الأحد، 27 ديسمبر 2009

Sphere: Related Content

التعكيرات التي تلت زيارة الحريري لدمشق اثارت الخوف من اعتراضات عنفية على التحولات

كمائن مؤجلة في مناطق ذات خصوصية ديموغرافية ومذهبية؟!

زيارة الحريري لدمشق محصّنة بالتفاهمات ولأنها جزء من مشهد كليّ

ينشر في "الاسبوع العربي" في 4/1/2010

إرتحل العام 2009، الذي اثمل اللبنانيين ازمات متسلسلة وبعضا من نوافذ الامل، على حدث زيارة سعد الدين بن رفيق الحريري الى دمشق. حدث كان لاشهر مضت ضربا من خيال وسوريالية، وأمْلته التفاهمات العربية وضرورات الانتظام في سياقها، وتحوّل عنوانا سياسيا عريضا للسنة الجديدة.

على امتداد الاسابيع السابقة والممهدة لزيارة رئيس الحكومة سعد رفيق الحريري لدمشق والتحضيرات التي تولتها الرياض من ألفها الى يائها، لم تغب الهواجس من تعديات سياسية او امنية على الزيارة، تسبقها لمنعها او ارجائها، او تليها لإحباط نتائجها وإظهار رئيس الحكومة عاجزا عن اقناع جمهوره بجدوى ما أقدم عليه.

الحادثتان الامنيتان اللتان اعقبتا الزيارة، من إحراق مركز لحزب البعث العربي الاشتراكي في الكولا ليل السبت في التاسع عشر من كانون الاول (ديسمبر) بالتزامن مع توجه الحريري الى العاصمة السورية، الى استهداف الباص السوري في دير عمار ليل الاحد في العشرين من الشهر ذاته، بعد مضيّ اقل من 12 ساعة على انتهاء الزيارة، صنّفا، في الاتهام السياسي، اعتداء عليها وعلى ما خرجت به من تفاهمات وآمال عريضة بتغيّر في المقاربة السورية للبنان وفي التعاطي اللبناني مع سوريا.

ولئن اظهرت التحقيقات الاولية ان حادثة دير عمار شخصية بحتة، بعدما اعترف سائق الباص السوري بخلافه مع مجموعة من اللبنانيين على اقتسام عائدات عمليات تهريب للبضائع والمازوت، فإن المواقف الذي تلت الحادثة اعادت الى الواجهة موجات "الاتهام السياسي"، خصوصا ان الحادثتين في توقيتهما وموضعهما الجغرافي والديمغرافي، معطوفتين على ردود الفعل السياسية والمتابعات الديبلوماسية الحثيثة، حملتا الكثير من المؤشرات على ما قد ينتظر او يتوقَّع للاستقامة المستجدة في العلاقة اللبنانية – السورية، او بالتحديد العلاقة بين سوريا ورئاسة الحكومة اللبنانية، ومن ورائها اهل السنة والجماعة وجمهور رفيق الحريري.

اختراقات للتشويش

أشّر الاستنفار الدبلوماسي والسياسي والأمني الذي أعقب الحادثتين وقبل ظهور حقيقة باص دير عمار، الى ان التعاطي معهما قام على قاعدة جرمية –لبنانية وسورية بشهادة وزير الخارجية وليد المعلم- بإعتبار انها خطرة في أبعادها ودلالاتها، وصولا الى تشبيه اطلاق النار على الحافلة بأنه اطلاق نار سياسي على زيارة الحريري ومصالحته مع الرئيس السوري بشار الاسد.

وعلى هذه القاعدة الجرمية والشكوك في احتمال تسجيل اختراقات امنية خطرة للتشويش على المستجد في العلاقة مع سوريا، ثمة من حلفاء دمشق من يجزم ان هناك جهات متضررة من الوضع المستجد القائم على اطلال وضع (معاد) معاكس كليا ساد الاعوام الاربعة الفائتة، لم يحلُ لها انقلاب الخصومة تطبيعاً، ولن تتوانى عن التشويش والتعكير بالسلاح الامضى لديها أي الامن، في استعادة لتطورات امنية وحوادث تفجيرات وقعت في تواقيت مشبوهة ووُظفتها الجهات المتضررة من الاستقرار محليا وخارجيا، لجعل لبنان تحت وصاية دولية. وليس انجع من رسائل الاعتراض والاحتجاج السياسية، افتعال مشاكل في مناطق ذات حساسية فائقة ديموغرافية ومذهبية، مؤهلة كي توصل الرسالة الاعتراضية بالبريد المضمون والسريع.

الكمائن اللاحقة

لكن لماذا كل هذه الهواجس المتنبئة بإمكان حصول اختراق امني؟ ولماذا رُبطت حادثة دير عمار، قبل تكشف الدوافع والخلفيات، بإحراق مكتب حزب البعث؟ ولماذا ثمة "حدسا" بإعتداء سياسي ممكن على زيارة الحريري لدمشق، عبر حلقات مترابطة بدأت بحادثة الكولا وقد لا تنتهي معها؟

في اعتقاد بعض المراقبين ان:

-الكمائن السياسية نُصبت مبكرا لمصالحة الاسد – الحريري، لكن قد يكون ارتُئي ارجاء الافصاح عنها لما بعد الزيارة لجملة عوامل، في مقدمها انها ستكون اكثر فاعلية ونجاعة في ما لو تم الاجهار بالكمين بعد المصالحة.

-لهذه الكمائن المفترضة اهمية بالنسبة الى الجهة (او الجهات) الفاعلة كون تنفيذها سيكون بمثابة اشهار بولادة حال اعتراضية عنفية شبيهة بحالات الاعتراض زمن طرابلس السبيعنات والثمانينات، تمكنها من فتح خطوط تواصل واتصال مع جهات على الموجة نفسها خارج الحدود.

-بعض المناطق، وخصوصا المترامية الأطراف والمتصلة بمحيط فلسطيني (تخوم مخيمات اللاجئين) والتي يتداخل فيها النشاطان الفلسطيني والأصولي - السلفي وحال من التطرف وصلت أحيانا حدّ استهداف الجيش اللبناني، وكذلك المناطق الموجودة في قلب مساحات ديموغرافية تدين بالولاء لتيار "المستقبل" ولسعد الحريري والتي سبق ان شهدت حالات اعتراضية عنيفة على مسار العلاقة مع سوريا بين العامين 2005 و2008، كلها مناطق قد تكون مرشحة بفعل التركيبة السياسية والاجتماعية والحزبية، لكي تصبح مرتعا للاختراقات الامنية المتوقعة والمتخوَّف منها، بغرض التشكيك بزعامة سعد الحريري كل جمهور تيار "المستقبل"، واستطرادا وضع هذا الجمهور في مواجهة مع التحولات التي يقودها رئيس الحكومة بتشجيع ودعم واحتضان من الرياض.

تفهّم ولا تضخيم

في المقابل، ثمة من يعترض على تضخيم الهواجس الامنية وتصوير اي حادثة انذارا مبكرا الى خطر أمني يتربص بعلاقة الحريري مع سوريا، انطلاقا من اي من الحوادث التي حصلت سواء في احراق مكتب حزب البعث في طريق الجديدة، او في ظواهر اطلاق النار في اكثر من منطقة لا تعكس حالا اعتراضية واسعة في الشارع السني، المتفهّم (تعبير ادق من "المتقبّل")، لخطوات الحريري الابن من جهة اولى، ولموجبات التفاهمات العربية الشاملة التي تتعدى لبنان بجزئيات مشاكله واحداثه الى مجمل العناوين على مستوى الاقليم من جهة ثانية، ولموجبات انتقال الحريري من الزعامة الى رئاسة الحكومة مع ما يفترضه هذا الانتقال من تموضع وتحوّل ومداراة من جهة ثالثة. اضافة الى ان الاسابيع او الاشهر التي سبقت الزيارة كانت كفيلة بالتمهيد لها وتسويقها في وجدان جمهور تيار "المستقبل"، وخصوصا في ظل التركيز على ان اولوية تهديد الكيان انتقلت من مكان الى آخر، بعدما نجحت الرياض في استيعاب دمشق.

لا تغطية

تأسيسا على ذلك، تعتقد وجهة النظر هذه ان اي اختراق امني مهما علا شأنه (بما فيه الاغتيالات والتفجيرات الكبيرة) لن يجد تغطية سياسية او تبريرا، فالحريري نجح في نسج غطاء شامل قبل انتقاله الى دمشق، وفي استيعاب التحفظات عن الزيارة علما ان حلفاءه من مسيحيي قوى الرابع عشر من آذار اعترضوا على شكل الزيارة وتوقيتها لا على مضمونها والدوافع الآيلة الى خطوة مماثلة، وتاليا لن تجد هذه الحوادث مساحة سياسية خصبة لتلتحف بها او تستظلها.

وتعتبر ان عمق التفاهم الذي بلغته العلاقة السورية - السعودية انعكس مباشرة على زيارة الحريري الى دمشق ونتائج محادثاته مع الرئيس السوري بشار الاسد، وان المناخات الايجابية التي تمخضت عنها الزيارة ستدفع في المقابل الى مزيد من الايجابية في العلاقة السورية - السعودية وحتى في العلاقة السعودية - الايرانية. اما بعض القوى المتحفظة أو غير المتحمسة للزيارة فلديها قدرة المشاغبة لكنها لا تمتلك القدرة على فرض انقلاب على النتائج أو المسار الذي رسم، أو القدرة على التعطيل.

وترى وجهة النظر هذه ان زيارة دمشق تحوّل استراتيجي في العلاقة بين البلدين، ما يجعلها محصّنة في وجه خروق امنية مهما علت قيمتها او كبّر حجمها واستهدافاتها، واستطرادا تشكل هذه الزيارة جزءا من مسار عام على مستوى المنطقة، ومساحة تلاق محلي واقليمي ودولي بمفاعيل استراتيجية تمتد سنوات وربما عقودا، ولا ترتبط بحسابات محلية محدودة، ما يصعّب القدرة على اختراقها، ويجعلها جزءا من مشهد كليّ يخطّ بدايات شرق اوسط جديد يقوم على انقاض القوميات المهدَّدة والايديولوجيات المغلقة والثيوقراطيات المترنحة، وهو ما افصح عن بعض جوانبه رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في زيارته الاخيرة لدمشق في الثالث والعشرين من كانون الاول (ديسمبر)، معلنا عن مجلس للتعاون الاستراتيجي عالي المستوى "ليس فقط بين سوريا وتركيا، وإنما بين تركيا وسوريا والعراق ولبنان، وبذلك ستتحول المنطقة كلها منطقة سلام".

ليست هناك تعليقات: