فكّ التأزم اللبناني مرهون بمجمل مسار الاقليم
هل تكفي ساعتا جدة كي تستقيم الحكومة؟
تذبذب في العلاقة الاميركية – السورية ينسحب سلبا على لبنان؟
التصلّب الايراني ومفاعل قمّ نذيرا حرب!
ينشر في "الاسبوع العربي" في 5/10/2009هل تكفي ساعتا جدة كي تستقيم الحكومة؟
تذبذب في العلاقة الاميركية – السورية ينسحب سلبا على لبنان؟
التصلّب الايراني ومفاعل قمّ نذيرا حرب!
قلبت قمة الساعتين في جدّة السعودية بين خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس السوري بشار الاسد، مجمل الصورة النمطية في لبنان، وخصوصا عن مآل الحكومة ومتعلقاتها وتطور مسارها. لكن التفاؤل يبقى نسبيا ومرهونا بمجمل المسار في المنطقة، بدءا وانتهاء بالملف النووي الايراني والعلاقة المتأرجحة بين طهران ومختلف العواصم الاقليمية والغربية. لكن ماذا عن التأرجح في العلاقة بين واشنطن ودمشق، واثره على بيروت؟
حملت الاسابيع الفائتة معطيات متفاوتة عن تطور العلاقة الاميركية – السورية، في ضوء بعض الاحداث والجزيئيات التي شكلت حمّالة اوجه في تفسير سبب التذبذب الحاصل في هذه العلاقة.
من هذه المعطيات، تقرأ اوساط ديبلوماسية الآتي:
1-تأخّر تعيين سفير جديد للولايات المتحدة في سوريا، وهو المركز الشاغر منذ استدعاء السفيرة مارغريت سكوبي في الخامس عشر من شباط (فبراير) 2005، اثر اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري. وكانت دمشق قد ضربت شهر تموز (يوليو) موعدا لمجيئ السفير الجديد، فقفل الصيف من غير ان يحلّ طيف السفير في سوق الحميدية، ولا في شارع المنصور في منطقة ابو الرمانة الدمشقية الراقية حيث مقر السفارة، في حين يمارس القائم بالاعمال شارلز (شاك) هانتر مهامه على رأس البعثة منذ تعيينه في آب (اغسطس) الفائت، خلفا للديبلوماسي مايكل كوربين.
تفاوتت المعطيات في شأن تأخر واشنطن في ايفاد سفيرها، على رغم انه سبقت ان اعلنت قبل نحو شهرين ونصف شهر انها عازمة على اتمام هذه الخطوة، في حين يقول بعض التقارير ان واشنطن صرفت راهنا النظر عن هذا التعيين.
2-الحدّ من اندفاعة زيارات رجال الكونغرس والمسؤولين الى دمشق.
3-تجميد الاجتماعات الامنية والاستخبارية المشتركة، وكان آخرها في تموز (يوليو) الفائت، وفي حينه ابلغت دمشق الى واشنطن انها تفضّل انتقال هذه اللقاءات الى مستوى لجنة سياسية تناقش مختلف العناوين لا الشأن الامني – الاستخباري المتعلق حصرا بالعراق.
4-استثناء دمشق من برنامج الزيارة الاخيرة للمبعوث الرئاسي جورج ميتشل الذي سبق ان زارها في تموز (يوليو) الفائت، وهي زيارة تطوّر نقاش واسع في شأنها داخل الاروقة الاميركية.
5-عدم دعوة السفير في واشنطن عماد مصطفى الى الافطار الذي اقامته وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون، على شرف شخصيات من العالمين العربي والاسلامي، في الخامس عشر من آب (اغسطس) الفائت، فيما حضر معظم نظرائه، وخصوصا اللبناني انطوان شديد والسعودي عادل الجبير والفلسطيني معن عريقات. ويؤشر امتناع الخارجية عن دعوة مصطفى الى الافطار التقليدي السنوي، الى تراجع كبير في العلاقة الاميركية - السورية، بعد تحسن اثر انتخاب باراك اوباما رئيسا، حيث تمت دعوة مصطفى الى بعض النشاطات الثقافية، كما حضر مسؤولون اميركيون مناسبات اقامتها السفارة السورية.
6-تثبيت الديبلوماسي، المثير للجدل سورياً، السفير جيفري فيلتمان في مركز رئيسي في وزارة الخارجية (مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الادنى)، على رغم كل الحملات السورية على الرجل، وازكائه لدور متقدم في الملف اللبناني – السوري. وهذا المنصب سبق ان رشحه اليه اوباما شخصيا في الثامن من نيسان (ابريل) الفائت.
7-في الجانب الآخر من الصورة، برز استقبال جيفري فيلتمان، الاثنين في الثامن والعشرين من ايلول، (سبتمبر) نائب وزير الخارجية السورية فيصل المقداد، في زيارة هي الأولى لمسؤول سوري بهذا المستوى منذ العام 2004، في اطار لقاءات شملت مسؤولين آخرين في الإدارة الأميركية.
وقالت مصادر سورية إن المقداد زار واشنطن بناء على دعوة وجهت إليه قبل شهر ونصف شهر، في اطار "متابعة الحوار المستمر الذي بدأته الإدارة الأميركية مع سوريا منذ آذار (مارس) الفائت، حيث سبق لفيلتمان والمسؤول في مجلس الأمن القومي دانييل شابيرو أن زارا سوريا مرتين".
مطبخ القرار الاميركي
لماذا هذا التذبذب في الانفراج الاميركي – السوري؟ وما تداعياته لبنانيا؟
ما يجري في المطبخ الأميركي قبل صدور أي قرار على الصعيدين الداخلي أو الخارجي، ترسم مساره هيئات ومراكز دراسات تسمى بـ "خزانات الفكر" Think Tanks وهي التي تدرس تطبيقاته السياسية والعسكرية والاقتصادية. وداخل هذه الخزانات يقوم باحثون مختصون بجمع المعلومات وإجراء دراسات عميقة تستمد نفقاتها من تبرعات الشركات العابرة للقارات، والطبقة البورجوازية المتحكمة في صناعة القرار ليس على صعيد الولايات المتحدة الاميركي وحسب بل على الصعيد العالمي. ومن الامثلة على «خزانات الفكر» هذه هي "خدمة أبحاث الكونغرس" المعروفة اختصارا بـ CRS، وهي مركز أبحاث تابع لمجلس النواب الأميركي تقدّر ميزانيته السنوية بنحو 100 مليون دولار ويعمل فيه 700 موظف في مختلف القضايا، منهم 450 محللا متخصصا، ونحو 70 متخصصا في قضايا علمية وتكنولوجية. المركز هو الذراع البحثية للكونغرس ويؤمن الأبحاث العملية التي يحتاجها أعضاؤه في اتخاذ القرارات. ولا يوفر أبحاثه للجمهور الأميركي بشكل مباشر بل من طريق طرف ثالثة يقوم بنشر تقاريره كوزارة الخارجية. ويمكن أعضاء الكونغرس تقديمها للجمهور للاستعانة بها في مبادراتهم ومناوراتهم السياسية. ومع ذلك، يجري حجب التقارير التي تمثل إحراجا أمام الجمهور أو المجتمع الدولي.
الصراع في المناطق الاربع
في تقريره السنوي للعام 2008 عن العلاقة الاميركية – السورية الذي صدر في شتاء - ربيع 2009، يشير التقرير الى انه "على رغم ضعف جيشها وضحالة اقتصادها، لا تزال سوريا تلعب دورا في جيوبوليتيكيا الشرق الاوسط. فنظام الاسد يضع يديه في كل واحدة من مناطق الصراع او المقبلة على الصراع الاربع في المنطقة، اي لبنان، واسرائيل - فلسطين، والعراق وايران". ويضيف: "في المشرق، يهدف القادة السوريون الى السيطرة على سياسات لبنان الداخلية، وتم اتهامهم بالتورط في اغتيال اربعة اعضاء في البرلمان (اللبناني) ورئيس الحكومة السابق رفيق الحريري".
وفي الفقرة عن لبنان يقول التقرير: "قاوم نظام الاسد المحاولات الاميركية والفرنسية لدعم حكومة فؤاد السنيورة الموالية للغرب، معتقدا ان في إستطاعته ان يخفف من عاصفة الضغوطات الاميركية مع الوقت". ويتهم التقرير سورية بعرقلة السلام في المنطقة "اذ تقوم احيانا بدور المفسد برعايتها للمسلحين الفلسطينيين وتسهيلها اعادة تسليح حزب الله". ويعتبر ان ابتعاد دمشق عن واشنطن على مدى العقد الفائت، دفع بسوريا الى تعزيز علاقتها مع ايران، بما يشكل "مصدر قلق للاستراتيجيين الاميركيين". ويتحدث عن انقسام بين المحللين الاميركيين بين من يدعو صانعي السياسة الاميركيين الى "جذب زعماء سوريا بعيدا من ايران"، وبين من يعتقد ان على الادارة ان "تذهب ابعد مما هي عليه في الضغط على الحكومة السورية، وان تبحث في تطبيق عقوبات اقتصادية اكبر عليها".
وفي آخر جلسة استماع للجنة الفرعية لمجلس النواب للشرق الأوسط وجنوب آسياHouse Subcommittee on the Middle East & South Asia، والتي حملت عنوان "التطورات في لبنان" Update on Lebanon، اكد رئيس اللجنة غاري أكرمان والسفير فيلتمان التزام أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون "استمرار دعم سيادة وديمقراطية ورخاء لبنان". وشددا على "ضرورة سعي الولايات المتحدة إلى تطبيق قرارات الأمم المتحدة في لبنان واستمرار انخراط شركاء الولايات المتحدة من أجل هذا الهدف، وإلى استمرار تدعيم مؤسسات الدولة اللبنانية، وجهود الحكومة اللبنانية من أجل توسيع سلطاتها". وأشارا إلى "ضرورة سعي الإدارة لتحقيق سلام بين إسرائيل ولبنان في إطار تحقيق سلام شامل بالمنطقة، انطلاقًا من أن لبنان فاعل رئيس في بناء سلام واستقرار في منطقة الشرق الأوسط على المدى الطويل". واعتبرا ان "الدعم الأميركي لاستقرار واستقلالية لبنان مهم جدًّا لنجاح الجهود الأميركية المستقبلية في المنطقة".
ولخّص أكرمان المصالح الأميركية في لبنان بـ "سيادة واستقلال الدولة اللبنانية ووحدة أراضيها"، مضيفًا أن الولايات المتحدة "تريد أن يحكم لبنان اللبنانيون من أجل اللبنانيين، وأن واشنطن تحتاج إلى شريك وليس دولة ميليشيات وفرق عسكرية، وحليفٍ وليس وكيلا، وداعيا إلى "استمرار واشنطن في تقديم الدعم إلى اللبنانيين لتحرير لبنان من القوى والهيمنة الخارجية (...) والى ضرورة تدعيم الولايات المتحدة الجيش اللبناني (LAF) وقوى الأمن الداخلي (ISF)، انطلاقا من شرعيتهما القوية داخل لبنان، ودورهما في محاربة أنشطة الإرهابيين المدعومين من القوى الخارجية".
واكد فيلتمان ان المحكمة الخاصة بلبنان تُعبّر عن رغبة اللبنانيين والمجتمع الدولي في وضع حدٍّ لعهد الإفلات من عقوبات الاغتيالات السياسية، انه مؤمن في ان المحكمة ستقدم قتلة الحريري، إلى العدالة. وشدد على أن "المحكمة ليست جزءا من اتفاق سياسي إقليمي أو أنها ذات طابع سياسي، ولكنها تهدف إلى العدالة من خلال أدلة يتوصل إليها من الاستجوابات والتحقيقات، أي محكمة مهنية وليس سياسية".
التعقيد لبنانيا
ارتكازا على هذه الانطباعات والمواقف، يعتقد ديبلوماسيون عاملون في بيروت انه على رغم هيمنة مناخ الانفراج على مجرى الاستشارات النيابية التي قام بها الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري، ثمة معطيات تزيد في احتمال الحاجة الى مزيد من الوقت والجهد قبل بلورة صيغة حكومية معقولة ترضي الاطراف السياسية، الامر الذي يرجح استمرار مشاورات الرئيس المكلف في مرحلة لاحقة، لمدة اسبوع على الاقل، قبل ان ينخرط في مرحلة وضع الاسماء والحقائب، والتي يؤمل ان تبدأ في الاسبوع الاول من الشهر المقبل.
ويرى الديبلوماسيون ان المعلومات عن القمة السعودية - السورية لا تزال غير كافية بشكل يسمح بتقديم انطباع عن تأثيراتها الايجابية المباشرة على مسألة تشكيل الحكومة، من دون ان ينفي ذلك مناخ التفاؤل المحدود الذي تركته القمة.
وفي اعتقاد الديبلوماسيين ان التقديرات لنتائج قمة جدة تشير الى انها حققت انفراجاً على الصعيد اللبناني، وعلى مستوى العلاقات بين الدولتين، لكن هذا الانفراج لم ينسحب اتفاقاً على المستوى الاقليمي، لاعتبارات تتصل بالعلاقات السعودية - الايرانية، وبالمسار الذي يسلكه الملف النووي الايراني وخصوصا بعدما كشفت طهران عن مفاعلها الثاني في قمّ، مما ادى الى خلط كل الاوراق الدولية.
ويخلص هؤلاء الى ان الانطباع عن اندفاعة سرية وفاعلة ومؤثرة نحو إنجاز الملف الحكومي، يبدو غير مبني على وقائع ثابتة، اقلّه في المدى المنظور، نظرا الى تشعّب التعقيدات والذيول الناتجة عن التصلّب في مسار المفاوضات الايرانية مع مجموعة الست (الدول الخمسة الاعضاء في مجلس الامن زائدا المانيا).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق