المحيطون بالرئيس الفرنسي مقتنعون بنجاعة التعاطي الجديد مع الملف اللبناني
بيروت – باريس مجددا: قصران ومأسسة وزيارة دولة
سليمان في باريس في شباط لتكريس النهج الفرنسي الجديد مع لبنان
بيروت – باريس مجددا: قصران ومأسسة وزيارة دولة
سليمان في باريس في شباط لتكريس النهج الفرنسي الجديد مع لبنان
ينشر في "الاسبوع العربي" في 1/12/2008
كرّست زيارة رئيس الوزراء الفرنسي فرنسوا فييون لبيروت الاسبوع الفائت العلاقة التاريخية بين لبنان وفرنسا. وتُمكن ملاحظة مدى الاهتمام الفرنسي بلبنان الذي يحظى بمكانة خاصة ويندرج ضمن اهتمامات الفرنسيين السياسية والثقافية والخارجية، من خلال عدد المشاركين في الوفد الذي ضم 120 مسؤولا سياسيا وحكوميا ورجال اعمال. عنوان الزيارة كان سياسيا- اقتصاديا نظرا الى الاتفاقات التي وقعت وتسديد المبالغ المالية المرتبطة بمؤتمر باريس-3 ومن بينها 125 مليون يورو لعملية تخصيص الهاتف الخليوي المؤجلة تكرارا، ومئة مليون يورو ستدفع في السنة 2009 بعد انجاز مشروع خصخصة الكهرباء.
في نظرة عامة الى العلاقة اللبنانية- الفرنسية، يبدو الاحتضان الفرنسي للبنان عاملا ثابتا في ظل كل المتغيرات في السياسات الخارجية للدول وفق المصالح والاطماع والاستراتيجيات. فلفرنسا ادوار كبيرة في تاريخ لبنان تجلت في الفترة الاخيرة بالمساعدة على حل ازمته السياسية كما بالتمسك بسيادته واستقلاله من خلال القرارات الدولية التي صدرت بدءا من القرار 1559 مرورا بقرارات المحكمة الدولية، ثم القرار 1701، وكلها تشكل ثوابت في السياسة الخارجية تجاه لبنان، اضافة الى وجود 2200 جندي فرنسي في عداد "القوة الدولية" لمعززة في الجنوب.
وثمة من المراقبين من يرى ان آلية التعاطي الفرنسي الرئاسي مع لبنان تغيّرت جذريا مع الرئيس ساركوزي:
أ-فجعلها في قصر الاليزيه حصرا مع امينه العام كلود غيان، وسحبها من وزير خارجيته "المشاغب" برنار كوشنير،
ب-وربطها مباشرة بين القصرين الجمهوريين في الاليزيه وبعبدا، بحيث كان امينا للتحفظات التي ابداها في هذا الصدد في عهد الرئيس السابق جاك شيراك، والتي قال مقربون منه يوم كان وزيرا للداخلية انها تعتمد على الشخصانية والعائلية بدل المأسسة والشمولية.
ويرى المراقبون ان زيارة الدولة التي سيقوم بها الرئيس سليمان لباريس في شباط من السنة المقبلة ستكون مفصلية في تثبيت هذا التعاطي الرئاسي الفرنسي، بحيث تكرّس ما كان مكرّسا منذ رئاسة الجنرال شارل ديغول. ويشيرون الى ان المحيطين بساركوزي باتوا مقتنعين بأن مأسسة العلاقة مع لبنان هي التي تعيد للدور الفرنسي ألقه وتميزه لبنانيا، وان هذا النهج كان له الاسهام الاكبر في معالجة الفراغ الرئاسي اللبناني الذي امتد نحو نصف عام.
العادة السيئة
في خضم كل هذا الدعم الفرنسي الذي يؤثر على علاقات فرنسا مع عدد من الدول العربية في الوقت الراهن، توترا او انفتاحا، يستمر الصراع السياسي، كما درجت العادة اللبنانية (السيئة)، العنوان الحقيقي لكل المماحكات والتجاذبات في اي ميدان او مجال. فاتفاق الدوحة وما نتج عنه من حل سياسي مرحلي، أسهمت به فرنسا، جعل عنوان المرحلة الراهنة منطقُ التسوية بلبوس توافقي، من باب تحظيره عرقلة العمل الحكومي (استقالة او اقالة) كما كل المؤسسات الدولتية.
وباتت الحملات السياسية تساق تحت شعار "الحرص على المصلحة الوطنية العليا". هو بالتأكيد الشعار الرنان الذي لم يعد ينطلي على غالبية الرأي العام اللبناني. وبات الامن والتعليم والطبابة وصولا الى الاتصالات (علة العلل) ممرات لتحقيق المصالح السياسية الشخصية او بالاحرى للتصويب على الاخصام في السياسة، لو على حساب المواطن الذي عانى ويعاني من انانية ذاتية – سياسية، غالبا ما تحرمه حقوقه الدنيا.
ولأنّ اللبناني لم يعد مجرد متلق بريء يصدق ما يسمعه في وسائل الاعلام من حملات وحملات مضادة، من دون التمحيص في الابعاد والخلفيات والاسباب الحقيقية وراء كل المسرحيات الاعلامية التي غالبا ما تقودها الاوركسترات السياسية المحترفة، ولان ما من امر في السياسة مجرد من هذه الابعاد الماورائية - الحدث، فإنّه من البديهي الاستنتاج انه بالنسبة الى بعض الذين هم في مواقع المسؤولية يصير حق المواطن ومصلحته في ادنى لائحة اهتماماتهم، الى حد باتت لكل التجاذبات السياسية ابعاد تتخطى الحدود الجغرافية لتطال المحيط انطلاقا من الحرص على المصالح المشتركة مع بعض الدول "الحليفة" او "الشقيقة" او "الصديقة" و"الداعمة" سواء في السياسة او في الاقتصاد وحتى في الأمن.
علة الاتصالات وعقبة الاصلاح
طالما شكل قطاع الاتصالات في لبنان موردا اساسيا لمداخيل الخزينة، ولطالما شكل ايضا مادة اساسية للجدال والسجال، وممرا لتصفية الحسابات او لابراز العضلات بين الاخصام في معارك شهدها الرأي العام اللبناني في فترة غير بعيدة. ولان بعض التاريخ يعيد نفسه بتكرار يكاد يكون مملا، اعيدت السياسة كي تقحم في الاتصالات.
فبُعيد الحصول على الضوء الاخضر من مجلس الوزراء لبدء في ورشة ترميم قطاع الخليوي ادارةً وتشغيلا، عاد الزمن 5 اعوام خلت، يوم ضاع اللبناني بين وجهات النظر الرقمية في قطاع يشكّل نحو 45% من مدخول الخزينة العامة. وعادت المفردات اياها، صفقات ووساطات وعمولات، تتطاير في اتهامات تشبه تماما الاصطفاف السياسي بين فريقي الازمة، حيث يخيّل للبعض من الجانبين ان لا مكان سوى للتوظيف والاستثمار والجني.
وفيما اكتفى وزير الاتصالات جبران باسيل بجعل الموضوع محصورا بعدم رغبة خصومه بالشروع في عملية اصلاح الخليوي باعتبار "انّ سوء الخدمة والتشويش وارتفاع الاسعار كلها عوامل تسهم في ازدياد النقمة الشعبية عليه وعلى المرجعية السياسية التي يمثل اي "التيار الوطني الحر"، تفيد مصادر مطلعة على حيثيات هذا الملف ان المرامي من الحملة على مسعى وزير الاتصالات لتلزيم ادارة شبكة "الفا" MIC1 لشركة "سوفريكوم" الفرنسية التابعة للشركة العملاقة في مجال الاتصالات "فرنس تلكوم" لحسابات سياسية تتعلق تحديدا بعلاقة تيار "المستقبل" بفرنسا نيكولا ساركوزي، اذ تبين لوزارة الاتصالات ان الشريك الالماني (ديتيكون) في شركة "فال ديتي"، وهي الشركة المشغلة لشركة "الفا" وعبارة عن كونسورسيوم الماني – سعودي، قرر الانسحاب من هذا الكونسورسيوم وهو كان يملك الحصة الاكبر فيه (51% من الاسهم)، فأضحى موقع الشريك السعودي (فال) ضعيفا بـ 49% من الاسهم وبعدم جهوزية للتشغيل نظرا الى ان المديرين الكبار في الشركة هم من الالمان المنسحبين مع شركتهم.
ولأن السياسة ما دخلت شيئا الا فسدته، صارت الصورة النمطية على الشكل الآتي: شركة سعودية تنسحب لتحل مكانها شركة فرنسية. اذ ذاك وقعت الواقعة وثارت الثائرة حتى وصلت الى مجلس الوزراء الذي امسك عصا الخليوي من وسطها وقرر استصدار قرار وسطي على صورة رئاسة الجمهورية التوافقية والوسطية، حتى لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم.
وثمة في "التيار الوطني الحر" من يرى ان العامل السياسي الحقيقي كان المحرك لكل السجال في الملف الخليوي. ويشتمّ البعض في التيار خشية في الموالاة من ان يوظَّف ادخال شركة "سوفريكوم" الفرنسية بدل الشركة السعودية المنسحبة، ربحا سياسيا لـ "التيار الوطني الحر" لناحية علاقته بفرنسا، "ولكي لا يحسب له انه اعاد فرنسا ساركوزي الى سوق الاتصالات التي سحبت منها في العام 2004، من الباب العريض اياه".
ويشير هؤلاء الى ان توقيت الحملة الاعلامية على وزير الاتصالات جاء عشية اطلاقه خدمة الـ Call Center، وهي خطوة تقنية متقدمة من شأنها الانعكاس ايجابا على الاقتصاد اللبناني، وايضا بعيد تحرير الوزير الارقام الهاتفية المميزة من خلال المزاد العلني والمداخيل الاضافية التي قاربت المليوني دولار، وهو ترك انطباعا بانه قادر على تحقيق نجاحات في تحسين اوضاع شبكتي الخليوي اللتين باتتا مصدر شكوى المواطن وانزعاجه.
وفي وقت تتحدث مصادر اقتصادية عن مجموعة اتجاهات ايجابية يعمل لها وزير الاتصالات وتتعلق بالبحث عن شروط جديدة لاخذ افضلها لتحسين خدمات الخليوي وخفض اسعار التخابر، وارتباط كل ذلك بتحسين وضع الشبكات، تفيد مصادر سياسية مطلعة ان تصعيد هذه الحملة، في حال استمرارها قد يؤدي الى شلل في حكومة الوحدة الوطنية التي تطلب الوصول اليها الكثير من المآسي والاثمان الباهظة من اقفال الوسط التجاري وشل الاقتصاد والسياسة والامن لعام ونيف الى السابع من ايار (مايو). لكنها تعتقد ان الامور لن تطور الى تأزم كبير "لأن سقف الدوحة، الذي يلتزمه جميع الافرقاء، يمنع الاسوأ". ولفتت الى ان هدنة التسويات هذه ستمتد الى الانتخابات النيابية المقبلة في ربيع السنة 2009.
ما وراء الحدود
بما ان التفتيش عن خلفيات الصراع السياسي من بوابة "الاتصالات" من مسلتزمات الدقة في التحليل، يرى بعض المراقبين ان لهذا الصراع امتدادات خارجية كانت الدافع لاحدهما لان يبدأ بالتصويب، ختى لو لم يردها الطرفان. فبالنظر الى ان التفاوض جرى مع شركة فرنسية هي "سوفريكوم" لتحل مكان شركة "فال ديتي" (السعودية- الامانية)، فانّ البلبلة التي شهدها قطاع الخليوي ليست الا امتدادا لارباك في العلاقة الفرنسية- السعودية، ناتج من تقرب فرنسا ساركوزي من القيادة السورية – اول خصوم المملكة العربية السعودية في العالم العربي في الوقت الراهن- على خلفية ما حصل في لبنان.
ويلفت المراقبون الى ان التوتر الفرنسي - السعودي أخذ الصيف الفائت شكلاً مختلفاً مع تلقي باريس رسالة "احتجاج" من الرياض تخص زيارة الرئيس السوري بشار الأسد لفرنسا، فاضطر الرئيس الفرنسي يومها الى إيفاد مسؤول فرنسي رفيع للقاء الملك السعودي ليوضح الكثير من النقاط.
في نظرة عامة الى العلاقة اللبنانية- الفرنسية، يبدو الاحتضان الفرنسي للبنان عاملا ثابتا في ظل كل المتغيرات في السياسات الخارجية للدول وفق المصالح والاطماع والاستراتيجيات. فلفرنسا ادوار كبيرة في تاريخ لبنان تجلت في الفترة الاخيرة بالمساعدة على حل ازمته السياسية كما بالتمسك بسيادته واستقلاله من خلال القرارات الدولية التي صدرت بدءا من القرار 1559 مرورا بقرارات المحكمة الدولية، ثم القرار 1701، وكلها تشكل ثوابت في السياسة الخارجية تجاه لبنان، اضافة الى وجود 2200 جندي فرنسي في عداد "القوة الدولية" لمعززة في الجنوب.
وثمة من المراقبين من يرى ان آلية التعاطي الفرنسي الرئاسي مع لبنان تغيّرت جذريا مع الرئيس ساركوزي:
أ-فجعلها في قصر الاليزيه حصرا مع امينه العام كلود غيان، وسحبها من وزير خارجيته "المشاغب" برنار كوشنير،
ب-وربطها مباشرة بين القصرين الجمهوريين في الاليزيه وبعبدا، بحيث كان امينا للتحفظات التي ابداها في هذا الصدد في عهد الرئيس السابق جاك شيراك، والتي قال مقربون منه يوم كان وزيرا للداخلية انها تعتمد على الشخصانية والعائلية بدل المأسسة والشمولية.
ويرى المراقبون ان زيارة الدولة التي سيقوم بها الرئيس سليمان لباريس في شباط من السنة المقبلة ستكون مفصلية في تثبيت هذا التعاطي الرئاسي الفرنسي، بحيث تكرّس ما كان مكرّسا منذ رئاسة الجنرال شارل ديغول. ويشيرون الى ان المحيطين بساركوزي باتوا مقتنعين بأن مأسسة العلاقة مع لبنان هي التي تعيد للدور الفرنسي ألقه وتميزه لبنانيا، وان هذا النهج كان له الاسهام الاكبر في معالجة الفراغ الرئاسي اللبناني الذي امتد نحو نصف عام.
العادة السيئة
في خضم كل هذا الدعم الفرنسي الذي يؤثر على علاقات فرنسا مع عدد من الدول العربية في الوقت الراهن، توترا او انفتاحا، يستمر الصراع السياسي، كما درجت العادة اللبنانية (السيئة)، العنوان الحقيقي لكل المماحكات والتجاذبات في اي ميدان او مجال. فاتفاق الدوحة وما نتج عنه من حل سياسي مرحلي، أسهمت به فرنسا، جعل عنوان المرحلة الراهنة منطقُ التسوية بلبوس توافقي، من باب تحظيره عرقلة العمل الحكومي (استقالة او اقالة) كما كل المؤسسات الدولتية.
وباتت الحملات السياسية تساق تحت شعار "الحرص على المصلحة الوطنية العليا". هو بالتأكيد الشعار الرنان الذي لم يعد ينطلي على غالبية الرأي العام اللبناني. وبات الامن والتعليم والطبابة وصولا الى الاتصالات (علة العلل) ممرات لتحقيق المصالح السياسية الشخصية او بالاحرى للتصويب على الاخصام في السياسة، لو على حساب المواطن الذي عانى ويعاني من انانية ذاتية – سياسية، غالبا ما تحرمه حقوقه الدنيا.
ولأنّ اللبناني لم يعد مجرد متلق بريء يصدق ما يسمعه في وسائل الاعلام من حملات وحملات مضادة، من دون التمحيص في الابعاد والخلفيات والاسباب الحقيقية وراء كل المسرحيات الاعلامية التي غالبا ما تقودها الاوركسترات السياسية المحترفة، ولان ما من امر في السياسة مجرد من هذه الابعاد الماورائية - الحدث، فإنّه من البديهي الاستنتاج انه بالنسبة الى بعض الذين هم في مواقع المسؤولية يصير حق المواطن ومصلحته في ادنى لائحة اهتماماتهم، الى حد باتت لكل التجاذبات السياسية ابعاد تتخطى الحدود الجغرافية لتطال المحيط انطلاقا من الحرص على المصالح المشتركة مع بعض الدول "الحليفة" او "الشقيقة" او "الصديقة" و"الداعمة" سواء في السياسة او في الاقتصاد وحتى في الأمن.
علة الاتصالات وعقبة الاصلاح
طالما شكل قطاع الاتصالات في لبنان موردا اساسيا لمداخيل الخزينة، ولطالما شكل ايضا مادة اساسية للجدال والسجال، وممرا لتصفية الحسابات او لابراز العضلات بين الاخصام في معارك شهدها الرأي العام اللبناني في فترة غير بعيدة. ولان بعض التاريخ يعيد نفسه بتكرار يكاد يكون مملا، اعيدت السياسة كي تقحم في الاتصالات.
فبُعيد الحصول على الضوء الاخضر من مجلس الوزراء لبدء في ورشة ترميم قطاع الخليوي ادارةً وتشغيلا، عاد الزمن 5 اعوام خلت، يوم ضاع اللبناني بين وجهات النظر الرقمية في قطاع يشكّل نحو 45% من مدخول الخزينة العامة. وعادت المفردات اياها، صفقات ووساطات وعمولات، تتطاير في اتهامات تشبه تماما الاصطفاف السياسي بين فريقي الازمة، حيث يخيّل للبعض من الجانبين ان لا مكان سوى للتوظيف والاستثمار والجني.
وفيما اكتفى وزير الاتصالات جبران باسيل بجعل الموضوع محصورا بعدم رغبة خصومه بالشروع في عملية اصلاح الخليوي باعتبار "انّ سوء الخدمة والتشويش وارتفاع الاسعار كلها عوامل تسهم في ازدياد النقمة الشعبية عليه وعلى المرجعية السياسية التي يمثل اي "التيار الوطني الحر"، تفيد مصادر مطلعة على حيثيات هذا الملف ان المرامي من الحملة على مسعى وزير الاتصالات لتلزيم ادارة شبكة "الفا" MIC1 لشركة "سوفريكوم" الفرنسية التابعة للشركة العملاقة في مجال الاتصالات "فرنس تلكوم" لحسابات سياسية تتعلق تحديدا بعلاقة تيار "المستقبل" بفرنسا نيكولا ساركوزي، اذ تبين لوزارة الاتصالات ان الشريك الالماني (ديتيكون) في شركة "فال ديتي"، وهي الشركة المشغلة لشركة "الفا" وعبارة عن كونسورسيوم الماني – سعودي، قرر الانسحاب من هذا الكونسورسيوم وهو كان يملك الحصة الاكبر فيه (51% من الاسهم)، فأضحى موقع الشريك السعودي (فال) ضعيفا بـ 49% من الاسهم وبعدم جهوزية للتشغيل نظرا الى ان المديرين الكبار في الشركة هم من الالمان المنسحبين مع شركتهم.
ولأن السياسة ما دخلت شيئا الا فسدته، صارت الصورة النمطية على الشكل الآتي: شركة سعودية تنسحب لتحل مكانها شركة فرنسية. اذ ذاك وقعت الواقعة وثارت الثائرة حتى وصلت الى مجلس الوزراء الذي امسك عصا الخليوي من وسطها وقرر استصدار قرار وسطي على صورة رئاسة الجمهورية التوافقية والوسطية، حتى لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم.
وثمة في "التيار الوطني الحر" من يرى ان العامل السياسي الحقيقي كان المحرك لكل السجال في الملف الخليوي. ويشتمّ البعض في التيار خشية في الموالاة من ان يوظَّف ادخال شركة "سوفريكوم" الفرنسية بدل الشركة السعودية المنسحبة، ربحا سياسيا لـ "التيار الوطني الحر" لناحية علاقته بفرنسا، "ولكي لا يحسب له انه اعاد فرنسا ساركوزي الى سوق الاتصالات التي سحبت منها في العام 2004، من الباب العريض اياه".
ويشير هؤلاء الى ان توقيت الحملة الاعلامية على وزير الاتصالات جاء عشية اطلاقه خدمة الـ Call Center، وهي خطوة تقنية متقدمة من شأنها الانعكاس ايجابا على الاقتصاد اللبناني، وايضا بعيد تحرير الوزير الارقام الهاتفية المميزة من خلال المزاد العلني والمداخيل الاضافية التي قاربت المليوني دولار، وهو ترك انطباعا بانه قادر على تحقيق نجاحات في تحسين اوضاع شبكتي الخليوي اللتين باتتا مصدر شكوى المواطن وانزعاجه.
وفي وقت تتحدث مصادر اقتصادية عن مجموعة اتجاهات ايجابية يعمل لها وزير الاتصالات وتتعلق بالبحث عن شروط جديدة لاخذ افضلها لتحسين خدمات الخليوي وخفض اسعار التخابر، وارتباط كل ذلك بتحسين وضع الشبكات، تفيد مصادر سياسية مطلعة ان تصعيد هذه الحملة، في حال استمرارها قد يؤدي الى شلل في حكومة الوحدة الوطنية التي تطلب الوصول اليها الكثير من المآسي والاثمان الباهظة من اقفال الوسط التجاري وشل الاقتصاد والسياسة والامن لعام ونيف الى السابع من ايار (مايو). لكنها تعتقد ان الامور لن تطور الى تأزم كبير "لأن سقف الدوحة، الذي يلتزمه جميع الافرقاء، يمنع الاسوأ". ولفتت الى ان هدنة التسويات هذه ستمتد الى الانتخابات النيابية المقبلة في ربيع السنة 2009.
ما وراء الحدود
بما ان التفتيش عن خلفيات الصراع السياسي من بوابة "الاتصالات" من مسلتزمات الدقة في التحليل، يرى بعض المراقبين ان لهذا الصراع امتدادات خارجية كانت الدافع لاحدهما لان يبدأ بالتصويب، ختى لو لم يردها الطرفان. فبالنظر الى ان التفاوض جرى مع شركة فرنسية هي "سوفريكوم" لتحل مكان شركة "فال ديتي" (السعودية- الامانية)، فانّ البلبلة التي شهدها قطاع الخليوي ليست الا امتدادا لارباك في العلاقة الفرنسية- السعودية، ناتج من تقرب فرنسا ساركوزي من القيادة السورية – اول خصوم المملكة العربية السعودية في العالم العربي في الوقت الراهن- على خلفية ما حصل في لبنان.
ويلفت المراقبون الى ان التوتر الفرنسي - السعودي أخذ الصيف الفائت شكلاً مختلفاً مع تلقي باريس رسالة "احتجاج" من الرياض تخص زيارة الرئيس السوري بشار الأسد لفرنسا، فاضطر الرئيس الفرنسي يومها الى إيفاد مسؤول فرنسي رفيع للقاء الملك السعودي ليوضح الكثير من النقاط.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق