الاثنين، 19 أبريل 2010

Sphere: Related Content

خمسة تحديات تواكبها .. فهل تحاصرها

حكومة السنوات الاربع ام السنة اليتيمة؟

تنامي همس التبديل او التغيير الوزاري بعد الانتخابات البلدية

ينشر في "الاسبوع العربي" في 26/4/2010

حكومة السنوات الاربع، كما توقّع لها كثر في لبنان والخارج، قد لا تكمل عامها الاول نتيجة مجموعة من التبدلات والتغيرات قد تفضي الى تبديل حكومي محدود، او حتى الى تغيير جذري واسع.

لم تطوِ حكومة "الانماء والتطوير"، قبل اسابيع قليلة، ايام السماح المائة، حتى تزايد الهمس عن احتمال تغيير وزاري واسع، إما لضخ دماء جديدة في الشرايين الحكومية بعدما فوجئ مرجع او اكثر بضحالة وتواضع اداء من كلّفه تمثيله في الحكومة، وإما لعكس التموضعات السياسية والتحالفية الجديدة منذ انعطافة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط في الثاني من آب (اغسطس) 2009، وما تبعها من تغيرات دراماتيكية على مستوى الاصطفافات وصولا الى زيارته لدمشق واعلانه ترك الخيار الوسطي و"المنزلة ما بين المنزلتين"، للتموضع في موقعه القديم ما قبل العام 2004، وربما ما قبل خطابه البرلماني الشهير الداعي الى اعادة تموضع الجيش السوري، في العام 2000، جنبا الى جنب مع النائب الراحل البير مخيبر.

تتعدد المقاربات التقويمة لأداء الحكومة، وهي التي منيت منذ يومها الاول بالكثير من الجراح، من البيان الحكومي الى تأخر اقرار قانون الموازنة، مرورا بسقوط الاصلاحات الانتخابية والادارية والاقتصادية. لكن يبقى القاسم المشترك في هذه التقويمات، هو ان التعثّر كانت السمة الحكومية الرئيسة، بصرف النظر عن اسبابه ودوافعه الواقعية والمفتعلة، وان الواقع لم يكن على قدر الامل الذي رافق التسمية والتأليف فإلانطلاقة، ما تسبب بهزالة في الاداء وقصور في ترجمة اولويات الناس واحتياجاتهم الملحة.

ولا يخفى ايضا ان وزراء عدة لم يظهروا على المستوى المطلوب، لا سياسيا ولا اداريا، اذ كثرت زلاتهم وتعددت اخطاؤهم وتنوعت الانتقادات التي طالتهم، حتى من المراجع التي جاءت بهم.

اولى التحديات

حفلت مئة يوم ونيف من عمر حكومة الرئيس سعد الحريري بمجموعة من التحديات السياسية "الكيانية" بالنسبة اليها:

-اولها يتمثل في آليات الادارة السياسية للدولة في ضوء الاصطفافات الجديدة والتفاهمات العربية الحاضنة والمحيطة. ومثّلت زيارة الحريري الى دمشق صدارة هذه الاهتمامات الاداراتية، مع الانعطافة الايجابية على مستوى العلاقة اللبنانية – السورية، وعلى مستوى علاقة رئاسة الحكومة اللبنانية برئاسة الجمهورية العربية السورية، بعد خمسة اعوام من التجاذب والخلاف والخصام.

نجح الحريري في عبور اول استحقاقاته الزعماتية، على وقع اولى خطواته في قصر المهاجرين. وهو يستكمل راهنا التحضيرات لزيارته الثانية التي مهّدت لها في دمشق زيارة الوفد الاداري الذي ترأسه وزير الدولة جان اوغاسابيان، بعد انتكاسة نتجت من تركيبة اولى للوفد اعتبرتها دمشق هزيلة ولا تعكس ضخامة ما يطرح من ملفات وعناوين على مستوى الاتفاقات الثنائية المنوي تعديلها او اعادة النظر فيها او استحداثها.

-وثانيها، يتمثل في تثبيت آليات الادارة المالية للدولة، وهو امر لن يكون يسيرا نظرا الى التمايزات بين فريقي الحكومة في مقاربة مشروع قانون الموازنة الذي تقدمت به وزيرة المال ريا الحسن، والذي سيكون موضع اخذ ونقاش واسعين. ومن غير المتوقع ان ينتهي امر اقرار الموازنة بالسهولة التي تتمناها رئاسة الحكومة، نظرا الى الهوة في قراءة مالية الدولة وآليات اقرار الاصلاحات البنيوية والضريبية.

-وثالثها، يتمثل في صوغ آليات الادارة المؤسسية الادارية والامنية والقضائية، وهو بدوره ليس بالامر السهل، نظرا الى التمايزات بين فريقيّ الحكومة في قراءة هذه الآليات. والاخذ والرد الطويلين حول إقرار آلية تعيينات الفئة الاولى والترقيات الوظيفية قد يكون المثال الابرز على ما ينتظر الحكومة من تحاصص وتقاسم وتجاذب.

-ورابعها، امني – قضائي – سياسي مختلط، يتعلق بإستحقاق المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، بعدما صار الانطباع الطاغي ان المحكمة، واستطرادا الادعاء الدولي، صارت قاب قوسين من اطلاق آليات المحاكمات. وليس خاف ان هذا الملف يمثّل الاستحقاق الابرز والاخطر، وتتطلب ادارته لبنانيا عناية ودراية واسعتين وبدء صوغ مظلة واقية لما قد يحمل القرار الاتهامي من مفاجآت، ولما قد يعترض هذا القرار من مطبات، لتستوي عندها المعادلة الجنبلاطية: الحقيقة شيئ، اما العدالة فشيئ آخر!

-وخامسها موضعي قريب (بعد اسبوعين)، يرتبط بآلية إدارة استحقاق الانتخابات البلدية والاختيارية، وهو الاستحقاق الاول في عهد حكومة الانماء والتطوير والذي قد يشكل فرصة لانطلاق عملية اصلاحية ادارية سياسية واسعة تنظر رئاسة الجمهورية حلولها لتحريك المياه الراكدة التي طبعت العامين الاولين من العهد الرئاسي، بعدما كان الامل في ان تشكل الانتخابات النيابية جسر عبور لتحقيق الاصلاحات. ولا يبدو ان الحكومة قاصرة عن ادارة هذا الاستحقاق، لكن الاهم يبقى ماذا بعد النجاح في هذه الادارة.

تغيير ام تبديل؟

تتطلب هذه الادارات الخمس، مجتمعة ومتفرقة، جهوزية استثنائية، قد لا تتيحها كلها المناكفات المتوقّعة على شاكلة ما سبق وما تكرر في الايام المئة ونيف الفائتة. ذلك ان بعض هذه الادارات لا يحتمل تأخيرا في القرار، وبعضها الآخر لا يحتمل تلكؤا في التنفيذ.

ولعل تعدد هذه الادارات، وتناسل التحديات المرتبطة، اطلق موجة من التكهنات طالت مصير الحكومة نفسها، في ضوء رغبة البعض في التغيير او سعي البعض الآخر (المحلي والاقليمي) الى تكريس الاصطفافات الجديدة حكوميا، واستطرادا تسييلها وبدء تقاضي اثمانها!

تأسيسا على ذلك، تنامى الحديث عن التغيير او التبديل الحكومي في الصالونات السياسية من غير ان يثبّت موعدا لتحقيقه. ولعل هذا التأرجح هو الذي يترك هذا الحديث مكتوما واسير الكواليس، بعدما سبق للبعض ان ضرب له موعدا يلي مباشرة الانتخابات البلدية والاختيارية او قرار (تم التغاضي عنه في اللحظة الاخير) ارجاء هذه الانتخابات.

لا يُخفى في الوسط السياسي ان ثمة رهانا على ان استمرار سقوط الحكومة في استحقاقيّ الموازنة او التعيينات من شأنه ان يكرس التغيير او التبديل الحكومي، ويثبّت موعده على ابواب الصيف الآتي، ذلك ان كثرة الاهتزازات المتوقعة بعد الانتخابات البلدية والاختيارية، بدءا وليس انتهاء بموجة عارمة من الاضرابات العمالية ذات الطابع المطلبي والاجتماعي، قد تشكل مناسبة توظيفية كي يتحقق هذا التغيير او التبديل الحكومي.

كما ان المبادرة قد تكون سياسية من باب الرابية نفسها، وخصوصا ان رئيس تكتل "الاصلاح والتغيير" النائب العماد ميشال عون لا يخفي اطلاقا احتجاجه الشديد على آليات الادارة الحكومية في اكثر من ملف اجتماعي ومطلبي وسياسي، من الموازنة وما تشمل من خصخصة وسياسة ضريبية جديدة، الى هيئة الحوار الوطني، وقبلها التعيينات في هيئات الرقابة، وربما ردا على ما يُردِّد انه صفقة سياسية اطاحت الاصلاحات التي اقرتها الحكومة على قانون الانتخابات البلدية والاختيارية.

وكانت جهات عدة قد حاولت تفسير اعلان وزير الطاقة والمياه جبران باسيل، على اثر تثبيت موعد الانتخابات البلدية وارجاء الاصلاحات المفترضة، ان الحكومة تتآمر على الشعب. وتبيّن ان التفسير الاقرب الى الواقع خلص الى ان هذا الموقف قد يكون اعلانا مسبقا او مبكرا عن رغبة عون في سحب وزراء تكتل "التغيير والإصلاح" الخمسة من الحكومة، لا سيما ان هذا الامر قد يتكرر في حال لم يحصل الرجل على حصة كاملة يطالب بها في المجلس البلدي لمدينة بيروت، ردا على عدم الاخذ بإقتراحه تقسيم العاصمة الى دوائر ثلاثة، في استعادة لما كان عليه شكلها في الانتخابات النيابية الاخيرة.

ومن نافل القول ان هذه الرسالة السياسية الاعتراضية تشمل كل شركاء عون في الحكومة، بلا استثناء، بمن فيهم "حزب الله".

ملاقاة اقليم متغيّر

ولا يسقط الحديث عن تغيير او تبديل حكومي رغبة اقليمية في ملاقاة الاصطفافات الجديدة والتحديات المنتظرة والمتوقعة وخصوصا تلك المرتبطة بالملف النووي الايراني، وما نتج عن التفاهمات العربية من ارهاصات وتغيّرات على مستوى العواصم العربية من بغداد الى صعدة.

ولا يُخفى ان دمشق تتطلع الى حكومة اكثر التصاقا به تتيح لها من جهة حصر كل اوراق القوة، ومن جهة اخرى تسييل وتثمير حوارها مع الولايات المتحدة الاميركية وخطواتها في العراق وفلسطين واليمن. ولا يتحقق هذا التسييل او يكتمل، من دون ارساء معادلة حكومية جديدة لا تحتمل من وجهة النظر السورية المعادلات الهندسية القديمة والي فاتت بفوات مبرراتها، كالـ 15 – 10- 5 وما سبقها.

كما لا يُخفى ان هذا التطلع السوري قد يكون بابا من ابواب الضغط على رئاسة الحكومة في اتجاه احداث ما تراه دمشق مناسبا من تغييرات في الادارة السياسية والحكومية اللبنانية، عشية الزيارة المرتقبة للحريري الى العاصمة السورية.

وثمة من يعتقد ان دمشق تقرن هذه الرغبة وتترجمها لبنانيا، بمجموعة من الخطوات، لن تكون آخرها التجمعات السياسية المنوي انشاؤها وتطويرها لتواكب المرحلة المقبلة، ولتكون احد اذرعها التنفيذية، نيابيا وسياسيا، وربما حكوميا في مرحلة لاحقة!

ليست هناك تعليقات: