"استكشاف" اوروبي من زاوية التقويم الغربي الجديد لدور سوريا
عناوين الاهتمام الاوروبي: الانتخابات واليونيفيل و"محاربة الارهاب"
ثمة في اسرائيل من يطلب مكافأة الاسد في لبنان والجولان!
ينشر في "الاسبوع العربي" في 8/12/2008
نشط في الفترة الاخيرة الحراك الاوروبي في اتجاه لبنان مع الزيارتين المتتاليتين لوزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند ورئيس الوزراء الفرنسي فرنسوا فييون، في وتيرة اظهرت مدى الاهتمام القارة العجوز بـ"بلاد الارز" في اقليم يغلي على صفيح من الاحداث والازمات التي لا تنفك تتوالى. ولعل الساحة الشرق اوسطية باتت مفتوحة اكثر امام الاوروبيين للعب ادوار اساسية مع ما يمكن تسميته بـ"الفشل الاميركي" في صوغ سياسة ناجحة للمنطقة بعد كل "اخفاقات" الادارة الاميركية الآفلة برئاسة جورج ديبليو بوش وما نتج عنها من حروب لم تجد لها بعد مخرجا او نهاية.
لطالما "جُعل" لبنان مختبرا لنجاح او فشل السياسات الدولية في منطقة الشرق الاوسط، وجسر عبور لانفتاح او انغلاق الدول الغربية وخصوصا الاوروبية منها على الدول العربية. ولطالما دفع ايضا ثمن سياسات عدة غلفت المصالح السياسية للدول الكبرى والقوية على حساب الاضعف. فكان هذا البلد مركز التفاعل ونقطة التحول في خلال مسيرة تغير الاحداث في الخريطة السياسية العالمية والتي غالبا ما شكل الشرق الاوسط مسرحا لترجمتها وتفاعلها.
في التحرك الغربي، يبرز الاهتمام الاوروبي المتجدد بلبنان بصفته احد العوامل المؤثرة في استقرار المنطقة، من منطلق استحقاقيّ الانتخابات النيابية المقبلة ومحاربة الارهاب، ومن زاوية التقويم الاوروبي الجديد لدور سوريا والعلاقة معها سواء على المستوى السياسي المتمثل بكسر عزلتها، او على المستوى الاقتصادي عبر الحديث عن احياء الشراكة الاوروبية - السورية المجمدة منذ العام 2005، او على المستوى اللبناني من زاوية تشجيعها على لعب دور "اكثر ايجابية" بين قياداته.
زيارات اوروبية استكشافية
في هذا السياق، يرى ديبلوماسي غربي عامل في بيروت ان الحركة الديبلوماسية الاوروبية في اتجاه لبنان المحمّلة بالمواقف الداعمة له، ترتدي الطابع الاستكشافي عبر استطلاع المستجدات اللبنانية لا سيما لجهة ما يشهده من تفكيك الشبكات التخريبية وملاحقة العناصر الفارة من تنظيم "فتح الإسلام" ومدى ارتباط هؤلاء بالقاعدة وامكان استهدافهم القوة الدولية المعززة العاملة في جنوب لبنان. ويشير الى ان الهدف المباشر من الزيارات الاوروبية يتعلق بوضع "اليونيفيل" ومصيرها والسعي الى حمايتها من الهزات الامنية التي تعرضت وقد تتعرض لها مجددا في ظل التهديدات التي تتلقاها، وان هذه الحركة الخارجية تتابع ايضاً بالتفاصيل الدقيقة موضوعا آخر على صلة بـ "اليونيفيل"، وهو ما يجري في مخيم عين الحلوة في ما يتعلق بالجهد الاستخباري اللبناني – "الاقليمي" لتوقيف بعض المطلوبين.
وفي ذهن هذا الديبلوماسي، أن الحركة الاوروبية الناشطة تتابع ايضا الوضع الداخلي لمنع أي تجاوز لاتفاق الدوحة، مع التشديد على ضرورة تهيئة المناخات الملائمة لإجراء الانتخابات النيابية في مواعيدها، باعتبار أن هذا الاستحقاق يؤمن تطبيق اتفاق الدوحة بشكل كامل حتى بنده الاخير.
ويلفت الى ان هذه الحركة السياسية ستستمر حتى موعد الانتخابات النيابية مطلع الربيع المقبل، مشددا على ان هذا الاستحقاق سيكون تحت المجهر القطري والمجتمع الاوروبي في ظل التراجع الأميركي الواضح والناتج من انشغال الادارة الاميركية في هذه المرحلة في ترتيب بيتها الداخلي في ضوء الانتخابات الرئاسية التي اوصلت باراك اوباما الى البيت الابيض. وابرز دليل الى هذا الاهتمام اعلان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي استعداد الاتحاد الاوروبي وفرنسا اداء دور في مراقبة مسار هذه الانتخابات.
ويبدي الديبلوماسي اياه اعتقادا بأن الاوروبيين المتابعين بدقة تفاصيل المرحلة السياسية الراهنة، أقنعوا المسؤولين اللبنانيين بضرورة التنسيق مع سوريا لملاحقة البؤر الارهابية والخلايا النائمة، وان نجاح هذا الامر سيحمل الاتحاد الاوروبي على تشجيع سوريا اكثر للانخراط في عملية التهدئة والتسوية في المنطقة، خصوصا بعد رسوه على قناعة بأن لدمشق دورا فاعلا تلعبه في هذا الاطار نتيجة قدرتها على ممارسة ضغوط على بعض القوى للتخفيف من حدة المواجهة.
ويرى ان السياسة الاوروبية تتعارض راهنا مع النظرة الاميركية التي قد تتغير مع الادارة الجديدة، تلك النظرة التي تعتبر انه من المبكر التعويل على اي انخراط سوري في اي تسوية ممكنة من منطلق أن المطلوب من دمشق الكثير وهي لا تنفذ إلا القليل، في تكتيك سياسي سوري يعتمد على استخدام الملفات الساخنة والمفتوحة أوراق ضغط ومساومة لفك العزلة اولاً ولتحسين شروط التفاوض ثانيا.
مكافآت اسرائيلية للاسد!
بالنظر الى السياسة التي انتهجتها الادارة الفرنسية الجديدة بالانفتاح على دمشق والترويج للحوار معها لدى الادارة الاميركية الجديدة، كما ظهر من خلال خطاب وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير في واشنطن أمام معهد "بروكينغ" المقرب من الديمقراطيين، في الثاني عشر من تشرين الثاني (نوفمبر)، شكّل إحياء العلاقات السياسية الرفيعة المستوى مع دمشق أحد أبرز "النقاط الخلافية" بين باريس وإدارة بوش، التي ما زالت تتمسك بمنطق "المواجهة" غير المقبولة فرنسياً مع تأكيد ساركوزي في كل مناسبة انه ليس نادما على استعادة الحوار مع سوريا بناء على المصالح المتبادلة بين باريس ودمشق.
وفي ظل التطورات - خصوصا الاوروبية- على صعيد العلاقة المستجدة مع سوريا، ومع تعويل القيادة في دمشق على تغيير في السياسة الاميركية تجاهها، يترقب فريق قوى الرابع عشر من آذار (مارس) مسار تطور الاحداث دوليا وانعكاسها لبنانيا. وكان لا بد لاقطابه زيارة عواصم عربية ودولية، ابرزها موسكو وواشنطن والقاهرة، في محاولة لاستكشاف بعض الخبايا او التحوّط من مفاجآت سياسية قد تحملها الرياح الدولية والاقليمية المتسارعة في الاستراتيجيا الفرنسية الجديدة "الانفتاح والعودة الى منطق الحوار".
من المفيد في هذا الشأن ذِكْرُ ما كتبه المراسل السياسي في صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية آرييه شافيط عن "مكافآت" يجب أن تُقدّم الى الرئيس السوري بشار الأسد في لبنان، وما ينطلي عليه هذا الكلام من انعكاس على مسار "ثورة الارز". يقول شاليط: "الاخبار الجيدة تزيد الدلائل الى احتمالات التوصل الى سلام سوري – اسرائيلي. هناك تقديرات استخبارية وعسكرية كثيرة تشير الى استعداد الاسد لاجتياز الخطوط والتحالف مع الغرب. فوضع الاقتصاد السوري سيىء للغاية، والازمة العالمية اضعفت الدولتين الاساسيتين المحرّضتين على المواجهة، أي ايران وروسيا. من هنا، اذا قررت الادارة في واشنطن والحكومة الاسرائيلية الجديدة القيام بأمر ما، فمن المحتمل انهما تستطيعان ان تحدثا تغيرا في دمشق. ولكن لحدوث ذلك علينا التصرف بصورة ذكية، وان نقترح على السوريين صيغة متزنة تقوم على الترغيب والترهيب. كما يجب التأكد ان سوريا فكت تحالفها مع ايران ومع الجهاد، وعندها يجب تعويضها بصورة سخية في الجولان ولبنان. في المقابل فالاتفاق الدائم مع الاسد في متناول اليد. من هنا، المطلوب راهنا عدم تضييع الوقت والطاقة على أمر لا فائدة منه مثل انابوليس، والتركيز على المسار السوري".
يفرض هذا المنطق الاسرائيلي وتبدل مقتضيات الظروف السياسية، اجندة سياسية جديدة قد تكون شكلت للبعض دليلا على صحة رؤيته السياسية، وللبعض الآخر كابوسا يسرق الاماني والرغبات كما التطلعات. وهذه الاجندة املت وتملي زيارات لبنانية لدمشق في محاولة لترميم العلاقة ومأسستها، وربما تصحيح هذه العلاقة بين النظام في سوريا وفئات اشهرت الخصام لها.
انفتاح لا يزال مشروطا
في قراءة سياسية مغايرة للتحرك الاوروبي، ترى مصادر سياسية قريبة من الموالاة أن قوى الرابع عشر من آذار (مارس) التقطت في غضون الأسابيع القليلة الفائتة بعضا من أنفاسها مع عودتها الى المسرح الخارجي بعد فترة من انعدام الوزن السياسي على المستوى الدولي بفعل استحقاقات وتغييرات إقليمية ودولية باتت معروفة. وتشير الى ان زيارتي ميليباند وفييون لبيروت حملتا تأكيدا على ضرورة تنفيذ الجانب السوري التزاماته تجاه لبنان عبر خطوات عملية لا تنتهي باتمام خطوة التبادل الديبلوماسي، بل تتعداها الى خطوات ترسيم الحدود وايجاد الحل النهائي لملف المفقودين.
وتلفت الى ان ميليباند أبلغ الى الرئيس الاسد رسالة سياسيّة مفادها أنّ أيّ تراجع سوري عن الالتزامات التي اعلنها امام المجتمع الدولي بأسره سيعرّض دمشق الى تجربة قاسية، وأنّ الوقت الفاصل عن تسلم الرئيس الاميركي المنتخب مقاليد الحكم في البيت الأبيض هو الوقت الملائم لكي تعطي سوريا الإشارات الايجابيّة لتغيّر سلوكها، مما يشير الى ان الانفتاح الاوروبي على دمشق لا يزال مشروطا بشكل اساس بالملف اللبناني وهو يخضع للمراقبة والمتابعة، ما يبعد احتمال اي مساومة اوروبية على حساب سيادة لبنان واستقلاله.
وفيما يصنف فريق من اللبنانيين زيارة ميليباند في خانة "جس نبض" القيادة السورية، يفيد تقرير ديبلوماسي غربي ان الهدف من هذه الزيارة الرسمية الاولى لمسؤول بريطاني منذ العام 2001 هو احياء سبل التعاون على المستوى الاستخباري بين البلدين، وكذلك ايصال رسالة الى الادارة الاميركية الجديدة التي تتحضر لاستلام الحكم، مفادها ان لندن تدعم سوريا كعامل للسلام والاستقرار في المنطقة. وهذا ما يساعد سوريا راهنا على اعادة صوغ علاقاتها مع الغرب وعلى استعادة قوتها ونفوذها في جوارها العربي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق