عشرات الموفدين طمأنوا بيروت.. ما عدا واحدا
لبنان يُتخَم بالرسائل.. ولا يستريح!
3 اسباب اميركية لا تزال تحول دون الحرب الاسرائيلية
في اسبوعين، غرق لبنان برسائل ديبلوماسية نقلها اكثر من مسؤول عربي واوروبي، تركت الكثير من التساؤلات والهواجس في اذهان اللبنانيين، فهم لم يستطيعوا عزل هذا الحراك الديبلوماسي الاستثنائي عما يحوط بهم من تحديات من المناورات الاسرائيلية المتواصلة والتهديدات المترافقة، الى التوتر الناتج من استمرار الملف النووي الايراني عنوانا خلافيا، وبينهما ما يترقبونه من تطورات على صلة بعمل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وخصوصا بعدما حدد رئيسها القاضي الايطالي انطونيو كاسيزي التشرينين الآتيين موعدا محتملا لصدور القرار الاتهامي في اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
اثارت ظاهرة التزاحم العربي والدولي في بيروت الكثير من الاسئلة والحشرية لتلقف ابعادها وخلفياتها وسبر غمار اسبابها ونتائجها، وسط اعتقاد اقرب الى اليقين بأن لها أبعادا غير منظورة مرتبطة بالمناخ الاقليمي الشديد الغموض والاضطراب وباحتمالات تعرض لبنان لحرب اسرائيلية؟
الانطباعات الكثيرة التي رافقت هذه الظاهرة، جاءت متناقضة نظراً الى صعوبة وضع مقاربة موضوعية لكل منها بعل تعدد المبعوثين وتنوع الرسائل.
نصائح بإبطال الذريعة
وتقول مصادر رسمية انه يفترض مقاربة ظاهرة التوافد الاستثنائي بموضوعية شديدة، أي من دون مبالغات مضخمة.
وتكشف ان المسؤولين اللبنانيين تلقوا ممن زاروا بيروت في الاسابيع الثلاثة الفائتة، نصائح بضرورة ايلاء الوضع في الجنوب الاهتمام الكبير وعدم اعطاء اسرائيل الذريعة لاي عمل عدواني قد يستهدف لبنان، وتاليا لا بد من تعزيز انتشاب الجيش جنوب الليطاني وتفعيل التنسيق مع القوة الدولية المعززة لضمان حفظ الامن، وتوفير مناخات الهدوء في هذه المنطقة، بما لا يعطي اسرائيل اي مبرر لمهاجمة لبنان.
وتشير المصادر الى انه على رغم التطمينات الدبلوماسية التي وصلت بيروت، فإن فتيل المواجهة قابل للاشتعال في اي لحظة لا سيما ان اسرائيل تتحين الفرصة لتنفيذ مغامرة جديد ضد لبنان او سوريا، او ضدهما معاً، على ما اشار اليه بعض المسؤولين الغربيين في اتصالات اجروها مع قيادات رسمية لبنانية، وهو ما يحتم على لبنان ان يتعامل مع هذا الموضوع بأقصى درجات المسؤولية لمنع انزلاق الوضع.
وتؤكد المصادر ان هناك حرصاً رسمياً وتأكيدات على أعلى المستويات، بتوفير كل الظروف المؤاتية التي تسمح للقوة الدولية المعززة ممارسة دورها كاملاً في حفظ الامن في نطاق عملها بالتنسيق والتعاون مع الجيش، وفق منطوق القرار 1701 الذي اكد لبنان التزامه به، واستناداً الى المهام المكلفة بها هذه القوة ضمن بنود هذا القرار، ما يعني ان لبنان رفض ويرفض كل ما يتداول اسرائيليا عن تغيير في قواعد الاشتباك التي تحكم آليات عمل "اليونيفيل".
الطبول تخفت
وتجمع عواصم القرار، وتلك المعنية مباشرة بالاستقرار اللبناني السياسي والامني، على ان خيار الحرب تراجع وجرى تأخيره الى السنة المقبلة، حدا ادنى. وهو الاستنتاج الذي سمعه المسؤولون اللبنانيون من اكثر من زائر، استنادا الى المعطيات الآتية:
1-ترغب واشنطن في التفرغ راهنا لادارة الملف النووي الايراني وتعطي الأولوية للعقوبات على استخدام القوة.
2-وهي تسعى الى استئناف مفاوضات التسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهذا خيار بأولوية مطلقة، تنسفه تماما اي حرب، كبيرة كانت ام محدودة.
3-وهي تدرك ان تل ابيب لم تقدّم (والارجح لن تستطيع) اي ضمانة بأن الحرب ستشل القدرة الدفاعية لطهران في ايران وفي خارجها، حتى لو استطاعت الضربة، كما هو المبتغى، احداث شلل موقت في البرنامج النووي وتأخيره سنوات عدة تتراوح، بحسب تقديرات الاجهزة الاستخبارية في الولايات المتحدة الاميركية واسرائيل، بين الخمس والسبع. ذلك ان القدرة الايرانية على الانتقام، حتى بعد تعرضها للضربة الكبيرة المفترضة، تتسع من مضيق هرمز الى مساحات الخليج النفطي والعراق المأزوم، حتى الحدود اللبنانية – الاسرائيلية، وتتهدد للمرة الاولى اسرائيل من شمالها الى جنوبها.
تطمينات بالجملة
وعلى وقع الرسالة التطمينية التي نقلها الى المسؤولين اللبنانيين عدد كبير من المسؤولين العرب والاوروبيين، ولا سيما وزير الخارجية الاسبانية ميغيل انخيل موراتينوس، عن عدم تلمس مناخ في تل ابيب للتصعيد، في مقابل رغبة بالانسحاب من الجزء اللبناني من قرية الغجر قبل نهاية حزيران (يونيو) المقبل واستكمال المفاوضات، اجرى الجيش الاسرائيلي على مدى خمسة ايام انتهت يوم الجمعة في الثامن والعشرين من يارا (مايو) واحدا من أكبر التدريبات التي قام بها خلال الاعوام الثلاثة الفائتة، اطلق عليها اسم "نقطة تحول - 4"، وشارك فيها مختلف المؤسسات والجهات ذات الشأن. واتت هذه التدريبات ضمن إستعدادها لإحتمالات وقوع حرب، وفي اطار سياق التهديدات الاسرائيلية المتكررة للبنان وللامن في الاقليم المتوسطي.
ويقوم السيناريو الاسرائيلي على تعرض المدن الى ضربات من "حزب الله"، يليها مباشرة اطلاق صفارات الانذار يدخل في اعقابها الاسرائيليلون إلى ملاجئ، فيما تعقد الحكومة جلسة طارئة برئاسة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ثم يعقد المجلس الوزاري الامني المصغر اجتماعاً لاتخاذ قرار الرد على صواريخ "حزب الله"، وفي خلال ذلك تتولى طواقم الانقاذ نقل مئات المصابين إلى المستشفيات، فيما يساعد جيش الدفاع المدني السكان على الهرب إلى مستوطنات الضفة الغربية.
وحرصت تل ابيب على القول لزوارها من المسؤولين الاوروبيين، ان لا تهديد حقيقياً بالحرب يلوح بالأفق على الرغم مما تسميه "تهديد حزب الله"، وعلى التمييز بين المناورات السنوية التي تنفذها والتهديد بالحرب الفورية خصوصاً في الجبهة الشمالية.
وصارحت تل ابيب اكثر من زائر بوجود ثغر حقيقية لدى جيشها لا تستطيع أي مناورة، مهما كانت ناجحة، أن تغطّيها، وانها طورت كثيرا قدراتها العسكرية منذ حرب تموز (يوليو) 2006، لكنها غير جاهزة بعد للحرب مع لبنان بسبب وجود نقاط ضعف حقيقية مثيرة للقلق تحتاج بعد الى سنوات.
اما المناورات "فلا إمكانية لعدم اجرائها في بلد يمكن أن يُستهدف في أي لحظة بعشرات الآلاف من الصواريخ التي يمكنها أن تطال معظم أرجائه".
... ما عدا واحدا
وعلى رغم وجود شبه اجماع لدى عواصم القرار بأن هذه المقاربة اللاحربية هي الاقرب الى الواقع والمنطق، فإن وزير اوروبيا زار بيروت يرى ان ان أسباب الحرب لم تنتف كليا، وخصوصا ان أي حادث غير محسوب او غير منضبط قد يشكّل الشرارة لما هو غير متوقع او منظور. وبرأي هذا الوزير ان احد اركان الحرب المحتملة، ضرب "حزب الله" بإعتباره احد الاذرع الايرانية الاقوى في سياق رد فعلها الانتقامي، وان استهداف هذا الذراع قد يدفع ايران الى تليين موقفها التفاوضي، من دون اغفال اشباع الغرور الاسرائيلي برد الاعتبار للجيش "الذي لا يقهر" بعد انتكاسة العام ٢٠٠٦، وتلقين الحكومة اللبنانية "الحاضنة البيولوجية لـ "حزب الله"، درسا من خلال استهداف البنى الرئيسة للاقتصاد على ابواب صيف يعول عليه لبنان لإدراك ما فاته من الفوائض المالية الخليجية الناتجة من ارتفاع سعر النفط على امتداد اعوام الازمة اللبنانية بين العامين 2005 و2009.
في هذا السياق، يشير مسؤولون في يروت الى ان الوفود الغربية حذرت لبنان من توفير ذرائع لإسرائيل لشن حرب على لبنان، منبهين إلى أن الحرب إن وقعت ستكون لها نتائج كارثية على الواقع اللبناني. ويلفتون إلى أن إسرائيل تسعى الى الحصول من الولايات المتحدة الاميركية على القبول بتوجيه ضربة لإيران، وفي حال حصل ذلك فإن الساحة اللبنانية ستكون في قلب الحدث.
ويكشف هؤلاء المسؤولون انهم تلقوا وعودا بممارسة ضغوط شديدة على إسرائيل، لكن بعضهم أشار إلى أن هذه الوعود صيفية فقط، ولا ضمانات باندلاع مواجهات خريفية، انطلاقا من تطورات الملف النووي الإيراني.
الضغط الذي يولّد الانفجار
ويخشى اكثر من قيادي لبناني من ان تبدَّد هذه المناخات السلمية بحادث صغير قد يشعل الشرارة. فصحيح ان التلويح بالحرب لا يعني ابدا ان الحرب ستحصل، الا ان تصاعد الضغط على ايران، قد ينتج ردة فعل تؤدي الى مواجهة عسكرية سيكون لبنان مساحتها الاولى، وهذا ربما ما استدعى القوة الدولية المعززة في الجنوب الى خفض عديدها من 15 الفا كما هو منصوص عليه في القرار 1701، الى نحو ثلاثة او اربعة آلاف كما هو الوضع الميداني، اذ عندذاك يسهل على قيادة هذه القوة وضع خطط الانسحاب العاجل من الجنوب في حال حصول طارئ عسكري لا يتجاوز انجازه الاربع والعشرين ساعة، في اتجاه الجزيرة القبرصية (بشطرها اليوناني) وجمهورية مصر العربية.
غير ان قيادة القوة الدولية لا تزال على تأكيدها ان الوضع في الجنوب لم يشهد اي تحركات غير عادية على الجانبين، ما يؤكد نجاح هذه القوات في فرض احترام الحد الادنى للقرار الدولي 1701، وذلك اشارة الى ان الا تعدجيل مرتقب مهمتها العلانية والميدانية، لا سيما ان هذه المسألة مرتبطة حصرا بمجلس الامن الدولي الذي على عاتقع تقع مسؤولية وصلاحية القرار المناسب في شأن تعديل المهام او الابقاء عليها كماهي، بالتشاور مع الدول.
وتشدد قيادة القوة الدولية المعززة على ان الاتجاه الدولي الغالب لا يزال مصرا على تعزيز الاستقرار في نطاق عملياتها جنوب الليطاني، بالتعاون مع الجيش اللبناني، حيث اثمر هذا التعاون استقراراً امنياً اثار ارتياح ابناء الجنوب طيلة الاعوام الاربعة الفائتة.
وتلفت القيادة الدولية الى ان لا معطيات حسيّة لديها بامكان توتير الاوضاع في الجنوب، وتاليا هي تستبعد حصول عمل عسكري اسرائيلي ضد لبنان، خصوصا انها لا توفر جهادا لإستدامة ضبط النفس لدى الاطراف المعنية بالقرار 1701، ولا تألو جهداً لتنفيذ مهمتها على اكمل لثبيت الهدوء في منطق عملياتها.