الاثنين، 31 أغسطس 2009

Sphere: Related Content
في بلاد الحنين الى امجاد بني عثمان والاصرار على لعب دور اقليمي مركزي
انطباعات من اسطنبول عن السلام والحكومة والمحكمة
اهتمام تركي بأدق التفاصيل اللبنانية من الانعطافات الى الامن

ينشر في "الاسبوع العربي" في 7/9/2009

اسطنبول -
لا يشعر زائر تركيا، هذه الايام، بغربة الابتعاد عن الضجيج السياسي اللبناني بمتفرعاته وجزئياته، ذلك ان انقرة تتابع عن قرب التطورات اللبنانية، حتى يخال المرء انه في قلب بيروت يعيش دقائقها لحظة بلحظة وتصريحا بتصريح وجدلا بجدل. لكن الاهتمام التركي اساسا يبقى في اتجاهين: استئناف المسار السلمي، والمحكمة الدولية الخاصة بلبنان وكل ما يرتبط بها من إعادة تموضع وانقلابات وانعطافات واستشرافات.
تستعد تركيا هذه الايام لختام موسم صيفي - سياسي لافت عززت في خلاله حضورها الديبلوماسي على مستوى الاقليم لاعبا رئيسا في سياق المثلث الشرق اوسطي الذي يضمها – كتقاطع الضرورة والحاجة- الى طهران وتل ابيب.
احد خواتيم هذا الموسم اللافت تجلى في الزيارة التي قام بها في التاسع والعشرين من آب (اغسطس) الامين العام لحلف شمال الاطلسي (الرئيس السابق لوزراء الدانمارك) أندرس فوغ راسموسين، وهي زيارة تعتبرها انقرة نصرا ديبلوماسيا لها على مستوى سياستها الخارجية، نظرا الى انها سبق ان اشترطت اعتذارا صريحا من الرجل قبل استقباله، وذلك على خلفية ازمة الرسوم الكاريكاتورية الشهيرة التي تسببت بها الصحف الدانماركية قبل 4 اعوام. واختار راسموسين الاعتذار من خلال مشاركة رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان في مأدبة افطار، علما ان تركيا هي الدولة المسلمة الوحيدة من بين أعضاء الحلف الاطلسي.
تبدو تركيا رجب طيب اردوغان مزيجا من دولة اوروبية عصرية عاصمتها انقرة وكيان تاريخي مشدود الى ايام غابرة كانت فيه اسطنبول العثمانية احدى عواصم الامبراطوريات الاعظم، ويسمع زائرها كلاما -تردادا - عن اعوام ثلاثمئة وخمسين "حكمت فيها العالم بالعدل والعدالة"، وعن عظمة سلاطينها وقدرتهم على الاستنباط والحكم والتبصّر.
قلق
يلمس زائر اسطنبول هذه الايام قلقا تركيا رسميا حيال ما يكتنف الاقليم المتوسطي من ضبابية على مستوى المراجعات الدولية، يزيدها غموضا عدم اتضاح الموقف الاميركي من ملفات اساسية في المنطقة، وخصوصا على مستوى مثلث لبنان وفلسطين والعراق، ذلك ان واشنطن التي تقدّم مسألة خروجها من العراق بأقل الخسائر السياسية الممكنة على كل اولويات اخرى، لم تحسم بعد مقاربتها للملفات للعناوين المرتبطة بما فيها علاقتها بدمشق، على رغم التحسّن المطّرد في هذه العلاقة والتي باشره الرئيس الاميركي باراك اوباما تأسيسا على تقرير بيكر – هاملتون الشهير الذي اسدل الستار على كل سياسات عهد الرئيس السابق جورج بوش.
ويبدو ملف استئناف محادثات التسوية الاسرائيلية - العربية في صلب الاهتمامات التركية، لذلك
ينتظر المسؤولون في انقرة زيارة مرتقبة للمنطقة يحضّر لها المبعوث الاميركي لعملية السلام جورج ميتشل، وهي مقررة مبدئيا في النصف الاول من أيلول (سبتمبر)، في مهمة ترمي الى خلق المناخ الايجابي المطلوب لدفع عملية السلام او التسوية السلمية قدما ورفدها بما تحتاج من منشطات ومضادات حيوية تقيها التعثّر الذي طبع الاعوام الاخيرة، وتحديدا منذ مبادرة السلام العربية في قمة بيروت في العام 2001.
ويعوّل هؤلاء على مؤتمر السلام الدولي المزمع التحضير له وعقده قبل نهاية السنة 2010، ليكون مكملا لمؤتمر مدريد في العام 1991، لكن بنسخة مزيدة ومنقحة تقدّم جديدا عمليا على هذا المستوى، وهو امر يفقده هذا المسار.
الحكومة المتعثّرة
ولا يخفي المسؤولون الاتراك قلقهم من تعثّر تقدم المسار السياسي اللبناني، بفعل عدم القدرة على انتاج حكومة ائتلافية تنظر اليها انقرة على انها حجر الزاوية في السنوات الخمس من عهد رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، كما ان انقرة معنية بنجاح تشكيل حكومة لبنانية ستحسم قرارها بالمشاركة في مؤتمر السلام الدولي، انطلاقا من ان موقف لبنان من تحريك عملية السلام يشكل اول التحديات التي ستواجه الحكومة الجديدة، تأسيسا على التقدّم الذي حققته الوساطة التركية بين سوريا واسرائيل.
لذلك يلحّ المسؤولون الاتراك على اهمية انجاز الاستحقاق الحكومي بقدر عال من المسؤولية، حتى تستطيع الحكومة وضع لبنان على المسار السياسي السليم اقليميا ودوليا، وهو مسار سيتقدم الاجندة المحلية على رغم اهمية باقي العناوين، وخصوصا منها ذات الطابع المحلي (معالجة الازمة الاقتصادية والاجتماعية...).
وسبق لوزير الخارجية التركية احمد داود اوغلو في زيارته الاخيرة لبيروت في الثلاثين من تموز (يوليو) الفائت، ان سعى الى جس النبض اللبناني بالنسبة الى إمكان استئناف التفاوض على المسار اللبناني - الإسرائيلي، في إطار عملية سلام شاملة، مشددا على انه لا بد من الشمولية على رغم وجود تحرك من أجل المسار السوري - الإسرائيلي. وصارح اوغلو المسؤولين ان كل الاحتمالات ممكنة لاستئناف التسوية، وان المحاولات تتطلب من الدول المعنية التفكير في ما يمكن ان تتخذه من مواقف متصلة بالدعوة الى مؤتمر سلمي على غرار مدريد، في مرحلة غير بعيدة.
المحكمة ايضا
ولا يفوت المسؤولون الاتراك متابعة ادق التفاصيل اللبنانية الكبيرة منها والصغيرة، بدءا بشكل الحكومة الائتلافية وصولا الى المطالب المختلفة ودقائق التشكيل والعثرات ومشاكل التوزير والاستيزار وتوزيع الحقائب، لكن اكثر ما يتوقفون عنده بعد العنوان الحكومي، هو مسألة المحكمة الدولية الخاصة للبنان، في ضوء التقارير الكثيرة الواردة من بيروت، ولا سيما "الضجيج" اللبناني عن قرب صدور شيئ ما عن المحكمة الدولية (قرار ظني او استدعاءات)، في حين ذهبت تقارير اخرى الى تحديد تشرين الاول (اكتوبر) وتشرين الثاني (نوفمبر) موعدا مبدئيا لكن غير نهائي لصدور التقرير الظني عن المدعي العام الدولي القاضي دانيال بلمار الذي يستعد في غضون ايام الى استئناف نشاطه بعد فترة قسرية امضاها في كندا للعلاج.
ويلمس الزائر ان انقرة تقارب هذا الملف بحذر شديد، نظرا الى ان هذه المحكمة هي اولا وقبل كل شيئ، تجربة فريدة على المستوى العالمي، اذ لم يسبق ان انشأ المجتمع الدولي محكمة كي تحاكم قتلة مجهولين لشخصية سياسية معروفة وذائعة الصيت، فيما اقتصرت التجارب السابقة على نوع واحد من المحاكم الدولية لمعاقبة مرتكبي جرائم ابادة جماعية. لذا ان نجاح هذه التجربة بعيدا من اي تسييس يؤهلها كي تعمم نسبيا في عالم ما بات يعرف بعصر نهاية الافلات من العقاب والعدالة، علما انه في السياسة الدولية ثمة اربعة انواع متعارف عليها:
1-المحاكم المنشأة باتفاق دولي: محكمة نورنبرغ ومحكمة طوكيو.
2-المحاكم المنشأة باتفاق تعاون بين الدولة والامم المتحدة: محكمة كمبوديا ومحكمة سيراليون.
3-المحاكم المنشأة بقرار من مجلس الامن: محاكم رواندا ويوغسلافيا السابقة.
4-المحكمة المنشأة باتفاقية روما: المحكمة الجنائية الدولية.
الانعطافات
وينظر المسؤولون الاتراك بإهتمام الى التحولات السياسية اللبنانية، وخصوصا الانعطافة التي سجلها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط على خلفية المحكمة ذات الطابع الدولي تحديدا، وهم يقرأون بتمعّن احتسابه التطورات والتوترات التي يمكن ان تكون المحكمة احد مسبباتها، "من جراء التغيير الذي طرأ على مسار المحكمة وتحول وجهة الاتهام من اتهامات سياسية في حق سوريا الى اتهامات قضائية في حق "حزب الله" يمكن ان تصدر عن المحكمة الدولية وان تعكس أجواء تقرير مجلة "دير شبيغل". ويرون ان هذا القلق سبب رئيس من أسباب الحركة السياسية الوقائية التي يقوم بها جنبلاط تحسبا لمخاطر فعلية يريد ان تظل طائفته في منأى عنها.
وعلى رغم ذلك، هناك اعتقاد اقرب الى اليقين بأن المحاولات التي يقوم بها جنبلاط في عقد لقاءات توفيقية، واستعداد الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري لزيارة سوريا بعد انجاز التشكيل وتخطيه مرحلة العام 2005 بكل مفاعيلها وتداعياتها، لا تلغي واقع ان ارتدادات القرار الظني لن تكون سهلة على لبنان.
تأسيسا على ذلك، تحضّ انقرة على ضرورة الاسراع في ملء الاستحقاقات الدستورية كي تتمكن الدولة بمؤسساتها وشرعياتها السياسية من بدء الاعداد الى مرحلة جديدة على مستوى الامن القومي اللبناني، قد تحمل المزيد من التحديات ومن المس بالاستقرار وبالتوازنات، وهو امر يفترض تصليب الوضع الداخلي وتحصين الوحدة والخروج بسياسة رسمية واضحة وجلية.


ليست هناك تعليقات: