الأحد، 15 مارس 2009

Sphere: Related Content
بين الولادة القيصرية وصواعق التفجير .. المحكمة ابصرت
لبنان في لاهاي... و"حلم العدالة" واقعا؟
تعديلات شكلية على مذكرة التفاهم "لصون الحريات والخصوصيات" ولا تعطيل

الاسبوع العربي 16/3/2009
دقّت ساعة الصفر في لبنان في الاول من آذار (مارس)، واتجهت الانظار شاخصة الى هولندا حيث انطلقت المحكمة الدولية من مدينة لايدشندام الواقعة في ضواحي لاهاي، في احتفال رسمي حضره نحو 50 دبلوماسياً وأكثر 130 صحافياً عربياً، واعلن فيه مدعي عام المحكمة القاضي دانيال بلمار بدء المسار القضائي في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري. اذن، منتصف ليل السبت – الاحد 28 شباط (فبراير) – 1 آذار (مارس) ، رُفعت يدّ القضاء اللبناني وسار قطار المحكمة الدولية، بعد أربعة اعوام من تحقيق لم ينته بعد. وينتظر اللبنانيون أسماء القضاة الـ11 المعينين في المحكمة الذين سيرأسونها ويتولون إصدار القرارات بالإجماع، ومن بينهم أربعة قضاة لبنانيون لا تزال اسماؤهم غير معلنة لأسباب أمنية.
اغتيال الحريري كان زلزالا غيّر مجرى الاحداث بالنسبة الى وطن كان منسيا في غياهب الصفقات والتسويات الدولية والاقليمية. وربما لم يتوقع مرتكبو الجريمة ان يتفاعل انفجار السان جورج ليصبح "قضية المجتمع الدولي"، شغلته لاربعة اعوام ولا تزال، لتحقيق "عدالة" تأرجحت المواقف بين نزاهتها وتسييسها.
ولادة المحكمة جاءت قيصرية، فمنذما لاحت في الافق بشائر قيامها، واجهت عقبات جمة داخليا وخارجيا، الا انّ الارادة الدولية امتلكت الكلمة الفصل لتسير في انشاء محكمة "لانصاف الحقيقة والعدالة"، على ما يعتبر افرقاء كثر. تعذّر قيام المحكمة في العام 2006، لتعذّر موافقة رئيس الجمهورية آنذاك ولاقفال المجلس النيابي نتيجة الازمة السياسية التي عصفت بالبلاد، فأتت المحكمة بقرار من الامم المتحدة تحت الفصل السابع وليس وفق الاصول الدستورية اللبنانية، القرار حمل الرقم 1757 وجاء ملزما الزاما تاما للبنان.
قاضية لبنانية نائبة لبلمار؟
وفي وقت عانى لبنان اقسى الفترات السياسية والامنية منذ الـ2005 الى منتصف الـ2008 بسبب قيام المحكمة على ما يعتبر البعض، باتت الرغبة حقيقة ملموسة مع انطلاق المحكمة وباتت الاوساط المعنية تترقب تعيين الحكومة اللبنانية نائبا للمدعي العام الدولي من بين ثلاثة اسماء مرشحة، وفي هذا السياق علم انّ نائب المدعي العام في المحكمة هو قاضية لبنانية، رشحها بلمار شخصيا وطلب تسميتها مساعدة له نظرا الى خبرتها في ملف التحقيق في اغتيال الحريري خصوصا انها تشغل منصب المنسق بين القضاءين الدولي واللبناني. وذكرت بعض المعلومات ان قرار التعيين سيصدر عن الحكومة اللبنانية في النصف الثاني من آذار (مارس).
الى ذلك، وتحضيرا لانتقال كل الملف الى الامم المتحدة في اجراءات روتينية ضرورية تتطلب بعض الوقت ترفع يد القضاء اللبناني كليا عن القضية بعد انقضاء شهرين من الاول من آذار (مارس) حيث تعلن المرجعيات القضائية اللبنانية عدم صلاحيتها وتحيل كل الملفات مع الموقوفين الى المحكمة الدولية ومن بينهم بالطبع، الضباط الاربعة الموقوفين منذ ثلاثة اعوام ونيف، في وقت تشكّل قضيتهم محورا اساسيا مع اقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي وما قد يؤدي اليه قرار اطلاق سراحهم او الابقاء عليهم في السجن من ردود فعل لدى الرأي العام قد تترجم في صناديق الاقتراع، بعدما باتت قضيتهم مادة سياسية دسمة للتجاذب.
سيناريو قد يكون مشابها
وفيما بعض الامور راهنا تعود بذاكرة بعض المراقبين الى الوراء، شكّلت الاعتراضات التي اثارها وزراء المعارضة خصوصا وزير العمل محمد فنيش، ممثّل "حزب الله" في الحكومة حول مذكرة التفاهم بين الحكومة اللبنانية ومكتب النائب العام لدى المحكمة الدولية عاملا لاستذكار اعتراضات الوزراء الشيعة الخمسة على مشروع قيام المحكمة الدولية مع الامم المتحدة ما شكل في ذلك الوقت بداية لازمة سياسية مستعصية واعتصامات وتحركات في الشارع تجاوز بعضها المحظور. واسقاطا على الواقع الحالي، يتخوف هولاء من ان تكون الاعتراضات على مذكرة التفاهم مع مكتب النائب العام مشابهة للاعتراضات على قرار انشاء المحكمة منذ ما يقارب الثلاثة اعوام، ما قد يؤدي الى ازمة حكم جديدة خصوصا في ظل التهدئة السياسية الهشّة، لكنهم يستدركون بالقول بانّ المحكمة في الوقت الراهن اصبحت واقعا دوليا لا يمكن التراجع عنه ويعودون الى التفاؤل بالنظر الى الهدنة السياسية التي فرضها اتفاق الدوحة وعدم السماح بتعطيل عمل الحكومة بالانسحاب او الاعتكاف عن حضور الجلسات.
البند الثالث...تعديل شكلي
وفيما اثيرت الضجة حول خبر اعتراض وزراء المعارضة على المذكرة لا سيما بعد ان وصفها وزير منهم بالصاعق التفجيري، يبقى البند الثالث منها محور التحفّظ لانه يشير الى "ان السلطات اللبنانية ذات الصلة تضمن ان يكون مكتب النائب العام في المحكمة الخاصة حراً من اي تدخلات خلال قيامه بتحقيقاته في لبنان وان يتم تقديم كل المساعدة الضرورية له من اجل تحقيق تفويضه، وذلك يشمل:
-تقديم كل الوثائق والافادات والمعلومات العادية والادلة التي هي بحوزة السلطات اللبنانية.
-الصلاحية لجمع اي معلومات وأدلة إضافية: حسية وتوثيقية.
-حرية الحركة في كل انحاء الاراضي اللبنانية.
-امكان وصول غير مقيد الى كل الاماكن والمؤسسات.
-حرية الاجتماع بممثلين للسلطات الحكومية والمحلية وحرية استجوابهم، بالاضافة الى ممثلين لاحزاب سياسية، سلطات عسكرية، زعماء الجماعات، منظمات غير حكومية ومؤسسات اخرى، واي شخص يمكن ان يسعى مكتب النائب العام في المحكمة الخاصة من اجل لبنان للحصول على افادته في التحقيق في بيئة من الامان، السرية والهدوء".
وفي هذا السياق يعتبر وزراء المعارضة ان النقاط الواردة في البند الثالث من مشروع المذكرة تحتاج الى نقاش من أجل وضع ضوابط لها، لتأتي ضمن حدود تحمي الحريات وتحفظ خصوصيات المقامات السياسية او الدينية، وتحفظ السيادة ومبادئها.
ويقول مصدر واسع الاطلاع ان وزراء المعارضة سيتقدمون بملاحظاتهم على نص المذكرة، وسيطلبون بعض التعديلات في الشكل وليس في المضمون، لضمان الحفاظ على الغرض الذي من اجله انشئ التحقيق الدولي، ولصد اي فجوة قانونية او قضائية قد يتسلل البعض عبرها لتنفيذ مخططات سياسية – عقابية في حق شريحة واسعة من اللبنانيين انتهجت نهجا مضادا وممانعا لهذه الدول.
ويضيف: انّ قوى المعارضة لا ترى أن هذه الملاحظات تؤدي إلى خلاف تنقسم معه الحكومة على نفسها على غرار الخلاف الذي اندلع عند مناقشة موضوع إنشاء المحكمة وأدى إلى المقاطعة ومن ثم الدخول في أزمة سياسية استمرت عاما ونيفا، ما دام هناك حرص من كل الأطراف على تسهيل عمل المحكمة وصولاً إلى إظهار الحقيقة.
مذكرة ملزمة
وفيما اجمعت الآراء القانونية على الزامية مذكرة التفاهم مع المحكمة لانشاء مكتب لها في بيروت يحظى بحرية الحركة، يفنّد خبير قانوني قريب من قوى الرابع عشر من آذار (مارس) اسباب الزامية المذكرة بالنسبة الى الحكومة اللبنانية، ويقول: الحكومة اللبنانية لا يمكنها رفض هذه المذكرة، لانها واردة في نص المعاهدة لانشاء المحكمة تحت الفصل السابع وهي بالتالي ملزمة للبنان، لافتا الى انه بالامكان تعديلها "بالتفاهم بين الفريقين" اي بين الحكومة والامم المتحدة. ويؤكد انه عند انقضاء مهلة الشهرين، التي ينتقل في خلالها كل الملف الى المحكمة، يصبح مكتب المحكمة في بيروت المولج بمتابعة القضية في لبنان.
ويضيف الخبير القانوني: "علينا الا ننسى انّ المحكمة الدولية انشئت بموجب الفصل السابع بمعنى انها ملزمة لكل الدول، كما علينا الا ننسى ايضا انّه عندما كانت الدولة اللبنانية في صدد التحضير للمعاهدة بين لبنان والامم المتحدة وعندما جرت المفاوضات رفض رئيس الجمهورية آنذاك العماد اميل لحود ابرام المعاهدة وفق الدستور كما اقفل المجلس النيابي ولم تبرم المعاهدة وفق الاصول الدستورية اللبنانية. لذلك صدر القرار 1757 لانشاء المحكمة الدولية تحت الفصل السابع لتجاوز العقبات اللبنانية التي حالت دون ابرام معاهدة بين الدولة اللبنانية والامم المتحدة. فبات نظام المحكمة خاضعا للفصل السابع ومندرجا في اطار القرار 1757 وليس في اطار الاصول الدستورية اللبنانية، وذلك ليكون ملزما للبنان".
ويتابع: انطلاقا من هذه الحقائق، وجب ان يكون للمحكمة مكتب في لبنان لمتابعة التحقيقات فيه. وهذا المكتب يجب ان يقام بموجب تفاهم مع الدولة اللبنانية من هنا ضرورة توقيع مذكرة التفاهم التي تهدف الى ارساء اسس التعاون بين المحكمة والسلطات اللبنانية من خلال مكتب المحكمة الذي سيقام في لبنان لمتابعة التحقيقات.
ويعيد الخبير سبب اعطاء المكتب كل الحرية والصلاحيات الى حاجة القاضي دانيال بلمار الى استكمال ملفه بشكل دقيق والتحقق من الادلة التي بحوزته ليقدّم بعد فترة من الزمن ادلة دقيقة وقاطعة ومقنعة تحقيقا للعدالة.
ويؤكد انّ هدف مذكرة التفاهم بين الحكومة ومكتب النائب العام هو للسماح بحرية الحركة وجمع المعلومات والوصول الى الاماكن والتحقيق مع اي شخص. اذ انّ التفاهم او المعاهدة تحت الفصل السابع بين الحكومة اللبنانية والامم المتحدة ينصّ على ضرورة وجود "مكتب صلة" للمحكمة في بيروت. اذا ان هذه المذكرة منصوص عليها في المعاهدة ومن هنا فهي ملزمة للدولة اللبنانية.
واذ يشدّد على انّ الحكومة لا يمكنها رفض هذه المذكرة، يلفت الى انه في الامكان تعديلها "بالتفاهم بين الفريقين" اي بين الحكومة والامم المتحدة.
ويشير، في سياق شرحه، الى مدة الشهرين لكي يعلن القضاء اللبناني عدم صلاحيته في القضية واستلام المحكمة الدولية نهائيا الملف، عندها يصبح مكتب المحكمة في لبنان مولج متابعة التحقيقات بصفته ممثلا عن المحكمة الدولية في بيروت مع كل المراجع المختصة والمعنية وفق مذكرة التفاهم مع الدولة اللبنانية. وعندها ايضا تضطلع الحكومة بدور المتابع والمواكب للقضية مع المحكمة الدولية وفق هذا التفاهم ايضا.

ليست هناك تعليقات: