم يحجب التعقيد الحكومي، الملف الآخر المساوي خطورة المرتبط بإعادة تحريك الهاجس الامني المتنقل بين المناطق، حوادث وتعديات وتصفيات لا تزال محدودة. وتشي هذه التطورات بأن استمرار التأزم السياسي من شأنه ان يعيد فتح البلاد على مناخات امنية خطرة ومعقدة، مشابهة لتلك التي خطفت ألباب اللبنانيين على امتداد الاعوام الثلاثة الفائتة، لكن مع فارق اقحام ملف الاصوليات المرتبطة بتنظيم "القاعدة"، عنصرا ضاغطا في الصراع.

تتعدد الجهود الامنية والاستخبارية والديبلوماسية في البحث عمّا يتوافر من معطيات عن الملف الامني – الاصولي، الاكثر حضورا في ملفات السفارات الغربية وخصوصا تلك التي لبلادها اسهام في القوة الدولية المعززة. ولم يتوان بعض السفارات والملحقين العسكريين عن انشاء شبكات مخبرين بمهمة محددة، تتعلق ربطا وحصرا بأمن هذه القوات، في ضوء تكرار التهديدات الاصولية المرتبطة بنشاط مستجد لـ "القاعدة"، كان آخرها استحضار زعيم مجموعة "فتح - الاسلام" شاكر العبسي من الشريطين التهديديين لـ "الغزاة" والصليبيين" والمرتدة".
استحضار العبسي
وتعتقد جهات عدة معنية أن هذين النصين المسجلين والذي لم ترافقهما الصورة هما من تصنيع جهاز استخباراتي يرمي إلى تعويم قوة سياسية محددة، فضلاً عن الرغبة في إثارة حساسيات معينة. وتعتبر أن عملية إعداد النصين وبثهما تنطوي على الكثير من السذاجة في فهم الفكر الاولي واللغة التي يعتمدها هذا الفكر.
وتجزم هذه الجهات ان التسجيلين ليسا لشاكر العبسي المعروف من السلطات اللبنانية في المؤتمرات الصحافية التي كان يعقدها في مخيم نهر البارد.
وتردد ان الاجهزة الامنية اللبنانية طلبت من مختبرات عالمية متطورة تعتمدها لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، إجراء فحوص على البصمة الصوتية للعبسي في نسخته الصوتية التي أطل بها مرتين، فتبيّن أنها تختلف جذريا عن البصمة الصوتية العائدة له في نسخته الصوتية التي كان يظهر فيها من مخيّم نهر البارد.
وتجري هذه الاجهزة تحقيقات للوقوع على الجهات او المجموعات التي تتستر بالعبسي لتهديد أطراف لبنانيين ولتوسعة مقادير الفتنة.
وكان زعيم تنظيم "فتح الإسلام" قد اتهم في التسجيل الاخير المنسوب اليه بعنوان "نداء إلى أهل السنّة في لبنان" زعماء السنّة بـ "الخيانة" وتلقّي الأوامر من الإدارة الأميركية، و"حزب الله" بـ "شن حرب مذهبية" على خلفية مواجهات السابع من أيار (مايو). ودعا السنّة في لبنان إلى "الالتفاف حول راية التوحيد"، ملوّحاً بأن "وقت المفاصلة قد حان"، وأن "مفخخات العراق وكتائب الاستشهاديين ليست بمنأى عن أعداء الله أينما كانوا". ورأى أن الصراع الإيراني - الأميركي في المنطقة هو نزاع "صليبي – رافضي". وندد العبسي بموقف الجيش خلال المواجهات في بيروت، زاعما إنه "خذل" السنّة الذين وقفوا معه في معارك نهر البارد، و"اصطف مع الروافض في حربهم". وقال: "يا أبناء أبي بكر وأبي عبيدة وخالد، انظروا كيف قادتكم زعماء الردة إلى الذل والهوان، وجعل أبناء المتعة يسخرون منكم. إن هدف سعد وعباس ونصر اللات واحد، وهو إذلال أمة التوحيد وتمزيقها. واحد يأتمر بأوامر بوش، والآخر يمتثل أوامره عبر آيات الشيطان في طهران".
"غرباء" عين الحلوة والمثلث الجنوبي
وكان مخيم عين الحلوة، الاكبر بين التجمعات التي يقطن فيها اللاجئون الفلسطينيون واقلها استقرارا قبل احداث مخيم نهر البارد قبل عام، يسكنه راهنا نحو 75 الف لاجئ بعدما كان انشئ العام 1948 بسعة 15 الفا، قد عاد هو الآخر الى الواجهة الامنية وسط هواجس من وجود تنظيمات تدأب في تشريع هذا المخيم على فوضى امنية واسعة، اثر الاعتداءين اللذين تعرض لهما الجيش اللبناني عند مداخل المخيم في 31 ايار (مايو) ثم في الحادي عشر من حزيران (يونيو). وتبين ان المنفذَّيْن من التابعية السعودية ويحتلان موقعين قياديين في احدى المنظمات الاصولية ولهما شركاء او مجموعات اتصال وتواصل داخل المخيم. واثر هذين الحادثين، شهدت منطقة الطوارئ الفاصلة بين مخيم عين الحلوة ومنطقة التعمير انتشاراً مسلحاً في المنطقة التي لم ينتشر فيها الجيش اللبناني خلال تموضعه في منطقة التعمير عين الحلوة في 25 كانون الثاني (يناير) 2007، وهي لا تخضع الى سلطة الفصائل الفلسطينية.
وطرح أكثر من علامة استفهام عن خلفيات هذا التحريك الأمني الذي واكبته تقارير أمنية عن خلايا نائمة أصولية من غير الفلسطينيين باتوا يعرفون على نطاق واسع بـ "الغرباء".
وكثف الجيش إجراءاته بدءا من نهاية الاسبوع الفائت من خلال التدقيق في هوية المارة واخضاع السيارات الى التفتيش عبر جهاز كشف المتفجرات استخدم للمرة الاولى. كما ان القوى الأمنية المشتركة أعادت تمركزها في منطقة التعمير - عين الحلوة بعد الاتفاق الذي جرى بين الفصائل والتيارات الفلسطينية الوطنية والاسلامية، وتدرس لجنة مصغرة انشاء قوة امنية مشتركة لدعم "الكفاح المسلح الفلسطيني" في مهام حفظ الامن والاستقرار مع الاتفاق على رفع الغطاء السياسي عن كل مخل.
وتستعدّ المنظمات الفلسطينية لتنظيم السلاح داخل المخيمات، من خلال اعادة احياء الصيغة التي اقترحتها قبل عام ونيف لتشكيل "لواء العودة" الذي يأتمر بهيئة الأركان ويرتبط بغرفة عمليات الجيش، فيصبح كل السلاح تحت السيطرة اللبنانية.
وسجلت معلومات امنية تسلل "غرباء"، منهم من تحرك تحت ستار باعة متجولين، إلى المخيم ليختفوا في دهاليز تابعة لجماعات متشددة، فيما حاول بعضهم استئجار منازل على أنهم عمال فقراء لا قدرة لهم على السكن في مدينة صيدا أو في المناطق المجاورة، حيث بدلات الإيجار مرتفعة.
وثمة من يتهم بالإسم مسؤولين في حركة إسلامية بارزة باستقبال بعض المشبوهين يتأبطون خطابا في اتجاه تغيير الواقع في المخيم وتوظيفه عسكرياً في مواجهة ما. وتصدت الاحزاب الفلسطينية لطرد هؤلاء الغرباء مع تحذير إلى جهات معينة داخل المخيم بأنها ستدفع ثمنا كبيرا لأي محاولة لتكرار تجربة مخيم نهر البارد.
وثمة شبهة موثقة عن وجود عناصر من تنظيم "القاعدة"، يناهزون الثلاثين من جنسيات عربية مختلفة وهم مدربون ومسلحون عبروا لبنان عبر الحدود، قد يعمدون الى عمليات انتحارية تستهدف اما اطرافاً سياسية واما دورا لعبادة او مراكز حزبية محددة، في ضوء حادثة مقتل الانتحاري الذي ارداه الجيش عند مدخل المخيم وتبين انه وضع على وسطه حزاما متفجرا.
وكشفت مصادر امنية رفيعة لـ "الاسبوع العربي" عن تقارير تلقتها اجهزة رسمية عسكرية تفيد بدخول مجموعة من "الغرباء" الى المنطقة الممتدة بين مفرق العباسية في الجنوب حتى بلدة القاسمية، مرورا ببلدة البرغلية حيث يوجد مخيم للاجئين الفلسطينيين. واشارت الى ان المجموعة هذه، التي يشتبه في انها تنتمي الى تنظيم "القاعدة"، سبق ان شاركت في عمليات عسكرية ضد الجيش الاميركي في العراق.
وابدت خشية من ان يكون برنامجها "الجهادي" استهداف وحدات الجيش اللبناني المنتشرة في المنطقة، وكذلك القوة الدولية المعززة العاملة في اطار "اليونيفيل".
استهداف لسياسيين وعسكريين
ويبقى الحادث الاخطر القنبلتين اللتين فككهما الجيش على الطريق الدولية الرابطة بين العبدة وحمص السورية، على مقربة من مطار القليعات حيث يقيم الجيش مركزا يبعد نحو سبعة كيلومترات عن مخيم نهر البارد، ونحو اربعة كبلومتات عن الحدود مع سوريا. وتبين ان العبوتين دُسّتا في علب للحليب المجفف، واوصلتا بسلك رفيع لينفجرا في آن واحد بمجرد ربطهما بفتيل. وهما شبيهتان تقنيا بالعبوة التي انفجرت في مركز للاستخبارات العسكرية في العبدة، واسفرت عن استشهاد جندي.
ووضعت مصادر أمنية رفيعة العبوتين في سياق استهداف متوقع لشخصيات امنية وعسكرية، خصوصا ان احداها كانت ستسلك الطريق المستهدف بعد ربع ساعة على اكتشافها. وتردد على نطاق ضيق ان الجناة كانوا يستهدفون على الأرجح قائد اللواء الثاني عشر في الجيش العميد جان قهوجي، وهو من المرشحين لترؤس المؤسسة العسكرية.
ورفعت المؤسسات الامنية والعسكرية الجهوزية لحماية ضباطها الكبار، بعد توافر معلومات عن وضع هؤلاء في مقدم لائحة الإستهداف في هذه المرحلة، في سيناريو مشابه لاغتيال مدير العمليات في الجيش اللواء الشهيد فرنسوا الحاج ومدير المعلوماتية في جهاز المعلومات الرائد شهيد وسام عيد.
وتزامنت هذه الحادثة مع تكرار الخروق الامنية في محيط مخيم عين الحلوة.
وكان رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان قد ارجأ الى الاحد في الثامن من حزيران (يونيو) زيارة البطريرك الماروني الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير والتي كان مخططا لها في الاول من هذا الشهر، بسبب وجود تحذيرات استخبارية محددة من امكان تعرض موكبه الى اعتداء.
كما ان شخصيات سياسية ووزارية وحزبية تلقت تحذيرات امنية مشددة من امكان حدوث اغتيالات او استهدافات شخصية، شبيهة بالاغتيالات والاستهدافات السابقة. وتبين ان مصدر بعض هذه التحذيرات والتنبيهات غير محلي، وشبيه باللوائح السوداء التي تم التداول فيها، خصوصا في فترة رئاسة المحقق الالماني ديتليف ميليس لجنة لتحقيق الدولية، قبل نحو عامين ونيف.

ينشر في مجلة "الاسبوع العربي"
في 23/6/2008

ليست هناك تعليقات: