الأحد، 26 يوليو 2009

Sphere: Related Content
واشنطن تغيّب بيروت عن مساراتها السلمية الثلاثة
الريبة تقضّ اللبنانيين من الحكومة الى اروقة نيويورك
قصور ديبلوماسي في مواكبة الحراك الدولي والتحديات التي تواجه لبنان

ينشر في "الاسبوع العربي" في 3/8/2009
الابيض الذي يريده رئيس مجلس النواب نبيه بري على اسود الحكومة، لا يزال رماديا. وكل التركيبات الهندسية تنتظر "الصيغة الخلاقة" التي قال بها نائب الامين العام لـ "حزب الله" الشيخ نعيم قاسم والتي تريدها المعارضة نسخة طبق الاصل عن الثلث المعطل او الضامن انما بصيغة مكتومة. وبين الاخذ والرد السياسي والحكومي، يستمر الجنوب في لبّ التداول المحلي، ومشهدا مستعادا في كواليس مجلس الامن في الذكرى الثالثة لحرب تموز (يوليو) 2006.
خرقت التطورات في الجنوب جدار الجمود الحكومي بعد مضي ما يقارب الشهر على بدء الرئيس المكلف سعد الحريري مشاوراته بغية تشكيل الحكومة. واعادت الاحداث جنوبا الى الواجهة علاقة لبنان بالامم المتحدة والتزامه القرار 1701 عبر العلاقة مع قوات "اليونيفل" ومدى تطبيق هذا القرار الذي انتهت بموجبه حرب تموز (يوليو) 2006 والذي ترعى بنوده علاقة الجيش اللبناني بـ"اليونيفل" بعد انتشاره جنوب الليطاني، وتعزيز هذه القوات لحفظ الهدوء عند الحدود مع اسرائيل.
وفي ظل هذه التطورات، يعيش لبنان راهنا على وقع مجموعة من التناقضات لا تبعث على الارتياح لا لدى المراقبين ولا لدى اهل البلد. ذلك ان هذه التناقضات المحلية والدولية تثير الريبة وتخفي في الاكمة ما قد لا يحمل نسيما يسهم في تبريد المناخ المشدود سياسيا وامنيا ودوليا (على خلفية حادثة بلدة خربة السلم بين الاهالي والكتيبة الفرنسية العاملة في اطار القوة الدولية المعززة في الجنوب).
هواجس
1-في السياسة، تتقاذف الحكومة العتيدة انواء:
-فتارة، تسري الايجابية في عروق الحكومة الموعودة ان تكون للوحدة الوطنية، ويتسرّب عدد من الصيغ والتركيبات الهندسية - الرقمية، لكنها ما تلبث ان تعود الامور الى الكتمان الذي يعتصم به الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري،
-وطورا، يعود البحث الحكومي الى نقطة الانطلاق، مع جزم مسؤولين في الموالاة والمعارضة ان لا تقدم فعليا قد تحقق، وان الامر منوط لا بل مرتبط كليا بالتفاهمات العربية المعلقة راهنا، وان هذا البحث الحكومي قد يطول الى عيد الفطر في ايلول (سبتمبر) المقبل، وان حكومة تصريف الاعمال التي يرأسها فؤاد السنيورة ستبقى حاضرة لملء بعض الفراغ الحكومي الى حين اتمام التفاهمات العربية، واستطرادا التشكيلة الحكومية اللبنانية.
2- في الامن، يتوالى انتشار مسلسل السرقات في مختلف المناطق، في ما يشبه عملا مافيويا منظما يطال اللبنانيين والسياح، كأن ثمة استهدافا مقصودا ومخططا له لموسم السياحة، الواعد هذه السنة.
وكان آخر ما سُجل في الملف الامني تطور خطر تمثّل بإعادة تحريك مشبوه لـ "جبهة" باب التبانة – بعل محسن في طرابلس، اثر حوادث مفتعلة بدأت بتفجير قنابل يدوية في التبانة وانتهت برمي قنابل من نوع "اينرغا" على بعل محسن.
اختلاف في تقويم "اليونيفيل"
3-في الحراك الديبلوماسي الدولي، يبرز اختلاف نظرة اللبنانيين الى دور قوات "اليونيفيل" ومهامها، بعد تعزيز انتشارها جنوب الليطاني بعد حرب تموز (يوليو) 2006، يصف البعض هذا التفاوت بالالتباس الذي يعود –وفق ما يراه قسم من اللبنانيين- الى أن هذه القوة الدولية المعززة بما أعطيت من مهام تتكامل مع مهام الجيش اللبناني في حفظ الامن ومنع توترات قد تنتج حربا جديدة، وتاليا إنها مخولة القيام بمهام يقوم بها الجيش. ويختلف فريق آخر مع هذا الرأي، منطلقا من ان القوة الدولية في الجنوب تقوم بمهمة "فصل" و"مراقبة" بموجب القرار 1701 الذي صدر عن مجلس الأمن الدولي في آب (اغسطس) 2006 وقضى بوقف الأعمال الحربية مع دولة خارجية ومعادية ولم ينه حال الحرب التي اندلعت في حينه، ودورها هو مؤازرة الجيش اللبناني لحفظ الامن والاستقرار وليس المبادرة بمفردها الى اي عمل فردي في حق "حزب الله" او الاهالي في الجنوب.
تفاعلات خربة سلم
انطلاقا ممّا سبق، يبقى التطور الاخطر موضع المتابعة هو تفاعلات حادثة خربة سلم، التي صارت ذا بعد دولي في اروقة الامم المتحدة في نيويورك، وتحوّلت مادة دسمة، اثر السلسلة التفاعلية التي اطلقها انفجار مخزن للذخيرة في اطراف البلدة الجنوبية الواقعة جنوب الليطاني، والتي تعتبرها القوة الدولية المعززة منطقة لعملياتها وتفترض ان السلاح فيها هو حصرا بإمرة الجيش اللبناني.
ويرى المراقبون ان التعاطي الدولي مع الحادثة نحا في اتجاهين معاكسين:
-دوليا، ثمة اجماع في كواليس الامم المتحدة على تحميل "حزب الله" مسؤولية ما حصل من اشكال بين الكتيبة الفرنسية العاملة في القوة الدولية المعززة وبين اهالي بلدة خربة سلم، على خلفية محاولة مداهمة احد المنازل بعدما رصدت القوة الدولية حركة "مشبوهة" في محيطه ربطتها بإنفجار مخزن الذخيرة والاسلحة.
وذهبت المداولات الى تحميل "حزب الله" مسألة خرق القرار الدولي 1701، في حين ان الحزب يعتبر ان الامم المتحدة تنظر الى ما يحصل جنوبا بعين عوراء، بمعنى انها تثير هذه القضية في حين انها تتغاضى عن اكثر من 4000 خرق اسرائيلي للسيادة اللبنانية منذ صدور هذا القرار الدولي.
ومن المتوقع ان تستمر المداولات والمشاورات في كواليس الامم المتحدة في نيويورك حتى انتصاف آب (اغسطس) موعد بت التجديد 6 اشهر لـ "اليونيفيل"، والذي يريده لبنان من دون اي تعديل في هذا القرار، في حين تسعى اسرائيل الى توظيف ما حصل لطرح مسألة تعديل قواعد الاشتباك والعودة الى المسوّدة الاولى للقرار 1701 التي تراها تل ابيب اكثر تناسبا مع مصالحها.
ويتابع المسؤولون اللبنانيون المداولات في نيويورك، نظرا الى تأثيرها على مضمون التمديد (المفترض ان يكون روتينيا) لمهمة "اليونيفيل". كما يتابعون الموقف الفرنسي خصوصا ان باريس هي عادة من يضع نص قرار التمديد.
-اما محليا فتحاول قيادة القوة الدولية المعززة "اليونيفيل" مع الاهالي معالجة آثار ما وقع وبأقل الخسائر. وترمي المساعي الى استكمال الخطوات اللازمة لاعادة الامور الى ما كانت عليه من خلال جولات ميدانية للقوة الدولية ولقاءات توضيحية مع الاهالي.
وسبقت هذه التطورات الميدانية، زيارات قام بها مبعوث الامين العام للامم المتحدة في لبنان مايكل وليامز، وكذلك سفراء الدول المعنية بالقوة الدولية المعززة ولا سيما سفراء فرنسا وايطاليا واسبانيا. وجميع هؤلاء حرصوا على الالتقاء بمسؤولين في "حزب الله" لتوضيح الصورة ومنع تمدد سوء التفاهم.
تنافس على السلام يغيّب لبنان!
وبالتزامن مع التطورات المستجدة جنوبا والتهديدات الإسرائيلية الأخيرة للبنان، وفي ظل التداعيات التي أحدثتها لاءات رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ورفضه الطلب الأميركي بتجميد الإستيطان ومشروع الدولتين ورفضه القاطع لتقسيم القدس، بدا واضحاً أن واشنطن توجّه مساعيها في إتجاه تحريك المفاوضات على المسارات الثلاثة الإسرائيلية والفلسطينية والسورية، مع الجولة التي قام بها المبعوث الأميركي الخاص الى الشرق الأوسط جورج ميتشل لإحياء المفاوضات بدءاً بالمسار السوري الإسرائيلي.
وتزامن هذا السعي الأميركي مع زيارة رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان لسوريا، في سياق إستئناف أنقره مساعيها على خط المفاوضات السورية - الإسرائيلية التي توقفت بسبب الحرب على غزة، مع امكان تلمّس بوادر سباق أميركي - تركي على المسار السوري، لا سيما بعدما سُجل الدخول الأميركي على هذا المسار اثر ابداء تل أبيب إنزعاجها من الدور التركي.
وفي هذا السياق زخّمت واشنطن وتيرة حركة قوافلها من المسؤولين الكبار الى تل ابيب، كوزير الدفاع روبرت غيتس ومستشار الأمن القومي الجنرال جيم جونز والمبعوث الخاص لشؤون الخليج وجنوب غرب آسيا دينيس روس والمبعوث الرئاسي جورج ميتشل ومساعده فريد هوف، للبحث في موضوع السلام في المنطقة في ضوء الهواجس الإسرائيلية حيال الملف النووي الإيراني، وتحت لافتة مشروع أوباما للسلام وتحريك المفاوضات على المسارات الثلاثة.
ويتوقف المراقبون عند تغييب اميركي لافت للمسار التفاوضي اللبناني، بعدما غاب ميتشل عن بيروت على رغم تعويل المسؤولين على زيارة مماثلة لكي يُسمعوا المسؤول الاميركي الهواجس اللبنانية من مجمل التسوية وخصوصا في ما يرتبط بالقرار 194 الصادر عن مجلس الامن الدولي في 11 كانون الاول (ديسمبر) 1948، وضرورة ان يكون حل مشكلة اللاجئين في صلب التفاهمات السلمية.
ويبدي المراقبون استغرابا للقصور الديبلوماسي اللبناني حيال متابعة تطورات احياء التسوية السلمية، خصوصا ان بند اللاجئين الفلسطينيين، وللتقصير في مقاربة او مواكبة هذه الدينامية على مستوى المسارات الثلاثة، وهي دينامية جدية يريدها اوباما مدخلا الى تحقيق بعض من "التغيير" الذي كان سمة حملته الانتخابية وشعاره للوصول الى البيت الابيض.
ويرى المراقبون ان على الديبلوماسية اللبنانية نفض الغبار والابتعاد عن الترهل وبدء حملة ديبلوماسية فاعلة في عواصم القرار وخصوصا في واشنطن ونيويورك، وايضا في انقرة، لشرح وجهة النظر اللبنانية، وتجنيب لبنان ان يدفع ثمن او احد اثمان التسوية على باقي المسارات الثلاثة.

ليست هناك تعليقات: