مراكز الابحاث التي سخر منها جنبلاط تدعو الى انعطافة حادة في سياسة واشنطن
الاستراتيجيا الاميركية الجديدة: سلام اسرائيلي – سوري – لبناني؟
الاستراتيجيا الاميركية الجديدة: سلام اسرائيلي – سوري – لبناني؟
هل يقطع اوباما كليا مع ادارة بوش فـ "يبدأ بسوريا"؟
صفقة اسرئيلية – سورية ستعيد تصفيف المنطقة وفق المصالح الاميركية
ينشر في "الاسبوع العربي" في 22/12/2008صفقة اسرئيلية – سورية ستعيد تصفيف المنطقة وفق المصالح الاميركية
بينما تغرق مراكز الابحاث الاميركية Think Tanks الرأي العام الاميركي، وخصوصا صنّاع القرار في العاصمة واشنطن ومجموعات المستشارين او الطامحين بمنصب تنفيذي في الادارة الاميركية الجديدة، بعشرات الابحاث والتقارير عن الآليات المفترض ان يتبعها الرئيس باراك اوباما الذي رسم جزءا غير يسير من خريطة حكمه الآتي، يغرق مسؤولون لبنانيون واستشاريون في قراءة هذه الابحاث والتقارير وخصوصا تلك المتعلقة بالسياسة المفترضة في الشرق الاوسط، وخصوصا في لبنان وسوريا وايران. ومنطلق هذا الاهتمام اللبناني ليس فكريا فحسب، بل لادراك عام بمدى تأثير مراكز الابحاث هذه على صناع القرار الاميركي، والحجم الذي بلغه الباحثون في هذه المراكز في عهد الادارة الآفلة حيث كان معظم السياسات يطبخ سرا في كواليسها قبل ان يتنبناه فريق عمل الرئيس جورج بوش.
تُبرز مراكز الابحاث الاميركية في غالبية دراساتها وتقاريرها، وفي شكل رئيسي، الميل البحثي العام الى انعطافة حادة في السياسة الاميركية تجاه سوريا تحديدا، والانتقال من العزل الى الاحتواء، ومن اسقاط النظام ومن ثم تغيير سلوكه الى تشجيعه على الانخراط في السياسات الدولية تارة عبر الجزرة الفرنسية وطورا عبر الدينامكية التركية على خط التفاوض السوري – الاسرائيلي.
وهذان الاحتواء والانخراط هما تحديدا ما اشتكا منهما في الثامن من كانون الاول (ديسمبر) رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في خطابه في الجمعية العامة للحزب وفي الذكرى السنوية لاغتيال كمال جنبلاط، وهو عبّر صراحة عن ضيق من هذه المراكز البحثية ومن النظريات التي اختبر معظمها على امتداد الاعوام الثلاثة الفائتة وثبت له عقمها، او غربتها عن الواقع في احسن الاحوال، على الرغم من انه زار عددا منها، وألقى على منابرها خطبا استشرافية للشرق الأوسط، وله مع باحثين كثر فيها صداقات.
قال جنبلاط في تلك المناسبة: "لم يتغير شيئ عن ظروف العام 1977 ابدا ولن يتغير شيئ، الوحش هو نفسه والابن سر ابيه، والنظام هو ذاته لأن الانظمة الكلية لا يمكن ان تتغير ان تتحول لكي تصبح ما يسمى بالديموقراطية والتحررية، وكل الامال وبالاحرى الاوهام لمراكز الدراسات الغربية اميركية كانت غير اميركية في نظرية الاستقطاب او التداخل ونظريات تحسين الامور من الداخل كلها اوهام سخيفة، فقط هي مصالح الغرب مع هذا النظام السوري ولنعترف باننا لم نفلح في ان يضغط الغرب ولو جزئيا عبر تغيير تدريجي، ولذلك بقي النظام ويبقى هذا النظام وهو الخطر الاول والاخير على الحركة الاستقلالية اللبنانية والحركة الاستقلالية الفلسطينية".
اللافت ان ضيق الصدر هذا برز بعد اسابيع من زيارة جنبلاط لواشنطن، ما يدل بوضوح الى شيئ ما يطبخ في كواليس المراكز البحثية لم يستطيبه لا ذوق زعيم المختارة، ولا استشعاراته.
وثمة من يزعم ان جنبلاط عاد من الولايات المتحدة الاميركية حاملا تحذيرا الى قوى الرابع عشر من آذار (مارس) فيه ان "باراك اوباما يريد الانفتاح على دمشق والقطيعة مع سياسة جورج بوش".
"لنبدأ بسوريا"
الباحث آرون ديفيد ميللر هو مدير "بذور السلام" وزميل في السياسة العامة في "مركز وودرو ويلسون العالمي للعلماء"، وشغل مستشارا حول الشرق الأوسط لوزراء خارجية جمهوريين وديمقراطيين، وعمل في وزارة الخارجية 25 عاما كمفاوض في الشرق الأوسط ومستشار في الشؤون العربية الإسرائيليّة، وآخر كتاب له هو "الأرض الموعودة بشكل زائد". وهو معروف بقربه من اللوبي اليهودي وبإلتصاقه بالمصالح الاسرائيلية، ومن ابرز المؤثرين في مراكز القرار ومقرب من مسؤولين اميركيين في الادارة الجديدة. وهو يقول عن نفسه انه عمِل مع ستة وزراء خارجية أميركيين على المفاوضات العربية الإسرائيلية، وانه أصبح يؤمن بأهمية علاقات أميركية إسرائيلية متينة.
احدث دراسات مييلر وضعها في السادس والعشرين من تشرين الثاني (نوفمبر) بعنوان "لنبدأ بسوريا: صفقة في الشرق الأوسط يستطيع أوباما البناء عليها"، وفيها مجموعة من النصائح الى الرئيس الاميركي الجديد حول الشرق الاوسط.
يقول ميللر: "سوف يغرق الرئيس المنتخب باراك أوباما بتوصيات عديدة حول كيفية التوجه نحو صنع السلام العربي الإسرائيلي. إحدى النصائح التي يتوجب عليه عدم تبنيها هي جعل السلام الإسرائيلي الفلسطيني على رأس قائمة أولوياته. ليست هناك صفقة في ذلك. ولكن هناك فرصة حقيقية لاتفاقية إسرائيلية - سورية، ويتوجب على أوباما أن يتبناها. هناك بالطبع نقاشات قوية لصالح جعل صنع السلام الإسرائيلي - الفلسطيني أولوية. يستحق الفلسطينيون دولة لهم، ولا تعتبر اتفاقية إسرائيلية فلسطينية مجرد مفتاح لسلام عربي إسرائيلي، وإنما لبقاء إسرائيل على المدى البعيد كدولة يهودية ديمقراطية.
قد يغري رئيس جديد يتوق إلى إصلاح صورة أميركا في الخارج تجربة محاولة التوصل إلى اتفاقية، إلا أنه يتوجب عليه تجاهل نداء هذا الإغراء. ليست هناك اتفاقية تنهي النزاع ممكنة الآن، وليس من المحتمل وجود واحدة في المستقبل القريب. المخاطرة عالية جداً إذا قامت أميركا بتقبّل أوهام سوف تؤدي بالتأكيد إلى فشل آخر. ما زالت الفجوات التي تفصل الطرفين حول القضايا الجوهرية (القدس والحدود واللاجئين والأمن) واسعة جداً. الزعماء الحاليون أضعف من أن يتمكنوا من جسر هذه الفجوات، والبيئة على الأرض أكثر تعقيداً من أن تسمح بمفاوضات مستدامة.
وفي فلسطين، تسود الفوضى والاختلال، وتعاني الحركة الوطنية الفلسطينية من خلافات جغرافية وسياسية بين "حماس" (وهي نفسها منقسمة) و"فتح" (وهي نفسها منقسمة بصورة أسوأ). ليس هناك سوى فرصة ضئيلة لإيجاد بيت فلسطيني موحّد يستطيع السيطرة على البنادق ويقدم موقفاً تفاوضياً متحداً قادراً على البقاء بحيث يمكن لأي حكومة إسرائيلية قبوله. تسود القيادات الضعيفة وسياسات تحالف غير مستقرة في إسرائيل كذلك. ويشكل نشاط استيطاني إسرائيلي يستمر دون توقف صورة كابوسية تستطيع إبعاد أي وسيط ذكي وتجعله يولّي الادبار.
سوف يكون من الخطأ إتباع هذا السبيل، إذا أخذنا في الاعتبار هذه الحالات والشروط. قد يكون مفهوم "من الأفضل أن يحاول المرء ويفشل بدلاً من ألا يحاول بالمرة"، صرخة تجمع اللاعبين يطلقها مدرب كرة القدم. إلا أنها غير مناسبة كمبدأ في السياسة الخارجية لأعظم قوة في العالم. أثبتت المحاولة ذات النية الحسنة، والتي شكلت شعار بيل كلينتون في كامب ديفيد في تموز (يوليو) 2000، معززة من قبل مستشاريه، وأنا واحد منهم، أنها مكلفة. وقد كانت الظروف أفضل بكثير في العام 2000 (على الرغم من أنها لم تكن الظروف الصحيحة) مقارنة بتلك التي تواجهها الإدارة الجديدة.
دولتان وطاولة واحدة
النقاش الذي يفرض نفسه بصورة أقوى هو في مصلحة دفعة كبيرة في مفاوضات أخرى: بين إسرائيل وسوريا. هنا توجد دولتان على الطاولة، بدلاً من دولة واحدة وحركة وطنية غير فاعلة. وتسود حدود هادئة هنا، بفضل ديبلوماسية الفصل التي وضعها هنري كيسنجر في العام 1974. كما أن هناك عدد أقل من المستوطنين في مرتفعات الجولان، ولا توجد قضايا ضخمة متعددة مثل وضع القدس لتفجير المحادثات. القضايا بالتأكيد مباشرة - الانسحاب والسلام والأمن والمياه - والفجوات واضحة كذلك وجاهزة ليتم جسرها.
بالنسبة الى رئيس يبحث عن سبيل لإعطاء دفعة لمصداقية أميركا، توفر اتفاقية إسرائيلية - سورية قيمة مضافة محتملة. تبدأ صفقة كهذه بإعادة تصفيف تركيبة المنطقة بطريقة تخدم مصالح الولايات المتحدة الأوسع. سوف يتوجب على البيت الأبيض أن يكون صبوراً. لن تبتعد سوريا ببساطة عن علاقة استمرت ثلاثين عاما مع إيران. سوف يتوجب أن تتم عملية إبعاد سوريا من إيران ببطء تدريجي، وتتطلب جهداً دولياً رئيسياً لتنظيم الدعم السياسي والاقتصادي لدمشق. على الرغم من ذلك سوف تعطي معاهدة سلام إسرائيلية - سورية خيارات صعبة وبدائل قليلة لـ "حماس" و"حزب الله" وإيران.
لن يكون أي من هذا سهلاً. سوف يتوجب على إدارة الرئيس أوباما، والرئيس الجديد بالذات أن يكون في خضم الأمور. سوف يكون تحقيق احتياجات إسرائيل وسوريا الاقتصادية والأمنية صعباً إلى درجة مؤلمة جداً ومكلفاً ويستغرق وقتاً طويلاً، كما سوف تُشرك الاتفاقية النهائية على الأرجح صانعي سلام من الولايات المتحدة. الأهم من ذلك أنه سيتوجب على الولايات المتحدة أن تدفع الطرفين إلى أبعد مما هم على استعداد للذهاب الآن، إلى درجة الانسحاب من الجولان بالنسبة الى اسرائيل، والتطبيع والأمن في حالة سوريا. ولكن بوجود زعماء إسرائيليين وسوريين جادين، وبإدارة جديدة مستعدة لأن تكون صارمة وذكية وعادلة في دبلوماسيتها، يمكن تحقيق صفقة.
لذا، يا سيدي الرئيس المنتخب، اذهب وحاول تحقيق وقف إسرائيلي - فلسطيني لإطلاق النار، واعمل على تدريب قوات الأمن الفلسطينية وضخ المعونة الاقتصادية في غزة والضفة الغربية ورعاية المفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية بهدوء. ولكن لا تتوجه نحو نهاية اللعبة، فلن تصل إلى هناك. بدلاً من ذلك قم بالاستثمار في السلام الإسرائيلي - السوري وقد تجد بعد ذلك، وبعد تحقيق نجاح تاريخي، وبعد أن يتم الإعجاب بأميركا مرة أخرى لكفاءتها، وستكون في موضع أفضل لتحقيق النجاح الذي تريده في المفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية أيضاً".
ثلاثي السلام؟!
ويتزامن هذا التقرير البحثي مع كلام لافت لمساعد وزيرة الخارجية السفير دايفيد ولش الذي قال: "من الجيّد أنْ يتمّ تحقيق السّلام بين إسرائيل ولبنان وسوريا وأنّ هدف الإدارة الأميركيّة ضمّ الأفرقاء جميعاً إلى الحوار"، في حين كان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يصرح من باريس لمناسبة الاحتفال بالذّكرى الستّين لإعلان حقوق الإنسان أنّه يثق بسوريا وأنّه ليس نادماً على الحوار معها، وينوّه في الوقت عينه بـ "دور سوريا الإيجابيّ في لبنان الّذي أدى إلى انتخاب الرّئيس ميشال سليمان وقيام حكومة الوحدة الوطنيّة والتّحضير للانتخابات النّيابيّة"، من دون ان تفوته الاشارة الى "انعقاد محادثات السّلام غير المباشرة بين سوريا وإسرائيل بوساطة تركيّة لتحقيق السّلام الشّامل في المنطقة".
يقول ديبلوماسي غربي بارز عامل في بيروت لـ "الاسبوع العربي"، ان ثمة كلمة سر تتداول في عواصم القرار وخصوصا بين باريس وواشنطن، ملخصها وجوب العمل على تحريك التفاوض على المسار الاسرائيلي – السوري – اللبناني بشكل متزامن ومتقاطع والتخلي مرحليا عن اي جهد زائد على المسار الاسرائيلي – الفلسطيني، انطلاق من معطيين:
-الاول ان لا جدوى من استئناف العمل على المستوى الاسرائيلي – الفلسطيني في ظل غياب القادة القادرين على تحقيق اختراق جديد على هذا المسار: فلا الرئيس الفلسطيني محمود عباس في وضع المتمكّن والممسك بالقرار الفلسطيني وهو بات اقرب الى الخروج من السلطة شرعيا وشعبيا وسط كل التداعيات التي تحيط به والتي تجعل الانتخابات الفلسطينية – في حال حصولها – في متناول فصائل الرفض،
-والثاني ان لا جدوى في البحث عن اي انخراط سوري في السياسات الدولية، من دون اقتناع عواصم القرار بإعطاء القيادة السورية الثمن الملائم لابتعادها عن الجمهورية الاسلامية في ايران، وهو ثمن سيكون باهظا بلا شك (اقتصادي – عسكري وصولا الى مسألة المحكمة الدولية الخاصة للبنان)، لكن لا بد من تقديمه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق