صفحة القطيعة والخصومة والعداء هل يطويها زيارة وحوار وحجّ؟
عون في سوريا: إنقلاب للتأريخ أم عليه!
المؤيدون: خطوة جريئة.. وصواب يؤكد قدرة الاستشراف
المعارضون: الزيارة تعزل المسيحيين وتنقلهم الى المحور السوري-الايراني
عون في سوريا: إنقلاب للتأريخ أم عليه!
المؤيدون: خطوة جريئة.. وصواب يؤكد قدرة الاستشراف
المعارضون: الزيارة تعزل المسيحيين وتنقلهم الى المحور السوري-الايراني
ينشر في "الاسبوع العربي" في 15/12/2008
بعد فترة من القطيعة والخصومة وصلت حد العداء، استعادت العلاقة بين لبنان وسوريا بعضا من الحميمية بعد تاريخ من الوصاية والسيطرة والعلاقة غير المتكافئة. ومع انطلاقة عهد رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، امتدت اطر التسوية السياسية التي ارساها اتفاق الدوحة، الى خارج الحدود اللبنانية لتصل الى دمشق من خلال مقاربة العلاقة مع سوريا بشكل متجدد انطلاقا من الواقع الجغرافي والسياسي للبلدين. وفيما حظيت الزيارات الرسمية الى بلاد الشام نصيبها من الانتقاد على الرغم من ورودها تحت عنوان "التنسيق الرسمي بين البلدين"، فإن الزيارة الحدث لرئيس تكتل "التغيير والاصلاح" النائب العماد ميشال عون اسدلت الستارة على باقي المشاهد السياسية وتصدرت صفحات الاعلام واهتمام الرأي العام، حليفا كان ام خصما ام منتقدا.
ينقسم اللبنانيون، كما زعمائهم، بين مؤيد ومعارض للانفتاح على سوريا فيما السياسة الواضحة التي ينتهجها رئيس الجمهورية تتركز على الحوار والانفتاح واستعادة مكانة لبنان اقليميا ودوليا، من خلال نسج ما يسميه مظلة امان دولية فوق لبنان. وفي وقت تبرز الحاجة الى انتهاج سياسة معتدلة وعقلانية، في خضم كل المتغيرات على الصعيدين الاقليمي والدولي، تطفو من جديد الخلافات السياسية مع كل استحقاق او حدث سياسي لا سيما ان الفترة الفاصلة عن موعد الانتخابات النيابية المقبلة لا تتعدى نص سنة.
تغيّر اتجاه الريح السياسية مع العواصف التي فتكت بالمسرحين الاقليمي والدولي، واطاحت هذه الريح بكل ما كان يسمى "الثوابت"، مبرهنة ان لا شيء ثابتا في السياسة. فما كان "محرّما قد يصبح حلالا واكثر من حلال"، بهذه العبارة وصف العماد عون زيارته الى سوريا "مهد المسيحية"، وتحت عناوين اخرى ادرج باقي المسؤولين في الدولة زياراتهم الى دمشق.
ولكن مهما تكن المبررات او العناوين، يقول احد غلاة المعارضين، تظل الحقيقة- كما النتيجة- واحدة: انفتاح وحوار يؤكدان حتمية تنسيق يفرضه الى الواقع السياسي، الواقعان الجغرافي والتاريخي.
خطيئة اصلية
من نافل القول، بنظر الكثير من المراقبين، ان السياسة السورية في لبنان كانت خطيئة اصلية وليس خطأ، وهذا ما اثبته التاريخ الحديث مع ما رافق الخروج السوري من لبنان من مظاهر وشعارات جسدت "النقمة" على زمن الوصاية وما ارساه من تعديات وسياسات شاذة عن مفاهيم الديموقراطية والحرية. فصار السوريون على قناعة انه لم يكن من الصواب انتهاج سياسة السيطرة، كما لم يكن مقبولا انتهاج سياسة الرضوخ والاستزلام اللبنانية.
ولم يعد المطلوب بالنسبة الى كثر من اللبنانيين الانفتاح الاعمى او "حوار الطرشان" بل سياسة عاقلة تأخذ في الاعتبار الجيرة كما المصالح المشتركة، وهذا ما يتبناه رئيس الجمهورية نهجا صالحا وحكيما وشجاعا.
من العداء الى الانفتاح
اتبع الرئيس سليمان منذ انتخابه سياسة اعادة بناء الدولة والمؤسسات وابراز وجه لبنان الحضاري والمنفتح في المحافل العربية كما الاوروبية والاميركية. وارسى منذ زيارته الى سوريا ركائز استعادة العلاقة الطبيعية معها عبر احياء التنسيق والتعاون بين "الدولتين"، على ما دأب الرئيس سليمان في التشديد عليه باستمرار، "فالعلاقة هي بين بلدين جارين حرين سيدين مستقلين".
وفي وقت ترى اوساط المعارضة الخطوات والزيارات اللبنانية الرسمية والمعلنة الى سوريا انها "النهج الاسلم لاستعادة العلاقة الطبيعة والندية معها عبر القنوات والاطر الرسمية لتجنب العودة الى التجربة الماضية والاخطاء التي شابت مرحلة وجودها في لبنان، خصوصا في ظل المتغيرات في السياسة الدولية والاوروبية خصوصا تجاه سوريا واعتماد سياسة الانفتاح والحوار معها لا سيما من الجانب الفرنسي والاتحاد الاوروبي عموما"، تعتبر اوساط الموالاة ان "اللبنانيين يجب الا يكونوا معنيين لا بالانفتاح الاوروبي على سوريا، ولا بأيٍّ من انواع الهدايا المجانية تقدم الى النظام السوري من دون حصول لبنان على مكاسب في الملفات العالقة بين البلدين، وابرزها مسائل ترسيم الحدود وتحديدها، تثبيت لبنانية مزارع شبعا، حل قضية المفقودين والمعتقلين في السجون السورية، السلاح الفلسطيني خارج المخيمات والمرتبط مباشرة بالنظام السوري، اضافة الى المسألة التي ابتدعها هذا النظام اخيرا باتهام جهة لبنانية بتمويل الارهاب ودعمه في وقت يصدّر هو هذا الارهاب".
وتلفت الاوساط الموالية الى ان كل هذه الاشكاليات تفترض ان "تفرمل بعض الشيء هذا التسارع اللبناني لتطبيع العلاقات مع النظام السوري، فحتى اتفاق الطائف الذي ينظم العلاقة بين البلدين حذر من تهديد سوريا أمن لبنان، الامر الذي يطرح علامات استفهام كبيرة ويشير الى ان سوريا تحاول افراغ العلاقات الديبلوماسية مع لبنان من مضمونها وكذلك تجريدها من اهميتها التاريخية".
وتشير الى ان الاصرار على بقاء المجلس الاعلى اللبناني- السوري يؤكد عدم التغيير في الذهنية السورية القائمة تجاه لبنان، على امل الا يشكل نوعا من الوصاية على السفارتين.
وتسأل "كيف يسارع الوزراء والسياسيون اللبنانيون الى زيارة دمشق في وقت هي تتهم تيارا سياسيا لبنانيا بتمويل الارهاب، ونائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد يطالب القضاء اللبناني بالتحقيق مع النائب سعد الحريري؟". وتعتبر ان "الطابة اليوم في الملعب السوري وحتى الان لا تغيير في السلوك حيال لبنان ودمشق تتعمد تمرير الرسائل الى الداخل اللبناني عبر كلام بعض حلفائها عن تفجيرات واغتيالات ستحصل قد تكون بحجم عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري".
زيارة الجنرال بين الخطأ والصواب
منذ الاعلان عنها عبر الاعلام جاءت زيارة العماد عون لسوريا مثيرة للجدل بل للدهشة في بادئ الامر، ومما زاد في عوامل الاثارة والترقب طريقة الاستقبال والترحيب والتكريم الي حظي بها الجنرال "الخصم الشريف" والضيف العزيز، في خطوة لم تخص بها سوريا اياً من حلفائها السياسيين الكبار في لبنان، سابقاً وحاضراً، سواء في عهد الرئيس الراحل حافظ الاسد ام في عهد الرئيس الحالي، فهي حرصت على ان تسبغ طابعاً استثنائياً على الزيارة الاولى التي يقوم بها العماد عون اليها منذ منتصف الثمانينات من القرن الفائت.وفيما رسم عون عنواناً لزيارته على انها "لفتح صفحة جديدة مرتكزها الانفتاح" بعدما شكّل في مساره بين العامين 1989 و2006 احد اعتى خصوم سوريا في لبنان، قابلت دمشق ما سماه عون "عملية القلب المفتوح" بإستثنائية غيبة حتى عن اهل البلد، فاستقبلته استقبال الرؤساء والشخصيات الرسمية، وربما الفاتحين.
وفي وقت كان من المتوقع ان تثير الزيارة جدلا كبيرا في الوسط السياسي اللبناني لا سيما محاولة توظيفها من الخصوم والحلفاء على حد سواء، عشية الانتخابات النيابية في الربيع المقبل، فانها شكلت مصدرا ضخما لسيل من الانتقادات التي تفاوتت بين النقد المرتكز على حجج والنقد السياسي والنقد لمجرد النقد.
في هذا السياق تعتبر مصادر سياسية في قوى الرباع عشر من آذار (مارس) ان سوريا وظّفت زيارة العماد عون اعلامياً بمجرد حصولها، وأوصلت أكثر من رسالة إلى المجتمع الدولي، وخصوصا إلى أوروبا وفرنسا تحديداً، حول مدى حرصها على الانفتاح على مسيحيي لبنان، والتزامها الكامل الوعود التي قطعتها على نفسها بالاسهام في استقرار هذا البلد ودعم كل الجهود التي يبذلها المجتمع الدولي لضمان استقلاله وسيادته والمحافظة على الوجود المسيحي ودوره فيه.
واذ ترى ان من حق اي طرف سياسي ان يزور البلد الذي يريد، تلفت الى ان زيارة العماد عون الى سوريا تخالف كل مبادئه ومسيرته السابقة، "خصوصا ان هذا النظام لم يغير السياسات التي كان يشكو منها العماد ميشال عون تجاه لبنان".
وتوضح ان "العماد عون ذهب إلى دمشق واضعاً في حسابه انه سيحصل من الرئيس السوري على مبادرات تجاه لبنان تعزز مكانته عند المسيحيين التي تقلّصت بسبب ميله الى المحور السوري - الإيراني، ومحاولته استخدام مسيحيي لبنان - بإسم الدفاع عن حقوقهم - ورقة في يد هذا المحور، لكن الرئيس السوري اكتفى بالحفاوة التي أحاطه بها، ولم يقدّم ما يدعم حجته في الشارع المسيحي كتسليمه المعتقلين في السجون السورية او بعضهم، او حتى الاعتذار عن الأخطاء الجسيمة التي ارتكبت في حق المسيحيين في العقود الثلاثة الفائتة".
في المقابل، ترى مصادر معارضة في زيارة العماد عون "جرأة كبيرة لا يتصف بها الا الرجال الوطنيون الكبار الذين يستشرفون المستقبل ويدركون الحد الفاصل بين الخصومة والعداء ويجمعون بين المبادئ الوطنية والقيم الاخلاقية والمصالح السياسية". وتعتبر ان "الكثير من السياسيين اللبنانيين افادوا من العلاقة مع سوريا وضربوا بعض القوى المسيحية في خلال فترة الوصاية". وتسأل: "كيف يتهمون العماد عون بالتفريط بالوجود المسيحي ودوره في الشرق سعيا وراء مكاسب سياسية وهو الذي يسير عكس التيار ولا يدركه منتقدوه الا بعد مرور فترة من الزمن يوم يبرهن التاريخ صحة رؤيته السياسية؟".
وتشير الى أن "الخصومة تجاه سوريا نتجت من سوء إدارة الحكم في كل من بيروت ودمشق، لذلك فان معظم المسيحيين بعد الانسحاب السوري انتخبوا العماد عون وتبنوا مواقفه ورؤياه السياسية بان فترة الوصاية "مرحلة انتهت ويجب أن نتطلّع بأمل الى بناء علاقة فضلى مع سوريا".
ينقسم اللبنانيون، كما زعمائهم، بين مؤيد ومعارض للانفتاح على سوريا فيما السياسة الواضحة التي ينتهجها رئيس الجمهورية تتركز على الحوار والانفتاح واستعادة مكانة لبنان اقليميا ودوليا، من خلال نسج ما يسميه مظلة امان دولية فوق لبنان. وفي وقت تبرز الحاجة الى انتهاج سياسة معتدلة وعقلانية، في خضم كل المتغيرات على الصعيدين الاقليمي والدولي، تطفو من جديد الخلافات السياسية مع كل استحقاق او حدث سياسي لا سيما ان الفترة الفاصلة عن موعد الانتخابات النيابية المقبلة لا تتعدى نص سنة.
تغيّر اتجاه الريح السياسية مع العواصف التي فتكت بالمسرحين الاقليمي والدولي، واطاحت هذه الريح بكل ما كان يسمى "الثوابت"، مبرهنة ان لا شيء ثابتا في السياسة. فما كان "محرّما قد يصبح حلالا واكثر من حلال"، بهذه العبارة وصف العماد عون زيارته الى سوريا "مهد المسيحية"، وتحت عناوين اخرى ادرج باقي المسؤولين في الدولة زياراتهم الى دمشق.
ولكن مهما تكن المبررات او العناوين، يقول احد غلاة المعارضين، تظل الحقيقة- كما النتيجة- واحدة: انفتاح وحوار يؤكدان حتمية تنسيق يفرضه الى الواقع السياسي، الواقعان الجغرافي والتاريخي.
خطيئة اصلية
من نافل القول، بنظر الكثير من المراقبين، ان السياسة السورية في لبنان كانت خطيئة اصلية وليس خطأ، وهذا ما اثبته التاريخ الحديث مع ما رافق الخروج السوري من لبنان من مظاهر وشعارات جسدت "النقمة" على زمن الوصاية وما ارساه من تعديات وسياسات شاذة عن مفاهيم الديموقراطية والحرية. فصار السوريون على قناعة انه لم يكن من الصواب انتهاج سياسة السيطرة، كما لم يكن مقبولا انتهاج سياسة الرضوخ والاستزلام اللبنانية.
ولم يعد المطلوب بالنسبة الى كثر من اللبنانيين الانفتاح الاعمى او "حوار الطرشان" بل سياسة عاقلة تأخذ في الاعتبار الجيرة كما المصالح المشتركة، وهذا ما يتبناه رئيس الجمهورية نهجا صالحا وحكيما وشجاعا.
من العداء الى الانفتاح
اتبع الرئيس سليمان منذ انتخابه سياسة اعادة بناء الدولة والمؤسسات وابراز وجه لبنان الحضاري والمنفتح في المحافل العربية كما الاوروبية والاميركية. وارسى منذ زيارته الى سوريا ركائز استعادة العلاقة الطبيعية معها عبر احياء التنسيق والتعاون بين "الدولتين"، على ما دأب الرئيس سليمان في التشديد عليه باستمرار، "فالعلاقة هي بين بلدين جارين حرين سيدين مستقلين".
وفي وقت ترى اوساط المعارضة الخطوات والزيارات اللبنانية الرسمية والمعلنة الى سوريا انها "النهج الاسلم لاستعادة العلاقة الطبيعة والندية معها عبر القنوات والاطر الرسمية لتجنب العودة الى التجربة الماضية والاخطاء التي شابت مرحلة وجودها في لبنان، خصوصا في ظل المتغيرات في السياسة الدولية والاوروبية خصوصا تجاه سوريا واعتماد سياسة الانفتاح والحوار معها لا سيما من الجانب الفرنسي والاتحاد الاوروبي عموما"، تعتبر اوساط الموالاة ان "اللبنانيين يجب الا يكونوا معنيين لا بالانفتاح الاوروبي على سوريا، ولا بأيٍّ من انواع الهدايا المجانية تقدم الى النظام السوري من دون حصول لبنان على مكاسب في الملفات العالقة بين البلدين، وابرزها مسائل ترسيم الحدود وتحديدها، تثبيت لبنانية مزارع شبعا، حل قضية المفقودين والمعتقلين في السجون السورية، السلاح الفلسطيني خارج المخيمات والمرتبط مباشرة بالنظام السوري، اضافة الى المسألة التي ابتدعها هذا النظام اخيرا باتهام جهة لبنانية بتمويل الارهاب ودعمه في وقت يصدّر هو هذا الارهاب".
وتلفت الاوساط الموالية الى ان كل هذه الاشكاليات تفترض ان "تفرمل بعض الشيء هذا التسارع اللبناني لتطبيع العلاقات مع النظام السوري، فحتى اتفاق الطائف الذي ينظم العلاقة بين البلدين حذر من تهديد سوريا أمن لبنان، الامر الذي يطرح علامات استفهام كبيرة ويشير الى ان سوريا تحاول افراغ العلاقات الديبلوماسية مع لبنان من مضمونها وكذلك تجريدها من اهميتها التاريخية".
وتشير الى ان الاصرار على بقاء المجلس الاعلى اللبناني- السوري يؤكد عدم التغيير في الذهنية السورية القائمة تجاه لبنان، على امل الا يشكل نوعا من الوصاية على السفارتين.
وتسأل "كيف يسارع الوزراء والسياسيون اللبنانيون الى زيارة دمشق في وقت هي تتهم تيارا سياسيا لبنانيا بتمويل الارهاب، ونائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد يطالب القضاء اللبناني بالتحقيق مع النائب سعد الحريري؟". وتعتبر ان "الطابة اليوم في الملعب السوري وحتى الان لا تغيير في السلوك حيال لبنان ودمشق تتعمد تمرير الرسائل الى الداخل اللبناني عبر كلام بعض حلفائها عن تفجيرات واغتيالات ستحصل قد تكون بحجم عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري".
زيارة الجنرال بين الخطأ والصواب
منذ الاعلان عنها عبر الاعلام جاءت زيارة العماد عون لسوريا مثيرة للجدل بل للدهشة في بادئ الامر، ومما زاد في عوامل الاثارة والترقب طريقة الاستقبال والترحيب والتكريم الي حظي بها الجنرال "الخصم الشريف" والضيف العزيز، في خطوة لم تخص بها سوريا اياً من حلفائها السياسيين الكبار في لبنان، سابقاً وحاضراً، سواء في عهد الرئيس الراحل حافظ الاسد ام في عهد الرئيس الحالي، فهي حرصت على ان تسبغ طابعاً استثنائياً على الزيارة الاولى التي يقوم بها العماد عون اليها منذ منتصف الثمانينات من القرن الفائت.وفيما رسم عون عنواناً لزيارته على انها "لفتح صفحة جديدة مرتكزها الانفتاح" بعدما شكّل في مساره بين العامين 1989 و2006 احد اعتى خصوم سوريا في لبنان، قابلت دمشق ما سماه عون "عملية القلب المفتوح" بإستثنائية غيبة حتى عن اهل البلد، فاستقبلته استقبال الرؤساء والشخصيات الرسمية، وربما الفاتحين.
وفي وقت كان من المتوقع ان تثير الزيارة جدلا كبيرا في الوسط السياسي اللبناني لا سيما محاولة توظيفها من الخصوم والحلفاء على حد سواء، عشية الانتخابات النيابية في الربيع المقبل، فانها شكلت مصدرا ضخما لسيل من الانتقادات التي تفاوتت بين النقد المرتكز على حجج والنقد السياسي والنقد لمجرد النقد.
في هذا السياق تعتبر مصادر سياسية في قوى الرباع عشر من آذار (مارس) ان سوريا وظّفت زيارة العماد عون اعلامياً بمجرد حصولها، وأوصلت أكثر من رسالة إلى المجتمع الدولي، وخصوصا إلى أوروبا وفرنسا تحديداً، حول مدى حرصها على الانفتاح على مسيحيي لبنان، والتزامها الكامل الوعود التي قطعتها على نفسها بالاسهام في استقرار هذا البلد ودعم كل الجهود التي يبذلها المجتمع الدولي لضمان استقلاله وسيادته والمحافظة على الوجود المسيحي ودوره فيه.
واذ ترى ان من حق اي طرف سياسي ان يزور البلد الذي يريد، تلفت الى ان زيارة العماد عون الى سوريا تخالف كل مبادئه ومسيرته السابقة، "خصوصا ان هذا النظام لم يغير السياسات التي كان يشكو منها العماد ميشال عون تجاه لبنان".
وتوضح ان "العماد عون ذهب إلى دمشق واضعاً في حسابه انه سيحصل من الرئيس السوري على مبادرات تجاه لبنان تعزز مكانته عند المسيحيين التي تقلّصت بسبب ميله الى المحور السوري - الإيراني، ومحاولته استخدام مسيحيي لبنان - بإسم الدفاع عن حقوقهم - ورقة في يد هذا المحور، لكن الرئيس السوري اكتفى بالحفاوة التي أحاطه بها، ولم يقدّم ما يدعم حجته في الشارع المسيحي كتسليمه المعتقلين في السجون السورية او بعضهم، او حتى الاعتذار عن الأخطاء الجسيمة التي ارتكبت في حق المسيحيين في العقود الثلاثة الفائتة".
في المقابل، ترى مصادر معارضة في زيارة العماد عون "جرأة كبيرة لا يتصف بها الا الرجال الوطنيون الكبار الذين يستشرفون المستقبل ويدركون الحد الفاصل بين الخصومة والعداء ويجمعون بين المبادئ الوطنية والقيم الاخلاقية والمصالح السياسية". وتعتبر ان "الكثير من السياسيين اللبنانيين افادوا من العلاقة مع سوريا وضربوا بعض القوى المسيحية في خلال فترة الوصاية". وتسأل: "كيف يتهمون العماد عون بالتفريط بالوجود المسيحي ودوره في الشرق سعيا وراء مكاسب سياسية وهو الذي يسير عكس التيار ولا يدركه منتقدوه الا بعد مرور فترة من الزمن يوم يبرهن التاريخ صحة رؤيته السياسية؟".
وتشير الى أن "الخصومة تجاه سوريا نتجت من سوء إدارة الحكم في كل من بيروت ودمشق، لذلك فان معظم المسيحيين بعد الانسحاب السوري انتخبوا العماد عون وتبنوا مواقفه ورؤياه السياسية بان فترة الوصاية "مرحلة انتهت ويجب أن نتطلّع بأمل الى بناء علاقة فضلى مع سوريا".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق