الثلاثاء، 18 أغسطس 2009

Sphere: Related Content
المساحة المسيحية متنفّس واقعي وضروري وسط وابل الاحتقان
عزل الكتائب ووليدتها: عود على بدء الحرب!
الكتائب والقوات تتنافسان وتستقطبان تحت مظلة ثوابتهما


ينشر في "الاسبوع العربي" في 24/8/2009
منذ خطاب وليد جنبلاط في البوريفاج في الثاني من آب (اغسطس)، والحراك السياسي في ذروة لافتة على مستوى الاحزاب والتيارات، ينذر بمزيد من البهلونيات والانعطافات... وربما الانقلابات. لكن المسرح الرئيس يبقى المساحة المسيحية الحزبية التي هي في حراك دائم، والتي تبقى المتنفس لكل وابل الاحتقان اللبناني والخارجي.
في ذاكرة كثر من المسيحيين، كما المسلمين، وسط جدلية الحكومة العتيدة والانقلابات والانعطافات والاستقراءات، استعادة معركة عزل حزب الكتائب في العام 1975 والتي فتحت الباب أمامه كي يخرج من لدنه رئيسين للجمهورية، موظفا شعار عزله خير توظيف، ليتكئ عليه نهاية السبعينات كي يصبح الحزب المسيحي الاكثر عديدا وتمثيلا وقدرة على الحشد والاستقطاب.
في احد مراجعاته قبل استشهاده بأشهر، يعترف الأمين العام السابق حزب الشيوعي جورج حاوي انه هو من طرح هذا الشعار الذي ادى في حينه الى الالتفاف المسحي حول الحزب الواقف اقصى اليمين، وتاليا الى استعار الحرب وتمددها خمسة عشر عاما عبثية.
قال حاوي في استعادة ذكريات الحرب: "الرد على الاستفزاز (العسكري والامني الكتائبي) كان يجب أن يكون رداً سياسياً (عبر) عزل حزب الكتائب من الحكومة. كان حزب الكتائب مشاركا في الحكومة، وانا طرحت شعارا سياسيا لمعالجة استفزاز أمني عسكري، ولكن لسنا دائماً أصحاب القرار في تطور الصراع، أخذ بشعار عزل الكتائب، وصدر بيان عن المجتمعين (الاحزاب الوطنية) بقيادة كمال جنبلاط مطالبا بعزل حزب الكتائب ومحاكمته، مستنكرا الاستفزاز، وعدم وجود سلطة تستطيع أن تعالج الوضع مباشرة.. فـ "فَلِتَ الملأ" في الشارع (...) واشتعلت الأحداث عسكرياً بدلاً من أن تأخذ منحى صراع سياسي، فاستخدم شعار عزل الكتائب سياسياً إلى شعار تغطية للحرب الأهلية".
تُستمد هذه الاستعارة التاريخية، من تلمّس بعض الشارع المسيحي وجود رغبة في استعادة هذا العزل، انما في حق "القوات اللبنانية، وليدة حزب الكتائب، وتلك التي وظّفت شعار العزل لـ "تلتهم" الوجدان المسيحي نهاية السبعينات، فستقيم على العرش المسيحي بتوحيد البندقية والسياسة والاقتصاد وكل نواحي حياة البيروتيين الشرقيين.
اول المستعيدين
كان وليد جنبلاط اول المستعيدين لهذه الواقعة التاريخية، قبل خطاب البوريفاج بأشهر، وذريعته الامتعاض من "عودة نغمة الانعزالية" في خطابي الكتائب و"القوات اللبنانية"، هذه العودة التي "صادفها" جنبلاط اثناء حضوره احد الاحتفالات الكتائبية الحزبية، والذي تخلله عرض لفيلم وثاقي رأى فيه تعرّضا لذكرى الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر.
وانطلقت في ضوء هذه التحفظات الجنبلاطية، شخصيات في المعارضة لتروّج الى عزل سياسي للحزبين، او لاحدهما من خلا استمالة الثاني، على طريقة جورج حاوي، انما من منطلقات مختلفة ترتكز على ادوات وخطاب مستحدث، صلبها المسألة الفلسطينية والعروبة!
في حينه، قال نائب رئيس الهيئة التنفيذية في "القوات اللبنانية" جورج عدوان ان القوات ملتزمة القضية الفلسطينية وتعتبر اسرائيل دولة عدوة ،مشيراً الى ان هناك من يريد عزل القوات وخصوصا بعد التحركات الجديد في اتجاه سوريا.
وعلّق المستشار السياسي لرئيس حزب الكتائب، سجعان القزي، بأن جنبلاط "لم يعلن في البوريفاج إنسحابه من 14 آذار (مارس)، بل أعلن عن رغبته في سحب الكتائب والقوات اللبنانية من هذا التجمع تحت ستار اليمين واليسار"، محذراً إياه من "العودة الى إتجاه عزل الكتائب فيما هو نفسه معزول اليوم وستدخله مواقفه المتناقضة قريبا جدا مرحلة افول سياسي". وابدى أسفه لأن تكون الجنبلاطية "لا تطيق التعامل مع المسيحيين الأقوياء، لا على صعيد رئاسة الجمهورية او قيادة الجيش او كرسي بكركي او الأحزاب المسيحية إلا اذا اضطرت بداعي الخشية او بناء على نصيحة خارجية". وأكد ان "الأحزاب المسيحية مصممة على تعزيز إنتشارها في الجبل، وان الضمانة الأساسية للوجود الدرزي في الشوف وعاليه هو الحضور المسيحي الحر، ولا داعي لوليد جنبلاط ان يتعالى على المسيحيين بالعودة الى الجبل وهو الاحوج اليهم".
اذن، هو الجبل مسرح الثنائية المسيحية - الدرزية والتي تختصر حينا بثنائية كمال وكميل، ومساحة كل المواجهات، منذ القائمقاميتين فالمتصرفية، ثم لبنان الكبير وصولا الى الحرب فالسلم الضائع.
كبش محرقة من جديد
في اعتقاد اهل القوات اللبنانية، انها ليست المرة الاولى التي يهوّل فيها على الكتائب ووليدتها بجعلها كبش محرقة نتيجة التغيرات السياسية الدراماتيكية الراهنة. ويتحدثون عن "التهويل الكبير الذي يمارس تحديدا على "القوات اللبنانية" التي تشكل راهنا قوة الرفض الأساسية في قوى الرابع عشر من آذار (مارس) لعدم عودة السيطرة من جديد على القرار السياسي الحر"، في اشارة الى الاتهامات التي وجّهها رئيس تيار "التوحيد" وئام وهاب عن انشاء القوات خلايا امنية.
ويقولون: "ثمة محاولة لتضليل الرأي العام اللبناني، ومحاولة لعزل "القوات اللبنانية" تمهيدا لإضعاف الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري وفرض الشروط عليه لكن هذا الامر لن يمر ولن يحصل لأن تضامننا لا غبار عليه ونحن نعي تماما ما يحصل. لم يتمكنوا من أخذنا بالجملة ولن يتمكنوا من أخذنا بالمفرق".
ويعتبر اهل القوات ان سياسة عزلها لن تؤدي إلى نتيجة لأنها باتت محصّنة في الاعوام الفائتة بالقوى الوطنية عموما، وبمجتمعها المسيحي خصوصا، وهي أصبحت منصهرة في النسيج اللبناني، وتاليا لم تعد معزولة، لا محلياً ولا عربياً ولا دولياً، كما أن قيادتها اعادت صوغ خطاب سياسي – حزبي متماسك اكسبها موظئ قدم في اكثر من عاصمة عربية وغربية، وهو الامر الذي لم يكن متوافرا عندم غدر بالقوات في بداية التسعينات، يوم دُفّعت ثمن موقفها المتمسك بالمؤسسية وبثوابت دولة اتفاق الطائف.
الفصل بين التوأم
ويشتبه اهل القوت اللبنانية بمحاولة للفصل بين الحزبين - التوأمين اللذين يشكلان راهنا القوة المسيحية الثانية في مواجهة "التيار الوطني الحر"، من خلال الايحاء بأن حزب الكتائب مستعد للخروج من تحالف الرابع عشر من آذار (مارس) الى حال وسطية نسيبة لحال الهيولى التي ينزل فيها راهنا ولد جنبلاط. ويقول هؤلاء: يسرّب، لهذا الغرض، ان الرئيس امين الجميل التقى مبعوثين سوريين وهو في طور استعادة علاقته بالقيادة في دمشق، وان ثمن هذه الاستعادة لا بد ان يكون قريبا من الثمن الذي دفعه جنبلاط، اي الانفصال عن تحالف الرابع عشر من آذار (مارس). في حين ان حقيقة الامر مغايرة لكل هذا التسريب، فالكتائب باقية في صلب ثورة الارز ومبادئها، وان تمايزت في مقاربة التغيرات الحاصلة لبنانيا وخارجيا.
ويستبعد اهل القوات ان يزور الرئيس الجميل دمشق لاسباب تنافسية في الوسط المسيحي مع الدكتور سمير جعجع، ذلك ان الرجلين يقرآن في كتاب واحد، والاثنان يدركان حجم المخاطر والتحديات التي تنتظر المسيحيين، وهما لا يمكنان ان يضيعا البوصلة في ما خص المصلحة العليا للمسيحيين في البقاء متعاضدين ومتضامنين، تحت مظلة التنافس الحزبي. وهما استطاعا التكيّف مع متطلبات هذا التنافس، بما فيها القدرة على الاستقطاب من ضمن الثوابت التي اختطاها منذ العام 2005، وهي تقوم على ان التنافس حيوي للحزبين ولقواعدهما على حد سواء، وهو عامل رئيس في عوامل الانتشار والاستقطاب.
من متعددة الى ثنائية
وكانت سرت في بعض الاوساط ان ثمة خطة عمل لدى المعارضة للمرحلة المقبلة تركّز على انهاء هذا التحالف وتحويله حلفا ثنائيا لا أكثر، يضم من تيار "المستقبل"، ومن جانب آخر "القوات اللبنانية".
وتنطلق المعارضة في تصورها هذا من أن القوى الاقليمية والدولية التي رعت حركة 14 آذار (مارس) لم تعد تحتاج اليها بعدما أدت اغراضها. وقد أدرك جنبلاط ذلك، فغادرها على عجل. وهناك شخصيات وقوى اخرى ستتبعه على الطريق الى دمشق.
وتضيف الرواية ان الرئيس الجميل ليس بعيدا من خيار الابتعاد، بدليل حركة الرسائل الناشطة من خلال الوزير السابق وئام وهاب وغيره من الشخصيات. كما ان الحزب ابتعد منذ فترة عن حضور اجتماعات الامانة العامة لقوى الرابع عشر من آذار (مارس)، في حين يتمايز سامي الجميل في مقاربته العلاقة مع مسيحيي المعارضة، مما انتج ورقة سياسية مشتركة مع تيار "المردة"، ولقاءات على مستويات قيادية مع "التيار الوطني الحر". كما يلقى خطاب الجميل الابن قبولا حتى في اوساط عتات المعارضين.


ليست هناك تعليقات: