الاثنين، 14 سبتمبر 2009

Sphere: Related Content
خشيةٌ من ان تملأ الاضطرابات الامنية الفراغ السياسي
الحكومة تترنّح في خانة الانتظار حتى الميلاد!
الاطراف الاقليمية تؤاثر التريث الى حين تبلور آفاق استعادة التسوية السلمية
رئيس الجمهورية غير قادر على المبادرة بفعل اغلال الدستور

ينشر في "الاسبوع العربي" في 21/9/2009
دخل لبنان مطلع الاسبوع المنصرم المرحلة الثانية من مشوار تأليف الحكومة مع استعادة عملية الاستشارات النيابية الملزمة في القصر الرئاسي بعيد اعلان النائب سعد الحريري اعتذاره عن عدم تشكيل الحكومة اثر امتناع رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان عن توقيع مرسوم التشكيلة التي تقدم بها الحريري والتي اثارت موجة من الردود تفاوتت بين تأييد تيار "المستقبل" وحلفائه على رغم بعض التحفظات المعلنة، والرفض القاطع للمعارضة لا سيما منها تكتل "التغيير والاصلاح" و"التيار الوطني الحر"، المتهم بالعرقلة والتعطيل، بشكل اكثر تحديدا.
اسئلة كثيرة تطرح بعد التطورات الاخيرة التي شرّعت الساحة السياسية اللبنانية على احتمالات عدة، تبدأ بتوقع الكثير من العقبات التي ستحول دون التأليف وصولا الى استشراف ازمة حكومية مرشحة الى ان تطول في حال استمرار الجمود الاقليمي لا سيما على الخط السعودي- السوري وتشبث الافرقاء اللبنانيين بمواقفهم التي ان لم تكن هي في اساس التعقيد، بحسب بعض المراقبين، الا انها تعكس عدم الحراك الاقليمي المسهّل، في ما لو حصل لعملية التشكيل.
ماذا اذا إثر اعتذار سعد الحريري ثم اعادة التكليف؟ ولماذا قفز الى الذهن، فور اعلانه الاعتذار، صورة والده الراحل "يستودع الله هذا البلد الحبيب لبنان وشعبه الطيب"، من دراته في قريطم في خريف العام 2004، بعد معاناة مع التشكيل لم تصل في حينه حدّ السبعين يوما، لكنها كانت كافية لإدراكه ان ثمة قرارا سوريا بمنع عودته الى الحكومة قبل الانتخابات النيابية، إلتحف لباس تجيير اصوات النواب الى رئيس الجمهورية لاختيار رئيس الحكومة؟
مخاض التشكيل
في هذا الاطار، يقول قيادي في الموالاة اطّلع من قرب على مآل المسار الحكومي للرئيس المكلف، ان هذا المسار، منذ اعلان التكليف الاول قبل شهرين ونيف، مرّ بمسارات اربعة كان جلّها اقرب الى مخاض قاس لسعد الحريري، قاده الى اعتذار، هو فعليا قلب لطاولة السبعين يوما ولما عليها ولمن حولها:
-في المرحلة الاولى، انصرف الرئيس المكلف الى مفاوضة "حزب الله" وحركة "امل"، في موازاة، وربما في تلاق مع استئناف الاتصالات على المستوى السعودي – السوري. وبلغت هذه المرحلة سقفها الاعلى والاجدى مع اعلان السيد حسن نصر الله الاتفاق مع سعد الحريري على مشاركته حكومة وحدة وطنية وفق صيغة شراكة تتجاوز كل طبقات مرحلة ما قبل الانتخابات التشريعية، بما فيها نتائج الانتخابات نفسها. وحينها سرت المياه في مجراها بشكل لافت، وربما مستغرب. وتعهدت دمشق تسهيل استيلاد الحكومة. وتقاطعت باريس وواشنطن وعواصم قرار اخرى على الاشادة بالتعهدات السورية، وصولا الى ضرب موعدين دمشقيين: واحد لقمة سعودية – سورية تصالحية، وثان لزيارة "تصالحية" لسعد الحريري كتب فيها الكثير ونسجت في سياقها سيناريوات متعددة، بعضها اقرب الى علم الخيال.
-في المرحلة الثانية، حدث ما ليس في الحسبان اثر زيارة قيل ان السيد نصر الله قام بها لدمشق، حيث التقى الرئيس بشار الاسد في جلسة تقويمية لنتائج الانتخابات النيابية ولمسار ما بعد هذه الانتخابات. بعدها، تراجع التفاؤل بالمسار السعودي – السوري، وانسحب سلبا على المداولات الحكومية لبنانيا. وصودف ان اعلن وليد جنبلاط في الثاني من آب (اغسطس) انقلابه الشهير على قوى الرابع عشر من آذار (مارس)، فإختلط نابل دمشق – حزب الله بحابل انعطافة البيك، وتعقّدت الامور والمسارات، ووظفت المعارضة هذا الاختلاط افضل توظيف، واحتفلت، غنائيا وشماتة، بالانقلاب، وكالت الوعيد لقوى الرابع عشر من آذار (مارس) بالتفتت والتشقق والاضمحلال، وبفقدان فرصة الحكم وضياع الحظوظ بالحفاظ على الغالبية النيابية.
ويضيف: كانت هذه المرحلة الاشد على سعد الحريري من حيث وطأة الانقلاب والانفساخ الجنبلاطي، ومن حيث قساوة الهجوم المعارض عليه، وخصوصا من "التيار الوطني الحر".
انصرفت الرياض، في خطة اجرائية وقائية، الى ترويض ولجْم الخيل الجنبلاطية الجامحة (الوصف للعاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز في نيسان / ابريل 2006، واكده في حينه جنبلاط نفسه، فخورا بوصفه بالخيل التي هي "أهم ما لدى العرب، ويكفيني أن يصفني الملك عبد الله بأنني مثل الفرس التي تحتاج الى لجم بعض الأحيان"!). وامكن ردّ بعض من اندفاعات زعيم المختارة ونوازعه، وخصوصا في اتجاه طهران، الى ان كان لقاء العتب الشهير الذي تمخّض عن اعلان جنبلاط بقاءه في اكثرية سعد الحريري لا في اكثرية 14 آذار (مارس)!
مكانك راوح ...
-في المرحلة الثالثة، يرى القيادي الموالي، انه وبعد استكانة الانقلاب وعدم فاعلية المعارضة في توظيفه، انصرف الحريري الى مفاوضة ميشال عون، وكان توزير جبران باسيل في صلب مطالبه، لا بل كاد يختصرها. كثرت اللقاءات مع باسيل، في ضوء لقاء يتيم مع عون في القصر الجمهوري برعاية ميشال سليمان، لكن المطالب ظلت واحدة، واستمرت المراوحة. وتنصّل "حزب الله" من وعد قيل انه سبق ان قطعه في المرحلة التفاوضية الاولى، بأن يتولى هو شخصيا نصح حليفه بالاعتدال في مقابل الاتفاق على تثبيت المعادلة الهندسية الشهيرة 15- 10-5.
في الموازاة، انطلقت حملة سورية – لبنانية غير مسبوقة على المحكمة الدولية، وعلى دانيال بلمار شخصيا. فتنبأ البعض بمرض عضال اصابه جعله طريح الفراش وربما الموت، وساق البعض الآخر، متكئا تارة على تغيّر المقاربة الدولية لدمشق وطورا على تقرير "دير شبيغل" وارهاصاته، نظرية احتضار المحكمة دوليا وسياسيا.
-في المرحلة الرابعة، ومع بدء الشهر الثالث للتكليف، بات صبر الحريري قاب قوسين من النفاد. فالايام السبعون أكلت، بل إلتهمت من رصيده السياسي والشخصي، في سابقة قلّما حصلت في تواريخ لبنان بين الجمهوريتين الاولى والثانية. وكان لا بد من المبادرة، إثر مدّ التفاوض وجزْر الحوار، وما بينهما من سكون، قال وربما بالغ سعد الحريري في وصفه بـ "صمت ابي الهول". جمع الرجل اوراقه التي تبعثرت على مدى الايام السبعين بين بيتي قريطم والوسط وقصري بعبدا وبيت الدين، وحسم قراره: التشكيلة ها هي: إما تؤخذ كاملة وإما لا تؤخذ، على طريقة الصفقة المتكاملة في البيزنيس: Take it or Leave it. لا مكان بعدها، لا للتفاوض ولا للاخذ واللغو. ردّت المعارضة بأن جمعت هي الاخرى اوراقها وخليليها والجبران، وأبلغت الى رئيس الجمهورية على دفعتين، اولا رفضها الصيغة، وثانيا مطالبها الشفوية: وزارة الطاقة وتوزير باسيل في الاتصالات وتعديل في اسمي وزيرين للحزب والحركة.
ويتابع القيادي في الموالاة: اراد الحريري الاعتذار، لكن المملكة العربية السعودية مع ميشال سليمان ووليد جنبلاط ونبيه بري ارادوا له بعضا من طول البال، واسبوعا واحدا حتى الاثنين في الرابع عشر من ايلول (سبتمبر). طال بال الحريري يومين فقط، ليصعد الى بيت الدين يوم الخميس في العاشر منه، فيقلب الطاولة ويستعيد زمام المبادرة.
الفراغ والهاجس الامني
لكن في سياق هذه الاستحقاقات الداهمة، يخشى مراقبون ان تكون البلاد قد دخلت مرحلة من انعدام التوازن ستؤدي الى تمديد أجل حكومة تصريف الاعمال حتى كانون الاول (ديسمبر) في الحد الادنى، وسط خشية متنامية من محاولات لملء الفراغ السياسي بالتوترات الامنية التي دفعت الاجهزة الامنية الى التحوّط لملاقاتها بتدابير استثنائية، سبق ان اقرّها مجلس الامن المركزي قبل فترة.
انه، بإختصار، اعلان دراماتيكي لانطلاق مرحلة جديدة من المواجهة السياسية بين أكثرية ترمي الى استعادة المبادرة والحفاظ على مكتسبات السابع من حزيران (يونيو) 2009 وطمس خسائر السابع من ايار (مايو) 2008، وأقلية تحاول التعويض عن الخسارة النيابية بالقفز فوق نتائج الانتخابات والضغط في اتجاه تركيبة حكومية تضعف الأكثرية ما امكن، بالثلث الضامن المضمور، ولِمَ لا، بإستعادة "إنتصار" السابع من ايار (مايو)!
اذن، العراقيل التي حالت دون تشكيل الحكومة مرشحة للاستمرار على حالها في المرحلة المقبلة كونها وليدة عوامل اقليمية اكثر مما هي محلية، لا سيما اثر طغيان حال الترقب على مستوى الاقليم عشية استحقاقات كثيرة، في مقدمها الجهود الاميركية لتحريك ملف التسوية السلمية مع زيارة المبعوث الاميركي جورج ميتشل، ما يدفع كل الاطراف الاقليمية الى مؤاثرة التريث والترقب والبقاء في خانة الانتظار، الى حين تبلور الآفاق والآليات.
وحده رئيس الجمهورية يقف حائرا، واحيانا اسير توافقيته. فلا هو قادر على المبادرة بفعل قيود الدستور واغلال مواده، والاهم لرغبته في احترام ما كُتب في الكتاب، ولا هو قادر على الاقناع بفعل تشعّب المواجهة محليا واقليميا، وخروجها اطوارا كثيرة عن مقتضيات العناصر المحلية، لا بل عن قدرة هذه العناصر على ادارة ازمة اريدت ان تبقى كذلك بفعلٍ، بل بإرادةٍ اقليمية!

ليست هناك تعليقات: