التعثّر المبكر في علاقته بالقيادة السورية لم يمنع زيارته مطلع الشهر المقبل
الحريري – دمشق: إلتباس النديّة وأثمانها؟!
تسعة مسببات لـ "الاستياء" السوري!
ينشر في "الاسبوع العربي" في 22/3/2010
يحزم سعد الحريري حقائبه ووزراءه ليتوجّه الى دمشق مع بداية نيسان (ابريل)، وسط دفق من التحليلات عن تعثّر علاقته مع القيادة السورية، وعن عدم قدرته او رغبته على بناء علاقة مؤسسية مع دمشق، تتعدى علاقته الشخصية المرممة مع بشار الاسد.
منذ انجازه الزيارة – المفصل الى دمشق، لا يترك رئيس الحكومة سعد الحريري فرصة او مناسبة ليجدد تمسّكه بإقامة افضل العلاقات مع سوريا. ففي آخر تصاريحه في هذا الشأن، قال الحريري ان "علاقتنا مع سوريا تسير على الطريق الصحيح"، مشيراً إلى "أننا نتعاطى مع السوريين من خلال موقف إيجابي جداً ونلقى من دمشق موقفاً إيجابياً جدا", واضاف: "هذه المقاربة الإيجابية سوف تسمح للبلدين بالتطلع إلى ميادين المصالح المشتركة وهي عديدة". وتابع: "نحن جيران تجمعنا الهوية العربية، ولدينا مصالح مشتركة في الاقتصاد والتجارة والأمن والثقافة وعلى المستوى الإقليمي نواجه التحديات نفسها نتيجة غياب التقدم في عملية السلام. وسوف أزور دمشق في الأسابيع المقبلة لمباحثات معمقة حول جميع هذه المسائل". واوضح ان لا توتر بين لبنان وسوريا "بل على العكس تماما"، مؤكداً انه يبني علاقة جيدة جداً مستندة إلى الاحترام المتبادل لسيادة البلدين واستقلالهما، وكذلك هناك علاقات بين مؤسسات الدولتين.
وزيارة رئيس الحكومة لدمشق هي الثانية له منذ رئاسته للحكومة، وستكون خلاف الاولى، التي اتسمت بالطابع الشخصي والتعارفي، زيارة رسمية حكومية تضم الوزراء المعنيين بالمباحثات التي ستجريها مع الجانب السوري، والتي ستتناول الملفات العالقة بين البلدين، وفي مقدمتها الاتفاقات الثنائية المرعية الاجراء.
ويؤمل ان يضع اعلان الحريري هذا حدا للتسريبات والهمسات عن تعثر التفاهمات مع دمشق.
طبيعية وندية!
يعتبر قطب سياسي انه من من الطبيعي في ظل ندية العلاقات المتفق عليها لبنانيا ومع دمشق، ان يتم تبادل للزيارات من اجل تحسين العلاقة بين البلدين لمصلحة الشعبين، وهذا يتطلب ان يزورنا رئيس وزراء سوريا ووزراء سوريون، ثم يذهب رئيس وزراء لبنان. لكن الظروف الراهنة قد تكون فرضت ان يذهب الحريري بزيارة اخرى الى دمشق لا علاقة لها بالزيارة السابقة، لانها زيارة سياسية عملانية لحضور اجتماع لجنة مشكلة بين البلدين، وهذا امر جيد يمكن ان يزيل ما يُتداول عن من فتور". ويشير القطب الى ان الكثير من الاتفاقات الثنائية المعقودة مر عليها الزمن، ويجب ان تتم مراجعتها من الجهتين. ويلفت الى ان الوزارات اللبنانية لم تنجز بعد مراجعة لهذه الاتفاقات، في المقابل لم ترد معطيات من سوريا عن مراجعة مماثلة، على رغم ان البعض يشير الى ان لدمشق تحفظات عن عدد من الاتفاقات المعقودة تحت عنوان معاهدة الاخوة والتنسيق.
انتقادات ولكن
لم تأت بنتَ ساعتها انتقاداتُ الصحافة السورية (جريدة "الوطن" غير الرسمية وموقع "شام برس") في شأن الكلام الذي ادلى به قبل الحريري الى الصحيفة الايطالية "كوريير دي لاسيرا" الإيطالية والتي اشار فيها إلى أن "سوريا رفضت العلاقات الدبلوماسية معنا"، وأن "تصرفهم كان مشابهاً للذي كان قائماً بين العراق والكويت" (...)، وتأكيده ان زيارته دمشق اتت في اطار ما يخصه او ما يقع عليه من "التزام" و"تسهيل" في سياق المصالحات العربية. ذلك ان العاملين بنشاط على خط دمشق يكثرون منذ اسابيع في ايراد ملاحظات سورية كثيرة على اداء فريق رئيس الحكومة من وزراء وخصوصا نواب ونواب سابقين، لم يظهروا بعد- بحسب الاعتقاد السوري- "مواكبة مسؤولة للسياسة الجديدة بين لبنان وسوريا".
اذاً، جعلت القيادة السورية عبارة الحريري عن التماثل بين علاقة صدام حسين بالكويت وعلاقة سوريا (ونظام حافظ الاسد استطرادا) بلبنان قبل العام 2005 (على رغم التوصيح النفي للحريري وللصحيفة الايطالية)، الورقة التي جعلت كوب الماء يطوف بما فيه، فعكس اعلامها الخاص هذين الاستياء والتحفظ، في خطوة اولى ارادتها رسالة "خفيفة الظل"، او على ما ذكر رئيس تحرير "الوطن" وضاح عبد ربه في احدى افتتاحيته انه "استياء تم تهذيبه"، قبل ان "تضطر" الى الانتقال الى التعبير عن هذا الاستياء بطرق اخرى، وربما اكثر رسمية وحزبية .. وحدّية.
مسببات الاستياء
المطلعون على واقع "الاستياءات" السورية المنقولة في الآونة الاخيرة بواسطة القنوات المتعارف عليها، يتحدثون عن عدد من النقاط التي يرون انها لا تزال تشوب علاقة دمشق برئيس الحكومة، ويأخذون عليه انه لم يبادر بعد الى النظر فيها، وهم غالب الظن يقصدون بذلك اخذها في الاعتبار واتخاذ الاجراءات الكفيلة بتصحيحها. من هذه الاستياءات:
-الدور المعطى للرئيس فؤاد السنيورة، وهو الذي تنظر اليه سوريا بالنظرة عينها التي ترى فيها رئيس حزب الكتائب امين الجميل ورئيس الهيئة التنفيذية في "القوات اللبنانية" جعجع. ودمشق تعتبر ان هناك قرارا بتعويم السنيورة بدءا من ترشيحه في صيدا وليس انتهاء بترئيسه كتلة نواب "المستقبل"، على رغم انها لم تخف يوما غضبها الشديد من دوره زمن حكومتيه، وهي "لن تنسى له ما فعل"!
-مباركة الحريري إحياء الذكرى الخامسة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري في احتفال جماهيري خطابي اقرب الى عرض قوة، وصرف النظر عن اقامة احتفال مركزي غير جماهيري كانت تفضّله دمشق، لا يقدّم منبرا مجانيا للجميل وجعجع، ولا يعيد ضخ الروح قوى الرابع عشر من آذار واعادة تنشيطها.
-الابقاء دون أي تغيير على الفريق المحيط برئيس الحكومة والمعاون له، على رغم كل "الرسائل" والاشارات، من الاستنابات القضائية الى ما كثر من غمز ولمز.
-ابقاء اعلام "المستقبل" وسياسييه في منأى عن أي موجبات رقابية، لا في التصريح ولا في التحليل ما عدا الابتعاد عن المس بالتفاهمات العربية العريضة.
-استمرار تأمين الدعم السياسي واللوجستي للامانة العامة لقوى الرابع عشر من آذار (مارس)، وهي الاطار الفكري – العقائدي الذي يستمر في نفخ روح الحد الادنى في هذه القوى. وحتى لو عنى هذا النفخ الضئيل ضجيجا، او "بوقا لسيارة وضعت خارج الخدمة"، فهو يبقى مزعجا لدمشق.
-الحرص على تعزيز التحالف مع جعجع، وهو ما تراه دمشق حائلا دون تحييد "القوات اللبنانية" كمدخل لتكرار اقصائها عن الحياة السياسية في العام 1994.
-الحرص على ابقاء المحكمة الدولية الخاصة بلنان حية، حتى لو في وجدان اللبنانيين وذاكرتهم، الى ان يحين موعد ما يتوجب على المحكمة من اجابات عن اسئلة معلقة، في طليعة هذه الاجابات القرار لاظني. وفي الانتظار، ستبقى الموازنة مؤمنة، كما التنسيق وكل الاجراءات التي قد تطلبها المحكمة او الادعاء العام، وهو ما افصح عنه اخيرا وزير الدفاع الياس المر، وادى الى ازمة صامتة مع اكثر من جهة حزبية لبنانية ورسمية سورية، في حين تتالت المراجعات على رئاسة الجمهورية سائلة ومستفسرة ومطالبة بتوضيح او حتى بـ "محاسبة"!
-اجتماع الحريري مع تيري رود لارسن في باريس، وهو أبرز الرموز التي تعاديها سوريا في الاعوام الفائتة والمتهم الاول بالوقوف وراء القرار ١٥٥٩، ولا يزال شخصية غير مرغوب فيها ومحظّر دخولها العاصمة السورية.
-استمرار الاستعانة بالمساعدة التقنية والامنية الالمانية في مسألة ضبط الحدود اللبنانية – السورية.
معالجة هادئة
وعلم ان ثمة من ابلغ دمشق انه كان الافضل لو تمت معالجة التحفظات السورية، كما عولجت سابقا التساؤلات اللبنانية التي اعقبت المقال الذي نشره الصحافي الاميركي سيمور هيرش في صحيفة "نيويوركر" وضمّنه كلاما منسوبا الى الرئيس السوري بشار الاسد، بمعنى ان تأتي المعالجة هادئة بعيدا من الاعلام، وضمن القنوات المتفق عليها مع القيادة في دمشق.
ويرى بعض المراقبين اهمية في المبادرة السعودية الى معالجة ما حصل من تعثر مبكر ومفاجئ في العلاقة بين رئيس الحكومة والقيادة السورية، خصوصا ان هذه العلاقة هي حجر الزاوية في بنيان الاستقرار اللبناني في هذه المرحلة، وهي الترجمة العملية المباشرة للتفاهم السوري - السعودي الذي اكتمل في لبنان ولم يعرف مداه وحجمه في المنطقة. ويخشى هؤلاء من ان تتأثر الحكومة بهذا المستجَّد، بحيث يكون الجمود والمراوحة والانطلاقة الوزارية المتعثرة وغير المكتملة، احد الاثمان الباهظة المفترضة!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق