من عين الرمانة – الشياّح الى باب التبانة – جبل محسن
من يحرّك فوالق الحروب والتصدّعات المذهبية؟
امنيون ينبّهون الى تزاحم استخباري عربي – دولي
تزامن بريئ بين الخروق الامنية والقمة السعودية – السورية؟
ينشر في "الاسبوع العربي" في 19/10/2009
وضعت الحادثة المأسوية في محلة عين الرمانة ليل السادس من تشرين الاول (اكتوبر) والتي قضى بنتيجتها الناشط في "التيار الوطني الحر" جورج ابو ماضي، معطوفة على الخروق الامنية في مدينة طرابلس بين محلتي التبانة وجبل محسن، الامن في واجهة الاهتمامات اللبنانية، نظرا الى هشاشة الهدوء اثر موجة من الاحتقان السياسي على خلفية تعثّر تشكيل الحكومة.
تقّدم الشأن الامني في اولويات الاهتمام الديبلوماسي، وسط دفق هائل من تقارير السفارات والبعثات الديبلوماسية العربية والاجنبية، التي توسّعت في شرح مخاطر اي تفلّت امني:
-إن على خلفية مأساة عين الرمانة التي تستمر مع جارتها الشياح في ان تكونا مسرحا لاستفزازات وعراضات وتحرّشات خطرة تتهدد السلم الاهلي والامن القومي، نظرا الى ما لـ عين الرمانة في الذاكرة اللبنانية من مكانة ترمز الى مأساة الحرب، وبإعتبارها خط تماس في مساحة تصارعت على ارضها وبشبابها، القوى الحزبية والمليشيوية من امراء الحرب ورموزها.
-او على خلفية القذائف المجهولة التي تصيب الاحياء الآمنة في طرابلس وتحرّك النعرات وتؤدي الى تأزيم النفوس وزيادة النفور بين اهالي المحلّتين.
ويخشى بعض المراقبين من ان ثمة مشروعا خارجيا اشبه بمؤامرة، يرمي الى تحريك نقاط التصدّعات وفوالق الزلازل السياسية والامنية في البنيان اللبناني، وخصوصا في المناطق ذات الحساسية التاريخية كمحلة عين الرمانة التي شهدت انطلاق الحرب اللبنانية بسبب ما يوصف تاريخيا بشرارة بوسطة عين الرمانة، وكثنائية باب التبانة – جبل محسن التي تشهد نزاعات اهلية متواصلة، وكانت رمزا من رموز الحرب ايضا.
ولئن تنحو التحقيقات في مأساة عين الرمانة الى حصرها في الاطار الفردي، يُفترض بالقيادات السياسية والحزبية ان ترفع الغطاء وتنفي الحضن عن مجموعات متوترة وشباب طائش ورعاع ومنحرفون ومهمشون ويافعون أسرى الطيش والعصبيات والسلوكيات العنجهية والاستعراضية، وهم بمجملهم يقيمون أوكارهم ليلا على الأرصفة في المناطق ذات هامش فقر مرتفع، ويتحركون في مواكب دراجة أو سيارة مدججين بالسكاكين والجنازير والعصيّ، يتحرشون بالفتيات ويرابطون في أحيائهم بزعم التصدي لغزوات المتحرشين من الأحياء المجاورة، وبينهم من يتعاطى المخدرات والحبوب المنشطة على أنواعها، وهم تبرعوا دائما في ظروف الاحتقان السياسي و الطائفي والانتخابي بتنظيم عراضات استفزاز متبادلة.
ضجة على وقع مأساة
واقع الامر انه كان يمكن لحادثة عين الرمانة ولأحداث باب التبانة – جبل محسن، ان تمرّا كما مرّت مثيلاتهما سابقا، مثلهما مثل الخروق الأمنية المتنقلة في المناطق، ولكن الحادثتان اقتطعتا مساحة واسعة من الاهتمام الشعبي والسياسي والاعلامي والديبلوماسي، ونافستا حدث القمة السورية – السعودية، والمداولات اللبنانية في شأن الحكومة، نظرا الى مجموعة عوامل محلية واقليمية سياسية ونفسية، والى بعض "القراءات المقارباتية":
1- ففي عين الرمانة – الشياح، تبرز:
أ-الرمزية التاريخية - النفسية للمساحة التأزمية بين عين الرمانة والشياح كأول خط تماس في الحرب ومنطلقها وحاضن شراراتها المباشرة في نيسان (ابريل) العام ١٩٧٥. وكان لافتا ان كثرا على جانبي هذه المساحة قد غادروا منازلهم ونزحوا موقتا الى مناطق اكثر امنا في انتظار هدوء النفوس وتراجع التشنّج.
ب-الرمزية الطائفية لشارعين شرقيّ وغربيّ، اكتسباها منذ شباط (فبراير) ٢٠٠٦، يوم اجتمع زعيمين ماروني وشيعي لتوقيع وثيقة تفاهم كان لها تأثير مباشر ومستمر في الأوضاع الداخلية وواجهت تحديات واختبارات في محطات عدة.
ج-"الرمزية السياسية - الطائفية لتماس فاصل بين شيعية سياسية – حزبية يختصرها ثنائي "حزب الله – حركة "امل"، وبين "مارونيات" تحنّ لمارونية سياسية دفنتها حروب واتفاقات، وتتصارع راهنا (كتائبيا - قواتيا – عونيا)، إما لاستعادة مجد غابر او لتثبيت جدوى تفاهم يصاب بكلَمٍ كلّما سقطت ضحية او هُدرت دماء على خطوط التماس الطائفية. فقرأت "القوات اللبنانية" الحادثة رسالة سياسية موجهة الى تعاظم حضورها. وقرأ "التيار الوطني الحر" رسالة الى العماد ميشال عون، بعدما تبين ان الضحية هو من أنصاره، كي لا يذهب بعيدا في انفتاحه وحواره مع الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري.
2- في باب التبانة – جبل محسن، تُبرز:
أ-ثنائية خط تماس متواصل بين اكثرية سنية واقلية علوية.
ب-ثنائية تصارعية، تختصر (او يخيّل لها انها تختصر) صراع جماعة طائفية ثكلها اغتيال زعيمها، مع نظام تتهمّه لو سياسيا بهذا الاغتيال.
ج-مساحة تتصارع فيها عشرات اجهزة الاستخبارات في مدينة كانت ولا تزال مفتوحة على انواع شتى من التنافس الاستخباري الظاهر والمستتر.
وتاليا، أصبح اي حادث في هاتين المساحتين نذر شؤم يوقظ ذكريات وجروحا وتقيؤات!
الحادثتان والقمة
بيد ان ما منح هاتين الحادثتين بعدا اقليميا ودوليا، تزامنهما (صدفة او ميعادا) مع القمة السعودية – السورية في دمشق، نظرا الى ان تقارير كثيرة كانت تترقّب حادثا او خرقا امنيا إما يطيح بالقمة او يؤثر في مسارها او يحوّل الاهتمام عنها،؟ ونظرا ايضا الى ان مراجع امنية حذرّت تكرارا من ان ينتج التمديد للفراغ الحكومي مآس وخروقا اصولية – قاعدية او استخبارية مشبوهة.
حقيقة الامر ان ايا من الهواجس هذه لم تثبتها التحقيقات القضائية والامنية في مأساة عين الرمانة التي لا تزال تُحصر في اطار الاشكال الفردي افتعلته توتر مذهبي ضارب في جذور الذاكرة الجماعية، وشلل اعتادت الاستباحة والتسيّب.
لكن الحقيقة ايضا ان الظروف الداخلية وتلك المحيطة، تفترض وعيا اكبر لدى القيادات الحزبية المعنية بمواقع التوتر والتشنّج، حيث خطوطها تمتدّ عاصمة وشمالا وبقاعا وجبلا، بحيث تنصرف هذه القوى الى اجراءات وقائية – ردعية لبعض الجماعات المتوترة والمتهورة التي تستظل غطاء حزبيا كي تعيث فوضى بإسم من يغطيها او تدّعي ذلك.
محاذير امنية
وكان موفدون كثر قد حذّروا من مخاطر استمرار الفراغ الحكومي وانعكاساته الامنية، في حين حمل المستشار الخاص للرئيس الفرنسي هنري غينو في زيارته الاخيرة لبيروت، تنبيها سياسيا – استخباريا، من امكان ان يتسلل متضررون من الاستقرار اللبناني وبعض المجموعات الاصولية المرتبطة بـ "القاعدة"، وينْفِذوا في اتجاه تفجيرات امنية تطال شخصيات لبنانية مدنية وعسكرية وروحية، او تستهدف القوة الدولية المعززة العاملة في الجنوب من ضمن رغبة "القاعدة" في ان يكون لبنان ملاذا جديدا لها وساحة جهاد بعدما مُنيت مشروعاتها في العراق وافغانستان بضربة قاسمة، وانهارت المراحل الاولى من مشروعها فرض الولاية الاسلامية على المنطقة الممتدة من فسطين الى افغانستان.
ويحذر امنيون من تداعيات اي خروق امنية، نظرا الى أن توقيت مثل هذه الأحداث في الظرف السياسي الراهن وفي ظل الاستحقاقات الدقيقة التي يمر بها لبنان من شأنه أن يضر بأي تفاهم سياسي لمصلحة الذين لا يريدون إرساء أسس السلم الأهلي.
ويرى هؤلاء انه عندما تحصل حوادث داخلية وتسعى القوى الامنية الى القيام بما يجب عليه من اجراءات وقائية وردعية وعقابية، تهبّ تكتلات طائفية لحماية المرتكبين، مع أن السبب قد لا يتجاوز احيانا تخوف شبان ميليشيويين موجودين في كل الأطراف من استقرار الوضع الأمني وتشديد قبضة الدولة. وهذا ما لا مصلحة لهم به، لذا يعمد بعضهم إلى أعمال فردية إجرامية يستفيد منها فريق ثالث ليحقق مصالحه الخاصة سواء في السياسة أو في الأمن.
ويتحدثون عن تقارير عن دخول عناصر استخبارية اقليمية ودولية على خط التشنّج، ربما بنيّة تنفيذ بعض الاغتيالات او محاولات الاغتيال، ورغبة في تأجيج الوضع بين الطوائف، وربّما لتفويت موسم سياحي واعد في المجمّعات الشتائية ومع عيدي الميلاد ورأس السنة.
كما يتخوّف هؤلاء الامنيون من أن تعمد اسرائيل الى تنفيذ اغتيالات لتحويل النظر عن ملف عملائها. ويأتي في هذا الاطار ما حكي عن محاولة لاغتيال النائب سامي الجميل، كما عن خطة لاستهداف المرجع الشيعي السيد محمد حسين فضل الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق