الأحد، 22 مارس 2009

Sphere: Related Content
خليط تناغم وتباين فرنسي- اميركي يضعه في قلب التغييرات في الاقليم
لبنان يسعى الى ما ينفي تكرار صفقتي كيسنجر وبيكر
آلية دولية جديدة مع سوريا لتكريس استقلال لبنان

ينشر في الاسبوع العربي في 30/3/2009
تتعدد الرؤى الدولية الى لبنان في مرحلة سياسية شبه انتقالية يعيشها العالم عموما ومنطقة الشرق الاوسط خصوصا. وفي ظل كل المتغيرات الايجابية والسلبية التي عصفت بـ"بلاد الارز" في الفترة الاخيرة، تبقى بيروت محطة عربية مهمة لكل المبعوثين والموفدين الى الحوض الشرقي للمتوسط للبحث في سبل دفع عملية السلام وتفعيل العمل على الصعد الديبلوماسية تحقيقا لهذا الهدف. وتزامنا مع هذه الحركة السياسية، اميركية او فرنسية او روسية، يتحرك لبنان، بشخص الرئيس العماد ميشال سليمان، على المسرح الدولي مستعيدا ايضا دورا افتقده اعواما، وربما عقودا.
تُعتبر، راهنا، الولايات المتحدة الاميركية- باراك اوباما وفرنسا- نيكولا ساركوزي، الدولتين المحركتين لتطور الاوضاع في العالم العربي. فبعد المغامرة الفرنسية بفكّ الحصار والعزلة الدولية عن سوريا واستئناف الحوار واعادة تطبيع العلاقات معها، بابا اراده الرئيس الفرنسي للولوج الى الحلول المرجوة لمشاكل المنطقة العربية وفي اولويتها الملف اللبناني حيث لسوريا يد طولى في الحلحلة او العرقلة، باتت الحركة الدولية في اتجاه سوريا في منحى تصاعدي بحيث تشجعت الادارة الاميركية الجديدة على خوض تجربة الحوار بدل العزلة والعقوبات. وبما انّ لبنان محور اساس في اي حوار غربي مع سوريا، اقله حسب ما يقال ويتردد في العلن، فهو يبقى المتأثر الاول بحال "الجار" مع المجتمع الدولي.
في خطوات متتالية ومتناسقة، يعكف الرئيس سليمان على استرجاع لبنان مكانته على المسرح الدولي بالتوازي مع المتغيرات السياسية التي تشهدها المنطقة العربية، وهذا الامر برأي الكثير من المراقبين يصلّب كيانية لبنان ونهائيته وطنا سيدا مستقلا ويقويّ مركزه وموقعه في اي تسوية او صفقة منتظرة او مرتبة، ويعيش اللبنانون هاجس ان تأتي على حسابهم تكرارا لصفقتي العام 1973 (اثر الحرب العربية – الاسرائيلية - مكوكية هنري كيسنجر) والعام 1990 (مكافأة سوريا ثمنا لمشاركتها الرمزية في الائتلاف الدولي لتحرير الكويت – نظرية جيمس بيكر).
في هذا الاطار، برزت زيارة الدولة لرئيس الجمهورية الى العاصمة الفرنسية التي اكدت "دعم فرنسا القوي للرئيس التوافقي ولمواقفه ولكل ما يقوم به من اجل حماية استقرار لبنان وامنه واستقلاله وتشجيع الافرقاء على معالجة مشاكلهم عبر الحوار"، وهذا ما تشارك الولايات المتحدة فرنسا به، بحسب ديبلوماسي غربي بارز، "فهي تدعم سليمان لانه رئيس استقلالي المواقف، منفتح على العالم العربي والمجتمع الدولي، ويعمل على توجيه مسار الاوضاع في لبنان بحكمة وواقعية".
مرحلة تقاطع
الى ذلك يكشف تقرير ديبلوماسي غربي ان لبنان يعيش مرحلة التقاطع بين اربعة عوامل اساسية هي:
-اولا، وجود ميشال سليمان رئيسا وطنيا استقلاليا توافقيا منفتحا على مختلف الافرقاء اللبنانيين وعلى العالم العربي والمجتمع الدولي، وحريصا على اقامة علاقات جيدة وقوية مع سوريا على اساس المساواة والاحترام المتبادل لاستقلال وسيادة كل من البلدين، وبشكل يحفظ المصالح المشروعة لكلا البلدين بشكل متكافئ وعادل.
-ثانيا، وجود حركة سياسية استقلالية وشعبية تدعمها شريحة من اللبنانيين من مختلف الطوائف وتؤمن حماية داخلية للبنان المستقل.
-ثالثا، قيام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، مهمتها الحقيقية ملاحقة ومحاسبة المتهمين باغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه وعمليات الاغتيال التي استمرت على مدى عامين حتى اتفاق الدوحة.
-رابعا، وجود قرار اميركي – اوروبي – عربي دولي يقضي باستخدام وسائل جديدة لتكريس وتدعيم استقلال لبنان وسيادته وقراره الحر، ولمنع استخدامه ساحة مواجهة مفتوحة مع اسرائيل ودول اخرى خدمة لمصالح المحاور. وهذه الوسائل الجديدة تتركز على التحاور مع نظام الرئيس الاسد من اجل عقد "صفقة" معه لمصلحة لبنان والقوى المعتدلة في المنطقة، تتضمن دفع هذا النظام الى تغيير سياساته وتوجهاته اللبنانية والاقليمية جذريا وتقبل الواقع اللبناني الاستقلالي الشرعي فعلا والتخلي نهائيا عن اي مساع لزعزعة اوضاع هذا البلد او لمحاولة فرض الهيمنة مجددا عليه، وذلك كله في مقابل تحسين العلاقات الثنائية مع سوريا ومساعدتها على تطوير اوضاعها وتأمين مصالحها الذاتية المشروعة من دون ان يمس ذلك مصالح اللبنانيين او عمل المحكمة الدولية.
ويوضح التقرير ان هذه العوامل الاربعة هي في حال مواجهة وصدام في ظل الانقسام السياسي والاصطفافات من ضمن محاور اقليمية باتت مفروزة ومعروفة.
ويلفت التقرير الى امكان تصاعد حدة الصراع السياسي مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية العامة في السابع من حزيران (يوليو) المقبل، شيئا فشيئا، وهو ما بدأت ملامحه بالظهور، مشددا على ان الانتخابات ستكون في مثابة الاستفتاء لتحديد خيارات الشعب والرأي العام الذي تصارع كل من فريقي السياسة في لبنان على احتساب غالبية (هذا الشعب) لمصلحته.
انسحاب من الغجر؟
وعلى خطّ ما يحضّر للبنان في المستقبل القريب، في ظل الحركة الناشطة تجاه المنطقة، وبعد الجولة الاخيرة لمساعد وزيرة الخارجية الاميركية بالانابة جيفري فيلتمان (لبنان، سوريا، فلبنان) وزيارته بعد ذلك الى فرنسا، تكشف مصادر ديبلوماسية فرنسية اطلعت على محادثات فيلتمان في باريس، أن واشنطن تسعى الى إقناع إسرائيل بالانسحاب من قرية الغجر اللبنانية قبل الانتخابات التشريعية في حزيران (يوليو) بحيث تكون العملية بمثابة هدية تعزز موقع قوى الرابع عشر من آذار (مارس) ومصداقية رئيس الحكومة فؤاد السنيورة قبيل الانتخابات، نظرا الى الوضع الحساس الذي يعيشه هذا الفريق بعد فترة من اللاستقرار السياسي وتفوّق المعارضة اقله في خطواتها التكتيكية وتنظيم صفوفها وتحركاتها وما استطاعت تحقيقه منذ الازمة السياسية الشهيرة الى حين اتفاق الدوحة الذي اقرّ لها مطلب "الثلث الضامن" في الحكومة، في مقابل تنازلات تقارب "الفشل" ورفع السقف السياسي من دون تحقيق الاهداف السياسية المرجوة لدى قوى الرابع عشر من آذار (مارس). وتشير المصادر إلى رغبة فيلتمان في حضّّ الإدارة الأميركية على السير في هذا الاتجاه، لافتة الى موافقة فرنسية فـ "اذا أراد الأميركيون إقناع (بنيامين) نتنياهو بالانسحاب من الغجر فنتمنى لهم حظاً سعيداً".
واذ تلفت المصادر الفرنسية الى تصريح الرئيس السوري في شأن ضرورة التوافق بعد الانتخابات النيابية في لبنان، تؤكد أن باريس "ليست مع معسكر ضد الآخر، كما انها ليست قلقة من احتمال فوز المعارضة وحصولها على الأكثرية النيابية، فمهما كانت نتيجة الانتخابات فانّ التوافق الدولي، كما العربي البيني اي المصالحة السعودية والمصرية من جهة والسورية من جهة اخرى، سيفرض ضرورة الحفاظ على الصيغة اللبنانية القائمة على التوافق، بما معناه اعادة تشكيل حكومة وحدة وطنية تحمي الحدّ الادنى المتبقي من الاستقرار السياسي كما الاقتصادي، وتبعد شبح الاهتزازات الامنية التي سبق ان ذاق اللبنانيون مرها ولوعتها. وتقول: ليس من شأننا استباق نتائج الانتخابات ولكن عندما ننظر إلى تاريخ البلاد، ونظرا الى عدد الطوائف، نعي اهمية تعاون الطوائف مع بعضها، كما اهمية الحفاظ على الصيغة التوافقية في الحكم. فالديموقراطية اللبنانية ليست كالديموقراطية السويدية، ففي لبنان يجب ان يكون لكل طائفة كلمتها".
تناغم وتوافق
في الموازاة، تلاحظ المصادر الفرنسية تناغماً أميركياً- فرنسياً على موضوعات عدة تتعلق بلبنان، وتنقل عن اللقاء مع فيلتمان في باريس، أن الإدارة الأميركية لا ترى التأخير في تعيين سفير سوري في لبنان في مثابة "مأساة"، استنادا الى أن القرار السياسي تم اتخاذه. وتقول: إن وزير الخارجية السوري وليد المعلم أوضح لفيلتمان ما معناه أن "سوريا هي من يحدد موعد إرسال سفيرها الى لبنان"، وان "ما يثار من بعض الافرقاء اللبنانيين ليس ذي معنى على الاطلاق لانّ دمشق افتتحت سفارة في بيروت من دون ان ترسل سفيرا في وقت عيّنت الحكومة اللبنانية سفيرا لها في سوريا من دون ان تفتتح سفارة لها هناك" (كلام المعلم لفيلتمان سبق افتتاح مقر السفارة اللبنانية في دمشق الاثنين في 17 آذار (مارس).
وتعتبر أن هناك توافقاً فرنسياً- أميركياً حول الشأن اللبناني خصوصا بإزاء الرغبة في أن تجري الانتخابات المقبلة بمناخ هادئ وبشفافية. إلا أنها تشير الى انّ التباعد بين موقف باريس وواشنطن يتعلق خصوصا في مسألة ترسيم الحدود في مزارع شبعا. فباريس تتمسك بالحل الذي اقترحته الحكومة اللبنانية، أي "وضع المزارع في عهدة الأمم المتحدة ريثما يتم ترسيم الحدود، في حين تتبنى الديبلوماسية الأميركية مسألة ترسيم الحدود قبل انسحاب إسرائيل من المزارع وتركز على السعي الى إقناع حكومة إسرائيل بالانسحاب من قرية الغجر".
تباين حول 1701
وتشير المصادر نفسها إلى تباين فرنسي- أميركي حول تفسير القرار 1701، فباريس تشير إلى بنود القرار كافة بما فيها مسألة شبعا والانتهاكات الجوية الإسرائيلية، وباتت مقتنعة بأنه لا يمكن ولا ينبغي طرح مسألة "نزع" سلاح "حزب الله" إلا في إطار الحوار الوطني اللبناني وعبر تطبيق بنود القرار، في حين تبدو واشنطن "أكثر إلحاحاً" على مسألة السلاح، وإن بات الموقف الأميركي في هذا الموضوع "أقل تشدداً". وتقول: "لا نتوقع أن يطلب الأميركيون من أوروبا إدراج "حزب الله" في لائحة المنظمات الإرهابية خصوصا بعد الخطوة البريطانية الاخيرة بالفصل بين الجناح العسكري للحزب وجناحه السياسي، وقرارها اعادة فتح قنوات التواصل والحوار معه، وهو الامر الذي اكتفت الولايات المتحدة برفضه معلنة على لسان وزيرة خارجيتها هيلاري كلينتون عدم امكان الفصل بين الجناحين العسكري والسياسي للحزب".

ليست هناك تعليقات: