بيروت تستعدّ لاستحقاق النقاش حول موقفها في مجلس الامن من الملف النووي لطهران
مهمة شاقة لبيرنز: تصويت لبنان على العقوبات الايرانية!
قوى الغالبية تنتقد عودة "الخطاب التخويني" بالتزامن مع النقاش الدولي حول ايران
ينشر في "الاسبوع العربي" في 22/2/2010
تراجعت، نسبيا، حدة التصعيد الاسرائيلي ضد لبنان في موازاة بدء حملة اميركية ديبلوماسية في الشرق الاوسط، تشمل لبنان، لشرح الخطوات التي تزمع واشنطن وضعها قيد التنفيذ ضد طهران، في طليعتها تشديد العقوبات الاقتصادية.
حلّ وكيل وزيرة الخارجية الاميركية للشؤون السياسية ويليام بيرنز منتصف الاسبوع الفائت ضيفا في بيروت ودمشق، في مهمة معقدة نظرا الى انها النقطة المركزية فيها هي الملف النووي الايراني والاجراءات التي تعد لها الادارة الاميركية والتي تبغي واشنطن التمهيد لها بأوسع حركة تشاور في الشرق الاوسط، اضافة الى العلاقات الثنائية ومجموعة من القضايا الاقليمية تراوح بين التوتر بين اسرائيل وسوريا ولبنان، والانتخابات العراقية، ودور ايران في المنطقة.
وكانت دمشق وبيروت قد تبلّغتا في الاسبوع الاول من شباط (فبراير) بزيارتي بيرنز من دون ان توضح وزارة الخارجية الاميركية جدولهما ونقاط البحث، علما ان هذه الزيارة هي الارفع لمسؤول اميركي الى دمشق منذ زيارة ريتشارد ارميتاج ولقائه الرئيس السوري بشار الاسد في كانون الثاني (يناير) 2005. كما ان بيرنز هو كبير المفاوضين الاميركيين في موضوع الملف النووي الايراني، وقاد الوفد الاميركي الى جنيف في تشرين الاول (اكتوبر) 2009، والتقى نظيره الايراني سعيد جليلي، على هامش لقاء دول الخمس زائد واحد مع ايران.
مهمة مزدوجة
وقال مصدر ديبلوماسي عربي في بيروت ان مهمة المسؤول الاميركي الرفيع تأتي بعد ايام من ارسال دمشق إلى واشنطن عبر قنواتها الدبلوماسية موافقتها على اقتراح تسمية روبرت فورد سفيرا أميركيا في العاصمة السورية، بعد انقطاع استمر منذ شباط 2005، يوم قررت واشنطن سحب سفيرتها مارغريت سكوبي اثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري، مع الاشارة الى ان امر الاعلان الرسمي عن اسم السفير يعود الى البيت الابيض وفقا لأحكام البروتوكولات الدولية، تمهيدا لتقديمه الى مجلس الشيوخ للموافقة عليه بعد الاستماع الى السفير المعيّن. كما تأتي هذه التسمية بعد شهر تقريباً على تسليم المبعوث الخاص إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل الاقتراح الأميركي الى القيادة السورية. ويشغل فورد منصب نائب السفير الأميركي في بغداد، كما سبق له أن عمل سفيراً في الجزائر، ويتقن العربية ويلم بالتركية.
وكشف المصدر ان مهمة بيرنز عنونتها وزارة الخارجية "ايران لا غير"، وتهدف الى استكشاف المقاربتين اللبنانية والسورية للملفات والعناوين الحامية على مستوى الاقليم، في مقدمها الملف النووي الايراني ومسألة "حزب الله" وسلاح المقاومة.
ولفت الى ان واشنطن تسعى في هذه المرحلة حيث تهدد عواصم القرار بتشديد العقوبات على طهران، الى توظيف هذا التهديد في محاولة لتحريك ما تسميه الادارة الاميركية "إبعاد سوريا عن ايران"، و"ممارسة الضغط على سوريا لوقف تزويدها السلاح الى "حزب الله".
لبنان في مجلس الامن
واشار المصدر الديبلوماسي الرفيع الى ان لزيارة الديبلوماسي المخضرم ذي الخبرة الواسعة في شؤون المنطقة، الى لبنان دلالاتها، اذ تؤكد نمطاً ملحوظاً في تعامل ادارة الرئيس باراك اوباما مع لبنان وسوريا، ذلك ان المسؤولين الاميركيين يتوقفون، منذ العام 2004، في بيروت وهم في طريقهم الى دمشق، في مؤشر واضح الى اللبنانيين والسوريين الى ان واشنطن لن تقلص اهتمامها بلبنان والتزامها ثوابت علاقاتها معه في سعيها الى تطوير العلاقات مع سوريا، حتى لو تراجع هذا الاهتمام الى مرتبة ثالقة بعد افغانستان والعراق.
واوضح ان بيرنز يسعى في بيروت ودمشق الى احتواء التوتر مع اسرائيل، مع عدم اغفاله القضايا التي هي في صلب الخلافات بين واشنطن ودمشق، بدءاً من دور سوريا في لبنان والعراق وفلسطين، مع استمرار الاتهام الاميركي لها بتسليح "حزب الله" وحركة المقاومة الاسلامية "حماس"، وانتهاء بعلاقاتها بايران.
امر شاق
واشار المصدر الديبلوماسي الرفيع الى ان واشنطن تنظر الى مهمة بيرنز في بيروت على انها شاقة، نظرا الى انها استهدفت اقناع لبنان – من موقعه ممثلا غير دائم للمجموعة العربية في مجلس الامن الدولي- بالانضمام الى الجهود الدولية، التي لا تلاقي اعتراضا روسيا وصينيا، لتشديد العقوبات الاقتصادية على طهران ولمحاصرة البرنامج النووي الإيراني بعد التعثر في المفاوضات الدولية ومجموعة الخمسة زائدا واحدا، ورفضها قبول عرض هذه الدول والوكالة الدولية للطاقة الذرية تخصيب الاورانيوم الايراني في الخارج تحت رقابة دولية.
ولفت المصدر الى ان القرار اللبناني في شأن التصويت في مجلس الامن على اي قرار يستهدف تشديد العقوبات الاقتصادية على ايران مؤجل الى حين طرح الامر رسمي في مداولات المنظمة الدولية، علما ان هذا القرار اللبناني دون انضاجه الكثير من المشاورات الحكومية والسياسية الداخلية التي تفترض انها ستواجه اعتراضا شيعيا شديدا على انضمام لبنان الى هذا المسعى الاميركي، معطوفا على معارضة سورية مبدئية، وكلا الاعتراضان سيؤججان نقاشا سبق انتخاب لبنان الى عضوية مجلس الامن، تمحور حول ماهية الموقف اللبناني حيال ملفات حساسة ستطرح وليا في العام 2010، في مقدمها الملف النووي الايراني.
تصعيد في لبنان؟
في الموازاة، يخشى المراقبون في بيروت ان تنسحب مهمة المسؤول الديبلوماسي الاميركي توتيرا للخطاب اللبناني، وربما تصعيدا سياسيا، ربطا بمواقف قوى الرابع عشر من آذار حيال "حزب الله" وسلاح المقاومة، ومع عودة ما تسميه قوى الرابع عشر من آذار (مارس) "الاتهام التخويني" وإرتباط هذه المواقف مع ما تحضّر له واشنطن هلى مستوى الملف الايراني.
فالنائب محمد رعد تحدّث عن "مخاوف يثيرها بعض الذين لا يزالون يراهنون على كسر شوكة أهلنا المقاومين من قبل الصهاينة وأسيادهم الدوليين"، داعياً هؤلاء إلى "أن يعيدوا حساباتهم ويصحّحوا رهاناتهم"!. وسأل "الذين يريدون العبور إلى مشروع الدولة": "أين هي مواقع القوّة التي بنوها منذ حرب تمّوز (يوليو) وإنتهائها إلى اليوم؟ أين القوّة في الثقافة والإعلام وفي الإقتصاد والتربية والصناعة والتجارة "والسياحة؟".
ورأى القيادي في "حزب الله" محمود قماطي ان "هناك من يتناغم بشكل مقصود أو غير مقصود مع طروحات العدوّ الإسرائيلي الذي يحاول أن يدخل إلى الداخل اللبناني لافتعال الفتن والمشكلات". وسأل "لماذا يحاول البعض طرح الإنقسام والخلاف بين اللبنانيين؟".
ووصف قيادي بارز في قوى الرابع عشر من آذار (مارس) هذا الهجوم بأنه "تصعيد وتخوين متجدّد، قد يكون مرتبطا بنجاحنا في احياء ذكرى الرابع عشر من شباط (فبراير)، وقد يكون تهديدا صريحا لأيّ حوار أو نقاش في شأن كيفيّة التعاطي اللبنانيّ مع الأخطار الإقليميّة عشية بدء التحضير للعودة الى مؤتمر طاولة الحوار الوطني برعاية رئيس الجمهورية العماد ميسشال سليمان، وقد يكون هذا الاتهام مرتبطا بالاحتمالين معا، نظرا الى ان طهران لن تقف بالتأكيد مكتوفة اليدين حيال تشديد العقوبات الاقتصادية عليها.
توضيحات آتية
وقال القيادي ان الايام الآتية كفيلة بتوضيح الكثير من الالتباسات التي شهدتها الفترة الاخيرة، بفعل مجموعة من العوامل المربكة، بدءا من التغيير في الادارتين الاميركية والفرنسية، مرورا بإعادة التموضع في عدد من العواصم العربية والاقليمية، انتهاء بالدور السوري الجديد على مستوى الاقليم وفي العلاقة مع كل من واشنطن وباريس، والذي استوجب تعاط اميركي – فرنسي متناقض في الشكل، لكن متلاق في الجوهر على العودة الى محاولة تحييد دمشق عن طهران.
وتوقع القيادي ان يعود التركيز في خطاب قوى الثامن من آذار (مارس) على محاولة القسمة بين قوى الرابع عشر من آذار (مارس)، لجهة السعي الى عزل الفريق المسيحي فيها عن تيار "المستقبل" من جهة، ولجهة استعمال العامل الاسرائيلي للتهويل مجددا على هذه القوى ولـ "هزّ" العصا في حال اراد احد من الافرقاء اللبنانيين التأثير على الانعطافة التي يستكملها تباعا رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط.
ولفت القيادي في قوى الغالبية الى ان "استمرار رهان قوى الاقلية على انهيار ما يجمعنا هو في الحقيقة استمرار لمحاولة حثيثة، مع سابق التصميم، على تفكيك العناصر التي هي في حد ذاتها عنصر امان لقوى الغالبية، والمتمثّلة في اتفاق مسيحي – مسلم على مسلّمات لم يعد في استطاعة احد تجاوزها او ضربها او القفز فوقها او حذفها من المشهدية اللبنانية التي أسّست لها لحظة 14 شباط (فبراير) 2005، والتي لم يعد في الامكان تجاوزها او استثناؤها عندما تحين لحظة التأريخ للأعوام المؤسِّسة للاستقلال الثاني".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق