الأحد، 7 مارس 2010

Sphere: Related Content

استقراءات لما سيقوله في ذكرى والده ختْماً لـ "جرح كبير" مع دمشق

هل يتبرأ جنبلاط من "شهادتيّ" كمال ورفيق؟

في 16 آذار (مارس) وردة على ضريح ومحو لإفادتين ولذاكرة؟!

ينشر في "الاسبوع العربي" في 15/3/2010

السادس عشر من آذار (مارس) محطة جديدة من محطات الانتظار اللبناني. سيتوجه وليد جنبلاط الى حيث يرقد والده كمال "على رجاء القيامة" ليضع وردة على ضريحه في باحة قصر المختارة، محاطا بجمع من نوابه وقياديي حزبه، وآلاف العيون والآذان المترقبة لما سيقوله في ذلك اليوم من كلام قال انه سيكون اخيرا، في مسار اعادة تموضعه الدمشقية، عسى تفتح له بوابات الشام وقلوب اهلها ونظامها.

كثرت التحليلات والاستقراءات لما سيكون عليه آخر الكلام الجنبلاطي عن رحلته السورية المعلقة، وتعددت المصادر والروايات والكلام المنقول او المنسوب الى دمشق، بعدما صرّح جنبلاط قبل اسابيع: "سأقول في السادس عشر من اذار (مارس) كلاما اختم به جرحا كبيرا وسيكون اخر الكلام ولن يكون بعده اي كلام". فبعض زوار دمشق يزعم ان اهم شروط قبولها بالزيارة هو اعلانه الانتماء الى الخط المناهض لقوى الرابع عشر من اذار (مارس)، متوقعا ان يقدم على هذه الخطوة في ذكرى اغتيال والده كمال جنبلاط في السادس عشر من آذار (مارس). فيما يدّعي آخر ان لا مفرّ امام جنبلاط من الاعتذار علنا من سوريا، قيادة وشعبا، عما بدر منه في الاعوام الخمسة الفائتة وخصوصا لجهة اقتراحه، في احد لقاءاته في معهد واشنطن لسياسة الشرق الادنى ارسال سيارات مفخخة الى شوارع دمشق، ومن ثم "تحريضه" الولايات المتحدة الاميركية في حديث الى صحيفة "واشنطن بوست" على احتلال سوريا بعد استكمال احتلال العراق.

ختم الجراح

يعتقد بعض المراقبين ان جنبلاط لن يقول في عيد والده الثاني والتسعين، الكلام الكبير، "فلا اعتزال للسياسة في بيت لا يفرّقه عنها سوى الموت قتلا، ولا تسليم للامانة الى تيمور غير الجاهز بعد لخوض غمار الزعامة"، بل هو "سيستمر بكل بساطة في تكريس انقلابه على المرحلة الاميركية وعودته ميمونة الى الرعاية السورية".

غير ان مطلعين على كواليس الاتصالات غير المباشرة بين جنبلاط والقيادة السورية يذهبون بعيدا في تحليل الكلام الجنبلاطي المفترض في ذكرى والده.

يعتقد هؤلاء ان ذكرى السادس عشر من آذار (مارس) مناسبة سانحة للزعيم الدرزي كي يتراجع عن اتهامه دمشق ونظام الرئيس الراحل حافظ الاسد تحديدا، بإغتيال والده ومرافقيه حافظ الغصيني وفوزي شديد في بلدة ديردوريت، وتاليا اعادة رسم علاقته بالقيادة السورية من هذه المحطة الرمزية بالذات، اذ ان اتهام جنبلاط لم يكن سياسيا بقدر ما كان قضائيا، مستندا فيه الى التحقيقات التي اجراها في حينه القاضي حسن قواص وهو الملف الذي اظهره جنبلاط في برنامج تلفزيوني في عز ازمته مع دمشق، وكذلك الى الرواية التي ساقها مرارا القائد السابق للشرطة القضائية اللواء عصام ابو زكي (المقرب من جنبلاط) متهما دمشق بتورطها في اغتيال جنبلاط الاب، وهي رواية لا مفرّ لجنبلاط من محيها، او ربما انكارها، كي يسلك موكبه الطريق الدمشقية.

كمال: رواية مطلوب محيها!

يروي ابو زكي: قبيل هذه الجريمة النكراء، التي هزت الضمير اللبناني والعربي والعالمي، ضبطت الجمارك اللبنانية في مرفأ بيروت سيارة أميركية الصنع، وقد أخفيت فيها كمية من المخدرات. حضرت إلى المرفأ دورية من المباحث العامة لاستلام السيارة والمخدرات، وعند إخراج السيارة من المرفأ، أوقفها حاجز سوري على بابه، وأخذها بالقوة من رجال المباحث اللبنانية. وعندما راجعت السلطات الأمنية اللبنانية السوريين، أفاد رئيس جهاز الأمن السوري في سن الفيل، وهو برتبة رائد، أن السيارة بحوزته. وبناء على طلب قوى الأمن اللبنانية، سلمها الرائد المذكور افادة خطية بأن السيارة معه وباستعماله الشخصي. السيارة نفسها تظهر بعد فترة وجيزة في منطقة الشوف، تنتظر مرور القائد كمال جنبلاط، المتوجه من المختارة الى عاليه لحضور اجتماع حزبي. وما إن تمر سيارته، حتى تلحق به السيارة الجانية، وفيها أربعة عناصر، اثنان بلباس مدني، وآخران بلباس عسكري، ثم تعترض طريقه في آخر بلدة بعقلين.

أجبر مرافقا كمال بك على الانتقال إلى السيارة الأميركية، وصعد إلى سيارته عنصران من العناصر الأربعة، واحد قاد سيارة الزعيم الخالد، وهو إلى جانبه، والآخر جلس في المقعد الخلفي. وقطعت السيارتان مسافة تقدر بحوالي 900 متر، وهناك حصل شيء فاجأ الخاطفين، إذ كان التوقف سريعاً، كما يدل أثر استعمال المكابح في سيارة كمال جنبلاط على الطريق، مما أدى الى اصطدام السيارة الجانية بسيارته من الجهة الخلفية. وعندها ارتكبت الجريمة الرهيبة. فرّ الجناة في سيارتهم، التي وضعوا عليها لوحة عراقية. ولكنهم اصطدموا بمرتفع ترابي، فتركوها واستقلوا بالقوة سيارة كانت تمر صدفة في المكان، وأجبروا سائقها على نقلهم إلى مقر الرائد السوري إياه في سن الفيل. وخلال انتقالهم الى سن الفيل، كان الجناة يبرزون بطاقاتهم على الحواجز السورية، فيمرون بسهولة وسرعة. وقد تولّى هذا الرائد في ما بعد منصبا استخباريا رفيعا، ربما مكافأة له على نجاحه في ارتكاب الجريمة.

ويؤكد ابو زكي لدى سؤاله وعن توصل التحقيق الى معرفة هوية احد المسلحين الاربعة الذين نفذوا عملية الاغتيال، "انه الرائد السوري ابرهيم حويجي الذي كان مسؤولاً عن مكتب المخابرات السورية في مستديرة الصالومي، والذي تسلم سيارة "البونتياك" واحتفظ بها، وهو من الذين شاركوا في معركة تل الزعتر. ولدينا افادات تؤكد انه كان يقود "البونتياك" ويستخدمها في تنقلاته الشخصية. وتوصلنا فعلاً الى اكتشاف تطابق صفاته مع احد المسلحين الاربعة. كما ان الشاهد سليم حداد، الذي نقل المسلحين الى الصالومي، اكد ان شخصاً جلس بقربه وكانت لديه رتبة عسكرية عالية، اذ كان عناصر الحواجز السورية الذين ينتشرون على الطرق يؤدون له التحية العسكرية، والدليل انهم قصدوا الصالومي حيث كان مركز الرائد حويجي. ورقي حويجي بعد ذلك، وصار مدير الاستخبارات الجوية في سوريا، وكان الزعيم وليد جنبلاط اكد انه التقى بـ حويجي في ليبيا خلال احدى زياراته الماضية".

ويعتقد ابو زكي "ان قتل كمال جنبلاط بحاجة الى قرار، ومن يتخذ القرار باطلاق النار على كمال جنبلاط ليس عسكرياً بسيطاً يتلقى الاوامر، بل اهم من عسكري. ونعتقد ان المسلحين كانوا يخططون لخطف كمال جنبلاط الى منطقة مسيحية وارتكاب جريمتهم هناك حتى يندلع اقتتال طائفي بين المسيحيين والدروز، وربما كانوا ينوون قطع رأسه، واحراق جثته، نظراً الى وجود سكاكين حادة في سيارتهم وكمية من البنزين. وهذا يدعم الاعتقاد السائد، والذي لنا عليه الكثير من الادلة بأن الاعمال الدموية التي حصلت في الجبل يومذاك كانت بتحريض وتنظيم من الجهة الجانية نفسها، اذ كانت القوات السورية تنتشر وقتها في منطقة الشوف كلها".

رفيق: محو رواية اخرى!

الى هذه الرواية، سيكون جنبلاط في السادس عشر من آذار (مارس)، او ربما قبله او بعده (لا فرق)، امام استحقاق محو او التراجع عن رواية اخرى اخبرها هو بنفسه في شهادة موثقة ومكتوبة في الثامن والعشرين من حزيران (يونيو) 2005، قدّمها الى الرئيس الاسبق للجنة التحقيق الدولية القاضي الالماني ديتليف ميليس، الى جانب شهادت كل من مروان جماده وغازي العريضي وباسم السبع. قال جنبلاط في شهادته: "وفقاً للرئيس (رفيق) الحريري فإن الرئيس (بشار) الأسد قال له: (الرئيس السابق اميل) لحود هو أنا، وأنا أريد أن أجدد له، وإذا أراد (الرئيس الفرنسي السابق جاك) شيراك أن يخرجني من لبنان، فإني سأكسر لبنان، وخلال زيارته الى منزلي كان الحريري خائب الظن وكان في وضع سيئ للغاية".

وتقاطع هذا الكلام مع شهادة سعد الحريري في التاسع من (تموز) يوليو 2005، وفيها: "ناقشت مع والدي الراحل رفيق الحريري تمديد ولاية اميل لحود، وقال لي بأن الرئيس بشار الأسد هدده وقال له: "هذا ما أريده، إذا كنت تظن أن الرئيس شيراك أو أنت تستطيعون أن تحكموا لبنان فأنتم مخطئون، فذلك لن يحدث. لحود هو أنا وما أقوله له ينفذه، وهذا التمديد سيتم وإلا فإني سأحطم لبنان على رأسك وعلى رأس وليد جنبلاط، وإما أن تفعل ما نقوله لك وإلا فسنتعامل معك ومع أسرتك أينما كنت".

ويتردد على نطاق واسع في لبنان وخارجه أن أحد الشروط السورية التي وصلت الى جنبلاط، من خلال القنوات المعتمدة بينهما، هو سحب هذه الإفادة، كما أن السلطات السورية تساوي بين نسف جنبلاط إفادته وبين سحب مذكرة التوقيف الصادرة في حقه عن القضاء السوري، علما ان قياديين قريبين من جنبلاط ينفون علمهم بهذه الرسال، ويؤكدون ان احدا غيره لا يعرف ما الذي سيلدي به في ذكرى والده، في حين يقول سياسيون "ان التراجع عن الافادة في اغتيال الحريري غير ممكن عمليا والا يكون بذلك قد عرّض نفسه الى المساءلة امام لجنة التحقيق الدولية على خلفية الادلاء بشهادة كاذبة".

ويبني المراقبون على هذه المعطيات، ليتوقعوا أن "يكون اتهامه دمشق بمقتل والده وبإغتيال الحريري، او بأحد هذين الاتهامين، محوريا في إطلالته في السادس عشر من آذار، إذا أراد فعلا أن يسلك طريق دمشق، وربما بإفادتين جديدتين قد يختم بهما آخر الجراح مع دمشق".

ليست هناك تعليقات: