الأحد، 28 ديسمبر 2008

Sphere: Related Content
صفيح شرق اوسطي ساخن يُنذر بمتغيرات وفوضى .. ودمشق تتحيّن فرصة اوباما
حين يصبح لبنان "السُكَّر الذي يرش فوق الكعكة السورية"!

ديبلوماسي: اسرائيل لا تكترث بلبنان
بقدر حرصها على أن "يُعادي" السوري "حزب الله"

ينشر في الاسبوع العربي في 5/1/2009
هل تشهد السنة 2009 انتقالا الى المفاوضات المباشرة بين سوريا واسرائيل بعدما شكّل العام 2008 نقطة تحول في مسار السلام في الشرق الاوسط عبر تفاوض غير مباشر بين الدولتين بوساطة الدولة التركية المتصاعدة الوهج والدور على المستوى الاقليمي؟ سؤال يشغل بال كثر من المتابعين والمعنيين في بيروت لما له من معان وابعاد وتبعات على عملية السلام ومستقبل المنطقة العربية ولبنان في ظل المتغيرات والاستحقاقات المنتظرة اقليميا ودوليا.

قبل فترة، اعلن الرئيس السوري بشار الاسد، في خلال مؤتمر صحافي مع الرئيس الكرواتي ستيبان ميسيتش، ان "من الطبيعي ان تنتقل سوريا واسرائيل في مرحلة لاحقة الى المفاوضات المباشرة" لانه "لا يمكن ان نحقق السلام من خلال المفاوضات غير المباشرة فقط". وشبه هذه الخطوة بعملية بناء، وقال: نبني الأساسات المتينة ثم نبني البناء وليس العكس. ما نقوم به في المفاوضات غير المباشرة هو وضع أساس لهذا البناء الكبير. اذا كان هذا الأساس ناجحاً، المفاوضات المباشرة ستكون هي مرحلة ناجحة ومن ثم بشكل طبيعي يتحقق السلام". وحاول الاسد تغليف هذا الاعلان بالتمسك بالزام اسرائيل قرارات مجلس الامن شرطا للانتقال الى التفاوض المباشر، مشددا على "اهمية تفعيل الدور الاوروبي في عملية السلام في الشرق الاوسط، ودعم تنفيذ قرارات مجلس الامن ذات الصلة وضرورة الربط بين استجابة اسرائيل لهذه القرارات والعلاقات الاوروبية".
وفي خطوة قرأ فيها المراقبون رسالة حسن نية سورية في الاطار الذي تعتمده منذ فترة لفك عزلتها الدولية وتثبيت انفتاحها مجددا على الخارج لا سيما منه العالم الاوروبي، يبقى هذا الاعلان في نظر الكثيرين مجرد كلام لا يحتمل التعويل عليه في انتظار نتائج الانتخابات في اسرائيل وتبلور سياسة الادارة الاميركية الجديدة وخطتها ونهجها لمقاربة عملية السلام في الشرق الاوسط وارتباط ذلك بالمسار الاسرائيلي- الفلسطيني اولا وبحل قضية السلاح النووي الايراني، وتاليا مشكلة ايران مع الولايات المتحدة الاميركية والمجتمع الدولي في ظل اعلان الرئيس المنتخب باراك اوباما اعتماده سياسة "العصا والجزرة" مع طهران.
وفي انتظار تبلور هذه التطورات يبقى تمّني الرئيس السوري في "الا يشهد العالم والشرق الاوسط على الخصوص حروباً جديدة في ظل الادارة الاميركية المقبلة، وان تعمل هذه الادارة بشكل جدي وواقعي من اجل تحقيق السلام في الشرق الاوسط"، مجرد امل يرتجى.
ويبدو الانتظار عنوان المرحلة في ضوء السعي الى ان يشهد الشرق الاوسط ولادة جديدة قد تنبثق عن امكان تحقيق السلام في العام المقبل.
وفيما صدر موقف الاسد في توقيت لافت، قبيل زيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت الى تركيا لشكر الزعماء الاتراك على جهودهم من اجل السلام بين اسرائيل وسوريا، على الرغم من ان اسرائيل لم ترد الى الآن على وثيقة سورية عن الانسحاب من الجولان على اساس ست نقاط جغرافية سلمت اليها عبر الوسيط التركي، الا ان البعض داخل اسرائيل يرون انه لا يحق لاولمرت التفاوض مع سوريا لانه يرئس حكومة تصريف اعمال في انتظار الانتخابات المقبلة، مما يعني انتفاء دوره وفاعلية قراره وعدم امكانيته بت موضوع التفاوض المباشر مع سوريا في انتظار السلطة الجديدة في اسرائيل.
عزل سوريا عن محور الشر
وفي وقت يقرأ الكثيرون في لبنان الخطوات السورية المتتالية منذ السير في التفاوض غير المباشر مع اسرائيل، من ضمن سياسة ذكية لفك العزلة واستعادة الدور من جديد على الرغم من التحالف الوثيق الذي ربطها في الفترة السابقة مع ايران ونهج المقاومة لاسقاط المشروع الاميركي والاسرائيلي التقسيمي في المنطقة العربية، الا ان العديد من المراقبين باتوا يرون في هذه الخطوات السورية سياسة متمايزة عن الدولة الفارسية وانخراطا اكبر في العمل لاجل السلام وليس المواجهة التي قد تعدل عنها ايران ايضا اذا افرزت انتخاباتها المقبلة واقعا سياسيا مغايرا.
وفي هذا السياق، يرى مصدر قيادي في الموالاة ان "انعكاس السياسة السورية الجديدة برز على الساحة اللبنانية الداخلية، وامتداداته تعود الى شباط (فبراير) 2008 تاريخ اغتيال القائد العسكري لـ"حزب الله" الحاج عماد مغنية في دمشق وعدم تبلور اي خيط في التحقيق الى الآن او بالاحرى تكتم النظام السوري عن ايضاح اي معلومات عن ملابسات العملية، مما اشاع حالا من التباعد بين سوريا و"حزب الله".
ويربط المصدر بين هذا التحليل وبين السياسة السورية تجاه لبنان التي برزت ملامح تبدلها مع زيارة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان الى دمشق في الرابع عشر من آب (اغسطس) 2008 حيث اقرت سوريا مبدأ اقامة العلاقات الديبلوماسية مع لبنان التي دخلت حيز التنفيذ العملاني في السادس والعشرين من كانون الاول (ديسمبر) مع رفع العلم السوري على مبنى اول سفارة سورية في محلّة الحمرا، وكذلك موافقة سوريا على البحث في الامور الاخرى العالقة بين البلدين كترسيم الحدود وقضية المعتقلين والمفقودين اللبنانيين على اراضيها.
وانطلاقا من هذه المعطيات، يرى القيادي في الموالاة ان كلام الاسد على ضرورة الانتقال الى التفاوض المباشر مع اسرائيل خير دليل على الفتور في العلاقة مع "حزب الله"، وتخلي سوريا شيئا فشيئا عن دعم المقاومة لتحرير الارض المحتلة وتبنيها مبدأ التفاوض والديبلوماسية طريقا الى السلام. ويعتبر ان المسار السوري الراهن كان متوقعا لان دمشق لطالما دعمت المقاومة المسلحة من خارج اراضيها ولم تنطلق يوما اي رصاصة ضد الاحتلال الاسرائيلي من اراضي الجولان المحتل، ولطالما كان لبنان بلد المواجهة الوحيد مع اسرائيل فيما الدول العربية الاخرى اما عقدت السلام علنا او كانت تسعى اليه من تحت الطاولة.
مرحلة انتقالية مقلقة
وفيما تسعى سوريا من خلال كل خطواتها الى كسر عزلتها واستعادة موقعها على الخريطة العالمية وعلى الرغم من التقرب الفرنسي المعلن منها، يرى القيادي في الموالاة ان "علاقة دمشق بباريس تبقى مشروطة اولا بالملف اللبناني ومن ثم بوقف دعم الحركات المقاومة وعناوين اخرى باتت معروفة، ما يؤشر بنظر الى انعدام ثقة فرنسي حيال دمشق.
ويلفت مصدر ديبلوماسي رفيع عامل في بيروت الى ان قلق دمشق الاكبر يتأتى من قرب موعد انطلاق المحكمة الدولية المكلفة محاكمة قتلة الرئيس رفيق الحريري وهذا ما سيدفعها، بنظره، الى الاعلان في وقت غير بعيد عن مسؤولية منظمة "فتح الاسلام" عن عملية الاغتيال وذلك نتيجة التحقيقات التي قام بها القضاء السوري مع افراد المنظمة الموقوفين داخل الاراضي السورية، في سيناريو لافت لابعاد الشبهات والاتهامات التي لاحقت القيادة السورية بعيد اغتيال الحريري. واذ يعتبر ان همّ دمشق الاكبر يتركز على فك عزلتها العربية والدولية، يشير الى انها قلقة من أن تبدأ فترة إدارة باراك أوباما الجديدة بخطأ قاتل، وهذا يعني سنوات أخرى من العداء مع واشنطن، وهذا ما لا تريده سوريا.
ويذكّر في هذا الاطار بكلام الرئيس الأميركي المنتخب الذي وعد بالتعامل مع إيران على طريقة العصا والجزرة. ويقول الديبلوماسي: اذا استخدمت العصا فسوريا ستجد أنها الحلقة الأضعف في حال ضربت طهران. وإن ذهبت الأمور بين واشنطن وطهران من خلال الجزرة، أي التفاوض من دون استخدام قوة، فبالتأكيد ستكون دمشق بندا تفاوضيا بين واشنطن وطهران، مثلها مثل "حزب الله" و"حماس" والعراق، الامر الذي يدفعها الى التمايز عن ايران وخلق دور فاعل في المنطقة من خلال الذهاب الى التفاوض المباشر مع اسرائيل، الامر الذي سيشكل، فيما لو حصل، الخط السريع للسوريين من أجل كسر عزلتهم وتفادي عقبات تنتظرهم، والوصول إلى العلاقات التي يريدونها مع واشنطن.
وفيما يعتبر هذا الديبلوماسي ان السلام السوري- الاسرائيلي قد يكون المسار الاكثر واقعية من اجل تحقيق مشروع السلام الشامل في المنطقة، يرى ان انهاءه امر قابل للتنفيذ وسيكون في مثابة انقلاب حقيقي في المنطقة، وسيمهّد لإتمام عملية السلام الاسرائيلية - الفلسطينية.
ويشير الى ان الفرصة مؤاتية للسوريين لضرب عصفورين بحجر: الأول استعادة الجولان، والثاني كسر العزلة العربية والدولية، وحينها سيكون لبنان السُكر الذي يوضع فوق الكعكة. ويضيف: اسرائيل لا تكترث بلبنان بقدر حرصها على أن يكون السوري عدوا لـ "حزب الله"، من أجل تفكيك تحالفات إيران على مستوى الاقليم. والسلام السوري - الاسرائيلي لا يمكن ان يتحقق مع علاقات ايرانية ـ سورية طبيعية.
تفاوض مباشر بشروط
واذ شكل اعلان الاسد ضرورة الانتقال الى التفاوض المباشر مع اسرائيل في المرحلة المقبلة حدثا سياسيا واعلاميا افاض اسئلة كثيرة، الا ان هذا الاعلان اقترن بشرطين:
-الاول انسحاب اسرائيل الصهيوني من كامل مرتفعات الجولان واعادتها الى سوريا، وهو قد ارسل لهذه الغاية، كما اعلن في مقابلة مع صحيفة "واشنطن بوست"، وثيقة عن الحدود تحددها قبل العام 1967،
-والثاني رعاية الادارة الاميركية الجديدة بقيادة الرئيس المنتخب التفاوض المباشر.
وفي سياق كل التبدلات واعادة التموضعات التي تحصل على الساحة الاقليمية والدولية، في المواقع كما المواقف، ترى مصادر مراقبة ان المتغيّرات هي التي تحكم الصفيح الشرق اوسطي، وخير دليل ما شهدته العلاقات اللبنانية- السورية من خطوة تاريخية جسدت الاعتراف العلني المباشر بسيادة لبنان وتمثلت بمباشرة الاعمال في السفارتين.
اما الدليل الآخر الاكثر مأسوية عن الدينامية غير المتّسقة في الاقليم، فالتطورات الدموية في قطاع غزة، التي قد تعيد خلط كل هذه المقاربات، بما فيها المقاربة السورية للتفاوض مع اسرائيل. واذ ذاك تبدو المنطقة مرشحة الى جولة جديدة من التصعيد والفوضى.



ليست هناك تعليقات: