التخلية بعد اعوام من السجن "شحنة ناسفة" تضاف الى التوتر الانتخابي
الاستثمار في اطلاق الضباط الاربعة نصْل بحدّين
"حزب الله" اخرج الى العلن تحفظه عن المحكمة
جنبلاط جازف بتقربه من المعارضة لكنه لن يسلم الانتخابات طوعا
الاستثمار في اطلاق الضباط الاربعة نصْل بحدّين
"حزب الله" اخرج الى العلن تحفظه عن المحكمة
جنبلاط جازف بتقربه من المعارضة لكنه لن يسلم الانتخابات طوعا
ينشر في "الاسبوع العربي" في 18/5/2009
عاش لبنان منذ العام 2005 مرحلة سياسية معقدة تسارعت فيها الاحداث وتوالت الى حدّ يخال المواطن انه في كابوس او على الاقل في حلم مزعج. فمنذ مرحلة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وبدء التحقيق الدولي من ثمّ قيام المحكمة، كثر الكلام والمراهنات على "عدالة دولية" لكشف الحقيقة. فهل يصبر اللبنانيون على لحظة الحقيقة، اذا ما دقّت، وهل بوسع لبنان تحمّل المزيد من المراهنات التي قد تصيب او تخطئ، في ظل وضع سياسي داخلي هشّ، لا سيما عشية الانتخابات النيابية المرتقبة؟
بين "الاعتقال السياسي" و"السجن التعسفي" والاتهامات السياسية ومبدأ تنفيذ قانون العقوبات اللبناني (كود نابوليون)، قبع الضباط الاربعة جميل السيد وعلي الحاج وريمون عازار ومصطفى حمدان، الممسكين بالامن في البلد في فترة الوصاية السورية على لبنان، في سجن رومية طيلة 44 شهرا في سجن انفرادي وعزلة عن العالم الخارجي والتواصل الا مع الاقربين. سجن الضباط في اوّج حقبة وصفها البعض بـ "عصر التحرر من الوصاية والنظام الامني اللبناني- السوري"، فكان سجنهم بالنسبة الى الذين احتشدوا في ساحة الشهداء في الرابع عشر من آذار (مارس) 2005 في مثابة الحدث الصاعق الذي اشّر الى مرحلة جديدة تطوي صفحة انتهاء الوصاية.
توقيف الضباط كان بقرار من المحقق الدولي ديتليف ميليس، اثر اغتيال الحريري وما نتج عنها من احداث، لا بدّ ان يحفظها التاريخ، لانها ادت الى تحقيق الاستقلال الثاني بعد قرابة الثلاثين عاما من الوصاية. فرح بعض اللبنانيين ولا سيما منهم المتضررون ممّا يسمى "النظام الامني اللبناني-السوري" لكنهم لم يتوقعوا ان تتلاشى حماستهم واندفاعهم اثر كل ما تلى احداث العام 2005 من صراعات سياسية حادة كادت تودي بالبلد الى حافة الهاوية والانهيار. كذلك لم يتوقعوا، بعد كل الكلام السياسي الذي قيل في حق الضباط لجهة ضلوعهم في اغتيال الحريري، ان لم يكن تنفيذا انما مواكبة وتغطية، ان تأتي لحظة اعلان تخليتهم، من المحكمة الدولية في لاهاي التي راهن كثيرون في الداخل اللبناني كما في المحيط العربي على تسييسها وعدم حيادها.
استخدام سياسي معارض
وفي سياق الترجمة السياسية للحدث القضائي باخلاء سبيل الضباط، يلفت قطب بارز في الموالاة الى انّ "قوى الرابع عشر من آذار (مارس) لم تتوهّم ساعة ان قوى الثامن من آذار (مارس) لن تتوانى عن توظيف اطلاق الضباط الاربعة في سياق الترويج الانتخابي الحاصل، ذلك ان اولياء المعارضة استسهلوا، في سبيل معركتهم الانتخابية لتحقيق الغالبية النيابية، استعمال ضربات ما تحت الحزام في الاعلام والسياسة والامن والاقتصاد، منذ ان قرروا الاعتصام في الاول من كانون الاول 2007 في ساحتي الدباس ورياض الصلح مطالبين بإسقاط "حكومة تلاقي الساحات"، كما عنونَتْ مقدمتها السياسية في ايار (مايو) 2005.
ويقول: في الشكل، يظهر ان بعض من في المعارضة يسعى الى استغلال حدث اطلاق الضباط، بسقف اعلى الممكن بغية زيادة الارباك في صفوف جمهور الموالاة من جهة، وفي مسعى الى استقطاب شريحة واسعة من المقترعين المترددين الذين غالبا ما يحددون خياراتهم الانتخابية في الايام القليلة الفاصلة عن السابع من حزيران (يوينو)، وربما صبيحة يوم الاقتراع.
واذ يرى انه في الشكل ايضا، قد تكون المعارضة حققت من خلال الحملة الاعلامية – السياسية المكثفة، بعضا من اهدافها، وخصوصا على مستوى الجمهورين السني والمسيحي، بحيث كان الاحباط الذي تحدث عنه رئيس تيار "المستقبل" النائب سعد الحريري شبه توصيف واقعي لما حمله الامر القضائي الدولي من رياح خريفية لفحت جمهور الموالاة قبل قادتها، يؤكد انّ النائب وليد جنبلاط، بعد 24 ساعة من خطاب الحريري، أعاد تصويب اتجاه الرياح الدولية والمسار والخطاب، مستنهضا جمهور الموالاة.
ويعتبر القطب الموالي انّ "حملة استثمار الامر القضائي الدولي ذهب بها بعض المعارضة بعيدا وبمستوى لا يمكن لاركان المعارضة احتماله. فالتوتر السياسي العائد منذ اربعاء اطلاق الضباط، بذراع الحملة الضاربة على القضاء، اضاف شحنة ناسفة على التوتر الانتخابي، وبات يتهدد الهدوء الذي ارسته هدنة الدوحة والتي من المفترض ان تستمر مفاعيلها حتى السابعة مساء السابع من حزيران (يونيو)".
نصل بحدين؟
في الموازاة وعلى رغم كثرة الكلام على استثمار المعارضة لحدث اطلاق الضباط سياسيا، الا انّ ذاكرة اللبنانيين مع الضباط حافلة بما قد يجعل توظيف ورقة اطلاقهم نصلا بحدين، واي اساءة لاستخدامها قد تنسحب ضعفا على مستثمريها.
وفي هذا الاطار، يرى قياديون في المعارضة ان الضباط الاربعة، كل من موقعه وبنسب متفاوتة، شكلوا منذ العام 1991 حجر الزاوية في النظام الأمني الذي عانى منه على امتداد عقد ونيف كثر من اللبنانيين وكثر من جمهور المعارضة، في مقدمهم انصار "التيار الوطني الحر"، وهم من قيادييه في هذه المرحلة. ويعتبرون ان الانصراف الى إقناع جمهور اللبنانيين أن خروج الضباط انتصار لمبدأ "التغيير والإصلاح" ولشعارات المعارضة، انما يحمل مخاطر عدة، في مقدمها ان الذاكرة الجماعية لا تزال حية تنبض بصور السابع من آب (اغسطس) 2007 والتاسع منه، وانه من الصعب الانتقال بهذه الذاكرة من ضفة الى اخرى وفي غضون الشهر الفاصل عن يوم الاقتراع، مخافة ان تكون ردة الفعل اكثر قصورا من الفعل نفسه.
ويشير هؤلاء الى ان خطاب "التيار الوطني الحر" وشعاراته التغييرية لا يمكن ان تستقيم والحال هذه، ذلك ان الاستثمار في الامر القضائي الدولي هو في مثابة "تبليع" الجمهور ما هو ليس قادرا على بلعه او هضمه، اذ لا يمكن ان تستقيم المطالبة بمحاسبة التحقيق اللبناني عن 3 اعوام و8 اشهر (بصرف النظر عن التقويم) من دون اقرانها بالمطالبة بمحاسبة اعوام تمتد ماضيا حتى العام 1991، امضاها انصار التيار وقياديوه متنقلين بين هنغارات مديرية الاستخبارات في اليرزة واقبية قصر نورا في سن الفيل، وقاعات المحكمة العسكرية على مقربة من ذاكرة المتحف اللبناني.
واستنادا الى هذه الرؤية، يفهم تصرّف رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون الذي يبدو انه تنبّه والرئيس نبيه بري منذ اللحظة الاولى، كل من موقعه ومن زاوية الرؤية لديه، الى جملة المعطيات هذه، فكان استقبالهما للضباط بروتوكوليا وادبيا، في حين كان اعلام التيار يوظف اطلاق الضباط ليس في الانتخابات بقدر ما كان التوظيف في المعركة التي سبق ان فتحها قبل اشهر مع النيابة العامة التمييزية ومع فرع المعلومات على خلفية قانون صون سرية التخابر، المعروف بقانون التنصت.
اما بري فإكتفى ببيان تهنئة من حركة "امل" وبإيفاد نواب لحضور الاحتفالية التي نظمها "حزب الله" من دون المبادرة الى المشاركة في الحملة السياسية.
ويبرز في اطار هذا التحليل، الاتصال الهاتفي الذي سجّل بين بري والحريري، شكر فيه زعيم "المستقبل" رئيس البرلمان على موقفه، فيما نوه بري بإعلان الحريري قبوله بقرار المحكمة.
تطوّر على خطين
وفي وقت يقول البعض ان "حزب الله" ظهر متقدما في تبني اطلاق الضباط بخلاف بري وعون، في حين جاءت احتفالية التاسع والعشرين من نيسان (ابريل) لتقتصر بمجملها على جمهور الحزب، يرى مراقبون ان تطورين سجلا في سياق قضية الضباط تجب قراءتهما بتمعن:
-اولهما ان "حزب الله"، المستثمر الاكبر في الامر القضائي الدولي، خرج عن سلوكه المتحفظ والحذِر في كل ما يتعلق بالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان، لينتقل الى قيادة معركة سافرة ضد قوى الرابع عشر من آذار (مارس)، واحيانا كثيرة في معزل عن حلفائه المتحفظين في قوى 8 آذار (مارس)، ولسان حاله ان مرحلة جديدة سطّر طلائعها اطلاق الضباط، ومن الواجب ان تردم صفحة بدأت منذ 30 آب (اغسطس) 2005. فكما استثمرت 14 آذار (مارس) في قرار ادخالهم السجن، لا يعاب على 8 آذار (مارس) استثمار قرار إخراجهم. وفي ذهن الحزب ان هذه المرحلة هي ما قبل الاخيرة في مسيرة انهيار الموالاة، التي سيقفل الستار عليها في السابع من حزيران (يونيو)، واستطرادا لم يعد ضروريا اخفاء الرفض المطلق لكل المسار الدولي في اغتيال الحريري من لجنة التحقيق الى المحكمة، فالاستدعاءات والقرارات والاحكام لاحقا! وهذا ما اتى عليه الامين العام للحزب السيد حسن نصر الله في اطلالته الاخيرة.
-ثانيهما ان وليد جنبلاط، في كلامه في قريطم، جازف برمي ثمار كل التقارب مع المعارضة والحزب، والذي سعى اليه منذ الحادي عشر من ايار (مايو) 2008. وجاء كلامه هذا اقرب الى عباراته مباشرة بعد اغتيال الرئيس الحريري، وحينها اوكل وتولى شد العصب في مواجهة "رموز مرحلة الوصاية"، كما اقرب الى خطبه في ساحة الشهداء في الاعوام الاربعة الفائتة. وهو اراد من رفع السقف السياسي افهام من يلزم ان انتهاجه التهدئة مع المعارضة لتمرير الاستحقاق الانتخابي لا يعني في أي حال من الاحوال قيادة جمهوره وزعامته الى الضفة المقابلة، ولا يعني ايضا انه راغب في تسليم نتائج الانتخابات –حبورا او طوعا او قسرا - الى المعارضة، وهو مستعد الى نداء المعركة حيثما يتوجب عليه القتال في سبيل الفوز.
بين "الاعتقال السياسي" و"السجن التعسفي" والاتهامات السياسية ومبدأ تنفيذ قانون العقوبات اللبناني (كود نابوليون)، قبع الضباط الاربعة جميل السيد وعلي الحاج وريمون عازار ومصطفى حمدان، الممسكين بالامن في البلد في فترة الوصاية السورية على لبنان، في سجن رومية طيلة 44 شهرا في سجن انفرادي وعزلة عن العالم الخارجي والتواصل الا مع الاقربين. سجن الضباط في اوّج حقبة وصفها البعض بـ "عصر التحرر من الوصاية والنظام الامني اللبناني- السوري"، فكان سجنهم بالنسبة الى الذين احتشدوا في ساحة الشهداء في الرابع عشر من آذار (مارس) 2005 في مثابة الحدث الصاعق الذي اشّر الى مرحلة جديدة تطوي صفحة انتهاء الوصاية.
توقيف الضباط كان بقرار من المحقق الدولي ديتليف ميليس، اثر اغتيال الحريري وما نتج عنها من احداث، لا بدّ ان يحفظها التاريخ، لانها ادت الى تحقيق الاستقلال الثاني بعد قرابة الثلاثين عاما من الوصاية. فرح بعض اللبنانيين ولا سيما منهم المتضررون ممّا يسمى "النظام الامني اللبناني-السوري" لكنهم لم يتوقعوا ان تتلاشى حماستهم واندفاعهم اثر كل ما تلى احداث العام 2005 من صراعات سياسية حادة كادت تودي بالبلد الى حافة الهاوية والانهيار. كذلك لم يتوقعوا، بعد كل الكلام السياسي الذي قيل في حق الضباط لجهة ضلوعهم في اغتيال الحريري، ان لم يكن تنفيذا انما مواكبة وتغطية، ان تأتي لحظة اعلان تخليتهم، من المحكمة الدولية في لاهاي التي راهن كثيرون في الداخل اللبناني كما في المحيط العربي على تسييسها وعدم حيادها.
استخدام سياسي معارض
وفي سياق الترجمة السياسية للحدث القضائي باخلاء سبيل الضباط، يلفت قطب بارز في الموالاة الى انّ "قوى الرابع عشر من آذار (مارس) لم تتوهّم ساعة ان قوى الثامن من آذار (مارس) لن تتوانى عن توظيف اطلاق الضباط الاربعة في سياق الترويج الانتخابي الحاصل، ذلك ان اولياء المعارضة استسهلوا، في سبيل معركتهم الانتخابية لتحقيق الغالبية النيابية، استعمال ضربات ما تحت الحزام في الاعلام والسياسة والامن والاقتصاد، منذ ان قرروا الاعتصام في الاول من كانون الاول 2007 في ساحتي الدباس ورياض الصلح مطالبين بإسقاط "حكومة تلاقي الساحات"، كما عنونَتْ مقدمتها السياسية في ايار (مايو) 2005.
ويقول: في الشكل، يظهر ان بعض من في المعارضة يسعى الى استغلال حدث اطلاق الضباط، بسقف اعلى الممكن بغية زيادة الارباك في صفوف جمهور الموالاة من جهة، وفي مسعى الى استقطاب شريحة واسعة من المقترعين المترددين الذين غالبا ما يحددون خياراتهم الانتخابية في الايام القليلة الفاصلة عن السابع من حزيران (يوينو)، وربما صبيحة يوم الاقتراع.
واذ يرى انه في الشكل ايضا، قد تكون المعارضة حققت من خلال الحملة الاعلامية – السياسية المكثفة، بعضا من اهدافها، وخصوصا على مستوى الجمهورين السني والمسيحي، بحيث كان الاحباط الذي تحدث عنه رئيس تيار "المستقبل" النائب سعد الحريري شبه توصيف واقعي لما حمله الامر القضائي الدولي من رياح خريفية لفحت جمهور الموالاة قبل قادتها، يؤكد انّ النائب وليد جنبلاط، بعد 24 ساعة من خطاب الحريري، أعاد تصويب اتجاه الرياح الدولية والمسار والخطاب، مستنهضا جمهور الموالاة.
ويعتبر القطب الموالي انّ "حملة استثمار الامر القضائي الدولي ذهب بها بعض المعارضة بعيدا وبمستوى لا يمكن لاركان المعارضة احتماله. فالتوتر السياسي العائد منذ اربعاء اطلاق الضباط، بذراع الحملة الضاربة على القضاء، اضاف شحنة ناسفة على التوتر الانتخابي، وبات يتهدد الهدوء الذي ارسته هدنة الدوحة والتي من المفترض ان تستمر مفاعيلها حتى السابعة مساء السابع من حزيران (يونيو)".
نصل بحدين؟
في الموازاة وعلى رغم كثرة الكلام على استثمار المعارضة لحدث اطلاق الضباط سياسيا، الا انّ ذاكرة اللبنانيين مع الضباط حافلة بما قد يجعل توظيف ورقة اطلاقهم نصلا بحدين، واي اساءة لاستخدامها قد تنسحب ضعفا على مستثمريها.
وفي هذا الاطار، يرى قياديون في المعارضة ان الضباط الاربعة، كل من موقعه وبنسب متفاوتة، شكلوا منذ العام 1991 حجر الزاوية في النظام الأمني الذي عانى منه على امتداد عقد ونيف كثر من اللبنانيين وكثر من جمهور المعارضة، في مقدمهم انصار "التيار الوطني الحر"، وهم من قيادييه في هذه المرحلة. ويعتبرون ان الانصراف الى إقناع جمهور اللبنانيين أن خروج الضباط انتصار لمبدأ "التغيير والإصلاح" ولشعارات المعارضة، انما يحمل مخاطر عدة، في مقدمها ان الذاكرة الجماعية لا تزال حية تنبض بصور السابع من آب (اغسطس) 2007 والتاسع منه، وانه من الصعب الانتقال بهذه الذاكرة من ضفة الى اخرى وفي غضون الشهر الفاصل عن يوم الاقتراع، مخافة ان تكون ردة الفعل اكثر قصورا من الفعل نفسه.
ويشير هؤلاء الى ان خطاب "التيار الوطني الحر" وشعاراته التغييرية لا يمكن ان تستقيم والحال هذه، ذلك ان الاستثمار في الامر القضائي الدولي هو في مثابة "تبليع" الجمهور ما هو ليس قادرا على بلعه او هضمه، اذ لا يمكن ان تستقيم المطالبة بمحاسبة التحقيق اللبناني عن 3 اعوام و8 اشهر (بصرف النظر عن التقويم) من دون اقرانها بالمطالبة بمحاسبة اعوام تمتد ماضيا حتى العام 1991، امضاها انصار التيار وقياديوه متنقلين بين هنغارات مديرية الاستخبارات في اليرزة واقبية قصر نورا في سن الفيل، وقاعات المحكمة العسكرية على مقربة من ذاكرة المتحف اللبناني.
واستنادا الى هذه الرؤية، يفهم تصرّف رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون الذي يبدو انه تنبّه والرئيس نبيه بري منذ اللحظة الاولى، كل من موقعه ومن زاوية الرؤية لديه، الى جملة المعطيات هذه، فكان استقبالهما للضباط بروتوكوليا وادبيا، في حين كان اعلام التيار يوظف اطلاق الضباط ليس في الانتخابات بقدر ما كان التوظيف في المعركة التي سبق ان فتحها قبل اشهر مع النيابة العامة التمييزية ومع فرع المعلومات على خلفية قانون صون سرية التخابر، المعروف بقانون التنصت.
اما بري فإكتفى ببيان تهنئة من حركة "امل" وبإيفاد نواب لحضور الاحتفالية التي نظمها "حزب الله" من دون المبادرة الى المشاركة في الحملة السياسية.
ويبرز في اطار هذا التحليل، الاتصال الهاتفي الذي سجّل بين بري والحريري، شكر فيه زعيم "المستقبل" رئيس البرلمان على موقفه، فيما نوه بري بإعلان الحريري قبوله بقرار المحكمة.
تطوّر على خطين
وفي وقت يقول البعض ان "حزب الله" ظهر متقدما في تبني اطلاق الضباط بخلاف بري وعون، في حين جاءت احتفالية التاسع والعشرين من نيسان (ابريل) لتقتصر بمجملها على جمهور الحزب، يرى مراقبون ان تطورين سجلا في سياق قضية الضباط تجب قراءتهما بتمعن:
-اولهما ان "حزب الله"، المستثمر الاكبر في الامر القضائي الدولي، خرج عن سلوكه المتحفظ والحذِر في كل ما يتعلق بالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان، لينتقل الى قيادة معركة سافرة ضد قوى الرابع عشر من آذار (مارس)، واحيانا كثيرة في معزل عن حلفائه المتحفظين في قوى 8 آذار (مارس)، ولسان حاله ان مرحلة جديدة سطّر طلائعها اطلاق الضباط، ومن الواجب ان تردم صفحة بدأت منذ 30 آب (اغسطس) 2005. فكما استثمرت 14 آذار (مارس) في قرار ادخالهم السجن، لا يعاب على 8 آذار (مارس) استثمار قرار إخراجهم. وفي ذهن الحزب ان هذه المرحلة هي ما قبل الاخيرة في مسيرة انهيار الموالاة، التي سيقفل الستار عليها في السابع من حزيران (يونيو)، واستطرادا لم يعد ضروريا اخفاء الرفض المطلق لكل المسار الدولي في اغتيال الحريري من لجنة التحقيق الى المحكمة، فالاستدعاءات والقرارات والاحكام لاحقا! وهذا ما اتى عليه الامين العام للحزب السيد حسن نصر الله في اطلالته الاخيرة.
-ثانيهما ان وليد جنبلاط، في كلامه في قريطم، جازف برمي ثمار كل التقارب مع المعارضة والحزب، والذي سعى اليه منذ الحادي عشر من ايار (مايو) 2008. وجاء كلامه هذا اقرب الى عباراته مباشرة بعد اغتيال الرئيس الحريري، وحينها اوكل وتولى شد العصب في مواجهة "رموز مرحلة الوصاية"، كما اقرب الى خطبه في ساحة الشهداء في الاعوام الاربعة الفائتة. وهو اراد من رفع السقف السياسي افهام من يلزم ان انتهاجه التهدئة مع المعارضة لتمرير الاستحقاق الانتخابي لا يعني في أي حال من الاحوال قيادة جمهوره وزعامته الى الضفة المقابلة، ولا يعني ايضا انه راغب في تسليم نتائج الانتخابات –حبورا او طوعا او قسرا - الى المعارضة، وهو مستعد الى نداء المعركة حيثما يتوجب عليه القتال في سبيل الفوز.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق