الأحد، 3 مايو 2009

Sphere: Related Content
واشنطن: تمايز نحو الاعتدال اللبناني.. وموقع الرئاسة المحوري
اطلاق الضباط ثمن للتطبيع الاميركي – السوري ولـ "الصداقة الجديدة"؟
زيارة كلينتون عشية اطلاق الضباط: مصادفة ام مواكبة؟


ينشر في "الاسبوع العربي" في 11/5/2009
في ظل المناخ الجديد الذي يخيّم على العلاقة المستجدة للولايات المتحدة الاميركية مع دول عربية عدة، حملت الزيارة الخاطفة لوزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون لبيروت، وهي الاولى من نوعها لمسؤول اميركي رفيع بعد انتقال السلطة الى الادارة الاميركية الجديدة بقيادة باراك اوباما، دلالات وابعاد كثيرة في الشكل كما في المضمون، فإقتصر لقاؤها الرسمي على رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، في حين انها سبقت (صدفة؟) بأيام معدودة الافراج عن الضباط الاربعة.
نقلت كلينتون، رسالة دعم وتأييد من اوباما الى سليمان ومؤسسات الدولة لا سيما الجيش، وتركزت محادثاتها "على الدعم الاميركي للبنان وضرورة اجراء الانتخابات بهدوء وبعيداً من العنف والتدخلات". وأكدت دعم اصوات الاعتدال في لبنان والمؤسسات الرسمية للدولة والقوى المسلحة اللبنانية والمحكمة الدولية، مشددة في الوقت ذاته على العمل والتعاون مع الحكومة اللبنانية الجديدة بعد الانتخابات المقبلة.وبحسب المعلومات المتداولة اثر زيارتها لبنان، نقلت كلينتون تأييد أوباما المسيرة التي يقودها الرئيس سليمان، "بحكمة وروية لإعادة لبنان الى الخريطة السياسية الشرق اوسطية"، مؤكدة استمرار برنامج دعم الجيش اللبناني، وفق روزنامة خاصة ومحددة. كذلك كانت الانتخابات النيابية محوراً اساسياً في محادثاتها، فسألت عن الترجيحات والتوقعات وهل ستكون للرئيس اللبناني كتلة نيابية في المجلس النيابي المقبل، كما سألت عن نظرة الرئيس الى الحكومة المقبلة، خصوصاً اذا فازت المعارضة بغالبية المقاعد. وتطرقت الى مسألة سلاح "حزب الله" ونظرة الرئيس سليمان اليه وكيفية تأطير السلاح ضمن الاستراتيجية الدفاعية الوطنية الجاري بحثها، لا سيما في حال تولي المعارضة السلطة في الحكومة الجديدة. وحسب المعلومات، ركزت كلينتون على العلاقات اللبنانية - السورية، وأكدت ان الادارة الاميركية تجري اتصالات مع الاطراف في المنطقة بما فيها الجانب السوري، لكن أي حل لن يكون على حساب لبنان.
تغيير نحو الاعتدال؟
يلاحظ مصدر مطلع على محطة وزيرة الخارجية الاميركية في بيروت، انّ حصر زيارتها بالرئيس سليمان، اكد أن هناك عملية اعادة تموضع أميركية في السياق اللبناني، بحيث بدا واضحا أن موقع رئاسة الجمهورية صار محوريا، في مقابل تراجع مواقع أخرى تقدم حضورها ووهجها في الاعوام الأربعة الفائتة في سلم الحسابات والاولويات الأميركية. ويقول انّ هناك محاولة تقارب اميركية ملموسة مع رئيس الجمهورية على حساب اطراف مسيحية اخرى، مع تمسك باتفاق الدوحة في انتظار نتائج الانتخابات وتحول المشهد السياسي الداخلي والاقليمي بعدها.
ويلفت الى انّ هذا الامر أبرَزَ محاولة لرسم مسافة واضحة عن طرفي المعارضة والموالاة، لمصلحة ايجاد قوة دفع لقوة ثالثة مستقلة أو وسطية تنضوي تحت جناح رئيس الجمهورية بعد الانتخابات النيابية في السابع من حزيران (يوليو) المقبل.
ويلاحظ ان تشديد كلينتون على سياسة "الاعتدال"، جاء في سياق تغيير اساسي في السياسة الاميركية في لبنان ومع القيادات السياسية على إختلاف إنتماءاتها والايحاء ان واشنطن مع بروز فئة معتدلة "وسطية" بعيدة عن الاصطفاف السياسي بين فريقي "اكثرية" و"اقلية". لكنه يستطرد قائلا ان واشنطن ستتعامل مع الحكومة الجديدة ضمن احتمال ان تكون اكثريتها من قوى الثامن من آذار (مارس) شرط عدم عرقلتها خطة اوباما للسلام في الشرق الاوسط.
ويلفت الى انّ واشنطن تعتبر ان الوضع الحكومي المستقبلي في لبنان، كما الوضع السياسي، مرتبط الى حد كبير بمدى نجاح حوارها مع طهران وعلاقة الاخيرة بـ"حزب الله"، لا سيما في المجال الاستراتيجي.
مصادفة ام مواكبة؟
ويلاحظ المصدر انّ زيارة كلينتون جاءت عشية اطلاق المحكمة الدولية الخاصة بلبنان الضباط الاربعة الذين احتجزوا ثلاثة اعوام و8 اشهر. واذ لم يجزم بوجود علاقة ما بين هذه الصدفة والقرار القضائي الدولي، يشير الى ان واشنطن ابلغت الى من يعنيه الامر انها لا تزال متمسكة بدعم المحكمة الدولية.
ولئن من المبكر القول ان واشنطن كانت على دراية بما يدور في خلد المدعي العام في المحكمة الخاصة بلبنان القاضي دانيال بلمار، لا يمكن اسقاط هذه المصادفة، وخصوصا ان تحليلا منطقيا لتوصية بلمار وقبله لتوصية الرئيس السابق للجنة التحقيق الدولية القاضي سيرج برامرتس، الى السلطات القضائية اللبنانية، يؤشر الى ان لجنة الدولية ومن ثم القضاء الدولي منذ الاول من آذار (مارس) 2009، كانا على طريق اطلاق الضباط، وهذا التحليل المنطقي – الموضوعي للسياق العام الذي كانت عليه ولايتا برامرتس وبلمار وعدم ممانعتهما اطلاق الضباط بقرار قضائي لبناني، هو بالتأكيد ما جعل اللواء جميل السيد يراهن مع وكيله المحامي اكرم عازوري، على ان القرار الدولي بالافراج عنه لن يتأخر عن نهاية نيسان (ابريل). كما ان صحفا لبنانية معروف اطلاعها على المناخ السوري العام سبق ان تحدثت بجزم عن قرب اطلاق الضباط.
افراج على خط الصداقة مع سوريا؟
في هذا الاطار، بالتزامن مع زيارة كلينتون وفي سياق السياسة الاميركية المستجدة في الشرق الاوسط لا سيما على خط العلاقات الاميركية- السورية، يطرح تقرير نشر في صحيفة "وول ستيرت جورنال" اشكالية علاقة مفترضة بين اطلاق الضباط الاربعة "ثمنا لاعادة العلاقات السورية- الاميركية الى طبيعتها"، في اطار الانفتاح الاميركي اللاحق للانفتاح الاوروبي على سوريا.
ويتحدث التقرير، الذي كتبه جاي سولومون، عن عزم الادارة الاميركية ارسال مبعوثيْن على مستوى رفيع قريبا الى سوريا هما جيفري فيلتمان مساعد وزيرة الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الادنى، ودانييل شابيرو من مجلس الامن القومي الاميركي، في زيارة هي الثانية لهما في اقل من شهرين، للقيام بجولة ثانية من المحادثات يتم التركيز فيها على مسألة تأمين الحدود العراقية، ودعم عملية السلام العربي الاسرائيلي، مشيرا الى ان زيارة الدبلوماسييْن الاميركيين هذه هي احدث مؤشر للمصالحة بين واشنطن وحكومة الرئيس بشار الاسد التي تشعر برغبة الولايات المتحدة باضعاف تحالفها مع ايران.
وكان المسؤولون السوريون قد اعربوا قبل اسبوعين عن املهم في ان يؤدي دفء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين الى تخفيف وطأة العقوبات التي فرضتها ادارة الرئيس السابق جورج بوش على سوريا بهدف كبح تأييد دمشق المجموعات المسلحة العاملة في لبنان والاراضي الفلسطينية.
ويلاحظ التقرير، في هذا الاطار، ان اليد الاميركية الممدودة في اتجاه دمشق تأتي راهنا في وقت اعلنت فيه المحكمة الدولية الاربعاء في التاسع والعشرين من نيسان (ابريل) عن اطلاق سراح الضباط الاربعة. ويسأل "هل جاء هذا الافراج الآن ثمنا لعودة العلاقات السورية - الاميركية الى طبيعتها أم انه كان مجرد مصادفة؟".
ويقول: في الحقيقة ان بعض المراقبين يرون في اطلاق سراح هؤلاء الضباط ضربة للجهود الاميركية التي كانت تستهدف مقاضاة المسؤولين عن الجريمة، وانتصارا لحلفاء سوريا السياسيين في لبنان.
واذ يستذكر التقرير ان "محققي الامم المتحدة كانوا قد اعلنوا سابقا ان الضباط اللبنانيين الاربعة تآمروا مع عملاء الاستخبارات السورية لقتل الحريري بتفجير سيارة مفخخة، بيد ان السلطات اللبنانية لم توجه اليهم اية اتهامات رسميا"، يؤكد ان الافراج عنهم "ستكون له انعكاسات قوية على الساحة السياسية في لبنان وخصوصا على الانتخابات والتنافس للفوز بأعلى نسبة من اصوات المقترعين في حزيران (يونيو) المقبل.
واذ يتطرق الى المحادثات غير المباشرة التي دخلتها سوريا مع اسرائيل العام الفائت بهدف انهاء نزاعهما حول مرتفعات الجولان السورية، ينهي تقريره بالشارة الى انّ الاميركيين يريدون من سوريا، اولا، الامتناع عن دعمها المالي والعسكري لـ"حزب الله" و"حماس"، كونها تبقى ممولا رئيسا للحزب وتستضيف في دمشق قيادة "حماس" السياسية التي تعتبرها واشنطن منظمة ارهابية".
كذلك لم يخف روبريت فيسك في "ذي اندبندنت" بعنوان "هل هذا ثمن الصداقة الاميركية الجديدة مع سوريا"، انطباعاته عن تلازم ما، بين القرار الدولي وعودة دفء العلاقة الاميركية – السورية، ويخلص سائلا: "من الذي اراد فتح باب جديد للسوريين؟ الرئيس اوباما. ومن الذي وقف الى جانب ابن الرئيس الحريري، سعد، في بيروت قبل ثلاثة ايام (من قرار اطلاق الضباط) ليؤكد له الدعم الاميركي؟ ولماذا؟ وزيرة خارجية اوباما هلاري كلينتون، بالتأكيد".
في ظل هذا الترابط في المطالب الاميركية تجاه سوريا، تعمل دمشق، التي تعتبر ان "حزب الله" وحركة "حماس" حركتا مقاومة شرعيتان تحاربان احتلالا اسرائيليا، على تقديم نفسها بدور الوسيط لرعاية حوار بينهما وبين واشنطن، وهو امر رفضت ادارة اوباما القيام به حتى الآن، على رغم آراء كثيرة تقول انّ واشنطن ستكتشف عاجلا ام آجلا الضرورة الحتمية لحوارها سواء مع "حزب الله" و"حماس"، اكان حوارا مباشرا او غير مباشر، تماما على غرار ما قامت به لندن في الفترة الاخيرة باعادة فتح قنوات التواصل مع "حزب الله".
وتعتبر دمشق ان "الحوار امر لا مفرّ منه مع الحركات المقاومة والفاعلة في منطقة الشرق الاوسط، لا سيما اذا رغبت الادارة الاميركية الجديدة او طمحت الى تحقيق ولو بضع خطوات على خط مسيرة السلام" الطويلة والمعقدة.

ليست هناك تعليقات: