الأحد، 20 سبتمبر 2009

Sphere: Related Content
الازمة تتأصل في تشابكها مع التطورات من صعدة الى انقرة
ثلاث جبهات - عوائق في طريق الاستقرار اللبناني
تقاطعات بين بيروت وصعدة في الفتن وحروب الاقلويات
جورج ميتشل نقل الى لبنان ضمانات تُبعد حربا اسرائيلية


ينشر في "الاسبوع العربي" في 28/9/2009
يتأصّل ترابط الازمة اللبنانية بمجموعة الازمات التي تعصف بالمنطقة: من صعدة وعمران في شمال اليمن حيث الفرز الطائفي – الحربوي في اوجه، الى العلاقة العراقية – السورية المتأججة خلافات واتهامات ومحاكم دولية مستعادة، فالازمة النووية الايرانية في ضوء مقترحات طهران الى مجموعة الست، مرورا بتجميد مسارات التفاهمات العربية لعوامل عدة منها ما يرتبط بتراجع الود الاميركي المنفلش على رقعة الشرق الاوسط، ومنها ما يعود الى قصور فهْم بعض العواصم ما حصل من تقارب، واعتقادها ان في امكانها توظيف اعادة التموضع سبيلا لاعادة ما "سُلب" منها من حقوق وجغرافيات!
لم يكن هذا التداخل في الازمات، بعد مدّ من "الريلاكس"، امرا غريبا على اللبنانيين الذين طالما خبروا تشابك جزئياتهم، واحيانا هوامش حياتهم اليومية، مع كل ازمات الاقليم القابع على خط زلازل سياسي هدّام لا يستكين لا صباحا ولا مساء. فلبنان دفع مرات كثيرة اثمانَ ما ليس له فيه من مصالح اقليمية – دولية: من القضية الفلسطينية بدءا، الى حلف بغداد في منتصف خمسينات القرن العشرين، ثم نظريات هنري كيسينجر في منتصف السبعينات، فمعاهدة كامب ديفيد في نهاياتها، وصولا الى التوكيل الاميركي الشهير قبيل حرب الخليج الاولى، بداية التسعينات. هي لعبة الامم التي تكاد تحبس وليد جنبلاط، هذه الايام، داخل شرنقتها!
من صعدة الى بيروت!
تقع محافظة صعدة في الجزء الشمالي من الجمهورية اليمنية، ويبعد مركزها الإداري عن العاصمة صنعاء شمالا حوالى 243 كيلومترا. ويبلغ سكانها وفقاً لنتائج التعداد السكاني للعام 1994 نحو 484,063 نسمة. وازدهرت صعدة كمدينة علم ودين وثقافة وتجارة وصناعة وزراعة، إضافة إلى دورها الرئيسي في أحداث العصر الإسلامي الذي شهد صراعات وحروب عنيفة متواصلة على الساحة العربية عموما وعلى الساحة اليمنية خصوصا. ويتنوع مناخ صعدة تبعاً لتضاريسها الطبيعية، وهو معتدل صيفاً وبارد شتاء.
لماذا هذا الاسقاط؟ وما الجامع بين صعدة وبيروت، وبينهما آلاف الكيلومترات؟
دخلت صعدة، فجأة، في القاموس اللبناني السياسي والشعبي، منذ بدء الحرب بين الحوثيين والنظام اليمني، وهي راهنا في نسختها السادسة. ذلك ان الحرب هناك، كما في الحرب اللبنانية عام 1975، بدت فعليا حرب الآخرين على ارض اليمن، ترجمها تنافس مذهبي صار اقرب الى فتنة بين جماعتين يمنيتين اكثرية واقلوية. وتكاد تكون نسخة من مشروع الفتنة التي قدّر بعض العواصم ان تكون بيروت ساحتها، لكنها انتقلت، او نُقلت الى شمال اليمن، بقدرة قادر، وربما لحسن طالع لبنان.
ثمة قراءات ديبلوماسية وجيو - سياسية عدة للحرب في صعدة ولإنعكاساتها اللبنانية، منها اثنتان:
-قراءة اولى تعتبر ان ما يجري في ذلك الاقليم اليمني، محاولة إيرانية للضغط على الإدارة الأميركية لدفعها إلى التفاوض، باعتبار أن الحوثيين مدعومون من ايران، وأن تهدئة الاوضاع تحتاج الى تدخل إيراني لوقف النزاع. ويبدون خشية من أن تنتقل الحرب بالواسطة في صعدة، الى لبنان على شاكلة تفجير أمني - فتنوي واسع ردا على ما يحدث، لإشغال الساحة اللبنانية مجددا بهدف تمرير بعض الاستحقاقات الاقليمية.
2-قراءة ثانية تخشى ان يجري نقل احداث صعدة الى ازقة بيروت، كنسخة منقّحة من احداث ايار (مايو) 2008 بغرض احلال ديماغوجية المذاهب واللعب على الوتر المذهبي السني – الشيعي، فيما الهدف الرئيس إرباك "حزب الله" وتعطيل دوره في مواجهة اي حرب اسرائيلية محتملة.
تشابه في الخطاب!
وكان لافتا ان يطلّ الامين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصر الله، في خطابه في "يوم القدس" في الثامن عشر من ايلول (سبتمبر)، على احداث صعدة، كاشفا ان الحزب تلقى اتصالا من الرئيس اليمني علي عبد الله صالح في خصوص هذه الاحداث، وخاطبه قائلا: "الله بأهلك وشعبك، ولا دخل لي في التفاصيل، ولكن فلتبادر لوقف نزف الشعب وفتح الباب السياسي ولوقف إطلاق النار. لست اعرف ماذا يجري هناك ولم يطلب مني أحد إطلاق هذه المناشدة"، مضيفاً: "في يوم من الأيام أصغينا لك وأكرمناك، اليوم نناشدك بأن تأمر بوقف القتال". وردت صنعاء مرحبة ومعلنة وقف اطلاق نار لمناسبة عيد الفطر، ولافتة الى "اننا في الوقت الذي نقدر فيه للسيد حسن نصر الله دعوته وحرصه على تجنب إراقة الدم اليمني فإننا نؤكد له أن الدولة قد فُرضت عليها الحرب فرضا كانت دوما ولا تزال حريصة على اللجوء إلى كل الخيارات السلمية (...)".
وسبق للقيادة اليمنية، قبل اشهر، ان اتهمت عناصر في "حزب الله" بدعم وتسليح جماعة الحوثيين. ولاقى هذا الاتهام، في حينه، ردا عنيفا من نصر الله. كما اتّهمت هذه القيادة ايران بمحاولة تصدير الثورة الاسلامية.
ومن يطّلع على صحف اليمن الرسمية هذه الايام والمواقع الالكترونية المقربة من جماعة الحوثيين او الداعمة لها، يخال انه يقرأ التصاريح اللبنانية نفسها زمن التأزم العصبي، وهي بمجملها خطابات بنكهة لبنانية، من جهة عن "مخاطر نشر التشيّع والمد الصفوي"، ومن جهة اخرى عن "الرغبة في استهداف الجماعة الشيعية" وصولا الى اعتبار "حزب "الشباب المؤمن" الحوثي فرعا لـ "حزب الله"!
3 جبهات
ويقول ديبولوماسي واسع الاطلاع، في سياق مقاربته تشابك الازمة اللبنانية الراهنة مع مجموعة ازمات المنطقة، إن جلاء الموقف ينتظر ثلاث محطات:
1-نتائج المحادثات التي اجراها الرئيس السوري بشار الأسد مع رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان في ضوء المعلومات الأولية التي تحدثت عن أن انقرة أثارت الأوضاع في لبنان والعقبات التي تعترض تشكيل الحكومة، وانها ما زالت تعتبر أن من ترتيبات الاستقرار في المنطقة، استقرار الوضع اللبناني سياسيا وأمنيا واقتصاديا، علما ان المعاهدة السورية – التركية (مجلس تعاون استراتيجي) التي تمّ توقيعها بين الأسد وأردوغان لا تدل الى وجود مشروع اشتباك جديد على مستوى الاقليم.
2-النتائج المرتقبة للرسائل الاميركية الى ايران حول الملف النووي، لا سيما في ضوء المقايضة التي تطرحها طهران بالتفاهم على كل النقاط الساخنة في المنطقة من العراق حتى أفغانستان مرورا بلبنان، اضافة الى اللقاء المنتظر بين وفد مجموعة الدول الست (الاعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الامن زائدا المانيا) والمفاوضين الايرانيين في بداية تشرين الأوّل (اكتوبر).
3-جلاء وجهة التحقيق الدولي في اغتيال الرئيس رفيق الحريري في ضوء التقدم المعلن عنه، والاطلالات التذكيرية الاخيرة لمسؤولين في المحكمة، في مقدمهم المدعي العام القاضي دانيال بلمار.
سماح ضروري
ويعتقد الديبلوماسي ان فترة السماح او الانتظار الحكومية طويلة، لكنها قد تكون ضرورية لاستطلاع تطورات الصراعات الإقليمية، ولادراك المكامن التي من خلالها يمكن تحقيق خرق لبناني في الجدار الإقليمي المتصلّب. ويشير الى ان ثمة اطرافا لبنانية رئيسية تنتظر ما سيفضي اليه مسعى انقرة حول الملف النووي الايراني، خصوصا في ضوء تبدل الموقف الروسي من العقوبات المحتملة على طهران بعد تخلي الولايات المتحدة عن الدرع الصاروخية في بولونيا وتشيكيا. اذ تعتقد هذه الاطراف اللبنانية ان مسألة تشديد العقوبات على ايران ستشكل مؤشرا الى مرحلة اقليمية جديدة لن تكون المنطقة برمتها بمنأى عن تداعياتها.
اما مسألة الحرب الاسرائيلية على لبنان فالتصاريح في تل ابيب، بحسب الديبلوماسي، توحي كأنها تقترب، في حين تعاكسها المعلومات الواردة من اكثر من عاصمة، منها ما ذُكر عن مهمة المبعوث الرئاسي الاميركي جورج ميتشل الذي نقل الى بيروت سلّة من الضمانات الاقليمية والدولية، في طليعتها أن التهديدات التي يطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، حدودها - حتى إشعار آخر- حدود الداخل في إسرائيل، وما يدور من تجاذبات سياسيّة حادة داخل الحكومة، وان هذه التهديدات تأتي في سياق حملة إعلاميّة مفتوحة للتأثير على الرأي العام الإسرائيلي وشدّ عصبه حول الطروح السياسيّة لنتانياهو، اطلاقا من ان للحديث عن لبنان وعن "حزب الله"، وقعه النفسي الايجابي المؤثر منذ حرب تموز (يوليو) 2006 وتداعياتها.
ويرى الديبلوماسي ان تكاثر المناورات الاسرائيلية على جبهة الشمال وفي الجولان والتي تحاكي حربا على اكثر من جبهة، هي في حد ذاتها مؤشر آخر الى ان النوايا الاسرائيلية لا تزال، حتى اشعار آخر، تهويلية.

ليست هناك تعليقات: