الأحد، 6 سبتمبر 2009

Sphere: Related Content
ذكرى قيام الدولة كادت تندثر وسط صخب الهواجس والتحديات
لبنان في تسعينه يشيخ على ما فُطم عليه من مخاطر!
التوطين يبحث اوروبيا في موازاة التداول الاميركي بآليات احياء التسوية

ينشر في "الاسبوع العربي" في 14/9/2009
في خضم كثرة الاحداث التي حفلت بها لبنان على مرّ محطاته الاستقلالية، تندثر (او تكاد) الذكرى التاسعة والثمانين لقيام دولة لبنان الكبير من صفحات التاريخ اللبناني على رغم اهميتها في تحديد كيانية الوطن وصورته وجغرافيته ونظام الحكم فيه. الا انّ المشترك في كل المحطات المفصلية، العودة الى المواجهة للدفاع عن نهائية هذا الوطن الذي ارتسمت اولى خطوطه مع اعلان الدولة. فهل ما يشهده لبنان راهنا، مع الحديث المتزايد عن خطر التوطين، محطة جديدة من محطات الدفاع عن بلد انهكته الصراعات والتسويات الاقليمية والدولية ولم تستسلم في استخدامه ساحة لتمرير مخططاتها؟
مرّ الأول من أيلول (سبتمبر) كمثيله من ايام هذا العام، مع انه مفصلي في تاريخ الكيان اللبناني. هو يوم نسيه اللبنانيون تماما، بل فقدوه في زحمة الأيام والمناسبات. في الأول من أيلول (سبتمبر) 1920 أعلنت دولة لبنان الكبير التي اعادت ضم السهل والساحل والأقضية الأربعة الى جبل لبنان التاريخي، ليظهر لبنان بتركيبته الموزايكية الجمهورية - الطائفية - الديموغرافية - السياسية – التوافقية، هي مزيج من ديمقراطيات الغرب وديماغوجيات الشرق.
يمثل هذا اليوم الحدث الأهم في تاريخ لبنان، كونه يرمز الى نهاية 400 عام من الحكم العثماني للمشرق العربي، ومن ضمنه لبنان، وهو الذي أعطى لبنان كيانه ونظامه السياسي الديمقراطي البرلماني، المطعم بالحرية الفريدة من نوعها في هذا الشرق، فضلا عن كل مقومات الدولة التي يعتز بها اللبنانيون منذ 90 عاما.
البطريركية والمجد صنوان
لبكركي في التاريخ منطقها: الدولة ثم الدولة ثم الدولة. بين جدرانها نشأت فكرة الدولة اللبنانية التي نقلها البطريرك الياس حويك إلى مؤتمر الصلح في قصر فرساي في العام 1919. في ذلك العام حمل بطريرك الاستقلال والسيادة، تفويضا وطنيا جامعا وقاتل في باريس من اجل لبنان بحدوده الراهنة.
منذ ايام البطريرك حويك رفض الكرسي البطريركي المزايدة عليه عربياً وقال بلغة زمانه: "ومتى كان لبنان فرنجياً ليقول اليوم عن نفسه أنه عربي". ويحلو للبطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير ان يردد من فينة الى اخرى قول الشاعر العاميّ: "بكركي من عركي لعركي، لا زيتا ولا نورا شح، كلّن عم يحكوا تركي، وبكركي عم تحكي صح".
ويلاحظ المؤرخون انه من بين كل الكيانات التي اعلنتها فرنسا – زمن الانتداب- أو فكّرت في نسجها، من دولة حلب الى دولة دمشق الى دولة اللاذقية الى دولة جبل الدروز الى سنجقي إسكندرون والجزيرة، لم تكتب الحياة الا لمشروع الجمهورية اللبنانية. ويعود الفضل الرئيس في ذلك الى رؤيوية البطريركية المارونية التي انتقت بدقة حدود لبنان، فلم تنقص منها في الاطراف حتى لا تفقد الدولة الناشئة خزانها الغذائي في السهول، ولم تزد عليها حتى لا تثير غضب الجيران!
ويورد مؤرخون انه عندما وضع رئيس الوزراء الفرنسي جورج كليمنصو (الملقب بالنمر) الخريطة أمامه، وراح يخط حدود الدولة العتيدة، شطح به القلم فضم دمشق إلى لبنان، قبل أن يتنبه البطريرك حويك، الذي تردد أنه رفض حتى إلحاق وادي النصارى في سورية بالدولة لأن جلّ سكانها من الأرثوذكس لا من الموارنة.
لكن البطريرك صفير صحّح هذه الرواية المتداولة، نافياً أن يكون سبب رفض سلفه إلحاق وادي النصارى بلبنان الكبير لأن جل سكانه من الأرثوذكس، بل بسبب طغيان العلويين في تلك المنطقة وامتداداتها.
والبطريركية، منذ رحلة البطريرك حويك الى مؤتمر الصلح في فرساي، تعتبر نفسها حامية للوحدة اللبنانية. وعلى هذا الاساس، تحتسب خطواتها بمنتهى الدقة ويتوارث احبارها تراثا متكاملا من النضال والرؤية والذوبان في الكيان – الدولة حتى الرمق الاخير. لذا اعطي لها مجد لبنان.
في آذار (مارس) 2005، سلم البطريرك الماروني، في زيارته الاخيرة لواشنطن، الرئيس الاميركي السابق جورج بوش مذكرة خطية ابرز عناوينها: انتهاج الإدارة الاميركية سياسة منتجة وحلولاً لأزمة لبنان لا تكون رهينة المصالح الدولية المتغيرة أو رهن حلول إقليمية تأتي على حساب لبنان، ورفض التوطين والتشديد على مسؤولية المجتمع الدولي ومسؤولية الولايات المتحدة في الحفاظ على الرسالة اللبنانية وعلى الديمقراطية والحرية، وتأمين حماية دولية مالية للبنان.
وفي النداء العاشر للاسقفة الموارنة، شكت بكركي من ان "بروز حكومة يمينة متطرفة في اسرائيل زاد من وضع العراقيل أمام أي حل عادل لهذه القضايا، ولا سيما القضية الفلسطينية التي يتأثر بها لبنان كل التأثر، اذ ان المساعي التي يقوم بعض البلدان بها عادت تطرح بإلحاح قضية توطين الفلسطينيين في البلدان التي يعيشون فيها. وهذا يحرم الفلسطينيين من حقهم في العودة ويشكل اكبر خطر على لبنان دولة ومجتمعا وكيانا. فكيف سيواجه اللبنانيون هذا الخطر؟".
ويظهر من مجمل المواقف السياسية للبطريرك الماروني ان التوطين يعتبره الاخطر على الصيغة والكيان والتوازنات السياسية والديمغرافية والاقتصادية والاجتماعية.
التوطين مجددا
في زيارته الاخيرة لبيروت، اطلق المفوّض الاعلى للسياسة الخارجية والامن في الاتحاد الاوروبي خافيير سولانا كلاما خطيرا في هذا الشأن، لم يأخذ حقه في النقاش ومرّ مرور الكرام نظرا الى ان موجة الحكومة المعلّقة باتت تستحوذ الصورة والصوت. قال سولانا، تعليقا على تحذيرات اطلقها رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان عن خطر التوطين: "لا أستطيع ان أساعد في حل هذه المشكلة، لكن سأرفع الامر الى المعنيين في الاتحاد الاوروبي".
يعتبر المراقبون ان مردّ الخطورة في هذا الكلام انه مؤشر صريح الى ان التوطين يبحث جديا في المحافل الاوروبية، في موازاة البحث الاميركي في آليات احياء المسار التسووي في الاقليم، انطلاقا من معالجة الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي، حيث تبرز عودة فلسطينيي الشتات احد اهم العقد والعثرات، وهي كانت مدار بحث مستفيض في ما سمي بوثيقة ابو مازن - يوسي بيلين (وزير العدل في حكومة إسحق رابين وكشفتها صحيفة "هآرتس في 23 شباط / فبراير 1996) التي تلت توقيع اتفاقية اوسلو في بداية التسعينات. وتنصّ هذه الوثيقة التي أطلق عليها "مرجع المفاوضين السياسيين لمرحلة الحل النهائي"، في الشق الذي يعني لبنان مباشرة، أي اللاجئين والنازحين الفلسطينيين، على "وجوب العمل على أن تحل هيئة دولية جديدة محل وكالة الغوث الحالية (الأونروا) لتتولى عملية إعادة تأهيل هؤلاء وتأمين إستيعابهم في دول وأماكن إقامتهم الحالية وإمتصاص أعدادهم في الحياة اليومية للمجتمعات التي يعيشون في محيطها"، على ان "تتكفل حكومة حزب العمل بالتعامل ثنائيا مع الدول المعنية ومع الأطراف الدولية الراعية دونما صخب أو ضجيج وبما لا يشكل إحراجا للسلطة الفلسطينية وتتكفل أيضا بممارسة الضغوط الكفيلة بإنتزاع المواقف الدولية الداعمة لهذا الهدف والتعامل مع الدول المضيفة بما يضمن إغلاق هذا الملف ببطء بعد أن تتم تهيئة كل الظروف التي تعطي للاجئين حق المواطنة حيث يقيمون".
ويستذكر المراقبون اعلان ابو مازن في تموز (يوليو) 2005، أنه لا يمانع أن تمنح الدول العربية "إذا أحبت" للاجئين الفلسطينيين، معتبرا أن ذلك "لا يعني التوطين"، ومشيرا الى انها "مسألة عاطفية لا علاقة لها بالجنسية، فهناك فلسطيني من الجيل الخامس يعيش في تشيلي يحب أن يعود عندما يسمح له".
وبعد أيام قليلة على موقف أبو مازن، حصل جدال بين المندوبين اللبناني السفير عبد اللطيف مملوك والفلسطيني محمد صبيح، في إطار أعمال الدورة الـ 74 لمؤتمر المشرفين على شؤون الفلسطينيين في جامعة الدول العربية، وذلك على خلفية تجنيس الفلسطينيين. فحينذاك أعلن السفير مملوك تمسك لبنان بقرار مجلس الجامعة الصادر في العام 1959 والقاضي "بعدم منح الجنسية للفلسطينيين في الدول التي تستضيفهم بصورة موقتة حتى يعودوا الى ديارهم"، لكن المندوب الفلسطيني قاطعه ليؤكد أن "قرار الجامعة هذا مجرد توصية سقطت بالتقادم"، وان "واشنطن ولندن وبعض العواصم الأوروبية تمنح الجنسية للفلسطينيين فأولى بالدول العربية أن تمنحهم إياها". فردّ السفير مملوك: "إن قامت الدول العربية بمنح الفلسطينيين الجنسية، فلن يعود فلسطيني واحد الى أرضه".
إلتقاط الفرصة
ويشير المراقبون الى ان كلام سولانا عن البحث في التوطين مقرونا بإلحاحه على اللبنانيين كي "يلتقطوا الفرصة الدولية للاسراع في تشكيل الحكومة لأن في ذلك فائدة كبيرة للبنان الذي يمكن ان يستفيد من الاجواء الراهنة و ينصرف الى معالجة مشاكله وتحسين وضعه الاقتصادي"، فيه الكثير من ورائيات الكواليس الاوروبية، حيث كُشف مرارا عن مؤتمرات دولية سرية عقدت في اكثر من عاصمة اروربية، بينها واحد في احدى السفارات الكندية، خصصت للبحث في مسألة توطين الفلسطينيين حيث هم او في دول راغبة في ذلك او يفرض عليها ذلك لقاء اثمان سياسية او اقتصادية. ولا يزال كلام الرئيس بوش عن الصندوق الدوليذي الـ 120 مليار دولار احد "الوثائق" التي يُستند عليها عند مناقشة هذا الملف.
ويعتبر المراقبون ان المقصود تحديدا من تشديد سولانا على اهمية وجود حكومة في لبنان عشية استحقاقات متسارعة، تلك التي تتمثل بالحراك في واشنطن لاطلاق مبادرة الرئيس باراك اوباما للتسوية في المنطقة، واستطرادا مستقبل الوضع الفلسطيني، ما يضع لبنان امام خطر التوطين الذي ستطرحه اسرائيل بندا في سياق مفاوضات التسوية.

ليست هناك تعليقات: