الأحد، 9 نوفمبر 2008

Sphere: Related Content
لبنان يترقّب مدى التغيير في الاستراتيجيا الاميركية الخارجية
"الاوبامانيا" ابتكار سياسي عربي.. نُصبت عليها الآمال والمشانق!

اربع ثوابت اميركية مفترضة حيال لبنان في حقبة اوباما
رسالة اوباما الى الاسد: مراعاة المصالح السورية ودعم التفاوض مع اسرائيل

ينشر في "الاسبوع العربي" في 17/11/2008
تخطى حدث الانتخابات الرئاسية الاميركية حدود بلاد العم سام ليشغل اهتمام العالم بأسره. ولعل ابرز عوامل التشويق والحماس مذ بداية الحملات الانتخابية حتى نهايتها، هو ترشح السيناتور الديموقراطي الافريقي الاصل باراك اوباما ومن ثم فوزه في سابقة (قد تفوق حادثة اغتيال الرئيس جون كنيدي وربما احداث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر)، تمثلت بتقدم رجل اسود الى البيت الابيض. واضافة الى رغبة الاميركيين بالانقلاب على فترة حكم الرئيس جورج دبليو بوش وما شابها، بنظر معظم الرأي العام الاميركي، من اخطاء وسياسات متهورة، بلغ هذا التغيير الخطوط الحمر مع فوز اوباما بالرئاسة، الى حد بات البعض يتخوف من رد فعل عنصري تطيح بآمال "التغيير"، الكلمة التي سحر بها الفارس الاسود اميركا .. والعالم.
نظرا الى موقع الولايات المتحدة الاميركية وقوتها ونفوذها على الخريطة العالمية، امتدت اصداء انتخاباتها الرئاسية والتبعات الى مختلف القارات وطالت معظم بلدان العالم. وأضحت "الاوبامانيا" (الهوس بأوباما) "صرعة" سياسية قائمة بذاتها في اكثر من عاصمة عربية واقليمية، من دمشق الى طهران مرورا ببيروت فبغداد، وصولا الى مغاور افغانستان وملاجئ اسامة بن لادن في طورا بورا! فباراك أوباما الذي يتوسطه حسين، صار رمز الخلاص لانظمة او مجموعات تفتش عن عرش ضائع او عن ملك غابر او عن دور مستعاد، وحوّلته اخرى مطية لتحقيق مصالحها ونصْب المشانق لمناوئيها!
وتبقى قضية الشرق الاوسط بارزة في اي سياسية او استراتيجيا اميركية، فكان ان تابع السياسيون والمراقبون في البلدان الشرق اوسطية والعربية خصوصا نتائج هذه الانتخابات وما قد تحمل في طياتها من تغيير في السياسة الخارجية تجاهها، الى درجة بات اوباما او المرشح الجمهوري جون ماكين في صلب معسكري السياسة في هذه البلدان، فصنّف اوباما في لبنان مرشح قوى 8 آذار (مارس) للانتخابات الاميركية، وماكين مرشح "ثورة الارز" و14 آذار (مارس)، في مشهد يجسد سوريالية السياسة اللبنانية ومدى ارتباط بلد صغير (سبق ان لم يسمع به اكثر من رئيس اميركي!) بالمتغيرات الدولية عموما والاميركية خصوصا، اقله في اذهان الساسة اللبنانيين.
توقعات في السياسة الخارجية
ويرى بعض الخبراء السياسيين الاجانب انه "على الرغم من ان اوباما يبقى الرئيس المنتخب للولايات المتحدة الاميركية الى حين تسلمه مهامه رسميا في العشرين من كانون الثاني المقبل، الا انّ فريق عمله سيبدأ العمل فورا لمعالجة العديد من التحديات تمهيدا لتولي الادارة الجديدة مقاليد الرئاسة الأميركية ولكي تكون ادارة اوباما مستعدة للتعاطي مع قضايا السياسة الخارجية والتحديات الاقتصادية الكبرى خصوصا في ظل الازمة الاقتصادية العالمية ذات المنشأ الاميركي".
ويتوقعون "تغييرا في السياسة الاميركية الخارجية بالنسبة الى افغانستان والعراق والملف الايراني والعلاقة مع سوريا، ان لم يكن من حيث المبدأ فمن حيث التكتيك، مما ينعكس حكما وتلقائيا على لبنان، بصفته البلد الاول الذي يتلقف نتائج السياسات الاقليمية والدولية". ويبدون اسئلة من مثل "هل الوقت يكفي للرئيس الجديد حتى يعير اهتماما للمشاركة ديبلوماسيا في الجهود المبذولة على الجبهة العربية - الاسرائيلية نظرا الى القضايا الاخرى الكثيرة التي تستحوذ اهتمام الادارة الاميركية الجديدة"؟ لكنهم يرجحون ان يحظى ملف الشرق الاوسط باهتمام رئيسي في الادارة المقبلة نظرا الى انه كان يشكل في عهد بوش محورا رئيسيا في سياسته".ويحذر الخبراء السياسيون من أن "العوامل الخارجية هي التي تشكل السياسة الخارجية للرئيس الاميركي في كثير من الأحيان، لذا فانه من المستحيل معرفة ماهية هذه السياسة، بشكل دقيق بالاعتماد فقط على ما قاله المرشح في حملته الانتخابية".
ويرون انّ "امام اوباما فرصة لفتح صفحة جديدة مع العالم العربي والشرق الاوسط يعيد من خلالها ترسيخ سياسة التفاهم والحوار المفتقدة في عهد الرئيس بوش"، مشيرين الى انه "من المحتمل ان يطلق مبادرات متوازية ستكون الاستراتيجيا الاوسع لادارته في المنطقة وتندرج تحت مظلة المبادرة العربية ورعايته مفاوضات اسرائيلية- سورية واسرائيلية- فلسطينية في الوقت ذاته"، ومعتبرين ان المسار السوري هو "ثمرة اسهل قطفها من المسار الفلسطيني". ويلفتون الى ان "المعضلة الاكبر تقف عند استعداد سوريا للتحول في موقعها الاستراتيجي واعادة درس علاقتها بـ "حزب الله" و"حماس" وايران".
تغيير اميركي وترقب لبناني
وفيما بدا الشارع اللبناني، قادة ومؤيدين، مواكبا للانتخابات الرئاسية الاميركية مؤيدا او معارضا لاحد المرشحين الى البيت الابيض، وفيما حظي المرشح الجمهوري بتأييد عدد كبير من اللبنانيين غالبيتهم من ضمن معسكر قوى الرابع عشر من آذار (مارس) نظرا الى اطمئنانهم الى السياسة الخارجية للجمهوريين خصوصا لناحية دعم سيادة لبنان واستقلاله ورفض التدخل الاجنبي فيه لا سيما من رياح دمشق التي حاصرتها السياسة الاميركية نفسها في عهد بوش في محاولة لعزلها، بدا الاطمئنان جليا لدى قوى المعارضة التي رأت في فوز اوباما "تأكيدا على صحة سياساتها وخياراتها اي على التغيير في الادارة الاميركية في اتجاه اتباع سياسة الانفتاح تجاه بعض الدول الشرق اوسطية لا سيما سوريا وايران، وتاليا تغيير السلوك الشاذ الذي اتبع في عهد الرئيس بوش الذي ابدى في ولايتيه الرئاسيتين انحيازا تاما الى المصالح الاسرائيلية ضاربا عرض الحائط مصالح الشعوب العربية او معايير عملية السلام العادل والشامل".
في هذا السياق، يعتبر ديبلوماسي غربي بارز انه "من المبكر الآن تحديد ما اذا كانت ادارة الاميركية الجديدة ستغير سياستها حيال لبنان،" وهو "لا تتوقع في المدى القريب اي تغيير في هذا المجال استنادا الى معلومات مستقاة من لبنانيين يحملون الجنسيات الاميركية عملوا في فريق الرئيس المنتخب في خلال الحملة الرئاسية".
ويعدد الديبلوماسي البارز العناوين التي من الممكن ان يتمسك بها الرئيس الجديد ومن بينها:
-ممانعة عودة اي من القوى الاجنبية الى لبنان تحت أي ذريعة.
-مساندة حصرية السلاح بيد الدولة وبالقوات الشرعية.
-دعم مكافحة الارهاب واستئصال خلايا التنظيمات الاصولية المسلحة وتلك الكامنة في خلايا نائمة.
-استمرار الادارة الاميركية بالمناداة بحرية التعبير وبالالتزام الكامل لتطبيق القرارات الصادرة عن مجلس الامن سواء المتعلق منها بنزع سلاح التنظيمات المسلحة اللبنانية أو غير اللبنانية، وكذلك بدعم قرار المحكمة الدولية الخاصة للبنان، والمتوقع ان تبدأ أعمالها في شباط (فبرياير) من السنة المقبلة.
ويعتقد الديبلوماسي اياه انّ "اوباما لن يجبر اسرائيل على الانسحاب من مزارع شبعا لوضعها تحت وصاية الامم المتحدة بنقل عناصر من قوة "اليونيفيل" ونشرها في المزارع بعد انسحاب اسرائيل منها الى حين التسوية في المنطقة، كما لن يجبرها على الانسحاب من تلال كفرشوبا الا وفقا للشروط الاسرائيلية في كلا الحالين". ويشير الى انه "قد يشجع الحكومة اللبنانية على الحوار غير المباشر مع اسرائيل". ويرى ان "الرئيس المنتخب لن يلح على اسرائيل كي توقف خروقها الجوية العسكرية للسيادة اللبنانية التي تحصل في شكل شبه يومي من دون التقيد بما لحظته قرارات مجلس الامن من طلب الامتناع عنها لانها تشكل استفزازا للجيش وللمقاومة معا".ويقول ان "التوجيهات ستبقى على حالها مع الوزير الجديد في الخارجية، ومع الطاقم الذي سيعين في المستقبل القريب"، لافتا الى ان أوباما "سيشدد على وجوب ترجمة القرار المتخذ حول انشاء علاقات ديبلوماسية بين لبنان وسوريا، بمعنى التأكيد على بدء التعامل من دولة الى دولة، ووقف اي تدخل في السياسة الداخلية اللبنانية، ومنع دخول السلاح الى الاراضي اللبنانية الى جهات غير رسمية". ويشير الديبوماسي الى ضآلة امكان تحقيق تغيير جذري في الموقف الاميركي من "حزب الله".
بين بوش... واوباما
ومع شبه الاجماع الذي رافق الانتخابات الرئاسية الاميركية بأنها مؤشر لبزوغ فجر حقبة دولية جديدة ستتسم بمواصفات مغايرة لتلك التي اتسمت بها الحقبة السابقة، ترى مصادر قيادية في المعارضة انّ "الحماسة الضمنية، التي لم يجاهر بها حلفاء الادارة الاميركية في لبنان علنا تجاه المرشح عن الحزب الجمهوري بصفته استمراراً للثوابت الاستراتيجية في نهج بوش الذي وقف الى جانب "ثورة الارز" في معركتها لإخراج الجيش السوري من لبنان وإقرار المحكمة الدولية، تعود الى ادراكهم بأنّ الاحلام التي بنوها على عهد بوش الابن ستتبخر على وقع موجة اوباما الذي لم يخف رغبته في فتح حوار مع سوريا وايران بدلا من مواجهتهما".
وتشير المصادر الى ما كشفته صحيفة "وورلد تربيون" الأميركية الصادرة يوم الأربعاء في الخامس من تشرين الثاني (نوفمبر) عن أن رئيس "مجموعة الأزمات الدولية" روبرت مالي نقل في تشرين الاول (اكتوبر) الفائت رسالة من أوباما إلى الرئيس السوري بشار الأسد، تحوي "تعهدا بأن الولايات المتحدة ستعمل على مصالحة دمشق وتوسيع علاقاتها مع مصر". ونقلت الصححيفة عن احد معاوني الرئيس المنتخب "ان أوباما يخطط لإطلاق مبادرة دبلوماسية مع دمشق التي تعتبرها إدارة بوش الداعم الأساسي لمنظمة القاعدة في العراق. وهو، وبخلاف جورج بوش ، يدعم مفاوضات السلام بين إسرائيل والرئيس السوري". ولفت الى "ان محتوى الرسائل كان التأكيد على أن إدارة أوباما ستأخذ في الاعتبار المصالح السورية والمصرية".
وكان مالي، وهو أحد مستشاري حملة أوباما وأحد أعضاء طاقم العمل الديبلوماسي في إدارة الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، قد زار دمشق منتصف تشرين الأول (أكتوبر)، والتقى عددا من المسؤولين السوريين، في الرئيس الأسد.
في المقلب الآخر، لا يخفي مؤيدو قوى الرابع عشر من آذار (مارس) قلقهم من النزعة التسووية لدى اوباما "الذي يعطي الأولوية لإقفال ملف الحروب مع ما يمكن ان ينطوي عليه ذلك من احتمال تهميش الملف اللبناني او عرض بعض أوراقه للمقايضة، بينما كان الحزب الجمهوري يتعاطى مع لبنان كإحدى الأولويات ونقاط الارتكاز الحيوية في المنطقة".
وبإزاء هذا القلق، تظهر قوى الغالبية مطمئنة الى ان "الثوابت الاميركية تجاه لبنان لن تتغير مع فوز أوباما على ماكين".
ويعتبر قيادي بارز في هذه القوى أن "لا مبرر مشروعاً للتخوف من صفقة يجريها أوباما مع سوريا"، متوقّعا ان "يلمس الرئيس المنتخب من خلال التجربة الشخصية صعوبة محاورة النظام السوري، ومرجّحا "ألا يطرأ اي تحول نوعي على جوهر السياسة الاميركية المتعلقة بالوضع اللبناني". ويقول ان "إقرار المحكمة الدولية وجعل لبنان دولة مستقلة تتمتع بقرار سيادي وحدود مصونة، ثابتتان لن تتأثرا بانتخاب أوباما لا سيما انه يأتي الى الحكم من خلفية الاهتمام بحقوق الانسان".

ليست هناك تعليقات: