ادارة ساركوزي تصوّب الصورة النمطية التي رُسمت عن العلاقة الفرنسية - اللبنانية
الحريري في باريس: تصليب الدرع الواقية
دمشق بوابة العبور الفرنسي الى الشرق الأوسط لكن بيروت لا تزال مفتاحا مهما
باريس تجدد التحذير من حرب اسرائيلية مدمرة
ينشر في "الاسبوع العربي" في 1/2/2010
الاطلالة الرسمية الدولية الاولى لسعد الحريري من باريس حملت الكثير من المضامين السياسية والشكلية، وأكسبت الزيارة بُعدا واسعا، وأتت في سياق ما بدأه رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان لجهة ترميم مظلة الحماية الدولية بعد اعوام صدّت هذه المظلة وجعلت لبنان عرضة لشتى الخروق والتدخلات والحروب.
عاد رئيس الحكومة سعد الحريري من باريس محملا بالتزام فرنسي لدعم حكومته وإصلاحاتها الاقتصادية والجيش اللبناني واحتياجاته العسكرية، أما الترجمة فتبقى رهن معطيات لبنانية وفرنسية، على رغم ان المتداول من معطيات افاد ان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أبلغ الحريري موافقة بلاده على تزويد الجيش بالصواريخ والمعدات العسكرية المطلوبة لبنانيا، اذ انه "لا يمكن مساندة استقلال لبنان والدفاع عنه من دون تزويد جيشه بوسائل الدفاع". وقال ساركوزي: "إذا كان إعطاء معدات للجيش اللبناني كالصواريخ يمثل مشكلة بالنسبة الى الولايات المتحدة الاميركية واسرائيل، ففرنسا لا تطلب إذن أحد لمساعدة استقلال لبنان. وإذا نشأت أي مشكلة بالنسبة لهذا الموضوع مع إسرائيل، فسنتفاهم مع الإسرائيليين ولكننا مستعدون لتقديم التجهيزات المطلوبة للجيش اللبناني". وهذه الخطوة في حال تحققت، تعتبر اختراقا كبيرا على مستوى الحظر الاميركي – الدولي المفروض على تسليح الجيش بذريعة امكان ان تصل معدات عسكرية حديثة الى ترسانة "حزب الله".
ولا يخفي المتابعون من الديبلوماسيين العاملين في بيروت، الاهمية التي توليها باريس، وادارة ساركوزي، للزيارة التي قام بها الى العاصمة الفرنسية رئيس الحكومة، وهي الاطلالة الاولى له دوليا وعلى مستوى عواصم القرار، اذا استثنيَتْ مشاركته في قمة المناخ في كوبنهاغن.
الصورة النمطية
مردّ هذا الاهتمام الرسمي الفرنسي جملة امور، في مقدمها رغبة جادة في انجاح سعد الحريري، ابن رفيق الحريري، رئيسا للحكومة، ومن ثم في تصويب الصورة النمطية التي رسمها البعض للعلاقة الفرنسية مع عائلة الحريري منذ ان ترجّل الرئيس السابق جاك شيراك عن عرش الاثني عشر عاما.
منذ ذلك الحين، والقصص تُحاك عن رغبة ساركوزي في اخراج العلاقة مع لبنان من الشخصانية الى المؤسسية، وفي تنظيم هذه العلاقة رسميا والابتعاد قدر الامكان عما ساد سابقا بين العامين 1995 و2007، واذ بالصورة النمطية تختصر بلدين بصداقة مسؤولَيْن، وبات شيراك يرسم سياسة فرنسا، احد الدول الخمس العظمى، على قياس صداقاته او حتى مصالحه.
في الشكل، أرادت باريس ان تبدد ما علق في الاذهان من هذه الصورة النمطية، فأعدّت لضيفها استقبال رؤساء دول، بحفاوة بروتوكولية استثنائية وغير معهودة في مثل هذا النوع من الزيارات، وبرمجت له اجندة حافلة باللقاءات الرئاسية من الاليزيه الى ماتينيون، فالجمعية الوطنية ثم مجلس الشيوخ، مع تشريفات وحفلات تكريم تخصص عادة لزيارة دولة. وربما زادت في حفاوتها، لإدراكها انها الاطلالة الدولية الاولى لسعد الحريري، والذي بدوره وعى ذلك فحضّر وفدا وزاريا وحكوميا رفيعا قادرا على مقاربة كل العناوين المشتركة اللبنانية – الفرنسية (اتفاقات ومشاريع تعاون وتنسيق) بموضوعية واقتدار، من مسائل الأمن الداخلي والتعاون القضائي والبحوث العلمية والشؤون الاجتماعية الى الادارة والاقتصاد.
تأسيسا على ذلك، من المرتقب ان تؤدي الزيارة الاستثنائية الى بعث الحرارة في العلاقة الشخصية والسياسية بين ساركوزي والحريري، لكن من غير الافراط في توقّع استئناف ما كانت عليه العلاقة بين شيراك والرئيس الراحل رفيق الحريري، وهما اللذان نجحا في تأسيس ومن ثم استثمار علاقة ود وصداقة وتعاون.
الزيارة والتحوّلات
في التوقيت، تبرز في الزيارة اهمية استثنائية، كونها تأتي في خضم تحولات على مستوى اقليم المتوسط تدير باريس جزءا غير يسير منها بتكليف اميركي، في طليعة هذه الملفات ادارة سياسة الانخراط مع دمشق والتي تمرّ راهنا بهمود سياسي وديبلوماسي لافت، علما ان بعض اجزاء هذا الهمود لبنانية، من دون ان يخفي هذا التذبذب ارتياحا فرنسيا لايفاء دمشق بالتزاماتها وما وعدت به حيال لبنان، من المصالحة السعودية- السورية الى زيارة الحريري الى دمشق، وهو امر كرره ساركوزي على مسمع من الحريري في اشارة الى ارتياحه الى علاقته الشخصية والسياسية مع الرئيس السوري بشار الاسد. ونتجت من هذا التقويم التفاتة فرنسية ايجابية للوضع اللبناني وللمحطات والمراحل التي قطعها في الأشهر الأخيرة.
وهذا التمايز في القراءة الفرنسية، وخصوصا بين الاليزيه ووزارة الخارجية، دفع باريس الى تقويم ايجابي لكن حذر للوضع اللبناني، وهو بحد ذاته سبب اندفاعة باريس نحو تكريس دعم الشرعية اللبنانية والآليات المؤسسية والتي تنظر اليها ادارة ساركوزي على انها ركن من اركان تعزيز الاستقرار اللبناني وسط اقليم متحوّل وينذر كل يوم بهزات نتيجة شلل التسوية السلمية وبفعل اختلالات فلسطينية او عراقية او ايرانية او يمنية، الى غيرها من مساحات التنافر والتجاذب في دول خليجية عدة. وكل ذلك يضع النظام الدولتي اللبناني تحت تأثير الانقسامات والتعقيدات الداخلية السياسية والطائفية وتحت تأثيرات اقليمية، ما يجعله غير قادر على مجاراة السياسة والمبادرات الفرنسية في الشرق الأوسط.
كما ان الزيارة تحصل على خلفية تحرك اقليمي دولي ناشط يتعلق بعملية السلام وأمن المنطقة، في ضوء توترات متزايدة بسبب الصراع العربي - الاسرائيلي والخلاف السعودي - الايراني والحرب الباردة بين طهران والغرب، اضافة الى التهديدات الاسرائيلية ضد لبنان، وما يتردد عن قرب عمل عسكري ما، من هنا تبرز اهمية المظلة الديبلوماسية التي تعمل عليها باريس انطلاقا من محورية القرار الدولي 1701.
بيروت لا تزال مفتاحا
في الخلاصة، يراهن كثر على ان زيارة الحريري الى عاصمة الاضواء ستبدد وتصحح الانطباعات الخاطئة عن السياسة الفرنسية الجديدة حيال لبنان وسوريا، والتي صُوّرت على انها انقطاع جذري وحاسم مع سياسة جاك شيراك.
وستبيّن التطورات والاتجاهات الفرنسية الآتية، ان اختيار ساركوزي دمشق بوابة العبور الفرنسي الى الشرق الأوسط، ولا يعني طرح لبنان في مهملات عهده، فبيروت لا تزال مفتاحا مهما وأساسيا، حتى لو ان باريس نجحت، في علاقتها مع دمشق، في تجاوز التعقيدات اللبنانية واعبائها واغلالها.
وتكتفي ادارة ساركوزي راهنا بأنها كسبت رهانها على سوريا وعلى نظامها، ونجحت في وضع لبنان على سكة الاستقرار السياسي والأمني بدءا من اتفاق الدوحة، انتهاء بالتفاهم السوري - السعودي الذي عزز موقف باريس وصوابية سياستها. وباريس تستعد للتأسيس على هذه التراكمات الايجابية لبدء دور اكثر نشاطا واقتدارا وزخما وطموحا، نقطة انطلاقه اعادة بناء وتعمير العلاقة الشخصية والسياسية بين ساركوزي والحريري.
الدرع والحرب الحتمية!
ويعوّل لبنان على دور فرنسا في تصليب المظلة الدولية التي امّنت له منذ انتخاب الرئيس سليمان درعا سياسية وامنية وقَتْه وتقيه الكثير من العثرات الامنية، ومرشحة ان تزداد فاعلية في المرحلة المقبلة، حيال التهديدات الاسرائيلية المستمرة، وهو ما عكسته المعلومات الباريسية من ان ساركوزي أبلغ الحريري أن فرنسا "تتعهد السعي لمنع إسرائيل من ضرب البنى التحتية الأساسية في لبنان، لكن ليس أكثر من ذلك"، مشددا على ضرورة "ضبط الوضع الداخلي اللبناني ومنع أي استفزازات".
واقترنت هذه الاشارة عن احتمالات حرب حتمية، بالتصريح شديد التعقيد الذي ساقه وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير لجهة قوله ان "المخاوف اللبنانية من التهديدات الإسرائيلية ليس لها ما يبررها، فإسرائيل صديقتنا. وإذا كان هناك من تهديد للبنان، فلن يأتي إلا من مغامرة عسكرية قد يقوم بها "حزب الله" لمصلحة إيران، التي قد تهرب الى الأمام ، وتعمل على صرف الأنظار عن أزمتها الداخلية بالإيعاز إلى حليفها اللبناني، بإحداث حرب على الجبهة الجنوبية".
وسبق لكوشنير ان اعلن سابقا ان سلاح "حزب الله" يعطّل وساطات السلام بين اسرائيل وسوريا.
ويرى المراقبون في بيروت ان على لبنان اخذ هذه التحذيرات الفرنسية على درجة كبيرة من الجدية، لا سيما ان كوشنير بتصريحه الفظ نسبيا انما يعكس بحدية الموقف الفرنسي الرسمي، حتى لو لم يكن ساركوزي بالفظاظة نفسها.
ويذكّر هؤلاء بموقف الرئيس الفرنسي من صداقته غير المحدودة مع اسرائيل، ليخلصوا الى اهمية الا يتلهى اللبنانيون بمحاولة الفصل بين موقف الرئيس الفرنسي ورئيس ديبلوماسيته، لأن لبّ المشكلة ليست هنا، بقدر ما هي في الرسالة التي ارادت باريس بعثها الى بيروت، والتي سبق ان تبلّغها رئيس الجمهورية في زيارته الاخيرة لباريس، وقبلها في زيارته الى واشنطن، والتي بادر كثر من اللبنانيين الى التخفيف من صدقيتها، تحت عنوان ان تل ابيب غير مستعدة راهنا لحرب مع "حزب الله".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق