الزيارة تحت سهام الموالاة والمعارضة واللوبي اليهودي والمحافظين الجدد
سليمان في واشنطن: طوْقُ اصقاعٍ اربعة!
الموالاة تنتقد والمعارضة تشْتبه والمحافظون يخشون نكسات الاشهر الستة!
ينشر في "الاسبوع العربي" في 21/12/2009
أتاح إستقرار المناخ السياسي المحلي، إثر إكتمال إنتظام المؤسسات الدستورية مع انطلاق عمل حكومة "الانماء والتطوير"، لرئاسة الجمهورية إعادة تفعيل حراك ديبلوماسي دولي، بدأه الرئيس العماد ميشال سليمان بزايرة سريعة لواشنطن، ستُتبع بسسلسة زيارات دولية.
زيارة رئيس الجمهورية لواشنطن هي الأهم من بين كل زياراته الخارجية هذا العام الذي شهد زيارتي دولة الى فرنسا واسبانيا. وهي تعقب زيارة أولى تزامنت مع بدء العد العكسي لولاية الرئيس السابق جورج بوش. كما انها تأتي –وفق مصادر رسمية- في ظل الحراك الإقليمي الدولي الحاصل واستندت الى شقين: سياسي يتعلق بالعلاقات اللبنانية - الأميركية من جوانبها كافة وعملية السلام، وعسكري يتعلق بالمساعدات العسكرية للجيش، في ضوء الأجندة المعدة مسبقا. واوضحت المصادر أن الرئيس سليمان اكد لأوباما رفض لبنان لتوطين اللاجئين الفلسطينيين، ورفضه أي حل في المنطقة على حساب لبنان، على اعتبار أن لبنان بؤرة متفجرة ولا يجوز فرض حلول تكون على حسابه بما يؤدي إلى تهديد الاستقرار فيه، مذكرا في هذا الإطار بالأثمان الكبيرة التي دفعها لبنان في مواجهته للارهاب وخصوصا في مخيم نهر البارد، حيث سقط للجيش اللبناني فيه 160 شهيدا.
لكن على رغم اهميتها، لم تمرّ الزيارة الاميركية الثانية بيسر، بالإستناد الى موقف بعض حلفاء دمشق في بيروت والحملة التي تعرّض لها رئيس الجمهورية على امتداد الاسبوع الذي سبق السفر في الثاني عشر من كانون الاول (ديسمبر)، تماما كما بالاستناد الى موقف بعض اطراف قوى الرابع عشر من آذار (مارس). والفريقان اللذان عادة ما يختلفان على لون الماء، تقاسما الانتقاد للزيارة الرئاسية، لا بل هي رشقت من نوافذ عدة، بينها اللوبي الاسرائيلي العامل في واشنطن المتمثّل بمنظمة "آيباك" والمحافطون الجدد.
الرئيس ام وزيره الاول؟
لا يبدو بعض حلفاء سوريا مقتنعين بأن الزيارة هي تلبية لدعوة رسمية أميركية. فعلى رغم أنها كذلك في الشكل، إلا أنهم يتحدثون عن دور وزير الدفاع الياس المر بالإعداد لها عبر الطلب من أصدقائه في الإدارة الأميركية توجيه دعوة إلى سليمان. ويقول أحد المترددين إلى دمشق إن توقيت الزيارة غير موفق، لكونها تأتي بعد أسابيع قليلة على المناورات العسكرية المشتركة بين الجيشين الأميركي والإسرائيلي وخصصت لمحاكاة حرب محتملة على لبنان وسوريا، وتأكيد عدد من جنرالات الجيشين أن المعركة المقبلة بين إسرائيل والمقاومة في لبنان لن تُحسَم لمصلحة الطرف الأول إلا بتدخل أميركي مباشر. ويشير الى أن سليمان يعرف جيداً، منذ أن كان قائدا للجيش، أن سقف المساعدات العسكرية لن يتجاوز تدريب عدد من الضباط والأفراد، وهو ما يتوافر في دول أقل تدخلاً في الشؤون الداخلية اللبنانية من الولايات المتحدة، وأقل عداوة مع جزء أساسي من الشعب اللبناني.
الزيارة والرسالة
ويقول بعض المراقبين ان الزيارة تأتي بعد ايام من الرسالة التي أرسلها 31 عضوا في مجلس النواب الأميركي الى وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون والتي ترمي الى إلزام الحكومة اللبنانية تطبيق القرارات الدولية ذات الارقام 1559 و1680 و1701. وينظرون الى هذه الرسالة على انها "فاتحة حملة واسعة النطاق، يبدأها مجلسا النواب والشيوخ، لمنع إيران من استخدام "حزب الله" في تصعيد عسكري ضد إسرائيل، لتحويل نظر المجتمع الدولي، عن إصراره على وقف البرنامج النووي الإيراني، والإفراج الفوري عن المئة مليون دولار المخصصة لتسليح الجيش اللبناني، والمئتين وعشرة ملايين دولار، المخصصة للقوة الدولية المعززة، من موازنة السنة المقبلة، كل ذلك من أجل تحقيق الأهداف الاميركية في دعم إجراءات دولية لنزع سلاح "حزب الله"، والتخلص من الأسلحة الإيرانية في لبنان". ويتحدث هؤلاء عن تحضيرات لوفد مشترك من النواب والشيوخ "لزيارة لبنان وسوريا في اوائل السنة المقبلة، لوضع حكومتيهما أمام مسؤولياتهما، لإنهاء ظاهرة "حزب الله" في لبنان، قبل أن يؤدي تعثر المساعي لوقف البرنامج النووي الإيراني، إلى تحويل طهران للاهتمام الدولي عن هذه المسألة، من خلال إصدار أمر (الى حزب الله وحركة حماس) لشن هجمات على إسرائيل، أو إشعال الساحة اللبنانية الهشة".
ويستند المعارضون الى أن النائب الجمهوري الأميركي مارك ستيفن كريك، الذي يقف وراء رسالة الكونغرس إلى كلينتون، سبق ان صرّح ان هذه الرسالة وصلت إلى الرئيس باراك أوباما، ليطرح مضمونها على الرئيس سليمان ويحضه على "اتخاذ إجراءات سريعة، لجمع طاولة الحوار تحت رئاسته، من أجل تحديد أولويات الدولة اللبنانية بوضوح، في مفاوضات تبسط سيادة الدولة على كامل أراضيها، وتمنع الميليشيات المسلحة من اقتطاع أجزاء من أراضي البلاد، على حساب الشعب والجيش، وإلا فأن استمرار هيمنة "حزب الله" بالقوة على قرارات الدولة، "سوف يشجع أطرافاً إرهابية مماثلة في دول شرق أوسطية أخرى، على انتهاج خطط مماثلة، وهذا ما لن تسمح به الولايات المتحدة والأمم المتحدة، وكل دول العالم الحر".
ويشير هؤلاء الى أن وفداً من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية CIA يستعد لزيارة لبنان، حاملاً معه تصورات وخطط حول نزع سلاح "حزب الله"، استناداً إلى معطيات جديدة، تفيد أن إسرائيل لن تقبل باستمرار هشاشة الأوضاع على حدودها الشمالية مع لبنان.
طوّق نفسه؟
في المقابل، يعدد قياديون في قوى الرابع عشر من آذار (مارس) عددا من المآخذ التي حدّت حكما من الاندفاعة التي يرميها الرئيس من زياريته الاميركية. فهو استبقها بتطويق نفسه حتى يتجنب تقديم أجوبة عن أسئلة اميركية تتمحور كلها حول سلاح "حزب الله"، من خلال حصر زيارته بمؤسسة السلطة التنفيذية الأميركية، مغفلا مركزية مؤسسات السلطة التشريعية الأميركية وتحديدا في الكونغرس الذي لا يزال يرفض زيادة المساعدة للجيش اللبناني. ويرى هؤلاء ان واشنطن ردّت "إنقباض" جدول الزيارة الرئاسية الى رغبة سليمان في تجنيب نفسه اتخاذ مواقف تتصل بملفي "حزب الله" وإيران، ويكون بذلك قد ابقى علاقاته جيدة مع الإدارة الأميركية وجنّب نفسه وجع الرأس لدى عودته الى بيروت. ويعتقد هؤلاء ان لبنان سيتضرر من هذا "الخواء" الرسمي اللبناني في واشنطن، خصوصا ان تقديرات الادارة الاميركية تشير الى ان الرئيس حيّد نفسه، فيما كان يمكنه التأثير ايجابا في بعض جوانب القرار الاميركي لو فعّل جدول زيارته، الامر الذي من شأنه أن يرفع منسوب تهميش الملف اللبناني في الولايات المتحدة الأميركية.
اللوبي ايضا .. والمحافظون الجدد!؟
اما اللوبي الاسرائيلي فإستبق الزيارة بمقالة تحليلية نشرت في مجلة "أسبوعية يهود واشنطن"، الناطقة غير الرسمية بلسان لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (إيباك)، أعرب فيها الرئيس السابق للشؤون القانونية في المنظمة دوغلاس بلومفيلد، عن امتعاضه من "زيارة سليمان إلى واشنطن ونيته طلب زيادة المساعدة الأميركية للحكومة التي أطلقت العنان لمجموعة إرهابية مسؤولة عن قتل المئات من الأميركيين، وسمحت بشن حرب على إسرائيل"، مشيرا إلى أن "الحكومة اللبنانية اعترفت
بحق "حزب الله" في تحرير الأراضي المحتلة (من إسرائيل)، بالطريقة التي يراها مناسبة".
ويرى ديفيد شينكر، مدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، في تقدير سياسي – استراتيجي نشره المعهد في التاسع من كانون الاول (ديسمبر) بعنوان "سليمان يجتمع مع أوباما في الوقت الذي يواجه حلفاء واشنطن اللبنانيين أزمة في بلادهم"، ان موضوع التمويل العسكري الأميركي للبنان يسلط الضوء على التطورات الأخيرة في السياسة اللبنانية والتي تشير إلى العودة المجددة لـ "حزب الله"، وداعماه السوري والإيراني، في بيروت. وعلى رغم أن تحالف 14 آذار (مارس) الموالي للغرب كان قد حقق انتصاراً كبيراً في انتخابات حزيران (يونيو) المنصرم، إلا أن الحكومة التي انبثقت بعد ستة أشهر من تلك الإنتخابات تشكل نكسة لواشنطن وحلفائها اللبنانيين. وقد لخص السفير السوري لدى الولايات المتحدة عماد مصطفى اخيرا مدى هذه النكسة – التي تشكلها هذه الحكومة اللبنانية على تحالف 14 آذار (مارس) والولايات المتحدة على حد سواء - حيث قال: "نحن معجبون بها! ... هي بالضبط نوع الحكومة التي نعتقد ينبغي أن تحكم لبنان".
ويعتقد شينكر انه في الأشهر الستة التي مضت منذ فوز تحالف 14 آذار (مارس) في الإنتخابات البرلمانية، تحول الزخم في الحياة السياسية اللبنانية مرة أخرى لمصلحة "حزب الله" وحلفائه. وسيتأرجح ذلك حتى بصورة أكثر في هذا الإتجاه في أعقاب زيارتي (سعد) الحريري و(وليد) جنبلاط إلى دمشق. وفي حين يعزز "حزب الله" مكاسبه السياسية، يقال انه يحسن أيضاً قدراته العسكرية. وعلى الرغم من قيام إسرائيل في تشرين الثاني (نوفمبر) باعتراض السفينة "فرانكوب" - التي حاولت نقل نحو 500 طن من الأسلحة إلى "حزب الله" عبر سوريا- هناك اعتقاد واسع النطاق أن الميليشيات الشيعية قد حصلت على منظومات صواريخ روسية متقدمة من نوع "ستريلتس أس إي 24"، الحاملة لصواريخ "إيغلا أس"، وهي أسلحة مضادة للطائرات. وتعتبر إسرائيل هذه "المانبادز" (نظم الدفاع الجوي المحمولة يدوياً) بأنها "ستغير اللعبة".
وبعد أربع اعوام من قيام "ثورة الأرز"، من الواضح بشكل متزايد أن سوريا وحلفاءها قد استعادوا اليد الطولى في لبنان. ويبدو أن إدارة أوباما لم تفعل شيئاً يُذكر حتى الآن لوقف المد، ولكن بالنظر إلى المخاطر، يجب على واشنطن التحرك بسرعة لعكس هذا الاتجاه.
ويخلص شينكر الى ان "على واشنطن والمملكة العربية السعودية أن تتفقا على طريقة حل المشكلة"، مع اشارته الى ان "تحسين العلاقات مع دمشق - على حساب بيروت- لن يعزل الرياض من التهديد الإيراني وسيأتي بنتائج عكسية. لذا ينبغي على الإدارة الأميركية أن تحاول أيضاً إعادة تنشيط قيام الأمم المتحدة بمناقشة قرار مجلس الأمن رقم 1701، للفت الإنتباه إلى عدم الاستقرار المستمر المتعلق بنقل الأسلحة إلى الميليشيات الشيعية. وفي الوقت نفسه، ينبغي على واشنطن أن تسلط الضوء بالتعاون مع حلفائها الأوروبيين - وخصوصا بريطانيا العظمى – على لائحة الاتهام من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 2009، ضد عضو اللجنة السياسية لـ "حزب الله" حسن حدرج المتهم بشراء أسلحة بإسم الميليشيا، وإن ألقاء القبض على حدرج ينبغي أن يؤدي وبصورة دائمية إلى وضع حد للرواية القائلة ان حزب الله مقسّم إلى أجنحة سياسية وعسكرية".
ويرى شينكر ان "على واشنطن أن توضح لدمشق أن استمرار التدخل السوري في لبنان - ودعم سوريا المستمر لـ "حزب الله" - إضافة إلى تقويض الإستقرار في العراق، سيمنع التقارب بين الولايات المتحدة وسوريا".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق