الأحد، 20 ديسمبر 2009

Sphere: Related Content

زوارها يؤكدون انها استخلصت عِبر 30 عاما من الاخطاء والتشوهات

دمشق راجعة: مأسسة ومكتب رئاسي وقفازات بيضاء!

القرار 1559 اخرج سوريا من لبنان والحاجة الدولية أعادتها!

ينشر في الاسبوع العربي في 28/12/2009

قد تكون الاعوام الاربعة الفائتة صفحة استثنائية عند بدء تأريخ الاحداث اللبنانية، لما احتوت من تطورات دراماتيكية وتناقضات وإفرازات سوء الفهم والهضم والضمّ. هي، ببساطة، انتهت من حيث بدأت، بمعنى انها شكّلت خلاصة (غير مستفادة؟) من ثلاثة عقود من التجاذب حول موقع سوريا في المعادلة اللبنانية ودورها ومفهوم هذا الدور، وأثبتت لعواصم القرار قدرة اهل لبنان على تفويت الفرص وقصورهم في حكمه بمعزل عن مفهوميّ الرعاية والحضانة، وربما الحضن الحنون ومتلازمة استوكهولم حيث يتملك الرهينة شعور التعاطف حيال خاطفها!

كرّست الاشهر الاربعة الفائتة، منذ قمة الكويت والمبادرة التصالحية التي اسس لها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، عودة سوريا الى لبنان بعد اربعة اعوام من خروجها العسكري (لا السياسي)، وصلت في خلالها العلاقة الثنائية الى أدنى مستوياتها تحت وطأة درجات حادة من التشنج والتوتر والعدائية.

كان وليد جنبلاط أفضل من وصّف الخروج السوري في نيسان (ابريل) 2005، حين قال ذات يوم من ايامه "المجيدة" في "ثورة الارز": "القرار الدولي ١٥٥٩ قتل الرئيس رفيق الحريري، ودم الحريري أخرج السوريين".

خرجت سوريا بقرار اميركي - فرنسي ترجمته قمة النورماندي في حزيران (يونيو) 2004، ووليدها القرار 1559، وكرس خروجها فقدانها الغطاء المصري - السعودي، لتعود، بعد اربعة اعوام، من الباب العريض بتسليم عربي واقليمي وبلا ممانعة اميركية وبحماسة فرنسية، ونتيجة قصور اللبنانيين عن اثبات قدرتهم على إدارة بلدهم بلا مظلات او حاضنات او صفقات.

تعود سوريا سياسيا وليس في حسابها او بالها العودة عسكريا بعدما ثبت لها ان أثمان التموضع الجديد أجدى وبكلفة أقل، ويوفر عليها الكثير من الاحراجات والمشقات، لا بل يؤمن لها موارد سياسية بمباركة دولية.

المشهد اللبناني المتشظيّ الى تغيير واضح المعالم والاتجاهات: الانتقال من الانهيار والتصادم والتصدّع الى هدوء استثنائي واستقرار نسبي، وربما مستدام، الا إذا اتت الرياح الاسرائيلية بما يعاكس أشرعة هذا التهادن اللبناني. اما الاصطفاف العمودي بين معسكرين فآيلٌ الى التحلل تدريجا، بفعل انتظام غالبية مكونات هذا الاصطفاف تحت مظلة التفاهم السوري – السعودي.

نقطة التحوّل

تتراكم عناصر العودة السياسية تباعا وبإطراد ودون عناء كبير، منذ اتفاق الدوحة الذي كان نقطة التحول في مسار الوضع الداخلي وميزان القوى السياسي، وتكرّسه تلاميح لبنانية بدءا من التحول الدراماتيكي في سياسة وليد جنبلاط، مرورا بعودة التواصل بين القيادة السورية ورئيس الحكومة سعد الحريري الذي توجته زيارة الحريري الابن الى دمشق، وليس انتهاء بالاحتشاد الرسمي والسياسي في القرداحة للتعزية بشقيق الرئيس السوري بشار الاسد ولا تخفي الاعتبارات الانسانية واللياقات الاجتماعية الأبعاد والمعاني السياسية في هذا الدفق، كمؤشر الى ان اللبنانيين يعودون الى سوريا في موازاة عودة سوريا الى لبنان، وهو ما فاخرت به صراحة صحيفة "الوطن" السورية بحرصها على إيراد الملاحظة الآتية: "حسب شهود عيان فإن الطريق التي تربط الحدود اللبنانية شمالاً بمدينة القرداحة كانت غاصة بالوفود اللبنانية الآتية لتقديم العزاء للسيد الرئيس بشار الأسد وعائلته"!

إذن، عاد الوضع عند المنفذين الحدوديين الرئيسين شرقا في المصنع وشمالا في العبودية، الى ما كان عليه قبل شباط (فبراير) 2005، لكن بلا الخط العسكري الشهير الذي صوّب عليه جنبلاط مرارا في ذلك العام لإقفاله، كرمز لطيّ مرحلة وبدء أخرى!

لماذا؟

عوامل عدة ساعدت دمشق على فلاحها في تحقيق ما حضّرت له منذ لحظة ان قررت إخراج جيشها في نيسان (ابريل) 2005:

أ-هي نجحت في كسر عزلتها الدولية والعربية عبر نسج علاقة تعاون وتفاهم استثنائيين مع باريس، وارساء حوار "نديّ" مع واشنطن، وصوغ تحالف استراتيجي مع انقرة، وتحقيق مصالحة مع الرياض، من دون ان تتخلى عن أي من تحالفاتها وأوراقها في الاقلي، وخصوصا في ما خص العلاقة مع طهران.

ب-هي نجحت في استعادة زمام المبادرة في لبنان وفي اظهار حجم نفوذها وتأثيرها المستمرين، وفي تأكيدها ان دورها المحوري لا تستمده من وجود عسكري، انما من عوامل أخرى ثابتة جيوبوليتيكية وتاريخية واقتصادية واجتماعية. فقدّمت اليسير من الاثمان لتحصد ثمارا لم تكن لتحصدها لو ظلت على النسق ذاته الذي كانت عليه على امتداد عقودها اللبنانية الثلاثة.

ج-هي اتكأت، كعامل مساعد، على ما نسجت طيلة وجودها في لبنان من قاعدة سياسية وأمنية وشبكة علاقات ومصالح. فأسهم كل ذلك في تعويض ما خسرته، لا بل جعلت عواصم القرار تتراكض اليها لكي تكون عاملا مسهلا في الاستحقاقات اللبنانية لتنال الثناء والمكافأة والاشادة، بعدما كانت هذه العواصم ذاتها قد تراصت في وجهها لمنعها من التدخّل في الشأن اللبناني (القرار 1559)!

د-لكن العودة السياسية الى لبنان لم تكن لتتم بهذه السرعة والزخم لولا متغيرات مساعدة أفادت منها دمشق التي طالما احسنت سياسة حافة الهاوية وكسب الوقت والنفس الطويل وانتظار المتغيرات وإلتقاط الفرص. هي سارعت الى توظيف المتغيرات الدولية والاقليمية وارهاصاتها اللبنانية، فواءمت خطواتها على ايقاع هذه المتغيرات، وتحديدا منذ بدء مفاعيل تقرير بيكر – هاملتون ليكرَّس بفوز باراك أوباما حاملا أولويات جديدة. وهي برعت في الاستثمار في تقدم الهاجس الأمني في العالم العربي على ما عداه، ونجاح اليمين الاسرائيلي في تسلّق الحكم، وتعطل عملية السلام، وتعاظم النفوذ الايراني في الاقليم.

كما برزت معطيات لبنانية جديدة فرضها اتفاق الدوحة، فنجحت دمشق في إبراز تدخّلها الايجابي والمسهّل في انجاز الاستحقاقات المتلاحقة من انتخابات الرئاسة الى الانتخابات النيابية وفوز قوى الرابع عشر من آذار (مارس)، ومن ثم تشكيل الحكومة، وقبلها "الاستجابة" الى المطلب الدولي إقامة علاقات دبلوماسية مع لبنان.

العودة بقفازات بيضاء

لكن هل تكون العودة السورية الثانية على شاكلة دخولها الاول، أم ان دمشق إعتبرَتْ مما شاب إدارتها اللبنانية من اخطاء ومصالح وإقتسام للمغانم والمنافع؟

يجمع زوار دمشق ان القيادة السورية استخلصت الكثير من عِبر العقود الثلاثة، وخصوصا لجهة تكليف جهات امنية ادارة جزئيات الملف اللبناني كانت السبب في الكثير من التشوهات التي اعترت هذه الادارة.

ويلفت هؤلاء الى ان آلية المقاربة الجديدة للشأن اللبناني اخذت في الاعتبار، اولا واخيرا، ضرورة مأسسة العلاقة اللبنانية – السورية على قواعد واضحة تقيها اي توظيفات او استثمارات جانبية او اي منافع شخصية برزت في الاعوام الفائتة على الضفتّين اللبنانية والسورية، وادت الى طغيان طبقة من المنتفعين شوهوا العلاقة الثنائية. وتعتبر دمشق ان اولى خطوات المأسسة تمثلت في تبادل العلاقات الديبلوماسية، على ان تليها خطوات اخرى لا تقل اهمية وخصوصا لجهة حصر العلاقة بين البلدين بالمؤسسات وبعدد من الشخصيات لا يزيد عددها عن اصابع اليد، على ان تكون اي اجتماعات ثنائية مع هذه الشخصيات على مستوى الرئاسة السورية حصرا.

ويكشف زوار دمشق ان حصر علاقة القيادة السورية مع هذه الشخصيات بقصر المهاجرين، ستواكبها مع اولى بدايات السنة 2010 خطوة وضع العلاقة الثنائية بإدارة مكتب رئاسي خاص يشرف عليه اللواء محمد ناصيف خير بك (ابو وائل) الذي يشغل راهنا منصب معاون نائب رئيس الجمهورية بمرتبة وزير، وفي عهدته ملفا العراق والعلاقة مع ايران، وسبق ان لعب دورا متقدما في تنظيم العلاقة بين دمشق وشيعة لبنان. كما تولى لفترة طويلة ملف العلاقات مع الولايات المتحدة الاميركية، وكان من ضباط الأمن القلائل الذين يسمح لهم بالالتقاء بخبراء من مراكز أبحاث أوروبية ومن الولايات المتحدة الأميركية. ومن المقرر ان يشارك في اعمال هذا المكتب الرئاسي المستحدث وزير الخارجية وليد المعلم وربما ضباط رفيعون، كمثل رئيس اركان الجيش، على ان يكون الارتباط بقصر المهاجرين حيث القرار الاول والاخير، قرار مركزي وحصري لا شراكة جانبية فيه.

ليست هناك تعليقات: