انتقل الى "الهيولى" من دون ان يسقط عقده مع الحريري
جنبلاط او ستّون "روح الفولاذ" وهاجسا فؤاد وكمال!
النسب السياسي مع زعيم المختارة مكلف.. كما الخصام معه
ينشر في "الاسبوع العربي" في 17/8/2009جنبلاط او ستّون "روح الفولاذ" وهاجسا فؤاد وكمال!
النسب السياسي مع زعيم المختارة مكلف.. كما الخصام معه
قدَرُ انسباء وليد جنبلاط وحلفائه (الموقتين) وخصومه (الموقتين ايضا)، ان يدفعوا ثمن موقفه مرتين: مرة لمصادقتهم واخرى لمعاداتهم... تماما كالمثل الشعبي عن المنشار الذي يأكل في "الطالع" ويأكل في "النازل".
تعود الأسرة الجنبلاطية الى أصول كردية، ويُعتقد ان اجدادها قدموا من كردستان إلى لبنان في العهود الأيوبية. تنتسب هذه الأسرة إلى الأمير جان بولارد بن قاسم بك بن احمد بك بن جمال بك بن عرب بك بن مندك الأيوبي الكردي، المنحدر من عشائر الأيوبيين الكرد، وكان يعرف بإبن عربي. وجنبلاط باللغة الكردية هو جان- بولات، ومعنى جان الروح وبولاد الفولاذ، فيكون معنى جان - بولاد الروح الحديدية او الفولاذية.
في الذاكرة التاريخية للاكراد ان الاسرة الجانبلاطية توارثت الحكم من قديم الزمن في كلس، وكان عميد الاسرة الامير حسن نصّبه الصدر الاعظم واليا لحلب. ولما توجه الصدر الاعظم لغزو البلاد الايرانية تحجج بكثير من الحجج والاعذار وامتنع عن الذهاب الى الحرب الايرانية، فحقد عليه الصدر الاعظم واسره في صدره، ولما عاد من ايران بعد هزيمة تبريز ارسل في طلبه وقتله. ولما وصل خبر وفاة الامير حسن الى اخيه الامير علي ذهب الاخير ومعه جيش من الجنبلاطيين الى حلب، فأعلن فيها ثورته على الحكومة العثمانية ثم زحف على طرابلس الشام واستولى عليها وعلى قراها وسكّ النقود بإسمه، وكانت خطب الجوامع تمدحه، وتكوّن لديه جيش كبير مستقل عن الجيش العثماني. وعُرف عن الجانبلاطيين انهم رجال صلب في المعركة لا يخافون ويثأرون للثأر ولا يخافون الموت.
الستون – الهاجس
بلغ وليد جنبلاط، في السابع من آب (اغسطس) الستين العتيّ. ستّون الهواجس والقلق والخوف من محتوم اوقع بجدّه فؤاد والده كمال. الاثنان ماتا قتلا في الستّين. وثمة من يعتقد ان جنبلاط بات يعيش هاجس سن الستين ببلوغه سنّ الاغتيال!
-فؤاد كان قائم مقام منطقة الشوف أيام الحكم العثماني وفي بداية الإنتداب الفرنسي على لبنان. أغتيل في 6 آب (أغسطس) 1921 في وادي عينبال على يدي أحد منافسيه السياسيين، ويُقال على يد احد قطاع الطرق من آل وهاب وهم غير الذين ينتمي إليهم رئيس تيار "التوحيد" وئام وهاب. خلفته في الزعامة الست نظيرة التي أنجبت منه كمال وليندا وبقيت على زعامة العائلة حتى كبر الوريث.
-كمال، زعيم "الحركة الوطنية" في بدايات الحرب وأحد مؤسسي الحزب التقدمي الاشتراكي، ومن الشخصيات اللبنانية المعروفة بدعمها للقضية الفلسطينية، فإغتيل في دير دوريت في 16 آذار (مارس) 1977، وخلفه في زعامته ابنه وليد.
-اما عمّته ليندا المتزوّجة من الأمير حسن الأطرش، فقُتلت، هي الاخرى، في منزلها في بيروت في 27 ايار (مايو) 1976 قبل أقلّ من عام من اغتيال والده.
الكلفة المزدوجة
النسب السياسي مع وليد جنبلاط مكلف، تماما كما الخصام معه. وما ينسحب على خصومه وحلفائه اللبنانيين ينسحب ايضا على الاميركيين ممن خاصمهم جنبلاط ثم صادقهم ليعاديهم مجددا. فبول وولفوفيتش "الجرثومة" الاميركية التي تمنى لها مقتلا في بغداد، وعصر قلبه دما لخبر نجاته وعدم مصرعه في سقوط قذيفة على الفندق الذي كان يشغله في بدايات الحرب الاميركية على العراق، هو نفسه الذي عاد فتبنى عقيدته المحافظة المتشددة، ومن ثم في زياراته الشهيرة للولايات المتحدة الاميركية. فأعيدت اليه الفيزا بعدما حجبت عنه بقرار رئاسي، وصارت محاضراته في معهد واشنطن لسياسة الشرق الادنى، وهو احد الاذرع الفكرية العقائدية للمحافظين الجدد، "وثيقة" اتكأ عليها هؤلاء ليقولوا بنجاح استراتيجياتهم في الشرق الاوسط.
مهّد وليد جنبلاط لانقلابه الجديد منذ اشهر، وأسْمعَ كل حلفائه هذا التمهيد، وعلى رغم ذلك وقع خطاب البوريفاج (يا للرمزية) وقْع الفأس في الرأس. لم يرد احد من هؤلاء التصديق، لو للحظة، ان جنبلاط قد يعود الى دأبه القديم في التنقّل حيثما يستريح وتستريح آمنةً طائفته. هو اصلا لا يجد عيبا في ان السياسة مصالح لا ثوابت، وانه من الغباء الا يقرأ السياسي المعطيات فيحدد موقعه وخطابه في ضوء كل مستجد. قرأ التغيرات الشرق اوسطية الآتية في العام 2001 على متن الدبابة الاميركية، فإتخذ تموضعه الشهير، لا في اليمين بل في اقصى اليمين. وها هو اليوم يعود الى اقصى اليسار باحثا عن حقوق الفلاحين (!). هذا الظاهر، اما في الباطن فثابتة واحدة لا يحيد عنها، وفي ضوئها يُقرأ حصرا وليد جنبلاط: هو يذهب حيثما يجد الامان والسلام والاستمرارية لطائفته الاقلوية، لا اكثر ولا اقل.
ايقظه السابع من ايار (مايو) 2008 على هذه الثابتة. وجد جماعته في خطر التصادم مع الشيعة، وفي خطر الزوال نتيجة أي تصادم بين السنة والشيعة. واتخذ منذ حينها قرار اعادة التموضع تدريجا وصولا الى الثاني من آب (مايو) في خطاب "بوريفاجي" سيثبت في ذاكرة من والاهم ومن خاصمهم.
عام ونيّف احتاجته الانعطافة، وهي انقلاب فعلي، في التدرّج شيئا فشيئا، لأن الالتزامات كثيرة، وخصوصا مع تيار "المستقبل"، والحاجة كانت ملحة الى العودة الى تطبيع العلاقة مع "حزب الله"، ولاحقا مع دمشق، قبل الاقدام على الخطوة – الانقلاب.
اراد رمزية عودته الى اقصى اليسار والى العروبة وفلسطين واسواق الحميدية بمستوى رمزية خروجه الى اقصى اليمين، فوجد في "البوريفاج" ضالته، و"اخترع" لهذا الغرض جمعية استثنائية لحزبه.
الهيولى او الوسطية الجديدة
لكن في المقابل، من الخطأ تبسيط قراءة الانعطافة الجنبلاطية، والتسليم بالاحتفالات التي ذهبت اليها قوى المعارضة ابتهالا بـ "سقوط اكثرية 14 آذار (مارس)". ذلك ان خلط الاوراق الذي اراده هو وبشّر فيه رئيس البرلمان نبيه بري، لا يعني اطلاقا انتقاله من ضفة سياسية الى اخرى متناقضة، بل هو سيبقى، وربما لزمن طويل نسبيا، في المنزلة ما بين المنزلتين، في الهيولى، الى جانب آخرين، وربما مع الرئيس بري، وان في شكل اقل فجاجة، واكثر سلاسة.
من المبكر، لا بل من المبالغ راهنا الحديث عن سحب جنبلاط نوابه الاحد عشر من تحالف قوى الرابع عشر من (آذار)، لا بل من المبالغ الاعتقاد ان هؤلاء جميعا سيكونون في المنزلة ما بين المنزلتين التي حلّ بها جنبلاط، ذلك ان لبعض هؤلاء هواهم السياسي "اليميني" الذي من الصعب الخروج منه، وتاليا من الصعب ان ينجح زعيم المختارة في تكرار واقتباس صورة كتلة "النضال الوطني" التي تزعمها والده عقودا عدة. كما ان نوابه الحزبيين الذين يلتزمون قراراته لا يزيدون عن خمسة بحكم "الطاعة" الحزبية.
بذل الوسطاء المقربون من قريطم والمختارة جهودا مضاعفة في سبيل توضيح بعض ثنايا الخطاب وتداعياته، وخصوصا لجهة موازين القوى الراهنة في حال تكرّس انتقال جنبلاط الى "المنزلة" المستقلة، ما سيفقد الغالبية اكثريتها النيابية الراجحة.
وحمل الوسطاء الكثير من التوضيحات والتفسيرات، تمحور جوهرها حول ان الاكثرية النيابية لا تزال في صف زعيمها الرئيس المكلف سعد الحريري، وانه لا يمكن الهوان في هذا الصدد، وان التعاون سيبقى مستمرا بصرف النظر عن مواقف البوريفاج.
ثابتان
وثمة من المراقبين من يعتقد ان التفاهم العربي الحاصل امكنه تحقيق ثابتين على المستوى اللبناني طوّقا بعض مفاعيل الانعطافة الجنبلاطية الحادة:
-اولهما، تلافي أي موقف لبناني من شأنه إضعاف الموقع التفاوضي لرئيس الحكومة المكلف سعد الحريري مع المعنيين بتشكيل الحكومة الجديدة، والعمل على تثبيت السيادة وتدعيم قيام المؤسسات الدستورية بدورها بعيداً من أي تدخلات خارجية من شأنها التأثير سلبا على حرية اللبنانيين وقرارهم المستقل.
-وثانيهما، الحرص على حماية نتائج الإنتخابات النيابية وإبعادها عن تأثيرات الضغوط والتهديدات التي من شأنها خلط أوراق التحالفات بقوة الأمر الواقع وليس بفعل اللعبة الديمقراطية المستندة الى قناعات الفرقاء السياسيين، وليس الى خوفهم من استهدافات أمنية قد يتعرضون لها على المستويين القيادي والشعبي.
ومهما يكن من امر، فإن المراقبين يعتقدون ان الاصطفافات السياسية والنيابية لم تعد على ما ظهرت عليه في الثامن من حزيران (يونيو) الفائت، ذلك ان التصدّع الذي احدثه كلام جنبلاط في بنيان تحالف قوى الرابع عشر من آذار (مارس) لا يمكن القفز فوقه مهما بلغت الوساطات واشتدّت. كما ان اصطفاف قوى 8 آذار (مارس) لن يبقى على ما هو عليه، وان بلغ التحوّل على هذا المستوى مبلغا اقل حدة مما حصل في تحالف 14 آذار (مارس)، انطلاقا من ان الآتي من المتغيرات الاقليمية سيصيب الجميع من دون استثناء، بحيث لا يدْفع او يدفَّع فريق واحد ثمن هذه المتحولات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق