الأحد، 14 فبراير 2010

Sphere: Related Content

العلاقة بين ثلاثي ساحة الشهداء تحت المجهر

14 شباط .. مفترق ام إفتراق؟!

ساحة الشهداء تتآلف على زغل مع ضرورات اعادة تركيب الاقليم


هل صحيح ان الرابع عشر من شباط (فبراير) 2010 هو غير ما كان عليه في الاعوام الاربعة الفائتة؟ وهل صحيح انه سيكون مفترقا حاسما في العلاقة البينية بين الافرقاء اللبنانيين، وخصوصا بين مكونات قوى الرابع عشر من آذار (مارس)، اثر ما حل بها منذ الانقلاب الجنبلاطي المكرّس في الثاني من آب (اغسطس) 2008؟

الصورة في الرابع عشر من شباط (فبراير) 2010، مغايرة عما سبقها، في الشكل من حيث وليد جنبلاط- رأس الحربة في "الشباطات" الاربعة الفائتة- يوحي لمن حدّق به كثيرا في ساحة الشهداء الاحد الفائت انه مجبر وربما مكره لا بطل، وانه هناك لمجموعة من العوامل سعى جاهدا كي لا تبطل مفاعيل استدارته الدراماتيكية، فكان ان حضر رمزيا من دون جمهوره، ومن دون ان يضخ ما يحرك جمهور حزبه للإحتشاد في الساحة. غاب وليد جنبلاط على رغم حضوره دقائق.

والصورة اياها مغايرة عما سبقها، في المضمون، من حيث عيار الخطابات وسياقاتها المختلفة عما مضى والمتآلفة مع ضرورات اعادة تركيب الاقليم على قياس انتصارات قريبة وهزائم بعيدة.

والصورة ذاتها مغايرة، لأنها ستفتح الستارة على مشهد جديد في العلاقة بين مكونات قوى الرابع عشر من آذار (مارس)، التي تواجه تحديات مصيرية وكيانية لم تجد لها بعد هذه القوى الاجوبة الشافية، ما انسحب جمودا واضحا في قواعدها الشعبية، وارباكا على مستوى الخطاب وتراجعا على مستوى التنسيق القيادي، ترجمه البعض بتكرار عبارة ان "شعب 14 آذار (مارس) سبق قادته في محطات كثيرة".

"السيبة" المربكة

وترصد بعثات ديبلوماسية عدة مآل العلاقة الراهنة بين "سيبة" هذه القوى، رئيس الحكومة سعد الحريري وحليفيه رئيس حزب الكتائب امين الجميل ورئيس الهيئة التنفيذية في "القوات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع، في ضوء المعطيات الناتجة من العلاقة الآخذة في التوطّد بين الحريري والرئيس السوري بشار الاسد، بحيث لا يمر اسبوع من غير ان يكون الرجلان على اتصال هاتفي مباشر، في حين يستمر التنسيق السياسي شبه اليومي بين مستشار الحريري وابن عمته ومدير مكتبه نادر الحريري وبين المستشارة السياسية والاعلامية للرئيس السوري بثينة شعبان، اما التنسيق الامني فسلك طريقا معبدا بين المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء اشرف ريفي ومسؤولين امنيين سوريين، علما ان الزيارة الاخيرة لريفي حصلت قبل اسبوعين.

ولا يُخفى على المراقبين الديبلوماسيين ان هذه العلاقة الثلاثية بين الحريري وحليفيه المسيحيين تتأثر حكما بمجموعة من العوامل، في مقدمها التنسيق المطّرد بين رئيس الحكومة وفريق عمله وبين القيادة السورية، وفي متنها الموقف الاخير للحريري الذي ضغط للحد من اي سجال حاد على خلفية الكلام الذي اورده الصحافي الاميركي سيمور هيرش في مجلة نيويوركر، وهو اجزاء من مقابلة مطولة مع الرئيس السوري، عاد واوضح هيرش حدوث اختصار في مقاله، مشيرا الى ان "هذا الـ Editing (التحرير) تم بمعرفة التحرير في "نيويوركر" وبشكل أظهر المضمون خارج سياق ما كتبه. أضاف "هذا لا يعني أن الحديث عن الموضوع اللبناني وغيره لم يحدث مع الرئيس الأسد لكن Editing أخرج الموضوع بالشكل الذي نشر".

دمشق ايضا

ويشير مسؤولون في قوى الاقلية النيابية الى ان الهاجس الرئيس لكل من الجميل وجعجع هو الوتيرة التي تتطور عليها علاقة الاسد بالحريري، في ظل رغبتهما العارمة في عدم افتراق رئيس الحكومة عنهما.

ويقول هؤلاء ان المداولات الداخلية في الحزبين المسيحيين تتطرق بإسهاب الى هذه الهواجس، وتضع مخرجا - جوابا لأي من الاحتمالات المرتقبة، وخصوصا في حال فرض تقارب رئيس الحكومة ودمشق، وهو منتج من منتجات ضرورات التوافق الاقليمي، مزيدا من التمايز في العلاقة بين الحريري وحليفيه المسيحيين.

وفي اعتقاد المسؤولين في قوى الاقلية النيابية، ان المادة اللاصقة التي لا تزال تجمع قوى الرابع عشر من آذار (مارس) مصنّعة بمكونات الوفاء الحريريّ للذين وقفوا مع رئيس الحكومة في السراء والضراء، اكثر منه الى مكوّن الاستمرار بالمشروع الذي قامت عليه هذه القوى في يوم الرابع عشر من آذار (مارس) 2005. وارتكز هؤلاء القياديون الى عبارة "الموت يفرقني عنكم" التي قالها الحريري في الاجتماع الاخير لقوى الرابع عشر من آذار (مارس) في فندق البريستول، وهي في التفسير السوسيولوجي والنفسي، عبارة عاطفية ناتجة من استمرار تأثر الحريري الابن (لا رئيس الحكومة) بالمومنتوم الذي انتجه كل من الرابع عشر من شباط (فبراير) والرابع عشر من آذار (مارس) 2005، واستطرادا ان هذه اللحظة العاطفية على صدقها، قد لا تجد مكانا لها في القاموس السياسي المليئ بلغة المصالح والتقاطعات والتي قد تفرض، في يوم ما قد لا يكون بعيدا، خطابا سياسيا مختلفا.

واستعاد المسؤولون في قوى الاقلية النيابية تصريحات كثيرة لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط حضّ فيها الحريري على الاستخلاص من تجربته مع القيادة السورية، وخصوصا في اربعين كمال جنبلاط يوم قرر القفز فوق المومنتوم العاطفي ليعيد صوغ علاقته مع دمشق على قاعدة المصلحة لا العاطفة، ودعاه ايضا الى الاكتفاء بالحقيقة في اغتيال والده والاقلاع عن السعي خلف العدالة!

مصارحة قريبة

في المقابل، يقلل قيادي مسيحي في قوى الرابع عشر من آذار (مارس) من قيمة هذه التحليلات التي "تفيض بها قوى الاقلية"، ويشير الى ان احدا في قوى الغالبية النيابية لا يكابر حيال وجوب اجراء مراجعة ذاتية موضوعية لمآل هذا التحالف السياسي العريض الذي، وإن خرج منه البعض على الدرب الشائك بين العامين 2005 و2010، حقق انجازات ومكتسبات لا يمكن احدا تجاهلها مهما قيل فيه وفي العثرات التي اعترضته وتعترض راهنا تظهير خطاب يوائم متطلبات المرحلة.

ويلفت القيادي الى ان هذه المراجعة يمكن ان تأتي في سياق جلسة مصارحة بعيدة من الاعلام تعقب الاحتفال الجماهيري بذكرى الرابع عشر من شباط (فبراير)، وتؤسس الى سياق جديد في هذه العلاقة التي ترنّحت احيانا تحت وطأة ما تعرضت له من سهام وافخاخ وشِراك نصبت على درب الاعوام الخمسة، بدءا وليس انتهاء بالمداولات التي سبقت تشكيل حكومة الانماء والتطوير والتي اصابت حزبيّ الكتائب و"القوات اللبنانية" في مكتسبات بديهية ثبتتها تقديماتهما على امتداد سنيّ ثورة الارز.

ويعتبر القيادي ان جلسة المصارحة هذه ستأتي في توقيتها بلا استعجال او مماطلة، لكي يعاد صوغ العلاقة بين مكونات قوى الغالبية على قاعدة جديدة، للانطلاق بها الى تثميرها سياسيا.

إلتباسات

ويعتقد ان الايام الآتية كفيلة بتوضيح الكثير من الالتباسات التي شهدتها الاشهر الاخيرة، بفعل مجموعة من العوامل المربكة، بدءا من التغيير في الادارتين الاميركية والفرنسية، مرورا بإعادة التموضع في عدد من العواصم العربية والاقليمية، انتهاء بالدور السوري الجديد على مستوى الاقليم وفي العلاقة مع كل من واشنطن وباريس، والذي استوجب تعاط اميركي – فرنسي متناقض في الشكل، لكن متلاق في الجوهر على العودة الى محاولة تحييد دمشق عن طهران، وهو ما كان في صلب مهمة وكيل وزيرة الخارجية الاميركية ويليام بيرنز الذي زار عاصمة الامويين تحت العنوان – الهدف: "ايران... لا غير"، مقرونا بـ " ممارسة الضغط على سوريا لوقف تزويدها السلاح الى "حزب الله".

وكانت دمشق قد تبلّغت في الاسبوع الاول من شباط (فبراير) بزيارة بيرنز من دون ان توضح وزارة الخارجية الاميركية جدولها ونقاط البحث، علما ان هذه الزيارة هي الارفع لمسؤول اميركي الى دمشق منذ زيارة ريتشارد ارميتاج ولقائه الرئيس السوري بشار الاسد في كانون الثاني (يناير) 2005. كما ان بيرنز هو كبير المفاوضين الاميركيين في موضوع الملف النووي الايراني، وقاد الوفد الاميركي الى جنيف في تشرين الاول (اكتوبر) 2009، والتقى نظيره الايراني سعيد جليلي، على هامش لقاء دول الخمس زائد واحد مع ايران.

ويقول القيادي في قوى الغالبية ان "استمرار رهان قوى الاقلية على انهيار ما يجمعنا هو في الحقيقة استمرار لمحاولة حثيثة، مع سابق التصميم، على تفكيك العناصر التي هي في حد ذاتها عنصر امان لقوى الغالبية، والمتمثّلة في اتفاق مسيحي – مسلم على مسلّمات لم يعد في استطاعة احد تجاوزها او ضربها او القفز فوقها او حذفها من المشهدية اللبنانية التي أسّست لها لحظة 14 شباط (فبراير) 2005، والتي لم يعد في الامكان تجاوزها او استثناؤها عندما تحين لحظة التأريخ للأعوام المؤسِّسة للاستقلال الثاني".

ليست هناك تعليقات: