السبت، 10 أبريل 2010

Sphere: Related Content

من طهران وتل ابيب ودمشق الى طوكيو ومدريد فواشنطن

هكذا سلكت الانتخابات البلدية السبل الوعرة!

3 اشهر من الاسترخاء ستؤسس لتفعيل العمل الحكومي

ينشر في الاسبوع العربي في 19/4/2010

سلكت الانتخابات البلدية سبيلها الطبيعي - الديمقراطي، اثر اسابيع من الاخذ والرد والضغط لإرجائها، إما ربطا بمعادلات الربح والخسارة استنادا الى الدراسات الاحصائية التي باتت في متناول كل الاحزاب والتيارات السياسية، وإما تأسيسا على معطيات اقليمية ودولية متعددة المشارب رجّحت، في اكثر من مرحلة ومفصل، مناخا عاصفا سيرتد سلبا على الاستقرار اللبناني الهش.

نادرا ما كانت الاستحقاقات اللبنانية، وخصوصا تلك المرتبطة بمبدأ تداول السلطة، حكرا على قرار محلي بحت، بل كانت غالبا ما تتأثر بتقاطع اللاعبين المحليين والاقليميين والدوليين، وهي غالبا ما كانت تؤْثر مصالح هؤلاء اللاعبين وتبدّيها على ضرورات هذا المبدأ الديمقراطي الذي لا يزال احد الاركان الاساسية في الانظمة التي تحترم الارادة الشعبية ومكونات مجتمعاتها والتوجهات.

يصلح هذا الكلام مع كل استحقاق انتخابي، نيابيا كان ام انتخابيا، وخصوصا منذ بدء جمهورية اتفاق الطائف وارهاصاتها الكثيرة على مستوى شكل نظام الجمهورية الثانية وآليات الحكم المعطّلة في احيان، والمعلّقة في معظم الاحيان على قرار اقليمي اضحى ضرورة من ضرورات استقرار هذا النظام واستدامته.

ويُستذكر في مناسبة النقاش الذي سبق تثبيت موعد الانتخابات البلدية والاختيارية في ايار (مايو) المقبل، نقاش مماثل سبق تثبيت هذه الانتخابات في نسختها الثانية في جمهورية الطائف، في العام 2004، حين ظل الرأي العام معلقا حتى الشهر الاخير قبل الاستحقاق، تارة بحجة البحث عن قانون جديد وطورا بذريعة انشغال المجلس النيابي في درس قانون الموازنة، واطوارا عدة بربط مصيرها بمجمل الوضع على مستوى المنطقة!

انفراج بعد تأزم

بين شباط (فبراير) وآذار (مارس) الفائتين، تلبّد المناخ الاقليمي الى حدود قصوى مع تصاعد التهديدات المتبادلة بين "حزب الله" وسوريا من جهة واسرائيل من جهة ثانية، بالتزامن مع اشتداد عود الوساطات والرسائل المنقولة الاوروبية والاميركية وخصوصا على خط دمشق – تل ابيب، فلم تعْدم انقرة وسيلة للحد من التشنجات، ولم يتراجع وزير الخارجية الاسبانية ميغيل انخيل موراتينوس ولا خفتت همّته على رغم التراشق السوري – الاسرائيلي الذي بلغ ذروته في الثالث من شباط (فبراير) مع تهديد وزير الخارجية وليد المعلم، على مسمع رئيس الديبلوماسية الاسبانية، تل ابيب بقصف مدنها. حينها، حذر المعلم اسرائيل من مغبة شن اي حرب على سوريا، لانها في هذه الحالة ستتحول الى "حرب شاملة" لن تسلم منها المدن الاسرائيلية، مضيفا: "لا تختبروا ايها الاسرائيليون عزم سوريا، تعلمون ان الحرب في هذا الوقت سوف تنتقل الى مدنكم. عودوا الى رشدكم وانتهجوا طريق السلام، هذا الطريق واضح والتزموا متطلبات السلام العادل والشامل". وتابع ان "اسرائيل تسرع مناخ الحرب في المنطقة واقول لهم كفى لعبا لدور الزعران في هذه المنطقة، مرة يهددون غزة وتارة جنوب لبنان ثم ايران والآن سوريا".

يومها، ذكرت تقارير استخبارية غربية ان سبب ذلك التوتر غير المشهود هو اتهام تل ابيب دمشق بتسريب صواريخ ايرانية ارض - ارض من طراز فاتح - 110 (بمجال 250 كيلومترا) عبر الحدود السورية – اللبنانية، وبتدريب عناصر من "حزب الله" على استخدام صوارخ من نوع SA-2 وSA-6 .

واوضحت التقارير انه إذا سلمت سوريا هذا الطراز من الصاريخ لـ "حزب الله"، فإن "حربا ستندلع من دون شك، وستقصف إسرائيل أهدافا في دمشق هذه المرة". واضافت: "سمح السوريون لعناصر من حزب الله بالقيام بدورات تدريبية في سورية من أجل استخدام هذه المنظومات، فهل لهذه الأسباب تتردد أنباء عن عزم سوريا نشر فرقتين من جيشها هند الحدود مع لبنان، في المنطقة التي تعرف بسلسلة الجبال الشرقية، تحسبا لتوغل إسرائيلي في الأراضي السورية في الحرب المقبلة؟".

ولفتت التقارير الى ان تل ابيب احتجت بعنف ضد دمشق "لأنها بذلك جعلت كل المدن الاسرائييلية في مرمى الترسانة الصاروخية لـ "حزب الله".

ووفق التقارير اياها، طلبت حكومة بنيامين نتانياهو من قناتيّ اتصال ديبلوماسيتين، هما مورايتنوس والمبعوث الرئاسي الاميركي جورج ميتشل، ابلاغ دمشق ان هذا الامر هو "الطريق الى حرب مماثلة لحرب إسرائيل وحزب الله في تموز 2006".

بالتوازي، انكبت الدوائر العسكرية الاسرائيلية في البحث عن رد على تسريب السلاح، وكان من بين الاقتراحات استهداف هدف داخل دمشق هو عبارة عن "شاحنات وناقلات رسمية" تعتقد تل ابيب انها تقلّ الصواريخ الايرانية، غير ان اي قرار لم يتخذ، خشية ردة فعل على اكثر من جبهة ستأتي بعكس ما تريده اسرئيل، وخصوصا بعدما تبيّن لها جدية التهديد السوري والاستعدادات الميدانية واللوجستية لـ "حزب الله" في لبنان، وحركة "حماس" في غزة والضفة الغربية.

الدور الياباني

على هذه الخلفية، تراكمت الرسائل والوساطات الى ان خفّت حدة التوتر، بالتزامن مع عودة المفاوضات الاميركية – الايرانية غير المباشرة من خلال قنوات عدة ابرزها طوكيو. اذ ذكرت التقارير الاستخبارية الغربية انه في اليوم الذي عقدت في دمشق "قمة الحرب" بين الرئيسين بشار الاسد ومحمود احمدي نجاد والامين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصر الله، كان وزير الخارجية الايرانية منوشهر متكي يزور توكيو بحثا عن مخرج للملف النووي الايراني، مع علم رئيس الديبلوماسية الايرانية ان اليابان هي من الدول الاكثر اعتراضا على عزل ايران او ضربها.

نجح اليابانيون – تضيف التقارير- في فتح كوة صغيرة بين الولايات المتحدة الاميركية والجمهورية الاسلامية، وفي ملء الوقت الضائع بحوار غير مباشر (بالتوازي مع البحث الاميركي عن اجماع دولي روسي – صيني على مبدأ العقوبات صضد ايران) اعطي مهلة ثلاثة اشهر تنتهي في حزيران (يونيو) المقبل وقابلة للتمديد في حال تلمّس الطرفان جدية في آليات البحث وعناوينه، وخصوصا بعدما تبيّن لطوكيو ان "طهران ليست مستعجلة لفتح جبهة حرب استباقية في ضوء تراجع التهديد الاميركي"، وان "واشنطن مستمرة في نهي تل ابيب عن اي ضربة ضد مواقع ايرانية سواء كانت في نووية او تكتية في طهران، او إسنادية في بيروت"، في اشارة الى "حزب الله"!

انفراج في لبنان!

واكب المسؤولون في بيروت كل هذه المناخات، من اعلى درجات التوتر الى اقصى مندرجات الهدوء. وكانت الزيارات الخارجية المتعددة التي قام بها كل من رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ورئيس الحكومة سعد الحريري، احدى الوسائل للبقاء على تماس مباشر مع التطورات الاقليمية ولايصال وجهة النظر اللبنانية الى عواصم القرار، ولتلقّف اي بادرة انفراج، وللضغط قدر الامكان في اتجاه انتزاع تطمينات لإبعاد اصداء التوترات الدولية والاقليمية عن المساحة اللبنانية.

وكان ان نجح المسؤولون في شرح الموقف اللبناني الرسمي، وفي صوغ صورة حقيقة عن الاوضاع الداخلية وعند الحدود مع اسرائيل، وفي جعل بعض العواصم تتفهّم المنطلقات اللبنانية في لجم اي تدهور، ونسج نوع من مظلة دولية تقي لبنان التقلبات.

تأسيسا على هذا الانفراج الاقليمي، يعتقد المراقبون في بيروت ان الاشهر الثلاثة المقبلة ستشكل مساحة استرخاء في لبنان، وستؤسس لانجاز عدد من الاستحقاقات من بينها قانون الموازنة والزيارة الرسمية لرئيس الحكومة الى دمشق على رأس وفد حكومي لمعالجة الملفات المشتركة في الاتفاقات السارية المفعول او الملعلقة او المنوي توقيعها.

ويشير هؤلاء الى ان هذه المساحة الايجابية قد تكون المدخل لاعادة تفعيل العمل الحكومي، اثر شلل واضح يحكم اداء حكومة الانماء والتطوير نتيجة مجموعة من التناقضات والتباينات في الرؤى والآليات التنفيذية، مما يؤدي حكما الى تراجع الضغط الاقليمي لتغيير هذه الحكومة مع مطلع تموز (يوليو) المقبل، كما رجّح وروّج اكثر من مصدر على تواصل مع عواصم معنية بالشأن اللبناني، بغية اعادة خلط الاوراق اللبنانية، في محاولة لتكريس معادلة جديدة تقوم على ما يبدو على محاصرة ما تبقى من قوى الرابع عشر من آذار (مارس) وفكّ ترابطاتها.

..وانتخابات

ويلفت المراقبون الى ان "حزب الله" كان من ابرز الداعين والمطالبين بتعليق الانتخابات البلدية والاختيارية وارجائها الى حين اتضاح الصورة الاقليمية ومآل التهديدات وتصاعد التوتر، وهو لم يتوان عن البحث في مسببات إرجائها مع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة يوم كان هذا التوتر الاقليمي في حده الاقصى، الا ان الانفراج النسبي كان سببا رئيسا في تثبيت هذا الاستحقاق في موعده، فنسج "حزب الله" وحركة "امل" تفاهما انتخابيا شاملا، وصارت الانتخابات امرا واقعا، بفعل قرار محلي – اقليمي كبير بالافراج عنها، اثر الانفراج المتوقع ان يستمر حتى الصيف المقبل، وربما الى ما بعد الصيف في حال ظلت الامور على حالها من الاسترخاء النسبي.

ويلفت المراقبون الى ان كل ذلك تقاطع مع رغبة عارمة لدى رئيس الجمهورية بالا يُطبع عهده، بأي شكل من الاشكال، بطابع ارجاء استحقاق دستوري، وهو كما حرص في حزيران (يونيو) 2009 على انجاز استحقاق الانتخابات النيابية على رغم كل مناخات التشنج التي سبقته وواكبته، يحرص راهنا على انجاز الاستحقاق البلدي والاختياري في موعده، التزاما منه بقسمه على حماية الدستور، وبتثبيت مبدأ تداول السلطة وعدم مصادرة قرار الرأي العام الذي عادة ما لا تتيح له القوى السياسية والحزبية فرصة التعبير عن رأيه وتوجهه وهواجسه تحت ذرائع ومسميات شتى، تصب كلها في خانة مصادرة قرار الرأي العام، بهدف ابعد هو الابقاء على السلطات المحلية محميات انتخابية ومالية يوظّفها اهل السياسة في خدمة مشاريعهم الانتخابية ومراكمة مكتسباتهم.

ليست هناك تعليقات: